المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: الإجماع القطعي - القطعية من الأدلة الأربعة

[محمد دكوري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: قطعية الدليل وأثرها

- ‌الفصل الأول: قطعية الدليل

- ‌المبحث الأول: جهة القطعية في الدليل

- ‌المطلب الأول: جهة الثبوت

- ‌المطلب الثاني: جهة الدلالة

- ‌المطلب الثالث: مسائل في جهة القطعية

- ‌المبحث الثاني: فيما يفيد القطعية في الدليل

- ‌المطلب الأول: إفادة الإجماع القطعية في الدليل

- ‌المطلب الثاني: أثر القرائن في إفادة القطعية

- ‌المبحث الثالث: فيما يمنع القطعية عن الدليل

- ‌المطلب الأول: أثر الخلاف في منع القطعية

- ‌المطلب الثاني: الاحتمال وأثره في منع القطعية

- ‌الفصل الثاني: أثر قطعية الدليل

- ‌المبحث الأول: أثر قطعية الدليل في الإصطلاح

- ‌المطلب الأول: في الدليل والأمارة

- ‌المطلب الثاني: في الفرض والواجب

- ‌المبحث الثاني: أثر القطعية في الاجتهاد والتخطئة

- ‌المبحث الثالث: أثر القطعية في التعارض والترجيح

- ‌الباب الثاني: أحكام القطعية في الأدلة الأربعة

- ‌الفصل الأول: أحكام القطعية في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الأول: الكتاب والسنة أصل الأدلة الشرعية القطعية وغيرها

- ‌المبحث الثاني: أحكام القطيعة في السنة من جهة الثبوت

- ‌المطلب الأول: قطعية الخبر المتواتر

- ‌المطلب الثاني: قطعية الخبر الواحد

- ‌المبحث الثالث: أحكام القطعية في الكتاب والسنة من جهة الدلالة

- ‌المطلب الاول: قطعية النص

- ‌المطلب الثاني: قطعية العموم

- ‌المطلب الثالث: قطعية المفهوم

- ‌الفصل الثاني: أحكام القطعية في الإجماع

- ‌المبحث الأول: قطعية الإجماع

- ‌المبحث الثاني: الإجماع القطعي

- ‌الفصل الثالث: أحكام القطعية في القياس

- ‌المبحث الأول: قطعية القياس

- ‌المبحث الثاني: القياس القطعي

- ‌المبحث الثالث: القطعي من مسالك العلة

الفصل: ‌المبحث الثاني: الإجماع القطعي

‌المبحث الثاني: الإجماع القطعي

صور الإجماع:

اختلف القائلون بحجية الإجماع في جملة كبيرة من الشروط والقيود في الإجماع الذي هو حجة صحيحة، فكانت من ذلك الخلاف صور كثيرة من الإجماع المختلف فيه، ومن ذلك الإجماع السكوتي1، والإجماع المنقول بخبر الواحد، والإجماع المستند إلى دليل غير قطعي، والإجماع الذي يخالف فيه بعض قليل من الأمة أو بعض معين منهم كالعامي والأصولي غير الفقيه والفقيه غير الأصولي أو المتكلم، والإجماع المنعقد بعد الخلاف، والإجماع المنعقد ما لم ينقرض عصر المجمعين

وكل ذلك منه ما قوي فيه الخلاف وقربت مآخذ الأدلة فيه، ومنها ما ضعف الخلاف فيه وكان بعيدا فيه وجه الاستدلال2.

ما يطلق عليه اسم الإجماع:

وليس كل ما سمي إجماعا يكون قطعيا، فقد نقل بعض العلماء الاتفاق

1 وهو أن يكون القول في حكم الحادثة من بعض المجتهدين ويسكت الباقون بعد انتشار القول من غير أن يظهر منهم اعتراف أو رضا. انظر البحر المحيط4/494.

2 انظر الخلاف في هذه الصور من الإجماع في: المحصول للرازي 4/127 فما بعدها، والإحكام للآمدي 1-2/191 فما بعدها، والبحر المحيط للزركشي 4/444 فما بعدها.

ص: 401

على أن الإجماع المنقول بالآحاد ليس من الإجماع القطعي حتى عند القائلين بحجية مثل ذلك الإجماع1.

نقل الزركشي أن بعض أهل العلم رحمهم الله يرى أن اسم (الإجماع) لا يطلق إلا على ما كان قطعيا 2، فعلى هذا الاصطلاح لا يكون ما يسمى (إجماعا) إلا قطعيا، ولكن المتبع في هذا البحث إطلاق الإجماع في الاصطلاح على ما هو أعم من القطعي منه. والله أعلم.

الإجماع القطعي:

اختلف مسلك أهل العلم - رحمة الله عليهم - في تحديد القطعي من الإجماع:

المسلك الأول: أن القطعي من الإجماع هو الإجماع الذي يشتمل على جميع الشروط والقيود المتفق عليها والمختلف فيها، بحيث لا يخالف فيه أحد من القائلين بحجية الإجماع، فيكون إجماعا قوليا غير سكوتي مستندا إلى دليل قطعي منقولا بالتواتر عن جميع الأمة بعوامها وخواصها وذلك بعد انقراض العصر من غير سبق خلاف

وهكذا حتى يكون إجماعا لا يخالف فيه أحد من القائلين بحجية الإجماع.

وهذا أضيق مسالك تحديد الإجماع القطعي، وهو مبني على أن الخلاف

1 انظر الإحكام للآمدي1-2/238 وكشف الأسرار للبخاري3/465.

2 انظر البحر المحيط4/444.

ص: 402

في صحة الإجماع والاعتداد به يرفع القطعية عن المختلف فيه منه.

ويدل على هذا المسلك قول الموفق ابن قدامة1: "الإجماع ينقسم إلى مقطوع ومظنون، فالمقطوع ما وجد فيه الاتفاق مع الشروط التي لا يختلف فيه مع وجودها ونقله أهل التواتر

والمظنون ما اختلف فيه أحد القيدين بأن توجد مع الاختلاف فيه كالاتفاق في بعض العصر وإجماع التابعين على أحد قولي الصحابة أو يوجد القول من البعض والسكوت من الباقين أو توجد شروطه لكن ينقل آحادا"2.

وقال الطوفي: "والقطعي: هو النطقي المتواتر المستكمل للشروط"3.

وقال الشاطبي في إشارة إلى هذا المسلك: "إن الإجماع إنما يكون قطعيا على فرض اجتماعهم على مسألة قطعية لها مستند قطعي، فإن اجتمعوا على مستند ظني فمن الناس من خالف في كون هذا الإجماع حجة"4، فنفى القطعية عن الإجماع المستند إلى غير قطعي، ثم علل ذلك

1 هو عبد الله بن أحمد بن محمد أبو محمد موفق الدين ابن قدامة المقدسي، فقيه أصولي، من تصانيفه: المغني والكافي كلاهما في الفقه، وروضة الناظر في أصول الفقه، توفي سنة (620) هـ. انظر كتاب: الذيل على طبقات الحنابلة 2/133-149 وسير أعلام النبلاء 22/165-173 والفتح المبين 2/53-54.

2 روضة الناظر1/386-387، وانظر شرح مختصر الروضة 3/127.

3 شرح مختصر الروضة 3/136، بعد أن قدَّم الكلام على جملة من الشروط والقيود المختلف فيها بين العلماء.

4 الموافقات 2/50-51.

ص: 403

بمخالفة بعض الناس في الحجية، فذلك إشارة إلى أن الخلاف في الحجية مانع من القطعية.

فمقتضى هذه الأقوال أن الإجماع القطعي هو ما وجد فيه جميع القيود والشروط، المتفق عليه والمختلف فيه حتى يجتمع جميع القائلين بالإجماع على القول به.

المسلك الثاني: أن الإجماع القطعي هو الذي توجد فيه القيود والشروط التي يَعتد بها المستدل ويقطع ببطلان خلافها قطعا، فالإجماع القطعي على هذا هو ما وجد فيه جميع الشروط والقيود التي عليها أدلة راجحة أو مرجوحة مع الاحتمال، أما الشروط التي أدلتها باطلة قطعا عند المستدل فيَقطع بالإجماع مع عدمها.

والفرق بين هذا المسلك والذي قبله أن في المسلك الأول اشتُرط في قطعية الإجماع وجود جميع القيود اعتدادا بمجرد الخلاف، أما في هذا فإنما اعتُد بالشروط المحتملة للصحة دون الباطلة قطعا تبعا لأدلتها.

ويدل على هذا المسلك قول الغزالي بعد ذكر الخلاف في صحة الإجماع الذي خالف فيه النحوي أو المتكلم: "فإن قيل: فهذه مسألة قطعية أم اجتهادية؟ قلنا: هي اجتهادية، ولكن إذا جوّزنا أن يكون قوله معتبرا صار الإجماع مشكوكا فيه عند مخالفته فلا يصير حجة قاطعة، وإنما يكون حجة قاطعة إذا لم يخالف هؤلاء"قال: "أما خلاف العوام فلا يقع

ص: 404

ولو وقع فهو قول باللسان وهو معترف بكونه جاهلا بما يقول، فبطلان قوله مقطوع به كقول الصبي"1.

فالإجماع قطعي عنده مع خلاف العوام للقطع ببطلان اشتراط وفاقهم في الإجماع، وكان الإجماع غير قطعي مع خلاف النحوي أو المتكلم لأن أدلة طرفي الخلاف في تلك المسألة غير قطعية وإنما يصار إلى القول فيها بشيء من الترجيح.

وعليه فمن كان يرى أن بطلان تأثير خلاف العامي في الإجماع غير قطعي كان الإجماع الذي يخالف فيه العامي غير قطعي عنده خلافا لما قطع به الغزالي، وذلك كالآمدي فإنه لم يقطع ببطلان اعتبار قول العامي في الإجماع فقال بعد المسألة "وبالجملة، فهذه المسألة اجتهادية، غير أن الاحتجاج بالإجماع عند دخول العوام في الإجماع يكون قطعيا وبدونهم يكون ظنيا"2.

فتحَصَّل أن الإجماع إذا خالف فيه العوام كان قطعيا عند الغزالي لقطعه ببطلان اعتبار قول العامي، وهو ظني عند الآمدي لعدم قطعه ببطلان اعتبار قول العامي في الإجماع.

ومن النظر على هذا المسلك كان الإجماع السكوتي غير قطعي عند

1 المستصفى 2/330-331، وانظر جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/195-197.

2 الإحكام1 للآمدي 2/193.

ص: 405

بعض من قال بحجيته لأنه لا يقطع ببطلان الاحتمالات في أن يكون السكوت لدواعي أخرى غير الموافقة1، ويكون إجماعا قطعيا عند من قطع ببطلان تلك الاحتمالات. والله أعلم.

المسلك الثالث: وسلك بعض العلماء في بيان الإجماع القطعي مسلكا قريبا مما سبق، فرتبوا الإجماع مراتب حسب قوته، وكان بعض تلك المراتب عندهم قطعيا، وأساس الترتيب نبذ الاحتمالات البعيدة غير المعضدة حتى يخلص الإجماع للقطعية، والاعتداد بالاحتمالات القريبة فترتفع القطعية.

قال الشاشي: ثم الإجماع على أربعة أقسام:

1- إجماع الصحابة رضي الله عنهم على حكم الحادثة نصا.

2-

ثم إجماعهم بنص البعض وسكوت الباقين عن الرد.

3-

ثم إجماع من بعدهم فيما لم يوجد فيه قول السلف.

4-

ثم الإجماع على أحد أقوال السلف.

قال: "أما الأول فهو بمنزلة آية من كتاب الله، ثم الإجماع بنص البعض وسكوت الباقين فهو بمنزلة المتواتر، ثم إجماع من بعدهم بمنزلة المشهور من الأخبار، ثم إجماع المتأخرين على أحد أقوال السلف بمنزلة الصحيح من الآحاد"2.

1 انظر البحر المحيط 4/444،498، والمرجع السابق 1-2/216.

2 أصول الشاشي ص288-291.

ص: 406

وقال االسرخسي: "إن ما أجمع عليه الصحابة فهو بمنزلة الثابت بالكتاب والسنة في كونه مقطوعا به يكفر جاحده1، وهذا أقوى ما يكون من الإجماع، ففي الصحابة أهل المدينة وعترة الرسول2 ولا خلاف بين من يعتد بقولهم أن هذا الإجماع حجة موجبة للعلم قطعا"3، ثم ذكر مرتبة خلاف الصحابة على أقوال وأنه بمنزلة الخبر المشهور4.

وقال عبد العلي في (فواتح الرحموت) عند بيان الفرق بين هذه المراتب: "وجه الفرق أن الصحابة كانوا معلومين بأعيانهم فتعلم أقوالهم بالبحث والتفتيش

وأما من بعدهم فتكثَّروا ووقع فيهم نوع من الانتشار فوقع شبهة في اتفاقهم واحتمل أن يكون هناك مجتهد لم يطلع على قوله الناقلون، لكن لما كان هذا الاحتمال بعيدا - لعدم وقوع الانتشار كذلك مع كون الناقلين جماعة تكفي للعلم - صار بمنزلة المشهور الذي فيه احتمال بعيد5 وصار أدون درجة من إجماع الصحابة"6.

1 انظر ص (خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.) في الكلام على تكفير جاحد الإجماع.

2 قال ابن الأثير في النهاية 3/177: "عترة الرجل أخص أقاربه، وعترة النبي صلى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب، وقيل أهل بيته الأقربون

والمشهور المعروف أن عترته أهل بيته الذين حرمت عليهم الزكاة".

3 أصول السرخسي 1/318.

4 المرجع السابق.

5 مذهب الحنفية أن الاحتمال البعيد غير المعتضد لا يرفع القطعية، انظر ص (خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.) .

6 فواتح الرحموت 2/245.

ص: 407

ووجه قرب هذا المسلك مما قبله أن فيه اعتدادا ببعض الشروط لقوتها ونبذا لبعضها لبعدها، ولم يُشترط فيه لقطعية الإجماع أن يستكمل جميع الشروط كما في المسلك الأول.

والظاهر أن تحديد الإجماع القطعي يتفرع على مسألتين: أثر الخلاف في رفع القطعية وأثر الاحتمال في رفعها، فمن كان عنده مطلق الخلاف في الدليل رافعا للقطعية عنه كان كل ما اختلف في صحته من الإجماع غير قطعي، واقتصر القطعي عنده على ما لا يختلف فيه القائلون بالحجية وذلك المستكمل لجميع الشروط والقيود، ومن كان مذهبه أن الخلاف البعيد الباطل قطعا بالنظر إلى الأدلة لا يمنع القطعية لم يشترط لقطعية الإجماع ألا يختلف فيه.

ومن كان يعتد بأدنى شبهة احتمال في رفع القطعية كان كل إجماع احتمل عدم اتفاق الجميع - ولو احتمالا بعيدا غير معتضد - غير قطعي، أما من كان لا يعتد من الاحتمال إلا ما كان قريبا مناسبا في العادة والعرف الشرعي لم يمنع من القطع الاحتمالُ البعيد الغريب عن العرف الشرعي.

وعلى هذا قول ابن تيمية: "والإجماع قطعي الدلالة أو ظني الدلالة، فإن من الناس من يطلق الإثبات بهذا أو هذا ومن يطلق النفي لهذا أو لهذا، والصواب التفصيل بين ما يقطع به من الإجماع ويعلم يقينا أنه ليس فيه

ص: 408

منازع من المؤمنين أصلا، فهذا يقطع بأنه حق

"1.

وأقرب ما ذكر في تحديد الإجماع القطعي أنه "القولي المشاهد أو المنقول بعدد التواتر"2، لأن فيه الاعتداد بما هو المؤثر حقيقة في القطعية نظرا إلى الأدلة، وهو أن يَعلَم من حَضَر بالمشاهدة ومن بعُد أو تأخر بالنقل المتواتر اتفاقَ المجمعين بالقول على حكم من الأحكام.

وهو ملحق بالمسلك الثاني والثالث من مسالك العلماء. والله تعالى أعلم.

1 مجموع الفتاوى7/79.

2 انظر مذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أصول الفقه ص151.

ص: 409