الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: قطعية الدليل وأثرها
الفصل الأول: قطعية الدليل
المبحث الأول: جهة القطعية في الدليل
المطلب الأول: جهة الثبوت
…
المطلب الأول: جهة الثبوت1
الكتاب والسنة والإجماع أدلة نقلية، فيكون بين المستدل بها الذي لم يشهد ورود الدليل وبين مورد الدليل وسائط ناقلة، ومن أجل ذلك يحصل التفاوت في ثبوت الدليل عند من نقل إليه تبعا لاختلاف الوسائط والطرق الناقلة للدليل، وقد تثبت هذه الأدلة بطرق قوية ينتهي بها المستدل إلى
1 انظر هذا الإطلاق في: المحصول للرازي 4/428 وشرح مختصر الروضة2/563-564 وكشف الأسرار لعبد العزيز البخاري 1/84 ومسلم الثبوت1/350-351 وحاشية المطيعي على نهاية السول 1/34-35، 3/318.
وفي استعمال العلماء عبارات أخرى مرادفة لعبارة (الثبوت) تطلق عند الكلام على هذه الجهة مثل (السند) . انظر الإحكام للآمدي1/238 ومجموع الفتاوى لابن تيمية20/257-259 ودرء تعارض العقل والنقل1/7 وشرح تنقيح الفصول للقرافي/209،282.
وورد (المتن) في كلام بعضهم في التعبير عن جهة الثبوت، انظر المحصول4/428 وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/150 والإبهاج لابن السبكي2/187، 276. لكن ورد (المتن) عند الآمدي للتعبير عن الجهة المقابلة وهي جهة الدلالة، انظر الإحكام1/238 وانظر الغياثى/60. وهو الأظهر أعني أن يكون (السند) للثبوت و (المتن) للدلالة، لأن الدليل يثبت بالنظر إلى سنده وفهمُ الدلالة منه بالنظر إلى متنه. والله أعلم.
ومما ورد للتعبير عن جهة الثبوت أيضا لفظ (الورود) انظر إحكام الفصول للباجي ص264 والوصول لابن برهان1/261، 264.
واخترت لفظ (الثبوت) لأنه أكثر ما وقفت عليه في استعمال العلماء رحمهم الله لا سيما الحنفية، فلا يكاد يوجد عندهم عبارة أخرى في تسمية هذه الجهة غير لفظ (الثبوت) .
القطع بصحة نسبتها إلى موردها، فيقطع بنسبة الدليل من الكتاب إلى الباري جل شأنه، ويقطع بنسبة الدليل من السنة إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وأنه قاله، ويقطع بنسبة الدليل من الإجماع إلى أهله وأن المجمع عليه سبيل المؤمنين، والقطع بهذا الأمر هو القطع بالدليل من جهة ثبوته، أي ثبوته عند المستدل الناظر فيه منسوبا إلى مصدره ومورده1.
ويترتب على النظر في هذه الجهة من القطعية وما يحصل فيها من تفاوت الخلاف في حجية ما نقل من القرآن بالآحاد لعدم القطع فيه من جهة ثبوته قرآنا2، كما ترتب على النظر فيها كون السنة منها متواتر قطعي الثبوت، ومنها آحاد مختلف في قطعيتها من جهة الثبوت3، وكون الإجماع منه ما هو قطعي لنقله بالتواتر ممن أجمعوا ومنه ما نقله الآحاد فاختلف في حجيته4.
1 وليس المراد بثبوت الدليل هنا حجيته أي ثبوته حجة شرعية، لأن القطعية في الدليل ومباحثها مفرعة على حجية الدليل، فالسنة حجة شرعية قطعا عند جميع المسلمين وقد تثبت في صورة معينة بطريق لا يقطع بنسبة الحديث فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد يضعفه بعض العلماء.
2 فقد نقل الاتفاق على أنه ليس قرآنا، وأن الخلاف إنما هو في حجيته لا في قرآنيته. انظر مسلم الثبوت2/9 وانظر الكلام على هذه المسألة في مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه2/19 وكشف الأسرار للنسفي1/18 ومذكرة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ص56.
3 سيأتي البحث في قطعية خبر الواحد في الباب الثاني، انظر ص (خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.) .
4 لذا كان مما يَرِد على حجية الإجماع عسر الوقوف على قول كل واحد من أهله حتى قال الإمام أحمد: "من ادعى الإجماع فقد كذب، لعل الناس اختلفوا
…
لكن يقول: لا نعلم، لعل الناس اختلفوا ولم يبلغه" انظر العدة لأبي يعلى4/1059.
فوقع كل هذا التفاوت والتنوع في تلك الأدلة لاختلافها في الثبوت قطعا أو ظاهرا1.
أما القياس فهو دليل لا تتأتى فيه هذه الجهة على التحقيق، لأن المجتهد هو الذي يظهره بنظره وإثباته له فلا تحصل فيه واسطة ولا يؤثر في قوته وثبوته نقل ولا سند، وقد يكون من القياس ما يتأتى فيه النقل والوسائط كالأقيسة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم2 أو الأقيسة التي ينقل أن العلماء أجمعوا عليها 3، والصحيح أن مثل هذه الأقيسة راجع إلى الأدلة النقلية السابقة، فالأقيسة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم من جملة أدلة السنة النبوية والأقيسة المجمع عليها تلتحق بدليل الإجماع، أما ما كان من القياس مرويا عن آحاد العلماء فصحته بصحة اعتباره ووضعه وسلامته من القوادح4، فينظر فيه كما ينظر في آحاد الأقيسة وليس في ثبوته عن ذلك العالم، لأنه لو فرض ثبوته عنه
1 انظر مجموع فتاوى ابن تيمية20/257-259.
2 سيأتي الكلام على بعضها في مبحث القياس القطعي، انظر ص (422.) .
3 انظر مبحث الإجماع القطعي ص (خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.) ومبحث المسالك القطعية ص (437.) .
4 يكون القياس صحيح الاعتبار إذا لم يخالف نصا أو إجماعا، ويكون وضع القياس صحيحا إذا كان الجامع فيه بين الأصل والفرع لم يثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم المدّعَى إثباته، وتفصيل البحث عن هذا في قوادح القياس التي منها فساد الاعتبار وفساد الوضع، وما ذُكر هنا ضدهما. انظر القوادح في شرح الكوكب المنير4/229 وما بعدها.
بالقواطع فذلك لا يكفي لصحته إذ ليس قوله حجة بدون مستند! فالدليل من القياس لا تتأتى فيه جهة الثبوت كما تتأتى في الأدلة النقلية الثلاثة الكتاب والسنة والإجماع.