الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضابط العاشرة: ليس للنجاسة في الباطن حكم النجاسة
.
…
الضابط العاشر: ليس للنجاسة في الباطن حكم النجاسة. "صياغة"
ذكر هذا الضابط الزركشي ولفظه: "النجاسة مادامت في الباطن لا يحكم لها بحكم النجاسة في إبطال الصلاة"1، ونقل الشعراني2 عن ابن سريج3قوله:"الشريعة تقتضي أن ليس في باطن الإنسان نجاسة"4، وأشار إليها القرافي ببيان الفرق بين
1 انظر: المنثور3/256.
2 هو أبو الموهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني الأنصاري الشافعي، ولد سنة 898هـ، وتوفي سنة 973هـ، من المؤلفاته [شرح جمع الجوامع للسبكي] في أصول الفقه، و [كشف الغمة عن جمع الأمة] في أحاديث الأحكام.
أنظر الكواكب السائرة 3/176-177، وشذرات الذهب 8/372-374.
3 هو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج من كبار فقهاء الشافعية، توفي ببغداد سنة 306هـ. من مؤلفاته [الرد على ابن داود في القياس] ،و [الرد عليه في مسائل اعترض بها الشافعي] .
انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/21-39،وطبقات الشافعية للأسنوي 2/20-21.
4 مختصر قواعد الزركشي الشعراني (رسالة) 2/755.
ما يكون من النجاسات في باطن الحيوان وما يرد على باطن الحيوانات1.
المعنى الإجمالي:
المراد أن كل ما بباطن الإنسان أو غيره من الحيوانات الطاهرة من فضلة، أو دم، أو نحو هما مما هو نجس إذا خرج من الجسد، لا يحكم عليها بحكم النجاسات مادامت في الباطن، فلا تبطل الصلاة بوجودها سواء كانت في جسم المصلي نفسه، أم حمل معه آدمياً أو حيوان اً طاهراً، ولا يتنجس ما لاقته2.
وقيد ذلك كثير من العلماء بأن تكون في موضعها الأصلي، فلو حمل المصلي معه قارورة محكمة، أو نحوها بها نجاسة كان حاملا للنجاسة، ولم تصح صلاته3.
الأدلة:
1-
استدل العلماء على هذا الضابط بما رواه البخاري ومسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد الشمس فإذا سجد
1 انظر: الفروق للقرافي 2/119-121.
2 انظر: مختصر قواعد الزركشي (رسالة) 2/753-754.
3 انظر المهذب 1/61، والمغني 2/468.
وضعها وإذا قام حملها"1.
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: "وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه"2، وكذلك قال النووي، علل العفو عن النجاسة بكونه في معدته3،وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه جعل طاهراً لمشقة الاحتراز وليس من النجاسات العفو عنها4.
2-
ويمكن الاستدلال على صحة هذه القاعدة بقوله- تعالى-: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} 5فقد استدل بها بعض العلماء على طهارة المني - على تسليم أنه يجري في مجرى البول- حيث قالوا أن المماسة في باطن غير موجبة للتنجيس، ولو كانت موجبة للنتجيس لنجس اللبن6.
1 تقدم تخريجه ص623/ح2.
2 فتح الباري 1/705.
3 انظر: شرح صحيح مسلم 5/32-33.
4 انظر: مجموع الفتاوى21/598.
5 النحل (66)
6 انظر: مجموع الفتاوى 21/602، 603، وانظر: الجامع لأحكام القرآن 10/126، وأضواء البيان 3/276.
ولا يخفى أن هذا مبني على القول بمماسة اللبن للنجاسة. أما إذا قيل: إن بينهما حاجزاً فلا يصح الاستدلال، والله أعلم.
3-
استدل بعض العلماء على صحة حمل الآدمي ونحوه في الصلاة وإن كان حاوياً للنجاسة بالقياس على ما في باطل المصلي نفسه من النجاسة، حيث لم ينقل عن أحد أنها مؤثرة في صحة الصلاة؛ لأن التكليف بالتطهر منها تكليف بالمحال1.
العمل بالضابط:
لا خلاف - فيما - بين الفقهاء في صحة هذا الضابط والعمل بمقتضاه فقد نص على هذا الحكم عدد من العلماء، وجاء في كلام بعضهم ما يقتضيه وإن لم يكن تصريحاً. ومن ذلك قول العيني2- من الحنفية في شرح حديث أمامة المتقدم-: "ومن
1 انظر: المهذب 1/61، والمغني2/468، وانظر الفروق واستدراك ابن الشاط عليه2/119-121.
2 هو أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى العيني (بدر الدين) الحنفي، من كبار المحدثين، ولد سنة 726هـ وتوفي سنة 855هـ. من مؤلفاته [البناية شرح الهداية] في الفقه الحنفي، و [رمز الحقائق شرح كنز الدقائق] في الفقه أيضاً.
انظر: الفوائد البهية /207، والضوء اللامع 1/131-135.
فوائد هذا الحديث صحة صلاة من حمل آدمياً وكذا من حمل حيواناً طاهراً"1.
وقول الخرشي - في توضيح المراد بالدم غير المسفوح-: ".. فخرج الدم القائم بالحي فإنه لا يحكم له"2.
وصرح الشيرازي -من الشافعية- بهذا الحكم فقال: وإن حمل حيواناً طاهراً في صلاته صحت صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة في صلاته؛ ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدن النجاسة فهو كالنجاسة التي في جوف المصلي3، وقال نحو ذلك ابن قدامة من الحنابلة4
وأما ما ذهب إليه بعض فقهاء المالكية من منع جواز حمل
1 عمدة القاري شرح صحيح البخاري 4/304،وانظر البحر الرائق 1/282.
2 المراد بأنه لا حكم له أنه على الأصل في طهارة الأشياء وهو قريب من قول الزركشي وغيره: إنه لا يحكم للنجاسة في الباطن بحكم النجاسة، ولعل هذا هو السبب في عدم تصريح بعض الفقهاء بهذا الحكم.
انظر شرح الخرشي 1/87، وحاشية الدسوقي 1/67-68، وسراج السالك 1/54-55.
3 انظر: المهذب 1/54-55.
4 انظر: المغني2/468.
الصبي ونحوه في الفريضة مع جواز ذلك في النفل فإن مبناه عدم جواز العمل الكثير في الصلاة، واحتمال نجاسة ثياب الصبي وليس مبناه نجاسة ما في باطنه بدليل تفريقهم بين الفرض والنفل1.
من فروع الضابط:
1-
صحة صلاة من يحمل معه آدمياً أو حيواناً طاهراً2.
2-
طهارة اللبن الذي يخرج من بين فرث ودم3. وذكر الشعراني فروعاً أخرى4.
وجه التيسير:
التيسير في هذا الضابط ظاهر حيث لم يكلف الله تعلى الإنسان بالتطهر والتحرز عن النجاسة التي في الباطن لما في ذلك من مشقة الاحتراز. بل والتكليف بالمحال فيما يكون في باطل الإنسان نفسه5.
1 انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 5/32، وشرح الزرقاني على الموطأ 2/86.
2 انظر: تفصيل المسألة في حاشية ردا لمختار 1/317-318، وشرح الخرشي 1/85، والمهذب 1/61، والمغني 2/468
3 وذلك على القول بملاقاة اللبن للنجاسة في الباطن. راجع ما تقدم ص 758.
4 انظر: مختصر قواعد الزركشي (رسالة) 2/754-757.
5 انظر: مجموع الفتاوى 21/598-599، وكتاب أحكام النجاسات ص 616-617.