المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المجلد الثاني ‌ ‌القسم الأول: القواعد . ‌ ‌القاعدة الثالثة والأربعون: النفل أوسع من الفرض . … القاعدة - القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير - جـ ٢

[عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌القسم الأول: القواعد

- ‌القاعدة الثالثة والأربعون: النفل أوسع من الفرض

- ‌القاعدة الرابعة والأربعون: نية الأداء تنوب عن نية القضاء، وعكسه

- ‌القاعدة السادسة والأربعون: يجزئ فعل غير المكلف عن المكلف في صور

- ‌القاعدة السابعة والأربعون: يجوز تصرف الآحاد في الأموال العامة عند تعذر قيام الأئمة بذلك

- ‌القاعدة الثامنة والأربعون: يعمل بالقرعة عند تساوي الحقوق

- ‌القاعدة الثانية والخمسون: يقدم النادر على الغالب أحياناً، وقد يلغيان معاً

- ‌القاعدة الثالثة والخمسون: يقوم البدل مقام المبدل منه إذا تعذر المبدل منه

- ‌القاعدة الرابعة والخمسون: ينزَّل غالب الظن منزلة اليقين

- ‌القاعدة الخامسة والخمسون: ينزّل المجهول منزلة المعدوم وإن كان الأصل بقاؤه إذا يُئس من الوقوف عليه أو شق اعتباره

- ‌القاعدة السادسة والخمسون: اليقين لا يزول بالشك

- ‌القسم الثاني: الضوابط

- ‌الضابط الأول: الحدود تسقط بالشبهات

- ‌الضابط الثاني: الشبهة تسقط الكفارة

- ‌الضابط الثالث: لا تجب الإعارة إلا حيث تعينت لدفع مفسدة

- ‌الضابط الرابع: لا تصح الوصية بكل المال إلا في صور

- ‌الضابط الخامس: لا رابطة بين الإمام والمأموم وكل منهما يصلي لنفسه

- ‌الضابط السابع: لا يتوقف الملك في العقود القهرية الاضطرارية على دفع الثمن بل يقع العقد ويكون الثمن مضموناً في الذمة

- ‌الضابط الثامن: لا يجب في عين واحد زكاتان إلا في مسائل

- ‌الضابط التاسع: اللهو واللعب عند الشافعي على الإباحة، وعند مالك على التحريم

- ‌الضابط العاشرة: ليس للنجاسة في الباطن حكم النجاسة

- ‌الضابط الحادي عشرة: من استحق القصاص فعفا عنه إلى بدل فهو له إلا في صور

- ‌الضابط الثاني عشرة: يجبر أحد المشركين على موافقة الآخر إذا كانا محتاجين على رفع مضرّة أو إبقاء منفعة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ ‌المجلد الثاني ‌ ‌القسم الأول: القواعد . ‌ ‌القاعدة الثالثة والأربعون: النفل أوسع من الفرض . … القاعدة

‌المجلد الثاني

‌القسم الأول: القواعد

.

‌القاعدة الثالثة والأربعون: النفل أوسع من الفرض

.

القاعدة الثالثة والأربعون: النفل أوسع من الفرض.

نص على ذكر هذه القاعدة السيوطي1، والزركشي ولفظها عنده ((النفل أوسع بابا من الفرض)) 2، ولم أقف على من ذكرها غيرهما في صيغة قاعدة. لكن معناها قد ورد على سبيل التعليل عند عدد من الفقهاء3، وذكر ابن سعدي عددا من الفروع التي اختلف فيها الفرض عن النفل بما يدل على معنى القاعدة4.

معاني المفردات:

النفل: تقدم بيان معناه 5.

الفرض: تقدم معناه6.

1 الأشباه والنظائر ص154، وانظر: الفوائد الجنية 2/316.

2 المنثور 3/277.

3 عدة البروق ص108، والمغني 4/341.

4 انظر: القواعد والأصول ص116-117.

5 تقدم معناه ص492.

6 تقدم معناه ص492.

ص: 541

المعنى الإجمالي:

المراد أن الشارع يتسامح في النوافل، والتطوع أكثر مما يتسامح في الفروض -على أن الجميع لا يخرج عن مبدأ اليسر- فيصح في النفل مالا يصح في الفرض من جنسه، لكونه النافلة أخفض درجة من الفرض، والقاعدة أن ((الفرض أفضل من النفل)) 1، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب مما افترضه عليه

" الحديث2؛ ولأن الفرض هو الأصل.

الأدلة:

أولا: الأحاديث الدالة على صحة نافلة الصلاة على الراحلة في السفر وإن كان إلى غير القبلة مع عدم العذر، وعدم صحة ذلك في المكتوبة، ونمها:

1-

ما رواه جابر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله

1 انظر: هذه القاعدة في الفروق 2/122، والقواعد للمقري 2/414، والأشباه والنظائر للسبكي 1/185، وللسيوطي ص145، ولابن نجيم ص157.

2 أخرجه الإمام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صحيح البخاري مع الفتح 11/348 (الرقاق / التواضع) .

ص: 542

صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة1.

2-

وما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته"2، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا3، وقد تضمنت التفرقة بين الفرض والنفل.

ثانيا: الأحاديث الدالة على جواز صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام ومنها:

حديث عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 أخرجه الإمام البخاري. صحيح البخاري مع الفتح 1/600 (الصلاة / التوجه نحو القبلة حيث كان)، وقد أجاز بعض العلماء الفريضة على الراحلة عند العذر واشترط البعض أن تكون الدابة متوجهة إلى القبلة. انظر: نيل الأوطار 2/148.

2 نتفق عليه، واللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 2/567 (الوتر / الوتر في السفر) ، وصحيح مسلم مع النووي 5/210 (صلاة المسافرين / جواز صلاة النافلة عاى الدابة حيث توجهت) .

3 انظر: صحيح مسلم مع النووي 5/209-212.

ص: 543

يصلي ليلا طويلا فإذا صلى قائما ركع قائما وإذا صلى قاعدا ركع قاعدا"1.

قال الإمام النووي: "فيه جواز النفل قاعدا مع القدرة على القيام وهو إجماع العلماء"2.

ثالثا: الأحاديث الدالة على جواز صوم التطوع بنية من نهار وعدم جواز ذلك في الفرض -وهو قول كثير من العلماء-، وجواز إفطار الصائم تطوعا من غير عذر وعدم جواز ذلك في الفرض ومنها:

1-

حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء؟ " فقلنا:

1 أخرجه الإمام مسلم بألفاظ عدة. صحيح مسلم مع النووي 6/10 (صلاة المسافرين / جواز صلاة النافلة قائما وقاعدا) .

2 شرح صحيح مسلم 6/10.

ص: 544

لا. قال: "فإني إذن صائم"، ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حَيْس1 فقال: "أرينيه فلقد أصبحت صائما" فأكل"2.

فالحديث دال على الأمرين معا3.

2-

حديث أم هانئ4 رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بشراب فشرب، ثم ناولها فشربت فقالت: يا رسول الله أما إني كنت صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمين نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر"5.

1 الحيس: تمر يُخلط بسمن وأقط، وأصل الحيس في اللغة الخلط. انظر: الصحاح 3/930 (حيس) .

2 أخرجه الإمام مسلم. صحيح مسلم مع النووي 8/34 (الصيام / جواز صوم النافلة بنية من النهار وجواز فطر الصائم نفلا من غير عذر) .

3 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 8/34-35.

4 هي: أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد مناف القرشية الهاشمية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، اشتهرت بكنيتها، اختلف في اسمها فقيل: هند، وقيل: فاطمة، وقيل: فاختة، ورجحه ابن حجر. انظر: أسد الغابة 5/624، والإصابة 8/317-318.

5 أخرجه الترمذي، وفي بعض ألفاظه "

أمير نفسه". سنن الترمذي مع التحفة 3/430-431 (الصوم / إفطار الصائم المتطوع) .

ص: 545

العمل بالقاعدة:

تقدم أن بعض الفقهاء قد نص على هذه القاعدة، وأن بعضهم أشار إليها على سبيل التعليل لبعض الأحكام، ومن المسائل التي فرق فيها الفقهاء بين الفرض والنفل الصلاة على الراحلة، حيث جوَّزوا صلاة النافلة على الراحلة للمسافر دون عذر مانع من النزول ولو توجهت به راحلته إلى غير القبلة ونقل الإجماع على هذا عدد من أهل العلم1، ولم يجيزوا ذلك في الفرض إلا مع العذر، واشترط بعضهم في ذلك أن تكون الراحلة متجهة نحو القبلة2، وكذلك مسألة الصلاة قاعدا مع القدرة على القيام فإن ذلك جائز في النفل دون الفرض3 وقد نُقل الإجماع عليه أيضا4 وعلى هذا

1 انظر: فتح الباري 2/670، وشرح صحيح مسلم 5/210-211، وتحفة الأحوذي 2/332، ونيل الأوطار 2/148.

2 انظر تفصيل ذلك في: المراجع المتقدمة، وفي تحفة الفقهاء 1/153-154، والقوانين الفقهية ص52، والمهذب ص67، 69، والمغني 2/95-96.

3 انظر تفصيل ذلك في: الهداية 1/74-75، والشرح الصغير 1/122، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 1/294، والمجموع 3/218، 221، والمغني 2/567-568.

4 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 6/10، وتحفة الأحوذي 2/373، والمغني 2/567.

ص: 546

فالقاعدة من حيث الجملة محل اتفاق.

وما تقدم من فروع القاعدة مغنٍ عن إعادتها.

وجه التيسير:

وجه التيسير أن الله تعالى شرع لعباده الفرائض وشرع لهم من جنسها نوافل1؛ ليزدادوا بها تقربا إليه تعالى وليُكمَل بها ماقد يقع من الخلل في الفريضة2 وكان من لطف الله تعالى بعباده أن سامح في هذه النوافل أو بعضها نوع مسامحة فلم يوجب

1 انظر: القواعد والأصول الجامعة ص116.

2 فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صَلُحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضة شيئا قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك" أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وصححه الألباني. سنن الترمذي مع التحفة 2/463 (الصلاة / أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة) ، وسنن النسائي مع شرح السيوطي 1/232 (الصلاة / المحاسبة على الصلاة) ، وسنن ابن ماجه 1/458 (إقامة الصلاة / أول ما يحاسب به العبد الصلاة) ، وانظر صحيح سنن الترمذي ص131.

ص: 547

فيها كل ما يجب في الفرض مع أن الأصل المطالبة1 وذلك من أجل أن يسهل على المكلفين طريق الازدياد في الخير فضلا من الله ونعمة.

جاء في كتاب الاختيار في تعليل المختار (في الفقه الحنفي) : "ويجوز ذلك -أي صلاة النافلة قاعدا-؛ لفعله صلى الله عليه وسلم؛ ولأن صلاة خير موضوع فربما شق عليه القيام فجاز ذلك إحرازا للخير"2.

يضاف إلى هذا أن الفرض محدود أما النافلة فهي غير محدودة بحد في الغالب وأنها في حكم التبرع فناسب التخفيف فيها3، والله أعلم.

1 انظر: قواعد المقري 2/476.

2 انظر: الاختيار 1/66.

3 انظر: قواعد الأحكام 2/165-166، والمجموع المذهب (رسالة (1/344، والأشباه والنظائر للسبكي 1/49، 2/133، وفتح الباري 2/670، والهداية 1/137

ص: 548

‌القاعدة الرابعة والأربعون: نية الأداء تنوب عن نية القضاء، وعكسه

.

أورد هذه القاعدة الونشريسي بصيغة الاستفهام1، وأشار إليها عدد من الفقهاء وإن يسوقوها مساق القاعدة، ومن هؤلاء العلائي2، والسيوطي3، وابن نجيم4.

معاني المفردات:

النية: تقدم بيان معناها5.

الأداء: تقدم بيان معناه6.

القضاء لغة: الحكم، ويطلق بمعنى الانتهاء وبلوغ الغاية7.

1 وذلك للدلالة على عدم الاتفاق عليها. انظر: إيضاح المسالك ص195، وانظر دراسة الكتاب ص93.

2 انظر: المجموع المذهب (رسالة) 1/259-260.

3 انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص19.

4 انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص38.

5 راجع ص 197.

6 راجع ص 493.

7 انظر: القاموس المحيط 4/378-379 (قضى) .

ص: 549

وفي اصطلاح الأصوليين والفقهاء: فعل العبادة بعد وقتها المقدر لها شرعا1.

المعنى الإجمالي:

المراد أن العبادة ذات الوقت المعين التي يُتَصَوَّر فيها الأداء، ويتصور فيها القضاء2 تصح إذا فعلت في وقتها المقدر لها شرعا -أي في وقت الأداء- بنية القضاء، أو فعلت بعد وقتها المقدر –أي في وقت القضاء- بنية الأداء. وقد قيد كثير من العلماء ذلك بأن لا يكون مُتعمَّدا، لأنه في حالة التعمد يكون عبثا ممنوعا3.

1 انظر: مناهج العقول 1/88، وشرح الكوكب المنير 1/363.

2 العبادات من حيث الأداء والقضاء على ثلاثة أقسام:

1-

قسم لا يوصف بأداء ولا قضاء وهو ماليس له وقت محدود كالإيمان.

2-

وقسم له وقت محدود لكنه لا يقبل القضاء كصلاة الجمعة.

3-

وقسم له وقت محدود يمكن أن يقع أداء ويمكن أن يقع قضاء كالصلاة المفروضة. انظر: المجموع المذهب (رسالة) 1/129، والأشباه والنظائر للسيوطي ص19-20، ولابن نجيم ص38، وشرح الكوكب المنير 1/363.

3 انظر: المراجع السابقة، وإيضاح المسالك ص160، والمجموع 3/226، والنية وأثرها في الأحكام الشرعية 1/452-454.

ص: 550

الأدلة:

لم أقف على شيء من النصوص يدل على هذه القاعدة ولكن يمكن التعرف على مبناها من خلال ما ذكره بعض الفقهاء من تعليلات لصحتها.

فقد قال العلائي معللا لقول من قال بصحة تأدية العبادة بنية القضاء وعكسه إذا لم يتعمد: "فالأوقات ليست قُربة ولا صفة للقربة وإنما تذكر في النية لتمييز المرتبة"1.

وجاء في منح الجليل شرح مختصر خليل2 (في الفقه المالكي) : "

وإذا لم ينو الأداء في التي حضر وقتها، أو لم ينو ضده –أي القضاء- في التي خرج وقتها فلا تبطل والوقت يستلزم الأداء وخروجه يستلزم القضاء".

ولذا فقد بنى ابن نجيم المسامحة في نية الأداء والقضاء على أنه أتى بأصل النية لكنه أخطأ في الظن والخطأ في مثله معفو

1 المجموع المذهب (رسالة) 1/260، والمراد بتمييز المرتبة هنا -والله أعلم- تمييز الأداء عن القضاء وذلك يحصل بمجرد إيقاع العبادة في وقتها أو خارجة وإن لم ينو أو لم تطابق النية الواقع، انظر: جامع العلوم والحكم ص7.

2 1/148.

ص: 551

عنه1.

والمقصود بأصل النية أنه قد عين في قلبه ظهر اليوم الذي يريد صلاته مثلا فلا يضر وصفه له بكونه أداء أو قضاء2.

العمل بالقاعدة:

يتضح مدى إقرار الفقهاء لهذه القاعدة وعملهم بها من النظر في فرعين من فروعها:

أحدهما: من صلى الفريضة بنية الأداء فبان أنه صلى بعد خروج الوقت فإنه يكون قد صلى قضاء بنية الأداء، وعكسه من صلى بنية القضاء يظن الوقت قد خرج فبان أنه في الوقت حيث يكون قد صلى أداء بنية القضاء.

والثاني: الأسير إذا اشتبهت عليه الأشهر فصام بنية الأداء، ثم تبين أنه صام بعد انقضاء الشهر فإنه يكون قد صام قضاء بنية الأداء، وعكسه مالو صام بنية القضاء يظن الشهر قد انقضى فبان صيامه فيه فإنه يكون قد صام أداءً بنية القضاء.

1 انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص38، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي 1/138.

2 انظر: حاشية رد المحتار 1/422، وانظر: حاشية العدوي 1/217، والكافي لابن قدامة 1/161.

ص: 552

وقد ذهب الحنفية والمالكية، والحنابلة إلى صحة صلاة المصلي في الفرع الأول في الحالين1، وهو الذي صححه النووي من أقوال أربعة نقلها عن الشافعية2، وذهب الجميع إلى صحة الصيام في الفرع الثاني في الحالين3.

فظهر من هذا أن الغالب عمل الفقهاء بهذه القاعدة، وإن كان قد يرد عليها بعض الاستثناءات4.

وأوضح فروع القاعدة الفرعان اللذان تقدم ذكرهما قريبا وهما

1 انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص38، وحاشية رد المحتار 1/422، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي 1/138، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/235، ومنح الجليل شرح مختصر خليل 1/148، والمغني 2/133، والكافي لابن قدامة 1/161.

2 انظر: المجموع شرح المهذب 3/226، وانظر المجموع المذهب (رسالة) 1/259-260، الأشباه والنظائر للسيوطي ص19.

3 انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص38، وحاشية رد المحتار 1/422، والقوانين الفقهية ص204، ومنح الجليل 1/395، والمجموع 6/240، والمغني 4/422.

4 انظر: إيضاح المسالك وحاشية المحقق ص195، والنية وأثرها في الأحكام الشرعية 1/452.

ص: 553

صلاة الفريضة، وصوم رمضان.

وذكر السيوطي فروعا أخر منها: نية الأداء في قضاء الحج أو العكس، وكذا صلاة الجنازة حيث ذكر أن وقتها محدود بالدفن فيتصور فيها الأداء والقضاء1.

وجه التيسير:

يظهر التيسير في هذه القاعدة من جهة أنه قد يشتبه على المكلف وقت أداء عبادة ما بوقت قضائها، بحيث لا يعلم في وقت فعله للعبادة هل هي أداء أو قضاء فينوي عكس ما عليه الحال فجعل الله تعالى ذلك عذرا في حقه وأباح له أن تقوم نية كل واحد منهما مقام الأخرى، وإن كان الأصل أن الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى.

1 انظر هذه الفروع وغيرها في: الأشباه والنظائر للسيوطي ص19-20.

ص: 554

القاعدة الخامسة والأربعون: الواجب في النية استصحاب حكمها لا ذِكرُها1.

أورد المقري هذه القاعدة بلفظ قريب من هذا اللفظ2، وأورد ابن عبد السلام ما يدل على معناها3، وصرح به القرافي، والزركشي، وابن نجيم4، ونص السبكي على أن كل نية تجب مقارنتها لأول العمل، ولم يصرح بعدم لزوم استحضارها في أثنائه5.

1 بهذه الصيغة وردت القاعدة في بعض كتب الفقه المالكي وهي أظهر في الدلالة على معنى التيسير. انظر: هامش التحقيق لكتاب القواعد للمقري 1/285.

2 انظر: القواعد للمقري 1/285.

3انظر: قواعد الأحكام 1/213-214.

4 انظر: الفروق 1/200، والمنثور 3/293، 297، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص45.

5 التصريح بوجوب مقارنة النية لأول العمل قد يكون مفهومه عدم صحة تقدمه عليه أو تأخره عنه، وقد يكون مفهومه عدم لزوم الاستحضار الحقيقي للنية في كل أجزاء العبادة وقد يكون كلاهما مرادا. انظر: الأشباه والنظائر للسبكي 1/58.

ص: 555

معاني المفردات:

النية: تقدم بيان معناها.

استصحاب: الاستصحاب في اللغة طلب الصحبة. يقال: استصحبه إذا دعاه إلى الصحبة، والصحبة هي مقارنة الشيء ومقاربته1.

وفي اصطلاح الأصوليين يعرف بأنه الحكم بثبوت أمر في الزمان الثاني بناء على أنه كان ثابتا في الزمان الأول، ويعرف بغير هذا.

المعنى الإجمالي:

إذا كان العمل مما لا يصح إلا بنية كالصلاة والصوم فإنه يكفي أن يحصِّل المكلف النية عند أول جزء من أجزاء العمل أو قبله على حسب العبادة وعلى حسب اختلاف الفقهاء في تقديم النية

1 انظر: مقاييس اللغة 3/335 (صحب) ، والقاموس المحيط 1/91 (صحب) .

ص: 556

ولا يلزمه أن يستحضرها في جميع أجزاء العمل. بل يستصحب حكمها1 بحيث يكون الأصل بقاؤها فلا تزول إلا بنية الخروج من ذلك العمل ولو ذهل عن استحضارها في بعض أجزاء العبادة لم يضره ذلك، ولم يؤثر في صحة العبادة مع أن الأصل وجوب ملازمة النية لكل جزء من أجزاء العبادة لكون النية شرطا في صحة كل العبادة2. لكن لعُسرِ ذلك لم يلزم، وقد نقل بعضهم الاتفاق على استحبابه3.

ويجدر التنبيه هنا إلى أن الفقهاء قد استثنوا من وجوب تعلق النية بأول الفعل ما يكون ذلك فيه مؤديا إلى مشقة كالصوم؛ لكون أول وقت الصوم عرضة لأن يكون المكلف فيه نائما أو غافلا فأجازوا تقدم النية على العمل واستصحابها في سائر العمل مالم

1 الفرق بين ذكرها واستصحاب حكمها أن استصحاب ذكرها معناه أن يكون الإنسان ذاكرا لنيته ومستحضرا لها من أول العمل إلى آخره، وأما استصحاب الحكم فمعناه أنه إذا نوى في أول العمل استمر هذا الحكم ولا يزول إلا إذا نوى رفعه. انظر: النية وأثرها 1/376.

2 انظر: الأمنية في إدراك النية ص42-43.

3 انظر: المجموع 1/368، وكتاب النية وأثرها في الأحكام الشرعية 1/378.

ص: 557

معها غير مستحضر لنية الصلاة1.

2-

روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة"2.

ووجه الدلالة منه كوجه الدلالة من الحديث.

3-

قياس الصلاة على الصوم فإن الصوم متفق على عدم لزوم استحضار النية له في جميع النهار؛ إذ قد ينام الإنسان وقد يغفل ولا يضره ذلك3.

4-

كون استحضار حقيقة النية في كل أجزاء العبادة مما يشق على المكلف مشقة عظيمة بل قد يستحيل، وقد علل المقري بهذا في نصه على القاعدة4.

1 انظر: فتح الباري 3/108-109، والنية وأثرها 1/377.

2 أخرجه البخاري تعليقا، وقال ابن حجر:"وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي"، ولفظ ابن أبي شيبة: "إني لأجهز جيوشي

". صحيح البخاري ومعه فتح الباري 3/107، ومصنف ابن أبي شيبة 2/424 (الصلوات/من حدث نفسه في الصلاة) .

3 انظر: المغني 4/342، 345، ومقاصد المكلفين ص238.

4 انظر مجموع هذه الأدلة في المغني 2/134-135، وانظر: القواعد للمقري 1/285.

ص: 559

العمل بالقاعدة:

ذهب أكثر الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة إلى صحة هذه القاعدة فقد تقدم تصريح المقري بها على أنها من قواعد الفقه المالكي، وكذلك إيراد بعض علماء الشافعية لها.

وقد صرحت كتب الفروع بهذا الحكم.

فقد نقل ابن نجيم عن محمد أنه لو نوى عند الوضوء أن يصلي الظهر أو العصر مع الإمام ولم يشتغل بعد النية بما ليس من جنس الصلاة إلا أنه لما انتهى إلى مكان الصلاة لم تحضره النية جازت صلاته بتلك النية، ونقل عن عامتهم عدم المخالفة في هذا، وردَّ ابن عابدين في حاشيته على من أوجب استحضار النية منهم1.

وفي مواهب الجليل من كتب الفقه المالكي: "أن من شروط النية في الوضوء أن تكون مقارنة للمنوي؛ لأن أول العبادة لو عرا عن النية لكان أولها مترددا بين القربة وغيرها، وآخر الصلاة مبني على أولها"، ثم قال: "إن النية تنقسم بحسب ما يعرض لها إلى قسمين فعلية موجودة، وحكمية معدومة فإذا كان في أول العبادة فهذه نية فعلية ثم إذا ذُهِلَ عنها فهي نية حكمية بمعنى أن الشرع

1 انظر: البحر الرائق وحاشية ابن عابدين عليه 1/292.

ص: 560

حكم باستصحابها

"الخ1.

ونص الإمام الشافعي على هذا الحكم فقال: "وإذا توضأ ينوي الطهارة ثم عزبت2 عنه النية أجزأته نية واحدة فيستبيح بها الوضوء مالم يحدث نية أن يتبرد أو يتنظف بالماء لا يتطهر به"3، وقال: نحوه في الصلاة4.

وجاء في المغني: "استصحاب حكم النية دون حقيقتها بمعنى أنه لا ينوي قطعها، ولو ذهل عنها أو عزبت عنه في أثناء الصلاة لم يؤثر ذلك في صحتها"5.

من فروع القاعدة:

1-

نية الوضوء حيث تحصل بتحصيلها في أوله ولو ذهل عنها في أثنائه وهذا على القول بوجوبها أو سنيتها6.

1 انظر: مواهب الجليل 1/233.

2 عَزَبَت أي أبعدت.

3 الأم 1/25.

4 انظر: الأم 1/86.

5 المغني 2/134.

6 انظر: حاشية رد المحتار 1/108، ومواهب الجليل 1/233، والأم 1/25، والمغني 1/159.

ص: 561

2-

نية الصلاة كذلك على ما تقدم1.

3-

نية الصوم فلا يشترط مقارنتها لكل أجزاء اليوم. بل يكفي إيجادها في الليل إن كان الصوم واجبا، وأجاز بعض الفقهاء الصوم الواجب بنية من النهار2.

وجه التيسير:

لما كانت النية شرطا في صحة كثير من العبادات، وكان الأصل لزوم حضورها ومقارنتها لكل جزء من أجزاء العبادة، وكان في ذلك أعني استحضار النية في كل أجزاء العبادة من المشقة والحرج مالا يمكن للمكلف غالبا التحرز منه، سامح الشارع في اعتبار هذا الشرط، واكتفى بحضور النية حقيقة في أول العبادة واستصحاب حكمها في بقية العبادة بحيث لا يكون غيابها في أثناء تلك العبادة مؤثرا على صحتها رحمة من الله بعباده وتيسيراً عليهم3.

1 انظر: حاشية رد المحتار 1/416، وشرح الخرشي 1/269، والأم 1/86، والمغني 2/134.

2 انظر: حاشية رد المحتار 2/377، وشرح الخرشي

3 انظر: المغني 2/134، والأمنية في إدراك النية ص42.

ص: 562

‌القاعدة السادسة والأربعون: يجزئ فعل غير المكلف عن المكلف في صور

. ((صياغة))

أورد القرافي معنى هذه القاعدة عند بيانه الفرق بين قاعدة ما يجزئ فيه فعل غير المكلف عن المكلف وبين مالا يجزئ1.

وأشار إليها المقري بعد أن بين أن ((الأصل في العبادات أن لا تُتَحمل)) 2 وألمح إليها الحصيري، وابن رجب، وابن سعدي عند بيانهم حكم من أدى عن غيره واجبا من حيث الرجوع عليه بما أداه عنه أو عدمه3.

معاني المفردات:

المكلّف: اسم مفعول من كلفه أي أمره بما يشق عليه4.

1 انظر: الفروق 3/185.

2 انظر: قواعد المقري 2/543.

3 انظر: القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص145، وانظر: القاعدتين رقمي 227-229، وقواعد ابن رجب ص137-142، والقواعد والأصول الجامعة ص77، ورسالة القواعد الفقهية لابن سعدي ص50.

4 انظر: الصحاح 4/1424 (كلف) .

ص: 563

وفي الاصطلاح: هو من أُلْزِم بمقتضى خطاب الشرع. فقد عرف الأصوليون التكليف بأنه إلزام مقتضى خطاب الشرع1.

المعنى الإجمالي:

المراد بهذه القاعدة أنه يمكن أن يقوم في بعض الصور من لم يؤمر بفعل ما بالأداء عمن أمر به ووجب عليه وأمر به ومُخرجا له عن عهدة التكليف.

فيكون المراد بغير المكلف هنا من لم يجب عليه ذلك العمل المعين لامن سقط عنه التكليف أصلا لصغر أو جنون أو نحوهما.

وأكثر ما يكون ذلك في الحقوق المالية التي لا تفتقر إلى نية2، وأجازه الجمهور في الحج من العبادات3.

وتعم هذه القاعدة الأحياء والأموات؛ لأن الميت قد يتعلق بذمته حال حياته واجب، ثم يموت قبل أدائه فيؤديه عنه ورثته

1 انظر: شرح الكوكب المنير 1/483.

2 راجع في هذا ص 203.

3 انظر: الفروق 3/185، وكتاب الأمنية في إدراك النية ص27، وفتح الباري 4/83، وشرح صحيح مسلم 9/97، ونيل الأوطار 5/9.

ص: 564

أو غيرهم تبرعا.

ولا شك أنه إذا جاز ذلك تبرعا جاز من باب أولى إذا وصى المكلف به، أو وكل غيره1.

أما مسألة العمل للميت ووصول الثواب إليه فمسألة أخرى لها حكمها المستقل؛ لأن المراد بها العمل عنه على سبيل إهداء الثواب لا على سبيل إبراء الذمة2.

الأدلة:

يدل لهذه القاعدة ما يلي:

أولا: حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: "جاءت امرأة من خثعم فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "نعم". وذلك في حجة الوداع"3 قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث من الفوائد جواز الحج عن الغير"4.

1 تقدمت قاعدة في هذا المعنى وهي: ((من صحت منه مباشرة الشيء صح توكيله فيه)) .

2 انظر في هذه المسألة مقدمة شرح صحيح مسلم 1/89-90، 7/89، 8/26، وفتح الباري 4/228، ونيل الأوطار 4/140-144.

3 تقدم تخريجه ص 477.

4 فتح الباري 4/82.

ص: 565

ثانيا: الحديث الآخر الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه وفيه: "

أرأيت لو كان على أمك دَين أكنت قاضيه؟ اقضوا الله، فالله أحق بالقضاء" 1. فقياسه صلى الله عليه وسلم حكم قضاء الحج عن الميت على قضاء الدين عنه دليل على صحة قضاء الدين عنه وإجزاء ذلك.

قال الشوكاني: "وفيه تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه"2.

ثالثا: حديث عائشة رضي الله عنه وفيه: "

قالت: فدُخِل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه"3، وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله:

1 أخرجه الإمام البخاري، وروى مسلم نحوه في الصوم. صحيح البخاري مع الفتح 4/77 (جزاء الصيد/الحج والنذور عن الميت

) وقد روى الإمام مسلم نحوه في الصوم. انظر: صحيح مسلم مع النووي 8/23 (الصيام/قضاء الصوم عن الميت) .

2 نيل الأوطار 5/10.

3 متفق عليه، واللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 3/643-644 (الحج/ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن) ، وصحيح مسلم مع النووي 8/147-148 (الحج/مذاهب العلماء في تحلل المعتمر المتمتع) .

ص: 566

"باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن".

قال الحافظ ابن حجر: "وأما قوله: "نت غير أمرهن" فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دخل به عليها ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام"1.

وقال: "واستدل به على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه، وتُعُقِّب باحتمال الاستئذان"2.

رابعا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل: منع ابن جميل3 وخالد بن الوليد4، والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله، وأما خالد فإنكم

1 فتح الباري 3/644.

2 المرجع السابق 3/645.

3 قال الحافظ ابن حجر: "لم أقف على اسمه في كتب الحديث، ونقل عن بعضهم أن اسمه عبد الله، وعن البعض أن اسمه حميدا. قال: "وقول الأكثر أنه كان أنصاريا، وقيل: إنه كان منافقا ثم تاب" وذكره ابن الأثير بكنيته ولم يزد في ترجمته على ذكر هذا الحديث المتعلق به. انظر: فتح الباري 3/390، وأسد الغابة 5/325.

4 هو: خالد بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي رضي الله عنه، يكنى أبا سليمان، وقيل أبا الوليد، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، توفي سنة 21هـ في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر: أسد الغابة 2/93-99، والإصابة 2/251.

ص: 567

تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي عليَّ ومثلها معها"، ثم قال: "يا عمر: أما شعرت أن عمّ الرجل صنو أبيه"1.

وقد تأول بعض العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: "فهي عليّ ومثلها" بأنه صلى الله عليه وسلم تسلف منه زكاة عامين، أو غيره من الأوجه إحسانا للظن بالصحابة الكرام واستبعادا لأن يمنع العباس أو غيره من الصحابة رضوان الله عليهم الزكاة الواجبة2.

إلا أنه يمكن أن يؤخذ منه بوجه من الوجوه صحة أداء الزكاة عن الغير إذا لم يكن من وجبت عليه جاحدا لوجوبها.

1 متفق عليه، واللفظ لمسلم، ولفظ البخاري:"فهي عليه صدقة ومثلها معها". صحيح البخاري مع الفتح 3/388 (الزكاة/قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} التوبة (60) ، وصحيح مسلم مع النووي 7/56 (الزكاة/تقديم الزكاة ومنعها) .

2 انظر: فتح الباري 3/391، وشرح صحيح مسلم 7/57، ونيل الأوطار 4/214.

ص: 568

قال النووي: "وقال الذين لا يجيزون تعجيل الزكاة: معناه أنا أؤديها عنه"1.

وقال ابن حجر: "ودلت رواية مسلم على أنه صلى الله عليه وسلم التزم بإخراج ذلك عنه لقوله "فهي عليّ"2.

خامسا: استدل المقري على صحة الأداء عن الغير بحديث: "أدوا صدقة الفطر عمن تمونون"3.

1 شرح مسلم 7/57.

2 فتح الباري 3/391، وانظر شرح ابن القيم لسنن أبي داود المطبوع مع عون المعبود 5/19.

3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4/161 (الزكاة/زكاة الفطر عن نفسه وغيره) ، والدارقطني في سننه 2/141 (كتاب زكاة الفطر) ، وقد ضعف هذا الحديث الحافظ ابن حجر في التلخيص 2/183، وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 3/319-320:"إنه يرتقي بما يعضده إلى درجة الحسن. ومعنى هذا الحديث وارد في صحيح مسلم (الزكاة/زكاة الفطر) فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نُخْرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط

" الحديث.

قال النووي: "فيه دليل على وجوبها على السيد عن عبده لا على العبد عن نفسه. وقال بعضهم: بل تجب عليه" انظر: صحيح مسلم مع النووي 7/62-63 (الزكاة/زكاة الفطر) . وانظر تفصيل القول فيمن تجب عليه زكاة الفطر عن العبد والصغير في شرح صحيح مسلم 7/62-63، وفتح الباري 3/432-434.

ص: 569

ومما يدل على صحة هذه القاعدة في حق الميت ما يلي:

1-

الحديث المتقدم في الحج عن الميت1.

2-

حديث: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه"2.

3-

ما روي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بجنازة ليصلي عليها، فقال: "هل عليه من دين؟ " قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى، فقال: "هل عليه من دين؟ " قالوا: نعم، قال: "فصلوا على صاحبكم". قال أبو قتادة3: عليَّ دينه يا رسول

1 انظر: قواعد المقري 2/543.

2 متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها. صحيح البخاري مع الفتح 4/226 (الصوم/من مات وعليه صوم) ، وصحيح مسلم مع النووي 8/23 (الصيام/قضاء الصوم عن الميت) وانظر أقوال العلماء في المراد بهذا الحديث في فتح الباري 4/228، ونيل الأوطار 4/320-321.

3 هو: الحارث بن ربعي الأنصاري الخزرجي رضي الله عته، وقيل، اسمه النعمان، شهد أحدا وما بعدها، واختلف في شهوده بدرا، اختلف في تاريخ وفاته فقيل: سنة 40هـ، وقيل: غيره. انظر: أسد الغابة 5/274-275، والإصابة 1/572.

ص: 570

الله فصلى عليه"1.

العمل بالقاعدة:

قسم القرافي الأفعال المأمور بها إلى ثلاثة أقسام:

قسم اتفق الناس على صحة فعل غير المأمور به عن المأمور وذلك كدفع المغصوب للمغصوب منه وإن لم يشعر الغاصب فإن ذلك يسد المسد ويزيل التكليف، ودفع النفقات للزوجات والأقارب والدواب فإن دفعها غير من وجب عليه لمن وجبت له أجزأت وإن لم يشعر المأمور بها من زوج أو قريب، وكذلك دفع اللقطة لمستحقها وإن لم يشعر ملتقطها وهذا النحو.

وقسم اتفق الناس على عدم إجزاء فعل غير المأمور به وهو الإيمان والتوحيد والإجلال والتعظيم لله سبحانه وتعالى، ونَقَل حكاية الإجماع على ذلك في الصلاة أيضا، ثم نقل فيه خلافا عن بعض الشافعية.

وقسم مختلف فيه هل يجزئ فعل غير المأمور عن المأمور ويسد المسد أم لا؟ وذكر من ذلك الزكاة، والحج عن الغير والصوم

1 أخرجه الإمام البخاري. صحيح البخاري مع الفتح 4/554 (الكفالة/من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع) .

ص: 571

عن الميت وعتق الإنسان عن غيره1.

وقد أورد الفقهاء ما يدل على صحة التبرع بالأداء ممن لم يجب ذلك الحق عليه عمن وجب الحق عليه وخاصة في الحقوق المالية، وما يدل على براءة الذمة من الحق المالي بوصوله إلى صاحبه بأي طريق، قال المرغيناني:"ومن ضمن عن آخر خراجه ونوائبه وقسمته فهو جائز"2 وجاء في حاشية رد المحتار: "أن الردّ - أي رد المغصوب- يشمل الرد حكما، فلو وضَع الغاصبُ المغصوب بين يدي ماله برئ"3.

قال الخرشي: "وصح -أي الضمان- من أهل التبرع"4، وقال:":إن من غصب طعام فقدمه لربه ضيافة فأكله فإن الغاصب يبرأ من ذلك وسواء علم مالكه أنه له أم لا"5 فدل على أن الغاصب يبرأ إذا وصل المغصوب إلى مالكه من أي طريق.

وقال الشيرازي من الشافعية: "إذا قضى الضامن الدين عن

1 انظر: الفروق 3/185-188.

2 الهداية 3/105.

3 انظر حاشية رد المحتار 6/182.

4 الخرشي مع حاشية العدوي 6/22.

5 المرجع السابق 6/141.

ص: 572

المدين وقد كان ضمن بغير إذنه وقضى بغير إذنه لم يرجع، لأنه تبرع بالقضاء"1.

وقال ابن قدامة: "فأما إن قضى الدين متبرعا به غير ناو للرجوع به فلا يرجع بشيء؛ لأنه تطوع بذلك فأشبه الصدقة"2، وبين أن مذهب الجمهور اشتراط النية لأداء الزكاة، ثم بين الفرق بينها وبين قضاء الدين بأن قضاء الدين ليس بعبادة3.

وقال ابن تيمية: "وتبرأ ذمة كل غاصب يوصل المال إلى مستحقه ولو كان بغير فعل الغاصب"4.

مما تقدم من النقول يظهر أن جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة على أنه يسقط الدين بأداء المتبرع وإن لم يعلم المدين، وكذلك ما في حكم الدين من رد المغصوب واللقطة، ونحوهما.

وهذه النقول وإن كان بعضها منصبا على مسألة رجوع المتبرع على المدين ونحوه يفهم منها صحة الأداء عن الغير من حيث الجملة.

1 انظر: المهذب 1/342.

2 انظر: المغني 7/89.

3 انظر: المرجع السابق 4/71، 88.

4 انظر: مجموع الفتاوى 31/330.

ص: 573

وإنما اختلفوا في تطبيقها على الزكاة ونحوها للاختلاف في اشتراط النية أو عدمه، والله أعلم.

من فروع القاعدة:

1-

رد المغصوب فإنه يحصل عند الأكثرين بوصوله إلى المغصوب منه بأي طريق كما تقدم. وأكثر الفقهاء لا يصرحون بحكم رد المغصوب من قبل شخص آخر غير الغاصب إلا أن ذلك يدخل في عموم صورة المسألة1.

2-

وكذا الضمان وردّ الدين وما في معناها2.

وجه التيسير:

يتضح التيسير في هذه القاعدة إذا علمنا أنها استثناه من قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاّ مَا سَعَى} 3، وأن الأصل في العبادة أن لا تتحمل4.

1 انظر: حاشية رد المحتار 6/182، وشرح الخرشي 6/141، والتنبيه ص116، والمغني 7/419.

2 انظر: تفصيل المسألة في الهداية 3/105، والقوانين الفقهية ص 278-279، التنبيه ص 106-107، والمغني 7/72.

3 النجم (39) .

4 قواعد المقري 2/543.

ص: 574

قال ابن العربي: "حديث الخثعمية أصل متفق عليه خارج عن القاعدة المعهودة في الشريعة أي أنه ليس للإنسان إلا ماسعى؛ رفقا من الله في استدراك ما فرط فيه المرء بولد"1.

فإن الإنسان قد يعرض له ما يجعل القيام بالأمر الشرعي شاقا عليه مشقة لا تسقط التكليف عنه أو يكون فيه من الصفات مالا يقدر على التخلص منه إلا بمشقة كالشح بالمال فيسر الله تعالى عليه بأن جعل الأداء عنه ممكنا من غيره في بعض الأحوال وجعل ذلك مجزئا عنه ومبرئا لذمته، والله أعلم.

1 عارضة الأحوذي 4/158، وانظر: فتح الباري 4/84، والجامع لأحكام القرآن 4/151، 17/114.

ص: 575

‌القاعدة السابعة والأربعون: يجوز تصرف الآحاد في الأموال العامة عند تعذر قيام الأئمة بذلك

ذكر هذه القاعدة العز بن عبد السلام تحت عنوان "فصل في تصرف الآحاد في الأموال العامة عند جور الأئمة"1.

وأشار إلى معنى القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية2، وكذلك فعل الجرهزي الشافعي3.

وهي داخلة في عموم قاعدة ((الضرورات تبيح المحظورات)) ، أو قاعدة ((تدفع أعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما)) .

وهي متعلقة بقاعدة مشهورة هي قولهم: ((تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة)) 4.

1 انظر: قواعد الأحكام 1/82.

2 انظر: مجموع الفتاوى 28/587.

3 انظر: المواهب السنية مع الأشباه والنظائر للسيوطي ص185.

4 انظر هذه القاعدة في الأشباه والنظائر للسيوطي ص121، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص132، وشرح القواعد الفقهية ص247.

ص: 577

معاني المفردات:

الآحاد: جمع أحد وهو بمعنى الواحد1، والمراد أفراد الأمة.

المعنى الإجمالي:

الأصل في الأموال العامة أن يكون التصرف فيها لإمام المسلمين ولا يجوز لأحد من المسلمين التصرف فيها إلا بإذن الإمام2.

1 انظر: الصحاح 2/440 (أحد) .

2 استدل بعض العلماء لذلك بقوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} التوبة (60) ، لأن جعل نصيب من الزكاة للعاملين عليها يدل على مشروعية تعيين من يجبي الزكاة من قبل الإمام، واستدلوا أيضا بقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} التوبة (103) ، لأن الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم ولمن بعده من الأئمة، كما استدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ:"فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تأخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم". متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. صحيح البخاري مع الفتح 3/418 (الزكاة/أحذ الصدقة من الأغنياء) ، وصحيح مسلم مع النووي 1/197 (الإيمان/الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام) . وانظر تفسير القرآن العظيم 2/400، والتفسير الكبير للرازي 16/114، وفتح الباري 3/36.

ص: 578

قال الشيخ ابن عبد السلام: "لا يتصرف في أموال المصالح العامة إلا الأئمة ونوابهم"1.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإذا كان بيت المال مستقيما أمره بحيث لا يوضع ماله إلا في حقه ولا يمنع منه مستحقه فمن صرف بعض أعيانه أو منافعه في جهة من الجهات التي هي مصارف بيت المال بغير إذن الإمام فقد تعدى بذلك إذ أمر ولايته للإمام2. هذا هو الأصل مادام الإمام قائما فيه بمصلحة المسلمين ولذا قالوا: "التصرف على الرعية منوط بالمصلحة" فإذا تعذر أن يتصرف فيه الإمام على الوجه الصحيح إما لجور فيه، أو لعدم كفاءة أو نحوهما فإنه في هذه الحالة يجوز لمن تحصَّل في يده شيء من مال المصالح العامة وأمكنه أن يصرفه على وفق ما يقيم المصلحة العامة جاز له ذلك بشروط.

أحدهما: أن يؤمن حدوث فتنة سدا لذريعة الاختلاف والشقاق3.

1 قواعد الأحكام 1/82، وانظر الأموال لأبي عبيد ص14، ولابن زنجويه 1/112.

2 انظر مجموع الفتاوى 28/578، والأموال لابن زنجويه 1/90، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص12.

3 انظر: سد الذرائع ص423، والإمامة العظمى ص349.

ص: 579

الثاني: ألا يكون متهما في ذلك التصرف كما لو أخذ المال لنفسه متأولا1، وربما كان في تقرير الفقهاء أن هذه القاعدة تنطبق فيما إذا تحصل في يد الكفؤ غير الإمام شيء من الأموال العامة تنبيه إلى تقييد ذلك الحكم بعدم الاستيلاء على الأموال العامة بالقوة؛ ولذا فإن العلماء كثيرا ما يمثلون لهذه القاعدة بما يكون في أيدي الناس من زكاة أموالهم أو مال من لا وارث له ونحوه2.

الأدلة:

استدل ابن عبد السلام لهذه القاعدة بعدد من الأدلة بعضها يدا عليها بعمومه من حيث عدم اختصاصها بالأموال وهي:

1-

قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} 3 وهذا بر وتقوى.

2-

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "

والله في عون العبد ماكان العبد

1 انظر: مجموع الفتاوى 28/587-588.

2 انظر: قواعد الأحكام 1/82، ومجموع الفتاوى 28/587، والتنبيه ص154.

3 المائدة (2) .

ص: 580

في عون أخيه"1.

3-

قوله صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة"2.

وبعضها يدل عليها بخصوص كونه متعلقا بالأموال وهي:

4-

أم رسول الله صلى الله عليه وسلم أجز لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف3 مع كون المصلحة خاصة؛ فلأن يجوز ذلك في المصالح العامة أولى.

5-

أن الشارع قد جوز لمن جُحِد حقه أن يأخذ من مال جاحده إذا ظفر به إن كان من جنس ما جُحد4.

1 أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صحيح مسلم مع النووي 17/21 (الذكر/فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر) .

2 متفق عليه. صحيح البخاري مع الفتح 10/462 (الأدب/كل معروف صدقة) وصحيح مسلم مع النووي 7/91 (الزكاة/كل نوع من المعروف صدقة) .

3 في قوله صلى الله عليه وسلم: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".

4 يعني حديث: "من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره" وقد تقدم تخريج الحديث، والحديث وإن كان نصا في المفلس إلا أن العلماء أخذوا منه جواز أخذ العين ممن امتنع عن الأداء بمطل أو نحوه قياسا على الفلس كما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح 5/79.

ص: 581

6-

أنه لو مُنع ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال إلى مستحقيها ولأثم أئمة الجور بذلك1.

العمل بالقاعدة:

اشتملت كتب الفروع في المذاهب الأربعة على نصوص تدل على العمل بهذه القاعدة بقيودها المتقدم ذكرها، وكثيرا ما يتعرض الفقهاء لهذا المعنى في باب الزكاة، لأنها من أغلب ما يتحصل في أيدي الناس من الأموال العامة وقد ذهب أكثرهم إلى جواز أن يلي المسلم إخراجها بنفسه وخاصة إذا لم يكن من يتولاها من قبل السلطان عدلا يضعها في موضعها، وإن كان الأصل فيها من حيث الجملة أنها أموال عامة يتولى أمرها السلطان2.

فقد قال الحنفية: إن للمسلم أن يلي تفرقة زكاته بنفسه3. بل نقل السرخسي عن بعض أئمتهم بأنه أفتى بلزوم إعادة تأدية الزكاة إذا أديت إلى من لا يضعها موضعها4، وإلى ذلك ذهب

1 انظر الأدلة في: قواعد الأحكام 1/82.

2 انظر: كتاب الأموال لأبي عبيد ص685، والأموال لابن زنجويه 3/1147 وما بعدها، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص12، والإمامة العظمى ص338 وما بعدها.

3 انظر: تحفة الفقهاء1/316، وتبيين الحقائق 1/282.

4 انظر/ المبسوط 2/180.

ص: 582

المالكية أيضا فيما إذا جار الإمام في صرف الزكاة أو أخذها، أما إذا كان عدلا، أو كان جائرا في غير هذين الأمرين فإنه يلزم دفعها إليه في الأموال الظاهرة والباطنة1، وأجاز الشافعية الأمرين أي دفعها إلى السلطان وإخراجها من قبل صاحب المال في الأموال الباطنة، واختلفوا في الأفضل على ثلاثة أوجه. ثالثها أن تدفع إلى السلطان إن كان عدلا، ويلي تفرقتها بنفسه إن كان الإمام جائرا، ويجوز عندهم الأمران كذلك في الأموال الظاهرة في المذهب الجديد2.

أما الحنابلة فالأفضل عندهم أن يلي المزكي تفرقتها بنفسه على كل حال، ومن باب أولى إذا لم يكن السلطان ممن يضعها موضعها مع جواز دفعها إلى السلطان3، بل قد ذهب بعض العلماء إلى تحريم دفعها للسلطان الجائر4.

1 انظر: الخرشي مع حاشية العدوي 2/220، وحاشية الدسوقي 1/405.

2 انظر: المهذب 1/168.

3 انظر: المغني 4/92، ومطالب أولي النهى 2/120.

4 انظر: كشاف القناع 2/302، وانتظر جملة من أقوال السلف في أن للإنسان أن يلي زكاته بنفسه خاصة إذا لم يضعها الأئمة موضعها في كتاب الأموال لأبي عبيد ص678-685، والمغني 4/92.

ص: 583

من فروع القاعدة:

1-

من أظهر فروع هذه القاعدة الزكاة وقد تقدم القول فيها1.

2-

مل من لا وارث له فإنه لبيت المال، فإن لم يستقم بيت المال جاز لمن هو في يده من آحاد الناس التصرف فيه بالمصالح العامة2.

3-

ويقرب من ذلك اللقطة فإن منها ما لا يجوز لآحاد الناس التقاطه كالإبل. فإن حِفْظها من حق الإمام. لكن إذا تعذر حفظها من قبل الإمام لأي سبب فقد أجاز بعض الفقهاء لآحاد الناس التقاطها إذا ظن تلفها لو تركها3.

1 راجع في الصفحة السابقة.

2 هذا هو قول الأكثرين ولم أقف على تصريح بحكم المسألة في كتب الحنابلة، وظاهر العمل بالرد يقتضي أن لا تكون التركة لبيت المال، والله أعلم. انظر السراجية ص61، والقوانين الفقهية ص331، والتنبيه ص154، وكشاف القناع 4/479.

3 اللقطة ليست ملا عاما وإنما توجه إدراج هذا النوع تحت القاعدة من جهة تصرف الآحاد فيما هو من حق الإمام عند تعذر قيامه به. انظر حاشية رد المحتار 4/280، وشرح الخرشي 7/126، والمهذب 1/431، والمغني 8/346.

ص: 584

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذه القاعدة أن الشارع قد أعطى لعامة الناس الحق في التصرف في الأموال العامة التي يكون التصرف فيها في الأصل من حق الإمام1 إذا لم يقم الإمام بالتصرف فيها على الوجه الصحيح؛ وذلك من أجل القيام بمصالح عموم الناس ودفع الضر عنهم وقُيّد ذلك بالقيود التي سبقت الإشارة إليها موازنة بين المصالح والمفاسد.

1 الأصل في الأموال العامة من حيث الجملة أن يليها الإمام ونوابه إلا أن بعض الفقهاء أجاز زكاة مال الإنسان بنفسه وإن كان الإمام عدلا باعتبار أن الزكاة عبادة الأولى فيها أن يليها بنفسه. انظر: المغني 4/92.

ص: 585

‌القاعدة الثامنة والأربعون: يعمل بالقرعة عند تساوي الحقوق

. ((صياغة)) 1.

أشار إلى معنى هذه القاعدة عدد من الفقهاء، وإن كان كثير منهم لم يسقها مساق القاعدة، ومن هؤلاء العز بن عبد السلام2، والقرافي3، والزركشي4، وابن رجب5، وابن نجيم6، وساقها ابن سعدي مساق القاعدة وصاغها بقوله:"تستعمل القرعة عند التزاحم ولا مميز لأحدهما، أو إذا علمنا أن الشيء لأحدهما وجهلناه"7.

1 هذه الصياغة مستفادة من قول ابن عبد السلام: "فصل في الإقراع عند تساوي الحقوق".

2 انظر: قواعد الأحكام 1/90.

3 انظر: الفروق 4/111، وانظر: تهذيب الفروق معه 4/176.

4 انظر: المنثور 3/62.

5 انظر: قواعد ابن رجب ص348.

6 انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص362.

7 القواعد والأصول الجامعة ص67، ورسالة القواعد الفقهية ص47.

ص: 587

معاني المفردات:

القرعة لغة: هي السهم والنصيب، وأصل القرع ضرب شيء على شيء يقال: قَرَعَ الباب، أي دقه بالعصا إذا ضرب بها، والاقتراع: الاختيار، وقُرعه كل شيء: خياره1.

وعُرفت في اصطلاح الفقهاء بأنها استهام يتعين به نصيب الإنسان2.

المعنى الإجمالي:

إذا احتاج المكلف إلى تعيين مبهم من جملة أفراده ولم يوجد دليل التعيين، أو تساوى المستحقون لشيء واحد ولم يمكن اشتراكهم فيه ولا مرجح لأحد المستحقين على غيره فاحتاج الإنسان إلى تخصيص أحدهم بالحق فقد جعل الشارع لذلك طريقا يمكن المكلف من تعيينه، ويصيب بواسطته الحق وهو القرعة.

قال ابن القيم رحمه الله تعلى: "ومن طرق الأحكام الحكم بالقرعة، ثم قال: ومن الأسرار فيها أن الفقهاء اعتبروها بمثابة التفويض إلى الله؛ ليعين بقضائه وقدره ما ليس لنا سبيل إلى

1 لسان العرب 11/122. والمفردات ص401، والنهاية 5/44 (قرع) .

2 معجم لغة الفقهاء ص361.

ص: 588

تعيينه1.

ولما كان العمل بالقرعة لا يصح إجراؤه على العموم في كل أمر فقد ضبط الفقهاء ما تجري فيه القرعة ومالا تجري فيه ببعض الضوابط.

فقال ابن رجب: "تستعمل القرعة في تمييز المستحق ابتداء لمبهم غير معين عند تساوي أهل الاستحقاق، وتستعمل أيضا في تمييز المستحق المعين في نفس الأمر عند اشتباهه والعجز عن الاطلاع عليه، وتستعمل في الحقوق الاختصاص والولايات ونحوه"2.

وجعل القرافي الضابط لما يصح الحكم فيه بالقرعة توافر شرطين:

أحدهما: التساوي.

والثاني: أن يكون قابلا للرضى بالنقل.

فما فُقد فيه أحد الشرطين تعذرت فيه القرعة3.

1 انظر: الطرق الحكمية ص294، 305-306.

2 انظر: قواعد ابن رجب ص348.

3 انظر: الفروق 4/114، وانظر قواعد الأحكام 1/90-92، والمواهب السنية 4/167-168 وأحكام القرآن للجصاص 2/13.

ص: 589

وضبط ابن القيم ما تجري فيه القرعة بقوله: "إن الموضع الذي تلحق فيه التهمة شرعت فيه القرعة نفيا لها ومالا تلحق فيه لا فائدة فيها"1.

الأدلة:

ورد في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية نصوص دلت على صحة العمل بالقرعة عند الحاجة إليها.

فمن القرآن:

1-

قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} 2.

قال القرطبي: "استدل بعض علمائنا بهذه الآية على إثبات القرعة وهي في أصل شرعنا لكل من أراد العدل في القسمة وهي سنة عند جمهور الفقهاء في المستويين في الحجة"3.

2-

قوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} 4.

قال ابن العربي عند بيانه أحكام هذه الآية: "نصٌ على

1 انظر: الطرق الحكمية ص301.

2 آل عمران (44) .

3 الجامع لأحكام القرآن 4/86-87، وانظر: فتح القدير للشوكاني 1/339.

4 الصافات (141) .

ص: 590

القرعة وكانت في شريعة من قبلنا جائزة في كل شيء على العموم على ما يقتضيه موارد أخبارها في الإسرائيليات وجاءت القرعة في شرعنا على الخصوص"1.

وقال الإمام الشافعي: "فأصل القرعة في كتاب الله عز وجل في قصة المقترعين على مريم والمقارعين يونس عليه السلام"2.

ومن السنة:

1-

ما جاء في الصحيحين: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه

" الحديث3.

2-

ما جاء في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء

1 أحكام القرآن لابن عربي 4/1622.

2 أحكام القرآن للشافعي 2/157، وانظر أحكام القرآن للجصاص 2/13، والجامع لأحكام القرآن 15/125.

3 متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، واللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 5/257 (الهبة/هبة المرأة لغير زوجها

) ، وصحيح مسلم مع النووي 15/209 (فضائل الصحابة/فضل عائشة رضي الله عنها .

ص: 591

والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا

" الحديث1.

3-

حديث عمران بن حصين: "أن رجلا اعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة، وقال له قولا شديدا"2.

العمل بالقاعدة:

ذهب جمهور المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى الأخذ بالقرعة واعتبارها طريقا للإثبات عند التساوي وعدم إمكان التعيين أو الترجيح3. وعملوا بها في عدة مواضع منها:

1 متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صحيح البخري مع الفتح 2/114 (الأذان/الاستهام في الأذان) ، وصحيح مسلم مع النووي 4/157 (الصلاة/تسوية الصفوف وإقامتها) .

2 أخرجه الإمام مسلم. صحيح مسلم مع النووي 11/140 (الإيمام/صحبة المماليك)، وانظر: شرح النووي عليه. وانظر مزيدا من الأدلة في الطرق الحكمية ص294-295، ووسائل الإثبات للزحيلي 2/834 وما بعدها.

3 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 11/140.

ص: 592

الإقراع بين الزوجات في السفر1، والإقراع في القسمة2، والإقراع بين العبيد المعتقين إذا لم يصح عتقهم جميعا3.

أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أن الحكم بالقرعة منسوخ4 فلا يصح العمل بها في إثبات الحق لكنهم استحبوها تطييبا للنفوس.

كما قال الكاساني5 معللا عدم وجوب القرعة بين الزوجات في السفر: "لأن بالقرعة لا يعرف أن لها حقا في حالة السفر أولا فإنها -أي بالقرعة- لا تصلح لإظهار الحق أبدا لاختلاف عملها في نفسها فإنها لا تخرج على وجه واحد، بل مرة هكذا، ومرة هكذا، والمختلف فيه لا يصلح دليلا على شيء. لكن الأفضل

1 انظر: حاشية الدسوقي 2/343، والتنبيه ص169، والمغني 10/252.

2 انظر: حاشية الدسوقي 3/500، والتنبيه ص258، والمغني 14/100.

3 انظر: الخرشي مع حاشية العدوي 8/130، والمجموع 14/449، والمغني 14/383، وانظر بابا مفردا للقرعة في الأم 7/336.

4 انظر: تكملة فتح القدير 6/2118، وشرح النووي على صحيح مسلم 11/140.

5 هو: أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني، أو الكاشاني من فقهاء الحنفية، توفى سنة 587هـ من مؤلفاته [بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع] و [السلطان المبين في أصول الدين] . انظر: الجواهر المضية 4/25-28، وتاج التراجم ص84-85.

ص: 593

أن يقرع بينهن تطييبا للنفوس فيخرج بمن خرجت قرعتها تطييبا لقلوبهن ودفعا لتهمة الميل عن نفسه"1. ولا يلزمه الخروج بمن خرجت قرعتها2.

وقد مضى ذكر بعض فروع القاعدة.

وجه التيسير:

وجه التيسير هو أن الله تعالى جعل للمكلفين طريقا إلى تعيين أحد المتساويين مما لا سبيل لهم إلى تعيينه بواسطة البينة أو المرجح، وهو تفويض ذلك إلى قضاء الله وقدره وَجَل سبيل معرفة ذلك هو القرعة دفعا للضغائن والأحقاد التي قد تنشأ بين الناس من جراء الاختيار بين المتساويين بدون مرجح3.

1 انظر: بدائع الصنائع 3/1549، 9/4116.

2 انظر: الدر المختار وحاشيته رد المحتار 3/206.

3 انظر: قواعد الأحكام 1/90-91، والفروق 4/114، وقواعد ابن رجب ص356، والطرق الحكمية ص305-306.

ص: 594

القاعدة التاسعة والأربعون: يُغْتَفَر ضمنا مالا يُغْتَفَر قصدًا.

وردت هذه القاعدة بعدة صيغ منها الصيغة المذكورة وهي التي أوردها ابن نجيم1 وبمعناها قول الكرخي، وغيره:"الأصل أنه قد يثبت الشيء تبعا وحكما وإن كان قد يبطل قصدا"2.

ومنها لفظ آخر ذكره السيوطي، وابن نجيم، وغيرهما وهو:"يغتفر في التوابع مالا يغتفر في غيرها"3، وعند ابن رجب "يثبت تبعا مالا يثبت استقلالا"4، وقد ذكرت بصيغ أخرى لا تخرج عن هذا المعنى5.

1 انظر: الأشباه والنظائر له ص121.

2 أصول الكرخي مع تأسيس النظر 166، وانظر: جامع الفصولين 2/233 (فصل 39) ، والوجيز ص284.

3 انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص121، ولابن نجيم ص121، والمجلة مع شرحها 1/41، وشرح القواعد الفقهية للزرقاء ص229.

4 القواعد لابن رجب ص298، وانظر: القواعد والأصول الجامعة لابن سعدي ص100.

5 القواعد والضوابط المستخلصة من كتاب التحرير رقم 156، وبدائع الفوائد 4/27، والإسعاف بالطلب ص117.

ص: 595

وأوردها بعضهم في صورة ضابط متعلق ببعض أبواب الفقه، كقول الزركشي:"يغتفر في العقود الضمنية مالا يغتفر في الاستقلال"1، وقول ابن تيمية:"يجوز من الغرر اليسير ضمنا مالا يجوز من غيره"2 وبمعناها قولهم: "مالا يتم الجائز إلا به فهو جائز"3.

وهي من القواعد المندرجة تحت القاعدة الأعم وهي: ((التابع تابع)) 4.

واعتبرها البعض بمعنى القاعدة الأخرى: ((يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء)) 5.

معاني المفردات:

يغتفر: الغفر في اللغة هو التغطية6.

1 المنثور 3/378.

2 القواعد النورانية ص140.

3 المرجع السابق ص162، وانظر الموافقات 1/140-141.

4 انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص117، 121، ولابن نجيم ص120-121، والمدخل الفقهي العام 2/1017-1020، وغيرها من المراجع السابقة.

5 انظر: الوجيز ص284-285.

6 الصحاح 2/770 (غفر) .

ص: 596

وفي الاصطلاح: أن يستر القادر القبيح الصادر ممن تحت قدرته1.

ضمنا: تقدم بيان معناه2.

المعنى الإجمالي:

تعني هذه القاعدة أن الشرع يتسامح فيما يقع ضمن شيء آخر مباح وتبعا له مالا يتسامح فيما لو كان هو المقصود أصلا فقد يبيح ما الأصل عدم إباحته لوقوعه ضمن أمر مباح وتبعا له. وقد يتسامح في بعض الشروط فلا يشترط في التابع ما يشترط في المقصود الأصلي وإن كانت صورتهما واحدة؛ وذلك للحاجة إليه؛ ولأنه يحصل ضرورة لثبوت متبوعه أو ماهو في ضمنه فلو منع منه لأدى إلى منع أصله المباح3.

وبهذا تتضح علاقة قاعدة ((يغتفر ضمنا مالا يغتفر قصدا)) بقاعدة ((مالا يتم الجائز إلا به فهو جائز)) 4.

1 التعريفات ص223.

2 راجع ص 404.

3 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 10/156، وفتح الباري 4/418-419، وشرح القواعد الفقهية ص229، والمدخل الفقهي العام 2/1020، والوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية ص285.

4 انظر: القواعد النورانية ص161-163.

ص: 597

أما علاقتها بقاعدة ((الوسائل لها حكم المقاصد)) فهي علاقة عموم وخصوص، ويمكن إيضاحها بالقول: إن ما يقع تبعا لغيره هو في حكم الوسيلة له؛ لأنه لا يتحقق المقصود إلا ويتحقق تابعه وما في ضمنه.

فإذا كان المقصود الأصلي مباحا كانت وسيلته وما يحصل تبعا له مباحا كذلك1. ولا ريب أن حكم هذه القاعدة يجب أن يقيد بعدم مخالفة النص أو الإجماع.

الأدلة:

يدل على صحة هذه القاعدة ما يلي:

1-

حديث: "ذكاة الجنين ذكاة أمه"2.

وذلك أن معنى الحديث على رأي الجمهور أن الجنين الذي

1 انظر: الفروق 2/32-33، والقواعد والأصول الجامعة ص10، ورسالة القواعد الفقهية ص25.

2 أخرجه بهذا اللفظ أبو داود من طريق جابر رضي الله عنه، والترمذي من طريق أبي سعيد رضي الله عنه وقال الترمذي:"هذا حديث حسن" سنن أبي داود مع عون المعبود 8/19 (الضحايا/ذكاة الجنين) ، وسنن الترمذي مع التحفة 5/48 (الصيد/ذكاة الجنين)، وانظر: صحيح سنن أبي داود 2/544.

ص: 598

في بطن الناقة أو الشاة ونحوهما إذا خرج ميتا بعد ذكاة أمه فإنه يكون حلالا كالمذكى1، فقد جاز في الجنين باعتباره تابعا لأمه مالا يجوز في الأصل وهو حل أكله دون تذكيته حيث اعتبر الشارع تذكية أمه تذكية له.

وهذا كالنص في القاعدة.

1 هذا هو مذهب الجمهور، وذهب الحنفية إلى عدم حله إلا إذا ذُكي يذكية مستقلة، وحملوا الحديث على معنى ذكاة الجنين كذكاة أمه بناء على ورود الحديث بنصب كلمة "ذكاة" الثانية فيكون التقدير ذكوا الجنين ذكاة أمه أو نحو ذلك. ورد الخطابي هذا التأويل بالرواية الأخرى للحديث وفيها "قلنا: يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله؟ قال: "كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه" فهذه الرواية تتضمن التعليل لإباحته من غير إحداث ذكاة ثانية. وهذه الرواية قد أخرجها أبو داود، وابن ماجه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وصححها الألباني. سنن أبي داود مع عون المعبود 8/18 (الضحايا/ذكاة الجنين) وسنن ابن ماجه 2/1097 (الذبائح/ذكاة الجنين ذكاة أمه) ، وانظر صحيح سنن أبي داود 2/544، وانظر آراء الفقهاء في هذه المسألة في تحفة الأحوذي 5/48-51، وحاشية رد المحتار 6/303-304، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 3/24، والمهذب 255، والمغني 13/308-309، ومعالم السنن 3/252.

ص: 599

2-

ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن بيع حَبَل الحَبَلَة"1.

ووجه الدلالة منه أن بعض الفقهاء قد فسر ذلك بالنهي عن بيع ولد الناقة الذي في بطنها2، وقد أجمعوا على عدم جواز بيع الحمل في البطن3 مع الاتفاق على جوازم بيع الناقة الحامل، والشاه ونحوها حيث لم يدل دليل على المنع منه فهو على أصل حل البيع4.

قال النووي رحمه الله تعالى: "وقد يُحتمل بعض الغرر تبعا إذا دعت إليه الحاجة كالجهل بأساس الدار، وكما إذا باع

1 متفق عليه. صحيح البخاري مع الفتح 4/418 (البيوع/بيع الغرر، وحبل الحبلة) ، وصحيح مسلم مع النووي 10/157 (البيوع/ تحريم بيع حبل الحبلة) .

2 فسره بعض الفقهاء بهذا، وفسره بعضهم بما فسره به راوي الحديث وهو أنه بيع لحم الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نتجت. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 4/418-419، وصحيح مسلم مع النووي 10/157-158.

3 انظر: الإجماع لابن المنذر ص52، والمغني 6/

4 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 10/156، والمغني 6/224.

ص: 600

الشاه الحامل، والتي في ضرعها لبن فإنه يصح البيع؛ لأن الأساس تابع للظاهر من الدار، ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه لا يمكن رؤيته وكذا القول في حمل الشاة ولبنها"1.

3-

ذكر ابن تيمية أن بعض الفقهاء استدلوا بفعل عمر رضي الله عنه وهو ضرب الخراج على أرض السواد2 وغيرها حيث أقر الأرض التي فيها النخل والعنب في أيدي أهل الأرض وجعل على كل جريب3 من جُرب الأرض السواد والبيضاء4 خراجا مقدرا5 استدلوا به على أن مالا يتم الجائز إلا به فهو جائز.

1 شرح صحيح مسلم للنووي 10/156.

2 أرض السواد هي مابين الكوفة والبصرة، وهي سواد العراق سمى سوادا لخصبه فالزرع فيه من الخصوبة يكون أخضر داكنا يميل إلى السواد، ولكثرة نا فيه من القرى. انظر: الصحاح 2/492 (سود) ، ومعجم لغة الفقهاء ص251.

3 الجريب مقدار معلوم من الأرض، ومن الطعام يساوي من الأرض 5/1366م2 تقريبا، ومن الطعام 48 صاعا، 104.25 كيلو جرام تقريبا. انظر: الصحاح 1/98 (جرب) ، ومعجم لغة الفقهاء ص163، 450-451.

4 البيضاء هي الأرض التي لا نبت فيها ولا شجر، معجم لغة الفقهاء ص112.

5 ورد هذا الأثر بألفاظ كثرة وقد أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو يوسف في كتاب الخراج ص87، وأبو عبيد في الأموال ص88، وغيرهم.

ص: 601

ووجه استدلالهم به أن هذه المخارجة من عمر رضي الله عنه تجري مجرى المؤاجرة وقد أجمع العلماء على عدم جواز إجارة الشجر1، وإنما جازت هنا تبعا لإجارة الأرض البيضاء؛ لأنها جائرة ولا تتأتى إجارتها إذا كان فيها شجر إلا بإجارة الشجر، وفي هذا المعنى أيضا تجويز المزارعة2 عند بعض الفقهاء تبعا للمساقاة3، وإن كانت لا تجوز عندهم ابتداء4.

1 نقل هذا الإجماع ابن تيمية في القواعد النورانية ص162، وانظر الأموال لأبي عبيد ص89-90.

2 المزارعة لغة: مفاعلة من الزرع وهو الإنبات. وفي الاصطلاح: دفع الأرض إلى من يزرعها ويعمل عليها والزرع بينهما، أو عقد على الزرع ببعض الخارج. انظر: الصحاح 3/1225 (زرع) والمغني 7/555، والهداية 4/383.

3 المساقاة لغة: مفاعلة من السقي، والسقي أن يعطيه ما يشرب. وفي الاصطلاح: أن يدفع الرجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه بجزء معلوم من ثمره. انظر الصحاح 6/2379، والمفردات ص235 (سقى) ، والمغني 6/527، وأنيس الفقهاء ص274.

4 خلاصة أقوال الفقهاء في المساقاة والمزارعة كما يلي: ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز المساقاة، ومنعها الإمام أبو حنيفة وأجازه صاحباه، أما المزارعة فقد أجازها كثير من أهل العلم من الصحابة والتابعين، وأبو يوسف، ومحمد من الحنفية، وهو مذهب الإمام أحمد، ومنعها الباقون. انظر تفصيل ذلك في الهداية 4/383، 393، والمغني 7/527، 555، وانظر القواعد النورانية ص162.

ص: 602

العمل بالقاعدة:

تقدم أن عددا من فقهاء المذاهب الأربعة قد نصوا على هذه القاعدة، أو ذكروا من القواعد ما يدل على معناها.

كما تقدم نقل الاتفاق على جواز بيع الحمل تبعا لأمه وعدم جواز بيعه مستقلا، ونقل النووي الإجماع على جواز بيع الجُبَّة المحشوة وإن لم يُر حشوها، ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز1.

وهذا كله دليل على أن هذه القاعدة معمول بها في المذاهب الأربعة.

من فروع القاعدة:

1-

يجوز بيع الحمل تبعا لأمه ولا يجوز بيعه منفردا2.

1 انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 10/156.

2 انظر: الهداية 3/48، والقوانين الفقهية ص220، والمهذب 1/265، والمغني 6/299.

ص: 603

2-

إذا أبق العبد المغصوب ضمنه الغاصب ومَلَكَه عند بعض الفقهاء، ولو اشتراه لم يجز وكذا كل مغصوب تعذَّر ردّه1.

وجه التيسير:

تتضمن هذه القاعدة التيسير من جهة أن الشرع يتسامح في ما كان تابعا لغيره بحيث يصح وإن لم تتحقق فيه كل الشروط المطلوبة أصلا، ويكتفي بتحققها في متبوعه فيجوز تبعا وضمنا مالا يجوز قصدا مراعاة لحاجات الناس، ولفظ "يغتفر" في القاعدة مشعر بهذا المعنى. والله أعلم.

1 انظر الأقوال في هذه المسألة في الأشباه والنظائر لابن نجيم ص122، وشرح الخرشي 6/144، والمهذب 1/368-369، والمغني 7/400.

ص: 604

القاعدة الخمسون: يغتفر في الابتداء مالا يغتفر في الدوام1.

أورد كثير من الفقهاء هذه القاعدة بعد إيرادهم لعكسها وهي قاعدة ((يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء)) إما على سبيل الإتباع لها، وإما على سبيل ذكر المستثنيات منها2. وابتدأ الزركشي بذكر قاعدة ((يغتفر في الابتداء)) وأعقبها بالأخرى3.

معاني المفردات:

يغتفر: تقدم بيان معناها4.

1 حق هذه القاعدة التأخير عن قاعدة ((يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء)) وهي القاعدة التالية لأن هذه القاعدة أني قاعدة ((يغتفر في الابتداء)) استثناء من قاعدة ((يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء)) ولكن اقتضى منهج الترتيب تقديمها.

2 انظر: المجموع المذهب (رسالة) 2/718، والأشباه والنظائر للسيوطي ص186، ولابن نجيم ص122، وشرح القواعد الفقهية ص233، والقواعد الفقهية للندوي ص205.

3 انظر: المنثور 3/372-374.

4 راجع ص 596.

ص: 605

المعنى الإجمالي:

معنى هذه القاعدة أن الشرع قد يتسامح في ابتداء الأمور أكثر مما يتسامح في دوامها فيجيز بعض الأمور إذا فعلت ابتداء. لكنه لا يجيز الاستمرار عليها لو طرأت أثناء الفعل، أو يجيزها ابتداء لغرض معين ولا يجيز الاستمرار عليها.

مثال الأول ما ذكره ابن نجيم رحمه الله أنه يصح تقليد الفاسق القضاء ابتداء أما لو كان عدلا ابتداء ثم فسق فإنه ينعزل عند بعض العلماء بذلك.

ومثال الثاني شراء المسلم أحد أبويه مثلا فإنه يصح ابتداء ليتسنى له عتقهما، لكن لا يصح دوامه والاستمرار عليه.

الأدلة:

يمكن الاستدلال لهذه القاعدة بحديث: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" 1، وحديث: "لا يجزئ ولد والدا إلا أن يجده مملوكا

1 أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني. سنن أبي داود مع عون المعبود 10/340 (العتق/من ملك ذا رحم محرم) ، وسنن الترمذي مع التحفة 4/603 (الأحكام/من ملك ذا محرم) ، وسنن ابن ماجه 2/843 (العتق/من ملك ذا رحم محرم)، وانظر: صحيح سنن أبي داود 2/748.

ص: 606

فيشتريه فيعتقه"1.

فإن هذين الحديثين يدلان على صحة شراء الإنسان ذا رحمه المحرَّم وامتلاكه ابتداء ولا يصح دوام استمرار ملكه له وإنما جاز ذلك ابتداء لما فيه من مصلحة تحريره من العبودية كما يبدو للناظر في المسائل التي مثل بها الفقهاء لهذه القاعدة حيث يجعلون علة ذلك مراعاة المصلحة بما ر يتنافى مع النصوص في كل حكم بحسبه، ففي المثالين اللذين ذكرهما ابن نجيم رحمه الله وهما: أن الفاسق يصح توليته القضاء ابتداء وينعزل لو فسق في أثناء توليه القضاء، وأنه يصح الإذن للعبد الآبق ابتداء ولو أبق بعد الإذن له بطل ذلك الإذن، يتبين أنهم قالوا فيهما: يغتفر في الابتداء مالا يغتفر في الدوام؛ لأن حالة النائب أو المأذون معلومة ابتداء فإذا ولاه القضاء وهو فاسق صح ذلك عند القائلين به لأنه ولاه مع علمه بفسقه، أما إذا ولاه وهو عدل فكأنه شَرَط ضمنا في توليته القضاء أن يكون عادلا فإذا تغير حاله بما يقتضي تغيير الحكم

1 أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صحيح مسلم مع النووي 10/152 (العتق/فضل عتق الوالد) .

ص: 607

وزواله لم يبق ذلك الحكم، وكذلك الإذن للعبد1.

العمل بالقاعدة:

نصت كتب الحنفية، والشافعية على وجود صور يغتفر فيها في الابتداء مالا يغتفر في الدوام كما تقدم.

وأما المالكية فقد أورد الونشريسي منهم قاعدة ((الدوام على الشيء كابتدائه أم لا؟)) ، وقوله ((أم لا)) يشمل هذه القاعدة وعكسها، لكن أكثر أمثلته تدل على أنه يريد بها أنه قد يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء2.

وأما الحنابلة فلم أقف على من يشير إلى هذه القاعدة منهم، بل قد ورد ما يدل على أن الابتداء كالدوام كما في تعليل ابن قدامة عدم صحة شراء الكافر مسلما بأنه يُمنع استدامةُ ملكه عليه فَمُنع لبتداؤه كالنكاح3.

1 انظر: الهداية 3/112، 4/329، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص122، والمغني 7/194، والمجموع المذهب (رسالة) 2/718، وانظر أمثلة أخرى في: المجموع المذهب (رسالة) 2/718، وراجع في مسألة تولية الفاسق القضاء ص107/ح2.

2 انظر: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك ص163-166.

3 ذهب جمهور الفقهاء إلى منع استدامة ملك الكافر للمسلم، لكن منهم من أجاز ملكه ابتداء، وقال: يجبر على إعتاقه، ومنهم من منعه ابتداء، وذهب صاحبا أبي حنيفة إلى أن الكافر إذا اشترى مسلما لم يعتق. انظر: الهداية 2/244، والقوانين الفقهية ص212، والتنبيه ص90، والمغني 6/368.

ص: 608

وإن كان هذا لا يمنع من أن يكون لهم من المسائل ما يغتفر فيه في ابتدائه مالا يغتفر في دوامه كمسألة ملك ذي الرحم وعتقه التي ورد النص بها فقد اتفق الفقهاء على أن ذا الرحم يعتق على مالكه، فذهب الجمهور إلى أنه يعتق بمجرد ملكه، وذهب البعض إلى أنه لا يعتق إلا أن يُنشئ مالكه عتقا1.

وقد فرع الفقهاء على هذه القاعدة عددا من المسائل يرجع غالبها إلى قاعدة أخرى تقدمت وهي: ((من تعلق به الامتناع من فعل متلبس به فبادر إلى الإقلاع لم يكن ذلك فعلا للممنوع

)) 2.

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذه القاعدة يتضح إذا علمنا أن الأصل أن

1 انظر: تحفة الفقهاء 2/266، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 8/120-121، والمهذب 2/4، والمغني 9/223-224.

2 راجع القاعدة السادسة والثلاثين.

ص: 609

يكون حكم الشيء في ابتدائه ودوامه واحدا فاستثنى الشارع من ذلك ما تكون مصلحة المكلفين فيه مقتضية لجعل حكم الابتداء متسامحا فيه بما لا يجوز دوامه والاستمرار عليه1، والله أعلم.

1 انظر: الفوائد الجنية 2/413-414.

ص: 610

القاعدة الحادية والخمسون: يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء.

نص على هذه القاعدة الزركشي1، وذكرها السيوطي على أنها أحد شقي قاعدة ((المانع الطارئ هل هو كالمقارن؟)) 2، وذكرها الونشريسي بصيغة الاستفهام3.

وذكرها العلائي لدى بيانه أقسام المانع حيث ذكر من أقسامه ما يُمنع في حالة الابتداء ولا يُمنع في حالة الدوام4، ووردت في المجلة بصيغة ((يغتفر في البقاء مالا يغتفر في الابتداء)) 5.

1 انظر: المنثور 3/374.

2 لعل مراد السيوطي أن هذه القاعدة، وعكسها وهي القاعدة المتقدمة ((يغتفر في الابتداء مالا يغتفر في الدوام)) كلاهما بمثابة أحد شقي القاعدة المذكورة؛ لأنه في كلتا القاعدتين يختلف الطارئ عن المقارن، ويكون الشق الآخر هو أن يكون الطارئ موافقا للمقارن في الحكم. انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص186.

3 انظر: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك ص163.

4 انظر: المجموع المذهب (رسالة) 2/705، وانظر: القواعد والفوائد للعاملي 1/186.

5 المجلة مع شرحها لسليم رستم 1/42.

ص: 611

وأشار إليها السبكي وقال: "إن التحقيق أن وجود الشيء في الدوام بمنزلة وجوده في الابتداء إلا ما استثني، والمستثنى لا يكون قاعدة؛ ولذا فقد اعترض على إدخال ما يقال فيه (قد) كقولهم: ((قد يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء)) ضمن القواعد"1، وذكر في موضوع آخر أن المسائل التي يغتفر فيها في الدوام مالا يغتفر في الابتداء تدخل في فروع قاعدة ((الدفع أسهل من الرفع)) 2، وقد ذكر هذه القاعدة الأخيرة عدد من العلماء بهذه الصيغة، أو بصيغ مقاربة3.

المعنى الإجمالي:

معنى هذه القاعدة أن ما يمتنع على المكلف فعله إما مطلقا أو مقيدا بحال معينة يتسامح الشرع فيه في حال كونه امتدادا واستمرار لوجوده السابق على وجه صحيح4 مالا يتسامح في

1 انظر: الأشباه والنظائر للسبكي 1/315.

2 انظر: المرجع السابق 1/127.

3 انظر: المنثور 2/155، والقواعد لابن رجب ص200، والأشباه والنظائر للسيوطي ص138، وشرح القواعد الفقهية ص235.

4 قيد ((على وجه صحيح)) احتراز عن أن يقال: إن كل استمرار يسلقه ابتداء، فإذا كان مفهوم هذه القاعدة أن ما يغتفر في الدوام قد لا يغتفر في الابتداء فإنه ينبغي منع ذلك الأمر ابتداء.

ص: 612

إيقاعه ابتداءً.

ومن ذلك ما مثل به بعض الفقهاء وهو رَجعة المُحْرِم حيث قالوا: تصح؛ لأنها دوام واستمرار على النكاح، وهذا المثال يصلح على رأي الجمهور الذين يرون عدم صحة نكاح المحرم ابتداء1 وقد يُتَصور ذلك بطريقة أخرى مثل الإحرام فإنه يمنع صحة النكاح ابتداءً. لكنه لا يؤثر على دوامه واستمراره إذا ما كان ذلك العقد واقعا في حالة الإحلال2.

وسبب هذا التسامح من الشارع كون رفع الشيء بعد وقوعه أكثر مشقة وعسرا من دفعه ومنعه ابتداءً وقبل وقوعه.

وهذه القاعدة ليست على إطلاقها؛ لأن هناك قاعدة أخرى عكسها هي القاعدة المتقدمة، لذا فقد قيد بعضهم قاعدة ((الدفع أسهل من الرفع)) بقوله:"غالبا"3، وقد مثل السيوطي

1 هذا هو رأي الجمهور أما الحنفية فإنهم يرون صحة نكاح المحرم، والرجعة من باب أولى. انظر: كتاب المناسك من الأسرار للدبوسي 176 وما بعدها، والقوانين الفقهية ص120، والمهذب 1/210، والمغني 5/174، والمنثور 3/374.

2 انظر: المجموع المذهب 2/705 (رسالة) .

3 انظر: المواهب السنية وحاشيتها الفوائد الجنية 2/203، وانظر الأنكحة الفاسدة للأهدل ص136، وتحفة المحتاج مع حواشيه 7/251.

ص: 613

والونشريسي، وغيرهما لهذه القاعدة بأمثلة تصلح أمثلة لقاعدة ((من تعلق به الامتناع من فعل وهو متلبس به فبادر إلى الإقلاع عنه لم يكن ذلك فعلا للممنوع)) 1 وهذا يدل على أن هناك تقاربا بين معنى القاعدتين، إلا أنه يمكن أن يُلتمس نوع من الفرق بينهما. ذلك أن نية المكلف وقصده في مسائل قاعدة ((يغتفر في الدوام

)) الاستمرار على ماهو عليه، وأما في نسائل قاعدة ((من تعلق به الامتناع

)) فنيته الإقلاع عما هو فيه لكن هذا الإقلاع لا يحصل إلا بالاستمرار على ماهو عليه قدرا ولو يسيرا من الزمن على صورة من الصور.

الأدلة:

أشار الندوي إلى أن قاعدة ((المنع أسهل من الرفع)) من القواعد التي نشأت عن تعليل الفقهاء2 ومن ذلك تعليلهم صحة رجعة المُحرم وقد تقدم التمثيل بها لهذه القاعدة.

قال ابن قدامة: "فأما الرجعة فالمشهور إباحتها وذكر رواية أخرى، ثم قال: "ووجه الرواية الصحيحة أن الرجعية زوجه والرجعة

1 انظر: إيضاح المسالك ص163، والأشباه والنظائر للسيوطي ص186.

2 انظر: القواعد الفقهية ص396.

ص: 614

إمساك بدليل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} 1 فأبيح ذلك كالإمساك قبل الطلاق"2.

ويصح الاستدلال بما يقره الشرع من أنكحة الكفار بعد إسلامهم فإن الشرع يقر منها ما لم يكن سبب التحريم فيه قائما بعد الإسلام وإن لم يكن قد عقد على وجه مشروع ابتداءً3 بحيث لو ابتدأ النكاح في الإسلام على ذلك الوجه لم يصح فجاز في الاستمرار مالم يجز ابتداؤه.

وقد تقدم أن هذه القاعدة تقارب في معناها قاعدة ((من تعلق به الامتناع من فعل

)) وعلى هذا فإنه يصح الاستدلال لهذه القاعدة بما يستدل به لتلك من بعض الوجوه4.

1 البقرة (229) .

2 انظر: المغني 7/10، وانظر روح المعاني للألوسي 2/135.

3 المنثور 3/374.

4 أعني أنه لو قيل: إن مشي الغاصب مثلا للخروج من الأرض التي غصبها يعد معصية فإنه يغتفر فيه لكونه دواما واستمرار مالا يغتفر في الابتداء، وراجع أدلة تلك القاعدة.

ص: 615

العمل بالقاعدة:

يظهر من إيراد الفقهاء لهذه القاعدة بصيغتها أو ما يدل على معناها، ومن اتفاقهم على إقرار أنكحة الكفار بعد إسلامهم، ونحو ذلك أن جميع المذاهب الأربعة فيها مسائل يغتفر فيها في الدوام مالا يغتفر في الابتداء، وأن القاعدة معمول بها في المذاهب من حيث الجملة والخلاف إنما يكون فيما بندرج تحت هذه القاعدة من الفروع ومالا يندرج.

من فروع القاعدة:

1-

إذا وجد المتيمم الماء في أثناء الصلاة فهل يقطع صلاته أو يمضي فيها؟ قولان للعلماء1.

2-

إذا حلف لا يدخل الدار وهو فيها أو لا يركب الدابة وهو عليها2.

3-

من تزوج أمةً لعدم طَوْلِ الحرة، ثم أيسر وحصل له الطول

1 انظر آراء الفقهاء في المسألة في: الهداية 1/29، وشرح الخرشي 1/196، والمهذب 1/37، والمغني 1/347.

2 انظر حكم المسألة في: الهداية 2/360، وشرح الخرشي 3/72، والمهذب 2/132، والمغني 13/559-560.

ص: 616

فإن مقتضى القاعدة أن لا يفسد النكاح1.

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذه القاعدة أن الشارع يتسامح في رفع الأمر الثابت المستمر مما هو ممنوع ابتداء؛ لكون المشقة في رفع الموجود الثابت أشد منها في دفع الأمر الذي لمّا يوجد بعد

وإن كان هذا ليس علبى عمومه؛ إذ قد يتسامح الشرع في الابتداء أكثر من الدوام إذا كانت مصلحة المكلفين فيه أرجح (على ما تقدم إيضاحه) .

1 هذا على رأي الجمهور في عدم جواز نكاح الأمة مع القدرة على طول الحرة، ويرى الحنفية أن نكاح الأمة جائز حتى مع الطول. انظر الهداية 1/20، وشرح الخرشي 3/221، والمهذب 2/45، والمغني 9/558.

ص: 617

‌القاعدة الثانية والخمسون: يقدم النادر على الغالب أحياناً، وقد يلغيان معاً

((صياغة))

أورد القرافي هذه القاعدة عند بيانه الفرق بين ما يعتبر من الغالب وما يلغى منه، ثم بين أنه قد يلغى الغالب ويقدم النادر، وأن تقديمه يدخل تحته قسمان أحدهما: اعتبار النادر وإلغاء الغالب، والثاني: إاغاؤهما معا1، وذكر لكل قسم أمثلة لا يخلو بعضها من نظر2، وهي مسألة تعارض الأصل والظاهر، أو تعارض الأصل والغالب3 التي ذكرها عدد من الفقهاء كالنووي4، والمقري5، والزركشي6، وابن رجب7،

1 جعل القرافي هذين القسمين داخلين في تقديم النادر والأولى جعلهما داخلين تحت إلغاء الغالب؛ لأنه في حالة إلغائهما معا لا يكون النادر قد قدم على الغالب إلا على معنى أنه قدم بحيث أصبح مساويا للغالب، ولعل السبب في ذلك هو التلازم الحاصل بين إلغاء الغالب وتقديم النادر، والله أعلم.

2 انظر: الفروق 4/104-111.

3 انظر: المنثور 1/311، وحاشية محقق الأشباه والنظائر للسبكي 1/14.

4 انظر: الأصول والضوابط للنووي ص45.

5 انظر: قواعد المقري 1/239.

6 انظر: المنثور 1/311، وانظر: مختصره (رسالة) 1/206.

7 انظر: القواعد له ص339.

ص: 619

والونشريسي1، والسيوطي2، وابن نجيم3، وتبحث في أصول الفقه في مبحث الاستصحاب4.

معاني المفردات:

النادر لغة: الشاذ. اسم فاعل من نَدَرَ أي سقط وشذّ5.

المعنى الإجمالي:

يشير القرافي بهذه القاعدة إلى أن الأصل في قواعد الشرع مراعاة الغالب وإلغاء النادر6 كما نص على ذلك كثير من الفقهاء في قاعدة ((العبرة بالغالب، والنادر لا حكم له)) ، ونحوها7.

1 انظر: إيضاح المسالك ص178.

2 انظر: الأشباه والنظائر له ص64.

3 انظر: الأشباه والنظائر له ص57-58.

4 انظر: الإحكام 4/111-118، وشرح تنقيح الفصول ص447، وشرح الكوكب المنير 4/406.

5 انظر: الصحاح 2/824 (ندر) .

6 انظر: الفروق 4/104.

7 انظر هذه القاعدة في أصول الكرخي المطبوع مع تأسيس النظر ص164، والمنثور 3/243 وما بعدها، ومختصره للشعراني (رسالة) 2/746، وخاتمة مغني ذوي الأفهام ص175، ومجلة الأحكام العدلية مع شرحها 1/37.

ص: 620

فإذا كان للمسألة الواحدة وجهان للحكم أحدهما باعتبار الغالب فيها والآخر باعتبار النادر، فإن الشارع يأخذ بالغالب ويبني الحكم عليه. هذا هو الأصل، لكنه قد يلغي هذا الأصل ويقدم العمل بالنادر على العمل بالغالب إذا كان الحكم بموجب النادر أكثر تيسيرا على المكلفين أو يلغيهما معا للعلة نفسها.

وينطبق هذا المعنى على من جعل ذلك من باب تقديم الأصل على الظاهر عند تعارضهما، فإن قواعد الشرع تقتضي العمل بالظاهر وترجيحه على الأصل عند تعارضهما لكن الشارع قد يلغي العمل بالظاهر ويُعمل الأصل تيسيرا على المكلفين ويكون هذا مرجحا للأصل النادر على الظاهر الغالب1.

الأدلة:

يستدل على هذه القاعدة وأمثالها باستقراء الشرع فإن المستقرئ للشرع يجد أنه يلغي الغالب ويعمل بالنادر أحيانا عندما يكون ذلك أيسر للمكلفين وأقرب إلى مصلحتهم، ومن الأدلة التي جاء فيها إلغاء الغالب:

1-

قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ

1 انظر: حاشية محقق الأشباه والنظائر للسبكي 1/14.

ص: 621

لَكُمْ} 1.

قال القرافي: "إن مما قدم فيه النادر ما يصنعه أهل الكتاب من الأطعمة في أوانيهم وبأيديهم. الغالب نجاسته؛ لعدم تحرزهم عن النجاسات؛ ولمباشرتهم الخمور والخنازير ولحوم الميتات، والنادر طهارته، ومع ذلك أثبت الشرع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوّز أكله؛ توسعة على العباد"2.

2-

وحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة3 بنت زينب بنت

1 المائدة (5) .

2 كلام القرافي رحمه الله هذا وإن كان متوجها في بعض الصور والمسائل كالآنية التي يستعملها الكفار لغير الطبخ. إلا أنه يحتاج إى تقييد في بعض مسائله، إذ المشروع غسل آنية أهل الكتاب التي يطبخون فيها قبل استعمالها على وجه الاستحباب عند بعض الفقهاء. انظر: الفروق 4/105، والجامع لأحكام القرآن 6/78، والمغني 1/110.

3 هي: أمامة بنت أبي العاص بن الربيع القرشية أمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، ولدت على عهده صلى الله عليه وسلم وكان يحبها، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة أبي العاص، وبعد وفاة فاطمة رضي الله عنها. انظر: أسد الغابة 5/400، والإصابة 7/501-504.

ص: 622

رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص1 بن ربيعة بن عبد شمس فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها"2.

قال ابن حجر في الفتح: "واستدل به على ترجيح العمل بالأصل على الغالب كما أشار إليه الشافعي"3

فالغالب على ثياب الصبيان النجاسة ولم يعتبر الشرع هذا الغالب بل اعتبر الأصل وهو طهارة الثياب ولإن كان في الصبيان نادرا.

1 هو: أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس القرشي رضي الله عنه، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلف في اسمه فقيل: لقيط، وقيل: هشيم، وقيل: مهشم، أسلم قبل الفتح أول السنة الثامنة وتوفي سنة 12هـ.

أما ما جاء في رواية هذا الحديث من أنه ابن ربيعة بن عبد شمس فقد قال ابن حجر: "إن الصواب أنه ابن الربيع، وقد جاء في بعض روايات الحديث ذكر اسمه صحيحا (ابن الربيع)، وقال: إن قول الراوي: ابن عبد شمس نسبة لأبي العاص إلى جده. انظر: أسد الغابة 5/336-338، والإصابة 7/248-251، وفتح الباري 1/704.

2 أخرجه البخاري. صحيح البخاري مع الفتح 1/703 (الصلاة/إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة) .

3 فتح الباري 1/705، وانظر الأم 1/47.

ص: 623

3-

قول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} 1، وقوله تعالى:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} 2، وقوله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} 3.

حيث أخذ العلماء من مجموع هذه الآيات أن أقل دمة الحمل ستة أشهر هي نتيجة طرح مدة عامين (وهي زمن الرضاعة) من مجموع مدة الحمل والرضاعة وهي ثلاثون شهرا4.

فيكون الشارع قد اعتبر النادر في أقل مدة الحمل وهو ستة أشهر وألغى الغالب وهو حصوله في تسعة أشهر، فإذا ولدت المرأة بعد ستة أشهر من وطء صحيح فإن الولد يُلحق بالزوج وإن كان الغالب أنه أي الولد حصل من وطء سابق على الوطء الصحيح (أي من الزنا) لكون الغالب في مدة الحمل تسعة أشهر؛ وذلك صونا للأعراض وسترا للعباد، وكذلك بالنسبة إلى أكثر مدة الحمل فلو طلّق رجل امرأته أو مات عنها، ثم جاءت بولد بعد طلاقه إياها أو موته عنها بخمس سنين، أو بأربع سنين ولم تكن قد

1 البقرة (233) .

2 لقمان (14) .

3 الأحقاف (15) .

4 انظر: تفسير القرآن العظيم 4/169، والجامع لأحكام القرآن 16/193.

ص: 624

تزوجت فإنه يعتبر ولدا له يُلحق به وإن كان الغالب أنه حاصل بعد موته عن زوجته أو تطليقه إياها (أي من زنا) ، فقد ألغى الشارع هذا الغالب؛ سترا للعباد وصونا للأعراض أيضا. ودليل أكثر مدة الحمل هو الاستقراء؛ لأنه لا نص فيه فقد وجد من وُلد لأربع سنين ووجد من ولد لأكثر من ذلك.

وقد اختلف العلماء في أكثره فمنهم من قال: أربع سنين، ومنهم من قال: خمس سنين، ومنهم من قال: سنتان إلى غير ذلك1، والاستقراء يُثبت صورا أخرى يلغى فيها الغالب، وقد ذكر القرافي عددا منها كما تقدم2.

وإما إلغاء الغالب والنادر معا فقد مثل له القرافي بشهادة ثلاثة عدول في الزنا وأكثلة أخرى نحوه وبين معنى إلغاء النادر والغالب فيه فقال: "الغالب صدقهم ولم يحكم الشرع به سترا على المدعى عليه، ولم يحكم بكذبهم. بل أقام عليهم الحد من حيث أنهم قذفوه لا من حيث أنهم شهود زور"3.

1 انظر في مسألة أقل مدة الحمل وأكثره: المغني 11/321.

2 انظر: الفروق 4/104-108.

3 الفروق 4/109، وانظر الجامع لأحكام القرآن 12/178، والمغني 14/188.

ص: 625

وعلى هذا فإنه يستدل لهذا القسم بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 فأما إلغاء الغالب في هذا المثال قظاهر، وأما إلغاء النادر فعو محل نظر -فيما أرى- وقد يُعارض بقوله تعالى:{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} 2.

قال القرطبي: "أي في حكم الله كاذبون وقد يعجز الرجل عن إقامة بينة وهو صادق في قذفه، لكنه في حكم الشرع وظاهر الأمر كاذب لا في علم الله تعالى، وهو إنما رتّب الحدود على حكمه الذي شرعه في الدنيا لا على مقتضى علمه الذي تعلق بالإنسان على ماهو عليه"3.

العمل بالقاعدة:

لقد تقدم أن هذه القاعدة بمثابة الاستثناء من قاعدة ((العبرة بالغالب، والنادر لا حكم له)) وما في معناها، ويبدو من نصوص الفقهاء الاتفاق على أن هناك مسائل راعى فيها الشارع النادر ولم يراع الغالب. وصرح القرافي بأن العمل بالغالب مطلقا خلاف

1 النور (4) .

2 النور (13) .

3 الجامع لأحكام القرآن 12/203.

ص: 626

الإجماع1، وورد في كتب الفقه ما يدل على أنه قد يعمل بالنادر ويلغي الغالب، وقد يعبر عنه بالعمل بالنادر وقد يعبر عنه بالعمل بالأصل2.

من فروع القاعدة:

1-

ما تقدم ذكره من جواز الصلاة في الثياب التي ينسجها الكفار، والأكل في آنيتهم ونحو ذلك.

2-

مثّل ابن رجب لما يعتبر فيه النادر بدعوى المرأة بعد زمن عدم إنفاق زوجها عليها فإن القول قولها مع اليمين وإن كان الغالب عكس ذلك وهو الإنفاق هذا على رأي الجمهور، وذهب المالكية إلى أن القول قول الزوج3 وهذه الأحوال وما شابهها عمل فيها بالنادر ولكن لا من جهة كونه نادرا بل من جهة كونه على الأصل.

1 انظر: الفروق 4/107.

2 انظر: حاشية رد المحتار 1/325، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 1/97-98، والمجموع 1/317، والمغني 1/112-113، وراجع ما تقدمت الإحالة إليه من كتب القواعد.

3 انظر تفصيل المسألة في: الدر المختار مع حاشية رد المحتار 3/595، وشرح الخرشي 4/311، والمهذب 2/164، والمغني 11/370.

ص: 627

وجه التيسير:

وجه ذكر هذه القاعدة ضمن قواعد التيسير أن الشرع قد راعى مصلحة العباد وما هو أيسر عليهم، فإذا كانت مصلحتهم في مراعاة النادر فإن الشارع يراعيه ويعمل بمقتضاه مع أن القاعدة الشرعية الثابتة بالتتيع أن الحكم للغالب لا للنادر.

قال القرافي: "اعلم أن الأصل اعتبار الغالب وتقديمه على النادر، وهو شأن الشريعة كما يقدم الغالب في طهارة المياه، وعقود المسلمين، ويُقصر في السفر ويُفطر بناء على غالب الحال وهو المشقة، ويَمنع شهادة الأعداء؛ لأن الغالب منهم الحيف، وهو كثير في الشريعة لا يحصى كثرة، وقد يلغي الشرع الغالب رحمة بالعباد"1.

1 انظر: الفروق 4/104-107، وكتاب أحكام النجاسات في الفقه الإسلامي 2/683-685.

ص: 628

‌القاعدة الثالثة والخمسون: يقوم البدل مقام المبدل منه إذا تعذر المبدل منه

.

أورد هذه القاعدة بهذه الصيغة ابن سعدي1، ووردت في المجلة وصيغتها:((إذا بطل الأصل يصار إلى البدل)) 2. وأشار إليها ضمنا ابن القيم3، والمقري4، والزركشي5، وابن رجب6، والخادمي7، وعلل بها الفقهاء في مواضع عديدة8.

1 القواعد والأصول الجامعة ص71.

2 المجلة مع شرحها لسليم رستم 1/41، وانظر شرح القواعد الفقهية ص227، والوجيز ص187.

3 انظر: أعلام الموقعين 3/399.

4 انظر: القواعد للمقري 1/366.

5 انظر: النمثور 1/219.

6 انظر: القواعد لابن رجب ص20.

7 انظر: خاتمة مجامع الحقائق ص310.

8 انظر: المهذب 1/34، والمغني 1/317 على سبيل المثال.

ص: 629

معاني المفردات:

البدل: بَدَلُ الشيء: غيره، والخَلَفُ منه، يقال: بَدَل، وبِدْل لغتان1.

والمُبدل منه هو: الأمر الأصلي الذي يقوم البدل مقامه.

تعذر: تقدم بيان معناه.

المعنى الإجمالي:

هذه القاعدة مسوقة لبيان الحكم فيما شرعه الله عز وجل من التكاليف وشرع له بدلا يصار إليه عند تعذر الأصل بسبب عدمه أو لحوق المشقة به وهو أن هذا البدل يقوم مقام أصله الذي أبدل منه، وتبرأ الذمة بالإتيان بالبدل وهذا المعنى ظاهر فيما يكون سبب الانتقال فيه إلى البدل هو عدم القدرة على الإتيان بالأصل لسبب متعلق بالمكلف من عجز ونحوه، وهو التعذر حقيقة وهو أكثر ما يراد بالقاعدة. إلا أن البعض قد استدل لهذه القاعدة بما يدل على أنه قد يدخل في عمومها ما يمكن أن يطلق عليه التعذر مجازا وهو ما يكون مشروعا على سبيل التخيير أصلا، فقد استدل بعضهم بقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ

1 انظر: الصحاح 4/1632، والقاموس المحيط 3/333 (بدل) .

ص: 630

مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 1 فإن هذه الآية تدل على المعنى الأول في حق المريض، أما المسافر فهو مخير بين صيام رمضان وصيام أيام أخر، وليس مصيره إلى صيام الأيام الأخر مقيدا أو مشروطا بعدم قدرته على صيام رمضان وإن كان هذا هو الغالب فيكون معنى تعذر الأصل حينئذ عدم جواز إلزام المكلف بصيام رمضان في حالة السفر، والقاعدة يمكن إدراجها تحت قاعدة ((إذا ضاق الأمر اتسع)) أو نحوهما.

إلا أن لهذه القاعدة نوعا من الخصوص وهو البدل، أما في القاعدتين المذكورتين فلا يلزم وجود البدل، والله أعلم.

الأدلة:

يدل لهذه القاعدة عدد من الآيات والأحاديث التي فيها النص على أحكام شُرعت وشرع بدل عنها عند تعذره، وهي كثيرة جدا أذكر نماذج منها:

فمن القرآن الكريم:

1-

قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ

1 البقرة (184) ، وانظر الوجيز ص187.

ص: 631

جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} 1 فالتيمم بدل عن الطهارة بالماء يقوم مقامها إذا تعذر الإتيان بها.

2-

قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 2 الآية، وقد تقدم بيان وجه الاستدلال منها.

ومن الأحاديث:

3-

قوله صلى الله عليه وسلم لمن جامع امرأته في نهار رمضان: "هل تجد رقبة تعتقها؟ " قال لا. قال: "فهل تستطيع صيام شهرين متتابعين؟ ". قال: لا. قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينا " قال: آ

" الحديث.

4-

قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" 3

1 النساء (43) .

2 البقرة (185) .

3 أخرجه الإمام مسلم، وساق سبب رواية أبي سعيد له فقال:"وهذا حديث أبي بكر، قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: قد تُرك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم

" صحيح مسلم مع النووي 2/21 (الإيمان/وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .

ص: 632

وكل دليل دل على رخصة شرعية إلى بدل فهو دليل لهذه القاعدة، وكل ما دل على وجوب كفارة أو نحوها على سبيل الترتيب فهو كذلك1.

العمل بالقاعدة:

لا خلاف بين العلماء في هذه القاعدة من حيث الجملة، فإنهم قد أجمعوا على مشروعية التيمم2 وهو بدل عن الطهارة بالماء عند تعذرها، وعلى مشروعية المسح على الخفين3 وهو بدل عن غسل الرجلين عند اختيار المكلف له، وهكذا في أمور كثيرة فدل ذلك على الاتفاق على هذه القاعدة وإن لم ينص بعضهم عليها؛

1 انظر في الاستدلال لهذه القاعدة: القواعد والأصول الجامعة ص71، والوجيز ص187.

2 انظر: الجامع لأحكام القرآن 5/218، والمغني 1/310، ومراتب الإجماع ص16.

3 انظر: المغني 1/359، والإجماع لابن المنذر ص5، وفتح الباري 1/365.

ص: 633

لظهورها، أو لاندراجها تحت قواعد أخرى، والله أعلم.

من فروع القاعدة:

يتفرع على القاعدة مسائل عديدة منها التيمم، والمسح على الخفين كما تقدم ومنها:

1-

البدل عن الهدي أو الأضحية إذا تلفت1.

2-

البدل عن الوقف إذا تعطلت منافعه2.

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذه القاعدة أن الله تعالى شرع في كثير من التكاليف ما يقوم مقامها ويكون بدلا عنها عند العجز عن الامتثال أو عمد حصول المشقة مع المقدرة فتبرأ ذمة المكلف، ويحصل له ثواب الامتثال من غير مشقة أو عنت، وقد يَكِلُ الله تعالى ذلك إلى اختيار المكلف دون تقييد بعدم القدرة على الإتيان بالأصل وهنا يكون التيسير أظهر.

1 انظر تفصيل ذلك في: حاشية رد المحتار 2/617، 6/325، والقوانين الفقهية ص164، والمهذب 1/236، 241، والمغني 5/432، 12/373.

2 انظر التفصيل في: حاشية رد المحتار 4/358-359، والقوانين الفقهية ص316، والمهذب 1/4485، والمغني 8/221-222.

ص: 634

‌القاعدة الرابعة والخمسون: ينزَّل غالب الظن منزلة اليقين

. ((صياغة)) .

يرد معنى هذه القاعدة في مواضع عديدة من كتب الفقه، وذكرها عدد من العلماء بعدة صيغ منها قول ابن فرحون المالكي1:"ينزّل منزلة التحقيق الظنُّ الغالب"2، وقول السرخسي:"أكبر الرأي فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته بمنزلة الحقيقة"3، وأوردها المقري بقوله: "المعتبر في الأسباب والبراءة وكل ما ترتبت عليه الأحكام العلم ولما تعذر أو تعسر في

1 هو: إبراهيم بن علي بن محمد اليعمري المالكي، ولد بالمدينة سنة 719هـ تقريبا ونشأ بها، وتوفي سنة 799هـ. من مؤلفاته [تسهيل المهمات في شرح جامع الأمهات] وهو شرح لمختصر ابن الحاجب، و [الديباج المذهب في أعيان المذهب] . انظر: نيل الابتهاج بهامش الديباج المذهب ص30-32، والدر الكامنة 1/44، ومعجم المؤلفين 1/86.

2 تبصرة الحكام مع فتح العلي المالك 1/129.

3 نقله عنه محمد عميم الاحسان في قواعد الفقه ص62، وأحال إلى شرح السير الكبير 1/192 ولم أجده لاختلاف النسخ.

ص: 635

أكثر ذلك أقيم الظن مقامه لقربه منه"1، وابن عبد الهادي2 في قوله: "غالب الأحكام مبنية في أدائها ووقتها على الظن"3، وذكرها المقري أيضا بصيغة: "الغالب مساوٍ للمحقَّق"4، ونحوها عند الونشريسي5، ولها تعلق بقواعد أخرى كقاعدة ((تعلق الحكم بالمحسوس على ظاهر الحس6)) .

معاني المفردات:

ينزل: من النزول وهو الحلول، والمنزلة: المرتبة7.

1 القواعد للمقري 1/289.

2 هو: أبو المحاسن يوسف بن الحسن بن أحمد بنتهي نسبه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولد سنة 840هـ وقيل: غيره، وتوفي سنة 909هـ. من مؤلفاته [مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام]، و [جمع الجوامع] في الفقه. انظر: الضوء اللامع 10/308، وشذرات الذهب 8/43.

3 خاتمة مغني ذوي الأفهام ص176.

4 القواعد للمقري 1/241.

5 انظر: إيضاح المسالك ص136.

6 راجع هذه القاعدة ص221-227.

7 انظر الصحاح 5/1828، والقاموس المحيط 4/56 (نزل) .

ص: 636

الظن في اللغة: التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم1.

وهو في اصطلاح الفقهاء: بمعنى قريب من المعنى اللغوي فهو عندهم مطلق التردد بين أمرين أو أكثر سواء كان على التساوي أم ترجح أحدهما على الآخر على ما نقله النووي وغيره2، وقال بعضهم: إن هذا ليس بمطلق فمن الفقهاء من فرق بين المستوي الطرفين ونا ترجح أحد طرفيه3.

وعُرّف بأنه الاعتقاد الراجح مع احتمال التقيض4.

وأما عند الأصوليين فإنهم يفرقون بين ما استوى طرفاه، وبين ما ترجح أحدهما على الآخر فيسمون المستوي الطرفين شكا، ويسمون الطرف الراجح مما ترجح أحد طرفيه ظنا5.

وأما غالب الظن فهو مرتبة من الظن يترجح فيها أحد الجانبين رجحانا مطلقا يُطَّرَح معه الجانب الآخر6.

1 القاموس المحيط 4/245 (ظن) .

2 انظر المجموع 1/220، وغمز عيون البصائر 1/193.

3 انظر: المنثور 2/255.

4 معجم لغة الفقهاء ص296.

5 انظر المحصول ج1 ق1/101.

6 انظر: الفروق في اللغة ص91.

ص: 637

اليقين لغة: هو العلم الذي لا شك معه1.

وفي اصطلاح المنطقيين: يعرف بأنه الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الثابت وجودا أو عدما2.

وفي اصطلاح الفقهاء: كالمعنى اللغوي3.

المعنى الإجمالي:

يتضح معنى القاعدة إذا علمنا أن الأصل فيما تبنى عليه الأحكام هو العلم اليقين بحيث لا يوجد المسبب حقيقة إلا عند وجود سببه حقيقة فإذا أمكن الوصول إلى اليقين لم يجز العدول عنه ولكن إذا تعذر ذلك أو تعسر وهذا هو الغالب فإن غالب الظن يجعل يمثابة اليقين فتبنى عليه الأحكام، وهذا ما أشار إليه المقري في صياغته المتقدمة4.

الأدلة:

1-

من أصرح ما يدل على هذه القاعدة حديث أم سلمة زوج

1 انظر مقاييس اللغة 6/157، والصحاح 6/2119 (يقن) .، ومعجم لغة الفقهاء ص514.

2 الكليات ص979، وانظر التعريفات ص259.

3 معجم لغة الفقهاء ص514.

4 انظر: قواعد المقري 1/289.

ص: 638

النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال: "إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك. فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها"1.

ووجه الاستدلال منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم صرح بأنه يبني حكمه القضائي على ظاهر ما يقوم من حجة وإن كانت قد تكون مخالفة لواقع الأمر2.

ومما يشير إلى أن المطلوب أصلا هو اليقين قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "إنما أنا بشر"؛ لأنه قد علل حكمه بالظاهر وإن لم يطابق واقع الأمر بكونه بشرا أي لا يعلم الغيب فدل على أنه لم يمنعه من العمل باليقين الذي هو الأصل هنا إلا عدم قدرته على ذلك لصفته البشرية صلى الله عليه وسلم.

1 متفق عليه من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وهذا لفظ البخاري. صحيح البخاري مع الفتح 13/184 (الأحكام/من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه

) ، وصحيح مسلم مع النووي 12/4-5 (الأقضية/بيان أن حكم الحاكم لا يغير الباطن) .

2 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 12/4-6، وفتح الباري 13/186-187.

ص: 639

وكذلك قوله: "فإنما أقضي له بقطعة من النار ". وهذا معناه أن المطلوب أصلا هو موافقة الباطن. لكن لما تعذر ذلك أقيم الظن الغالب مقامه، والله أعلم1.

2-

حديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. فإن فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"2.

قال ابن حجر رحمه الله: "وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر"3.

3-

قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 4 الآية.

1 انظر: شرح النووي علبى صحيح مسلم 12/4-7، وفتح الباري 13/186-187.؟

2 متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما واللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 1/94-95 (الإيمان/ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} التوبة (5) ، وصحيح مسلم مع النووي 1/200، (الإيمان/كفاية اعتقاد الإسلام) .

3 فتح الباري 1/97.

4 البقرة (282) .

ص: 640

قال ابن العربي: "قال علماؤنا: هذا دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات على ما خفي من الأحكام"1.

وكل مادل على وجب العمل بالشهادة فهو دليل لهذه القاعدة2.

العمل بالقاعدة:

لا خلاف بين العلماء في العمل بهذه القاعدة فقد اتفق المسلمون على وجوب العمل بمقتضى الشهادة ونَقَل الإجماع على ذلك ابن قدامة3، وكل ما كان من قبيل الحكم بمقتضى شهادة الشهود فهو من باب العمل بالظن لتعذر اليقين والشهادة من أوسع أبواب تطبيق هذه القاعدة، ويدخل تطبيقها في مواضع عديدة كالعمل بغلبة الظن في عدد ركعات الصلاة، أو أشراط الطواف أو نحوهما مما لا ينحصر.

1 أحكام القرآن لابن العربي 1/254.

2 انظر الأدلة على ذلك في: المغني 13/123-124.

3 انظر: المغني 13/132-124، وانظر: تحفة الفقهاء 3/362 وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 7/175، والتنبيه ص269، وانظر كتاب علم القضاء ص83-85.

ص: 641

من فروع القاعدة:

فروع القاعدة كثيرة جدا فمنها:

1-

العمل بشهادة الشهود في القضاء وقد تقدم ذكره.

2-

العمل بغلبة الظن في معرفة جهة القبلة1.

3-

العمل بغلبة الظن في إزالة النجاسة غير المرئية.2.

وجه التيسير:

وجه التيسير أن الله تعالى لم يكلف عباده بتحصيل اليقين الذي يكون عليهم شاقا أو متعذرا بسبب نقص علمهم وعدم إحاطتهم بالأمر على حقيقته في كثير من المواضع ليبنوا عليه الأحكام بل جعل وسيلة ذلك ما هو في قدرتهم وهو الظن الغالب؛ إذ لو كُلفوا تحصيل اليقين في مثل هذا الأمر لأدّى ذلك إلى عنتهم، وإلى ضياع كثير من الحقوق، وإلى اضطراب شؤون العباد.

1 انظر: الهداية 1/39، 48، والقوانين الفقهية ص53، والمهذب 1/67، والمغني 1/102-103.

2 انظر: الهداية 1/39، وشرح الخرشي 1/114، والمهذب 1/49، والمغني 2/489.

ص: 642

‌القاعدة الخامسة والخمسون: ينزّل المجهول منزلة المعدوم وإن كان الأصل بقاؤه إذا يُئس من الوقوف عليه أو شق اعتباره

.

أورد هذه القاعدة ابن رجب1 بهذه الصيغة، وذكرها ابن تيمية أيضا2، وذكرها ابن سعدي بصيغة أخص حيث قال:"إذا تعذر معرفة من له الحق جعل كالمعدوم"3، وقد تقدمت قاعدة أعم منها وهي:((ينزل غالب الظن منزلة اليقين)) .

معاني المفردات:

المجهول: اسم مفعول من جهل، وقد تقدم بيان معناه.

المعدوم: اسم مفعول من عَدِم، والعدم: وهو الفَقْد4.

1 القواع دله ص237.

2 انظر: مجموع الفتاوى 29/262، 323.

3 انظر: القواعد والأصول الجامعة ص60.

4 انظر: الصحاح 5/1982 (عدم) .

ص: 643

المعنى الإجمالي:

معنى هذه القاعدة أن ما يكون مترددا بين الوجود والعدم، ويجهل المكلف حاله ويعسر أو يستحيل عليه العلم به ويكون الحكم الشرعي فيه مبنيا على وجوده أو عدمه، فإنه ينزّل في حق هذا المكلف منزلة المعدوم فيُجزي الحكم الشرعي فيه كما لو كان غير موجود حقيقة وإن كان الأصل بقاؤه أو وجوده وذلك إذا غلب على ظنه بعد البحث والتحري عدم الوجود.

على أنه لابد من بيان أن غلبة الظن بعدم الوجود يمكن أن تفسر بأحد معنيين:

أحدهما: أن يغلب على ظنه هلاك الشيء أو زواله أي عدمه حقيقة كما إذا انتُظر المفقود المدة التي يغلب على الظن أن المفقود لا يعيش بعدها1.

1 غلبة الظن بموت المفقود تختلف باختلاف الحال التي خرج فيها. وإن كان الغالب فيها السلامة أو الغالب فيها الهلاك، وقد اختلف العلماء في تقدير المدة التي يُنْتَظر فيها المفقود ثم يحكم بموته بعدها فقيل: مائة وعشرون سنة منذ ولد، وقيل تسعون سنة منذ ولد أيضا، وقيل: أربع سنين منذ فقد. انظر تفصيل ذلك في الهداية 2/478-479، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 4/149-150، والمهذب 2/146، والمغني 11/247، وفتح الباري 10/431.

ص: 644

والثاني: أن يغلب على الظن عدم إمكان العلم به -أي عدمه حكما- كما إذا غلب على الظن عدم الوارث، لأن المتحري في هذه الحال لا يغلب على ظنه عدم العاصب، لأنه لا يخلو الأمر من وجود بني عم أعلى؛ إذ ليس كلهم بنو آدم فمن كان أسبق إلى الاجتماع مع الميت في أب من آبائه فهو عصبته ولكنه مجهول فلم يثبت له حكم1.

وتشترك هذه القاعدة مع سابقتها في العمل بغلبة الظن فغالب ما يراد بالقاعدة السابقة هو غلبة الظن في جانب الوجود، وهنا غلبة الظن في جانب العدم، والله أعلم.

الأدلة:

يمكن الاستدلال لهذه القاعدة بما يلي:

1-

حديث زيد بن خالد2 رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللُّقطة فقال: "اعرف عفاصها3

1 انظر: فتح الباري 5/96، والقواعد لابن رجب ص238.

2 هو: زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه يكنى أبا عبد الرحمن، وقيل: أبا زرعة، وقيل: أبا طلحة، شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلف في وفاته على عدة أقوال فقيل: سنة 87هـ، وقيل غيره. انظر: أسد الغابة 2/238، والإصابة 2/603.

3 العفاص: جِلْدُ يُلْبَس رأس القارورة كما في الصحاح، ويطلق على الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدا كان أو غيره فهو من العفص وهو الثني والعطف. انظر الصحاح 3/1045 (عفص) ، وفتح الباري 5/45، والنهاية في غريب الحديث والأثر ص263.

ص: 645

ووك اءها1، ثم عرّفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك به"2 الحديث.

ففي إباحة الانتفاع باللقطة لملتقطها بعد تعريفها وعدم معرفة صاحبها دليل على تنزيل عدم العلم بالشيء -بعد بذل الجهد في معرفته- منزلة المعدوم فقد نزّل اللقطة التي يُجْهَل صاحبها منزلة المال الذي لا مالك له في إباحة الانتفاع وذلك بعد أن يغلب على ظنه عدم معرفة صاحبها.

2-

ما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "أيّما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين، ثم

1 الوكاء: هو الخيط الذي تشد به الصرّة والكيس وغيرهما، وقال الجوهري:"هو ما يشد به رأس القربة:" انظر الصحاح 6/2528 (وكى) ، والنهاية 5/222.

2 متفق عليه أخرجاه بعدة ألفاظ، واللظ لهما. صحيح البخاري مع الفتح 5/101 (اللقطة/إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها) ، وصحيح مسلم مع النووي 12/20 (اللقطة) .

ص: 646

تعتد أربعة أشهر، ثم تحل"1.

قال ابن قدامة بعد أن ساق هذا الأثر وغيره: "وهذه قضايا انتشرت في الصحابة فلم تُنْكَر فكانت إجماعا"2.

3-

كما يصح الاستدلال لها بأدلة التيسير العامة كقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} 3، وقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 4. ونحوهما.

وذلك أن من بذل وسعه في البحث والتعرف على أمر ينبني عليه حكم فلم يعلم وجوده، وغلب على ظنه عدمه أو عدم قدرته على الوصول إليه فإن هذه الأدلة تقتضي بعمومها أن يعتبره معدوما ويبني الحكم على هذا بحيث لا يلزمه الاستمرار في البحث؛

1 أخرجه الإمام مالك، وابن أبي شيبة، والبيهقي، وغيرهم بصيغ عدّة. الموطأ 2/575 (الطلاق/عدة التي تفقد زوجها)، ومصنف ابن أبي شيبة 4/237 (النكاح/من قال: امرأة المفقود تعتد وتزوج

) ، وسنن البيهقي 7/445-446 (العدد/من قال تنتظر أربع سنين ثم

) .

2 المغني 11/251.

3 البقرة (286) .

4 التغابن (16) ، وانظر مجموع الفتاوى 29/322.

ص: 647

لأن هذا ليس في قدرته، ولا تنزيله منزلة الموجود إذا كان هذا يشق عليه. بل يعمل بموجب غلبة ظنه بالعدم.

العمل بالقاعدة:

لم أحد تصريحا لكثير من الفقهاء بهذه القاعدة؛ لذا فإن معرفة عملهم بهذه القاعدة تقوم على النظر في المسائل التي مثل بها من أورد القاعدة، وعلى معرفة أقوالهم في تنزيل غالب الظن منزلة اليقين لتقارب معناهما.

فممّا مثل به ابن رجب مسألة اللقطة، ومال من لا يُعلم له وارث.

وقد ذهب الشافعية، والحنابلة إلى أن لملتقط اللقطة أن يتملكها وينتفع بها بعد تعريفها سنة إذا لم يعرف صاحبها1، وكذلك المالكية لكن مع الكراهة2.

أما الحنفية فالحكم عندهم أن يتصدق بها عن صاحبها إذا لم يجده بعد تعريفها3.

وعلى كلا الحالين يكون قد نُزّل المجهول منزلة المعدوم كما

1 انظر: المهذب 1/430، والمغني 8/299.

2 انظر: القوانين الفقهية ص293.

3 انظر الهداية 2/470.

ص: 648

أشار إلى ذلك ابن رجب1، وابن تيمية2.

وأما من لم يُعلم له وارث3 فقد اتُّفق على أن ماله يرجع إلى بيت مال المسلمين4 وإن كان الأمر لا يخلو من وجود بني عم أبعد فيكون قد نُزّل المجهول منزلة المعدوم.

وقد تقدم أن جمهور الفقهاء قد أخذوا بقاعدة تنزيل غالب الظن منزلة اليقين.

وعلى هذا يمكن القول: إن هذه القاعدة معمول بها في المذاهب الأربعة وإن كان الأمر لا يخلو من اختلاف في بعض تطبيقاتها كما في مسألة المفقود، فإن الجمهور على أنه إذا مضى له مدة يغلب على الظن عدم بقائه بعدها حيا تعتدّ زوجته عدة الوفاة، ثم تحل

1 انظر: القواعد له ص238.

2 انظر: مجموع الفتاوى 29/322.

3 يشمل ذلك أصحاب الفروض، والعصبة، وذوي الأرحام عند من يقول بتوريثهم. انظر تفصيل ذلك في الفقه الإسلامي وأدلته 8/382-383، وراجع القاعدة السابعة والأربعين.

4 انظر حاشية رد المحتار 6/766، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 8/207، والتنبيه ص154، وشرح منتهى الإرادات 2/639-640.

ص: 649

للأزواج، وذهب الشافعي في مذهبه الجديد إلى أنها زوجته أبدا1.

من فروع القاعدة:

تقدم ذكر عدد من فروع هذه القاعدة ومن فروعها أيضا:

المستحاضة فإنها تترك الصلاة والصوم المدة التي يغلب على ظنها أنها حيض ثم تعتبر هذا الحيض كالمعدوم فتصلي -على ما بيّنه الفقهاء من طريقة تطهرها- وتصوم2.

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذه القاعدة أن الشارع قد راعى حال المكلف من حيث ضعف قدرته وعلمه. فإذا كان الحكم الشرعي متوقفا على العلم بوجود شيء ما أو عدمه ولم يتمكن المكلف من العلم به والوقوف عليه، فإن جهله بوجود ذلك الشيء يجعله في حقه كالمعدوم قيبني الحكم على ذلك.

فلم يكلف الله تعالى المخلوق بأكثر من طاقته ولا بما يشق

1 انظر: الهداية 2/478-479، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 4/149-150، والمهذب 2/146، والمغني 11/247.

2 انظر التفصيل في: الهداية 1/34، والقوانين الفقهية ص40، والتنبيه ص22، والمغني 1/411، وانظر مزيدا من فروع القاعدة في قواعد ابن رجب ص238.

ص: 650

ويعسر عليه العلم به.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى لو لم يُحكم بعدم المجهول في مثل هذه الحال لأدّى ذلك إلى توقف كثير من الأحكام وتعطل كثير من المصالح. ولذلك قال في القاعدة:"أو شقَّ اعتباه" أي شقّ اعتباره موجودا بأن كان الحكم المترتب على اعتباره موجودا موجبا للعسر والمشقة"1.

1 انظر: مجموع الفتاوى 29/322، والقواعد الفقهية للندوي ص395.

ص: 651

‌القاعدة السادسة والخمسون: اليقين لا يزول بالشك

.

هذه إحدى القواعد الخمس، أو الست الكبرى التي ذكر العلماء أنها مبنى الفقه1.

وعلى هذا فإنه لا يكاد يخلو كتاب من كتب قواعد الفقه، أو من كتب الفقه من ذكر لها، أو تعليل بها2، وتعرض لها بعض الأصوليين أيضا بالذكر في باب الاستصحاب وغيره3، وقال

1 انظر: الأشباه والنظائر للسبكي 1/138، والأشباه والنظائر للسيوطي ص7.

2 انظر على سبيل المثال المرجعين المتقدمين وأصول الكرخي ص161، والقواعد والضوابط المستخلصة من كتاب التحرير للحصيري ص189، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص56، والقواعد للمقري 1/291-292، وإيضاح المسالك ص199، والقواعد والفوائد الأصولية ص5، وبدائع الفوائد 3/272، والقواعد والأصول الجامعة لابن سعدي ص44، وشرح القواعد الفقهية لأحمد الزرقاء ص35، والقواعد الفقهية للندوي ص316. وانظر: بدائع الصنائع 1/137، والذخيرة 1/212، والأم 1/9، والمهذب 1/25، والمغني 1/262.

3 انظر: أصول السرخسي 2/17، والمحصول ج2 ق3/164، والإحكام للآمدي 4/111، وشرح الكوكب المنير 4/439-442.

ص: 653

المقري: "إنها قاعدة فقهية أصولية"1 وقد اختلفت عبارات العلماء في صياغة هذه القاعدة وإن اتحدت في المعنى.

فمن العلماء من ذكرها باللفظ المتقدم2 ومنهم من قال: "اليقين لا يزال بالشك"3، ومنهم من قال:"اليقين لا يرفع بالشك"4، ومنهم من قال:"ما ثبت بيقين لا يرفع إلا بيقين"5، ومنهم من قال:"كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم"6، ومنهم من جعل قاعدة ((الأصل بقاء ماكان على ماكان)) في معنى هذه القاعدة7، ومنهم من اعتبر قاعدة ((الأصل بقاء ماكان على ماكان)) ، وقواعد أخرى مندرجة تحت هذه القاعدة8.

1 القواعد للمقري 1/291.

2 الأشباه والنظائر لابن نجيم ص56.

3 الأشباه والنظائر للسيوطي ص7.

4 الأشباه والنظائر للسبكي 1/13

5.

وهو لفظ الزركشي انظر المنثور 3/135.

6 وهو لفظ القرافي في الفروق 1/111.

7 انظر المجموع المذهب (رسالة) 1/303، والقواعد والأصول الجامعة لابنسعدي ص44.

8 انظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص51، ولابن نجيم ص57، والقواعد الفقهية للندوي ص318.

ص: 654

وأول من نسبت إليه صياغة هذه القاعدة هو الإمام الشافعي1.

ولم أقف على موضع ذكره لهذه القاعدة بلفظها إلا أنه قد جاء عنه، وعن غيره من الأئمة ما يدل على معناها.

فقد قال الإمام الشافعي: "وإذا كانت الرجل مسافرا وكان معه ماء فظن أن النجاسة خالطته فتنجس ولمن يستيقن مخالطة النجاسة"2، ونقل الزركشي، وغيره عنه قوله:"أصل ما أبني عليه الإقرار أني أعْمِل اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة"3.

وجاء في مسائل الإمام أحمد أنه سئل عن رجل يشك في وضوئه قال: "إذا توضأ فهو على وصوئه حتى يستيقن بالحدث، وإذا أحدث في وضوئه فهو محدث حتى يستيقن أنه توضأ"4.

1 انظر: المنثور 3/135.

2 الأم 1/9، وانظر 6/229-230.

3 انظر المنثور 2/80، الأشباه والنظائر للسيوطي ص53.

4 مسائل الإمام أحمد ص12.

ص: 655

معاني المفردات:

اليقين: تقدم بيان معناه.

الشك لغة: بمعنى التداخل، ومنه الشك الذي هو خلاف اليقين، ويأتي بمعنى اللزوق واللصوق1.

وفي الاصطلاح: هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح أحدهما على الآخر عند الشاك وقيل: ماستوى طرفاه2.

المعنى الإجمالي:

إذا تعارض عند المكلف جهتان في أمر ما جهة يقين وجزم بحكم، وجهة شك في حصول ما ينافيه وذلك بأن يتيقن أمرا في وقت، ثم يطرأ عليه شك في حصول ما ينافيه في وقت آخر كمن تيقن أنه توضأ، ثم شك في حدوث الناقص، أو جزم أنه صلى ركعة واحدة، ثم شك هل صلى الثانية أم لا، فإن الواجب عليه واللازم له أن يأخذ باليقين الذي استقر عنده ويدع الشك الطاريء عليه بحيث يجعله كالمعدوم.

ومن هذا يظهر أن المراد باجتماع اليقين مع الشك استصحاب

1 انظر: مقاييس اللغة 3/173، ولسان العرب 7/175 (شكك) .

2 التعريفات ص128.

ص: 656

حكم اليقين السابق إلى وقت طروء الشك فيه؛ إذ لا يتصور اجتماع اليقين مع الشك في حكم واحد في وقت واحد حقيقية 1ولا فرق بين أن يكون اليقين السابق مقتضيا ًللاباحة أم للحظر2.

الأدلة:

بنى كثير من العلماء هذه القاعدة على ما رواه عبّاد بن تميم3عن عمه4 أنه شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتا ًأو يجد

1انظر الأشباه والنظائر للسبكي1/13،وللسيوطي ص51،ولابن نجيم ص57، وبدائع الفوائد 3/272، والقواعد الفقهية للندوي ص324-325، وشرح النووي على صحيح مسلم 4/50، وشرح سنن النسائي للشيخ محمد المختار 2/301.

2 انظر شرح القواعد الزرقاء ص37.

3 هو: عبّاد بن تميم بن غزية الأنصاري. قال عنه ابن حجر: ثقة من الثالثة.انظر طبقات الكبرى 5/81، وتقريب التهذيب ص162.

4 هو: عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري الخزرجي -رضي الله علنه - (أبو محمد) ، شهد أحداً وغيرها، وقتل يوم الحرة سنة 63هـ وهو عم عباد لأمّه كما قال ابن حجر. انظر: أسد الغابة 3/167-168، والإصابة 4/98، تقريب التهذيب ص163.

ص: 657

ريحاً"1.

والحديث - وإن كان وارداً في حكم خاص- فهو بيان القاعدة عامة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وليس المراد تخصيص هذين الأمرين2 باليقين لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى قاله الخطابي"3.

وقال النووي هذا الحديث أصل في بقاء الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولايضر الشك الطارئ عليها4.

وهناك أحاديث أخرى في معناه5.

1 منفق عليه، واللفظ لمسلم. صحيح البخاري مع الفتح 1/285 (الوضوء/لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن) ، صحيح مسلم مع النووي 4/49 (الحيض/من تيقن الطهارة ثم شك له أن يصلي بطهارته) .

2 لعل مراد رحمه الله -بالأمرين - سماع الصوت، ووجود الريح، وقد علق الندوي على هذه الكلمة بقوله:"أي صحة الصلاة مالم يتيقن الحديث".ولم يظهر لي مراده بهذا. انظر القواعد الفقهية ص318.

3 فتح الباري 1/287، ومعالم السنن1/122.

4 شرح صحيح مسلم 4/49-50، شرح سنن النسائي للشيخ محمد المختار 2/301.

5 انظر نبل الأوطار 1/255، والوجيز ص102-103.

ص: 658

2-

وفي معنى هذا الحديث بل ربما كان أصرح منه في إثبات القاعدة -قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين" الحديث1

ففي هذا الحديث تصريح بالعمل باليقين وإلغاء الشك.

وهو محمول على ما إذا لم توجد غلبة الظن2،وفي الموضوع نفسه أحاديث أخرى3.

3-

عموم قوله -تعالى-: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} 4.

ونحوها قوله-تعالى-: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} 5.

1 أخرجه النسائي، وابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وصححه الألباني. سنن النسائي مع شرح السيوطي 3/27، (الصلاة /إتمام المصلي على ما ذكر إذا شك)، وسنن ابن ماجة 1/327 (إقامة الصلاة ماجاء فيمن شك في صلاته فرجع إلى اليقين) .وانظر: صحيح سنن النسائي 1/266.

2 انظر بذل المجهود 5/395، والأشباه النظائر للسيوطي 1/5، والوجيز ص 103-104.

3 انظر نيل الأوطار 3/139-142.

4 يونس (36) ،وانظر الوجيز ص102.

5 النجم (27) .

ص: 659

4-

ويدل على ذلك العقل -أيضاً-؛ لأن اليقين أقوى، وهو أمر ثابت متضمن لحكم قطعي جازم فلا يزول بالشك1.

العمل بالقاعدة:

تقدم أن هذه القاعدة قد نقلت عن الإمام الشافعي، وعن الإمام أحمد وأن الشيخ أبا طاهر الدباس2، والكرخي وغيرهما ذكرها من أصول مذهب الإمام أبي حنيفة، وهي كذلك من قواعد المذهب المالكي، فقد نقل القرافي الإجماع عليها فقال: "فهذه قاعدة مجمع عليها وهي أن ((كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم، الذي جزم بعدمه)) 3.

وقد نقل الاتفاق على العمل بها -أيضاً- ابن دقيق العيد حيث قال - بعد شرحه للحديث المتقدم-: "والحديث أصل في إعمال الأصل وطرح الشك. وكأن العلماء متفقون على هذه القاعدة

1 انظر القواعد الفقهية للندوي ص318،والوجيز ص 104.

2 هو: أبو طاهر محمد بن محمد بن سفيان الدباس إمام أهل الرأي بالعراق وهو من أقران أبي الحسن الكرخي. انظر: الجواهر المضية 3/323، والفوائد البهية ص187.

3 الفروق 1/111.

ص: 660

لكنهم يختلفون في كيفية استعمالها"1.

ومما اختلف في وجه تطبيق هذه القاعدة عليه من تيقن الطهارة ثم شك في حصول الحدث الناقض فإن المشهور من مذهب المالكية وجوب الطهارة2، وهو قول الظاهرية3 أيضاً، وذهب الجمهور إلى أنه لايلزمه الطهارة4 وكلا الفريقين بنى على أن اليقين لايزول بالشك.

فالمالكية ومن رأى رأيهم وافقوا الجمهور على القاعدة، وخالفهم في هذا الحكم الفرعي.

والسبب في ذلك هو اختلاف النظر في تطبيق. فالمتيقن -عند الملكية ومن قال بقولهم هنا- هو انشغال الذمة بالصلاة، والمشكوك فيه هو سبب الإبراء وهو أداء الصلاة أداءً صحيحاً إذ الشك في طهارة -التي هي شرط صحة الصلاة- شك في صحة الصلاة نفسها5، فلا يزول اليقين -الذي هو انشغال الذمة بالصلاة-

1 انظر: أحكام الأحكام لابن دقيق 1/116.

2 انظر: المدونة 1/13، وحاشية الدسوقي 1/122.

3 انظر: المحلى 2/79.

4 انظر: حاشية رد المختار 1/150، والمهذب 1/25، والمغني 1/262.

5 قال المقري: قاعدة: ((الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط)) وقال الونشريسي: "الشك في الشرط مانع من ترتب المشروط" ورتب عليه هذا الفرع. انظر: القاعدة للمقري 1/293 ،وإيضاح المسالك ص 192،وانظر: الفروق 1/111، 293.

ص: 661

بالمشكوك فيه وهو الصلاة المشكوك في صحتها؛ بناء على الشك في الطهارة1.

والمتيقن عند الجمهور هو الطهارة والمشكوك فيه انتقاضها. فلا يزول اليقين - الذي حصول الطهارة- بالمشكوك فيه وهو حصول الحدث2.

وقد أوضح هذا المعنى القرافي رحمه الله ورأى أن الفريقين يخالفان القاعدة هنا من وجه3.

1 انظر: مواهب الجليل شرح مختصر الخليل 1/300، والشرح الصغير 1/60،وشرح سنن النسائي للشيخ محمد المختار 2/301.

2 انظر: فتح الباري 1/287.

3 بيان هذه المخالفة التي ذكرها القرافي عند الجمهور أنهم اعتبروا هذه الصلاة - التي أدت بطهارة مشكوك فيها-مبرأة للذمة وهذا اعتبار للشك وترك لليقين وهو لزوم الصلاة في الذمة، ووجه كون ذلك اعتباراً للشك أن الشك في الشرط - وهو الطهارة- يوجب شكاً في المشروط وهو الصلاة. وبيانها عند الإمام مالك أنه اعتبر الحديث المشكوك في حصوله ناقضاً للطهارة وهذا اعتبار للمشكوك فيه وترك المتيقن وهو الطهارة السابقة فالجمهور خالفوا القاعدة في الصلاة، ومالك خالفها في الحدث. انظر الفروق 1/111-112، والقوانين الفقهية ص26، والشرح الصغير 1/60، وشرح الحطاب 1/300، وشرح سنن النسائي للشيخ محمد المختار 2/301.

ص: 662

وأما الحديث الذي هو مبنى القاعدة فإن المالكية يجعلونه خاصاً بما إذا شك في الصلاة، وذلك في إحدى الروايات عنهم1.

وقد استثنى العلماء من حكم هذه القاعدة بعض الصور لمعارضة أصل آخر راجح على هذا الأصل، أو لظاهر ترجح إعماله على إعمال الأصل2.

من فروع القاعدة:

فروع هذه القاعدة كثيرة جداً ومن أشهرها:

1-

الشك في عدد ركعات الصلاة فإن من شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فإنه يعتبرها ثلاثاً؛ لأن اليقين هو تعلق الصلاة بالذمة، ثم تيقن أداء ثلاث ركعات فبرأت منها الذمة، وشك في

1 انظر: مواهب الجليل 1/300، وشرح الصغير 1/60، وشرح سنن النسائي للشيخ محمد المختار 2/301، وفتح الباري1/286.

2 انظر: ذلك في: المجموع المذهب (رسالة) 1/314-317، وشرح القاعدة الفقهية ص 41.

ص: 663

أداء الرابعة فبقيت في الذمة، وهكذا كل ما كان الشك في عدده أو أجزائه بني على الأقل؛ لأنه هو المتيقن حصوله1

2-

من شك في طلوع الفجر وهو يريد الصوم فإنه يجوز له الأكل والشرب؛ لأن اليقين في حقه بقاء الليل2 وذهب الملكية إلى عدم الجواز، وقال بعضهم: يكره3

3-

من شك في غروب الشمس وهو صائم فليس له أن يفطر؛ لأن اليقين في حقه بقاء النهار4.

وجه التيسير:

لا يكاد يخفى على الناظر في هذه القاعدة الجليلة وتطبيقاتها ما تتضمن من التيسير، ورفع الحرج من جهة تخليص المكلف من الشك الذي قد يقع له فيورث الحيرة والتردد، وذلك ببيان الطريق

1 للحنفية بعض التفصيل في هذه المسألة. انظر: الهداية 1/82، والقوانين الفقهية ص72، والتنبيه ص36، والمغني 2/407.

2 انظر: الهداية 1/140، والتنبيه ص66-67، والمغني 4/390.

3 انظر: القوانين الفقهية ص 105.

4 انظر: الهداية 1/140، والقوانين الفقهية ص106، والتنبيه ص66-67، والمغني4/391.

ص: 664

إلى ذلك وهو إلغاء ذلك الشك واعتبارها في حكم المعدوم والعمل بما تيقنه أولاً.

ولا يعارض هذا الوجه من التيسير أنه قد يترتب عليه زيادة تكليف، كما إذا شك المصلي هل صلى ثلاثاً أو أربعاً في صلاة الرباعية؟ فإنه يجعلها ثلاثاً ويلزمه الإتيان برابعة؛ لأن مجرد دلالة المكلف على الطريق الذي يخرج بواسطته عن الشك والتردد يعدّ تيسيراً، ولو تضمن زيادة تكليف ويدرك هذا-تماماً- من كثرة شكوكه وسيطرة عليه التردد.

ولعل لفظه (شكي) التي صدر بها الحديث الدال على القاعدة تشعر بهذا المعنى؛ لأن الشكوى إنما تكون عادة مما يسعر على الإنسان ويشق عليه1.

ويمكن تصور التيسير فيها من وجه آخر. وذلك فيما إذا كان المتيقن -أولاً- هو وقوع المأمور به والشك في زواله حيث لا يلزم المكلف فعل ذلك المأمور به مرة أخرى كما إذا تيقن الطهارة والشك في الحدث، والله أعلم.

1 انظر: القواعد الفقهية للندوي ص316.

ص: 665

‌القسم الثاني: الضوابط

‌الضابط الأول: الحدود تسقط بالشبهات

.

الضابط الأول الحدود تسقط بالشبهات.

ورد ذكر هذا الضابط في عدد كبير من كتب القواعد الفقهية في المذاهب الأربعة إما بهذه الصيغة، أو بصيغة أخرى مقاربة1، وأطلق عليه كثير منهم مصطلح "قاعدة"2، ويورده الفقهاء كثيراً في باب أو كتاب الحدود من كتاب الفروع 3.وقد تقدمت قاعدة أعم وهي:((حقوق الله مبنية على المسامحة)) 4.

1 انظر: - على سبيل المثال-: القواعد والضوابط المسنخلصة صرقم123، 124، ص 488، 489، وقواعد الأحكام 2/160، والفروق4/172، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 122-123، ولابن نجيم ص 129.

2 يصح إطلاق مصطلح "القاعدة" باعتبار أن الحدود متنوعة تدخل في أبواب متعددة، والذي جعلني أعد هذا اللفظ في قسم الضوابط هو النظر إلى الصيغة فإنها تضمنت حكما متعلقاً بموضوع واحد من موضوعات الفقه وهو حدود، والله أعلم. راجع ما تقدم في التفرقة بين القاعدة والضابط ص41.

3 انظر: -على سبيل المثال -: حاشية رد المختار 4/18، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 8/80 والمهذب 2/266،والمغني12/378.

4 راجع: ص257-266.

ص: 669

والحدود منها ما هو حق خالص لله -تعالى-، ومنها ما هو حق للآدميين، أو فيه شائبتان1.

معاني المفردات:

الحدود: جمع حدّ. والحد في اللغة: الحاجزان بين الشيئين، وحد الشيء: منتهاه، والحدّ: المنع2.

وفي الاصطلاح عرفه كثير من العلماء: بأنه عقوبة مقدرة وجبت حقاً لله3 وأطلق بعضهم فقال: هو عقوبة مقدرة

1 انظر: أحكام القرآن لابن العربي 3/1336.

2 الصحاح 2/462 (حدد)

3 يفرق بين ما يكون من الحدود حقا لله تعالى ،وبين ما يكون حقاً للآدمي بأن ما يكون حقا ًللآدمي يستحق بالطلب ويسقط بالعفو؛ إذ هو حق لشخص بعينه، وأما الحدود التي هي حق لله.فهي ما شرعت لمصلحة تعود إلى كافة الناس من صيانة الأنساب، والأقوال، والعقول، والاعتراض بمعنى أنها ليست حقاً لمعين يملك العفو عنها بل نفعها يعود إلى كافة الناس وهذا التقييد بكون الحدود حقوقاً لله -عند من قيد به- لا يخرج حد القذف وإن كان فيه حق للعبد من حيث دفع العار عن المقذوف؛لأنهم يرونه حقاً مشتركاً بين الله -تعالى-، وبين العبد وذهب البعض إلى أنه حق للعبد وهذا مبني على تعريف الحد بدون هذا القيد. انظر: في تعريف الحد، وفي بيان معنى القيد الأخير: حاشية رد المختار 4/3، 31، المغني12/386، مجموع الفتاوى 28/297 وأحكام القرآن لابن العربي 3/1335-1336، وأنيس الفقهاء ص173 ونيل الأوطار 7/250.

ص: 670

شرعاً1

وسميت هذه بالحدود؛ لأنها تمنع المعاودة؛ أو لكونها مقدرة من الشارع2.

الشبهات: جمع شبهة. وهي في اللغة: الالتباس3.

وفي الاصطلاح: عرفت بأنها مالم يتيقن كونه حراماً أو حلالاً، وتختلف الشبهة باختلاف سببها الذي تضاف إليه4.

1 انظر: زاد المستقنع مع حاشية الروض المربع 3/304-305،ومعجم اللغة الفقهاء ص176.

2 انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص323، وفتح الباري 12/59.

3 الصحاح 6/2236 (شبه)

4 ذكر العلماء للشبة عدة أنواع - باعتبار ما تضاف إليه- منها:

1-

شبهة العقد: وهي ما وجدت فيه صورة العقد لا حقيقة كالزواج بدون شهود.

2-

شبهة الفعل: وهي أن يظن الحرم حلالا، فيأتيه.

3-

شبهة المحل وهي أن يظن المحل محلا فإذا هو ليس كذلك.

4-

شبهة الملك: وهي أن يملك من الشيء جزأ أو تكون له فيه شبهة ملك، كسرقة الشخص من مال ابنه. انظر: التعريفات ص124، وحاشية رد المختار 4/19-23، ومعجم لغة الفقهاء ص257.

ص: 671

المعنى الإجمالي:

معنى هذا الضابط أن الله -تعالى - الذي شرع وقدر العقوبات جزاءً على بعض المعاصي شرع درء هذه الحدود والعقوبات، وإسقاطها بكل أمر يورث شكاً ولبساً إما في ثبوت تلك المعصية على من ادّعيت عليه، أو في علم من أقدم على ذلك الفعل بتحريمه، أو نحوها من أنواع الشبه. وذلك بأن شرع من القيود في ثبوت بعض هذه الحدود ما يجعلها قليلة الثبوت، وشرع للمسلمين الستر على من وجدوه على شيء من تلك المعاصي بعد نصحه وإرشاده، وشرع للحاكم عدم القصد ونحوه من الشبه.

وذلك أن الشارع يتشرف إلى الستر على المؤمن وعدم فضحهم. فإن هذه الحدود وإن كانت لم تشرع إلا لتطبيق ولم تشرع إلا أن الشارع غلّب مصلحة حرمة المؤمن على هذه المصلحة مال م يجاهر الإنسان بمعصيته، وما لم يثبت ذلك عند

ص: 672

الحاكم1.

الأدلة:

الأدلة على هذا الضابط كثيرة جداً ومنها ما يلي:

أولا: أشهر وأصرح الأدلة على هذا الضابط هو حديث: "ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"2.

ثانياً: ما يدل على التشدد في إثبات بعض الحدود سواء كان ذلك بالشهادة أم بالإقرار. خاصة فيما يكون خفياً عادة كالزنا، فإنه لا يثبت إلا بأربعة شهود عدول يصفون الزنا بما لا يوجد معه شك ولا ريب، وبما لا يكاد يطلع عليه إلا إذا جاهر العاصي بمعصيته، أو بالإقرار الصريح أربع مرات أيضاً3.

1 انظر: نيل الأوطار 7/271.

2 تقدم تخريجه، وبيان أن الصحيح أنه موقوف، وأنه كان في سنده مقال فإنه يصلح للاحتجاج به لاعتضاده بأدلة أخرى. راجع 260/ح1.

3 اشترط أربع شهود في الزنا مجمع عليه وقد ورد به النص، أما الإقرار فذهب الحنفية، والحنابلة إلى اشتراط أن يكون الإقرار أربع مرات، وذهب المالكية، والشافعية إلى أنه يكفي فيه الإقرار مرة واحدة كغيره من الإقرارات. انظر الهداية 2/382، والقوانين الفقهيةص305، والمغني المحتاج4/150،والمغني 12/354، وفتح الباري12/128-129، ونيل الأوطار 7/259-262،وسقوط العقوبات في الفقه الإسلامي 1/70.

ص: 673

يدل على ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 1.

وقوله -تعالى-: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} 2.

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت". قال: لا. قال: "أفنكتها"؟ قال: نعم. قال: فعند ذلك أمر برجمه"3.

وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه، ثم

1 النور (4) .

2 النور (13) .

3 أخرجه أبو داود، وصححه الألباني. سنن أبي داود مع عون المعبود 12/71 (الحدود /رجم ماعز بن مالك) ، وانظر صحيح سنن أبي داود 3/838.

ص: 674

اعترف فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع شهادات: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أبك جنون؟ " قال: لآ قال: "أحصنت؟ " قال: نعم. قال: فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم في المصلى" الحديث1.

فإن مجموع هذه الأدلة يدل على رغبة الشارع في دفع الحد قدر الإمكان2

ثالثا: الأدلة التي فيها الحث على ستر العاصي بعد نصحه وإرشاده والإنكار عليه3.

فمن الأدلة العامة على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"4

1 أخرجه أبو داود أيضا وصححه الألباني. سنن أبي داود مع عون المعبود؛ وانظر صحيح سنن أبي داود في الموضع المتقدم.

2 انظر: عون المعبود 2/72.

3 انظر: فتح الباري 5/117، 12/128.

4 متفق عليه، واللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 5/116 (المظالم/لا يظلم المسلمُ المسلمَ ولا يُسلمهُ) ، وصحيح مسلم مع النووي 16/134 (البر والصلة/تحريم الظلم) .

ص: 675

ومما يدل على الستر فيما يوجب الحدّ خاصة حديث: أن ماعزا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أربع مرات فأمر برجمه وقال لهزّال1: "لو سترته بثوبك كان خيرا لك"2.

رابعا: مشروعية اللعان بين الزوجين لتخليص من يرمي زوجته بالزنا من حدّ القذف فقد شق على بعض الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 3 فاشتكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} 4. إلى قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ

1 هو: هزّال بن ذئاب، أو ابن يزيد بن ذئاب الأسلمي رضي الله عنه. انظر أسد الغابة 5/60، والإصابة 6/536.

2 أخرجه أبو داود، وصححه الألباني. سنن أبي داود مع عون المعبود 2/27 (الحدود/الستر على أهل الحدود) ، وانظر صحيح سنن أبي داود 3/837.

3 النور (4) .

4 النور (6) .

ص: 676

غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} 1.

قال الإمام ابن كثير: "هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه إقامة البينة أن يلاعنها"2

خامسا: حديث: "لا قطع في ثَمَرٍ ولا كثر3"4، وما في معناه من الأحاديث الكثيرة التي تقييد القطع في السرقة بما

1 النور (9) ، وانظر ما روي في سبب نزول هذه الآية مطولا في تفسير القرآن العظيم 3/276-277، وأحكام القرآن لابن عربي 3/1340-1342، وجامع النقول في أسباب النزول ص232-233.

2 انظر: تفسير القرآن العظيم 3/276، وانظر أحكام القرآن لابن العربي 3/1340، ونيل الأوطار 7/68.

3 الكثر: جُمّار النخل أي شحمها الذي في وسطها، وقيل: طلعها. انظر: الصحاح 2/803 (كثر) ، 617 (جمر) ، والنهاية 4/152.

4 أخرجه الترمذي والنسائس وابن ماجه من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وصححه الألباني. سنن الترمذي مع التحفة 5/10 (الحدود/لا قطع في ثمر ولا كثر) ، وسنن النسائي مع شرح السيوطي 8/87 (قطع السارق/مالا قطع فيثه) ، وسنن ابن ماجه 2/865 (الحدود/لا يقطع في ثمر ولا كثر) ، وانظر صحيح سنن الترمذي 2/74.

ص: 677

يضمن انتفاء شبهة الحاجة ونحوها1.

العمل بالضابط:

اتفق العلماء على درء الحدود بالشبهات من حيث الجملة كما تقدم بيانه، وقد نقل الإجماع عليه ابن المنذر2، وابن قدامة3، وغيرهما.

من فروع هذا الضابط:

1-

سقوط حد الزنا عمّن وَطَئَ في نكاح مختلف فيه4.

2-

سقوط حد القذف عن القاذف إذا كان قذفه تعريضا لا تصريحا عند جمهور العلماء، وذهب المالكية إلى أنه يُحدّ، وهو رواية عن الإمام أحمد5.

1 انظر: نيل الأوطار 7/296-304.

2 انظر: الإجماع لابن المنذر ص69.

3 انظر: المغني 12/378.

4 انظر: الهداية 2/388، والقوانين الفقهية ص303، والتنبيه ص242، والمغني 12/343.

5 انظر: الهداية 2/400، والقوانين الفقهية ص306، والتنبيه ص343، والمغني 12/392.

ص: 678

3-

سقوط حد السرقة عمّن سرق طعاما عام مجاعة إذا لم يجد ما يأكله1.

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذا الضابط واضح في حق من وقعت منه المعصية وهو دفع العقوبة المؤلمة، أو المزهقة للنفس عنه، وعدم افتضاحه بين الناس، وتيسير سبيل التوبة والرجوع إلى الله تعالى2.

1 انظر: حاشية رد المحتار 4/91، والقوانين الفقهية ص308، والتنبيه ص246، والمغني 12/462.

2 انظر: نيل الأوطار 7/271، وسقوط العقوبات في الفقه الإسلامي 1/63-71.

ص: 679

‌الضابط الثاني: الشبهة تسقط الكفارة

.

ذكر السيوطي هذا الضابط بقوله: "تنبيه: الشبهة لا تسقط التعزير وتسقط الكفارة"1، وأورده الزركشي في صورة استفهام حيث قال:"هل تسقط الكفارة بالشبهة؟ "2.

وأشار ابن نجيم إلى حكم الكفارات مع الشبهة بقوله: "والكفارات تثبت معها -يعني مع الشبهة- أيضا إلا كفارة الفطر في رمضان فإنها تسقط؛ ولذا لا تجب مع النسيان والخطأ، وبإفساد صوم مختلف في صحته"3.

معاني المفردات:

الشبهة: تقدم بيان معناها4.

الكفارة لغة: صيغة مبالغة من الكَفْر وهو التغطية والستر. كأنها -لكونها سببا في مغفرة الذنب- تغطيه وتستره5.

1 الأشباه والنظائر للسيوطي ص132.

2 المنثور 2/226.

3 انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص130.

4 راجع ص 671.

5 انظر: الصحاح 2/807 (كفر) .

ص: 681

وفي الاصطلاح تعرّف: بأنها تصرّف أوجبه الشرع لمحو ذنب معين كالإعتاق والصيام والإطعام1.

المعنى الإجمالي:

رتّب الله تعالى على الوقوع في بعض المخالفات2 أنواعا من التصرفات أو من العبادات يؤديها المخالف ليمحو بها ذنبه، ومع أن مشروعية هذه الكفارات هو من باب التيسير لتمكين الله عز وجل عباده مما يمحون به ذنوبهم. إلا أنها لما كانت تتضمن معنى العقوبة أسقطها الله تعالى عمّن وقع في المحذور الذي تلزم له الكفارة أصلا إذا اقترن بحال فعله للمحذور شبهة تؤثر في ثبوت وقوع المخالفة منه، أو في قصده إليها أو نحو ذلك.

الأدلة:

لا أعلم نصا يمكن الاعتماد عليه في سقوط الكفارات بالشبهة

1 معجم لغة الفقهاء ص382.

2 قد يَرِدُ على كون الكفارات مرتبة على بعض المخالفات أن كفارة اليمين قد تكون مرتبة على فعل الطاعة إذا كان الإنسان قد حلف على عدم فعلها ثم فعلها.

والجواب: أن الكفارة عن الحنث في اليمين الذي هو مخالفة لا على فعل الطاعة، والله أعلم.

ص: 682

إلا أنه يمكن اعتبار قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} 1 دليلا لهذا الضابط.

ذلك أن الآية الكريمة دلّت على سقوط كفارة اليمين عمّن تلفظ به لغوا. وقد جاء في تفسير اللغو عدة معان.

منها: أن المراد باللغو ما يتلفظ به الإنسان من قوله: لا والله، بلى والله مما لا يراد معناه.

ومنها: أن المراد به حلف الإنسان على ما يظنه صحيحا، ثم يتبين خطؤه فيه.

ومنها: أن المراد به أن يحلف وهو غضبان. إلى غير ذلك من المعاني2. فكل هذه شُبَه رتّب الله تعالى عليها عدم المؤاخذة بالحنث في اليمين. قال الإمام الشوكاني: "وذلك -أي عدم المؤاخذة- يعمُّ الإثم، والكفارة فلا يجب أيُّهما"3.

وإذا ثبت ذلك في نوع من الكفارات أمكن الاستدلال به على

1 ورد هذا الجزء من الآية في موضعين من كتاب الله تعالى: البقرة (225) ، المائدة (89) .

2 انظر: الجامع لأحكام القرآن 3/99-102، وأحكام القرآن لابن عربي 1/175، وأحكام القرآن للهراس 1/212-214، ونيل الأوطار 9/133.

3 انظر: نيل الأوطار 9/133.

ص: 683

إسقاط الكفارات بالشُّبَه في كل كفارة بحسبها.

كما يصح أن يستدل على ذلك بالقياس على الحدود وذلك أنها تشترك مع الحدود في تضمنها معنى العقوبة، وقد تقدم أن الحدود تسقط بالشبهات.

العمل بالضابط:

تشعر عبارات بعض الفقهاء بأن هناك من يرى سقوط الكفارة بالشبهة.

كقول ابن قدامة فيمن أكره على الحنث في يمينه، "وقال مالك، وأبو حنيفة: يحنث؛ لأن الكفارة لا تسقط بالشبهة"1، وقول ابن نجيم:"والكفارات تثبت معها -أي الشبهة- أيضا إلا كفارة الفطر في رمضان فإنها تسقط"2.

لكن المستقرئ لبعض مواطن ذلك من كتب الفقه يجد أن مجمل أقوال الفقهاء يدل على أنهم يرون سقوط بعض الكفارات عن

1 انظر: المغني 14/448.

2 انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص130.

ص: 684

بعض من استوجبها إذا وجد من العوارض والشُّبه ما يقتضي ذلك، وقد يصرح بعضهم بأن العلة في ذلك السقوط هي وجود الشبهة وقد لا يصرح آخرون.

والخلاف بينهم إنما هو في تحديد الشبهة المسقطة للكفارة بحسب قوة تلك الشبهة وضعفها، وفي تعيين الكفارة التي يمكن أن تسقط بالشبهة والتي لا يمكن أن تسقط؛ إما لاستبعاد طروء الشبهة عليها؛ أو لغير ذلك من الاعتبارات.

وهذه بعض أقوال الفقهاء الدالة على أنهم من حيث الجملة قد يسقطون بعض الكفارات بسبب الشبهة.

قال ابن عابدين في كفارة من أفطر في نهار رمضان1: "لو أفتاه مفت يعتمد على قوله أو سمع حديثا ولم يعلم تأويله لم يكفِّر للشبهة"2، وقال ابن عبد البر من فقهاء المالكية:"وإن جامع ناسيا فلا كفارة عليه في المشهور"3، وعدّ

1 مذهب الحنفية والمالكية أن الكفارة تجب على من أفطر في نهار رمضان من غير عذر سواء كان بجماع أو غيره. انظر الهداية 1/134، والقوانين الفقهية ص108.

2 انظر: حاشية رد المحتار 2/411.

3 انظر: الكافقي لابن عبد البر 2/129.

ص: 685

الخرشي من شروط وجوب الكفارة بالفطر في نهار رمضان العمد، والاختيار، والانتهاك للحرمة، ثم قال:"فالمتأول تأويلا قريبا لا كفارة عليه"1.

وقال الإمام الشافعي: "وإن جامع ناسيا لصومه لم يكفر، وإن جامع مع الشبهة مثل أن يأكل ناسيا فيحسب أنه أفطر فيجامع على هذه الشبهة فلا كفارة عليه في مثل هذا"2.

وقال ابن قدامة من الحنابلة: "من حلف أن لا يفعل شيئا ففعله ناسيا فلا كفارة عليه"، ونقل رواية أخرىي عن الإمام أحمد بالحنث. وقال:"إن فعله غير عالم بالمحلوف عليه كرجل حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبيا أو نحو ذلك فهو كالناسي"3.

من فروع هذا الضابط:

1-

أن المولي إذا أراد الفيأة ولم يمكنه ذلك، لعذر فيه أو في المرأة فإن فيأته تكون باللسان أي بالوعد بالجماع متى قدر عليه

1 انظر: الخرشي مع حاشية العدوي 2/252.

2 الأم 3/85.

3 انظر: المغني 13/446-447.

ص: 686

عند كثير من الفقهاء، ولا كفارة عليه في هذه الحال1.

2-

إذا قال الرجل لامرأته: "أنت عليّ حرام" وهي محرمة عليه لحيض أو نحوه أو قال: "أنت كأمي" مما يحتمل الظهار وغيره ولم يكن له قصد معين، فإنه لا يكون ظهارا فلا كفارة2.

وجه التيسير:

صورة التيسير المترتبة على هذا الضابط ظاهرة حيث أسقط الشارع الكفارة عمّن استحقها لقيام الشبهة العارضة المانعة من لزومها للمكلف.

1 انظر آراء الفقهاء في هذه المسألة في: الهداية 2/292، وشرح الخرشي 4/98-99، والمهذب 2/110-111، والمغني 11/45.

2 انظر: الهداية 2/297، وشرح الخرشي 4/105-106، والمهذب 2/112، والمغني 11/62.

ص: 687

‌الضابط الثالث: لا تجب الإعارة إلا حيث تعينت لدفع مفسدة

.

الضابط الثالث: لا تجب الإعادة إلا حيث تعينت لدفع مفسدة.

أورد هذا الضابط السيوطي بهذا اللفظ، تحت عنوان قاعدة1، وذكر بعده قاعدة أخرى هي قوله:"العرية لا تلزم إلا في صور"2، وأشار إلى معناها عدد من الفقهاء بذكر بعض صورها، وأورد الزركشي قاعدة لفظها:((الفرض لا يؤخذ عليه عِوَض)) ، وذكر من فروعها مسائل مما يجب بذله بالإعارة ونحوها3، وأورد ابن رجب قاعدة أعم من هذا الضابط خلاصتها أنه "يجب بذل ما تدعو الحاجة إلى الانتفاع به من الأعيان -ولا ضرر في بذله- مجانا في الأظهر" ولكن يظهر من أمثلته أن البذل المقصود غي أغلب صورها هو البذل على سبيل الإعارة أو مافي معناها4.

1 وقد اعتبرته ضابطا لتعلقه بباب واحد من أبواب الفقه وهو باب العارية. راجع ما تقدم في بيان الفرق بين القاعدة والضابط.

2 انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص467.

3 انظر: المنثور 3/28-32.

4 انظر: القواعد لابن رجب ص227.

ص: 689

معاني المفردات:

الإعارة لغة: مصدر أعار يُعير وبمعناها العارية، وهي من التعاور وهو التداول. يقال: عار السيء إذا ذهب وجاء، وقيل: كأنها من منسوبة إلى العار؛ لأن طلبها عارٌ1.

وفي اصطلاح الفقهاء: هي تمليك منفعة بلا بدل2، وقيّدها بعضهم بأن تكون مؤقتة3.

وقيل: إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال4.

المعنى الإجمالي:

العرية في أصلها عقد جائز أي أن لمالك العين أن يعيرها وله أن يمنعها، وإذا أعارها كان له أن يستردها متى شاء ما لم يكن ذلك محددا بوقت؛ فإن كانت محددة بوقت لم يكن للمعير استرجاعها قبله.

وهذا الضابط يدل على أن الإعارة قد تجب على مالك العين

1 انظر: مقاييس اللغة 4/184، والصحاح 2/761 (عود) .

2 التعريفات ص146.

3 انظر: المجموع 13/247.

4 المغني 7/340.

ص: 690

وذلك عندما يترتب على معناها وعدم إعارتها مفسدة1.

والظاهر من إيراد السيوطي للضابطين المتقدمين أنه يريد بالأول منهما أن الإعارة قد تجب ابتداء كوجوب إعارة الدلو لمن يريد أن يستقي أو يسقي مواشيه وهو مضطر لذلك، ويريد بالآخر أن الإعارة قد تلزم بمعنى وجوب استمرارها وعدم جواز استرجاع العين المعارة إذا كان في استرجاعها مفسدة ظاهرة، وضرر على المستعير كمن أعار غيره أرضا ليزرعها فأراد المعير أن يرجع قبل أن يحصد المستعير ما زرع، وكمن أعار غيره أرضا ليدفن فيها ميتا، ثم أراد الرجوع فيها قبل أن يبلى ذلك الميت حيث ذهب كثير من الفقهاء إلى منعه من ذلك على ما سيأتي تفصيله قريبا إن شاء الله؛ وذلك دفعا لأعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما؛ إذ في لزوم الإعارة في هذه الأحوال مضرة في حق المعير لكن الشارع لم يراعها لكون ارتكابها يدفع مفسدة أعظم.

وقد قيد بعض العلماء هذا الضابط وما في معناه بعدم تضرر

1 انظر حكم العاريّة في: الكشاف للزمخشري 4/237، وأحكام القرآن لابن العربي 4/1985، وأضواء البيان 9/556، والمحلى 10/160، والمغني 7/340، ونيل الأوطار 6/42.

ص: 691

صاحب العين كما نص على ذلك ابن رجب1؛ ولذا فإن بعض الفقهاء قد نصوا على أن الإعارة إذا كانت مؤقتة بزمن معين أو غرض ولزم استمرارها لدفع مضرة المستعير، فإن عليه أجرة المثل فيما زاد عن المدة المؤقتة لدفع الضرر عن المعير2.

ولا يخفى أن الضرر أمر نسبي؛ إذ لا يخلو بذل عين من الأعيان وإباحة الانتفاع بها من قدر من الضرر.

الأدلة:

يمكن الاستدلال لهذا الضابط بما يلي:

أولا: قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 3.

فقد أخذ بعض العلماء من الوعيد الوارد في هذه الآيات وجوب العاريّ عند احتياج الناس إليها4.

1 انظر: القواعد لابن رجب ص227.

2 انظر: بدائع الصنائع 8/3903، وروضة الطالبين 4/440، والمغني 7/351.

3 الماعون (4-7) .

4 انظر: الكشاف للزمخشري 4/377، وأحكام القرآن لابن العربي 4/1985، وأضواء البيان 9/556، والمغني 7/340.

ص: 692

ثانيا: بعض الأدلة التي فيها الأمر بأنواع معينة من البذل وذم منعها.

كحديث: "لا يمنع جار جارَه أن يغرز خشبه في جداره"1.

ومن هذا القبيل الأثر المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أن الضحاك2 بن خليفة ساق خليجا3 له من العُرَيْض4

1 متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 5/131 (المظالم/لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره) ، وصحيح مسلم مع النووي 11/47 (المساقاه/غرز الخشب في جدار الجار) .

2 هو: الضحاك بن خليفة بن ثعلبة الأنصاري الأشهلي رضي الله عنه، شهد أحدا وتوفي في آخر خلافة عمر رضي الله عنه. انظر: أسد الغابة 3/35، والإصابة 3/475-476.

3 الخليج هنا هو: نهر يساق من النهر الأعظم. انظر الصحاح 1/311، والمجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث 1/604 (خلج) .

4 العريص: واد بالمدينة كما ذكره الفيروز آبادي، وقال عاتق البلادي:"هو ناحية من المدينة في طرف حرة واقم شملها العمران، ومازالت معروفة" انظر القاموس المحيط 2/336 (عرض) ، ومعجم المعالم الجغرافية في السنة النبوية ص205-206.

ص: 693

فأراد أن يمر في أرض محمد بن مسلمة1 فأبى محمد. فقال له الضحاك: لمَ تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فإمر أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: لمَ تمنع أخاكم ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولا وآخرا وهو لا يضرك؟ فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرنّ ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمرّ به، ففعل الضحاك"2.

ثالثا: العمومات التي فيها الحث على التعاون، وإحسان الناس بعضهم إلى بعض، وبذل المعروف وهي كثيرة منها: قوله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 3، وقوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} 4.

1 هو: محمد بن مسلمة الأنصاري الحارثي يكنى (أبا عبد الرحمن) ، ولد قبل البعثة بالثنتين وعشرين سنة، شهد بدرا والمشاهد كلها إلا تبوك، وتوفي بالمدينة سنة 43هـ، وقيل سنة 46هـ. انظر: أسد الغابة 4/330-331، والإصابة 6/33-35.

2 أخرجه الإمام مالك غي الموطأ 2/746 (الأقضية/القضاء في المرفق) .

3 البقرة (237) .

4 المائدة (2) .

ص: 694

فإن هاتين الآيتين ومافي معناهما تتضمنان بعهومهما الأمر بالإحسان إلى الناس ببذل ما تدعو حاجتهم إلى بذله1.

رابعا: عموم الأدلة الدالة على النهي عن إبقاع الضرر على الغير. كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" 2؛ فإن منع ما يحتاج الناس إليه مع عدم التضرر ببذله يعدّ من قبيل الإضرار بالغير3.

ولما كان بعض الفقهاء قد ذكر القاعدة بلفظ أعم بحيث يشمل البذل على سبيل العارية، وغيرها؛ فإنه يمكن الاستدلال بحديث:"لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ"4، ومافي

1 انظر: الجامع لأحكام القرآن 6/46، وأضواء البيان 9/555، والمهذب 1/362، وجامع العلوم والحكم ص268.

2 تقدم تخريجه ص 282.

3 هذا مبني على مسألة أصولية وهي: هل الترك فعل؟ زهز عند الجمهور فعل إذا وجد ما يدعو إلى الفعل. انظر: المحصول ج1ق2/505-507، والإحكام للآمدي 1/136، ونشر البنود 1/64، وجامع العلوم والحكم ص271، وأضواء البيان 9/556.

4 متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صحيح البخاري مع الفتح 5/39 (الشرب والمساقاة/من قال: صاحب الماء أحق بالماء حتى يروي) ، وصحيح مسلم مع النووي 10/230 (المساقاة/تحريم بيع فضل الماء) .

ص: 695

معناه من الأحاديث.

عمل الفقهاء بهذا الضابط:

اتفق العلماء على استحباب العاريّ في حق المعير لكونها من الإحسان المأمور به ولما فيها من قضاء حوائج الناس، وعلى أنه يتأكد هذا الاستحباب في حال الحاجة والضرورة.

أما وجوبها ابتداء فإن أكثر الفقهاء لم يصرحوا به، ولعل ذلك راجع إلى أن عدم وجوبها هو الأصل، وقد صرح ابن قدامة بأن أكثر العلماء لا يرون وجوبها1 وقد تقدمت الإشارة إلى أنه قد نقل عن بعض العلماء إيجابها.

وإنما أوجب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة العارية بمعنى استمرارها إذا ما كان المستعير يتضرر من استرجاع العين المعرة، كالذي يستعير أرضا ليزرعها أو ليبني عليها بناء أو نحو ذلك، ويكون ذلك مؤجلا بأجل محدود فإنه إذا انتهى الأجل قبل الحصاد، وقبل الانتفاع المقصود لزم المعير عند الجمهور

1 انظر: المغني 7/340.

ص: 696

أن يستمر في إعارة الأرض ولم يجز له إلزام المستعير بتخليتها، وعلى المستعير أجرة المثل عند أكثر الفقهاء. على تفصيل في ذلك سيأتي بيانه إن شاء الله.

قال الكاساني من الحنفية: "فأما إذا استعار أرضا للزراعة فزرعها ثم أراد صاحب الأرض أن يأخذها لم يكن له ذلك حتى يحصد الزرع. بل تترك في يده إلى وقت الحصاد بأجرة المثل استحسانا"1، وذكر ابن نجيم عددا من الصور التي للمستعير فيها حق المنع من أداء ما استعاره بعد أن يطلب منه2،

وذكر النووي في مثل هذه الصورة أنه إن كان مما يُعتاد قطعه كلّف قطعه وإلا فأرجه أصحها: أنه يلزم المعير إبقاؤه إلى أوان الحصاد، وهل له الأجرة؟ وجهان3.

وقال ابن قدامة: "وللمعير الرجوع في العارية في أي وقت شاء سواء كانت مطلقة أو مؤقتة ما لم يأذن في شغله بشيء يتضرر بالرجوع فيه"4

1 بدائع الصنائع 8/3903-3904.

2 انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص401.

3 انظر: المجموع 13/244، وروضة الطالبين 4/440.

4 المغني 7/350-351.

ص: 697

وظاهر مذهب المالكية أنه لا يلزم المعير ذلك.

قال الخرشي: "من أعار شخصا أرضه ليبني فيها، أو يغرس غرسا إلى مدة معلومة ثم انتقضت مدة البناء أو الغرس المشترطة أو المعتادة، فإن المستعير حكمه حكم الغاصب فإن شاء أمره بالقلع وتسوية الأرض، أو أمره بإبقاء ما فعل ويدفع له قيمة ذلك منقوضا

الخ كلامه1.

فظهر من هذا أن الجمهور يقولون بلزوم استمرار الإعارة في حالة كون الرجوع فيها يؤدي إلى ضرر بالمستعير، وهذا نوع من وجب الإعارة بعد اتفاقهم على استحبابها، والله أعلم.

من فروع هذا الضابط:

تقدم ذكر بعض فروع هذا الضابط ومنها أيضا:

1-

من أعار غيره لوحا ليرقع به سفينة، فليس للمعير طلب العارية ما دامت في البحر لما يترتب عليه من ضرر2

2-

ومن فروعها ما ذهب إليه بعض الفقهاء من وجوب إعارة

1 انظر شرح الخرشي مع حاشية العدوي 6/127.

2 انظر حكم هذه الصورة ونحوها ف: ي الأشباه لابن نجيم ص401، والأشباه للسيوطي ص467، والمغني 7/351.

ص: 698

الدلو، والفأس، ونحوهما ابتداء إذا احتيج إلى بذله لدفع مفسدة، وتعيّن1.

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذا الضابط على القول بوجوب الإعارة في بعض الصور أن الشارع قد ألزم مالك العين ببذل منفعتها لمن يحتاج إليها مراعاة لحاجة الناس وهذا ظاهر في حق المستعير؛ لأنه هو المستفيد من هذه المنفعة.

أما في حق المعير فقد يبدو الأمر على خلاف ذلك؛ لأنه يتضرر ببذل ماله لكن الشارع رجّح دفع المفسدة العظمى على دفع المفسدة الدنيا على القاعدة المشهورة في الموازنة بين المصلحتين أو المفسدتين عند تعارضهما وذلك بناء على أن ملك الإنسان للمال إنما هو من قبيل الاستخلاف فيه كما قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} 2.

1 الأصل في العارية استحبابها وعدم وجوبها وهو قول الجمهور، وإنما أوجبها من أوجبها في هذه الحال من باب دفع الحاجة أو رفعها. انظر: المغني 7/340، وقواعد ابن رجب ص227، والأشباه والنظائر للسيوطي ص467، وشرح النووي على صحيح مسلم 7/71.

2 الحديد (7)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن 17/238.

ص: 699

‌الضابط الرابع: لا تصح الوصية بكل المال إلا في صور

.

ذكر هذا الضابط الزركشي، والسيوطي وااستثنيا منه ثلاث مسائل1.

معاني المفردات:

الوصية في اللغة: من وَصَى بمعنى اتصل، ووصّاه توصيةً عهد إليه2 وفي اصطلاح الفقهاء: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت3.

المعنى الإجمالي:

هذا الضابط واضح المعنى ففيه المنعُ من الوصية بكل المال وتحريمه لما فيه من الإضرار بالورثة. ولكن بالنظر إلى الدليل الذي

1 هذه المسائل هي: أ) من كان له عبيد لا مال له غيرهم فأعتقهم جميعا وماتوا.

ب) المستأمن إذا أوصى بكل ماله.

ج) من ليس له وارث خاص فأوصى بكل ماله.

انظر: المنثور 3/362، والأشباه والنظائر للسيوطي ص474، وسيأتي مزيد بيان لحكم هذه المسائل إن شاء الله.

2 القاموس المحيط 4/400 (وصى) .

3 التعريفات ص252.

ص: 701

بيّن حدَّ ما تجوز به فإن الأولى أن تكون صيغة هذا الضابط (لاتصح الوصية بما زاد على الثلث إلا في صور) ؛ لأن هذا يتضمن منع الوصية بكل المال وما دونه إلى الثلث.

الأدلة:

الأصل في هذا الضابط حديث سعد بن أبي وقاص1 رضي الله عنه وفيه: "قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصي بمالي كله؟ قال: "لا". قلت: فالشطر؟ قال: "لا". قلت: الثلث؟ قال: "فالثلث والثلث كثير" الحديث2.

وهو صيريح في النهي عن الوصية بما زاد على الثلث.

العمل بالضابط:

اتفق العلماء على أن الأصل عدم جواز الوصية بما يزيد على

1 هو: سعد بن مالك بن أهيب القرشي رضي الله عنه (أبو إسحاق) ، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من رمى بسهم في الإسلام، اختلف في سنة وفاته وأرجح الأقوال فيها على ما ذكره ابن حجر أنه توفى سنة 56هـ. انظر: أسد الغابة 2/290-293، والإصابة 3/73-77.

2 أخرجه الشيخان بعدة ألفاظ وهذا اللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 5/427-428 (الوصايا/أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس) ، صحيح مسلم مع النووي 11/76-82 (الوصية) .

ص: 702

ثلث المال1. إلا أن منهم من استثني من ذلك بعض المسائل التي لا تكون الوصية فيها بما زاد على الثلث سببا في الإضرار بالورثة كما لو أجاز الورثة الوصية بما زاد على الثلث2، أو لم يكن له ورثة3.

وأما المسألتان الأخريان اللتان استثناهما الزركشي، والسيوطي فإني لم أقف على تصريح في كتب الفقه بحكمهما.

1 انظر: الإجماع لابن المنذر ص38، والهداية 4/582، والخرشي مع حاشية العدوي 8/171، والمهذب 1/449، والمغني 8/393.

2ذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية، والحنابلة إلى صحة الوصية لغير الورثة بما يزيد على الثلث إذا أجاز الورثة ذلك، واعتبر بعضهم إجازة الورثة ابتداء عطية منهم واعتبرها البعض تنفيذا لوصية الموصي، وللشافعية في ذلك قولان أحدهما بالصحة، والآخرب بالبطلان. انظر: الهداية 4/583، والخرشي مع حاشية العدوي 8/171، والمهذب 1/450، والمغني 8/404، والفقه الإسلامي وأدلته 8/101، وأحكام الوصايا في الفقه الإسلامي ص319.

3 ذهب الحنفية إلى جواز الوصية بما زاد على الثلث إذا لم يكن للموصي ورثة وهي رواية عن الحنابلة، وذهب الباقون إلى عدم الجواز. انظر: حاشية رد المحتار 6/652، وبداية المجتهد 2/252، والمهذب 1/450، والمغني 8/516.

ص: 703

ولكن الذي يظهر أن سبب استثناء وصية المستأمن إذا أوصى بكل ماله من حُكم هذا الضابط هو ما ورد (أن رجلا من اليهود يقال له مُخَيْرِيْق1 خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وقال حين خرج: إن أصبت فأموالي لمحمد يَضَعُها حيث أراه الله. فقال صلى الله عليه وسلم: "مخيريق خير يهود"2.

وسبب استثناء من أوصى بعتق عبيده الذين لا مال له سواهم،

1 هو: مخيريق النضري الإسرائيلي من أحبار اليهود من بني النضير، وقيل: غير ذلك، قال ابن حجر: ذكر الواقدي أنه أسلم، واستشهد بأحد. انظر: الإصابة 6/57، والأعلام 7/194.

2 أورد هذه القصة الواقدي في المغازي ص205، وابن شبه في تاريخ المدينة 1/173 ولفظه "مخيريق سابق يهود".

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا من قبيل الوقف، وقد أجاز الجمهور وقف جميع المال إذا كان الواقف صحيح البدن، والعقل، ولا دين عليه صبورا على الإضافة ولا عيال له، أو له عيال يصبون على الإضافة أيضا، والوقف جائز من غير المسلمين كالوصية، والأظهر أنه وصية حيث علقة بالموت. انظر كتاب الوقوف من مسائل الإمام أحمد مع تعليق المحقق 1/328، ومقدمته 1/27، وفتح الباري 3/295، وأحكام أهل الذمة لابن القيم ص299، وبدائع الصنائع 8/3914-3915.، والإنصاف 7/15.

ص: 704

ثم ماتوا. هو حديث عمران بن حصين: "أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزّأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرقّ أربعة، وقال له قولا شديدا".

فتقييدهم للمسألة المستثناه بكون المعتقين قد ماتوا؛ لعدم إمكان تحقق القرعة، والإعتاق، والله أعلم.

وهذا الضابط أشبه ما يكون بالفرع الفقهي حيث لا يظهر له مسائل جزئية تتفرع عليه، والظاهر أن المراد من إيراد هو التنبيه على ما يُستثنى منه مسائل.

وجه التيسير:

التيسير المستفاد من هذا الضابط متحقق في جانب الورثة أكثر فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم سبب النهي عن الوصية بما يزيد على الثلث في حديث سعد المتقدم حيث قال: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" ومع هذا فإنه يُلمح جانب آخر من التيسير على المورث أو صاحب المال؛ لأن الإنسان

ص: 705

بغريزته يحب المال وتميل نفسه إلى الاحتفاظ به، أو بذله لمن يحبه طبعا من ولد أو قريب. لكن المؤمن يخالفه هواه ومستحبّه؛ طلبا للأجر والمثوبة كما قال سبحانه:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} 1، وقال:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} 2.

فإذا جعل الشارع الأجر مستحقا على ترك المال للولد والقريب وجعل ذلك قربة لله تعالى وصدقة كما جاء في آخر الحديث المتقدم: "وإنك مهما أنفقت من نفقه فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك". كان ذلك مراعاة لميل النفس البشرية وتيسيرا ظاهرا على صاحب المال، والله أعلم.

1 البقرة (177) .

2 الإنسان (9) .

ص: 706

‌الضابط الخامس: لا رابطة بين الإمام والمأموم وكل منهما يصلي لنفسه

.

أورد السبكي هذا الضابط وعنون له ب (مأخذ) 1، ونص على أنه من ضوابط المذهب الشافعي حيث قال:"قال علماؤنا: لا رابطة بين الإمام والمأموم وكل منهما يصلي لنفسه"، ثم بين ضابط المذاهب الأخرى في ذلك2.

وقال الإمام الشافعي: "كما لا يجزئ عني فعلُ إمامي فكذلك لا يُفسد عليّ فعل إمامي"3، كما أشار إلى هذا الضابط ابن تيمية مبرزا قول الفقهاء في مدى الارتباط بين صلاة الإمام وصلاة المأموم4.

وذكره المقري في مواضع مفصلا رأي المالكية في ذلك5.

1 المأخذ في اصطلاحه ما تختلف فيه بين الأئمة، وانبنى عليه فروع فقهية.

2 الأشباه والنظائر للسبكي ومقدمةة تحقيقه 1/د، 2/254، والمرجع المتقدم 2/264.

3 مختصر المزني 1/92-93.

4 من مجموع الفتاوى 23/370-371، والقواعد النورانية ص101-102.

5 انظر: قواعد المقري 2/389، 446، 450.

ص: 707

وأشار إليه القرافي عند بيان الفرق بين ما يجوز فيه تقليد المجتهد لمجتهد آخر، ومالا يجوز فيه ذلك1.

المعنى الإجمالي:

لعل أوضح ما يبين معنى هذا الضابط ما أوضحه به السبكي حيث قال: "

ولا نعني بانتفاء الرابطة انتفاء العلاقة رأساً فإن بينهما علاقة بلا شك، وإنما نعني بالرابط أن لا يلزم من فساد واحدة، أو كونها مؤداة فساد الأخرى، ولا كونها مؤداة بل قد تكون صحيحة أو مقضية"2.

وقال في –موضع آخر-: "ولا ننكر بينه –أي المأموم- وبين الإمام علاقة لكنها لا تنتهي إلى الحد الذي قالوه"3 أي من ذهب إلى فساد صلاة المأموم بفساد صلاة الإمام كما سيأتي تفصيله إن شاء الله –تعالى-.

الأدلة:

استدل الآخذون بهذا الضابط بحديث: "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم"4.

1 انظر: الفروق 2/100-101.

2 الأشباه والنظائر للسبكي 2/264.

3 المرجع السابق 2/266.

4 أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – صحيح البخاري مع الفتح 2/219 (الأذان /إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه) .

ص: 708

نقل ابن حجر عن ابن منذر قوله: "هذا الحديث يرد على من زعم إن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه"، وقال: واستدل بعضهم على صحة الإئتمام بمن يخل بشيء من الصلاة ركناً أو غيره إذا أتم المأموم، وقيد ذلك بالأمور الاجتهادية. كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البسملة، ولا أنها من أركان القراءة، ولا أنها آية من الفاتحة. بل يرى أن الفاتحة تجزيء بدونها فإن صلاة المأموم تصح إذا قرأ هو البسملة؛ لأن غاية حال الإمام في هذه الحالة أن يكون أخطأ وقد دلّ الحديث على أن خطأ الإمام لا يؤثر في صلاة المأموم إذا أصاب1.

وقال ابن تيمية: إن هذا الحديث نص في أن الإمام إذا أخطأ كان درك خطئه عليه لا على المأمومين2.

2-

حديث: "الإمام ضامن فإذا أحسن فله ولهم، وإن أساء فعليه ولا عليهم"3. وهو في معنى الحديث الأول، وفي معنا هما

1 انظر الفتح 2/220، وانظر: شرح السنة للبغوي3/405.

2 انظر القواعد النورانية ص 102.

3 أخرجه ابن ماجة من حديث عقبة بن عامر –رضي الله عنه، وصححه الألباني.

سنن ابن ماجة 1/314 (إقامة الصلوات/ ما يجب على الإمام)، وانظر: صحيح سنن ابن ماجة 1/161.

ص: 709

أحاديث أخرى1.

3-

ما روي "أن عمر –رضي الله عنه – صلى بالناس وهو جنب فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا"2

4-

ما روي "أن عثمان بن عفان –رضي الله عنه – صلى بالناس وهو جنب، فلما أصبح نظر في ثوبه احتلاماً فقال: كبرت والله، ألا أراني أجنب ثم لا أعلم ثم أعاد ،ولم يأمر هم أن يعيدوا "3.

5-

ما روي عن علي –رضي الله عنه – أنه قال: "إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد ولا آمرهم أن يعيدوا"4.

1 انظر: نيل الأوطار 3/213-214.

2 أخرجه الدارقطني في سننه 1/364 (الصلاة الإمام وهو جنب أو محدث) ، والبيهقي في سننه 3/399 (الصلاة /إمام الجنب) .

3 أخرجه الدارقطني في سننه 1/365 (الصلاة الإمام وهو جنب أو محدث) ، والبيهقي في سننه 2/400 (الصلاة /إمام الجنب) ، وروي في ذلك عدة آثار أخرى في الباب المذكور.

4 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/45 (الصلاة الرجل يصلي بالقوم وهو على غير وضوء) .

ص: 710

ولما كان هذا الضابط محل خلاف بين العلماء كان من المناسب بيان ما يستدل به المخالفون، وهم الذين يرون أن صلاة المأموم تفسد بفساد صلاة إمامه.

فقد ذكر السبكي، وابن تيمية أن مما استدلوا به حديث: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن

"1.

قال صاحب النهاية في غريب الحديث2: "أراد بالضمان –ههنا –الحفظ والرعاية لا ضمان الغرامة؛ لأنه يحفظ على القوم صلاتهم، وقيل: إن صلاة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صلاة فهو كالمتلف لهم صحة صلاتهم".

وقال السبكي: "ولا حجة لهم فيه إذ لا يلزم من كونه ضامناً أن تفسد صلاة المأموم بفساد صلاته لاسيما وقد فسر الضامن بخلاف هذا" يعني ما تقدم من حديث: "الإمام ضامن فإذا أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه ولا عليهم"3.

1 تقدم تخريجه ص374، وانظر الأشباه والنظائر للسبكي 2/264، والقواعد النورانية ص 3/101، 102.

2انظر بذل المجهود 4/76، وعون المعبود 2/152وتحفة الأحوذي 1/613.

3 الأشباه والنظائر للسبكي2/264.

ص: 711

وقد استدل المرغيناني1 بحديث: "من أم قوماً ثم ظهر أنه كان محدثاً أو جنباً أعاد صلاته وأعادوا"2.

العمل بالضابط:

ذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى الأخذ بهذا الضابط واختلفوا في بعض التفصيل، فقد تقدم أن السبكي نص على أن مذهب الشافعية عدم الرابطة بين الإمام والمأموم وأن صلاة المأموم لا تفسد بفساد صلاة الإمام3، ومن نصوص الشافعية ما تقدم من نقل عن الإمام الشافعي.4

1 في الهداية 1/58.

2 لم أقف على هذا الحديث بلفظ في شيء من كتب السنة، وقال الزيلعي:"غريب، وفيه أثر عن علي رواه محمد بن الحسن في كتابه الآثار"، وقال العيني:"هذا الحديث لا يعرف".

انظر: نصب الراية 2/58، والبناية 2/360، وانظر بعض ما ورد في ذلك من آثار في: كتاب لمحمد بن الحسن ص 27 (باب ما يقطع الصلاة) ، وسنن الدارقطني 1/364 (الصلاة /صلاة الإمام وهو جنب) ، وسنن البيهقي 2/398 (الصلاة/إمام الجنب) .

3 انظر: الأشباه والنظائر للسبكي2/264ز

4 راجع ص 707.

ص: 712

وقول الشيرازي:"فإن صلى من خلف المحدث غير الجمعة ولم يعلم، ثم علم فإن كان ذلك في أثناء الصلاة نوى مفارقته وأتم، وإن كان بعد الفراغ لم تلزمه الإعادة؛ لأن ليس على حدثه أمارة فعذر في صلاته خلفه "، وزاد النووي:" سواء كان الإمام عالماً بحدث نفسه أم لا؛ لأنه لا تفريط من المأموم في الحالين".1

ونقل السبكي عن الإمامين مالك، وأحمد أنهما قالا: يسري النقص إلى المأموم عند عدم العذر لا مع العذر2، وكذالك نقله ابن تيمية، ونقل عن الإمام أحمد رواية أخرى بفساد صلاة المأموم3.

ومن أقوال الفقهاء المالكية في هذا قول الخرشي: "لو استمر الإمام على حدثه ناسياً للحدث، ولم يعلم المأموم إلا بعد فراغه صحت صلاة القوم دونه على المشهور"4

ومن أقوال فقهاء الحنابلة قول ابن قدامة: "إن الإمام إذا صلى بالجماعة محدثاً أو جنباً غير عالم بحدثه، فلم يعلم هو ولا

1 انظر: المهذب وشرحه المجموع 4/136-137ووشرح السنة للبغوي 3/205.

2 انظر: الأشباه والنظائر للسبكي1/264.

3 انظر القواعد النورانية ص10-102.

4 شرح الخرشي مع حاشية العدوي2/24.

ص: 713

المأموم حتى فرغوا من الصلاة فصلاتهم صحيحة، وصلاة الإمام باطلة"1

وأما الإمام أبو حنيفة فقد ذهب إلى أن بينهما رابطة، وأن كل خلل حصل في صلاة الإمام يسري إلى صلاة المأموم؛ لأن فرع عليه هذا ما نقله عنه السبكي2، وابن تيمية3.

وصرح فقهاء الحنفية بهذا فقال الإمام أبو زيد الدبوسي4: ((الأصل عندنا أنصلاة المقتدي متعلقة بصلاة الإمام تفسد بصلاة إمامه، وتجوز بجوازها))

وقال ابن عابدين: "فلو تبين فسادها –أي الصلاة – فسقاً من الإمام، أو نسياناً لمضي مدة المسح، أو لوجود الحدث أو غير

1 المغني 2/504.

2 انظر: الأشباه والنظائر للسبكي1/264.

3 انظر القواعد النورانية ص10-102.

4 هو عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي نسبة إلى دبوسية قرية بين بخارى وسمرقد، توفي سنة 430هـ، وقيل: سنة 432هـ. من أشهر مؤلفاته كتاب [الأسرار]، و [تقويم الأدلة] . انظر: الجواهر المضية 2/499-500، وتاج التراجم ص36.

5 تأسيس النظر ص 107.

ص: 714

ذلك لم تصح صلاة المقتدي لعدم صحة البناء"1، وقال ابن تيمية: إن المذهب المفرق بين أن يكون المأموم معذوراً وبين أن لا يكون كذلك هو أوسط الأقوال2، وقال السبكي: "وزعما-أي الإمامين مالك وأحمد-أن هذا توسيط بين المذهبين"3.

1 حاشية رد المختار 1/551.

2 انظر القواعد النورانية ص102.

3 لعل مراد السبكي بقوله: "وزعما" أنه لا يرى هذا توسطاً بين المذهبين؛ لأن الشافعية يقولون بهذا؛ فإنهم يعللون صحة صلاة المأموم بكونه معذوراً لعدم العلم بحدث إمامه. لكن يمكن أن يلحظ نوع من الفرق بين مذهب الشافعية، وبين المذهب المالكية والحنابلة يجعل القول بأنه مذهب متوسط متوجهاً. وهو أن الشافعية نصوا – في أحد القولين عنهم – على أن الصلاة المأموم صحيحة حتى لو كان الإمام قد صلى محدثاً، وهو يعلم ذلك إذا لم يعلم المأموم بمعنى أن المأموم علم بعد انقضاء الصلاة أن الإمام صلى على غير الطهارة متعمداً. أما المالكية، والحنابلة فقد قالوا بعدم صحة صلاة المأموم في هذه الحال؛ لعدم العذر من الإمام وإن كان المأموم معذوراً.

انظر: الأشباه والنظائر للسبكي 2/264،وشر الخرشي مع حاشية العدوي2/32،والمجموع فتاوى ابن تيمية 23/352، والمجموع 4/37، والمبدع 2/74، وأنظر تفصيل القول في إمام المحدث في كتاب أحكام الإمامة والإئتمام في الصلاة لعبد المحسن المنيف ص 143-147.

ص: 715

وبالنظر في مسألة أخرى من المسائل هذا الضابط –وهي مسألة اقتداء المصلي بإمام يخالفه في الفروع1- بحيث تكون صلاة الإمام صحيحة في اعتقاده دون اعتقاد المأموم – نجد أن ما ذكره السبكي من رأي الشافعية ليس على إطلاقه، فقد حكى النووي في ذلك أربعة أوجه، ثم قال وإن تحققنا الإتيان بجميعه، أو شككنا صح، ونسب ذلك الوجه إلى الأكثرين منهم2.

وقد ذهب الحنفية إلى عدم صحة الصلاة المأموم في هذه الحال.

1 ذكر العلماء لهذه الصورة حالات ثلاث:

الحالة الأولى: أن يكون الإمام المخالف في الفروع ممن يحتاط في مواضع الخلاف بحيث لا يترك ركناً أو شرطاً يعتقده المأموم دونه، ولا يترك ركناً أو شرطاً يعتقده هو دون المأموم.

الحالة الثانية: أن يعلم المأموم أنه يترك ركناً أو شرطاً أو واجباً عنده، والمأموم دون الإمام.

الحالة الثالثة: أن يعلم المأموم أنه يترك ركناً أو شرطاً أو واجباً عنده والمأموم لا يرى ذلك ركنا ولا شرطا ولا واجباً.

انظر تفصيل ذلك في أحكام الإمام والإئتمام لعبد المحسن المنيف ص95-102ووالفقه الإسلامي وأدلته 2/881، إضافة إلى المراجع اللاحقة.

2 انظر المجموع 4/164، وتحفة المحتاج مع الحواشي 2/279.

ص: 716

قال ابن عابدين –بعد أن بين- فساد صلاة من صلى خلف إمام محدث، ثم علم بعد ذلك -:وكذا لو كانت صحيحة في زعم الإمام فاسد في زعم المقتدي، لبنائه على فاسد في زعمهم فلا يصح ". إلا أنه قال:"وفيه خلاف وصحح كل"1.

وذهب المالكية، والحنابلة إلى صحة الصلاة خلفه.2

من فروع هذا الضابط:

1-

صلاة المفترض خلف المتنفل مؤتماً به، حيث ذهب الشافعية، والحنابلة – في إحدى الروايتين – إلى جوازه، ومنعه الحنفية والمالكية والحنابلة في الرواية الأخرى.3

2-

صلاة المتنفل خلف المفترض. قال ابن قدامة: "لا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافاً"4 وإن كان بعض الفقهاء لم يصرح بهذا الحكم لكنهم صرحوا بصحة إئتمام من يصلي فرضاً بمن يصلي

1 انظر: حاشية رد المختار 1/551ووانظر: البحر الرائق 2/50-51.

2 انظر الخرشي مع حاشية العدوي 2/31، والشرح الصغير 1/185-186، والمغني 3/23-24،والإنصاف 2/262.

3 انظر تفصيل المسألة وأدلتها في: الهداية 1/62، والقوانين الفقهية ص63، والمهذب 1/98.والمغني 1/67-68.

4 المغني 1/68.

ص: 717

وبالنظر في مسألة أخرى من المسائل هذا الضابط –وهي مسألة اقتداء المصلي بإمام يخالفه في الفروع1- بحيث تكون صلاة الإمام صحيحة في اعتقاده دون اعتقاد المأموم – نجد أن ما ذكره السبكي من رأي الشافعية ليس على إطلاقه، فقد حكى النووي في ذلك أربعة أوجه، ثم قال وإن تحققنا الإتيان بجميعه، أو شككنا صح، ونسب ذلك الوجه إلى الأكثرين منهم2.

وقد ذهب الحنفية إلى عدم صحة الصلاة المأموم في هذه الحال.

1 ذكر العلماء لهذه الصورة حالات ثلاث:

الحالة الأولى: أن يكون الإمام المخالف في الفروع ممن يحتاط في مواضع الخلاف بحيث لا يترك ركناً أو شرطاً يعتقده المأموم دونه، ولا يترك ركناً أو شرطاً يعتقده هو دون المأموم.

الحالة الثانية: أن يعلم المأموم أنه يترك ركناً أو شرطاً أو واجباً عنده، والمأموم دون الإمام.

الحالة الثالثة: أن يعلم المأموم أنه يترك ركناً أو شرطاً أو واجباً عنده والمأموم لا يرى ذلك ركنا ولا شرطا ولا واجباً.

انظر تفصيل ذلك في أحكام الإمام والإئتمام لعبد المحسن المنيف ص95-102ووالفقه الإسلامي وأدلته 2/881، إضافة إلى المراجع اللاحقة.

2 انظر المجموع 4/164، وتحفة المحتاج مع الحواشي 2/279.

ص: 718

الضابط السادس لاضمان على القاضي إذا أخطأ.

ذكر هذا الضابط الحصيري -من الحنفية - في عدة مواضع1، ونص في أحدها على أنه يكون في بيت المال2،وأورده ابن رجب تعريفاً على قاعدة المباشرة والسبب3.

معاني المفردات:

الضمان لغة: الكفالة يقال: ضمنت الشيء ضماناً أي كلفت به، ويأتي بمعنى الالتزام4. وله في اصطلاح الفقهاء إطلاقان:

أحدهما: أنه بمعنى الكفالة وعرف- حينئذ- بأنه: شغل ذمة أخرى بالحق، أو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق.

والثاني: أعم منه وهو: رد مثل التالف إن كان مثلياً أو

1 انظر القاعدة المستخلصة ص 356،419،وانظر القاعدة رقم 153ص 491.

2 المرجع السابق ص498 (القاعدة رقم 240) .

3 انظر: القواعد لابن رجب ص 285.

4 انظر: الصحاح 6/2155،والقاموس المحيط 4/234 (ضمن) .

ص: 719

قيمته إذ كان لا مثل له1، وهو المراد هنا.

المعنى الإجمالي:

هذا الضابط يقتضي أنه إذا حدث من القاضي خطأ في حكم، ونفذ ذلك الحكم، وترتب عليه إتلاف أو نحوه مما يقتضي الضمان، فإن القاضي لا يتحمل هذا الضمان في ماله وإن كان هو المباشر للحكم. وحينئذ فالضامن إما عاقلة القاضي، أو بيت مال المسلمين، أو الشهود، أو مقضي له (كل حالة بحسبها) .

وقد يطلق بعض الفقهاء أن على القاضي الضمان، وهذا لا يعني-قطعاً- أن المراد أن عليه الضمان في ماله. بل قد يكون هذا هو المراد، وقد يكون المراد أن عليه الضمان وتتحمل العاقلة، أو بيت المال، أو يرجع على الشهود، أو نحو ذلك2. وقد صرح

1 الخرشي مع حاشية العدوي 6/21، والمغني 7/71، والتعريفات ص124-125، ومعجم لغة الفقهاء ص 285 والقاموس الفقهي ص 224-225.

2 كما في الأثر عن عمر –رضي الله عنه –"أنه دعا امرأة إلى مجلسه لاتهامها بالسوء وكانت حاملا فلما بلغتهم دعوته – رضي الله عنه خافت، فأجهضت جنينها، فشاور الصحابة رضي الله عنهم فقال بعضهم لا شيء عليك إنما أنت مؤدب وقال علي: عليك الدية. فقال عمر: عزمت عليك لا تبرح حتى تقسمها في قومك" أي أنه جعلها على العاقلة. وهذا الأثر قد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 9/458-459 (العقول/من أفزعه السلطان) ، والبيهقي في سننه 6/123 (الإجارة/الإمام يضمن والمعلم يغرم) .

ص: 720

بعض الفقهاء بأن القاضي يضمن، ثم بين أنه يجب عليه في بيت المال أو على العاقلة أو غيرهما1 فيكون مرادهم بقولهم: يضمن أو يجب عليه الضمان أن المقضيَّ عليه يستحق الضمان.

ولخطأ القاضي عدة صور فمنها: أن يخطئ القاضي في الاجتهاد والحكم، ومن صوره أيضا: أن يخطئ بسبب الحكم بشهادة شهود، ثم يتبين كذبهم أو فسقهم أو غيره مما يقدح في صحة شهادتهم2.

ويُعد بعض الفقهاء من صور الخطأ القاضي أن يتعمد الحكم بما لا يصح الحكم بموجبه كشهادة الفاسق ونحوه لعلمه بصدقه في تلك القضية. وهاتان الصورتان وبخاصة صورة

1 انظر: قرة عيون الأخيار تكملة رد المحتار 7/51، والمهذب 2/342، والمغني 14/256.

2 انظر: أدب القاضي لابن القاصّ 2/389، وما بعدها، والمغني 12/35، 14/244 وما بعدها، وكتاب علم القضاء للدكتور أحمد الحصري ص429 وما بعدها.

ص: 721

تعمد الجور إنما تعدّ من قبيل الخطأ بمعنى عدم موافقتها لمطلوب الشرع لا من باب عدم القصد. وظاهر كلام الفقهاء الاتفاق على أن الضمان في هذه الصورة يكون في مال القاضي1.

والذي يظهر أن المراد بهذا الضابط هو الصور التي لا يتعمد القاضي فيها الجور، أو الحكم بما لا يصح الحكم بموجبه، ويدل على ذلك المثال الذي ذكره الحصيري لهذا الضابط2.

الأدلة:

يستدل لذها الضابط بعدد من الأدلة أهمها:

أولا: الأدلة الدالة على أنه لا إثم على الحاكم أو القاضي إذا حكم باجتهاده، ولو أخطأ إذا كان أهلا للحكم والاجتهاد، وبذل وسعه.

ومن ذلك حديث: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"3.

1 انظر: أدب القاضي لابن القاصّ 2/389، وقرة عيون الأخبار (تكملة رد المحتار) 7/51، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 7/165، ومغني المحتاج 4/487.

2 انظر: القواعد والضوابط المستخلصة من كتاب التحرير ص356.

3 متفق عليه من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه. واللفظ لهما. صحيح البخاري مع الفتح 13/332 (الاعتصام/أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ) ، وصحيح مسلم مع النووي 12/13 (الأقضية/أجر الحاكم إذا اجتهد) .

ص: 722

وحديث: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألن بحجة من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قصيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار"1.

ففي قوله: "فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" دليل على عدم إثمه. وعدم الإثم دليل على أنه فعل ما أذن له فيه شرعا، ومن فعل ما أذن له فيه شرعا لم يضمن بنفسه وإن كان الضمان يلزم بالنظر إلى أنه حق للغير. لكنه لا يلزم في مال المباشر كما في دية قتل الخطأ، وقد ثبت بالحديث الأول أن للحاكم أجرا واحد إذا اجتهد فأخطأ.

ثانيا: ما روي "أن رجلين أتيا عليّا فشهدا على رجل أنه

1 متفق عليه من حديث أم سلمة رضي الله عنها، واللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 12/355 (الحيل/حكم الحاكم لا يُحل ما حرّمه الله ورسوله) ، وصحيح مسلم مع النووي 12/5 (الأقضية/بيان أن الحكم لا يغير الباطن) .

ص: 723

سرق فقطع يده، ثم أتياه بآخر فقالا: هذا الذي سرق وأخطأنا على الأول فلم يُجز شهادتهما على الآخر وأغرمهما دية الأول وقال: لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما"1.

والدليل فيه أنه جعل الغُرم على الشاهدين، وعلّق القصاص منهما على كونهما تعمدا ذلك. ولم يلزم نفسه باعتباره قاضيا بشيء ولم يذكر له مخالف من الصحابة2.

ثالثا: الأثر المتقدم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه لما أشير عليه بأن الدية أمر بها أن تقسم في عاقلته حيث قال: "عزمت عليك لا تبرح حتى تقسمها في قومك"3.

رابعا: أن جعل الضمان في مال القاضي يؤدي إلى نفرة الناس من القضاء، فتتعطل مصلحته؛ لأن القاضي عرضة للخطأ لكثرة ما يقضي فيه؛ ولأنه قد يستند في حكمه إلى أدلة غير

1 أخرجه بهذا اللفظ البيهقي موصولا، وأخرج البخاري نحوه تعليقا. صحيح البخاري مع الفتح 12/236 (الديات/إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب) ، وسنن البيهقي 8/41 (الجنايات/الاثنين أو أكثر يقطعان يد رجل) .

2 انظر في الاستدلال به المغني 14/246.

3 تقدم نص الأثر وتخريجه قريبا فراجع ص 720 /ح2

ص: 724

يحتمل ظهور خطئها، وكذلك جعله على العاقلة، وذلك على القول بأنه يكون في بيت المال1.

العمل بالضابط:

تقدم أن الغالب هو أن المراد بحكم هذا الضابط الصور التي لا يكون القاضي فيها متعمدا للجور، أو للحكم بما لا يصح الحكم بموجبه. وعلى هذا فقد اتفق الفقهاء على أن الضمان في هاتين الحالتين ونحوهما يكون في مال القاضي، فمنهم من صرح بذلك ومنهم من يؤخذ هذا من فحوى كلامه؛ إذا قد لا يعد بعضهم مسألة الجور من الخطأ2.

ويبقى البحث في أنه هل يجب الضمان في مال القاضي إذا أخطأ في غير هاتين الصورتين؟

فصّل الفقهاء في ذلك تفصيلا كثيرا وذكروا من المسائل مالا يضمن فيها القاضي إذا أخطأ، إلا أنهم صرحوا بأن الضمان قد يكون على القاضي في بعض الصور. وهذا كما نقدم ليس

1 انظر: المغني 14/256.

2 انظر: أدب القاضي لابن القاصّ 2/389، وقرة عيون الأخيار 7/51، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 7/165، والمهذب 2/342، والمغني 14/256.

ص: 725

بصريح في كونه في مال القاضي؛ لذا فإن منهم من أتبع ذلك ببيان معنى ضمان القاضي وهو أن يكون ذلك في بيت المال، أو على عاقلة القاضي، أو على الشهود، أو على المقضي له، وأطلق بعضهم القول بضمانه في تلك الصور وهذه بعض نصوص الفقهاء في ذلك:

جاء في قرة عيون الأخيار (تكملة رد المحتار) ما ملخصه: "أن القاضي يضمن بمعنى أنه متى ظهر خطؤه فيما قضى بيقين فإنه يضمن ما قضى به ويرجع بذلك على المقضي له أو على بيت المال"1.

وقال ابن جزي المالكي: "إذا حكم حاكم بشهادة شاهدين، ثم قامت بعد الحكم بينة بفسقهما لم يضمن ما أتلف بشهادتهما، ولو قامت بينة بكفرهما أو ورقهما ضمن"2.

وقال الشيرازي من الشافعية: "ومتى نُقض الحكم فإن كان المحكوم به إتلافا كالقطع والقتل ضمنه الإمام، وإن كان مالا فإن كان باقيا رده وإن كان تالفا ضمنه المحكوم له، فإن كان

1 انظر: قرّة عيون الأخيار 7/51.

2 والفرق بين الحالتين فيما يبدو أن الفسق مما يخفى بخلاف الكفر والرق. انظر: القوانين الفقهية ص269.

ص: 726

معسرا ضمنه الحاكم، ثم يرجع به على المحكوم له إذا أيسر"1،

وقال صاحب مغني المحتاج: "فإن قالوا أخطأنا فعليه نصف دية وعليهم نصف"2.

وقال ابن قدامة: "وأما إن تبين فسق المزكيين فالضمان على الحاكم لأن التفريط منه قبل شهادة فاسق من غير تزكية ولا بحث فيلزمه الضمان"، وقال:"ولو جلد الإمام إنسانا بشهادة شهود، ثم بان أنهما فسقة أو كفرة أو عبيد فعلى الإمام ضمان ما حصل من أثر الضرب"3.

وخلاصة ما تقدم فيما ظهر لي أن الأصل في القاضي ألا يضمن أي لا يكون الضمان في ماله إلا إذا فرط بوجه من الوجوه4.

1 انظر: التنبيه ص273-274.

2 انظر: مغني المحتاج 4/457.

3 المغني 14/258، وانظر: 12/35، والقواعد لابن رجب ص285-286.

4 انظر: القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص356، 419، وبدائع الصنائع 9/4078، وعلم القضاء ص431، والقضاء ونظامه في الكتاب والسنة ص98-99.

ص: 727

من فروع هذا الضابط:

تقدم ذكر بعض فروع هذا الضابط، ومن فروعه أيضا تغريم الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بعد الحكم إذا تضمن الحكم إتلافا1.

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذا الضابط أن الخطأ قد يقع في أحكام القاضي؛ لكثرة ما يصدر عنه من أحكام؛ ولأنه يحكم بموجب البينات والقرائن الظاهرة وقد يتبين الأمر بخلاف الظاهر.

فإذا عمل القاضي بمقتضى ما يلزمه من التحري في الشهود، والاجتهاد في الحكم مع أهليته لذلك، ثم حكم فأخطأ فإن مقتضى هذا الضابط أن لا يلزمه ضمان ما تلف بسبب حكمه في ماله؛ تيسيرا وتخفيفا؛ لأنه لو ألزم بضمان ذلك لكان إجحافا في حقه ولحقه الضرر، وكذلك لو ألزم بذلك عاقلته في كل قضية2، وربما أدى

1 انظر تفصيل ذلك في: قرة عيون الأخيار 7/242-243، وشرح الخرشي 7/220-221، والمهذب 2/340، والمغني 14/244، وما بعدها.

2 هذا مبني على القول بأ الضمان يكون في بيت المال لا على العاقلة.

ص: 728

ذلك إلى أن يترك الناس القضاء، وتتعطل بذلك المصالح العامة. كما تقدمت الإشارة إلى ذلك؛ ولأنه لا يتصرف في ذلك لنفسه. بل لغيره1.

1 انظر: المغني 14/256، والقواعد المستخلصة ص356، وعلم القضاء ص431، والقضاء ونظامه ص98-99.

ص: 729

‌الضابط السابع: لا يتوقف الملك في العقود القهرية الاضطرارية على دفع الثمن بل يقع العقد ويكون الثمن مضموناً في الذمة

.

الضابط السابع: لا يتوقف الملك في العقود القهرية الاضطرارية على دفع الثمن بل يقع ويكون الثمن مضموناً في الذمة. (صياغة)

ذكر ابن رجب هذا الضابط بمعناه في صيغة استفهام "هل يتوقف الملك في العقود القهرية على دفع الثمن

"1،وأشار إلى معنى هذا الضابط العز بن عبد السلام في بيان أنواع القبض2، كما أشار إليه البعض في قاعدة ((الاضطرار لا يبطل حق الغير))

معاني المفردات:

العقود: جمع عقد وقد تقدم بيان معناه4.

1 قواعد ابن رجب ص 72،وقد قسم العقود القهرية إلى ضربين أحد هما التملك الاضطراري كمن اضطر إلى طعام الغير، والثاني ماعداه من التمليك المشروعة لإزالة ضرر ما كالأخذ بالشفعة ونحوها.

2 انظر قواعد الأحكام 2/83.

3 انظر شرح القواعد الفقهية ص159،والوجيز في إيضاح قواعد الفقه ص 185.

4 راجع ص342

ص: 731

القهرية: نسبة إلى القهر وهو الغلبة يقال: أخذتُ فلاناً قُهرةً أي اضطراراً1.

وقد يطلق عليها (العقود الجبرية) ، أو (التملك الجبري)، والمراد بها:مالا يشترط فيه رضا أحد الطرفي العقد.

وقد قسمها الشيخ مصطفى الزرقاء إلى قسمين:

الأول منها: العقود تقوم بإجرائها السلطة القضائية مباشرة وصراحة نيابة عمن تجب عليهم إذا امتنعوا عن إجرائها كبيع مال المدين جبراً لأجل وفاء الدين.

والثاني: التملك الجبر المسمى-عرفاً-نزع الملكية الجبري وله صورتان:

أ) الصورة الأولى: أن يكون حق التملك الجبري ممنوحاً لشخص معين كالشفعة.

ب) والثانية: أن يكون حق التملك لأجل المصالح العامة.2

ويذكر الفقهاء هذا المعنى عند بيان بعض العقود التي

1 الصحاح 2/801 (قهر)

2 انظر: القواعد لابن رجب ص 72-73، والمدخل الفقهي العام1/246-247، والفقه الإسلامي وأدلته4/97.

ص: 732

لا يشرط لها الرضا كالشفعة.1

المعنى الإجمالي:

لما كان العقد القهري لا يتوقف على رضا صاحب العين المعقود عليها. على خلاف الأصل في العقود، وكان من المتقرر شرعاً أن هذا لا يسقط حق مالك العين في أخذ العوض عن تلك العين، بين الفقهاء في ذا الضابط الحكم في نوع معين من العقود القهرية وهو ما يكون قائماً على الاضطرار إذا لم يكن مع المضطر ثمن ما يضطر إليه، وهو كون العقد يتم وإن لم يدفع الثمن وقت أخذه والانتفاع به بحيث يكون الثمن مضموناً في ذمته؛ وذلك لئلا تفوت منفعة مشروعية هذا العقد القهري؛ وليحصل رفع الاضطرار2.

الأدلة:

يستدل لهذا الضابط بمجموع الأدلة الدالة على حرمة مال الغير إلا برضاه، ووجوب الضمان فيه عند إتلافه - ما لم يكن المتلف متسبباً في أذى متلفه - كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم

1 أنظر حاشية رد المختار 6/216،والمغني7/436.

2 انظر الفروق 1/195-196 ونظرية الضرورة الشرعية ص 258، 305.

ص: 733

وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام

"1 ، مع عموم الأدلة على أنه يجوز للمضطر -في حالة الاضطرار - مالا يجوز في غيرها كقوله -تعالى-:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه} 2.

فإذا كان الشارع قد أجاز للمضطر حفظ حياته بمال غيره عند الاضطرار، وأوجب ضمان المتلف فلا بد أن يترتب على ذلك أنه إذا لم يكن معه - في حال الاضطرار - قيمة ما يضطر إليه جاز له دفع الاضطرار به ويبقى ثمنه في ذمته.

العمل بالضابط:

مقتضى هذا الضابط - فيما يظهر - محل اتفاق بين الفقهاء فقد اتفقوا على أنه إذا منع صاحب الطعام أو الشراب طعامه أو شرابه عن المضطر، ولم يكن بصاحب الطعام أو الشراب - نفسه - اضطرار إليه، فإن للمضطر أن يقاتله ويأخذ منه جبراً إذا خشي الهلاك3، ومعنى هذا أن تملكه لا يتوقف على رضا المالك، ولا

1 تقدم تريجه ص 509.

2 الأنعام (119)

3 انظر: حاشية رد المختار 6/338،وشرخ الخرشي مع حاشية العدوي 3/9، 30،المهذب 1/250، والمغني 13/340، وقواعد الأحكام في مصالح الأنام 2/83، والفروق 1/195-196.

ص: 734

على دفع الثمن له ثم إن الجمهور على أن المضطر يضمن قيمة ما يأخذه اضطراراً.

وهذا الفرع الفقهي هو أوضح فرع هذا الضابط.

أما ما كان من العقود القهرية غير قائم على الاضطرار كالشفعة مثلاً فإن العلماء من يرى أن الشفعة لا يحق له تملك المشفوع فيه إلا بعد دفع الثمن، وقال ابن رجب: إنه الأظهر1.

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذا الضابط أن الشارع سامح في مخلفة الأصل الذي هو اشتراط الرضا بين المتعاقدين، فلم يشترطه في حالة الاضطرار، ولم يشترط دفع الثمن لصحة التملك وذلك ليتحقق دفع الاضطرار عن المضطر؛ إذ قد لا يتيسر له دفع الثمن في تلك الحال، والله أعلم.

1 انظر: الهداية 4/354، والخرشي مع حاشية العدوي 6/166، وحاشية الدسوقي 2/116، والتنبيه ص 177، مغني المحتاج 4/308-309، والمغني 7/479-480، والقواعد لابن رجب ص 73.

ص: 735

‌الضابط الثامن: لا يجب في عين واحد زكاتان إلا في مسائل

.

الضابط الثامن: لا يجب في عين واحدة زكاتان إلا في مسائل.

أورد هذا الضابط السبكي1، وأورده السيوطي بصيغة ((لا تجتمع زكاتان في مال)) 2وأطلقا عليه (قاعدة) ، واستثنيا منه بعض المسائل3.

1 الأشباه والنظائر له 1/225.

2 الأشباه والنظائر للسيوطي ص444.

3 هذه المسائل هي:

أ- مسألة العبيد المرصدين للتجارة ففيهم زكاة التجارة، وتجب عنهم زكاة الفطر.

ب- ومسألة من اقترض نصاباً فأقام عنده حولا ً عليه زكاته وعلى مالكه.

ج- ومسألة نخل التجارة تخرج منه زكاة الثمرة، وزكاة الجذوع ونحوها بالقيمة. فأما مسألة العبيد المرصدين للتجارة فقد ذهب الجمهور إلى أن الزكاة فيهم زكاة عروض التجارة، وتجب عنهم زكاة الفطر، وأما الحنفية فلا يوجبون فيهم إلاّ زكاة عروض التجارة.

وأما مسألة من اقترض نصاباً (أو زكاة الدين) فإن مقتضى استثنائها من هذا الضابط أن تجب الزكاة في هذا المال على الدائن، ولم أجد من يصرح بهذا. بل إن الشيخ القرضاوي قال: إنه لم يقل بذلك أحد. لكننا إذا نظرنا في مسالتين:إحداهما هل يمنع الدين وجوب الزكاة؟ ، والثانية هل على صاحب الدين زكاة ماله الذي عند غيره؟ فإننا نجد أن الشافعية – في أشهر الأقوال عنهم – يرون أن الدين لا يمنع الزكاة مطلقاً، ومن جهة أخرى نجد أنهم يقولون بوجوب الزكاة على صاحب الدين في ماله الذي عند غيره، وهذا معناه وجوب زكاتين فيمال واحد. أما الجمهور فإنهم على أن الدين يمنع الزكاة، وفرق بعضهم بين الأموال الظاهرة والباطنة فقال: إن الدين يمنع الزكاة الأموال الباطنة ولا يمنع في الأموال الظاهرة.

وفصلوا في وجوب الزكاة في الدين – تفصيلاً كثيراً – فمنهم من أوجب فيه الزكاة في الحال، ومنهم من أوجبها إذا قبضه صاحب فيزكيه مرة واحدة، ومنهم من قال يزكيه عما مضى من سنوات، ومنهم من فرق بين مراتب الدينز

أما مسألة نخل التجارة ونحوه فقد ذهب إلى وجوب إخراج زكاة الثمرة زكاة عشر مع وجوب الزكاة في الأصل زكاة قيمة بعض الحنفية، وبعض الشافعية، وهي رواية للحنابلة، وذهب الإمام الشافعي، والحنفية والمالكية – في المشهور عنهم – إلى أنه يزكيها زكاة الثمرة فقط، وذهب الحنابلة – في رواية الأخرى عنهم – إلى أنهم تزكي زكاة القيمة فقط. هذه خلاصة أردت بها بيان وجه تكرر الزكاة في بعض المذاهب ليتضح بها وجه استثنائها من هذا الضابط.

انظر تفصيل ذلك في: بدائع الصنائع 2/817، 826، 934، 964، مواهب الجليل 2/306، والشرح الصغير 1/268، 272، 275، والخرشي مع حاشية العدوي 2/320، الأم 2/41، والمجموع 5/318، 6/7، والمغني المحتاج 1/410، 411، والمغني 4/256، 263، وكشاف القناع 2/200، 203، 283، وفقه الزكاة للقرضاوي 1/135، وزكاة عروض التجارة (رسالة) لأحمد عبد الله كاتب /174، 183، 194، 263-277.

ص: 737

وأشار إليها المقري من المالكية حيث بين وجه اجتماع زكاة الفطر مع زكاة التجارة في العبد المرصد للتجارة وهو اختلاف سببهما1 فدل على أن الأصل أن لا تجتمع زكاتان في مال واحد، وعلل به الفقهاء في مسائل الفروع2.

ويمكن إدراج هذا الضبط - المتعلق بحكم الزكاة على وجه الخصوص - تحت قاعدة عامة هي ((إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصود هما دخل أحد هما في الآخر غالباً)) 3.

معاني المفردات:

عين: تقدم بيان معنى العين4.

1 انظر قواعد المقري 2/544-545.

2 ستأتي الإشارة إلى شيء من هذا قريباً – إن شاء الله -.

3 راجع هذه القاعدة ص81-87.

4 راجع ص72.

ص: 739

المعنى الإجمالي:

يعني الفقهاء بهذا الضابط أنه إذا ملك عيناً1، وكانت تلك العين بحيث لو نظر إليها باعتبارين مختلفين لوجبت فيها زكاتان، فإنه لا يجب عليه فيها إلا زكاة واحدة كما لو ملك سائمة وأعدها للتجارة.

واستثنى الفقهاء من ذلك بعض المسائل التي يكون فيها السببان الموجبان للزكاة مختلفين بحيث يكون الشيء الواحد - باعتبار اختلاف السبب الموجب للزكاة فيه - كالشيئين وقد مضى ذكر بعض مستثنيات هذه القاعدة.

الأدلة:

أولاً: استدل بعض الفقهاء بحديث: "لا ثنى2 في الصدقة" 3

1 التعبير بكلمة (عين) أولى من تعبير بكلمة (مال) لأن زكاة الفطر تقع عن رأس لا عن المال أي أن سبب وجوبها هو الإنسان نفسه، وإن كانت قواعد المقري 2/544.

2 الثني في اللغة ما يعاد مرتين، وهو مستعمل في الاصطلاح بهذا المعنى. انظر الصحاح 6/2295 (ثني) ، والقاموس الفقهي ص35.

3 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/218 (الزكاة /من قال لا تؤخذ الصدقة في السنة إلا مرة واحدة) ، وأبو عبيد في الأموال 342، وابن زنجوية في الأموال 2/830-831، وقال محققه:"إسناده مرسل ضعيف".

ص: 740

وهو صريح في الموضوع.

ثانياً: حديث: "لا ضرر ولا ضرار"، وما في معناه مما يدل على النهي عن الاضطرار بالغير؛ فإن إيجاب زكاتين في مال واحد - مع ما تقرره في قواعد الشرع من أن الأصل فيما تجب فيه الزكاة من الأموال أن تجب فيه مرة واحدة عند تحقق سبب الزكاة وتحقق شروطها فيه - إحجاب بحق المالك وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عماله على الصدقات عما يضر بالمالكين فقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ1- في شأن أخذ الزكاة - حين بعثه إلى اليمن -: "

فإياك وكرائم أموالهم

"2.

1 هو معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري الخزرجي –رضي الله عنه، يكنى (أبا عبد الرحمن) ، شهد بدراً ومشاهد كلها، توفي في طاعون عموس سنة 18هـ، وقيل سنة17هـ.

أنظر أسد الغابة 4/376-378، والإصابة 6/136-138.

2 تقدم تخريجه ص578/ح2، وانظر كتاب من حكم الشريعة وأسرارها لحامد العبادي ص133.

ص: 741

العمل بالضابط:

تقدم - قريباً- أن السيوطي، والسبكي من الشافعية قد نصا على ذكر هذا الضابط واستثنيا منه بعض المسائل، وأن المقري كمن المالكية قد أشار إلى المعناه.

وقد صرح المرغيناني وغيره من الحنفية، وابن قدامة من الحنابلة بذكر هذا الضابط تعليلاً1، فظهر من هذا أن هذا الضابط محل اتفاق من حيث الأصل. وإنما الخلاف فيما يستثنى منه فتجب فيه الزكاة من جهتين لاختلاف السببين الموجبين للزكاة. فمما استثناه الجمهور من ذلك عبيد التجارة فإن فيهم زكاة التجارة وتجب عنهم زكاة الفطر2 وذهب الحنفية إلى أنه لا تجب عنهم زكاة الفطر3. ولم أقف على فروع مستثناة من حكم هذا الضابط عند الحنفية4.

1 انظر: الهداية 1/124، الدر المختار وحاشيته2/273، والمغني 4/143، 303.

2 انظر: الخرشي مع حاشية العدوي 2/230، والمهذب 1/160، المغني 4/143، 303، وانظر الأموال لابن زنجوية 3/1261.

3 انظر: الهداية 1/123.

4 جأ في الدر المختار:" الأصل فيما عدا الحجرين، والسوائم إنما يزكي بنية التجارة بشرط عدم المانع المؤدي إلى الثّني"، والحجران هما الذهب والفضة والمرجع المذكور 2/273، والصحاح 2/263 (حجر) .

ص: 742

من فروع الضابط:

إذا ملك الإنسان نصاباً من السائمة وقصد به التجارة وجبت فيه زكاة واحدة بأحد الاعتبارين - على تفصيل في ذلك -، ولم تجب فيه زكاتان.1.

وقد تقدم بيان خلاف الفقهاء في بعض المسائل المندرجة تحت هذا الضابط.2.

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذا الضابط هو عدم إلزام صاحب المال بما يكون ضرراً عليه، ونقصاناً لماله كما هو ظاهر.

1 انظر: حاشية رد المختار 2/275، والخرشي2/198، والمهذب 1/160، والمغني4/303.

2 راجع ما تقدم ص737/ح3.

ص: 743

‌الضابط التاسع: اللهو واللعب عند الشافعي على الإباحة، وعند مالك على التحريم

.

الضابط التاسع: اللهو واللعب عند الشافعية على الإباحة، وعند المالك على التحريم.

ورد هذا الضابط عند ابن خطيب الدهشة1 بنحو هذه الصيغة، ونقل السبكي هذا عن بعض الفقهاء، ثم قال:"وهذه العبارة لا أعرف أحداً من الأصحاب قالها. ولكنها قضية أن أصول الأشياء على عدم التحريم"2.

المعنى الإجمالي:

هذا الضابط متفرع عن قاعدة أعم وهي ((الأصل في الأشياء الإباحة)) كما هو قول السبكي. ولكنها في موضوع خاص وهو اللهو واللعب، فهي تعني أن ما لم يرد النص بتحريمه من أنواع اللعب واللهو فهو على أصله من الإباحة عند بعض الفقهاء، أو اللعب بالقمار3 أو الاشتغال بشيء من ذلك عن العبادة الواجبة، أو نحو

1 انظر: مختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي2/226.

2 الأشباه والنظائر للسبكي1/430ز

3 القمار لغة: مصدر قامر. يقال قمرت الرجل أقمره إذا لاعبته فغلبته. وفي الاصطلاح: كل لعب على مال يأخذه الغالب من المغلوب إلا ما استثنى في باب السبق. أنظر الصحاح 2/799 (قمر) ، والقاموس الفقهي ص 309.

ص: 745

ذلك1.

الأدلة:

هذا ضابط محل خلاف كما تقدم ولذا فلابد من عرض أدلة الفريقين (أي من يرى أن الأصل فيهما الإباحة ومن يرى أن الأصل فيهما التحريم) :

أولاً: أدلة من يرى أن الأصل فيهما الإباحة.

من أشهر ما استدل به من يرى أن الأصل في اللهو الإباحة ما يلي:

1-

أن الأصل في الأشياء -كلها - الإباحة فما لم يدل دليل على تحريم من اللهو أو غيره فهو على الأصل2.

1 انظر: تفصيل القول في حكم الغناء، وفي حكم اللهو إذا انضم إليه ما يجعله محرماً في فتح الباري 2/513، وشرح صحيح مسلم 6/182 ونيل الأوطار 8/260-271، والمغني 14/158، والمجموع20/37.

2 انظر كتاب السماع لابن القيسراني /61 وما بعدها، والمجموع 20/37، والمغني 14/155.

ص: 746

2-

حديث عائشة - رصي الله عنها - قالت: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم"1.

قال النووي رحمه الله تعالى: "فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البرّ"2.

3-

حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بُعاث3.قالت وليست بمغنيتين، فقال أبو بكر:"

1 متفق عليه واللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 1/654 (الصلاة أصحاب الحراب في المسجد) . صحيح مسلم مع النووي6/182 (صلاة العيدين /الرخصة في اللعب يوم العيد) .

2 شرح صحيح مسلم 6/84.

3 بُعاث موضع من نواحي المدينة. قال فيروز آبادي: إنه على بعد ليلتين منها، وقال حمد الجاسر: إن السمهودي ذكر كلاماً مفاده: أن بعاث في منازل بني قريضة فيما بينهما وبين حرة العريض، وتوصل البلادي إلى أنه في شمال الشرقي من المدينة في طرفي الغربي الشمالي من نخل العوالي اليوم.

وأما يوم بعاث فهو حرب قامت بين الأوس والخزرج في ذلك الموضع قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بثلاث سنين.

انظر: المغانم المطابة في معالم طابة مع حاشية المحقق/57-58، ومعجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية /46-47، والبداية والنهاية 3/148، ووفاء الوفاء بأخبار المصطفى 1/130، وفتح الباري 2/511-512.

ص: 747

أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا"1.

قال النووي: رحمه الله: احتج المجيزون للغناء بهذا الحديث2.

وهذان الحديثان، وما في معنا هما يدلان على إباحة نوع من اللهو في حالات خاصة.

وقد يرد على الاستدلال بهما على أن الأصل في ذلك الإباحة أنه قد يفهم منهما العكس، وهو أن الأصل في ذلك التحريم وإنما

1 متفق عليه، واللفظ لمسلم، وقال ابن حجر – عن هذا الحديث والذي قبله -:" وقد جمعهما بعض الرواة، وأفرد هما بعضهم"، صحيح البخاري مع الفنح2/510 (العيدين/الحراب الدرق في يوم العيد) ،وصحيح مسلم مع النووي 2/182-183. (صلاة العيدين /الرخصة في اللعب يوم العيد) .

2 انظر شرح صحيح مسلم 6/182.

ص: 748

جاز في وقت معين لعلة خاصة.

4-

أنه قد روي عن بعض السلف إباحة بعض أنواع اللهو كاللعب بالشطرنج1.

ثانياً: أدلة القائلين بأن الأصل في اللهو التحريم.

من أشهر ما استدل به من يروي أن الأصل في اللهو التحريم ما يلي:

1-

قوله - تعالى -: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} 2.

قال القرطبي: روي عن الإمام مالك أنه قال: "اللعب بالشطرنج والنرد من الضلال"،وأنه سئل عن الرجل يلعب في بيته مع امرأته بأربع عشر3 فقال: ما يعجبني وليس من

1 روي إباحة اللعب بالشطرنج عن أبي هريرة، وابن عباس رضي الله عنهم، وروي عن ابن سيرين، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير وغيرهم، كما روي عن بعض هؤلاء، وغيرهم أنهم كرهوه، وروي عن جماعة من الصحابة تحريمه. أنظر الآثار فيمن أباح الشطرنج، ون كرهه، ومن حرمه في سنن البيهقي 10/212 (الشهادات /الاختلاف في اللعب بالشطرنج) ، وانظر المجموع 20/37.

2 يونس (32)

3 الأربعة عشر لعبة وهي عبارة عن قطعة خشب يحفر فيها حفر. ثلاثة أسطر ويجعل فيها صغار يلعب بها، وقيل: إنها خشبة يحفر فيها ثمانية وعشرون حفرة. أربعة عشرة حفرة. أربعة عشر في جانب ، وأربعة عشر في الجانب الآخر يلعب بها، وقال ابن حجر الهيثمي:"والظاهر أنهما نوعان فلا تخالف بين هذا وما قبله".انظر كف الرعاع عن محرمات السماع/ 175 وحاشية ابن عابدين 6/395.

ص: 749

شأن المؤمن يقول الله - تعالى -: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاّ الضَّلال} 1 ".

وقوله- تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} 2.وقد فسر جمهور السلف لهو الحديث في الآية بأنه الغناء3

3-

حديث: "كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رمية بقوس، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنه من الحق"4.

1 انظر الجامع لأحكام القرآن 8/337، وقد تقدم تحديد موضع الآية

2 لقمان (6) .

3 انظر تفسير القرآن العظيم 3/451، والجامع لأحكام القرآن 14/51.

4 أخرجه الترمذي، وابن ماجة، واللفظ للترمذي، وقال الألباني: صحيح إلا قوله: فإنه من الحق، سنن الترمذي مع التحفة 5/265-266 (فضائل الجهاد / ما جاء في فضائل الرمي في سبيل الله) ،وسنن ابن ماجة 2/940 (الجهاد /الرمي في سبيل الله) ،وانظر صحيح سنن ابن ماجة 2/132.

ص: 750

وهو صريح في بطلان ماعدا هذه الأنواع الثلاثة من اللهو.

لكن بعض العلماء قد أجاب عنه بأن كونه من الباطل لا يعني تحريمه بل يدل على عدم فائدة1. قال الشوكاني: "وهو جواب صحيح؛ لأن ما لها فائدة فيهمن قسم المباح"2.

العمل بالضابط:

نص ابن خطيب الدهشة على أن هذا هو مذهب الإمام الشافعي حيث قال: ((اللهو واللعب عند الشافعي على الإباحة إلا أن يقوم دليل على تحريمه لهو خاص أو لعب خاص)) 3، وهو ظاهر مذهب الحنابلة كما ذكره ابن قدامة، فقد قال:"

وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضرراً، ولا شغلاً عن فرض فالأصل إباحته"4.

أما الإمام مالك فقد نص ابن خطيب الدهشة على أن مذهبه التحريم إلا أن يقوم دليل على إباحة لعب خاص أو اهو خاص، وقد تقدم نقل بعض النصوص في ذلك عن الإمام مالك5.

1 انظر: إحياء علوم الدين 3/283.

2 نيل الأوطار 8/270.

3 مختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي2/622.

4 المغني 14/157.

5 راجع ما تقدم ص 749، وانظر البيان والتحصيل لابن رشد 17/577-578.

ص: 751

والذي يصح به بعض فقهاء الحنفية هو كراهة كل لهو إلا ما ورد الدليل بإباحته 1، ويبدو أن مرادهم بالكراهة التحريم؛ لأن منهم من نص على ذلك.

قال الكاساني - في كون لعب الشطرنج مما يسقط العدالة -:" وكذلك من لعب بالشطرنج ويعتاده فلا عدالة له وإن أباحه بعض الناس لتشحيذ الخاطر وتعلم أمر الحرب؛ لأنه حرام عندنا لكونه لعباً"،ثم استدل بالحديث السابق2،ومن المعلوم أن ما يطبق عليه هذا الضابط ما لم يرد الدليل بتحريمه أو يرد بإباحته، وإن كان قد يختلف فيما ورد الدليل بالنهي عنه من حيث حمله على التحريم أو على الكراهة، ومن حيث دخول بعض أنواع اللهو فيما نهي عنه أو عدم دخولها. ومع هذا فإن من يرى عدم التحريم يرى كراهته إلا ما ورد الدليل بإباحته كالرخصة في ضرب الدف النكاح، ونحوه من مواطن الفرح على وجه مخصوص.

قال الإمام الشافعي: "يكره وجه الخبر اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من اللاهي، ولا نحب اللعب بالشطرنج، وهو أحف من النرد، ويكره كل ما يلعب به الناس؛ لأن اللعب ليس من

1 انظر تحفة الفقهاء 3/344-345، وحاشية رد المختار 6/395.

2 انظر بدائع الصنائع 9/403.

ص: 752

صفة أهل الدين والمروءة"1.

وقال الشوكاني - بعد عرضه أقوال العلماء في الغناء - "ولا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه والمؤمنون وقّافون عند الشبهات"2.

من فروع الضابط:

تقدم أن هذا الضابط محل خلاف بين الفقهاء ومن فروعه:

1-

حكم اللعب بالشطرنج إذا خلا من القمار3.

2-

حكم الغناء إذا خلا عما يجعله محرماً4.

وجه التيسير:

وجه التيسير في هذا الضابط - على القول بأن الأصل في

1 انظر: الأم 6/213 (بشيء من الاختصار) .

2 نيل الأوطار 8/271.

3 انظر: تفصيل الفقهاء في حكمه في: الهداية 3/137، وشرح الخرشي 122، والمهذب 2/325، والمغني 14/155، وراجع ما تقدم ص475ز

4 انظر: تفصيل الفقهاء في حكم في: الهداية 3/137، والقوانين الفقهية ص370، وشرح الخرشي 7/178، والمهذب 2/326، والمغني 14/158 وراجع ما تقدم ص 473/ح4.

ص: 753

اللهو الإباحة - أن من طبيعة النفس البشر الميل إلى الملذات من لهوٍ وغيره، فإذا كان الأصل في كل لهو ولعب الإباحة ما لم يدل على تحريمه دليل فإن في ذلك مراعاة من الشارع لحظ المكلف وطبيعته البشرية، فهو تيسير من جهة إعطاء النفس ما تطلبه وعدم حجبها عنه، والله أعلم.

ص: 754

‌الضابط العاشرة: ليس للنجاسة في الباطن حكم النجاسة

.

الضابط العاشر: ليس للنجاسة في الباطن حكم النجاسة. "صياغة"

ذكر هذا الضابط الزركشي ولفظه: "النجاسة مادامت في الباطن لا يحكم لها بحكم النجاسة في إبطال الصلاة"1، ونقل الشعراني2 عن ابن سريج3قوله:"الشريعة تقتضي أن ليس في باطن الإنسان نجاسة"4، وأشار إليها القرافي ببيان الفرق بين

1 انظر: المنثور3/256.

2 هو أبو الموهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني الأنصاري الشافعي، ولد سنة 898هـ، وتوفي سنة 973هـ، من المؤلفاته [شرح جمع الجوامع للسبكي] في أصول الفقه، و [كشف الغمة عن جمع الأمة] في أحاديث الأحكام.

أنظر الكواكب السائرة 3/176-177، وشذرات الذهب 8/372-374.

3 هو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج من كبار فقهاء الشافعية، توفي ببغداد سنة 306هـ. من مؤلفاته [الرد على ابن داود في القياس] ،و [الرد عليه في مسائل اعترض بها الشافعي] .

انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/21-39،وطبقات الشافعية للأسنوي 2/20-21.

4 مختصر قواعد الزركشي الشعراني (رسالة) 2/755.

ص: 755

ما يكون من النجاسات في باطن الحيوان وما يرد على باطن الحيوانات1.

المعنى الإجمالي:

المراد أن كل ما بباطن الإنسان أو غيره من الحيوانات الطاهرة من فضلة، أو دم، أو نحو هما مما هو نجس إذا خرج من الجسد، لا يحكم عليها بحكم النجاسات مادامت في الباطن، فلا تبطل الصلاة بوجودها سواء كانت في جسم المصلي نفسه، أم حمل معه آدمياً أو حيوان اً طاهراً، ولا يتنجس ما لاقته2.

وقيد ذلك كثير من العلماء بأن تكون في موضعها الأصلي، فلو حمل المصلي معه قارورة محكمة، أو نحوها بها نجاسة كان حاملا للنجاسة، ولم تصح صلاته3.

الأدلة:

1-

استدل العلماء على هذا الضابط بما رواه البخاري ومسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد الشمس فإذا سجد

1 انظر: الفروق للقرافي 2/119-121.

2 انظر: مختصر قواعد الزركشي (رسالة) 2/753-754.

3 انظر المهذب 1/61، والمغني 2/468.

ص: 756

وضعها وإذا قام حملها"1.

قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: "وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه"2، وكذلك قال النووي، علل العفو عن النجاسة بكونه في معدته3،وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه جعل طاهراً لمشقة الاحتراز وليس من النجاسات العفو عنها4.

2-

ويمكن الاستدلال على صحة هذه القاعدة بقوله- تعالى-: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} 5فقد استدل بها بعض العلماء على طهارة المني - على تسليم أنه يجري في مجرى البول- حيث قالوا أن المماسة في باطن غير موجبة للتنجيس، ولو كانت موجبة للنتجيس لنجس اللبن6.

1 تقدم تخريجه ص623/ح2.

2 فتح الباري 1/705.

3 انظر: شرح صحيح مسلم 5/32-33.

4 انظر: مجموع الفتاوى21/598.

5 النحل (66)

6 انظر: مجموع الفتاوى 21/602، 603، وانظر: الجامع لأحكام القرآن 10/126، وأضواء البيان 3/276.

ص: 757

ولا يخفى أن هذا مبني على القول بمماسة اللبن للنجاسة. أما إذا قيل: إن بينهما حاجزاً فلا يصح الاستدلال، والله أعلم.

3-

استدل بعض العلماء على صحة حمل الآدمي ونحوه في الصلاة وإن كان حاوياً للنجاسة بالقياس على ما في باطل المصلي نفسه من النجاسة، حيث لم ينقل عن أحد أنها مؤثرة في صحة الصلاة؛ لأن التكليف بالتطهر منها تكليف بالمحال1.

العمل بالضابط:

لا خلاف - فيما - بين الفقهاء في صحة هذا الضابط والعمل بمقتضاه فقد نص على هذا الحكم عدد من العلماء، وجاء في كلام بعضهم ما يقتضيه وإن لم يكن تصريحاً. ومن ذلك قول العيني2- من الحنفية في شرح حديث أمامة المتقدم-: "ومن

1 انظر: المهذب 1/61، والمغني2/468، وانظر الفروق واستدراك ابن الشاط عليه2/119-121.

2 هو أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى العيني (بدر الدين) الحنفي، من كبار المحدثين، ولد سنة 726هـ وتوفي سنة 855هـ. من مؤلفاته [البناية شرح الهداية] في الفقه الحنفي، و [رمز الحقائق شرح كنز الدقائق] في الفقه أيضاً.

انظر: الفوائد البهية /207، والضوء اللامع 1/131-135.

ص: 758

فوائد هذا الحديث صحة صلاة من حمل آدمياً وكذا من حمل حيواناً طاهراً"1.

وقول الخرشي - في توضيح المراد بالدم غير المسفوح-: ".. فخرج الدم القائم بالحي فإنه لا يحكم له"2.

وصرح الشيرازي -من الشافعية- بهذا الحكم فقال: وإن حمل حيواناً طاهراً في صلاته صحت صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة في صلاته؛ ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدن النجاسة فهو كالنجاسة التي في جوف المصلي3، وقال نحو ذلك ابن قدامة من الحنابلة4

وأما ما ذهب إليه بعض فقهاء المالكية من منع جواز حمل

1 عمدة القاري شرح صحيح البخاري 4/304،وانظر البحر الرائق 1/282.

2 المراد بأنه لا حكم له أنه على الأصل في طهارة الأشياء وهو قريب من قول الزركشي وغيره: إنه لا يحكم للنجاسة في الباطن بحكم النجاسة، ولعل هذا هو السبب في عدم تصريح بعض الفقهاء بهذا الحكم.

انظر شرح الخرشي 1/87، وحاشية الدسوقي 1/67-68، وسراج السالك 1/54-55.

3 انظر: المهذب 1/54-55.

4 انظر: المغني2/468.

ص: 759

الصبي ونحوه في الفريضة مع جواز ذلك في النفل فإن مبناه عدم جواز العمل الكثير في الصلاة، واحتمال نجاسة ثياب الصبي وليس مبناه نجاسة ما في باطنه بدليل تفريقهم بين الفرض والنفل1.

من فروع الضابط:

1-

صحة صلاة من يحمل معه آدمياً أو حيواناً طاهراً2.

2-

طهارة اللبن الذي يخرج من بين فرث ودم3. وذكر الشعراني فروعاً أخرى4.

وجه التيسير:

التيسير في هذا الضابط ظاهر حيث لم يكلف الله تعلى الإنسان بالتطهر والتحرز عن النجاسة التي في الباطن لما في ذلك من مشقة الاحتراز. بل والتكليف بالمحال فيما يكون في باطل الإنسان نفسه5.

1 انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 5/32، وشرح الزرقاني على الموطأ 2/86.

2 انظر: تفصيل المسألة في حاشية ردا لمختار 1/317-318، وشرح الخرشي 1/85، والمهذب 1/61، والمغني 2/468

3 وذلك على القول بملاقاة اللبن للنجاسة في الباطن. راجع ما تقدم ص 758.

4 انظر: مختصر قواعد الزركشي (رسالة) 2/754-757.

5 انظر: مجموع الفتاوى 21/598-599، وكتاب أحكام النجاسات ص 616-617.

ص: 760

‌الضابط الحادي عشرة: من استحق القصاص فعفا عنه إلى بدل فهو له إلا في صور

.

الضابط الحادي عشر: من استحق القصاص فعفا عنه إلى بدل فهو له إلا في صورة.

أورد هذا الضابط - بهذه الصيغة - السيوطي1، وأورده السبكي 2والزركشي بنحوه3، وأستثناه من ذلك صورة واحدة4.

1 الأشباه والنظائر له ص 486.

2 انظر: الأشباه والنظائر له 1/400-401.

3 انظر: المنثور 3/205.

4 استثن السبكي، والسيوطي مسألة ما إذا جنى إنسان على عبد واعتق السيد هذا العبد بعد الجناية، ثم سرت إلى نفسه وأرش الجناية مثل دية حر أو أكثر، فإذا اختار ولي العبد العفو عن الجاني على مالٍ فإنه يكون للسيد؛ لأن الجناية وقعت في ملكه ووجب الأرش حال الجناية. ووجه التقييد بكون أرش الجناية مثل دية حر أو أكثر منها – فيما ظهر لي- أن الواجب في هذه الحال الدية كاملة وأن السيد يستحق أرش الجنية التي حصلت في ملكه، فإذا كان أرش الجناية يساوي الدية أو يزيد عليها لم يبق لولي المقتول شيء فلا يستحق المال الذي عفا عن الجاني مقابلة. أما لو كان أرش الجناية أقل من الدية فإن الأرش للسيد وباقي الدية لولي المقتول. فاستثناء هذه المسألة استثناء من استحقاق من عفا مقابل مال لكل ذلك المال.

أما الزركشي فاستثنى صورة غيرها وهي العبد المرهون إذا جنى على سيده فله القصاص، وليس للمرتهن منعه من الاستيفاء، فلو أراد أن يعفو على مال سقط القصاص ولم يثبت المال، ونص على أن هذا في المذهب (أي المذهب الشافعي) .

انظر الأشباه والنظائر للسبكي 1/400-401، وللسيوطيص486، والمنثور3/205، والمهذب2/292.

ص: 761

معاني المفردات:

استحق: أي وجب له ، وهو من الحق ضد الباطل1.

القصاص لغة: من قص أي تبع يقال: قص الأثر إذا تتبعه، وسمي قتل القاتل ونحوه قصاصاً؛ لأنه يفعل بالجاني مثل ما فعل بالأول فكأنه اقتص أثره2.

وفي الاصطلاح: لا يخرج عن المعنى اللغوي: فقد عرف -اصطلاحاً-بقولهم: أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل3 أو أن يوقع على الجاني مثل ما جنى4.

1 انظر: مقاييس اللغة 2/9 (حق) .

2 انظر: مقاييس اللغة 5/11،والقاموس المحيط 2/313 (قص) .

3 التعريفات ص 176، وأنيس الفقهاء ص292.

4 القاموس الفقهي ص 304.

ص: 762

المعنى الإجمالي:

أن من وجب له القصاص على غيره بسبب قتل أو جراح، وأراد العفو عنه مقابل الدية أو مال يصطلحان عليه - وإن كان أكثر من الدية أو أقل - جاز له ذلك ويشتمل ذلك الولي والمجني عليه فيما دون النفس. فقوله:((إلى بدل)) أعم من أن يكون الدية المقدرة شرعاً أو غيرها، على أن ظاهر إيراد هذا الضابط أنه لبيان من يستحق المال الذي بدل عن القصاص، وليس لبيان جواز ذلك.

الأدلة:

أولاً: قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1.

فقد ثبت بهذه الآية الكريمة صحة العفو عن القصاص.

قال جماعة من المفسرين في قوله -تعالى-: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ

1 البقرة (178)، وانظر: أصول الأحكام لعبد الرحمن بن قاسم ص 235.

ص: 763

مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} إنه قبول الدية في العمد1.

ثانياً: حديث: "من قتل متعمداً دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤا قتلوا، وإن شاؤا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة2، وثلاثون جذعة3، وأربعون خلفة4، وما صالحوا عليه فهو لهم" 5 وثبت بهذا الحديث جواز أخذ الدية، أو المصالحة على ما زاد عنها أو قل.

1 انظر تفسير القرآن العظيم 1/216، وفتح القدير للشوكاني 1/174-175.

2 الحقة: هي الناقة التي لها ثلاثة سنين ودخلت في الرابعة. انظر الصحاح 4/1460 (حقق) ، والمغني 4/16ز

3 الجذعة هي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة. سميت بذلك لأنها تجذع إذا سقطت سنها وتجذع أي تمتنع عن العلف. انظر الصحاح 3/1194 (جذع) ،والمغني 4/16.

4 الخلفة هي الحامل من النوق وهي التي لها خمس سنين ودخلت في السادسة. انظر الصحاح 3/1355 (خلف) والمغني 12/15.

5 أخرجه الترمذي، وابن ماجة، وحسنه الألباني. سنن الترمذي مع التحفة4/646 (الديات/الدية كم هي من الإبل) ،وسنن ابن ماجة 2/877 (الديات /من قتل عمداً فرضوا بالدية) ،وانظر صحيح سنن الترمذي 2/54.

ص: 764

العمل بالضابط:

هذا الضابط متفق عليه بين الفقهاء الأربعة، فقد ذكر الفقهاء أنه يصح تصالح الجاني مع الولي أو المجني عليه على أي قدر من المال من جنس الدية أو من غير جنسها، وقال ابن قدامة:"لا أعلم خلافاً في أن من له القصاص له أن يصالح بأكثر من الدية، وبقدرها، وأقل منها."1

من فروع الضبط:

جواز العفو2 عن القصاص على أكثر من الدية، أو أقل منها على ما سبق.

وجه التيسير:

وجه التيسير في الضابط أن الله -تعالى- جعل المجني

1 انظر: الهداية 4/511، والكافي لابن عبد البر2/1100، وروضة الطالبين 9/239، المغني 7/24.والدية وأحكامها في الشريعة الإسلامية والقانون 2/544-552.

2 من الفقهاء من يطلق العفو على التنازل عن القصاص مطلقاً، وعلى النتازل عنه إلى الدية أو أكثر منها أو أقل، ومنهم من يرى أن العفو يطلق التنازل عن القصاص مطلقاً أما النازل إلى الدية أو أكثر منها، أو أقل فيسميه صلحاً.

ص: 765

عليه، أو وليه أن يعفو عن المجني مقابل مال يأخذه منه، وقد صرحت الآية المستدل بها على هذا الضابط بأن هذا تخفيف من الله تعالى حيث قال الله عزوجل:{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} 1.

وذلك أن هذا لم يكن لبني إسرائيل كما جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:"كان في بني إسرائيل القصاص ولمتكن فيهم الدية فقال الله لهذا الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} 2 فالعفو أن يقبل الدية في العمد. {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} 3 يتبع المعروف ويؤدي بإحسان {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَة} 4 مماكان على من كان قبلكم

"إلخ الأثر5.

وجاء في هذا المعنى عدة روايات بعضها فيه أن القصاص كان في اليهود والعفو في النصارى6،فالتيسير فيه على الجاني من

1 البقرة (178) .

2 المصدر السابق.

3 المصدر السابق.

4 المصدر السابق.

5 أخرجه الإمام البخاري موقوفاً. صحيح البخاري مع الفتح 8/24 (التفسير /يا أيها الذين آمنوا كتب عيلكم القصاص..) ،وانظر تفسير ابن عباس 1/57،وتفسير القرآن العظيم 1/216.

6 انظر تفسير القرآن العظيم 1/216.

ص: 766

جهة، وعلى المجني عليه، أو وليه من جهة أخرى.

فأما ما هو في جانب الجاني فهو مشروعية الدية أو المصالحة على ما زاد عنها أو أقل لحفظ أو ما دونها.

وأما ما هو في جانب المجني عليه أو وليه فهو تعويضه - إذا أراد العفو عن القصاص - بما يذهب غيظ نفسه على الجاني1، والله أعلم.

1 انظر أعلام الموقعين 1/122ووسقوط العقوبات في الفقه الإسلامي للدكتور جبر الفضيلات 1/63.

ص: 767

‌الضابط الثاني عشرة: يجبر أحد المشركين على موافقة الآخر إذا كانا محتاجين على رفع مضرّة أو إبقاء منفعة

.

الضابط الثاني عشر: يجبر أحد المشركين على موافقة الآخر إذا كانا محتاجين إلى رفع مضرة أو إبقاء منفعة. ((صياغة))

أورد ابن رجب هذا الضابط بصيغة نحو هذه، وقال: "إنه الصحيح من المذهب1، كما أورد هذا المعنى ابن تيمية، ونسبه إلى الإمام أحمد وأكثر الفقهاء2،وذكر ابن نجيم بعض مسائله في قاعدة ((الضرر لا يزال بالضرر)) 3.

معاني المفردات:

يجبر: يكره يقال: أجبرته على الأمر أي أكرهته عليه4.

المعنى الإجمالي:

قسم بعض العلماء الشركة إلى نوعين شركة أملاك، وشركة عقود5.ولما كان الأصل في شركة الأملاك أن كل واحد من

1 انظر القواعد لابن رجب ص142.

2 انظر: القواعد النورانية ص 170.

3 انظر: الأشباه والنظائر ص 87.

4 الصحاح 2/608 (جبر) .

5 الشركة في اللغة:المقارنة، والخلط. وفي الاصطلاح:شركة الأملاك هي أن يمتلك شخصان أو أكثر عينا من غير عقد الشركة، وتنقسم إلى قسمين: الأول: شركة اختيار وهي التي تنشأ بفعل الشريكين مثل أن يشتريا شيئاً أو يوهب لهما فيقبلا فيصير المال مشتركا بينهما.

الثاني: شركة جبر وهي التي تثبت لشخصين أو أكثر بغير فعلهما كأن يرثا شيئاً فيكون الموروث مشتركاً.

وشركة العقود عرفت بأنها عقد بين المشتركين في الأصل والربح، وعرفت بأنها: عقد يقتضي ثبوت الحق في شيء لاثنين فأكثر على الشيوع وهي على أنواع. انظر: مقاييس اللغة3/265،ولسان العرب7/99 (شرك) ، وبدائع الصنائع 7/3531، وحاشية رد المختار 4/299، والمغني 7/109،والفقه الإسلامي وادلته4/794، والقاموس افقهي ص 195، 340.

ص: 769

الشريكين كالأجنبي في نصيب الآخر لا يجوز له التصرف فيه إلا بإذنه1، أورد الفقهاء هذا الضابط لبيان الحكم في الأملاك المشتركة إذ اختلف الشريكان في التصرف معين يتعلق بالمال الذي يشتركان فيه. فإذا كان هذا التصرف مما يحتاج إليه المال المشترك لجلب مصلحة أو دفع مفسدة عنه وجب - بمقتضى هذا الضبط- على كل واحد من الشريكين موافقة الآخر على ذلك التصرف، وإن

1 انظر: الهداية 3/3.

ص: 770

لم يوافقه فإنه يلزم بذلك من جهة القاضي.

ومما يؤيد أن هذا الضابط إنما هو في حكم شركة الأملاك أمثلة ابن رجب لهذا الضابط، فإنها كلها من هذا النوع.1

وهذا الحكم الذي يتضمنه هذا الضابط مقيد بعدة قيود منها أن يتعين هذا التصرف لدفع الضرر عن المشتركة فلو أمكن دفع دورن إجبار الشريك على هذا التصرف فإنه لا يجبر عليه ولا يلزمه.

ومنها ألا يكون على الشريك - فيما يجبر عليه - زيادة ضرر؛ لئلا يزال الضرر بالضرر2.

الأدلة:

1-

يدل على هذا الضابط حديث: "لا ضرر ولا ضرار" 3 بعمومه؛ فإن امتناع الشريك عن الاستجابة لما ينفع شريكه من غير أن يضره هو نوع من الضرار المنهي عنه بعموم هذا الحديث، وما في معناه4.

1 انظر: القواعد لابن رجب ص 142-147.

2 انظر: المغني 7/46، والقواعد لابن رجب ص 142-147.

3 تقدم تخريجه ص282.

4 انظر: المغني7/45-46، وغمز العيون البصائر 1/280 وجامع العلوم الحكم269-270.

ص: 771

2-

استدل ابن تيمية على وجوب بيع أحد الشريكين نصيبه مع شريكه أو مؤاجرته معه عند تعذر القسيمة بحديث: "من أعتق شركاً له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطي الشركاء حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلاّ فقد عتق عليه ما عتق"1.

ووجه الاستدلال به - على ما ظهر لي - أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب على من أتق نصيبه من عبد مشترك بينه وبين غيره قيمة نصيب شريكه مقدرة بقيمة عدل؛ لأن عدم إلزام بذلك يؤدي إلى تضرر الشريك بنقص قيمة نصيبه؛ إذ ليست قيمة نصيبه في حال كون العبد تام الرق مثلها في حال كونه ناقص الرق2.

1 متفق عليه من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما، واللفظ لمسلم.

صحيح البخاري مع الفتح 5/156-157 (الشركة /تقوم الأشياء بين الشركاء بقيمة العدل) ، وصحيح مسلم مع النووي 10/135، (العتق /الحديث الأول) .

2 هذا ما يظهر لي من جهة استدلال بهذا الحديث. أما عبارة ابن تيمية –رحمه الله – فقد أشكل علي فهم مراده بها حيث قال: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقويم العبد كله وبإعطاء الشريك حصته من القيمة، ومعلوم أن قيمة حصته مفردة دون حصته من القيمة الجميع. فعلم أن حقه في نصف النصف" إلى أن قال: "فإذا كنا قد أوجبنا عليه بيع نصيبه لما في التفريق من نقص قيمة شريكه فلأن يجوز بيع الأمرين جميعاً –إذا كان في تفريقهما ضرر- إلى ".أنظر: القواعد النورانية ص 170.

ص: 772

3-

مشروعية الشفعة؛ فإن من حكمة مشروعية الشفعة دفع الضرر عن الشريك1.

العمل بالضابط:

لقد تضمن كلام ابن رجب عن هذا الضابط قيوداً معتبرة للعمل به وقد تقدمت الإشارة إلى بعض هذه القيود، فمنها: عدم تضرر الشريك مما يراد إجباره عليه، ومنها: تعين ذلك التصرف لدفع الضرر ونحوهما.

والذي يظهر من تتبع بعض المسائل الفقهية التي لها تعلق بهذا الضابط أن كثيراً من الفقهاء يأخذون به. لكن لا على الإطلاق. بل في مسائل معينة تتحقق فيها تلك المصلحة- وهي عدم الإضرار بالطرفين- بحيث يختلف الحكم باختلاف ملابساته.

فقد ذكر ابن نجيم - من الحنفية- بعض المسائل التي يجبر الشريك فيها على فعل ما يدفع الضرر عن العين المشتركة. منها: الحائط المشترك إذا أراد أحد الشريكين نقضه وأبى الآخر، فإن لا يخاف سقوطه لا يجبر، وإن كان بحيث يخاف سقوطه

1 انظر: المغني 7/436، وبداية المجتهد2/193-194، وشرح صحيح مسلم للنووي 11/45، ونيل الأوطار 6/83.

ص: 773

يجبر1.

وقال الخرشي- من المالكية - "وإن كان الحائط بينهما أمر الآبي أن يبني مع صاحبه إن طلب ذلك2".

وقال النووي: "إذا عظم ضرر قسمة العين المشتركة فإن طلبها أحدهما وامتنع الآخر لم يجبر فإن لم يكن به ضرر أجبر"3

وأما ابن قدامة فقد نقل في مسألة ما إذا كان بين الشريكين حائط فانهدم فطلب أحدهما إعادة وأبى الآخر، أحداهما: أنه يجبر وهي أصح الروايتين وعلل ذلك بحصول الضرر بعدم البناء ، والرواية الثانية: أنه لا يجبر وقال:إن هذه الرواية أقوى دليلا وعلل بأنه ملك لا حرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الانفاق عليه كما لو انفرد به

الخ4.

من فروع الضابط:

1-

إذا انهدم الحائط المشترك بين الشريكين، وأراد أحدهما

1 انظر: بحر الرائق 7/29وما بعدها، وغمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر 1/279-280.

2 الخرشي مع حاشية العدوي 6/194. وانظر حاشية الدسوقي3/498.

3 انظر روضة الطالبن 11/203.

4 انظر: المغني 7/45-46.

ص: 774

بناءه أو أراد أحدهما هدم الجدار القائم، وامتنع الآخر أجبر الممتنع على ذلك إذا كان ذلك في مصلحة المال المشترك، ولم يكن على الشريك فيه ضرر1

2-

إذا طلب أحد الشريكين سقي الشجر وامتنع الآخر أجبر الممتنع على السقي2.

وجه التيسير:

يتضح وجه التيسير في هذا الضابط إذا علم أن الأصل المستمر أن لكل مالك أن يتصرف في ملكه بما يشاء. وأن لا يجبر على تصرف فيه. وهذا الضابط يقيد تلك الحرية فيه بعدم الإضرار بالغير وخاصة بالشريك فقد جعل للشريك الحق في إلزام شريكه ببعض التصرفات في ملكهما المشترك إذا كان ذلك التصرف يعود عليه، أو على العين المشتركة بالنفع دون أن يكون فيه إضرار بالطرف الآخر. ففي هذا الضابط خروج عن الأصل؛ مراعاة لأعلى المصلحتين؛ وتحقيقاً لمبدأ عدم التعسف في استعمال الحق.

1 تقدم –قريباً- بيان أقوال الفقهاء فيه.

2 يشير بعض الفقهاء إلى ذلك في باب المساقاة ، ويشير بعضهم إليها في مسألة بيع الثمر بعد صلاح؛ لأنه يكون بين البائع المشتري ما يشبه الشركة. انظر القوانين الفقهية ص240ووالمهذب 1/280-281، والمغني 6/158.

ص: 775

الخاتمة:

الحمد لله على توفيقه وتيسيره، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وبعد:

فإنه يحسن بي – بعد أن أنهيت الكتابة في هذا الموضوع، بعد أن قضيت زمناً غير يسير في جمع مادة العلمية، ثم تنسيقها – أن أدون أبرز ما ظهر لي من نتائج فمن نتائج أهمها يلي:

1) أن القواعد المتضمنة التيسير في غالبها محل اتفاق بين الفقهاء، وأن الخلاف بينهم إنما هو في كيفية تطبيق بعض هذه القواعد أتلك. كما يحصل الاتفاق – أحيانا – على ثبوت الدليل ثم يختلف في الحكم المسنتبط منه.1

2) أن القواعد التيسير مستمد من نصوص الكتاب والسنة وقائمة على أدلة الشرعية هي مجموع الأدلة الدالة على الفروع المندرجة تحتها.

3) أن الشريعة الإسلامية وأحكامها الفقهية قائمة على رفع الحرج

1 انظر: غياث الأمم لإمام الحرمين ص297.

ص: 779

والتيسير على المكلفين وأن هذه هي أحدى خصائص هذه الشريعة المطهرة ومحاسنها.

4) أهمية هذه القواعد في الفقه واندراج كثير من المسائل تحتها. كما ظهر لي من خلال استعراض كتب القواعد الفقهية لاستخلاص المادة العلمية بعض النتائج العامة ومنها:

أ) أن سبب إغفال كثير من المؤلفين في قواعد الفقهية لذكر الأدلة على صحة تلك القواعد هو طريقة استنباطها وهي استقراء الفروع.

ب) أن أولئك العلماء الأجلاء قد بذلوا جهوداً عظيماً في استنباط تلك القواعد من خلال استقراء الفروع، وهي صياغة تلك الصياغات المحكمة، وفي تتبع ما استثني منها من المسائل.

نسأل الله أن يجزيهم عن الدين وأهله خير الجزاء.

وبعد فهذا هو جهد المقل وأسأل الله تعالى أن أكون قد وقفت فيه للصواب كما أسأله تعلى أن يغفر لي ما أخطأت فيه إنه سميع مجيب.

وأوجه رجائي إلى كل من اطلع على هذا العمل أن يستر العيب ويسد الخلل، ويبيدي النصح، وأن يعلم أن هذه هي طبيعة عمل البشر. والله المستعان وعليه التكلان والحمد لله أولاً وآخراً.

ص: 780

‌مصادر ومراجع

نشر الرباحين في تاريخ البلد الأمين.

تأليف عاتق غيث البلادي، الناشر دار مكة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1415هـ.

نصب الراية لأحاديث الهداية.

تأليف أبي محمد يوسف بن عبد الله الزيلعي (ت762هـ) ، ومعه حاشيته بغية الألمعي، الناشر المجلس العلمي/كراتشي، والمكتب الإسلامي/دمشق، الطبعة الثانية 1392هـ.

النعت الأكمل لأصحابالإمام أحمد بن حنبل.

تأليف أبي الفضل محمد بن محمد الغزي (ت1214هـ) ، تحقيق محمد مطيع حافظ، ونزار أباظه، الناشر دار الفكر 1402هـ.

نظرية الضرورة الشرعية.

تأليف د. وهبه الزحيلي، الناشر مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الرابعة 1405هـ.

نهاية الإحكام في بيان ما للنية من الأحكام.

تأليف أحمد بن أحمد بن يوسف الحسيني (ت1332هـ) ، الناشر المطبعة الأميرية/القاهرة 1320هـ.

ص: 351

قائمة المراجع:1

القرآن الكريم.

الآثار.

تأليف أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني (ت 189هـ) ، ويليه الإيثار لابن حجر، الناشر إدارة القرآن والعلوم الإسلامية/كراتشي، الطبعة الأولى/1407هـ.

آداب البحث والمناظرة.

تأليف محمد الأمين الشنقيطي (ت 1393هـ) ، الناشر دار ابن تيمية/ القاهرة.

أبو حنيفة حياته وعصره آراؤه وفقهه.

تأليف الشيخ محمد أبو زهرة (1395هـ) ، الناشر دار الفكر العربي/ الطبعة الثانية.

1 يلاحظ أنه إذا ورد مرجعان أو أكثر قد طبعت معا فإني أكتفي في الثاني، وما بعده بذكر اسم الكتاب، واسم مؤلفه، وأحيل في باقي المعلومات إلى الموضع الأول. وجعلت المخطوط من هذه المراجع، والرسائل غيرالمطبوعة في آخر القائمة.

ص: 783

الإجماع.

تأليف أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (ت 318هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت.

إحكام الأحكام شرع عمدة الأحكام.

تأليف أبي الفتح محمد بن علي القشيري (ابن دقيق العيد)(ت 702هـ) ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الناشر مطبعة السنة المحمدية/ القاهرة، طبعة 1374هـ.

أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية.

تأليف د. عبد الله بن محمد الطريفي، الطبعة الأولى/1404هـ.

أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة.

تأليف عبد المحسن بن محمد المنيف، الطبعة الثانية/ 1410هـ.

أحكام أهل الذمة.

تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ابن قيم الجزية)(ت751هـ) ، تحقيق د. صبحي الصالح، الناشر دار العلم للملايين، الطبعة الثانية 1401هـ.

ص: 784

الأحكام السلطانية والولايات الدينية.

تأليف أبي الحسن علب بن محمد الماوردي (ت 450هـ) الناشر دار الكتب العلمية/بيروت.

الأحكام السلطانية.

تأليف محمد بن الحسين الفراء (القاضي أبي يعلى)(ت 458هـ) ، تصحيح وتعليق محمد حامد الفقي، الناشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الباز، الطبعة الأولى 1356هـ.

إحكام الفصول في أحكام الأصول.

تأليف أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت 474هـ) ، تحقيق د. عبد المجيد تركي، الناشر دار الغرب الإسلامي/بيروت، الطبعة الأوللا 1407هـ.

الإحكام في أصول الأحكام.

تأليف أبي الحسن علي بن أبي علي الآمدي (ت 631هـ) ، تحقيق أحد الأفاضل.

الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام.

تأليف أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 631هـ) ، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية/ طبعة عام 1387هـ.

ص: 785

أحكام القرآن.

تأليف علي بن محمد الطبري (إلكيا الهراس)(ت 504هـ) ، تحقيق موسى محمد علي، ود. عزت علي، الناشر دار الكتب الحديثة/ مصر.

أحكام القرآن.

تأليف أبي بكر أحمد بن علي الرازي (الجصاص)(ت 370هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت.

أحكام القرآن.

تأليف الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ) .

أحكام القرآن.

تأليف أبي بكر محمد بن عبد الله (ابن العربي)(ت 543هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، الناشر دار المعرفة، ودار الجيل/بيروت، طبعة عام 1407هـ.

أحكام النجاسات في الفقه الإسلامي.

تأليف عبد المجيد محمود صلاحين، الناشر دار المجتمع/جدة، الطبعة الأولى 1412هـ.

ص: 786

أحكام الوصايا في الفقه الإسلامي.

تأليف د. علي بن عبد الرحمن الربيعة، الناشر دار اللواء/ الرياض عام 1408هـ.

إحياء علوم الدين.

تأليف أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505هـ) ، قدم له بدوي طبانة، الناشر دار إحياء الكتب العربية.

الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية.

اختارها أبو الحسن علي بن عباس البعلي (ابن اللحام)(ت 803هـ) ، تحقيق محمد حامد الفقي، الناشر مكتبة السنة المحمدية.

الاختيار لتعليل المختار.

تأليف أبي الفضل عبد الله بن محمود الموصلي الحنفي (683هـ) ، نعليق الشيخ محمود أبي دقيقة، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الثالثة 1395هـ.

أدب القاضي.

تأليف أبي العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري (ابن القاصّ)(ت 335هـ) ، تحقيق د. حسين الجبوري، الناشر مكتبة الصديق/الطائف، الطبعة الأولى 1409هـ.

ص: 787

أدب القاضي.

تأليف أبي الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450هـ) ، تحقيق محيي هلال السرحان، الناشر رئاسة ديوان الأوقان بالجمهورية العراقية 1391هـ.

أدب المفتي والمستفتي.

تأليف أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن (ابن الصلاح)(ت 643هـ) ، تحقيق د. موفق عبد الله، الناشر عالك الكتب، الطبعة الأولى 1407هـ.

إدرار الشروق على أنوار الفروق المطبوع مع الفروق.

تأليف أبي القاسم قاسم بن عبد الله الأنصاري (ابن الشاط)(ت 723هـ) ، الناشر عالم الكتب/بيروت.

أدلة التشريع المختلف في الاحتجاج به.

تأليف د. عبد العزيز الربيعة 1406هـ.

إرشاد الفحول إلى تحقيق القح من علم الأصول.

تأليف محمد بن علي الشوكاني (ت 1255هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت.

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل.

تأليف محمد ناصر الدين الألباني (ت1420هـ) ، الناشر، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1399هـ.

ص: 788

الاستدلال عند الأصوليين.

تأليف د. علي العميريني، الناشر مكتبة التوبة/الرياض، الطبعة الأولى 1411هـ.

أسد الغابة في معرفة الصحابة.

تأليف أبي الحسن علي بن محمد الشيباني (ابن الأثير)(ت 630هـ) ، الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت.

الإسعاف بالطلب مخنصر شرح المنهج المنتخب على قواعد المذهب.

تأليف أبي القاسم محمد بن أحمد التواتي، الطبعة الأولى 1395هـ.

الأشباه والنظائر.

تأليف تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771هـ) ، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد عوض، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ.

الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية.

تأليف جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ.

ص: 789

الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان.

تأليف زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم (ت 970هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت 1405هـ.

الأشباه والنظائر.

تأليف محمد بن عمر بن مكي (ابن الوكيل)(ت 716هـ) ، تحقيق د. أحمد ابن محمد العنقري، ود. عادل الشويخ، الناشر مكتبة الرشد/الرياض، الطبعة الأولى 1413هـ.

الإصابة في تمييز الصحابة.

تأليف أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر)(ت 852هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، الناشر دار نهضة مصر/القاهرة.

الأصول التي عليها مدار كتب الحنفية.

تأليف أبي الحسن عبيد الله بن الحسن الكرخي (ت 340هـ) ، المطبوع مع تأسيس النظر، تحقيق مصطفى الدمشقي، الناشر دار ابن زيدون/بيروت.

أصول الفقه الإسلامي.

تأليف د. وهبة الزحيلي، الناشر دار الفكر/دمشق، الطبعة الأولى 1406هـ.

ص: 790

أصول مذهب الإمام أحمد.

تأليف د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر مكتبة الرياض الحديثة/الرياض، الطبعة الثانية 1397هـ.

الأصول والضوابط.

تأليف أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت 676هـ) ، تحقيق د. محمد حسن هيتو، الناشر دار البشائر الإسلامية/بيروت، الطبعة الثانية 1409هـ.

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.

تأليف مجمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي (ت 1393هـ) ، طبعة عام 1386هـ. وكذلك الجزء العاشر الملحق به في طبعة عالم الكتب/بيروت، وفيه ترجمة المؤلف كتبها تلميذه عطية بن محمد سالم.

الاعتصام.

تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت 790هـ) ، الناشر المكتبة الفيصلية/مكة المكرمة.

الأعلام.

تأليف خير الدين الزركلي، الناشر دار العلم للملايين/بيروت، الطبعة الثامنة 1989م.

ص: 791

أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري.

تأليف أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي (ت 388هـ) ، تحقيق د. محمد بن سعد آل سعود، الناشر مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1409هـ.

إعلام الساجد بأحكام المساجد.

تأليف محمد بن بهادُر الزركشي (ت 794هـ) تحقيق أبي الوفاء المراغي، الناشر لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، الطبعة الثانية 1403هـ.

أعلام الموقعين عن رب العالمين.

تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ابن القيم الجوزية)(ت 751هـ) ، مراجعة وتعليق طه عبد الرؤوف يعد، الناشرمكتبة الكليات الأزهرية 1388هـ.

أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية.

تأليف د. محمد العروسي عبد القادر، الناشر دار المجتمع/جدة، الطبعة الأولى 1404هـ.

الإكراه وأثره في التصرفات.

تأليف د. عيسى زكي شقره، الناشر مكتبة المنار الإسلامية/الكويت، الطبعة الأولى 1406هـ.

ص: 792

الأم.

تأليف الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ) . كتاب الشعب.

الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة.

تأليف عبد الله بن عمر الدميجي، الناشر دار طيبة/الرياض، الطبعة الأولى 1407هـ.

الأمنية في إدراك النية.

تأليف أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684هـ) . الناشر دار الكتب العلمية/بيروت.

الأموال.

تأليف حميد بن زنجويه (ت 251هـ) ، تحقيق د. شاكر ذيب فياض، الناشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية/ الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ.

الأموال.

تأليف أبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224هـ) ، تحقيق محمد خليل هراس، الناشر، مكتبة الكليات الأزهرية/ القاهرة 1388هـ.

ص: 793

إنباء الغمر بأبناء العمر.

تأليف أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر)(ت 852هـ) ، تحقيق حسن حبشي، الناشر المجلس الأعلى للسئون الإسلامية بمصر 1392هـ.

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف.

تأليف أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت 885هـ) ، تصحيح محمد حامد فقي، الناشر مطبعة السنة المحمدية/القاهرة، الطبعة الأولى 1374هـ.

الأنكحة الفاسدة.

تأليف عبد الرحمن بن عبد الرحمن الأهدل، الناشر المكتبة الدولية/الرياض 1403هـ.

أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء.

تأليف قاسم القونوي (ت 978هـ) ، تحقيق د. أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي الناشر دار الوفاء/جدة، الطبعة الأولىهـ.)

الإيضاح في علوم البلاغة.

تأليف أبي المعالي محمد بن عبد الرحمن القزويني (ت 739هـ) ، شرح وتعليق د. محمد عبد المنعم خفاجة، الناشر دار الكتاب اللبناني، الطبعة السادسة 1405هـ

ص: 794

الإيضاح لقوانين الاصطلاح في الحدل الأصولي الفقهي.

تأليف أبي محمد يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي (ت 656هـ) ، تحقيق د. فهد السدحان، الناشر مكتبة العبيكان/الرياض، الطبعة الأولى 1412هـ.

إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك.

تأليف أبي العباس أحمد بن يحي الونشريسي (ت 914هـ) ، تحقيق أحمد بوطاهر الخطابي، الناشر صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين المغرب والإمارات العربية 1400هـ.

الإيمان.

تأليف أبي العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني (ابن تيمية)(ت 728هـ) الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ.

البحر الرائق شرح كنز الدقائق.

تأليف زين الدين بن إبراهيم بن نجيم (ت 970) ، بهامشه حاشية منحة الخالق لابن عابدين، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الثانية.

البحر المحيط.

تأليف أبي عبد الله محمد بن يوسف بن حيان (ت 754هـ) وبهامشه تفسيران آخران، الناشر مكتبة ومطابع النصر الحديثة/الرياض.

ص: 795

البحر المحيط في أصول الفقه.

تأليف محمد بن بهادُر الزركشي (ت 794هـ) ، تحرير عبد القادر العاني، ومراجعة د. عمر الأشقر، الناشر وزارة الأوقاف والشئون بالكويت، الطبعة الأولى 1409هـ.

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع.

تأليف أبي بكر بن مسعود الكاساني (ت 587هـ)، تخريج الأحاديث: أحمد مختار عثمان، الناشر دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية.

بدائع الفوائد.

تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ابن القيم الجوزية)(ت 751هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت.

بداية المجتهد ونهاية المقتصد.

تأليف أبي الوليد محمد بن أحمد القرطبي (ابن رشد الخفيد)(ت 595هـ) الناشر دار الفكر/بيروت.

البداية والنهاية.

تأليف أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القيسي (774هـ) ، الناشر مطبعة السعادة/مصر.

ص: 796

البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع.

تأليف محمد بن علي الشوكاني (ت1255هـ) الناشر الشيخ معروف باسندوه، الطبعة الأولى 1348هـ.

بذل المجهود في حل أبي داود.

تأليف خليل بن أحمد السهارنفوري (ت 1346هـ) ، الناشر مطبعة السعادة، الطبعة الثالثة 1393هـ.

البرهان.

تأليف أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (إمام الحرمين)(ت 478هـ) ، تحقيق د. عبد العظيم الديب، الطبعة الأولى 1399هـ.

بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس.

تأليف أحمد بن يحي الضبي (599هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي.

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة.

تأليف جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت911هـ) ، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، الناشر مطبعة عيسى البابي، الطبعة الأولى 1384هـ.

ص: 797

بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك.

تأليف أحمد الصاوي (ت 1241هـ) ، وبهامشه الشرح الصغير، النشر مطبعة مصطفى البابي، طبعة عام 1372هـ.

البناية في شرح الهداية.

تأليف أبي محمد محمود بن أحمد العيني (ت 855هـ) ، تصحيح ناصر الإسلام الرامفوري، الناشر دار الفكر/بيروت، الطبعة الأولى 1400هـ.

البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل مستخرجة.

تأليف أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد (الجد)(ت520هـ) ، تحقيق محمد حجي، الناشر دار الغرب الإسلامي/بيروت 1404هـ.

تاج التراجم في طبقات الحنفية.

تأليف زين الدين قاسم بن قطلبوغا (ت 879هـ) ، الناش مكتبة المثنى/بغداد، طبعة عام 1962م.

تاج العروس من جواهر القاموس.

تأليف أبي الفيض محمد بت محمد الحسيني (السيد مرتضى الزبيدي)(ت1205هـ) ، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، وآخرين، الناشر وزارة الإرشاد والأنبياء بالكويت/1385هـ.

ص: 798

التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول.

تأليف أبي الطيب صديق بن حسن الحسيني (ت 1307هـ) ، تصحيح وتعليق عبد الحكيم شرف الدين، الناشر شرف الدين الكتبي/بمباي، المطبعة الهندية العربية 1383هـ.

تاريخ المدينة المنورة.

تأليف عمر بن شبّة النمري (ت 262هـ) تحقيق فهيم محمد شلتوت.

تأسيس النظر.

تأليف أبي زيد عبيد الله بن عمرب الدبوسي (ت 430هـ)[راجع أصول الكرخي] .

تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام.

تأليف أبي الوفاء إبراهيم بن علي اليعمري (ابن فرحون المالكي)(ت 799هـ) ، مطبوع بهامش فتح العلي المالك، الناشر مكتبة مصطفى البابي 1378هـ.

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق.

تأليف عثمان بن علي الزيلعي (ت 743هـ) ، وبهامشه حاشية الشيخ الحلبي، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الثانية.

ص: 799

تحرير ألفاظ التنبيه، أو لغة الفقهاء.

تأليف أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت 676هـ) ، تحقيق عبد الغني الدقر، الناشر دار القلم/دمشق، الطبعة الأولى 1408هـ.

تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي.

تأليف أبي العلي محمد بن عبد الرحمن المباركفوري (ت1353هـ) ، مراجعة عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة النبوية، الطبعة الثالثة.

تحفة الفقهاء.

تأليف علاء الدين السمرقندي (ت 539هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.

تحفة المحتاج بشرح المنهاج.

تأليف أبي العباس أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي (ت 974هـ) ، وبهامشه حاشية عمر البصري.

ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك.

تأليف القاضي عياض اليحصبي (ت 544هـ) ، تحقيق د. أحمد بكير محمود، الناشر دار مكتبة الحياة/بيروت، ودار مكتبة الفكر/ليبيا، طبعة عام 1387هـ.

ص: 800

ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.

تأليف عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس، الناشر دار الهجرة/الرياض، الطبعة الأولى 1412هـ.

تسهيل المسالك إلى هداية السالك إلى مذهب الإمام مالك.

تأليف الشيخ عبد الحميد بن مبارك آل مبارك، الناشر مكتبة الإمام الشافعي/الرياض، الطبعة الأولى 1416هـ.

التعريفات.

تأليف الشريف علي بن محمد الجرجاني (ت 816هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ.

التعزير في الشريعة الإسلامية.

تأليف عبد العزيز عامر، الناشر دار الفكر العربي، الطبعة الخامسة 1396هـ.

التعليقات السنية المطبوع بهامش الفوائد البهية.

تأليف أبي الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوي (ت 1304هـ) ، الناشر مطبعة السعادة/مصر، الطبعة الأولى 1324هـ.

ص: 801

تعليل الأحكام.

تأليف محجمد مصطفى شلبي، الناشر دار النهضة العربية/بيروت، طبعة عام 1401هـ.

تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة.

تأليف د. عبد العزيز الحميدي، الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى/مكة المكرمة.

تفسير القرآن العظيم.

تأليف أبي الفداء إسماعيل بن كثير القيسي (ت 474هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الثانية 1408هـ.

التفسير الكبير.

تأليف أبي عبد الله محمد بن عمر الرازي (ت 606هـ) ، الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت، الطبعة الثالثة.

تقريب التهذيب.

تأليف أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر)(ت 852هـ) ، الناشر دار الكتب الإسلامية/باكستان.

تقريب الوصول إلى علم الأصول.

تأليف أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي (ت 741هـ) ، تحقيق محمد علي فركوس، الناشر دار التراث الإسلامي/الجزائر، الطبعة 1401هـ.

ص: 802

التقرير والتحبير شرح التحرير.،

تأليف محمد بن محمد (ابن أمير الحاج)(ت 879هـ) ، بالهامش شرح الأسنوي المسمى نهاية السول، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الثامية 1403هـ.

تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير.

تأليف أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر)(ت 852هـ) ، تصحيح عبد الله هاشم اليماني، الناشر شركة الطباعة الفنية المتحدة/القاهرة 1384هـ.

التلويح على التوضيح شرح متن التنقيح في أصول الفقه.

تأليف سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (ت 792هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت.

التمهيد في أصول الفقه.

تأليف أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني (ت 510هـ) ، تحقيق محمد بن علي إبراهيم، ود. مفيد أبو عمشة، الناشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1406هـ.

ص: 803

التنبيه في فقه الشافعي.

تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (ت 476هـ) ، إعداد عماد الدين أحمد حيدر، الناشر عالم الكتب، الطبعة الأولى 1403÷ـ.

تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية.

تأليف محمد بن علي بن حسين المالكي، بهامش الفروق، الناشر عالم الكتب/بيروت.

توشيح الديباج وحلية الابتهاج.

تأليف بدر الدين محمد بن يحي القرافي (ت 946هـ) ، تحقيق أحمد الشتيوي، الناشر دار الغرب الإسلامي/بيروت الطبعة الأولى 1403هـ.

توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار.

تأليف محمد بن إسماعيل الصنعاني (1182هـ) ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى 1366هـ.

تيسير التحرير شرح كتاب التحرير.

تأليف محمد أمين بن محمود البخاري (أمير بادشاه)(ت 972هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت.

ص: 804

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.

تأليف عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت1376هـ) ، إهداء الجامعة الإسلامية مؤسسة مكة للطباعة 1398هـ.

الثقات.

تأليف أبي حاتم محمد بن حبان البستي (ت 354هـ) ، الناشر مؤسسة الكتب الثقافية، عن الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية/حيدر آباد الدكن 1393هـ.

جامع البيان في تفسير القرآن.

تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الثالثة 1398هـ.

جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم.

تأليف أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد البغدادي (ابن رجب)(ت 795هـ) ، الناشر مؤسسة الكتب الثقافية.

جامع الفصولين.

تأليف محمود بن إسرائيل (ابن قاضي سماونه) ، وبهامشه حواشي خير الدين الرملي، الناشر المطبعة الكبرى الميرية/مصر، الطبعة الأولى 1300هـ.

ص: 805

الجامع لأحكام القرآن.

تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671هـ) ، الناشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثالثة 1987م.

جامع النقول في أسباب النزول وشرح آياتها.

تأليف عليوي خليفة عليوي، مطابع الإشعاع/الرياض، الطبعة الأولى 1404هـ.

الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي.

تأليف الشيخ محمد أبو زهرة (ت 1395هـ) ، الناشر دار الفكر العربي.

الجواهر المضية في طبقات الحنفية.

تأليف أبي محمد عبد القادر بن محمد الحنفي (775هـ) ، تحقيق د. عبد الفتاح الحلو، الناشر مطبعة عيسى البابي 1398هـ.

الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب الإمام أحمد.

تأليف يوسف بن الحسن بن عبد الهادي (ابن المبرد)(ت 909هـ) تحقيق د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الناشر مكتبة الخانجي/القاهرة.

ص: 806

حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع.

تأليف عبد الرحمن بن جاد الله البناني المالكي (ت 1189هـ) الناشر دار الفكر/بيروت.

حاشية التفتازاني على مختصر المنتهى الأصولي.

تأليف مسعود بن عمر التفتازاني (سعد الدين)(ت 791هـ) ، ومعها حاشية السيد الجرجاني، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ.

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير.

تأليف محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي (ت 1230هـ) ، الناشر دار إحياء الكتب العربية.

حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة.

تأليف محمد أمين بن عمر الدمشقي (ابن عابدين)(ت 1252هـ) ، تكملتها قرة عيون الأخيار، تأليف نجل المؤلف محمد علاء الدين (ت 1306هـ) ، الناشر دار الفكر 1393هـ، الطبعة الثانية 1386هـ.

ص: 807

حاشية السندي على سنن النسائي.

تأليف أبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي (ت 1138هـ) ، ومعها شرح السيوطي، باعتناء عبد الفتاح أبو غدة، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية/حلب، الطبعة الثالثة 1409هـ.

حاشية العدوي على (كفاية الطالب الرباني) ، شرح أبي الحسن لرسالة أبي زيد القيرواني في مذهب الإمام مالك.

تأليف علي بن أحمد العدوي (ت 1189هـ) ، الناشر دار إحياء الكتب العربية.

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة.

تأليف جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911هـ)، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، الناشر دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1967هـ.

الحقوق المتعلقة بالتركة في الفقه الإسلامي.

تأليف د. يوسف قاسم، الناشر دار النهضة العربية/القاهرة 1399هـ.

الخراج.

تأليف القاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت 182هـ) ، تحقيق د. محمد إبراهيم البنا، الناشر دار الإصلاح/القاهرة.

ص: 808

الخرشي على مختصر خليل (شرح الخرشي) .

تأليف محمد بن عبد الله الخرشي المالكي (1101هـ) وبهامشه حاشية العدوي، الناشر دار الكتاب الإسلامي.

الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.

تأليف أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر)(ت 852هـ) تحقيق: محمد سيد جاد الحق، الناشر دار الكتب الحديثة/مصر، الطبعة الثانية 1385هـ.

الدر المختار على حاشية رد المحتار.

تأليف محمد بن علي الحصكفي (علاء الدين)(ت 1088هـ) ، [راجع حاشية رد المحتار] .

دليل حصر الكفاءات العلمية السعودية من حملة الماجستير (الجزء الثاني) .

إعداد وزارة التعليم العالي/الإدارة العامة لتطوير التعليم العالي، 1405-1406هـ.

دليل الرسائل الجامعية في المملكة العربية السعودية.

إعداد الدكتور زيد بن عبد المحسن آل حسين، الناشر مركز الملك فيصل/الرياض، الطبعة الثانية 1415هـ.

ص: 809

الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب.

تأليف أبي القاسم إبراهيم بن علي اليعمري (ابن فرحون المالكي)(ت 799هـ)، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، الناشر دار التراث/القاهرة.

الدية وأحكامها في الشريعة الإسلامية والقانون.

تأليف: د. خالد رشد الجميلي، الناشر مطبعة دار السلام/بغداد 1975م.

الذخيرة.

تأليف أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684هـ) ، الناشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، الطبعة الثانية 1402هـ.

الذيل على طبقات الحنابلة.

تأليف أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي (ابن رجب الحنبلي)(ت 795هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت.

الرسالة.

تأليف محمدج بن إدريس الشافعي (ت 204هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر مكتبة دار التراث/القاهرة، الطبعة الثانية 1399هـ.

ص: 810

رسالة في القواعد الفقهية.

تأليف عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376هـ) ، الناشر مكتبة ابن الجوزي/الدمام، طبعة عام 1410هـ.

رسالة نشر العَرف في بناء بعض الأحكام على العرُف.

تأليف محمد أمين بن همر الدمشقي (ابن عابدين)(ت 1252هـ) ، ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 2/ص114-147.

رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ضوابطه وتطبيقاته.

تأليف د. صالح بن عبد الله بن حميد، الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1403هـ.

روضة الطالبين.

تأليف أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت 676هـ) ، الناشر المكتب الإسلامي/مدشق.

روضة الناظر وجنة المناظر.

تأليف أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 620هـ) ، ومعها شرحها نزهة الخاطر العاطر، الناشر مكتبة المعارف/الرياض، الطبعة الثانية 1404هـ. وكذلك طبعة مكتبة الرشد، بتحقيق د. عبد الكريم النملة، الطبعة الأولى 1413هـ.

ص: 811

روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني.

تأليف أبي الفضل محمود الألوسي البغدادي (ت 1270هـ) ، الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت.

زاد المستقنع في اختصار المقنع.

تأليف موسى بن أحمد الحجاوي (ت 968هـ) ، مع حاشيته الروض المربع، الناشر مكتبة الرياض الحديثة.

السبب عند الأصوليين.

تأليف د. عبد العزيز بن عبد الرحمن الربيعة، الناشر لجنة البحوث والنشر في جامعة الإمام محمد سعود الإسلامية/الرياض، طبعة عام 1399هـ.

سبل السلام شرح بلوغ المرام.

تأليف محمد بن إسماعيل الكحلاني (الأمير)(ت 1182هـ) ، الناشر دار الفكر.

سد الذرائع في الشريعة الإسلامية.

تأليف محمد هشام البرهاني، الناشر مطبعة الريحاني/بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ.

سراج السالك شرح أسهل المسالك.

تأليف عثمان بن حسين الجعلي المالكي، الناشر مكتبة مصطفى البابي الحلبي/مصر.

ص: 812

سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي.

تأليف د. جبر محمود الفضيلات، حقق أحاديثه أحمد خليفة الناشر دار عثمان/الأردن، الطبعة الأولى 1408هـ.

سلسلة الأحاديث الضعيفة وشيء من فقهها.

تأليف محمد ناصر الدين الألباني، الناشر المكتب الإسلامي/دمشق.

سلم الوصول لشرح نهاية السول.

تأليف محمد بخيت المطيعي (ت 1354هـ) مع نهاية السول للإسنوي، الناشر عالم الكتب.

السماع.

تأليف محمد بن طاهر الأندلسي (لبن القيسراني)(ت 507هـ) ، تحقيق أبي الوفاء المراغي، الناشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالجمهورية العربية المتحدة، لجنة إحياء التراث الإسلامي 1390هـ.

سنن الترمذي.

تأليف الإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279هـ) ، مع تحفة الأحوذي [راجع تحفة الأحوذي] .

ص: 813

سنن الدارقطني.

تأليف أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385هـ) ، وبذيله التعليق المغني على الدارقطني، عني بتصحيحه وتحقيقه ونشره السيد عبد الله هاشم يماني المدني 1386هـ.

سنن أبي داود.

تأليف أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275هـ) ، مع عون المعبود للعظيم آبادي، وشرح ابن القيم، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ.

السنن الكبرى.

تأليف أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ) ، وبذيله الجوهر النقي، الناشر دار المعرفة/بيروت، ومصور عن الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند 1344هـ.

سنن ابن ماحه.

تأليف أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ابن ماجه)(ت 275هـ) ، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر المكتبة العلمية/بيروت.

ص: 814

سنن النسائي.

تأليف أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) ، مع شرح السيوطي وحاشية السندي [راجع حاشية السندي] .

سير أعلام النبلاء.

تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت 748هـ) ، تحقيق شعيب الأرنؤوطوآخرين، الناشر مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1401هـ.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية.

تأليف محمد بن محمد مخلوف (ت 1360هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت، طبعة جديدة عن الطبعة الأولى 1349هـ.

شذرات الذهب في أخبار من ذهب.

تأليف أبي الفتح عبد الحي بن عماد الحنبلي (ت 1089هـ) ، الناشر المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع/بيروت.

شذا العَرف في فت الصرف.

تأليف أحمد الحملاوي (ت 1351هـ) ، الناشر مطبعة دار الكتب المصرية/القاهرة، الطبعة الخامسة 1345هـ.

ص: 815

شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول.

تأليف أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684هـ)، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية/القاهرة، ودار الفكر/دمشق، الطبعة الأولى 1393هـ.

شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك.

تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني (ت 1122هـ) ، الناشر شركة ومكتبة مصطفى البابي الحلبي/مصر.

شرح السراجية في الفغرائض.

تأليف علي بن محمد الجرجاني (السيد الشريف)(ت 816هـ) ، الناشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالعراق 1399هـ.

شرح السنة.

تأليف أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت 510هـ) ، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ومحمد زهير الشاويش، الناشر المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1390هـ.

ص: 816

شرح السير الكبير.

تأليف أبي بكر محمد بن أحمد بن سهل السرخسي (ت 483هـ) تحقيق د. صلاح الدين المنجد، الناشر معهد المخطوطات الدول العربية 1971م.

الشرح الصغير.

تأليف أحمد الدردير على مختصره المسمى (أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك)(ت 1201هـ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر مكتبة محمد علي صبيح/القاهرة، الطبعة الثانية 1391هـ.

شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك.

تأليف عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الهاشمي (ابن عقيل)(ت 769هـ) ، ومهع منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل لمحمد محي الدين عبد الحميد، الناشر المكتبة التجارية الكبرى/مصر، الطبعة الخامسة 1386هـ.

شرح القواعد الفقهية.

تأليف أحمد بن محمد الزرقاء (ت 1357هـ) ، مراجعة عبد الستار أبي غدة، الناشر دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1403هـ.

ص: 817

شرح ابن القيم على سنن أبي داود.

تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ابن القيم)(ت 751هت)[راجع سنن أبي داود] .

الشرح الكبير.

تأليف أحمد بن محمد العدوي (الدردير)(ت 1201هـ) ، ومعه حاشية الدسوقي، [راجع حاشية الدسوقي] .

شرح الكوكب المنير.

تأليف أبي الوفاء محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي (ابن النجار)(ت 972هـ) تحقيق د. محمد الزحيلي، د. نزيه حماد، الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، الطكبعة الأولى 1408هـ.

شرح المجلة.

تأليف سليم رستم باز اللبناني، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الثالثة.

شرح مختصر الروضة.

تأليف الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي (ت 716هـ) تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1407هـ.

ص: 818

شرح النووي على صحيح مسلم.

تأليف أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت 676هـ) مع الصحيح، الناشر المطبعة المصرية بالأزهر.

شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (شرح سنن النسائي) .

تأليف الشيخ محمد المختار بن محمد الشنقيطي، الناشر مطبعة المدني السعودية/القاهرة، الطبعة الأولى 1410هـ.

الشيخ ابن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة.

تأليف عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد، الناشر مكتبة الرشد/الرياض.

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية.

تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الناشر دار العلم للملايين/بيروت، الطبعة الثالثة 1404هـ،.

الصحاح في الغة والعلوم. معجم وسيط، تجديد لصحاح الجوهري.

إعداد نديم وأسامة مرعشلي، الناشر دار الحضارة العربية/بيروت، الطبعة الأولى 1975م.

ص: 819

صحيح البخاري (الجامع الصحيح) .

تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ومعه شرحه فتح الباري، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر دار الريان للتراث/القاهرة، الطبعة الثانية 1409هـ.

صحيح سنن الترمذي.

تأليف محجمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ) ، تعليق وغهرسة زهير شاويش، الناشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الطبعة الأولى 1408هـ.

صحيح سنن أبي داود.

تأليف محجمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ) ، تعليق وغهرسة زهير شاويش، الناشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الطبعة الأولى 1409هـ.

صحيح سنن ابن ماجه.

تأليف محجمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ) ، تعليق وغهرسة زهير شاويش، الناشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الطبعة الأولى 1409هـ.

ص: 820

صحيح مسلم (الجامع الصحيح) .

تأليف أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (ت 260هـ) ، ومعه شرح النووي، (راجع شرح النووي) .

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع.

تأليف أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) ، الناشر دار مكتبة الحياة/بيروت.

ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية.

تأليف محمد سعيد رمضان البوطي، الناشر مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الخامسة 1406هـ.

طبقات الشافعية.

تأليف جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي (ت 772هـ)، تحقيق: عبد الله الجبوري، الناشررئاسة ديوان الأوقاف بالجمهورية العراقية، الطبعة الأولى 1390هـ.

1406هـ.

طبقات الشافعية. الكبرى.

تأليف نصر عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771هـ) ، تحقيق عبد الفتاح الحلو، ومحمودالطناحي، الناشر مطبعة عيسى البابي الحلبي، الطبعة الأولى 1383هـ.

ص: 821

الطبقات الكبرى.

تأليف أبي عبد الله محمد بن سعد البصري (ابن سعد)(ت 230هـ) ، الناشر دار صادر/بيروت، ودار بيروت 0380هـ.

طبقات المفسرين.

تأليف محمد بن علي بن أحمد الداودي (ت 945هـ)، تحقيق: علي محمد عمر الناشر مكتبة وهبة/مصر، الطبعة الأولى 1392هـ.

طرح التثريب في شرح التقريب.

تأليف أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806هـ) ن وولده أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي (ت 826هـ) ، الناشر دار المعارف/حلب.

الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.

تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ابن القيم)(ت 751هـ) تحقيق: محمد جميل غازي، الناشر دار المدني للطباعة/جدة.

طريق الرشد إلى تخريج أحاديث بداية ابن رشد.

تأليف الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل عبد اللطيف (ت 1416هـ) ، الناشر مركز شئون الدعوة بالجامعة الإسلامية، الطبعة الثانية.

ص: 822

عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي.

تأليف أبي بكر محمد بن عبد الله المعافري (ابن العربي)(ت 453هـ) ، الناشر دار العلم للجميع.

العبودية.

تأليف أبي العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني (ابن تيمية)(ت 728) الناشر مطبعة المدني/القاهرة 1398هـ.

عدة البروق في جمع مافي المذهب من الجموع والفروق.

تأليف أبي العباس أحمد بن يحي الونشريسي (ت 914هـ)، تحقيق: حمزة أبو فارس، الناشر دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1410هـ.

العدة في أصول الفقه.

تأليف القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء (ت 458هـ)، تحقيق: د. أحمد ابن علي المباركي الناشر مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الأولى 1400هـ.

العذب الفائض شرح عمدة الفارض.

تأليف إبراهيم بن عبد الله الفرضي، الناشر دار الفكر/بيروت، الطبعةالثانية 1394هـ.

ص: 823

العرف وأثره في الشريعة الإسلامية.

تأليف د. أحمد بن علي المباركي، الطبعة الأولى 1412هـ.

على طريق الهجرة (رحلات في قلب الحجاز)

تأليف عاتق بن غيث البلادي، الناشر دار مكة للنشر والتوزيع.

علم القضاء.

تأليف د. أحمد الحصري، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية/القاهرة 1397هـ.

علماء نجد خلال ستة قرون.

تأليف الشيخ عبد الله بن عبد العزيز البسام، الناشر مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة/مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1398هـ.

علماء ومفكرون عرفتهم.

تأليف محمد المجذوب، الناشر دار الشواف/الرياض، الطبعة الرابعة.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري.

تأليف أبي محمد محمود بن أحمد العيني (ت855هـ) ، تصحيح وتعليق جماعة من العلماء، الناشر دار الفكر/بيروت.

ص: 824

عوارض الأهلية عند الأصوليين.

تأليف د. حسين بن خلف الجبوري، الناشر معهد البحوث العلملية بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1408هـ.

عون المعبود شرح سنن أبي داود.

تأليف محمد أشرف بن أمير العظيم آبادي1) ت بعد 1323هـ) [راجع سنن أبي داود] .

غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم.

تأليف أحمد بن محمد الحموي (ت 1098هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.

غياث الأمم في التياث الظلم.

تأليف أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (ت 478هـ) ، تحقيق عبد العظيم الديب، الناشر مطبعة نهضة مصر، الطبعة الثانية 1401هـ.

1 المثبت على غلاف عدد من طبعات هذا الكتاب أنه لأبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي، والذي وجدته في مقدمة هذا الكتاب هو ما أثبته، وأما شمس الحق فله شرح آخر، وهذا ما ذكره عمر رضا كحالة أيضا. انظر: مقدمة عون المعبود 1/3، ومعجم المؤلفين 9/63، 10/72.

ص: 825

فتح الباري بشرح صحيح البخاري.

تأليف أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر)(ت 852هـ) . [راجع صحيح البخاري] .

الفتح الرباني.

تأليف أحمد عبد الرحمن البنا (الساعاتي) ، ومعه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني للمؤلف نفسه، الطبعة الأولى.

فتح القدير.

تأليف محمد بن عبد الواحد السيواسي (ابن الهمام)(ت681هـ) ، وتكملته نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار.

تأليف شمس الدين أحمد بن قورد (قاضي زاده) ، الناشر شركة مصطفى البابي، الطبعة الأولى 1389هـ.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير.

تأليف محمد بن علي الشوكاني (ت 1255هـ) ، الناشر دار الفكر/بيروت.

ص: 826

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.

تأليف الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت1285هـ) ، وتعليق وموراجعة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الناشر دار أولي النهى.

الفرائد البهية في القواعد والفوائد الفقهية.

تأليف محمود حمزة الحسيني (ت 1305هـ) ، الناشر دار الفكر، الطبعة الأولى 1406هـ.

فرائد الفوائد في اختلاف القولين امجتهد واحد.

تأليف محمد بن إبراهيم المناوي السلمي (ت 746هـ) ، الناشر دار الصحابة للتراث/طنطا، الطبعة الأولى 1412هـ.

الفروع في الفقه الحنبلي.

تأليف شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي (ت 763هـ) ، ومعه تصحيح الفروع للمرداوي، الناشر دار مصر للطباعة/القاهرة، الطبعة الثانية 1379هـ.

الفروق (أنوار البروق في أنواء الفروق) .

تأليف أبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي (القرافي)(ت 684هـ) ، [راجع تهذيب الفروق] .

ص: 827

الفروق في اللغة.

تأليف أبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري (ت 395هـ) ، الناشر دار الآفاق الجديدة/بيروت، الطبعة الأولى 1393هـ.

الفقه الإسلامي وأدلته.

تأليف د. وهبه الزحيلي، الناشر دار الفكر/دمشق، الطبعة الثالثة 1409هـ.

فقه الزكاة.

تأليف يوسف القرضاوي، الناشر دار الإرشاد/بيروت، الطبعة الأولى 1389هـ.

فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات.

تأليف عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، باعتناء د. إحسان عباس، الناشر دار الغرب الإسلامي/بيروت، الطبعة الثانية 1402هـ.

فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت.

تأليف عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري، مع المستصفى للغزالي، الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت.

ص: 828

الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني.

تأليف الشيخ أحمد بن غنيم النفراوي المالكي (ت 1215هـ) ، الناشر دار الفكر/بيروت.

الفوائد البهية في تراجم الحنفية.

تأليف أبي الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوي، ومعه التعليقات السنية [راجع التعليقات السنية] .

الفوائد الجنية حاشية المواهب السنية.

تأليف أبي الفيض محمد بن ياسين الفاداني (ت 1410هـ) ، الناشر دار البشائر الإسلامية/بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ.

فيض الباري على صحيح البخاري.

تأليف محمد أنور الكشميري (ت 1352هـ) ، ومعه حاشية البدر الساري لمحمد بدر الميرتهي، الناشر دار المعرفة/بيروت.

القاعدة الكلية إعمال الكلام أولى من إهماله وأثرها في الأصول.

تأليف محمود مصطفى هرموش، الناشر المؤسسة الجامعية/بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ.

ص: 829

القاموس الفقهي لغة واصطلاحا.

تأليف سعدي أبو حبيب، الناشر دار الفكر/دمشق، الطبعة الأولى 1402هـ.

القاموس المحيط.

تأليف أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817هـ) ، الناشر دار الفكر/بيروت.1318هـ.

القضاء ونظامه في الكتاب والسنة.

تأليف د. عبد الرحمن إبراهيم الحميصي، الناشر معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1409هـ.

القواعد.

تأليف أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (ت 795هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت.

القواعد.

تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد المقري (ت 758هـ) ، تحقيق د. أحمد بن عبد الله بن حميد، الناشر مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى/مكة المكرمة.

ص: 830

قواعد الأحكام في مصالح الأنام.

تأليف أبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (ت 660هـ) ، ومراجعة طه عبد الارؤوف سعد، الناشر دار الجيل/بيروت، الطبعة الثانية 1400هـ.

القواعد الفقهية.

تأليف محمد عميم الإحسان المجدي، ضمن مجموع (قواعد الفقه) ، الناشر لجنة النقابة والنشر/باكستان 1407هـ.

القواعد الفقهية.

تأليف علي بن أحمد الندوي، الناشر دار القلم/دمشق، الطبعة الأولى 1407هـ.

القواعد النورانية الفقهية.

تأليف أبي العباس أحمد بن عبد الحليم الحرّاني (ابن تيمية)(ت 728هـ) ، تحقيق محمد حامد الفقي، الناشر دار الندوة الجديدة/بيروت.

القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة.

تأليف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376هـ) ، الناشر مكتبة الإمام الشافعي/الرياض، الطبعة الثانية.

ص: 831

القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير للحصيري.

جمع علي بن أحمد الندوي، الناشر مطبعة المدني/القاهرة الطبعو الأولى 1411هـ.

القواعد والفوائد.

تأليف أبي عبد الله محمد بن مكي العاملي (الشهيد الأول)(ت 786هـ) ، تحقيق د. عبد الهادي الحكيم، الناشر جمعية منتدى النشر/النجف.

القواعد والفوائد الأصولية.

تأليف أبي الحسن علي بن عباس البعلي (ابن اللحام)(ت 803هـ) ، تحقيق محمد حامد الفقي، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ..

القوانين الفقهية.

تأليف أبي القاسم محمد بن أحمد الكلبي (ابن جزي)(ت 741هـ) ، الناشر دار الفكر.

قيود الملكية الخاصة.

تأليف عبد الله بن عبد العزيز المصلح، الناشر مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ.

ص: 832

الكافي في فقه أهل المدينة المالكي.

تأليف أبي عمر يوسف بن عبد الله النمري (ابن عبد البر)(ت 463هـ) ، تحقيق محمد محمد أحيد، الناشر مكتبة الرياض الحديثة/الرياض، الطبعة الأولى 1398هـ.

الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل.

تأليف أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي (ابن قدامة)(ت 620هـ) ، الناشر المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1399هـ.

الكتاب المصنف.

تأليف أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي (ت 235هـ) ، تحقيق مختار أحمد الندوي، الناشر الدار السلفية/بمباي، الطبعة الأولى 1402هـ.

وجزؤه الملحق به وهو الجزء المفقود منه، تحقيق عمر بن غرامة العمري، الناشر دار عالم الكتب.

كشاف اصطلاحات الفنون.

تأليف محمد علي الفاروقي التهانوي، تحقيق د. لطفي عبد البديع، الناشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي/مصر 1383هـ.

ص: 833

كشاف القناع على متن الإقناع.

تأليف أبي حسن منصور بن يونس البهوتي (ت1051هـ) ، طبعة 1394هـ.

كشف الأسرار شرح المصنف على المنار.

تأليف أبي البركات عبد الله بن أحمد النسفي (ت710هـ) مع شرح نور الأنوار على المنار لملاجيون، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ.

كشف الأسرار عن أصول البزدوي.

تأليف علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (ت730هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت 1394هـ.

الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية.

تأليف أبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني (1094هـ) ، فهرسة عدنان درويش، ومحمد المصري، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ.

الكواكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة.

تأليف أبي المكارم محمد بن محمد الغزي (ت1061هـ) ، تحقيق جبرائيل سليمان جبور، الناشر محمد أمين دمج وشركاه/بيروت.

ص: 834

كف الرعاع عن محرمات السماع.

تأليف أبي العباس أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي (ت974هـ) ، تحقيق محمد عبد القادر عطا، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت.

لسان العرب.

تأليف أبي الفضل محمد بن مكرم الأنصاري (ابن منظور)(ت711هـ) ، تنسيق وتعليق علي شيري، الناشر دار إحيائ التراث العربي.

مالك -حياته وعصره- آراؤه وفقهه.

تأليف الشيخ محمد أبو زهرة (ت1395هـ) ، الناشر دار الفكر العربي، الطبعة الثانية 1952هـ.

المبدع هـ. في شرح المقنع.

تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح (ت884هـ) ، الناشر المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1397هـ.

المبسوط.

تأليف أبي بكر محمد بن أحمد السرخسي (ت483هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الأولى 1398 هـ.

ص: 835

المتوارى على تراجم أبواب البخاري.

تأليف ناصر الدين أحمد بن محمد الإسكندري (ابن المنير)(ت683هـ) ، تحقيق صلاح الدين مقبول أحمد، الناشر مكتبة المعلا/الكويت، الطبعة الأولى 1407هـ.

مجامع الحقائق مع شرحه منافع الدقائق (خاتمته) .

تأليف أبي سعيد محمد بن محمد الخادمي (ت1176هـ) ، الناشر شركة الصحافة العثمانية 1308هـ.

مجلة الأحكام العدلية، مع شرح سليم رستم باز.

تأليف جماعة من علماء الدولة العثمانية، [راجع شرح المجلة] .

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد.

تأليق أبي الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت، الطبعة الثالثة 1402هـ.

المجموع شرح المهذب.

تأليف أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت676هـ) ، وتكملته للسبكي، وللمطيعي، الناشر المكتبة العالمية بالفجالة.

ص: 836

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.

تأليف أبي العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني (ابن تيمية)(ت728هـ) ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم بمساعدة ابنه محمد.

المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث.

تأليف أبي موسى محمد بن أبي الأصفهاني (ت 581هـ) تحقيق د. عبد الكريم العزباوي، الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1406هـ.

المحصول في علم أصول الفقه.

تأليف فخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت606هـ) ، تحقيق د. طه جابر العلواني، الناشر لجنة البحوث والتأليف بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية/الرياض، الطبعة الأولى 1399هـ.

المحلى.

تأليف أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت456هـ) ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الناشر مكتبة دار التراث/القاهرة.

ص: 837

مختصر طبقات الحنابلة.

جمع واختصار جميل أفندي الشطي، طبع في دمشق عام 1339هـ، مطبعة الترقي.

مختصر المزني.

تأليف أبي إبراهيم إسماعيل بن يحي المزني (ت264هـ) ، بهامش الأم [راجع الأم] .

مختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي.

تأليف أبي الثناء محمود بن أبي أحمد الحموي (ابن خطيب الدهشة)(ت834هـ) تحقيق د. مصطفى محمود البنجويني، الناشر مطبعة الجمهور الموصل 1984م.

المدخل إلى أصول الفقه المالكي.

تأليف محمد المختار ولد أباه، الناشر الدار العربية للكتاب 1987م.

المدخل إلى مذهب الإمام أحمد.

تأليف عبد القادر بن بدران الدمشقي، تعليق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الثالثة 1406هـ.

ص: 838

المدخل الفقهي العام.

تأليف مصطفى بن أحمد الزرقاء، الناشر دار الفكر.

المدونة الكبرى.

تأليف الإمام مالك بن أنس الأصبحي (ت179هـ) ، الناشر دار صادر/بيروت 1323هـ.

مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر.

تأليف الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) ، من مطبوعات الجامعة الإسلامية.

مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات.

تأليف أبي محمد علي بن أحمد بن حزم (ت456هـ) ، ومعه نقد مراتب الإجماع لابن تيمية، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت.

المرشد السليم في المنطق الحديث والقديم.

تأليف د. عوض الله جاد حجازي، الناشر دار الهدى/مصر، الطبعة السادسة 1405هـ.

مرويات غزوة الحديبية.

تأليف حافظ بن محمد الحكمي، الناشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية.

ص: 839

مسائل الإمام أحمد.

تأليف أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) ، الناشر/دار المعرفة، بيروت.

المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين.

تأليف القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفرّاء (ت 458هـ) ، تحقيقد. عبد الكريم بن محمد الللاحم، الناشر مكتبة المعارف/الرياض، الطبعة الأولى 1405هـ.

المستصفى من علم الأصول.

تأليف أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت505هـ)[راجع فواتح الرحموت] .

مسند الإمام أحمد.

تأليف أحمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ) ، وبهامشه منتخب كنز العمال الناشر المكتبالإسلامي بيروت، الطبعة الأولى 1389هـ.

وكذلك المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، الناشر دار المعارف/مصر 1367هـ.

ص: 840

المسودة في أصول الفقه.

تأليف ثلاثة من آل تيمية، جمعها أبو العباس أحمدج بن محمد الحراني (ت705) ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت.

المشقة تجلب التيسير.

تأليف صالح بن سليمان اليوسف، الناشر المطابع الأهلية/الرياض 1408هـ.

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير.

تأليف أبي العباس أحمد بن محمد الفيومي المقري (ت770هـ) ، تحقيق عبد العظيم الشناوي، الناشر دار المعارف/القاهرة.

وكذلك طبعة مكتبة لبنان /1987م.

المصنف.

تأليف الحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211هـ) ،تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر المجلس العلمي /الهند، الطبعة الأولى 1390 هـ.

مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى.

تأليف مصطفى بن سعد السيوطي الرحيباني (ت 1243هـ) ، ومعه تجريد زوائد الغاية والشرح لحسن الشطي، الناشر المكتب الإسلامي/دمشق.

ص: 841

معالم السنن المطبوع مع سنن أبي داود.

تأليف أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي (ت388هـ) ، الناشر محمد علي السيد/حمص، الطبعة الأولى 1388هـ.

المعتمد.

تأليف أبي الحسين محمد بن علي البصري (ت436هـ) ، تحقيق محمد حميد الله وآخرين، دمشق/1384هـ.

معجم البلدان.

تأليف أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت626هـ) ، تحقيق فريد بن عبد العزيز الجندي، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ.

معجم الفقهاء.

وضع محمد رواسي قلعجي، وحامد صادق قنيبي، الناشر دار النفاءس، الطبعة الثانية 1408هـ.

معجم مصطلحات أصول الفقه.

وضعه د. قلب مصطفى سانو، قدم له وعلق عليه د. محمد رواسي قلعجي، الناشر دار الفكر المعاصر، الطبعة الأولى 1420هـ.

ص: 842

معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية.

تأليف عاتق بن غيث البلادي، الناشر دار مكة للنشر والتوزيع.

معجم المؤليفن.

تأليف عمر رضا كحالة، الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت.

المعدول به عن القياس حقيقته، وحكمه، موقف شيخ الإسلام أحمد بن تيمية منه.

تأليف د. عمر بن عبد العزيز بن محمد، الناشر مكتبة الدار/المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1408هـ.

المعجم الوسيط.

أخرجه إبراهيم مصطفى، وآخرون/مجمع اللغة العربية، الناشر المكتبة العلمية/طهران.

معرفة السنن والآثار.

تأليف أبي أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) ، توثيق وتخريج عبد المعطي أمين قلعجي الناشرون جامعة الدراسات الإسلامية/كراتشي، وآخرون، الطبعة الأولى 1412هـ.

ص: 843

مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم (المغازي) .

تأليف أبي عبد الله محمد بن عمر الواقدي (ت207هـ) ، الناشر جماعة نشر الكتب القديمة/القاهرة، الطبعة الأولى 1367هـ.

المغانم المطابة في معالم طابة.

تأليف مجد الدين الفيروز آبادي (ت817هـ) ، تحقيق حمد الجاسر الناشر دار اليمامة/الرياض 1389هـ.

المغني.

تأليف أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت620هـ) ، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، د. عبد الفتاح الحلو، الناشر هجر للطباعة/القاهرة، الطبعة الأولى 1406هـ.

مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام (خاتمته) .

تأليف يوسف بن حسن بن عبد الهادي (ابن المبرد)(ت 909هـ) ، تعليق عبد الله بن عمر بن دهيش، الطبعة الثانية.

ص: 844

المغني في أبواب التوحيد والعدل.

تأليف القاضي أبي الحسن عبد الجبار بن أحمد الهمذاني المعتزلي (ت 415هـ) تحقيق جماعة من العلماء، الناشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي/المؤسسة المصرية العامة للتأليف/مصر.

المغني في أصول الفقه.

تأليف أبي محمد عمر بن محمد الخبازي (ت 691هـ) ، تحقيق د. محمد مظهر بقاء الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى/مكة المكرمة، الطبعة الأولى هـ.

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج.

تأليف محمد بن أحمد الشربيني الخطيب (ت977هـ) ، الناشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي/مصر 1377هـ.

المفردات في غريب القرآن.

تأليف أبي القاسم الحسين بن محمد الأصفهاني (الراغب)(ت502هـ) ، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني، الناشر مكتبة مصطفى البابي الحلبي/مصر 1380هـ.

ص: 845

المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة.

تأليف أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) ، تحقيق محمد عثمان الخشت، الناشر دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1405هز

مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين أو النيات في العبادات.

تأليف د. عمر بن سليمان الأشقر، الناشر مكتبةت الفلاح/الكويت، الطبعة الأولى 1401هـ.

مقاييس اللغة.

تأليف أبي الحسن أحمد بن فارس القزويني (ت395هـ) ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الناشر مطبعة مصطفى البابي الحلبي/مصر، الطبعة الثانية 1389هز

المقدمات الممهدات لبيان ما لقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات.

تأليف أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (الجد)(ت520هـ) ، تحقيق د. محمد حجي، الناشر دار الغرب الإسلامي/بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ.

ص: 846

المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد.

تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح (ت884هـ) ، تحقيق د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الناشر مكتبة الرشد/الرياض، الطبعة الأولى 1410هـ.

المناسك من كتاب الأسرار.

تأليف أبي زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي (ت430هـ) ، تحقيق د. نايف بن نافع العمري، دار المنار/القاهرة.

مناهج العقول.

تأليف محمد بن الحسن البدخشي (ت922هـ) ومعه نهاية السول، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.

المنتقى شرح موطأ للإمام مالك.

تأليف أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت494هـ) ، الناشر دار الكتاب الإسلامي/القاهرة، الطبعة الثانية.

منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات.

تأليف أبي البقاء محمد بن أحمد الفتوحي (ابن النجار)(ت972هـ) الناشر مكتبة دار العروبة/القاهرة.

ص: 847

منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل.

تأليف أبي عمر عثمان بن عمر بن أبي بكر (ابن الحاجب)(ت646هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.

منح الجليل شرح مختصر خليل.

تأليف محمد بن أحمد بن محمد عليش المالكي (ت1299هـ) ، وبهامشه حاشيته تسهيل منح الجليل.

من حكم الشريعة وأسرارها.

تأليف حامد بن محمد العبادي، الناشر المكتبة العصرية/لبنان.

المنثور في القواعد.

تأليف أبي عبد الله محمد بن بهادر الزركشي (ت794هـ) ، تحقيق د. تيسير فائق أحمد محمود الناشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية/الكويت، مصور عن الطبعة الأولى 1402هـ.

ص: 848

المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد.

تأليف أبي اليمن عبد الرحمن بن محمد العليمي (ت928هـ) ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر عالم الكتب، الطبعة الثانية 1402هـ.

المهذب في فقه مذهب الإمام الشافعي.

تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (ت476هـ) ، ومعه النظم المستعذب لابن بطال الركبي، الناشر مطبعة عيسى البابي الحلبي/مصر.

الموافقات في أصول الشريعة.

تأليف إبراهيم بن موسى اللخمي (الشاطبي)(ت790هـ) ، شرحه عبد الله دراز، وعني بضبطه محمد عبد الله دراز، الناشر المكتبة التجارية/مصر، الطبعة الثانية 1395هـ.

موافقة الخُبْر الخَبَر في تخريج أحاديث المختصر.

تأليف أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر)(ت852هـ) ، تحقيق حمدي السلفي، وصبحي السامرائي، الناشر مكتبة الرشد/الرياض، الطبعة الأولى 1412هـ.

مواهب الجليل شرح مختصر خليل.

تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد الرعيني (الحطاب)(ت954هـ) ، وبهامشه التاج والإكليل، الناشر مكتبة النجاح/ليبيا.

ص: 849

المواهب السنية على الفرائد البهية.

تأليف عبد الله بن سليمان الجرهزي الشافعي (ت1201هـ) ، مطبوع مع الأشباه والنظائر للسيوطي الناشر دار الفكر/بيروت.

موسوعة أسبار للعلماء والمتخصصين في الشريعة الإسلامية.

الناشر أسبار للدراسات والبحوث والإعلام/الرياض 1419هـ.

الموطأ.

تأليف الإمام مالك بن أنس الأصبحي (ت179هـ) ، تصحيح وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر المكتبة الثقافية/بيروت 1408هـ.

نزهة النظر شرح نخبة الفكر.

تأليف أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر)(ت852) ، الناشر مكتبة التوعية الإسلامية، طبعة 1410هـ.

نشر البنود على مراقي السعود.

تأليف عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي (ت1230هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1409هـ.

ص: 850

نهاية السول في شرح منهاج الأصول.

تأليف أبي محمد عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي (ت772هـ) ، معه حاشيته سلم الوصول [راجع سلم الوصول] .

النهاية في غريب الحديث والأثر.

تأليف أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير)(ت606هـ) ، تحقيق محمود خفاجي، الناشر المكتبة الإسلامية.

نيل الابتهاج بتطريز الديباج.

تأليف أحمدج بن أحمد بن عمر (بابا التنبكتي)(ت1036هـ) ، مطبوع بهامش الديباج المذهب لابن فرحون، الناشر مطبعة عباس بن عبد السلام شقرون 1351هـ.

نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار.

تأليف محمد بن علي الشوكاني (ت1255هـ) ، الناشر دار الفكر، الطبعة الثانيبة 1403هـ.

نيل الوطر من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر.

تأليف محمد بن محمد زبادة (ت1380هـ) ، الناشر المطبعة السلفية ومكتبتها/القاهرة 1350هـ.

ص: 852

النية وأثرها في الأحكام الشرعية.

تأليف د. صالح بن غانم السدلان، الناشر مكتبة الخريجي، الطبعة الأولى 1404هـ.

الهداية شرح بداية المبتدي.

تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني (ت593هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ.

الوافي بالوفيات.

تأليف أبي الصفا خليل بن أيبك الصفدي (ت764هـ) باعتناء عدد من المحققين، الناشر دار النشر فرنز شتاينر بفيسبادن.

الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية.

تأليف محمد صدقي البورنو، الناشر مكتبة المعارف/الرياض، الطبعة الثانية 1410هـ.

وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية.

تأليف د. محمد مصطفى الزحيلي، الناشر مكتبة دار البيان/دمشق، الطبعة الأولى 1402هـ.

وفاء الوفاء بأخبار المصطفى.

تأليف نور الدين علي بن عبد الله السهودي (ت911هـ) ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر دار التراث العربي/بيروت.

ص: 853

الوقوف من مسائل الإمام أحمد.

تأليف أحمد بن محمد الخلال (ت311هـ) ، تحقيق د. عبد الله بن أحمد الزيد الناشر مكتبة المعارف/الرياض، الطبعة الأولى 1410هـ.

الوكالة في الشريعة والقانون.

تأليف محمد رضا عبد الجبار العاني، ساعدت جامعة بغداد على نشره، مطبعة العاني 1975/.

ص: 854

المخطوطات، والرسائل الجامعية:

زكاة عروض التجارة.

إعداد أحمد بن عبد الله كاتب، رسالة ماجستير/عام 1399-1400هـ /شعبة الفقه بالجامعة الإسلامية.

شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب.

تأليف أحمد بن علي المنجور (ت995هـ) ، تحقيق محمد الشيخ محمد الأمين، رسالة دكتوراه/1412هـ، شعبة الفقه بالجامعة الإسلامية.

المجموع المذهب في قواعد المذهب.

تأليف أبي سعيد خليل بن كيكلدي العلائي (ت761هـ) (قسم منه لازال مخطوطا ويحققه الآن بعض الباحثين، وقسم حققه محمد بن عبد الغفار بن عبد الرحمن في رسالة دكتوراه عام 1405-1046هـ/شعبة الفقه بالجامعة الإسلامية.

المحصول في علم الأصول.

تأليف لأبي بكر محمد بن عبد الله المعافري (ابن العربي)(ت 543هـ) تحقيق: عبد اللطيف بن أحمد الحمد، رسالة ماجستير، شعبة أصول الفقه بالجامعة الإسلامية 1409هـ.

ص: 855

مختصر قواعد الزركشي.

تأليف عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (ت973هـ) ، تحقيق إبراهيم شيخ إسحاق، رسالة ماجستير 1405-1406هـ/شعبة الفقه بالجامعة الإسلامية.

ص: 856