المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب صيغة ما يصح الإقرار به] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٧

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الشركة]

- ‌ باب صيغة الشركة [

- ‌ باب في محل الشركة [

- ‌[باب في شركة عنان]

- ‌[باب معنى الخلط في الشركة]

- ‌[باب في شروط شركة الأبدان]

- ‌[باب شركة الوجه]

- ‌[باب في شركه الذمم]

- ‌[كتاب الوكالة]

- ‌[كتاب الإقرار]

- ‌[باب المقر]

- ‌[باب المقر له]

- ‌[باب صيغة ما يصح الإقرار به]

- ‌[كتاب الاستلحاق]

- ‌[باب مبطل الاستلحاق]

- ‌[كتاب الوديعة]

- ‌[باب المودع]

- ‌[باب المودَع]

- ‌[باب شروط الوديعة]

- ‌[كتاب العارية]

- ‌[باب المستعير]

- ‌[باب المستعار]

- ‌[باب في صيغة العارية]

- ‌[باب المخدم]

- ‌[كتاب الغصب]

- ‌[كتاب التعدي]

- ‌[باب في المغصوب]

- ‌[كتاب الاستحقاق]

- ‌باب التعدي

- ‌[باب الفساد اليسير والكثير في التعدي]

- ‌[كتاب الشفعة]

- ‌[باب الأخذ بالشفعة]

- ‌[باب الموجب لاستحقاق الشفيع الأخذ بالشفعة]

- ‌[باب الشريك الأخص والأعم]

- ‌[باب المشفوع عليه]

- ‌[كتاب القسمة]

- ‌[باب قسمة المهانات]

- ‌[باب في قسمة التراضي]

- ‌[باب في قسمة القرعة]

- ‌[باب المقسوم له]

- ‌[باب ما يحكم فيه ببيع ما لا ينقسم]

- ‌[كتاب القراض]

- ‌[باب في عمل القراض]

الفصل: ‌[باب صيغة ما يصح الإقرار به]

نصه: قال المغيرة: من شهد أن فلانًا أعتق عبده، ثم صار إلى ملك الشاهد بابتياعه، فإن كان الإمام رد شهادته بشيء كرهه من الشاهد سئل الآن، فإن أقام عليها عتق، وإن رجع لم يعتق، وإن لم يرده الإمام إلا لإقراره بالعتق عتق عليه والولاء للمشهود عليه.

قُلتُ: ففي عتق العبد عتلى من شهد بعتقه قبل ملكه، ولم يحكم بشهادته بملكه إياه، ثالثها: إن تمادى على قوله، ورابعها: إن ردت شهادته بجرحةٍ، وخامسها: إن ردت بعداوة أو شبه ذلك لها، ولابن شاس عن ابن الماجشون ولابن رُشْد مع الشيخ عن أشهب مع ابن الماجشون والصقلي عن المغيرة واللخمي.

[باب صيغة ما يصح الإقرار به]

الصيغة: ما دل على ثبوت دعوى المقر له من لفظ المدعي عليه أو كتبه أو إشارته به بدين أو وديعة أو غير ذلك.

الصريحة: كتسلفت وغصبت وفي ذمتي، والروايات في علي كذلك وأودع عندي ورهن عندي كذلك في معناهما.

ابن شاس: عندي ألف كعلي إقرار.

قُلتُ: وقاله ابن شعبان، والصواب تقييده بما هو جوابٌ له من ذكر دينٍ أو رهنٍ أو وديعةٍ وإن لم تتقدم قرينةٌ قبل تفسيره كالمجمل.

المازري: قوله أخذت كذا من دار فلان أو بيته أو ما يجوزه فلان بغلقٍ أو حائطٍ أو زربٍ ويمنع منه الناس ولا يدخل إلا بإذنه كإقراره بأخذه من يده فهو تمليك له، ولو قال: من فندق فلان أو حمامه أو مسجده فليس بإقرار، ولو قال: أخذت السرج من على دابة فلان فإقرار له به إلا أن يثبت أن الدابة في حوز المقر وتصرفه هذا أصل الباب، ولو كانت دار بين رجلين شركة، وقال أحدهما: أخذت هذا الثوب منها ففي اختصاصه به وكونه بينهما قولان بناء على اعتبار اختصاصه به أو كونه بينهما قولان بناءًا على اعتبار

ص: 128

اختصاصه بالأخذ وشركتهما في المأخوذ منه، ولو انفرد أحدهما بسكناه وحوزها كان الثوب له إن ادعاه.

قُلتُ: ذكره في النوادر من كتاب ان سحنون، وابن عبد الحكم، وقول ابن الحاجب، ومثله وهبته لي أو بعته مني هو مقتضى نقل الشيخ عن كتاب ابن سحنون إن قال: في الدار والدابة اشتريتها منه أو وهبنها لي وجاء بالبينة قبلت منه، ولو أقر له بالعبد ثم قال: بعد ذلك اشتريته منه لزم إقراره ولا أقبل منه البينة؛ لأنه أكذبها، إلا أن تشهد أنه اشتراه بعد إقراره، وكذا في الهبة والصدقة في الدابة وجميع العروض.

الشيخ عن ابن سحنون وابن عبد الحكم: من قال لرجل أعطني كذا، فقال: نعم، أو سأعطيكه أو أبعث لك به وليس عندي اليوم، أو ابعث من يأخذه منه فهو إقرارٌ وكذا أجلني به شهرًا أو نفسني به، ولفظ ابن شاس هنا: ساهلني فيها دون نفسني بها لم أجده في النوادر ولا في نقل المازري، ولو قال: حتى يأتي وكيلي ففي كونه إقرارًا أولا نقل الشيخ عن ابن سحنون وابن عبد الحكم.

المازري: لو قال له اجلس فزن أو فاتزنها أو فانتقد أو انتقدها، ففي كونه إقرارًا قولاهما الشيخ عن ابن عبد الحكم: اتزنها: مني إقرار وبإسقاط لفظ مني لغو، وقال عن ابن سحنون: لو قال: اتزن أو اتزنها ما أبعدك منها فليس بإقرار أمر أي ضرب تأخذها ما أبعدك منها.

ابن عبد الحكم: قوله اجلس فانتقدها أو اتزنها كقوله اتزن وانتقد؛ لأنه لم ينسب ذلك إلى نفسه.

وفي المعونة عن ابن عبد الحكم قوله: هذا سرج دابة فلان أو لجامها ليس بإقرار بهما لفلان، ولو قال هذا باب دار فلان فهو إقرار به لفلان، قال: لأن الباب من الدار فإذا ثبت أن الدار لفلان فما كان منها تضمنه هذا الإقرار والسرج ليس جزءا من الدابة، فكأنه قال: هذا السرج تسرج به دابة فلان، وفي موضع آخر سوى بينهما وبين الباب.

المازري: الإقرار بجواب نعم صريح، وكذا ببلى واستعمالها في إنكار النفي إثبات، ولذا قال بعض النحاة لو أجابوا قوله تعالى:{ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] بنعم

ص: 129

كان كفرًا وأجل كنعم، فجواب أليس لي عندك مائة ببلى إقرار.

قُلتُ: وبنعم لغو من العالم بالعربية لغو، والأظهر أنه من العامي إقرار، ويؤيده نقل الشيخ عن كتاب ابن سحنون: من قال لرجل أليس قد أقرضتني أمس ألف درهم، فقال الطالب: بلى أو نعم فجحد المقر فالمال يلزمه، ولو قال أما أقرضتني أو لم تقرضني لزمه المال إن ادعاه طالبه.

ابن عبد الحكم: يحلف المقر ولا شيء عليه إنما سأله بالاستفهام ما عنده من العلم فليس قوله أليس بإقرار.

ابن المواز وابن عبد الحكم: إن قال: ألم أوفك العشرة التي لك علي فقال: لا فهو إقرار.

محمد: يغرم له العشرة بلا يمين إلا أن يرجع على الاستفهام، فيقول: بلى قضيتك فتلزمه اليمين، قالا: وإن قال ألم أضمن لك المائة التي تدعي على أبي وقد مات، قال: بلى فرجع وقال: ما ضمنت لك شيئًا إنما استفهمتك، وما أوقن أن لك على أبي شيئًا فليس بإقرار زولا يحلف.

ابن عبد الحكم: إلا أن يكون بيده من تركته شيء.

وفي نوازل الشعبي: قال محمد بن عبد الحكم الخولاني: من قال لرجل ألم تسلفني مائة دينار ورددتها لك، وقال: ما رددت إلى شيئًا، فقال الآخر: ما أسلفتني شيئًا فلا شيء عليه، ولو قال: ألم أوفك المائة دينار التي أسلفتني، فقال: لم توفني شيئًا، فقال: ما أوفيتني شيئًا فلأنه يلزمه؛ لأنه إقرار أنه أسلفه.

الشيخ عن محمد وابن عبد الحكم: من قال لرجل لك علي عشرة دراهم أو على فلان حلف ولا شيء عليه، وعلى أصل سحنون: إن قال لك: علي كذا أو قال: على فلان لزمه دون فلان.

ابن عبد الحكم: من قال لك علي مائة دينار أو على ابني فلان فمات ابنه وترك مائة دينار وورث أبوه ربعها لزم الأب ربع ما صار إليه، ولو ترك مائة دينار لم يلزمه إلا نصيبه من مائة.

والمجملة: ما جهل جنس مدلولها أو قدره.

ص: 130

المازري: شيء أو حق من قوله عندي شيء أو حق في غاية الإجمال؛ لأن لفظ شيء يصدق على ما لا يحصى من الأجناس والمقادير، ومثل المحصلون المجمل في الخطاب بقوله تعالى:{وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] فيجب على المقر تفسيره بما يصلح له، فلو فسره بعشر العشر قبل منه مع يمينه إن أحلفه المقر له، فإن امتنع من التفسير سجن حتى يفسر، وقيد محمد ما وقع في المدونة من إطلاق هذا الجواب بأن المقر له لا يدعي قدر ما أقر له به، ولو ادعاه وامتنع المقر من التفسير كان كنكوله وحلف المقر له، واستحق ما حلف عليه.

قلت: نقل الشيخ قول محمد مطلقا لا على أنه تقييد للمدونة، وقال عن ابن حبيب عن ابن الماجشون: من أقر بعشرة دنانير وشيء أو بمائة دينار وشيء ثم مات ولم يسأل فالشيء ساقط؛ لأنه مجهول ويلزمه ما سمى، وكذا لو شهدت بينة بذلك سقط الشيء وثبت العدد ويحلف المطلوب.

ابن الحاجب: وقيل في مائة وشيء لا يلزمه إلا مائة.

قال: ابن عبد السلام: هذا إشارة إلى تخريج الخلاف في كل واحدة من المسألتين في الأخرى لكنه لم يجزم به؛ لأن الناس كثيرا ما يريدون بقولهم لك علي عشرة وشيء أنها عشرة كاملة.

قلت: هذا التعليل لسقوط شيء المعطوف خلاف تعليل ابن الماجشون بأنه مجهول، والفرق عنده بينه مفردا ومعطوفا أن لغوه مفردا يؤدي إلى إهمال اللفظ المقر به، وإذا كان معطوفا سلم من الإهمال لإعماله في المعطوف عليه.

الشيخ عن كتاب ابن سحنون: من أقر في دار بيده بحق لرجل قبل منه ما يسمى منها وحلف عليه إن ادعى الطالب أكثر منه، ولو قال هو هذا الجذع أو الباب المركب فقال سحنون: مرة يصدق، ثم رجع فقال: لا يصدق، ولو قال هو هذا البناء لبناء بالدار ففي تصديقه قولان.

وقال سحنون: في آخر قوله لو قال: أردت هذا الثوب الذي في الدار، أو هو هذا الطعام لم يصدق، وقال قبل ذلك: يصدق ولا حق في رقبة الدار، ولو قال: له في هذا البستان حق، وقال: أردت ثمن هذه النخلة لم يصدق في قوله الأول، ولم يصدق في

ص: 131

قوله الآخر، ولو قال: أردت هذه النخلة بأصلها صدق مع يمينه إن أقر معها من الأرض بشيء، ولو قال: وهبتها له بغير أرض، فقيل: لا يصدق، وقيل يصدق مع يمينه، ولو قال: له في هذه الأرض حق، وقال: أزرعتها إياه سنة، وقال الآخر: لي فيها شرك لزمه أن يقر له بشيء من رقبتها في قوله الآخر ويصدق في قوله الأول، وكذا في قوله الآخر له في هذه الدار حق، وقال: هو سكناها شهرا.

ابن عبد الحكم: من اقر بحق في دار أو ثوب، وقال: أردت سكنى بيت منها أكريته إياه أو أسكنته أو أجرته الثوب أو أعرته شهرا صدق مع يمينه، ولو قال: من هذه الدار أو من هذا الثوب لم يصدق إلا بشيء من رقبة ذلك الشيء.

قال: ولو قال حق في الدراهم أو الدنانير أو الطعام كان محمله من الرقبة.

قال: في أو من؛ لأن ظاهر القصد فيه عين الشيء.

قلت: وكذا نقله ابن شاس

وقال ابن الحاجب: وله في هذه الدار أو الأرض أو الحائط حق، وفسره بجذع أو باب مركب وشبهه، فثالثها الفرق بين (من) و (في) فظاهره في الباب من الدار ثلاثة أقوال، وفي يقرر الثالث فيهما مما تقدم؛ لأن الباب المركب فيها كالجزء منها، ولم يحك المازري في مسألة الدار غير قولي سحنون.

قال المازري: وقوله له معنى في هذه الدار حق أو نصيب، أو جزء أو سهم، أو طائفة يقبل فيها ما زعم انه أراد؛ لانطلاقها على ما قل أو كثر من الأجزاء.

وقال أشهب: لا يقبل تفسيره بأقل من الثمن ولا يكاد يظهر له وجه، وليس كون أقل أجزاء فرض الميراث الثمن بمثابته في الإقرار.

الشيخ عن كتاب ابن سحنون: من قال: لفلان على حق، ثم قال: أردت حق الإسلام لم يصدق ولزمه أن يقر بشيء ويحلف على دعوى الدعوى إن ادعى أكثر منه، وكان سحنون يقول: ينظر فيه على نحو ما ينزل ما يتكلمان فيه، فإن تنازعا في ذكر المال أخذ بذلك، وإن تنازعا فيما يجب لبعضهما على بعض من حق وحرمة لم يؤخذ بالمال، فقد يقول الحق في القرابة أو السن أو الإسلام أو الجوار.

وفي قول الواجب في الإقرار بمال نصاب زكاة أهل المقر من العين ذهبا أو فضة أو

ص: 132

ما فسره به المقر، ثالثها: نصاب السرقة ربع دينار أو ثلاثة دراهم، للمازري عن الأشهر مع قول محمد في الوصية به، مع أصبغ عن ابن وهب في الإقرار به، وابن سحنون مع اختيار الأبهري وابن القصار قائلا: لا نص فيها لمالك، وفي المعونة عزو الثاني لبعض أصحابنا بزيادة ولو فسره بقيراط أو حبة.

قال: المازري: ومقتضى النظر رد الحكم لمقتضى اللغة أو الشرع أو عرف الاستعمال.

قلت: فتقدم منها ما في الأيمان، وفي المعونة: قال بعض أصحابنا: وعلى قول محمد: إن كان المقر من أهل الإبل أو البقر أو الغنم لزمه أقل نصاب منها.

قال القاضي: ولو أقر بمال عظيم أو كثير فمن أصحابنا من قال هو كقوله: مال فقط يرجع به لتفسيره، ومنهم من قال ثلاثة دراهم أو ربع دينار، ومنهم من اعتبر نصاب الزكاة، ويحتمل عندي قولين آخرين الدية ألف دينار والآخر ما زاد على النصاب.

قلت: ففي ذكر ابن الحاجب هذين القولين على وجه الجزم بثبوتهما نظر، إن لم يكن له مستند في ثبوتهما إلا لفظ القاضي.

المازري: وقوله له عندي كذا كقوله له عندي شيء أو له عندي واحد فيقبل منه ما يصدق عليه أحد الألفاظ الثلاثة.

ابن عبد السلام: ظاهر قول الفقهاء يقبل أنه أخص من لفظ شيء؛ لأن لفظ شيء يصح تفسيره بالجزء كنصف درهم وربع ثوب وشبه ذلك، وكذا لا يصح تفسيره إلا بواحد كامل من ذلك.

قلت: في منع تفسير كذا بالنصف وغيره من الأجزاء نظر، وإنما يمنع من ذلك إذا كان مضافا والفرض كونه مفردا.

وفي الصحاح ما نصبه: كذا كناية عن الشيء وتكون كناية عن العدد.

المازري: ظاهر قول ابن عبد الحكم وغيره من البغداديين المالكيين تفسير المراد بهذه الكناية بإعراب ما وقع يعدها من التفسير ففي كذا دراهم أقل الجمع ثلاثة ثلاثة دراهم، وكذا درهما عشرون درهما، وفي قوله كذا درهم بالخفض.

ص: 133

قال ابن القصار: لا نص فيه، ويحتمل أن يراد به درهم.

قال: وقال في بعض النحاة: يلزمه فيه مائة درهم.

قلت: في عيون المسائل لابن القصار: من قال: علي كذا وكذا درهما، فقال ابن عبد الحكم: يلزمه أحد عشر درهما، وفي كذا وكذا أحد وعشرون درهما، وفي كذا درهما عشرون درهما.

الشيخ عن كتاب ابن سحنون: من قال: على كذا وكذا درهما صدق فيما سمى مع يمينه، وقد قال: يلزمه أقل ما يكون في اللغة.

قال: وفي قوله: علي كذا وكذا دينارا ودرهما، ينظر أقل ما يكون كذا وكذا من العدد فيكون عليه نصفه من الدنانير، ونصفه من الدراهم، وفي قوله الآخر القول قول المقر ويحلف.

المازري: هذا حكم للدرهم بالنصب والخفض، ولو قاله بالرفع فلا نص فيه، ويمكن حمله على درهم واحد، على أنه خبر مبتدأ؛ أي: هو درهم.

الشيخ عن كتاب ابن سحنون: من أقر بعشرة دراهم ونيف قبل قوله في النيف، ولو قل فسره بدرهم أو دانق، ونقله المازري كأنه المذهب ولم يحك غيره، وفي زاهي ابن شعبان: من قال: مائة ونيف وهلك قبل البيان لزمه مائة وثلثها، قاله بعض أصحابنا.

وقال بعض الناس: النيف على الشيء مثله ولا أقول بشيء من هذا، وإنما فيه ما اصطلحوا عليه إن هلك المقر، وإن كان حيا حلف على ما قال ولو قل، فإن لم يحلف وذكر المقر أنه يجد شيئا هو ما قدمت ذكره أو أقل حلف وأخذه، وإن ذكر أكثر حلفته وأعطيته الأقل، ولم يحك عنه ابن شاس غير قول بعض الأصحاب، وما اختاره من تفسير المقر مع يمينه.

وثاني قول ابن الحاجب: وله خمسون ونيف بتفسير، وقيل: ثلاث، وقيل: ثلث الأول، فقبله ابن عبد السلام وعزا القول بأنه ثلاث لابن شعبان.

وقال ابن هارون: لا أعرفه لغير ابن الحاجب.

قلت: ووقفت على نسخة عتيقة من الزاهي فيها كلام مشكل قد يؤخذ منه ما

ص: 134

حكاه ابن الحاجب نصه: لو أقر أن له عليه شيئا وعشرين، فالنيف أدناه عند بعض أصحابنا ثلاث وعشرون دينار وثلث دينار، وكذا مائة ونيف ومات قبل البيان يلزمه مائة وثلثها، والغالب أنه سقط من بين قوله دينارا وثلث دينار ما معناه، وقيل: إنه ثلث العدد الأول فيلزمه في عشرة دنانير ونيف في النيف ثلاثة دنانير ودينار، والتحقيق في ذلك باستقراء النسخ الصحيحة.

والبضع: في كونه من واحد حتى أربع أو تسع أو من ثلاثة حتى سبع أو تسع، خامسها: حتى عشر لعياض عن أبي عبيد وغيره وقطرب والأكثر معها وابن دريد.

ففائدة أقله إن فسره المقر بأقل منه، وفائدة أكثر إن قال له أكثر البضع ففسره بأقل منه.

وعزا اللخمي الثاني لابن فارس قال: فإن شك في قدره وجب حتى تيقناه، وفي لغو الزائد وقسمه بينهما قولان: وإن تيقنا واختلفا قبل قول المقر مع يمينه ما لم يدع دون المسمى، وإن شك أحدهما قبل قول المتيقن، وفي حلفه إن ادعى ما فوق الأقل قولان، فإن مات المقر قبل أن يفسر لزم الأقل، وفي قسم الزائد قولان، ولا ينظر هنا إلى تيقن الطالب إلا أن يكون الميت صرح بشك.

وفي كون مبهم الجنس معطوفا عليه مبين يجب بتفسير لمقر مطلقا، وإن كان المعطوف غير موزون ولا مكيل ولا معدود كألف وعبد أو ثوب، وإن كان أحدهما كألف ودينار أو قفيز أو رطل وجب تنوع المعطوف.

نقلا المازري عن ابن القصار وسحنون: ولم يذكر في المعونة غير الأول معزوا لشيوخنا، وعزا الثاني لأبي حنيفة، ولم يحك الشيخ غير قول سحنون مع يمين المقر في تفسيره بغير جنس المعطوف، وادعى المقر له أجود.

ص: 135

ونقل ابن الحاجب: لزوم كونه من جنس المعطوف مطلقا وقبوله.

ابن عبد السلام وابن هارون: لا اعرفه إلا للمازري عن أبي ثور ومحمد بن الحسن.

الشيخ في العتبية لسحنون: من أقر في مرضه أن لفلان عليه جل المائة أو قرب المائة أو أكثر المائة أو نحو المائة أو مائة إلا قليلا أو إلا شيئا، فقال: أكثر أصحابنا يعطى من ثلثي المائة إلى أكثر بقدر ما يرى الحاكم.

قلت: هي في نوازله من المديان والتفليس.

ابن رشد: لأن هذه الألفاظ تدل على أكثر المائة فوجب ألا يحط منها إلا أقل من ثلثها؛ لأن الثلث آخر حد اليسير وأول حد الكثير، وقول أهل العراق ويزاد على الخمسين دينارا ديناران بعيد؛ إذ لا يقال في اثنين وخمسين أنها جل المائة ولا شيء من بقية الألفاظ.

وعن ابن الماجشون: في مائة إلا شيئان أن الشيء عقد من عقود المائة فما دونها فيعطى تسعين ويجتهد فيما زاد عليها وهو قول له وجه، وهذا كله إن تعذر سؤاله بموته، ولو حضر سئل عن مراده وصدق مع يمينه إن نازعه المقر له فادعى أكثر وحقق الدعوى وإن لم يحققها ففي إيجاب يمينه قولان.

قلت: زاد الشيخ عنه في كتاب ابنه: قال بعض أصحابنا: يلزمه ثلث المائة، وقال بعضهم: يلزمه النصف وشيء وذلك أحد وخمسون.

وقال رجل من أصحابنا القول قوله مع يمينه فيما يقول.

قال محمد: وإن مات المطلوب في تركته في قوله بعض أصحابنا الثلثان، وفي قول آخرين أكثر من النصف بدرهم وكذا إن مات الطالب.

قلت: ظاهر نقل ابن رشد عن ابن الماجشون: في مائة إلا شيئا أنه يلزمه تسعون ويجتهد فيما زاد عليها، والذي له في الواضحة: أنه يلزمه أحد وتسعون فالأقوال ستة: قول نوازل سحنون، وقول ابن الماجشون نصا وتخريجا في غير محل النص على نقل ابن رشد، وما نقله عنه في الواضحة، وقول بعضهم ثلث المائة، وقول بعضهم النصف وواحد، وقول بعضهم تفسير المقر.

قال ابن الحاجب: والوصية بجل المائة وقربها ونحوها.

ص: 136

قيل: الثلثان فما فوقها باجتهاد الحاكم، وقيل: الثلثان، وقيل: أحد وخمسون، وقالوا: في مائة إلا قليلا وإلا شيئا كذاك، وقالوا: لو أقر بمائة إلا شيئا لزمه أحد وتسعون وفي عشرة آلاف تسعة آلاف ومائة.

ابن عبد السلام: قوله: (وقالوا لو أقر بمائة إلا شيئا

إلى أخره) أما تأكيد الاعتقاد الفرق بين الوصية والإقرار، وأما لإشكال التفرقة بينهما لاعتقاده التساوي بينهما وهو الأقرب إلا أن هذا الفرع في الإقرار لا نعرفه لغير ابن الماجشون، ومذهبه أنه لا يجوز استثناء الصحيح من العدد، وإنما يجوز استثناء الكسر فيمنع له عندي عشرة دراهم إلا ثلاثة، وإنما يجوز إلا نصف درهم وشبهه، وكذا نسبة العشرات عنده إلى المائة يجيز له عندي مائة إلا واحد إلى تسعة ولا يجوز إلا عشرة؛ لأن نسبة العشرة إلى المائة كالواحد إلى العشرة، وكذا عشرة آلاف لا يجيز استثناء ألف منها ويجيز استثناء مائة منها إلى تسعمائة؛ لأن نسبة الألف إلى عشرة آلاف كالمائة إلى الألف.

قال: وهذا المذهب على ضعفه إن سلم لا يلزم منه صحة هذا الفرع إلا لو كان يحمل الاستثناء على أقل ما ينطلق عليه اسم شيء، وكما يجوز عنده استثناء تسعة من مائة فكذا اقل منها، وكما يجوز استثناء تسعمائة من عشرة آلاف، فكذا أقل منها فلم حمل الشيء المستثنى على أكثر ما يمكن.

وأجاب عنه: بأن مقتضى الإقرار إلزام المقر أقل مسمى إقراره وذلك موجب لحمل الشيء المستثنى على أكثر مسماه دون أقله.

قال: فلم يبق الإشكال إلا فيما قدمناه من أنه لا يجوز استثناء الكسر، وعادتهم يوجهون ذلك بما لا أرضاه.

قلت: حاصل كلامه ثلاثة أمور:

الأول: تلقيه نقل ابن الحاجب أن الأقوال الثلاثة في المائة إلا شيئا إنما هي في الوصية لا الإقرار، وإن المنصوص لهم في الإقرار إنما هو لزوم أحد وتسعين.

الثاني: أن قوله: قالوا إشارة إلى إشكال المسألة مع أنه لا يعرفها لغير ابن الماجشون.

الثالث: تقريره إشكالها بما ذكر، أما الأول وهو أن الأقوال الثلاثة إنما هي في

ص: 137

الوصية فهو وهم تبع فيه ابن الحاجب ابن شاس فقبله منه هو وابن هارون، وليس كذلك لنقل الشيخ الأقوال الثلاثة في الإقرار لا في الوصية.

وقال في النوادر ما نصه: من العتبية قال سحنون: من أقر في مرضه أن لفلان عليه مائة إلا شيئا وإلا قليلا، فقال: أكثر أصحابنا يعطى من ثلثي المائة إلى أكثر بقدر ما يرى الحاكم.

ثم قال: ومن كتاب ابن سحنون: إن قال: لفلان علي مائة درهم إلا شيئا أو إلا قليلا فذكر ما قدمناه من الأقوال.

وأما الأمر الثاني: وهو أن قوله قالوا إشارة إلى إشكال المسألة، وتعقبه بأنه لا يعرفه إلا لعبد الملك فصواب.

وأما الثالث: وهو تقريره إشكالها بما ذكر ففيه تناف، كبيانه أولا عن ابن الماجشون أنه يجعل استثناء الآحاد من المسمى كالكسر من الصحيح، كذا المسمى من عشرات الآلاف، ثم قال آخر كلامه: أنه لا يجيز إلا استثناء الكسر، وهذا مناف لنقله أولا عنه فتأمله.

وهذا هو المنصوص لابن الماجشون في الواضحة عنه ما نصه: من قال في مرضه: لفلان عندي عشرة أو مائة أو ألف إلا شيئا ومات ولم يسأل عن قوله أخذ بما يحسن في لفظ الناس ويجري في قولهم ولزم به الأقصى من ذلك، فإن قال: عشرة آلاف إلا شيئا فاطرح بإلا تسعمائة؛ لأنه أقصى ذلك في الكلام، وفي قوله ألف إلا شيئا، اطرح بإلا تسعين وهو الأقصى لا مائة لا تجد أحدا يقول له عندي ألف إلا مائة، وقال تعالى:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] ولا يحسن أن يقال مائة إلا خمسين، وإنما يطرح من مائة إلا شيئا بإلا تسعة؛ لأنه قد يقال: له عندي مائة إلا درهما وإلا ثلاثة إلى تسعة، ولا يقول أحد إلا عشرة.

وفي قوله: عندي درهم إلا شيئا أو درهمان إلا شيئا فاطرح بإلا ثلث درهم وهو الأقصى في مثل هذا ما بينك وبين تسعة عشر، ولا يحسن في قوله هنا إلا شيئا أن يكون إلا درهما، فأما في العشرين والثلاثين فيكون إلا درهما وإلا درهمين وإلا ثلاثة.

وفي عندي له خمسة وتسعون درهما إلا شيئا أو خمسمائة درهم إلا شيئا، فلا تجعل

ص: 138

الشك بإلا في الجملة كلها بل في النيف فقط؛ لأنه حين أناف علمنا أن الجملة صحيحة وإنما شك في النيف فاطرح ثلث درهم من النيف فقط، وقس بهذا المعنى تهتد.

قال فضل: تكلم ابن الماجشون على أصله أن الشهود إذا شهدوا على حق ولم يسموه أن الشهادة باطلة، وهو قول أصبغ خلاف قول مطرف وروايته، وقول ابن القاسم.

قلت: في هذا الإجراء بعد وإنما بنى ابن الماجشون كلامه على عرف غالب التخاطب عنده.

وحاصله أنه لا يجيز استثناء عدد من عدد إلا كسرا من صحيح، أو صحيحا وآحادا من تثنية عقودها لا من مفردها أو العقود مما يزيد عليها بمرتبتين.

والإقرار بمطلق من صنف أو نوع يتقيد بالعرف أو السياق فإن عدما فأقل مسماه، في المعونة: إن قال: له علي دينار ولم يقل: جيدا ولا رديئا ولا وازنا ولا ناقصا ومات حكم بجيد ووازن بنقد بلده، وإن اختلف نقد البلد فقال محمد بن عبد الحكم: يلزمه دينار من أي الأصناف ويحلف إن استحلفه المقر له.

وقال شيخنا أبو بكر: يحتمل هذا والأجود أن يلزم الورثة أوسط النقود.

قلت: هذا إن لم يكن بعض الأصناف أغلب وإلا تعين الأغلب وكلفظ القاضي نقله الشيخ عنه.

زاد عنه: لو قال: له مائة درهم صغارا صدق مع يمينه فيما يدعيه منها، ولو قال: له علي درهم ثقيل فطلب منه أكثر من وزن درهم حلف وبرئ من الفضل.

قال ابن الحاجب: ودرهم على المتعامل به عرفا ولو مغشوشة وإلا فزنة سبعة أعشار دينار من الفضة.

قلت: هو قول ابن شاس تابعا لنقل الغزالي في الوجيز، ولا أعرفه لأهل المذهب، ومقتضى ما تقدم عن ابن الحكم وغيره أن الواجب ما فسره به المقر مع يمينه، ولو أقر به مقيدا للزم بقيده ما صدق عليه.

الشيخ عن ابن عبد الحكم: لو أقر بدرهم وزنه نصف درهم صدق مع يمينه إن وصل كلامه.

ص: 139

المازري: إن قيد إقراره بدنانير أو دراهم بصفة لم يؤخذ بغيرها إلا أن يقر بها ثمنا لمبيع، ويخالفه المقر له فيرجع ذلك لاختلاف المتبايعين في الثمن، وإن أقر به في ذمته عن قرض قبل إن قيده بما يقرضه الناس بينهم، وغن قيده بما الغالب أنه لا يقرضه الناس تخرج على نقل ابن سحنون فيمن أقر بقرض فلوس قيدها بأنها الفلوس الكاسدة. في قبول قوله قولان لأصحابنا.

ولو وصل الإقرار بكونها وديعة، ثم ذكر بعد ذلك أنها زيوف أو بهارج قبل قوله بخلاف، ولو قيد الإقرار بكونها غصبا ثم ذكر أنها زيوف أو بهارج لم يقبل.

ابن سحنون: لأن المقر بالغصب ذكر ما يوجب تعلقها بذمته بخلاف الوديعة فإنه يقبل منه كونها زيوفا أو بهارج، ولا يقبل منه إن فسرها بأنها رصاص أو ستوقية.

وحكى عن أبيه أنه لا فرق بين كونها زيوفا أو رصاصا إلا أن يصفها بما لا ينطلق عليه اسم دراهم كقوله: هي رصاص محض لا فضة فيها فلا يقبل منه، ولو كان تقييده غير متصل بإقراره لم يقبل تقييده بأنها ناقصة عن وزن البلد أو بهارج إلا أن يكون إقراره بها وديعة على حسب ما ذكره ابن سحنون عن أبيه.

ولابن عبد الحكم: إن أقر بدراهم وديعة، ثم قال: هي مغشوشة ففي قبول قوله قولان لابن القاسم، ولو قال: لفلان عندي دينار في منزلي ثم مات حمل إقراره على دينار جيد، ولو قال: له دينار في منزلي لا أعرف هل هو جيد أم دني ولا وزنه ثم مات حمل على أقل مسمى دينار.

المازري: لو أقر بدارهم أو دنانير أو دريهمات أو دنييرات فثلاث من المسمى، فلو قال: دراهم كثيرة أو دنانير كثيرة، فقال الأبهري: كما لو يصفها بذلك.

وقال ابن عبد الحكم: لابد من الزيادة على الثلاث، ويقبل قوله في قدر الزيادة وحدها.

ابن المواز: بواحد صحيح فأكثر، ونقل ابن عبد الحكم: حدها بخمسة.

قلت في المعونة: ذكر عن ابن عبد الحكم لأصحابنا قولين أحدهما ما زاد على الثلاثة، والآخر يلزمه تسعة، وقال بعض شيوخنا الذين درسنا عليهم: يلزمه مائتا درهم؛ لأن أصله في مال عظيم أنه نصاب.

ص: 140

قُلتُ: هو نقل الشيخ في النوادر عن ابن سَحنون: في دراهم كثيرة مائة درهم، وفي دنانير كثيرة عشرون ديناراً.

قال ابن عبد الحكم: لا معنى لقول أبي يوسف أنها مائة درهم، ولا لقول النعمان عشرة دراهم.

قُلتُ: هو الأظهر؛ لأنه اقل مسمى جمع الكثرة.

قال: ولو قال دراهم لا قليلة ولا كثيرة فهي أربعة، وليس فيه أمر لا يقصر عنه، ويجتهد في ذلك عند نزوله، وكذا إبل كثيرة أو بقر كثيرة، ونقله عنه في المعونة قال: ويحتمل أنه تلزمه زيادة على الثلاثة يرجع فيها لتفسيره على القول بذلك في دراهم كثيرة.

قُلتُ: ويتخرج فيها ثلاثة فقط من قول ذلك في دراهم كثيرة تخريجاً أحروياً، ولو قال له: عندي من مائة درهم إلى مائة أو من مائة إلى درهم.

قال المازري: لزم المجرور بمن، وفي لزوم المجرور بإلى زائداً عليه قولا سَحنون قال ابن الحاجب: ومابين درهم إلى عشرة.

قال سَحنون: عشرة مرة وتسعة مرة وثمانية مرة.

قُلتُ: لا أعرف نسبة القول بثمانية لأحد من المذهب إلا له ولابن شاس، ولم يحك ابن حارث عنه في هذه المسألة غير القولين الأولين فقط.

وكذا ذكر الشَّيخ المسألة من كتاب ابن سَحنون، وللم يحك عنه غير القولين الأولين، وقال: وكذا من جرهم إلى ثلاثة يلزمه ثلاثة، وقال: يلزمه درهمان، وإنما حكى المازري القول الثالث عن الشافعي، قال: يلزمه درهمان، وإنما حكى الناوري القول الثالث عن الشافعي، قال: لأنه جملة مابين المبدء والمنتهى.

زاد الشَّيخ عن سَحنون: لو قال له على مابين مائتي درهم إلى مائة درهم قضي له بمائة وتسعة وتسعين؛ لأنا أيقنا بمائة ولم يرد أن يكمل له مائة ثانية، وكذا مابين عشرة دراهم إلى درهم عليه تسعة، وفي قوله الآخر: يلزمه عشرة.

ابن المواز: لو قال: له علي مابين عشرة إلى عشرين لزمته العشرون إن ادعاها الطالب، وإن لم يدعها فله العشرة، فإن رجع المقر على الزائد فذلك له ويحلف إن ادعى المقر له أكثر، وإن لم يدع أكثر فلا يمين عليه، وإن تمادى المقر على شكه وادعى المقر له

ص: 141

العشرين فهي له دون يمين إن لم يكذبه المقر، ولو رجع المقر فقال: مالك إلا عشرة حلف وصدق، ـ فإ ن نكل حلف المقر له وأخذ.

قال: ولو قال: أسلفتني مابين الخمسين إلى الستين لزمته الخمسون، فإن رجع عما زاد عليها حلف إن أخلفه الطالب، فإن نكل حلف الطالب وأخذ تمام الستين إن أنكر المقر العشرة، قال: تيقنت أنها خمسون، وإن نكل وشك جبرته ليقر أو ينكر وسجنته إن طلب ذلك إلى المدعي، وقال له عبد الملك وابن عبد الحكم، وقاله مالك فيمن لا يقر ولا ينكر، وهذا صواب والاستحسان عندي إن ثبت على شكه، وقال: كيف أحلف على مالا أوقنه أحلفته ما وقف إلا لشكه، ثم يغرم العشرة بلا يمين على المدعي؛ لأن كل مدع لا يرفع قوله للمدعى عليه ولا ينكر دعواه فإنه يحكم له بدعواه جون يمين.

وتعقب التونسي المقر: بأنه إذا لزمه العشرة فلا فائدة في تحليفه على أنه إنما وقف لشكه.

المازري: وهذا تعقب حسن.

قال: لكن إن بنينا على أحد القولين أن المقر له إذا أيقن بالعشرة وتمادى المقر على شكه أنه يأخذها المقر له إلا بعد حلفه، أفادت هذه اليمين التي أستحبها محمد؛ لأن المقر له يتهم المقر في دعوى الشك. وأنه في باطنه غ ير شاك بل هو جازم بثبوتها عليه، ولو صرح بجزمه لم يكن عليه يمين عليه، ولو صرح بالإنكار طلبته باليمين؛ لكن قد يقال ان صرح بالإنكار فلزمته فله ردها عليه، فإن لم يحلف لم يستحق شيئاً، فلم يتحقق في يمينه على شكه فائدة واضحة، إلا أن يقال قد يختار التصريح برد اليمين بخلاف يمين من يجب عليه من غير أن يكون له ردها فهذا مما ينظر فيه.

قُلتُ: لم يتحصل من كلامه على تعقب التونسي جواب، ويمكن أن يجاب بأن إيجاب حلفه مع غرمه لحق المقر له في رجاء نكوله فيقر فيأخذها المقر له طيبة بها نفسه في قدومه على أخذ ماثبت أنه حق له أو حلفه على شكه فيتركها تنزها لورعه.

المازري: وأشار التونسي إلى أن ظاهر الموازية أن الشك في مثل هذا هو يسقط المشكوك فيه؛ لأن الأصل براءة الذمة، أو يقسم المشكوك فيه نصفين وهي العشرة

ص: 142

الزائدة؟ ودل قول محمد هذا بلزوم الستين على أن مابعد حرف الغاية داخل.

الشَّيخ عن ابن عبد الحكم: من قال: له عندي مابين كر حنطة وكر شعير فعليه فضل مابين الكرين، ولو قال: مابين دينار ودرهم لطرح من الدينار قيمة درهم وصار له مابقي.

ابن المواز: إن قال له عندي إردب حنطة إلى إردب شعير لزمه الأقل، فإن ادعى المقر له مازاد عليه كان له، إلا أن ينكره المقر فيحلف ويبرأ، فإن نكل بعد الإنكار حلف المقر له، وإن لم ينكل ولم يقر غرم.

المازري: من قال له عندي دينار في دينار أو درهم في درهم لم يلزمه عند سَحنون سوى درهم واحد، وقو قال: عشرة دراهم في عشرة دراهم لزمة مائة جرهم.

وقال ابن عبد الحكم: إ نما يلزمه العدد الأول ويسقط مابعده إن حلف المقر أنه لم يرد بذلك التضعيف، وضرب الحساب بناء على حمل اللفظ على المعنى اللغوي أو العرفي.

قُلتُ: قول غير واحد من شيوخنا: إن كان المقر له عالما بالحساب لزمه قول سَحنون اتفاقاً صواب إن كان المقر له كذلك، وإلا فلا.

وأول نقلي ابن الحاجب، وعشرة في عشرة.

قيل: عشرون، وقيل: وقبوله ابن عبد السلام وابن هارون: لا أعرفه ولابن شاس/ ونقل المازري كالنوادر، إلا أن يؤخذ من نقل الشَّيخ في ترجمة من قال: غصبتك ثوبا في ثوب قال فيها ما نصه: عن ابن عبد الحكم في قوله: ثوب في عشرة أثواب قولان، قيل: لا يلزمه إلا ثوب، وقيل: أحد عشر ثوباً.

قُلتُ: فجعل في كحرف العطف.

الشَّيخ عن سَحنون: لو قال له علي عشرة دراهم في عشرة دنانير لم يلزمه إلا عشرة دراهم، لأن لقوله مخرجا والجنس مختلف، ولو قال له: علي درهم في قفيز حنطة قضى يالقفيز وهذا سلم إن صدقة المقر له، وإن كذبه طالبه بالدرهم.

المازري: وصار من باب التداعي في السلم.

قُلتُ: في قبول المازري قول سَحنون في قوله: له علي درهم في قفيز حنطة أنه إقرار

ص: 143

بسلم نظر؛ لاحتمال أنه إقرار بثمن قفيز حنطة إلا أن يكذبه العرف فيه لقلته.

سحنون ولو قال له عندي عشرة أقساط زيت في قفيز حنطة قضي في الزيت فقط لفساد المعاملة، وما جاز سلم بعضه في بعض أخذ به إلا أن يجحد الطالب فيحلف يكون له ماقال المقر، وقول ابن الحاجب، في عشرة بعشرة عشرة هو قول سَحنون، لو قال: علي درهم بدرهم لم يلزمه إلا درهم، وللطالب أن يحلفه ما أراد درهمين.

المازري/ إن أقر بذي وعاء قد يستغنى عنه وينتقل بانتقاله كقوله: غ صبته ثوبا في عغيبته أو ثوبا في منديل أو قمحاً في شكارة، ففي تعلق الإقرار بالوعاء قولا سَحنون وغيره.

قُلتُ: لم يحك في المعونة عن المذهب غيره، وفي النوادر: عزو الثاني لابن عبد الحكم قال: وفي كتاب ابن سَحنون: لو قال: غصبتك ثوبا مروياً ثوب أو في ثوب مروي لزمه ثوبان، ولا يؤخذ هذا من باب الضرب في الحساب قد يدرج ثوب في ثوب، وكذا عشرة أثواب مروية في ثوب مروي يلزمه أحد عشر ثوبا مروية، ولو لم يذكر الجنس صدق الغاصب فيه.

ولو قال: ثوباً في عشرة أثواب أو في مائة ثوب فبخلاف ذلك؛ أنه معروف من كلام الناس أن الثياب تكون في ثوب وعاء لها، ولا يقال: ثوب في ثياب وعاء له، وفي ثوبه، ثوب في عشرة أثواب قولان، أحدهما: لا يلزمه إلا ثوب، وقيل: يلزمه أحد عشر.

وقول ابن الحاجب: وثوب في صندوق أو في منديل في لزوم ظرفه قولان، بخلاف زيت في جرة ظاهرة نفي الخلاف في الجرة، وهو وهم تبع فيه زاهر لفظ ابن شاس لذكر الشَّيخ قولي سَحنون وابن عبد الحكم نصا.

الشَّيخ عن ابن عبد الحكم: ولفظ الكرم يشمل أرضه، والبستان يشمل شجره وأرضه، ولفظ النخل يشمل موضع أصلها وطريقها، ومابين النخل من أرض إلا أن تقل النخل وتكثر الأرض فتشمل أصلها جون الأرض بينها، ولو أقر بعشرة أصول من هذا الكرم كانت له بأصولها.

ابن سَحنون: لو قال: شجر هذا البستان لفلان فله الشجر بأصوله من الأرض في

ص: 144

أحد قولي سَحنون، وقوله الآخر: له الشجر دون الأرض، ولابن سَحنون من قال: هذه الأمة لفلان وولدها لي كلاماً نسقاً كما قال: ثم ذكر عن لو قال هذه الأمة لفلان ولم يذكر الولد فولدها لمن هي في يده، ولو شهدت بينة أن هذه الأمة لفلان ولم يذكروا الولد قي بها وبولدها لفلان للبينة بخلاف الإقرار.

وفي غصبها: أنه غصبك هذا الخاتم ثم قال: وفصه لي أوجبه، ثم قال: وبطانتها لي أو بدار، ثم قال: وبناؤها لي لم يصدق إلا أن يكون كلاماً نسقاً، وفي النوادر عن سَحنون وأشهب مثله في مسائل عديدة، ثم قال عن ابن عبد الحكم: لو قال في باب بيده خشب: هذا الباب لغلام ومساميره لي أو بالعكس فهو كما قال: وهما فيه شريكان بقدر المسامير من الخشب، وقال أشهب.

ابن عبد الحكم: وأرى الباب كله للمقر له، وإن قال: غ صبت هذا الخاتم وفصه لي، فالخاتم والفص للمقر له ويحلف، ولو قال: لا علم لي فقد أثر أنه غصبه بالفص وادعى الفص.

قُلتُ: في نزازل سَحنون من الغصب: من قال لرجل كنت غصبتك ألف دينار وأما صبي لزمه ذلك، وكذا لو قال كنت أقررت لك بألف دينار وأنا صبي.

ابن رشد: قوله غصبتك ألف دينار وأنا بي لا خلاف في لزوم ذلك؛ لأن الصبي يلزمه ما افسد وكسر.

وقوله: كنت أقررت لك بألف وأنا صبي يتخرج على قولين:

أحدهما: أنه لا يلزمه ذلك إذا كان كلامه نسقاً وهو الأصح، وعليه قوله فيها طلقتك وأنا صبي؛ لأنه يلزمه، وكذا إن اقر بالخاتم لرجل، وقال: الفص لي أو بالبقعة وقال: البنيان لي والكلام نسق.

والثاني: أنه يلزمه وإن كان كلامه نسقاً وعليه سماع أصبّغ.

ابن القاسم: تفرقته بين أن يقول لغلام علي ألف دينار وعلى فلان وفلان، وبين أن يقول لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف دينار.

قال: لأن الأول أقر على نفسه بألف دينار فلا يقبل قوله بعد ذلك وعلى فلان

ص: 145

وفلان، وإن كان كلامه نسقاً، فعلى قوله هذا يأتي قول سَحنون في هذه المسألة.

قُلتُ: ومثل قول سَحنون هذا سمع عيسى ابن القاسم في كتاب الشركة في رسم يدير ماله.

قُلتُ: ففي لغو المقر به لتقييده بوصف يوجب لغوه مع ثبوت كونه إقراراً في نفسه، وطرح بعضه برافعه من لفظ المقر نسقا فيهما قولان لها مع أشهب ومشهور أحد قولي سَحنون، وابن القاسم وابن عبد الحكم مع أحد قولي ابن القاسم وسَحنون.

وقولنا مع ثبوت كونه إقراراً في نفسه احترازاً من قوله له علي درهم إلا درهما فإنه يلزمه درهم اتفاقاً؛ لأن له علي درهم لا يتقرر كونه إقراراً مع قوله إلا درهما.

وقوله له: علي ألف مع قوله: وأنا صبي يتقرر كونه إقراراُ، وكذا هذا الخاتم لفلان وفصه لي.

وفي تكرير الإقرار اضطراب، وله نظير في تكرير الوصية بطلي مماثل الآحاد والطلاق في كتاب الإيمان به.

الشَّيخ عن كتاب ابن سَحنون: من أشهد لرجل في موطن بمائة، ثم أشهد له في موطن آخر بمائة، فقال الطالب: هي مائتان، وقال المقر: هي مائة واحدة فقال أصحابنا جميعاً: لا يلزمه إلا مائة بخلاف أذكار الحقوق لو شهد له في ذكر حق بمائة وفي صك آخر بمائة لومه مائتان.

قال محمد: لو اشهد في موطن بمائة، وفي موطن بمائتين لزمته ثلاثمائة، ولابن حبيب عن أصبَغ: إن اقر بالأقل أولاً صدق المطلوب أن الأقل دخل في الأكثر، وإن أقر بالأكثر أولاً فهما مالان.

وقال ابن سَحنون في غير كتاب الإقرار: اضطراب قول مالك في هذا، وآخر قوله: وبه اقول قبول قول المقر فيحلف ولا يلزمه إلا مائة، وقال ابن عبد الحكم.

قُلتُ: ففي كون تعدد الإقرار تعدد واحد في مجلسين يوجب وحدته مع يمين المقر أو تعدده مع يمين المقر له قولان لسَحنون، مع ابن عبد الحكم وأحد قولي مالك.

وثانيهما قال ابن الحاجب: ولو أشهد في ذكر بمائة، وفي آخر بمائة فآخر قوليه مائة، فقبله ابن عبد السلام، وصوره بأنه أشهد له في وثيقة بمائة من عير ذكر سبب لرجل ولم

ص: 146

يذكر سببها، ثم اشهد له في وثيقة أخرى له بمائة من غير ذكر سبب، وكذلك ابن هارون وتبعوا في ذلاك لفظ ابن شاس: وهو وهم وغفلة؛ لأن المنصوص في عين المسألة خلاف ذلك وهو لفظ محمد بجلاف أذكار الحقوق، ومثله لابن رشد.

قال ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب الشهادات في رسم حمل صبياً: لو أشهد رجل على نفسه قوماً أن عليه لفلان مائة دينار ثم أشهد من الغد آخرين ـ أن له عليه مائة دينار، ثم أشهد من الغد آخرين أن له عليه مائة دينار لزمه ثلاثمائة إن طلبها ولي الحق.

قال اصبَغ في سماعه في النكاح: يعني إذا أشهدهم مفترقين ادعى أنها مائة واحدة، وارى إن كان له كتاب في كل شهادة فهي أموال مختلفة، وإن كان كتاباً واحداً فهو حق واحد، وإن كان بغير كتاب فهو مائة واحدة ويحلف، وكذا إن تقارب مابين ذلك مثل أن يشهد هنا ويقوم إلى موضع آخر فيشهد آخرين.

ابن رشد: فقول ابن القاسم يلزمه ثلاثمائة إن طلبها ولي الحق يأتي على القول بأن الشهادة لا تلفق وأنه إذا شهد لرجل شاهد أن فلاناً أقر له بمائة في يوم كذا، وآخر أنه أقر له من الغد بمائة، وثالث أنه أقر به من الغد بمائة فيحلف مع كل شاهد ويأخذ ثلاثمائة، وأما على أنها تلفق فيأخذ في هذه المسألة مائة واحدة ويحلف المطلوب مالخ علي إلا مائة واحدة ويحلف المطلوب ماله عليه شيء ويحلف المطلوب ماله عليه إلا مائة واحدة أشهد له عليها شاهداً بعد شاهد، ولا يلزمه غيرها فيأخذ في مسألة الكتاب مائة واحدة يحلف المطلوب ماله عليه إلا مائة واحدة أشهد له بها شهوداً بعد شهود فإذا نكل حلف الطالب أنها ثلاث حقوق وأخذ ثلاثمائة، فإن أنكر أن يكون له عليه شيء أصلاً أدى الثلاثمائة ولم يكن على الطالب يمين.

وقوله: يلزمه ثلاثمائة إن طلبها ولي الحق، يريد: بعد يمينه أنها ثلاث حقوق، فإن نكل حلف المطلوب أنها حق واحد وأدى مائة واحدة.

وتفرقة أصبَغ في الحق بين أن يكون بكتاب واحد في جميع الشهادات، أو كتاب في كل شهادة تفرقة صحيحة لا خلاف أنه إن كان في كتاب واحد أنه حق واحد، وكذا لا اختلاف في أنه إن أشهد قوما في كتاب أن عليه لفلان مائة دينار، ثم أشهد في كتاب آخر بمائة دينار، ثم اشهد في كتاب آخر آخرين، بمائة دينار، قم أشهد في كتاب آخر آخرين بمائة دينار، فقام الطالب بالكتب

ص: 147

الثلاثة أنه يقضي عليه بالثلاثمائة، وإنما مسالة الخلاف إذا اشهد شهوداً بعد شهود بغير كتاب وبينهما مدة امن الزمان، وإن كتب صاحب الحق بما أشهد عليه كل جماعة كتاباً على حده لم يخرج بذلك عن الخلاف.

قُلتُ: وهذا نس بخلاف نقل ابن شاس المتقدم عن المذهب فتحقق

ابن الحاجب: وبمائة عن ومائتين في موطنين، ثالثها: إن كان الأكثر أولا لزمه ثلاثمائة. ً

قُلتُ: تقدم عزو الشَّيخ لزوم الثلاثمائة مطلقاً لمحمد، وعزوة الثالث لأصبَ، ولا أعرف ثبوت الثاني وهو لزوم أكثر الإقرارين مطلقاً في المذهب نصاً إلا لابن الحاجب.

ولم يحكه ابن شاس، ولا يؤخذ من قبل الشَّيخ قول ابن سَحنون في غير كتاب الإقرار اضطراب قول مالك في هذا، وآخر قوله أنه لا يلزمه إلا مائة، لأن ذلك إنما هو راجع لإقراره بمائة مرتين، وقد يؤخذ من قولها في كتاب السلم الثاني وكتاب الشهادات: من أقام شاهداً بمائة دينار وشاهداً بخمسين، فإن شاء حلف مع شاهد المائة، وقضي له بها وإلا أخذ خمسين بغير يمين، فلم يجعل له حقاً إ لا في أكثر الإقرارين أو في أقلهما لا في مجموعهما، هذا ظاهر المدونة.

ةقال الصقلي: قال بعض شيوخنا القرويين: هذا إن كان في مجلس واحد، ولو كان في مجلسين، وادعة الطالب كلها خلف مع كل شاهد وأخذ مائة وخمسين.

ولابن حارث في كتاب الرهن: أو قال: لي عند فلان مائة دينار بذكر حق ومائة برهن، فقال الغريم: هي مائة واحدة بها الرهن وذكر الحق ففي لزومه مائة واحدة أو مائتان قولا لابم القاسم أولاً وقانياً، وصوب ابن حارث الأول مائة وخمسين.

وفي النوادر من كتاب ابن سَحنون: من أقر بثمن عليه ألف دينار من ثمن خمر أو خنزير أو من ثمن حر، وقال الطالب/ هي من ثمة بز لزمه المال مع يمين الطالب، وقال ابن عبد الحكم، وقال: اشتريت منك خمراً بألف درهم لم يلزمه شيء، لأنه لم يقر أن له عليه شيئاً.

المازري: من قال لك علي مائة دينار زوراً، فالمنصوص لا يصدق ويقضى عليه بإقراره.

ص: 148

قُلتُ: عزاه الشَّيخ لكتاب ابن سَحنون قائلاً: في اجماعنا قال: ومن قال: لفلان علي دنانير من ثمن سلعة لم اقبضها، ففي قبول قوله لم أقبضها نقلاه عن سحنون وعزا الثاني لابن القاسم.

قال أصبَغ: ولا يحلف البائع إلا أن يقوم عليه بحرارة البيع.

فال ابن عبد الحكم: على البائع البينة بدفع السلعة، وقول ابن الحاجب بخلاف قوله: اشتريته بألف دينار ولم أقبضه هو نقل الشَّيخ عن ابن القاسم لو أقر أنه اشتراها وأنه لم يقبضها نسقاً متتابعاً قبل قوله.

قال: وفي كتاب ابن عبد الحكم: من أقر لرجل بألف درهم من ثمن بز اشتراه منه، ثم قال بعد ذلك: لم أقبض البز منه حلف المقر وقبل قوله: سواء وصل كلامه أو لا.

ابن الحاجب: وعلي ألف من ثمن خنزير، ثم أقام بينه أنه ربما لم يثبل على الأصح، كما لو قال: بألف قضيته ألفا، بخلاف قضيته بعد إقرار المقر له.

قُلتُ: قوله: من ثمن خنزير إلى آخره، كذا وقع في جميع مارأيت من نسخه بلفظ خنزير بالخاء المعجمة، وهو المذكور في قوله تعالى:(وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ)[البقرة: 173] وعين هذه المسألة لم أقف لأحد غيره فالله أعلم من أين جلبها، ولم أجدها في وجيز الغزالي ولا غيره.

ومقتضى قوله: أن القول الأول فيها لزوم إقراره بالألف كإقراره بألف من ثمن خنزير دون بينة، وهذا؛ لأن البينة التي أتى بها غير مطابقة لدعواه لعدم ترادف لفظ ثمن خنزير ولفظ ربا، ومقابل الأصح إعمال البينة، وهذا إن وجد في المذهب وجهه أن القول بأن الربا صادق على ثمن كل بيع فاسد حكاه اللخمي في كتاب الصرف.

وفي الجواهر لابن شاس ما نصه: ولو أقر على نفسه بمال من ثمن خنزير مثلاً ثم اقام بينه ـأنه ربا وإنما أقر أنه من ثمن الخنزير لزمه المال بإقراره أنه من ثمن خنزير إلا أن يقيم بينه على إقرار الطالب أنه ربا.

قال ابن سَحنون: تقبل منه البينة أن ذلك ربا ويرد إلى رأس مال، وبالأول قال سَحنون.

قُلتُ: لفم اقف على هذه المسألة في النوادر، ولا في كتاب الدعوى والصلح

ص: 149

في العتبية.

الشَّيخ: عن كتاب ابن سَحنون: من قال لفلان علي ألف درهم وقضيتها كاملاً متصلاً بكلامه غرمها إلا أن يقيم بينه بإ جماعنا، ولو قالك بعد إقراره بها قضيته إياها قبل الاقرار لم تقبل له بينة بذلك.

وله في ترجمة الإقرار على جهة الشكر لابن حبيب عن ابن الماجِشون: من قال لقوم أسلفني فلان مائة دينار وقضيته إياها صدق، ولو قالها عند السلطان لم يصدق؛ أن ما كان على وجه الشكر أو الذم لم يؤخذ بهن وقال مالك وجميع أصحابه.

وفي شهادتها: من أقر أنه كان تسلف من فلان الميت مالا وقضاه إياه، فإن كان عن زمن لم يطل غرم، وإن طال من ذلك خلف وبريء إلا أن يذكر ذلك بمعنى الشكر، فيقول: جزى الله فلاناً أسلفني وقضيته فلا يلزمه قرب الزمان أو بعد.

وسمع عيسى ابن القاسم: من أشهد أنه تقاضى من فلان مائة دينار كانت له عليه فجزاه الله خيرا فإنه أحسن قضائي فليس لي عليه شيء، فقال: المشهود له بذلك كذي إنما أسلفته المائة سلفاً، فالقول قول المشهود له.

ابن رشد: هذا مثل مافي آخر كتاب المديان منها، مافي سماع يحيى، أن من أقر بالاقتضاء لا يصدق أنه اقتضاه من حق له وإن كان إقراره ع لى وجه الشكر، ومن قوله من كتاب الشهادات منها، وفي سماع سَحنون ابن القاسم بعد هذا: أن من اقر بسلف ادعى قضاءه على وجه الشكر أنه لا يلزمه.

والفرق أن السلف معروف يستحق فاعله الشكر وقضاء الحق واجب لا يستحق صاحبه الشكر وهذا على أصل ابن القاسم، وعلى أصل أشهب أنه لا يؤخذ أحد بأكثر ما أقر به بكون القول المقتضي، وقال ابن الماجِشون نصّا في هذه المسألة ويقوم من هذه المسألة أن من عليه وثيقة بحق قضاه، وطلب قبض الوثيقة أو حرقها أنه ليس له ذلك، وإنما له أن يشهد له فيها وتبقى بيد ربها، لأنه يدفع بها عن نفسه خوف أن يستدعي دافع الدين بينه بإقراره رب الدين بقبضه أو بحضورهم دفعه، ولم يعلم على أي وجه كان دفعه، وإقامه شيخنا ابن رزق من آخر مسالة من كتاب المديان.

قُلتُ: وقد تقدم هذا فيما أظن وسمع سَحنون ابن القاسم من قال لفلان علي دينار

ص: 150

فتقاضاه مني أسوأ التقاضي فلا جزي خيراً، فيقول المقر له ماتقاضين منه شيئاً، الدين باق على المقر وليس كمن على وجه الشكر.

ابن رشد والشكر إنما هو معتبر في قضاء السلف، لأنه معروف يوجب شكراً؟

ولو اقر يدين من غير قرض وادعى قضاءه ولم يصدق، رواه ابن أبي أويس، وسواء كان عندي على وجه الشكر أم لا.

ومن قال: لفلان علي ألف درهم إن شاء الله أو أن قضى الله ذلك أو بذلك ففي لزومها نقلا الشَّيخ عن سَحنون مع نقل ابنه عن جميع أصحابنا، ومحمد مع ابن عبد الحكم، وله عن ابن سَحنون: له علي ألف درهم إلا أن يبدو لي لا يسقط بحال، ولو قال: لفلان علي ألف درهم إن شاء فلان لم يلزمه ولو شاء ذلك، أنه خطر كقوله له علي ألف درهم إن تكلم أو أن دخل الدار وقاله محمد، قال: كقوله: فلان مصدق في شهادته على أن ذلك لا يلزمه.

ومن قال: علي الف درهم في شهادة فلان ففي لزومه قولا سَحنون، ومحمد عن ابن عبد الحكم قائلين: لو قال بشهادة فلان أو علمه لزمه.

سَحنون: لو قال بقول فلان ـأو في قوله لم يلزمه، لأنه في مخرج الإنكار كأنه يقول فلان يقوله لا أنا.

ومن قال لفلان: علي ألف درهم فيما أعلم أو في علمي أو فيما أظن أو فيما أحسب ـو فيما ارى ففي لزومه.

نقلا عن سَحنون قائلاً: وكذا فيما أظن أو فيما رأيت، ومحمد مع ابن عبد الحكم قائلين، وكذا فيما يحضرني؛ أنه شك فيسقط كالشهادة، ورده سَحنون بأن الشك لا اثر له في الإقرار.

ابن سَحنون: وقوله: في حسباتي أو في ذكري أو في كتابي أو بكتابتي يلزمه في إجماعهم.

قُلتُ: الأظهر أن في حسباتي مثل فيما أحسب، ولابن جبيب عن ابن الجاجشِون من قال لرجل: لا أعلم إ لا أن فلاناً أعطاني من طعامك أو ما أظن إلا أن لك عندي عشرة أصع لم يلزمه ذلك إن اعاه المقر له إلا بإقرار صحيح، ويحلف مايحق ذلك وما

ص: 151

هو إلا ظن وإن أنكر أن يكون قاله فشهد به عليه شاهد واحد فيحلف ماشهد به الشاهد لباطل.

قُلتُ: في الواضحة لابن الماجِشون، من قالك لفلان علي عشرة دنانير أعطيه كل يوم ديناراً، وقال المقر له هي حالة،، قبل قول المقر مع يمينه، ونحوه في النوادر في ترجمة الإقرار بشرط اليمين عن ابن عبد الحكم.

وفي زاهي ابن شعبان ما نصه: ومن اقر لغيره بمال منجم أو مؤجل، فقال المقر له هو حال ففيها قولان، أحدهما: يحلف المقر له ويكون حالاً، والآخر أن المقر يحلف وبقبل قوله، وقد اختلف في يمين المقر وهذا أحوط وبه كان يقضي متقدمو قضاة مصر.

قال ابن الحاجب: وألف مجل يقبل في تأجيل مثلها على الأصح بخلاف مؤجله من قرض، فقبل.

ابن هارون وابن عبد السلام نقله أن حكم القرض الحلول دون ذكر خلال فيه، ولا أعرف هذا لغير ابن الحاجب، وظاهر ما نقلته عن لفظ الواضحة ولفظ الزاهي أن لا فرق بين القرض وغيره، بل قبول قوله في القرض أبين وأحرى من قبوله في المعاوضة؛ لأن غالب المعاوضة النقد وغالب القرض التأجيل.

الشَّيخ عن كتاب ابن سَحنون من قال لفلان علي مائة درهم أن حلف، أو إذا حلف أو متى حلف أو حين يحلف أو مع يمينه أو في يمينه أو بعد يمينه فخلف فلان على ذلك ونكل المقر فلا شيء عليه في إجماعنا، وقاله ابن عبد الحكم قائلاً: إن حلف مطلقاً أو بطلاق أو عتق أو صدقة، أو أن استحل ذلك أو إن كان يعلم ذلك أو إن أعارني رداءه أو دابته فأعار ذلك، أو إن اشهد بها علي فلان فشهد، ولو قال: إن حكم بها علي فلان فتحاكما إليه، فحكم بها عليه لزمه.

ابن سَحنون: من أنكر ما اعى به عليه فقال له المدعي احلف وأنت بريء أو متى حلفت أو أنت بريء مع يمينك أو في يمينك فحلف فقد بريء، ولو قال له الطالب لا تحلف لم يكن له ذلك، وكذا إن قال: المطلوب للمدعي احلف، وأنا أغرم لك فحلف لزمهن ولا رجوع له عن قوله.

ونوقض قول سَحنون بعدم اللزوم في قوله: إن حلفت فحلف بقوله احلف، وأنا

ص: 152

أغرم أنه يلزمه، ومثله قول حمالتها: احلف أن الحق الذي تدعيه قبل أخي حق وانا ضامن أنه يلزمه ولا رجوع له ن ويلزمه ذلك أن حلف المطلوب، وإن مات كان ذلك في ماله.

ويجاب بأن شرط لزوم الشيء إمكانه وهو غير ثابت في قوله: إن حلفت وأخواته لما علم أن ملزومية الشيء للشيء لا تدل على إمكانه فلم يلزمه الإقرار لعدم إثباته في لفظه بشرطه وهو الإمكان، ولزومه ذلك في قوله: احلف لاتيانه بما دل على ثبوت شرط اللزوم وهو الإمكان للدلالة صيغة افعل عليه، لأن كل مطلوب عادة ممكن، ومن تأمل ما قلناه تبين له الجواب عما أشار إليه ابن سهل من مناقضة قول سَحنون المتقدم لأصل المذهب، لأنه قال في أول كتابه في باب الإيمان والخلطة ما نصه سئل ابن عتاب عمن وجبت عليه يمين فردها على طالبها بمحضره فسكت من ردت عليه، ومضى زمان وأراد أن يحلف فقال الراد: أنا أحلف، لأنك لم تقبل حين رددتها إليك، فأجاب بأن القول قول من ردت عليه هو قول مالك وعامة أصحابه.

قال ابن سهل: ما أجاب هو سماع أصبَغ في الدعوى والتفليس وفي رسم الجواب من سماع عيسى وفي ديات المدونة؟

ولسحنون: من قال لفلان علي مائة درهم إن حلف، فحلف أنه لا يلزمه فتدبره

قُلتُ: فتدبره إشارة إلى مخالفته لابن عتاب، وتعقب ابن عبد السلام قولها ويلزمه ذلك إن حلف المطلوب، وإن مات كان ذلك في تركته بأنها هبة لم تقبض، وأجاب بأنه أدخله في عهدة الحلف.

قُلتُ: هذا يدل على أنه لو مات قبل حلفه لم يلزمه في تركته بأنها منه وهو وهم، ولفظ المدونة يدل على لزومه ولو مات قبل حلفه، لأن فيها ما نصهن من قال لرجل احلف أن ما تدعيه قبل أخي حق واغرمه ولا رجوع له، لأنها حمالة لازمة كالجين.

قال ابن القاسم/ ولو مات الضامن كان ذلك في ماله.

وقال اللخمي: من قال لرجل ماثبت لك قبل فلان فأنا كفيل به لزمه ذلك في الحياة، واختلف أن مات القائل ثم اثبت المدعي حقه، فقال ابن القاسم: ذلك في ماله

ص: 153

وقيل: ذلك ساقط لأنها كهبة.

وقال الصقلي: ليس هذا كهبة لم تقبض؛ لأنتها على أصل معاوضة لمن له الدين، وفي الإقرار بأحد أمين اضطراب.

الشَّيخ عن سَحنون: من قال لرجل: لك هذه الشاة أو هذه الناقة لزمته الشاة وحلف ما الناقة له.

محمد: يقال له أعط أيهما شئت بلا يمين، إلا أن يدعي الطالب ارفعهما أو كليهما فيحلف المقر ولا يلزمه إلا ما اقر به، وقال أشهب.

وقال ايضاً: إن أقام المقر على شكه أخذ المقر له ماشاء منهما دون يمين، فإن رجع المقر فقال: ماله شيء منهما وادعاهما الطالب قضي له بقيمة أدناهما، وقال أشهب: بأدناهما لا يعينه.

ابن عبد الحكم: القول قول المقر مع يمينه، فإن قال: ماله شيء منهما وادعاهما الطالب قضي له بقيمة أدناهما لا بعينه. ولسحنون: من قال: له علي ألف درهم بيض أو سود، لزمته البيض وحلف في السود.

ابن عبد الحكم: وقيل: يلزمه الأقل ويحلف على الأكثر، وكذا له علي ألف درهم وخمسمائة، فإن نكل حلف الطالب وأخذ الألف، فن مكل فليس له إلا خمسمائة وكذلك ألف درهم أو نصفها.

سَحنون: إن قال له علي كر حنطة أو كر شعير لزمته الحنطة وحلف في الشعير، وإن قال: له علي ألف درهم ودينار أو كر حنطة لزمه الألف في إجماعهم.

سَحنون: ويلزمه الدينار ويحلف في الكر، فإن نكل حلف الآخر وأخذ الكر مع الألف والدينار، ون نكل الطالب سقط الكر وأخذ الألف والجينا ولو قال: له علي مائة درهم وكر حنطة لزمته المائة، والكر الحنطة في إجماعنا ويحلف عند سَحنون في الدينار، فإن نكل حلف الطالب وأخذه، فإن نكل سقط الدينار وأخذ المائة والكر، وإن قال علي ألف درهم ومائة دينار أو كر حنطة وكر شعير لزمه الألف في إجماعنا، وتلزمه المائةعند سَحنون ولزمه الكر شعير في إجماعنا، ويحلف عند سَحنون في كر

ص: 154

الحنطة، فإن نكل حلف الطالب وأخذه مع الألف والمائة وكر الشعير، فإن نكل في كر حنطة سقط وكان له الألف والمائة وكر الشعير، فأما الألف وكرا الشعير فقد جاء معوناً فيهما، وأما المائة وكر حنطة فقال سَحنون يغرم المائة، لأنه لم يوقع فيها شكا ويحلف في الحنطة والشعير.

وقال المازري: من قال لفلان علي كذا وكذا ففي لزوم إقراره بالأول فقط مع حلفه على نفي الثاني إن ادعاه المقر له، ولزوم حلفه على شكه وحلف المقر له على شكه إن شك قولا سَحنون وابن القاسم في العتبية مع غيره، وعليه أن حلفا أو حلف المقر له فقط كانا بينهما، فإن ادعى المقر أعلاهما ففي أخذه إياه بيمين أو دونها قولان، فإن نكلا معا ففي كونهما بينهما أو للمقر له أدناهما، ثالثهما، قيمته لابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم محتجا بأنهما لو كانتا جاريتين لم يجيز للمقر له وطء أدناهما إذا قضى له بها لمنع إباحة فرج بشك.

المازري: لا يتحتم المنع بل يجري في جواز وطئه على القولين في جواز وطء بائع أمة ردت إليه بإنكار مبتاعها شراءها وفسخ بيعهما لاختلافهما.

قُلتُ: ما عزاه لابن القاسم هو سماع عيسى، من قال لرجل في ثوبين له: أحدهما لك والآخر لي، وقال سَحنون: إنما هو في قوله: هذا الثوب لك أو هذا الآخر حسبما تقدم في نقل النوادر، ولا يلزم من قول ابن القاسم بالشركة في الأولى قوله بها في الثانية لجواز عده إياه ولذا جعلهما ابن الحاجب مسألتين.

ومن قال: لزيد علي مائة درهم أو لعمرو، ففي غرمه لكل منهما مائة دون حلفه وغرمه مائة واحدة بعد حلفه لا شيء عليه غ يرها يقتسمانها بعد إيمانهما ونكولهما كحلفهما، ثالثها، يلزمه إ قراره للأول بعد حلفه لا اعلمها للثاني وحلف المقر لا شيء له عليه إن نكل حلف الثاني وغرم له مائة أخرى.

للمازري عن محمد قائلاً: لو مات المقر فعلى كل منهما اليمين لجواز أن لو بقي حيا انتقل عن الشك وأنكر الإقرار، وابن عبد الحكم وسَحنون مع أشهب، وعلى الثاني قال ابن عبد الحكم: إن نكل عن الحلف لهما غرم لكل منهما مائة، وإن حلف لأحدهما بريء منه وغرم للآخر مائة، فإن قال: قال أحدهما مالي شيء، وقال الآخر: هي لي وحلف

ص: 155

المقر فلا شيء لواحد منهما؛ لأن الإقرار ثبت لواحد بغير يمينه، فإذا تبرأ أحدهما منها أمكن أن تكون له، فلم يكن للآخر شيء، ولو عادل في شكه أكثر من واحد لأكثر من واحد كقوله علي ألف درهم لزيد وعمرو، أو لخالد وجعفر فهو كمعادلة واحد بواحد، وكذا واحد بأكثر منه وتجيء الأقوال الثلاثة.

الشيخ والمازري: من قال: لزيد عندي مائة درهم بل هي لعمرو وغرم لكل منهما مائة.

ولو قال: غصبت هذا العبد من زيد بل من عمرو فهو للأول وغرم للثاني قيمته، وبالإجماع عليه رد سحنون قول أشهب من قال: غصبته من زيد أو من عمرو بل من خالد، العبد لزيد ويحلف لمن شك فيه.

ويجاب: بكون العطف للإضراب عن كون الشك بين الأولين لكونه بين الأول والأخير لا الإضراب عن الشك إلى الجزم فإنه للأخير، واتفقنا في قوله: غصبته من زيد وعمرو بل من زيد على أنه بينهما نصفان بإقراره أولًا، والإضراب أوجب لزيد قيمته أجمع لضرر الشركة أو نصفه ونصف قيمته بعد حلف كل منهما لصاحبه أن لا حق لهما فيه ونكولهما كحلفهما، فإن حلف مستحق النصف وحلف الآخر اختص به، وغرم للناكل نصف قيمته لإتلافه عليه النصف الذي أقر له به أو لا؛ لإضرابه عليه بنكوله لغيره، ولو نكل مستحق جميعه كان له نصفه ونصف قيمته على المقر.

وقول ابن سحنون: وهذا يدل على صحة قول سحنون دون أشهب فيرد بالجواب المتقدم فتأمله.

وأنكر سحنون تفرقة أصبغ في قوله: غصبته من زيد بل من عمرو وأنه إن قال: بل بعد قبضه الأول غرم للثاني نصف قيمته وإلا كان بينهما.

المازري: ونحو قول أصبغ قول أشهب: من ورثه ولد له فقال هذه وديعةٌ عند أبي لفلان وفلان معه نسقًا قضي بها لهما، ولو قال لفلان: ثم بعد حين قال: ولفلان معه أو لفلان دونه، فإن كان عدلًا حلف المقر له آخرًا معه وقضي له بموجب الشهادة، وإن لم يكن عدلًا أو نكل المقر له آخرًا عن الحلف قضي بذلك للمقر له أولا، ولا غرم على الوارث إلا أن يدفع ذلك للمقر له أو لا فيغرم للثاني حقه لاستهلاكه.

ص: 156

الشيخ في كتاب ابن سحنون: من قال في عبد بيده: هو بينه وبين فلان، ثم قال: هو بيني وبين فلان آخر، ثم قال: هو بيني وبين ثالث، فقيل: للأول نصفه، وللثاني نصف نصفه، وللثالث نصف ربعه ويبقى للمقر ثمنه.

وقال سحنون: قال بعض أصحابنا للثاني: نصف العبد الذي بقي له، وللثالث قيمة نصف العبد؛ لأنه أتلفه عليه بإقراره.

ولو أقر بالعبد كله لرجل، ثم أقر به لآخر فهو للأول ولا شيء للآخر، قال أشهب: إلا أن يدفعه لمن أقر له به أولا فيغرم للثاني قيمته.

قال المازري: هذا نفس القول بأن لا غرم على المقر لكونه إتلافًا بالقول دون فعل، وقد اختلف في قتل البينة بزنا محصن رجم بشهادتها؛ لرجوعها عن شهادتها مقرةً بتعمد الكذب بناءً على أن القول الموجب لأمر كفعله أو لا.

ومن قال في ثوبين بيده: أحدهما فلان، فإن عين له أجودهما أخذه، وإن عين أدناهما وصدقه فكذلك دون يمين، وإن أكذبه أحلفه، وإن شك وادعى المقر له أدناهما أخذه دون يمين، وإن ادعى أجودهما ففي أخذه بيمين أو دونها.

نقلا ابن رشد عن ابن القاسم في تضمين الصناع: مع سماع عيسى في كتاب الدعوى ومحمد: وإن شكا ففي سماعه عيسى يحلفان وإن حلفا أو نكلا أو حلف أحدهما كانا شريكين.

ابن رشد: هذا على لحوق يمين التهمة ورجوعها لتهمة كل منهما صاحبه أنه يعلم أجودهما له فشركتهما بحلفهما أو نكولهما واضح لاستوائهما، وإن نكل أحدهما فكذلك؛ لأن نكول أحدهما يوجب رد اليمين على صاحبه أن لا حق له؛ لأن يمين التهمة إنما ترجع على البت وهو قد نكل عنها بحلفه أنه لا يعلم أنهما له، وعلى عدم لحوق يمين التهمة يكونان شريكين دون أيمان، وعلى لحوقها وعدم رجوعها إن نكل المقر وحلف المقر له كان له أجودهما، وفي العكس أدناهما.

وفي السماع لعيسى عن أشهب: إن نكلا كان للمقر له أدناهما، وكذا حكاه المازري عنه، ووجهه بأنه بناءً على أن ما شك فيه المقر ساقطٌ بأصالة براءة الذمة، والآخر بناءً على أن تساويهما كمالٍ تداعياه فيقسم بينهما.

ص: 157

قلت: هذا يعم قول أشهب في نكولهما وحلفهما.

ويرد توجيهه إياه بأصالة براءة الذمة بأن تعلق إقرار المقر إنما هو بمعينٍ لا بشيء في ذمته، وتوجيهه بأصالة دلالة يد الحوز على الملك واستصحابه حتى يترجح رافعه أقرب ولعله مراده.

والاستثناء في الإقرار على قواعده وتقدم منه في الطلاق، وإيجاز تحصيله جواز استثناء الأقل في غير العدد اتفاقًا.

وفي كونه فيه كغيره وقصر جوازه على استثناء الكسر أو شبهه ككون المستثنى قبل المستثنى منه بمرتبتين قولا الأكثر، ونقل الآمدي عن بعضهم مع قول ابن الماجشون.

وفي جوازه في المساوي قولا والأقل مع أحد قولي ابن الطيب.

وفي جواز الأكثر قولا الأكثر والأقل مع ابن الماجشون وأحمد.

المازري: اعتذر بعض الأشياخ عن ابن الماجشون فإنه لم يخالف في حكمه، وإنما خالف في استعمال العرب إياه وأنه يقول في القائل له علي مائة درهم إلا تسعين إنما تلزمه عشرة.

قلت: وحكى في المحصول والمستصفى الإجماع على لزوم واحد فقط في علي عشرة إلا تسعة، ورده ابن التلمساني بأن خلاف أحمد يمنع تقرر الإجماع.

وأخذ ابن عبد السلام مثل ما تؤول عن ابن الماجشون من منع استثناء الأكثر لغة مع إعمال حكمه من قول مالك في أكرية الدور: من أكرى مساكن له واستثنى ربعها بربع الكراء أو ربعها بغير كراء جاز؛ لأنه إنما باع ربعها، ولا ينظر إلى اللفظ إذا صح العمل يرد بأن لفظها في الأم.

قلت: إن اكتريت منك مساكن واستثنيت ربعها بربع الكراء، أو ربعها بغير كراء، أيجوز في قول مالك؟

قال: لا أرى به بأسًا، وكذا الرجل يبيع الدار ويستثنى ثلاثة أرباعها أنه جائز؛ لأنه إنما باع ربعها، وهذا قول مالك؛ لأنه إذا صح العمل لم ينظر إلى لفظهما.

قلت: فقوله إذا صح العمل إلخ يحتمل عوده إلى لفظهما في استثناء الأكثر فيصح الأخذ، ويحتمل عوده إلى عدم سقوط مناب المستثنى من الثمن إذا لم ينص على

ص: 158

سقوطه؛ لأنه المتعارف بينهما، وهو خلاف ظاهر لفظهما؛ لأن ظاهره يوجب سقوط المستثنى من الثمن.

وبيانه أن قوله أكريت منك هذه الرباع بأربعة دنانير إلا ربعًا ظاهر في أن الثمن المذكور إنما هو لجملة الربع، فإذا أخرج ربعه بالاستثناء وجب سقوط منابه من الثمن كاستحقاقه، لا لأن عرف تخاطبهما دل على خلافه، فيكون قوله: ولا ينظر إلى لفظهما راجعا إلى هذا لا إلى استثناء الأكثر، ويؤيد ترجيح هذا الاحتمال ومساواته الأول المانعة من ترجيح الأول عليه إنه هو المسئول عنه في لفظ السائل وليس لفظ سؤال عن استثناء الأكثر بوجه فتأمله.

وفي المستغرق طريقان الأكثر على نقل الاتفاق على منعه.

القرافي: حكى ابن طلحة في مختصره المعروف بالمدخل فيمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا قولين أحدهما أنه استثناء ينفعه، والآخر لا ينفعه ويلزمه الثلاث.

القرافي: نص العلماء على منعه في المذكور بعينه عطفًا كقوله قام زيد وعمرو وخالد إلا عمرًا، وجوز أصحابنا أنت طالقٌ واحدةً وواحدةً وواحدة إلا واحدةً، وما عملت فيه خلافًا.

قلت: ابن الماجشون يمنعه؛ ولكن يتم السؤال بجواز البعض فضلا عن الأكثر لاتفاقهم على منعه في عين المعطوف.

قال: وعللوا جوازه في العدد بأن للثالث عبارتان الثلاث وواحدةٌ وواحدةٌ وواحدةٌ، فكل ما صح في الثلاث صح في المعطوفات، ولأن خصوص الوحدات ليست مقصودة عند الفقهاء بخلاف زيد وعمرو، ويلزم على هذا إن قال له: علي درهمٌ ودرهمٌ ودرهمٌ إلا درهمًا لا يلزمه إلا درهمان؛ لأن الدنانير والدراهم لا تتعين ولم أر لهم فيه نقلًا.

قلت: قوله لم أر لهم فيه نقلًا قصورٌ لنقل المازري في كتاب الإقرار ما نصه: في قول الرجل له عندي درهمٌ ودرهمٌ ودرهمٌ إلا درهما مسلكان.

قال بعض العلماء: لا يلزمه سوى درهم؛ لأنه في قوله: له عندي ثلاثة دراهم، ولا فرق عند العرب بين قوله ثلاثة دراهم وعبارة الثلاثة، ولأن بعض النحويين جعلوا

ص: 159

جاءني الزيدون بدلًا من جاءني زيد وزيد، وقال بعضهم: هو كاستثناء كلٍّ من كلٍّ فيبطل.

وفي النوادر: قال ابن سحنون: من أقر بألف درهم إلا مائتي درهم وعشرة دنانير إلا قيراطًا، فإن المائتي درهمٍ والعشرة دنانير إلا قيراطًا كلاهما استثناء من الألف الدرهم في قول سحنون وأهل العراق.

وإن أقر بألف درهم ومائة دينار إلا مائة درهم وعشرة دنانير فاستثناؤه جائز، وعليه تسعمائة درهم وتسعون دينار عند بعض أصحابنا وأهل العراق، وقال آخرون المائة درهم والعشرة دنانير تحط من المائتين، وقال ابن عبد الحكم: وبالقول الأول.

قلت قوله: قوله قال في الأول نص في تغاير القولين، ولا تغاير بينهما في قدر ما يلزمه منهما بل فيما يتفرع عليهما.

قال ابن سحنون: إن أقر بألف درهم ومائة دينار إلا ألف درهم فقيل: استثناؤه باطل كمن استثنى جميع أحد النوعين، وقيل: يجوز وتحط الألف درهم من المالين، ولا يلزمه إلا مائة دينار، قال: وإن أقر بألف درهم ومائة دينار إلا درهمًا جاز في إجماعنا.

قال بعضهم: والاستثناء من الدراهم، وقال سحنون: يحط من المالين درهم، وإن كان الإقرار لرجلين بطل الاستثناء من الأول ويكون كمن سكت ثم استثنى، وإن استثناه من الأجزاء وأبهم استثناءه جعلناه منه وجاز.

المازري: إن قال: صرفته جملتين فض عليهما المستثنى، فما ناب الأول بطل، وما ناب الجملة الثانية صح.

وإن أقر بألف درهم إلا مائة وخمسين أدى تسعمائة وحلف في الخمسين، فإن نكل حلف الطالب أن استثناءه المائة باطل وأخذ تسعمائة وحلف في وخمسين، فإن نكل أخذ تسعمائة.

قلت: كذا وجدت هذا الفرع في نسختين من النوادر عتيقتين بلفظ: فإن نكل حلف الطالب أن استثناءه المائة باطل وأخذ تسعمائة.

وصوابه استثناءه الخمسين التي هي نصف المائة، وتقريره أن الخمسين في لفظ المقر يحتمل كونها معطوفة على المستثنى منه، فيجب عليه غرمها مع التسعمائة الواجبة

ص: 160

عليه، وهي الباقية عليه بعد استثنائه المائة من الألف، فيكون الواجب عليه على هذا التقدير تسعمائة وخمسين، ويحتمل قولها معطوفة على المائة المستثناة فتكون مسقطة مع المائة من الألف، والاحتمال الأول كدعوى عليه فيحلف على نفيه ليسقط عنه غرم الخمسين زائدة على التسعمائة، فإن نكل انقلبت اليمين على الطالب، فيحلف أن استثناءه الخمسين باطل، فيثبت كونها معطوفة على المستثنى منه فيجب له عليه تسعمائة وخمسين.

المازري: من قال لزيد: علي مائة دينارٍ ومائة درهمٍ إلا دينارًا، في حط الدينار من الدنانير أو من مجموع المالين قولان، وعليهما لو قال: له علي ألف درهم ومائة دينار إلا ألف درهم ففي بلاطن استثنائه قولان، بناء على أن استثناء الألف من الألف أو من المجموع منهما ومن المائة كالقولين في له عندي كر حنطٍة وكر شعيٍر إلا كر حنطٍة وقفيز شعيٍر بلزوم كر حنطٍة وكر شعيٍر، مسقطًا منه قفيز شعيٍر للغو استثناء كر حنطٍة؛ لأنه مستغرٌق بصرف الاستثناء لآحاد الجمل لا لمجموعها وعدم لزومه بصرف الاستثناء للمجموع، فلا يلزمه إلا باقي كر الشعير عن إسقاط قفيز منه.

وتكرر الاستثناء بغير عطف قالوا على صحته من العدد وصحة استثناء الأكثر وكونه من النفي إثباتًا لو قاله له علي عشرةٌ إلا تسعةً إلا ثمانيةً، ثم كذلك إلى واحدٍ لزمه خمسةٌ.

قُلتُ: ضابطه أن تطرح مجموع كل استثناءٍ هو وترٌ من مجموع كل استثناء هو شفعٌ مع المستثنى منه أولا فما بقي فهو الجواب، ومجموع كل استثناء هو وترٌ في مسألتنا هو خمسةٌ وعشرون مجموع تسعةٍ وخمسةٍ وثلاثةٍ وواحدٍ فذلك خمسةٌ وعشرون صح، ومجموع كل استثناء هو شفعٌ في مسألتنا هو ثمانيةٌ وستةٌ وأربعةٌ واثنان فذلك عشرون إلى المستثنى منه أولًا، وهو عشرةٌ جميع ذلك ثلاثون، اطرح منها المجموع الأول وهو خمسةً وعشرين، الباقي خمسةٌ وهو الجواب المقر به.

فلو قال له عندي عشرة إلا سبعةً إلا خمسةً إلا واحداً فالاستثناء التور فيها سبعةٌ وواحدٌ، فذلك ثمانيةٌ تطرحها من الاستثناء الشفع وذلك خمسةٌ فقط مع المستثنى منه أولا، وذلك خمسة عشر، الباقي سبعةٌ وهو الجواب.

ص: 161

الشَّيخ عن كتاب ابن سَحنون: من أقر بدار بيده أنها لفلان إلا بيتًا معلومًا فإنه لي قبل استثناؤه، وكذا إلا تسعة أعشاره، ومثله لمحمد بن سَحنون عنه مع أشهب: من قال هذه الدار لفلان وهذا البيت لي صدق إن كان كلامه نسقًا.

ابن عبد الحَكم عن أشهب: إن قال جميع الدار لفلان ونصفها لي صدق، وكذا في الموازيَّة.

ابن عبد الحَكم: لو قال غصبته جميع هذه الدار وبيتها لي لم يقبل، وقد أقر بغصبه جميعها، كأنه قال: غصبتك بيتا هو لي، ولو قال: هذه الدار لفلان ولكن بيتًا منها لي صدق مع يمنه.

ابن عبد الحَكم عن أشهب: قوله: غصبت هذه الدار لفلان وبناؤها لي أو بيت منها لي، أو قال: في الجبة بطانتها لي إذا نسق الكلام، مثل قوله هذا الخاتم لفلان وفصه لي.

والاستثناء من غير الجنس.

قال المازري: مذهبنا صحته، بان سَحنون لو قال: له علي مائة دينار إلا عشرة أقفزةٍ قمحًا في صحة استثنائه ولغوة قولان، وأشار إلى أن قوله: على ألف درهم إلا عشرة دنانير متفقٌ على جوازه فيسقط المستثنى من المستثنى منه بصرفهما، وعلى صحته في القمح من الدنانير تسقط قيمته منها، وكذا في مائة دينارٍ إلا عبدًا أو ثوبًا يصفهما المقر تطرح قيمتها، وكذا في قوله عندي عبدٌ إلا ثوبٌ تطرح قيمة الثاني من الأول.

واختار بعض حذاق الأشياخ لغو استثنائه من غير الجنس وعده نادمًا.

ص: 162