المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في صيغة العارية] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٧

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الشركة]

- ‌ باب صيغة الشركة [

- ‌ باب في محل الشركة [

- ‌[باب في شركة عنان]

- ‌[باب معنى الخلط في الشركة]

- ‌[باب في شروط شركة الأبدان]

- ‌[باب شركة الوجه]

- ‌[باب في شركه الذمم]

- ‌[كتاب الوكالة]

- ‌[كتاب الإقرار]

- ‌[باب المقر]

- ‌[باب المقر له]

- ‌[باب صيغة ما يصح الإقرار به]

- ‌[كتاب الاستلحاق]

- ‌[باب مبطل الاستلحاق]

- ‌[كتاب الوديعة]

- ‌[باب المودع]

- ‌[باب المودَع]

- ‌[باب شروط الوديعة]

- ‌[كتاب العارية]

- ‌[باب المستعير]

- ‌[باب المستعار]

- ‌[باب في صيغة العارية]

- ‌[باب المخدم]

- ‌[كتاب الغصب]

- ‌[كتاب التعدي]

- ‌[باب في المغصوب]

- ‌[كتاب الاستحقاق]

- ‌باب التعدي

- ‌[باب الفساد اليسير والكثير في التعدي]

- ‌[كتاب الشفعة]

- ‌[باب الأخذ بالشفعة]

- ‌[باب الموجب لاستحقاق الشفيع الأخذ بالشفعة]

- ‌[باب الشريك الأخص والأعم]

- ‌[باب المشفوع عليه]

- ‌[كتاب القسمة]

- ‌[باب قسمة المهانات]

- ‌[باب في قسمة التراضي]

- ‌[باب في قسمة القرعة]

- ‌[باب المقسوم له]

- ‌[باب ما يحكم فيه ببيع ما لا ينقسم]

- ‌[كتاب القراض]

- ‌[باب في عمل القراض]

الفصل: ‌[باب في صيغة العارية]

وقال مالك فيمن عجل عتق عبده على أن يخدمه شهرًا: أن الخدمة ساقطة؛ لأنها بقية رق بخلاف أن يجعل عليه دراهم.

قلت: وفي استئجار الأمة للرضاع إيراد منافاته لهذا ويأتي فيه جوابه.

وتجوز هبة خدمتها لأجنبي منها مأمون له أهل وإلا لم تجز، فإن نزل ذلك بيعت له تلك الخدمة من امرأة أو مأمون إلا أن يكون قصد المعير نفس المعار له فترد الأمة له وتبطل العارية.

[باب في صيغة العارية]

الصيغة: ابن شاس: ما دل على معناها.

قلت: بحسب اللفظ والقرينة فيها.

قلت لابن القاسم: من استعار دابةً ليركبها حيث شاء ويحمل عليها ما شاء وهو بالفسطاط أيركبها إلى الشام، قال: إن كان وجه عاريته إلى الموضع الذي ركب إليه وإلا ضمنها، كمن قال: أسرج لي دابتك لأركبها في حاجة، فيقول اركبها حيث أحببت، فهذا يعلم الناس أنه لم يسرجها إليه إلى الشام.

قلت: أتحفظه عن مالك؟

قال: هو رأي اللخمي عن أشهب إن قال: اركبها حيث شئت فركبها إلى الشام، فإن كانت من أسفاره فلا شيء عليه، وإن كانت أسفاره معروفة بالقرب فإنما أعاره عليها، فحمل ابن حارث قوليهما على الخلاف وسكت اللخمي.

الشيخ: سمع ابن القاسم من قال لرجل: أعني بغلامك أو ثورك في حرثي يومًا أو يومين وأعينك بغلامي أو ثوري يومًا أو يومين، لا بأس بذلك من الرفق.

وسمع أشهب: لا بأس أن يقول عامل الآخر أعني خمسة أيام وأعينك خمسة أيام.

ص: 233

ابن رشد: إنما يجوز فيما قرب، وسمع أصبغ إجازته.

أشهب: يجوز في عملي خياطٍ ونجارٍ، وكذا قول المرأة لأخرى انسجي لي اليوم وأغزل لك غدًا إذا وصفت الغزل، ولا خير في قوله احرث لي في المصيف وأحرث لك في الشتاء.

ابن حارث: اختلف فيمن استعار دواب رجلٍ لحرث على أن يعيره هو دوابه لمثل ذلك، فسمع ابن القاسم خفته؛ لأنه رفق، وقال أصبغ: لا يجوز ذلك وهي إجارة مجهولة.

قلت: ويأتي ذكره في الإجارة.

وضمان ما لا يغاب عليه من ربه ما لم يظهر كذب مستعيره، وتقدم في المبيع على خيار.

اللخمي: مشهور قول مالك وأصحابه لا ضمان على مستعير الحيوان، وروى ابن شعبان لا يصدق في ذهابه حتى يعلم ذهابه بنفسه، وقاله ابن القاسم في كتاب الشركة، ولا حاجة لتأويله بعضهم إذا كان أحد قولي مالك، وقيل: لا يصدق فيهما فيما صغر فقط.

الصقلي عن أشهب: يضمن الحيوان ولو قامت بينة بهلاكه بغير شببه.

قلت: ففي ضمانه مطلقًا، ثالثها: إن لم تقم بينة بهلاكه، ورابعها: إن صغر للصقلي عن أشهب والمعروف ورواية ابن شعبان ونقل اللخمي، قال: فعلى الأول لا يضمن الدابة ويضمن سرجها ولجامها ولا العبد ولا كسوته؛ لأن العبد حائز ما عليه.

قلت: قوله في الدابة هو نقل الشيخ عن محمد.

اللخمي: ويصدق في موت العبد، وفي كنفه فيما عليه لا في زيادة عليه إن ادعاها. وشرط ضمانه في رهونها ساقط.

أشهب: تنقلب إجازة فيغرم أجر مثلها، فعليه يفسخ قبل استعمالها، وثالثها: يتخرج تخيير المعير إن أسقطه وإلا ردت، فإن فاتت لم يغرم شيئًا؛ لأنه دخل على عدمه، كقوله في فوت حبس دار على ربها المحبس عليه، ورابعها: لزوم الشرط للقول

ص: 234

بوجوبه، وعلى لغوه لو كان لخوفٍ نزل به ففي لزومه إن هلكت بما خيف قولا مطرف وأصبغ، والأول أصوب.

قلت: قال الشيخ: وبه أخذ ابن حبيب، وعزا ابن رشد الثاني لمالك وجميع أصحابه إلا مطرفا.

اللخمي عن ابن حبيب: من زعم في بازٍ استعاره للصيد أنه مات أو سرق أو طار فلم يرجع صدق مع يمينه.

وما يغاب عليه من مستعيره، ولو قامت بينة بتلفه ففي كونه من ربه أو كذلك، نقلا الصقلي قولي ابن القاسم وأشهب وحكاهما الجلاب روايتين، ولو شرط نفي ضمانه ففي لغوه وإعماله نقلا الجلاب عن المذهب مع سماعه أصبغ من ابن القاسم وأشهب، وتخريج ابن رشد من نقل الشيخ عن أشهب إعماله في شرط الصانع نفيه قائلًا هو في الصانع أحرى، وأخذه أيضًا من دليل تعليل مالك في سماع القرينين لغوه في الصناع بأنه لو أعمل لما عمل عامل إلا بشرطه، فيدخل على الناس الضرر.

قلت: وفي غير نسخة من اللخمي قال ابن القاسم وأشهب: إن شرط أنه مصدق في تلف الثياب وشبهها له شرطه ولا شيء عليه.

وقال سحنون: من أعطى رجلًا مالًا ليكون له ربحه ولا ضمان عليه أنه ضامن، فعليه يسقط شرطه في الثياب والأول أحسن.

قلت: ما نقله عن ابن القاسم وأشهب خلاف نقل غير واحد عنهما، والعجب من ابن رشد وشارحي ابن الحاجب من عدم التنبيه عليه.

اللخمي: إن جاء بالثوب باليا بلباسه فلا شيء عليه إلا فيما لا يحدث في مدة عاريته فيغرم الزائد على نفك ضمان لباسه إلا أن يكون ذلك شأن لباس المستعير، ويضمن ما به من خرقٍ وحرقٍ إلا أن يثبت أنه من غيره، ويضمن السوس والفأر؛ لأنهما لا يحدثان إلا عن غفلة لباسه أو عمل طعامٍ فيه.

وفيها مع الموازية لمالك: ما ثبت في ثوبٍ بيد صانعٍ أنه قرض فأرٍ دون تضييعٍ فهو من ربه، وإن جهل تضييعه وأنكره، ففي ضمانه حتى يثبت عدم تضييعه قولان للصقلي

ص: 235

عن ظاهرها، وقول ابن حبيبٍ فيه: مع لحس السوس مع التونسي والصقلي عن قولها: إن أفسد السوس الرهن حلف المرتهن ما ضيعت ولا أردت فسادًا قائلين: وكذا ينبغي في قرض الفأر.

التونسي: وقد يقال مثله في النار أو يقال النار هو قادر على عملنا فيجب ضمانه حتى يثبت أنها من غير سببه.

زاد ابن رشد: والأشبه أنهما سواء.

قلت: وتقدم هذا في الرهون ونحوه في تضمين الصانع ويجري كله في العارية المضمونة.

وما أتى به مستعيره من فأسٍ ونحوه مكسورًا في ضمانه إياه حتى يقيم بينةً أنه انكسر فيما استعاره له وتصديقه فيما يشبه ذلك قولا ابن القاسم مع ابن وهب وعيسى بن دينارٍ مع مطرف وأصبغ وابن حبيب قائلًا من محاسن الأخلاق إصلاحه.

ابن رشد: وثالثها قولها في السيف لا يصدق إلا ببينة، أنه كان معه في اللقاء رابعها: لسحنون لا يصدق إلا ببينة أنه ضرب به في اللقاء ضربًا يجوز له، هذا أبعدها وأصوبها قول عيسى مع يمينه.

اللخمي: وكذا الرمح أو القوس، وأما الرحى يستعيرها للطحن فيأتي بها وقد حفيت فلا شيء عليه اتفاقًا.

ضمان ما يضمن منها يوم العارية أو يوم ضاعت قياسها:

اللخمي/ على الخلاف في الرهن، فإن رأت البينة العارية عنده بالأمس كانت قيمتها يومئذٍ قلت أو كثرت، فإ، لم تر من يوم أعيرت وقيمتها يوم العارية عشرةٌ ويوم ضاعت ثمانيةٌ غرم عشرةً؛ لأن المعير يكذبه في بقائها اليوم ضياعها وإن كانت في يومين على العكس أخذه بعشرة؛ لأنه يصدقه في دعوى بقائها.

والقدر المضمون منهما جميعًا إن كان لا ينقصها استعمالها بحسب ذاتها أو قصر مدتها وما نقصها استعمالها يضمن باقيها بعد نقصها ذلك، ولو ثبت استهلاكه إياها قبل استعمالها؛ لأنه صار فيها به كشريك.

ص: 236

قلت: الأظهر أنه يغرم قيمتها كاملة إن كانت لا ينقصها الاستعمال على مذهب ابن القاسم في استهلاكها أجنبي حسبما يذكر بعد هذا.

قال: وإن أهلكها المعير بعد قبضها المستعير ففي غرمه قيمتها يستأجر بها للمستعير مثل الأولى، أو يشتري له منها مثلها، ثالثها: يغرم قيمة المنفعة قياسًا على هذه الأقوال فيمن أولد أمةً بعد أن أخدمها رجلًا.

ولو أهلكها قبل قبضها مستعيرها، ففي كونه لو قبضها أو لا يغرم له شيئًا قولان على قولي ابن القاسم وأشهب فيمن باع ما وهبه قبل قبضه الموهوب له.

وإن أهلك الثوب أجنبي كانا شريكين في القيمة؛ لأنه مما ينقصه الاستعمال، ويختلف إن كان مما لا ينقصه الاستعمال كعبد يقتل، فقال ابن القاسم: لا شيء للمخدم وجميع القيمة لسيده.

وقال أشهب: من أوصى بخدمة عبده لرجلٍ وبرقبته لآخر إن قتل جعلت قيمته في مثله فيخدم بقية خدمة الأول، ثم يعود للآخر؛ يريد: إن كانت لا ينقصها الاستعمال كعبد يقتل فقال ابن القاسم: لا شيء للمخدم، وجميع القيمة لسيد الخدمة لأجل فيخدم بقيته، وإن كانت حياة المخدم خدمة العبد الثاني حتى يموت المخدم، وإن كانت حياة العبد خدم الأخر قدر حياة العبد الأول، فقد يكون الأول شيخًا والثاني شابًا.

ولمحمد: من أوصى له بغلة دار أو سكناها فيهدمها رجلٌ بعد موت الموصي، فعلى الهادم ما بين قيمتها قائمة ومهدومة تبنى بها تلك الدار، وإن أتى من بنائها مثل الأول أو أقل يكون ذلك للموصي له بحاله.

ابن رشد: إن وجب ضمان العارية، فإنما يضمن قيمة الرقبة يوم انقضاء أجل العارية على ما ينقصها الاستعمال المأذون فيه بعد يمينه، لقد ضاعت ضياعًا لا يقدر على ردها لتهمته على أخذها بغير رضى ربها.

ويتقيد الانتفاع بالعارية بما خصه به معيرها لفظًا أو عرفًا، والأخف من المأذون فيه مثله.

فيها: من استعار دابةً ليحمل عليها بزًا فحمل عليها حجارةً فكلما حمل ما هو أضر

ص: 237

مما استعار له فعطبت به فهو ضامنٌ؛ وإن كان مثله في الضرر لم يضمن كحمله عدسًا مكان حنطةٍ أو كتانًا أو قطنًا مكان بز.

وفي سماع سحنون قال: وروى علي بن زياد: من استعار دابةً إلى بلدٍ فركبها إلى غيره فعطبت، فغن كان ما ركبها إليه مثل الأول في السهولة لم يضمنها.

ابن رشد: هذا يدل على أنه غير متعدٍ بذلك، وأن له أن يفعله ولابن القاسم في المبسوطة أنه ضامنٌ بركوبها لغير ما استعارها إليه، وهو الآتي على قولها في الرواحل من أكرى دابةً لبلدٍ ليس له أن يركبها إلى غيره، وله في آخر رسم سماع ابن القاسم من الجعل والإجارة: اختلف فيمن استعار دابةً لموضعٍ فركبها إلى مثله في الحزونة والسهولة والبعد فهلكت فروى علي لا ضمان عليه، وقاله عيسى بن دينارٍ في المبسوطة، وقال ابن القاسم فيها: أنها ضامنٌ.

وظاهر لفظ المدونة: إذا حمل ما هو أضر أنه يضمنها مطلقًا، وهو ظاهر كلام عبد الحق: إذا أعاره ليحمل عليها شيئًا فحمل ما هو أضر واختار ربها تضمينه الكراء، فإن كان كراء مثل ما إذن له فيه عشرة وكراء مثل ما حمل عليها خمسة عشر غرم خمسة.

قلت: فظاهر قوله فاختار أنه مخير في تضمينه قيمتها سواء كان هو أضر مما تعطب في مثله أم لا.

وقال الصقلي: إن كانت مما تعطب في مثله فعطبت، خير رب الدابة في تضمينه قيمتها يوم تعديه ولا شيء له غير ذلك وفي أخذ كراء فضل الضرر، ثم ذكر في تقدير فضل الضرر ما تقدم لعبد الحق قال: وإن كان ما حمل عليها لا تعطب في مثله فليس له إلا كراء الزيادة.

قلت: ظاهر كلام عبد الحق وغير واحد من الشيوخ خلافه وأنه ضامنٌ وإن كان ما حمل عليها لا تعطب في مثله.

وفي النكث أيضًا في كتاب الرواحل: إن جاوز المكتري المسافة بقليل أو كثير ضمن بخلاف زيادة على الحمل فإنه يفرق فيها بين كون الزيادة مما تعطب في مثلها أو لا؛ لأن منابه التعدي في المسافة ممتاز من المأذون فيه، والزيادة في الحمل غير ممتازة.

ص: 238

قلت: وما به التعدي في العارية ممتاز عن المأذون فيه ضرورة أنه خلافه.

ولابن رشد في مقدماته: إن استعملها في غير ما أذن له فيه فنقصها استعماله أكثر من الاستعمال المأذون فيه ضمن نقصها الزائد على نقص المأذون فيه، فإن أنهكها ذلك دون أن أعطبها ضمن قيمتها يوم انقضاء أجل العارية على ما ينقصها الاستعمال المأذون فيه، فإن أراد ربها أخذ قيمة ما استعملها فيه بعد طرح قيمة المأذون فيه لم يكن ذلك له في قول إن كانت أكثر من قيمتها وله ذلك في قول، وإن كانت أقل من قيمتها لم يمنع من ذلك.

قلت: يحتمل أن يريد بقوله: وفي قول يكون له ذلك أنه على القول بتضمين الغاصب أعلى القيمة، ولم يفرق في هلاكها في غير المأذون فيه بين كونه مما تعطب في مثله أم لا.

وللشيخ في كتاب ابن سحنون عن ابن القاسم وأشهب: من استعار دابة إلى موضع فتعداه بميل ونحوه، ثم ردها إلى الموضع الذي استعارها إليه، ثم رجع يريد: ردها لربها فعطبت ضمنها بتعديه.

قلت: ظاهره ولو كان الزائد مما لا تعطب بمثله ونحوه.

قولها: من استعار دابة إلى مسافة فجاوزها بميل ونحوه، ثم رجع إلى ما استعارها إليه، ثم رجع ليردها إلى ربها فعطبت بالطريق الذي أذن له فيه، هل يضمن؟

قال: قال مالك: من تكارى دابة لذي الحليفة فجاوزها ثم ردها فعطبت بعد أن رجع إلى ذي الحليفة، فإن كان تعدى لمثل منازل الناس فلا شيء عليه، وإن جاوز ذلك بمثل الميل ضمن.

الصقلي: وقال ابن الماجشون: لا يضمن في هذا.

قال ابن حبيب: كقول مالك: فيمن تسلف من وديعة ثم رد فيها ما تسلف، ثم سرقت لا ضمان عليه.

قلت: فلم يقيد الزيادة بكونها مما تعطب في مثلها، وفي آخر رهونها: من ارتهن عبدًا فأعاره لرجل بغير أمر الراهن فهلك عند المعار بأمر من الله لم يضمن هو ولا

ص: 239

المستعير، وكذا إن استودعه رجلًا إلا أن يستعمله المودع أو المستعير عملًا أو يبعثه مبعثًا يعطب في مثله فيضمن.

وفيها قبل هذه: من أعرته سلعةً ليرهنها في دراهم مسماةٍ فرهنها في طعامٍ فقد خالف وأراه ضامنًا.

قلت: وهذا لا أثر له في العطف، ولعياض في كتاب الجعل وافجارة ما حاصله: ما هلك في استعماله فيما لم يأذن فيه ربه بغير سبب العمل الذي لا يعطب في مثله كالحراسة ونفش الصوف في ضمانه مستعمله قولا سحنون في بعض رواياتها، وابن القاسم بناء على أنه بالعداء كغاصب، واعتبار غالب السلامة، وما هلك بسبب العمل الذي يتوقع فيه الهلاك نادرًا في ضمانه بتأويل بعضهم عن ابن القاسم وظاهر قوله مع مالك وهو الصحيح، وفيما يتوقع فيه الهلاك غالبًا وهلك بسببه الضمان اتفاقًا، وما هلك فيه بغير سببه كالأول فيه قولا سحنون وابن القاسم.

وفي كون استعمال الإعانة فيما فيه الإجارة واستعمال الإجارة سواء في تقييد الضمان بأنه يعطب في مثله، والفرق في الاستعمال فيما فيه الإجارة ولو كان لا يعطب في مثله وتقييده في الإجارة فيما يعطب في مثله تأويلا التونسي مع غيره وغيرهم، وتقدم القول فيها: إن وقعت مطلقة في فصل الصيغة.

وزاد اللخمي: من استعار دابة ليركبها حيث شاء، فإن كان شأن الناس التصرف بذلك البلد راكبًا حملت عاريته على التصرف بها فيه حتى يقول أسافر بها وإن لم يكن ذلك شأنهم حمل على الخروج بها، ولا يبعد إلا أن يكون ذلك شأن المستعير.

قلت: انظر إن كانت عادة المعير بخلاف عادة المستعير، والأظهر اعتبار عادة المعير، والوفاء بها لازم؛ لأنه معروف.

وفيها: من ألزم نفسه معروفًا لزمه، ويدخلها الشاذ في عدم لزوم الهبة بالقول.

اللخمي: إن أجلت العارية بزمن أو انقضاء عمل لزمت إليه، وإن لم تؤجل كقوله أعيرك هذه الأرض أو الدابة أو الدار أو هذا العبد أو الثوب، ففي صحة ردها ولو بقرب قبضها ولزوم قدر ما تعار له، ثالثها: إن أعاره ليبني ويسكن فالثاني وإلا فالأول

ص: 240

لابن القاسم فيها مع أشهب وغيرهما وابن القاسم في الدمياطية.

ابن القصار: إن أعاره ليبني أو ليغرس لزمه بالقول مدة انتفاع مثل ما استعار له، ولم يبين حكم من لم يذكر بناء ولا غرسا، وأرى أنه إن بنى أو غرس بعلمه ولم ينكر عليه، أن يكون له مدة يرى أنه يترك لمثلها وإن لم يعلم ودل دليل لما فعله كمن أعار أرضًا بين ديار فبنى بها دارًا لزمه، ولو كانت بين حوانيت فبناها حوانيت لم يلزمه، وكذا أرض بين بساتين غرسها لصحة الانتفاع بالبيع فيها قاعة بين الحوانيت ومزرعة بين البساتين، ومحمل عاريتها للزرع مدة واحدة.

ولابن حبيب عن الأخوين وروايتهما: من أعار جاره جداره لحمل خشبةٍ فليس له نزعها ولو طال واحتاج بجداره، ولو مات أو باع إلا أن يهدم الجدار فتسقط عاريته إن أعاره.

وفي العتبية: له أن يزيله إن احتاج إلى حائطه، وقال محمد بن عبد الحكم: له الرجوع في حائطه ويرمي بها.

وسمع ابن القاسم في الأقضية: ليس لمن أذن في غرز خشبة في حائطها نزعها إلا لحاجة في هدمه أو الانتفاع به.

ابن رشد: مثله سمع أشهب في العارية.

قلت: زاد فيها: فإن أراد البيع فطلب نزع الخشبة ليزيده المشتري في الثمن.

قال: يبيعها على حالها وفيها الخشبة، أرأيت إن كان المشتري عدوًا له فأراد ضرره ما أرى ذلك له.

قال ابن رشد: وفي المدونة: لمن أذن لغيره أن يبني في أرضه أو يغرس فبنى وغرس إخراجه بإعطائه قيمة ما أنفق، فقال ابن لبابة وابن أيمن وغيره من الشيوخ: هذا خلاف قول، وللعتبي عن سحنون فرقٌ بينهما لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يمنعن أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره"؛ يريد: لقول ابن كنانة وغيره من أصحاب مالك محمل

ص: 241

الحديث على ظاهره من وجوب ذلك وإن لم يأذن فكيف إذا أذن.

ولابن حبيب عن رواية الأخوين: من أرفق جاره بوضع خشبة لزمه ذلك ولو طال واحتاج أو مات أو باع إلى أن ينهدم، وكذا كل ما أذن فيه مما فيه العمل والإنفاق من البناء والإرفاق بالماء من العيون والآبار لمن ينشئ عليه غرسًا أو يبتدئ عليه عملًا وهو كالعطية.

ولو شرط رجوعه متى شاء بطل الإذن وعلى هذا الشرط قبل العمل، وبطل الشرط بعده لما فيه من الضرر بالعامل، وما لا كلفة عملٍ فيه كبير نفقةٍ كفتح بابٍ أو فتح طريقٍ إلى مختلف فيه فناء الآذن، أو أرضه، أو إرفاق ماءٍ لشفة أو سقي شجر قد غرست قبل ذلك نضب ماؤها، أو غارت آبارها للآذن فيه الرجوع، إلا أن يكون وقت ذلك وقتًا قيلزمه إليه أو يبيع المأذون إليه، وشرطه لمشتريه ما أذن له فيه بعلم الآذن فيلزمه ذلك، إلا أنهم قالوا: من أذن لمن يسوق على أرضه ماءه، أو ماء من النهر، أو من ماء الآذن إلى أرض المأذون له فلا رجوع له، وإن لم يتكلف المأذون له في كبير نفقة رعيا لإلزام عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة لعبد الرحمن بن عوف بغير إذنه وطوعه، وإن كان العمل ليس عليه، واختاره ابن حبيب، وله عن أصبغ ما فيه كلفة عمل وإنفاق غير سواء للآذن الرجوع فيه إذا أتى عليه من الزمان ما يكون إلى مثله عارية في مثل هذا إلا فيمن أذن لرجل أن يغرس غرسًا على مائه، فلما غرسه أراد قطع مائه عنه فليس له ذلك.

قال: وهو على مذهب ابن القاسم.

قلت: ما عزاه لأصبغ عزاه الشيخ للدمياطي عن ابن القاسم.

قال ابن رشد: فيتحصل فيها ستة أقوال: منع الرجوع في كل ذلك إلا أن يحتاج للآتي على تأويل ابن لبابة وابن أيمن، ومنع رجوعه ولو احتاج، ورجوعه ولو لم يحتج ويغرم للمأذون له فيما كان له فيه عمل قيمة نفقته، ورابعها: له الرجوع بعد مضي ما يعار لمثله، وخامسها: الفرق بين الإذن في وضع الخشب على الجدار وبين سائر ذلك للحديث بالنهي عن المنع من ذلك، وسادسها: الفرق بين ما تكلف المأذون له فيه نفقة

ص: 242

وما لم يتكلفها فيه، وهذا الخلاف إنما هو فيما لم يصرح فيه بلفظ هبة ولا عارية، فمن حمله على الهبة لم ير فيه رجوعًا، ومن حمله على العارية رأى فيه الرجوع بمضي أمد ما تعار إليه، ومنهم من جعله من ناحية العدة التي لا تلزم فيجعل له الرجوع متى شاء، ومنهم من حمل ما فيه النفقة على الهبة، وما لا نفقة فيه على العارية على اختلافهم في العارية إذا لم يسم لها أجلًا هل تلزم أم لا، ويختلف إذا غرس على مائه وهو ساكتٌ، ثم أراد قطعه عنه، فقيل: له ذلك بعد أن يحلف أن سكوته لم يكن رضا، وقيل سكوته كالإذن فيجري الأمر فيه على الاختلاف الذي ذكرنا في الإذن.

قلت: ثاني الأقوال الستة لم يعزه ولا يصح عزوه للأخوين وروايتهما بل قولهما وروايتهما هو السادس، وذكره الصقلي غير معزو، والثالث: قولها، ورابعها: لأصبغ وخامسها: لسحنون، وأما السادس: فهو قول الأخوين

وقال ابن عبد السلام: حصل بعض شيوخنا في هذه المسألة مع مسألة عارية الجدار لغرز الخشبة ستة أقوال.

قول مالك وابن القاسم: ليس للآذن رجوع إلا أن يحتاج.

الثاني: قول الأخوين: ليس له ذلك وإن احتاج.

الثالث: قولها: له الرجوع وإن لم يحتج.

الرابع: قول أصبغ: له الرجوع لمن مضى ما يعار له.

الخامس: قول أشهب وابن نافع: الفرق بين ما تكلف فيه نفقة وما لم يتكلف فيه.

السادس: قول سحنون: الفرق بين مسألة غرز الخشب في الدار وبين الإذن في بناء العرصة.

قال: وينبغي أن تتأمل هذه الأقوال بعضها لا يشك في مناقضته للأول، وبعضها يغلب على الظن أن يكون قيدًا في الأول فلا يكون مخالفًا له.

قلت: ما عزاه من التحصيل هو تحصيل ابن زرقون، وما عزاه للأخوين وهمٌ، إنما قولهما هو ما عزاه لأشهب حسبما تقدم من لفظ ابن رشد في غير نسخة من البيان، وما عزاه لأشهب وابن نافع لا أعرفه لغير الباجي.

ص: 243

وفي النوادر: ذكر أشهب في كتابه أن المستعير إذا فرغ من بنائه وغرسه فلرب الأرض إخراجه فيما قرب أو بعد؛ لأنه أعاره لغير أجل وهو فرط إذ لم يضرب أجلًا، وللدمياطي عنه له إخراجه متى شاء إن كان لحاجته إلى عرصته أو إلى بيعها تقدم لهما شرط أم لا، وإن كان لا لحاجة بل لشيء بينهما فليس له ذلك، وقال في كتابه: من قال: أعرتك دابتي إلى موضع كذا أو كذا يومًا أو حياتك فلا رجوع له إلا إلى الأجل، وإن لم يزد على أن قال: أعرتك فله الرجوع متى شاء.

قلت: وهذا كله يرد ما عزاه لأشهب.

وكل بانٍ أو غارسٍ في غير ملكه عمدًا بغير إذن رب الأرض، ولا شبهة ملك، ولا معار إلى أجل أخرج لتمام أجله، فلرب الأرض أمره بإخراجه من أرضه، أو أخذه مجانًا إنلم يكن له ثمن بعد قلعه، فإن كان له ثمن فلربها أخذه بقيمته، في المدونة مع غيرها منقوضًا مقلوعًا.

الصقلي عن محمد: بعد طرح أجر القلع، وعزاه ابن رشد في غصب المقدمات إلى ابن شعبان، وقال: هذا إن كان الباني ممن لا يتولى ذلك بنفسه ولا عبيده، وإنما يستأجر عليه، وقيل: لا يحط من ذلك أجر القلع على مذهب ابن القاسم في المدونة، وإليه ذهب ابن دحونٍ واعتل بأن الغاصب لو هدمه لم يكن للمغصوب منه أخذه بالقيمة بعد الهدم.

قلت: فأحرى أن يكون كذلك في غير الغاصب، وتمام هذا في الغصب والاستحقاق.

عياض: حكى ابن حبيب عن شيوخه أن قيمة ذلك كله قائمًا على كل حال.

ابن رشد: قال في سماع يحيى من الاستحقاق لابن حبيب من رواية الأخويين: من بنى أو غرس بأرض قوم بإذنهم أو بعملهم ولم يمنعوه فله قيمة ذلك قائمًا.

قال: وكذا من تكارى أرضًا أو منحها لأجل أو لغير أجل أو بنى بأرض له فيها شرك فعلم شريكه.

قال الأخوان: ما اختلف فيه قول مالك ولا أحد من أصحابه، وبه القضاء

ص: 244

بالمدينة، وقاله ابن كنانة وابن نافع وابن مسعود وشريح، وروى ابن وهب فيه حديثا.

وفيها: من أذنت له أن يبني في أرضك أو يغرس فلما فعل أردت إخراجه بقرب إذنك مما لا يشبه أن تعيره إلى مثله، فليس لك إخراجه إلا أن تعطيه ما أنفق، وقال في بابٍ بعد هذا قيمة ما أنفق وإلا تركته إلى مثل ما يرى الناس أنك أعرته إلى مثله من الأمد.

عياض: قوله: قيمة ما أنفق كذا في كتب شيوخنا، وهي رواية أصبغ وسقط لفظ قيمته في رواية، وزاد في بعض النسخ: حيًا قائمًا، وكذا في كتاب ابن المرابط، وفي موضع آخر من الكتاب: يعطيه ما أنفق وهي رواية الدمياطي، وتكلم الناس في اختلاف اللفظين واتفاقهما بما لا يحتاج إلى تكريره.

وفي مختصر حمديس: إن أعطاه ما أنفق يعطيه أجر مثله في كفايته ليس على قيامه؛ لأن رب الأرض قد يجد ما أنفق ويعجز عن القيام، ولولا ذلك لم يشأ من عجز عن القيام أن يعير أرضه، فإذا استوى البناء والغرس أخرجه، وقال: هذه نفقتك وسلم ذلك.

ولابن رشد في آخر سماع أشهب من الاستحقاق فيما يجب به الرجوع فيما عمره وبناه تفصيل، واختلاف إن كان ذلك بحدثانه قبل بنائه ففيه قولان:

قوله: في هذه الرواية له النفقة، والثاني: له قيمة النفقة، والقولان في المدونة على اختلاف في الرواية، وقيل: ليس ذلك باختلاف فله النفقة إن كان لم يغبن فيها وقيمتها إن كان غبن، فيرجع إلى أن له الأقل من النفقة أو قيمتها، وإن كان ذلك بعد أن طال الأمر وبلي البناء، فليس فيه إلا قيمة البناء قائمًا على حالته من البلا اتفاقًا.

ومعرفة ذلك أن يقول كم قيمة الدار اليوم على ما هي عليه من هذا البناء القديم وكم كانت تكون قيمتها اليوم لو كان هذا البناء الذي فيها جديدًا فينقص ما بين القيمتين من النفقة التي أنفق، أو من ثمنها على الاختلاف المذكور فيما بقي كان هو الواجب به الرجوع.

قلت: وتمامه في الاستحقاق.

ص: 245

عبد الحق: قوله يعطيه ما أنفق، وفي باب آخر قيمة ما أنفق يحتمل ثلاثة أوجه: القيمة فيما أخرج من عنده من آجر وجيارٍ ونحوه، وما أنفق إذا أخرج ثمنًا اشترى به هذه الأشياء.

الثاني: القيمة فيما طال أمده؛ لأنه تغير بانتفاعه، وما أنفق فيما قرب جدًا فلا يكون اختلاف قول.

الثالث: أن ما أنفق يعطيه فيه عدد الدنانير التي أنفق إن كان لم يغبن أو غبن يسيرًا وقيمة ما أنفق يعطي القيمة بالعدل لا يحسب ما يتغابن الناس بمثله، وعلى هذا يكون اختلاف قول، وكل هذه الوجوه تأول فيها الصقلي هذا التأويل.

والأول محتملان، وأما الآخر فخطأ؛ لأنه إنما يعطيه قيمة ما أنفق يوم البناء، ولا يراعى تغير أو لم يتغير، ولو عكس هذا كان أولى؛ لأن ما تقادم وتغير القيمة فيه يوم البناء متعذرة لتغيره، ولا يتحقق كيف حاله يوم البناء، فيجب أن يعطيه ما أنفق نقدًا، وما كان بالقرب لم يتغير فالقيمة فيه متحصلة، فإذا أعطيها لم يظلم؛ لأنها متوسطة بين ما غبن أو غبن كيف، وهو إذا طال الأمد ينقص فيه فهو يخرجه ويعطيه قيمته مقلوعًا.

وفيها: من ركب دابة رجل إلى بلد وادعى أنه أعاره إياها، وقال ربها بل أكريتها مني، قبل قول ربها إلا أن يكون مثله لا يكري الدواب لشرفه وقدره.

وفي الجعل والإجارة منها: إن ادعى رب المتاع أن الصنع عمله له باطلًا، وقال الصانع: بل بأجر كذا، صدق الصانع فيما يشبه من الأجر، وإلا رد لأجر مثله.

قال غيره: يحلف ويأخذ الأقل مما ادعى أو من أجر مثله.

عبد الحق: على قول ابن القاسم إن ادعى الصانع ما يشبه فلا يمين على رب المتاع، وإن ادعى ما لا يشبه حلف رب المتاع ليسقط ما ادعى الصانع من التسمية على أجر المثل وعلى قول غيره، ويأخذ الأقل مما ادعى رب المتاع إن فضلت التسمية على أجر المثل لم ليسقط الفضل، وإن ادعى الصانع مثل أجر المثل فأقل فلا حلف على رب المتاع إنما يحلف الصانع وحده.

وفي أكرية الدور منها: ومن أسكنته دارك ثم سألته الكراء، فادعى أنك أسكنته

ص: 246

بغير كراء، فالقول قولك فيما يشبه من الكراء مع يمينك.

قال غيره: على الساكن الأقل من دعواك وكراء المثل بعد أيمانكما، وتناقض ما في العارية لعدم تقييد هذه بقولها في العارية إلا أن يكون رب الدابة ممن لا يكري الدواب لشرفه.

ويجاب باقتضاء العرف أن كراء الدواب نقص في بعض الناء، وكراء الرباع ليس نقصًا في أحد من الناس، وهذا في سكنى الرباع استغلالًا، ولو أسكنه بيتًا في دار معه لكان ذلك كمسألة الدابة، وكذا الثياب والآنية.

الصقلي: قوله: بعد أيمانهما هو إن كان كراء المثل أقل من دعوى رب الدار، وإلا فلا معنى ليمين الساكن.

وقال بعض فقهاء القرويين: يلزم على قول ابن القاسم لو قال: بعتك هذه السلعة بعشرة، وقال: من هي بيده وهبتما لي وفاتت وقيمتها تسعة، أن يأخذ ربها عشرة بيمينه والآخر ما أقر بوضع يده عليها بشراء قط.

وفي الموازية: من قال: بعت منك هذه السلعة، وقال الآخر: وكلتني على ببيعها فبعتها، يحلفان وترجع السلعة، وفيه نظر؛ لأنهما مقران أن بيع الوكيل لا ينقض؛ لأن ربها يقول بعتها منه فبيعه لا ينقض، والوكيل يقول أمرتني ببيعها فلا ينقض، فإن فاتت لم يصدق أحدهما على صاحبه وغرم الوكيل قيمة السلعة ما لم تزد على الثمن الذي ادعاه ربها، فإن زاد فالزائد لربها إن رجع بالقرب، وإلا تصدق به على من هو الذي ادعاه ربها، فإن زاد فالزائد لربها إن رجع بالقرب، وإلا تصدق به على من هو له، وليس هذا الشرح من كتاب محمد وإنما نزلته على أصولهم، وأفادت المسألة أنه لم يجعل القول قول من قال: بعت منك، وكذا يجب إذا قال: أسكنتك بكذا، وقال الآخر: أسكنتني بغير شيء.

قلت: قوله وكذا يجب إن قال: أسكنتك أسكنتني بغير شيء كلام واضح لغوه لمن تأمله، وهذا؛ لأنه أراد بقوله هذا أنه لا يلزم الساكن شيء بحال فباطل لزومه لما ذكر في مسألة الوكيل؛ لأنه فيها قد غرم الوكيل القيمة في الفوت، وإن أراد أنه لا يلزمه العدد الذي ادعاه عليه مالك الدار فهو المنصوص، فقوله: وكذا يجب لغوه؛ لأنه

ص: 247

تحصيل الحاصل.

وسمع ابن القاسم: من استعار دابة وقال أعرتنيها لبلد كذا وكذا، وقال ربها بل إلى بلد كذا وكذا فإن أشبه ما قال المستعير فعليه اليمين.

ابن القاسم: هذا إن ركب المستعير ورجع، وإن لم يركبها فالقول قول صاحب الدابة، وكذا ابن رشد: من أخدم رجلًا خادمًا أو أسكنه منزلًا.

ابن راشد: لا خلاف أن القول قول المعير إن اختلفا قبل الركوب أو بعد الوصول لما أقر به المعير.

اللخمي: إن اختلفا قبل الركوب فالقول قول المعير مع يمينه كان اختلافهما في ناحيتين أو في زيادة مسافة، ثم المستعير بالخيار في ركوبها إلى ما حلف عليه المعير أو يترك إلا أن يخشى منه التعدي بها حيث ادعى فلا تسلم له إلا بتوثق منه لئلا يتعدى، وإن اختلفا بعد الركوب ففيها مع سماع ابن القاسم: القول قول المستعير إن أشبه.

زاد ابن القاسم في العتبية: عطبت أو اعتلت.

اللخمي عن أشهب: يقبل قوله في نفي الضمان وقول المعير في الكراء، ويتخرج فيها قبول قوله فيهما من أحد القولين أن القول قول الآمر فيما اشترى المأمور خلافه أحرويًا؛ لأن المستعير يجر نفعًا لنفسه بخلاف الوكيل.

قلت: عزا هذا القول ابن رشد في السماع المذكور لابن القاسم في الدمياطية، ونصها: من استعار ثوبًا فحبسه شهرًا وجاء به، وقد تغير فقال ربه: إنما أعرتك اليوم واليومين، وقال المستعير: بل إلى أن أقدم من سفري إن كان ربه حاضرًا معه لا يسأله عنه، فالقول قول المستعير ويحلف، وأما السفر فهو متعدٍ إن حلف صاحب الثوب، والخلاف في المسألة إنما هو إن غاب المستعير عن المعير بالدابة أو الثوب ثم قدم بهما.

قلت: لا يخفى على منصف ضعف أخذ ابن رشد القول الذي خرجه اللخمي من مسألة الدمياطية، وهذا؛ لأنه لا خلاف أنه لا يكون القول قول المستعير إلا بقيد الشبه.

وقوله في مسألة الدمياطية: إنما قاله ابن القاسم؛ لأنه رأى أن دعواه السفر غير شبهة؛ ولذا فرق بين الحضر والسفر.

ص: 248

الصقلي: مقتضى قول ابن القاسم أن القول قول المستعير في سقوط الضمان والكراء.

في مختصر الشيخ: قال لسحنون: القول قوله في رفع الضمان وفي الكراء قول رب الدابة.

ابن حارث: أنكر سحنون ضمان المستعير، وقال: القول قوله مع يمينه، قاله عنه يحيى بن عمر، ولهم فيها مناقضة وجواب ذكرناه في الأكرية بعد هذا.

الشيخ لأشهب في كتابه من بعث رسولًا إلى رجل يعيره دابةً إلى برقة، فقال الرسول للرجل يسلك فلان، فأعاره وركبها إلى برقة فعطبت، فقال المعير: إنما أعرته إلى فلسطين، وقال الرسول: إلى برقة فشهادته ساقطة؛ لأنها على فعل نفسه، ويحلف المستعير على دعواه ويسقط عنه الضمان، ويحلف المعير على دعواه، ويكون له ما بين كراء برقة إلى فلسطين.

وفيها: من بعث رسولًا إلى رجل يعيره دابةً إلى برقة، فقال الرسول للرجل: يسألك فلان أن تعيره دابتك إلى فلسطين، فأعاره فركبها المستعير إلى برقة ولا يدري فعطبت، فإن أقر الرسول بالكذب ضمن، وإن قال: بذلك أمرتني وأكذبه المستعير فلا يكون الرسول شاهدًا؛ لأنه خصم والمستعير ضامنٌ إلا أن يأتي ببينةٍ أنه ما أمره إلا إلى برقة.

فضل- في اختصار الواضحة-: قول ابن القاسم: يضمن المستعير؛ يريد: إذا حلف الرسول.

عياض: قوله والمستعير ضامن إلا أن يأتي ببينة على ما زعم ثبتت هذه الزيادة في كثير من روايات الأندلسيين والقرويين لا في رواية سليمان بن سالم، ولا يزيد بن أيوب وصحت في رواية يحيى بن عمر.

وقال ابن القاسم اللبيدي: سقطت في رواية جبلة، وأسقطها البراذعي وغيره وقال بعضهم: وأدخلها الشيخ وغيره من المختصرين، وقال أشهب: لا يضمن المستعير ويحلف ما أمره إلا إلى برقة.

ص: 249

قال بعضهم: وكذا يجب على قول ابن القاسم كما في مسألة عبد الرحيم، وقال غيره: إنما ضمنه في هذه؛ لأنه لا يقطع بكذب المعير إذ لا حقيقة عنده مما قاله الرسول، وفي مسألة عبد الرحيم هو مكذب للمعير.

قلت: عزا الصقلي هذا الجواب لبعض أصحابنا عن بعض شيوخنا وقال: لو عكس كان أولى؛ لأن مسألة عبد الرحيم المعير فيها يحقق تكذيب المستعير، وفي هذه لا يحقق تكذيبه فهو أحرى أن يقبل قول المستعير ولا يضمنه بالشك، ألا ترى أنهم قالوا في المودع يدعي رد الوديعة أن القول قوله مع حلفه، وإن لم يتهم لدعوى رب الوديعة تكذيبه، ولو قال ضاعت صدق إن كان غير متهم بغير يمين؛ لأن ربه لا يدعي تكذيبه، فبان أن من ادعى تكذيبه أشد.

وأيضًا من أصلنا إذا استوت دعوى الخصمين فالقول قول من ادعى عليه الضمان، وهو المستعير، وفي هذه المسألة استوت من دعواهما؛ لأن كلا منهما لا يدعي تكذيب صاحبه.

اللخمي: وعلى الرسول اليمين لهما أن الباعث أمره إلى فلسطين، فإن نكل غرم قيمة الدابة لربها، فيرد ربها للراكب ما أخذ منه إذ لا يجتمع له أخذ القيمة والكراء، ولأن نكوله لرب الدابة نكول عن دعوى الآمر أنه لم يأمره إلا إلى برقة؛ لأن الراكب يقول للرسول لو اعترفت لي بالتعدي غرمت القيمة ولم يكن علي شيء، وإن صدق الرسول الآمر حلف لرب الدابة أنه لم يقل للرسول إلا إلى برقة، فإن نكل حلف رب الدابة أنه لم يقل له إلا إلى فلسطين وأغرمه قيمة الدابة ورد الكراء للراكب.

الصقلي عن ابن حبيب: من استعار دابة لحمل أو ركوب فردها مع عبده أو أجيره فعطبت أو ضلت لم يضمنها؛ لأن شأن الناس هذا، وإن لم يعلم ضياعها إلا بقول الرسول وهو مأمون أو غير مأمون ذلك سواء.

زاد في الواضحة: وكذا مبتاع الدابة على خيارٍ يبعث بها إلى بائعها.

الشيخ: لابن حبيب عن مطرف لا يقبل دعوى المستعير رد العارية التي يغاب عليها إلا ببينة ولو قبضها بغير بينة، وكذا ما لا يغاب عليه إن أخذه ببينة، وإن أخذه

ص: 250