الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب التعدي]
التعدي: قال المازري: هو غير الغصب أحسن ما ميز به عنه أن التعدي الانتفاع بملك الغير بغير حق دون قصد تملك الرقبة أو إتلافه أو بعضه دون قصد تملكه.
قُلتُ: وحاصل مسائل التعدي الانتفاع بمال الغير دون حق فيه خطؤه كعمده، أو التصرف فيه بغير إذنه ولا إذن قاضي أو من يقوم مقامه لفقدهما، فيدخل تعدي المقارض وسائر الأجراء والأجانب.
ابن الحاجب: فإن غصب السكنى فانهدمت الدار لم يضمن إلا قيمة السكنى.
ابن عبد السلام: معناه: أنه غير غاصب للذات؛ لأنه لم يقصد ملك رقبتها فهو متعدٍ، وقد علم الفرق في المذهب بين المتعدي والغاصب وهو حسن لو طردوه، ولكنهم جعلوا المتعدي على الدابة في الكراء والعارية ضامناً للرقبة. فإن قلت: المتعدي على الدابة ناقل لها وفي الدار غير ناقل لها.
قُلتُ: أسقط أهل المذهب وصف النقل في المعصوب عن درجة الاعتبار في ضمان الغاصب، وكذا ينبغي في التعدي.
قُلتُ: ظاهر لفظ ابن الحاجب وشارحه أنه لا يضمن الدار ولا شيئاً منها، سكن جميعها أو بعضها، وهو خلاف نقل ابن شاس عن المذهب.
قال: لو غصب السكنى فقط فانهدمت الدار إلا موضع سكناه لم يضمن، ولو انهدم مسكنه لضمن قيمته، والتحقيق في ذلك إجراء المسألة على حكم هلاك المتعدي فيه مدة التعدي، بأمر سماوي، ولا سبب فيه للمتعدي، وتقدم تحصيله في العارية، فنقل ابن الحاجب بناءً على لغو ضمانه بذلك، ونقل ابن شاس بناءً على ضمانه بذلك فتأمله، وبهذا يتبين لك ضعف مناقضة ابن عبد السلام بين مسألة التعدي بالسكنى ومسألة التعدي بالركوب؛ لأن الهلاك في زمن التعدي بالركوب لا يعلم كونه بغير سبب المتعدي بحال، والهدم يعلم كونه لا بسببه، وقياسه في آخر كلامه التعدي على الغصب واضح رده بما فرق به أهل المذهب بين التعدي والغصب، من ذلك اعتبار لازمي ذاتيهما لازم ذات الغصب قصد تملك الرقبة، فلم يفتقر معه في الضمان إلي نقل، ولازم ذات التعدي البراءة من قصد تملك الذات، فناسب وقف ضمانها على التصرف فيها
بالنقل.
ابن الحاجب: ويكفي الركوب في الدابة والجحد في الوديعة.
ابن عبد السلام: يعني يكفيان في ضمان الغاصب والمتعدي، ومسألة الركوب ظاهرة باعتبار الغصب؛ لأن وضع اليد وحده كاف.
قُلتُ: ما علل به ظهور مسألة الغصب موجب إشكالها في كلام ابن الحاجب؛ لأن ظاهر قوله: (يكفي الركوب في الضمان) يقتضي نفيه بنفيه، والعلة المذكورة تناقضه وهى الحق، وقول ابن عبد السلام بها يناقض ظاهر ما تقدم له في تفسير قول ابن الحاجب، وإثبات اليد العادية في المنقول بالنقل فتأمله منصفاً.
والسبب الموجب سبب غصب مثله.
في نوازل سَحنون: إن أكره عامل رجلاً على أن يخرج له متاع رجل من بيته فدفعه له، فللمغصوب منه طلب ماله ممن شاء منهما، فإن أخذه من المباشر فله الرجوع به على من أكرهه، وله طلبه بغرمه له قبل غرمه في غيبة ربه خوف طلبه به إذا قدم.
ابن رُشْد: وهذا؛ لأن الإكراه على الأفعال التي يتعلق بها حق لمخلوق كالقتل والغصب لا يصح بإجماع، وقوله:(يقضى له بغرمه له قبل غرمه به) فيه نظر، ومقتضى النظر عدم تمكينه منه، ووقفه لربه.
قُلتُ: الأظهر تمكينه منه؛ لأنه لو هلك في الوقت لضمنه؛ لأنه على حكم الغصب باقي، وذكر الشيخ مسألة نوازل سَحنون في كتاب الغصب، ولم يزد فيها شيئاً.
وقال في كتاب الإكراه: ولابن سَحنون عنه من أكره على رمي مال رجل في مهلكة ففعل ذلك بإذن ربه من غير إكراه فلا شيء عليه ولا على من أكرهه، وإن أكره ربه على الإذن فالفاعل ضامن، فإن كان عديما فالضمان على الذي أكرهه، ولا رجوع له على الفاعل إذا أيسر.
قُلتُ: مفهوم قوله: (إن كان عديماً) أنه لا غرم على الآمر المكره وهو خلاف قوله في نوازله: ويفرق بينهما أن المال الكره على أخذه قبضه الأمر المكره في مسألة نوازل، فناسب كونه أحد الغريمين على السوية، والمال المكره على أخذه في مسألة ابن سَحنون
ليس ماله؛ لانتفاع الآمر به يناسب كونه مشروطاً بعسر الفاعل.
فإن قُلتُ: في ضمان الفاعل مع استناده لإذن المالك المكره على إذنه نظر؛ لأن كلا من فعل الفاعل وإذن المالك مسبب عن إكراه المالك لهما، فإن كان فعل المكره لغواً فلا ضمان على الفاعل، وإن كان معتبراً كان إذن المالك معتبراً، وكل ما كان معتبراً لم يكن الفاعل متعدياً فلا يكون ضامناً.
قُلتُ: يجاب بأن المكره عليه إن كان قولاً كان لغواً، وإن كان فعلاً كان معتبراً حسبما تقدم في طلاق المكره، ويأتي إن شاء الله في الزنى والمكره عليه في حق الفاعل فعل يوجب اعتباره، وفي حق المالك قول يوجب لغوه فكأنه لم يكن منه إذن.
قال الشيخ: وقال في باب آخر قولهم الكفر والقذف لم يبح له في الضرورة كما أبيحت له الميتة.
فيها: قال محمد: أفسدوا هذه العلة بإجماعهم هنا على من أكره بتهديد بقتلٍ أو قطع عضو أو ضرب يخاف منه تلفه على أخذ مال فلان يدفعه لمن أمره وأكرهه أنه في سعة من مال الرجل ودفعه إليه ويضمن الآمر ولا يضمن المأمور.
قال من خالفها: وإنما يسعه هذا ما دام حاضراً عند الآمر، ولو أرسله ليفعل ذلك فخاف إن ظفر به أن يفعل به ما هدده به فلا يسعه فعل ذلك إلا أن يكون معه رسول الآمر، يخاف أن يرده إليه إن لم يفعل فيكون كالحاضر.
محمد: رجا المكره الخلاص إن لم يفعل فلا يسعه الفعل كان معه رسول أم لا، وإن لم يأمن نزول العقل به ويسعه أن يفعل كان معه رسول أم لا، وإن هدده على أن يأخذ مال مسلم يدفعه له فأبى حتي قتله كان عندنا في سعة، وإن أخذه كان في سعة.
وفيها مع غيرها: من حفر بئراً أو غيرها حيث لا يجوز له أو حيث يجوز له لما لا يجوز له؛ ضمن ما هلك بذلك.
الشيخ: روى محمد في ماله إلي الثلث ما بلغه على العاقلة.
محمد: ما هلك من عبد أو دابة أو غير الديات في ماله وتمامه في موجبات الجراح.
قال ابن الحاجب تابعاً لابن شاس: فإن ألقاه فيه غير الحافر ضمنه دونه
تقديمًا للمباشر.
قُلتُ: وكذا نقله الطرطوشي في مسألة حل القفص الآتية، وعارضها ابن عبدالسلام بتسوية سَحنون بين المكره غير على أن يخرج له مال رجل من بيته ويدفعه له، مع أن الآمر المكره متسببٌ والمأمور مباشر.
وأجاب بأن التسبب بالإكراه أشد من التسبب بالحفر.
قُلتُ: الحق انهما سواء في مسألة سَحنون مباشران معًا ضرورة مباشرة الآمر المكره أخذ المال من مخرجه واستقراره بيده، والآخذ من الغاضب العالم بالغصب غاصبٌ.
وقال المازي: في حل رباط زق مملوء زيتًا لرجل، وأبقاه مستندًا كما وجده فأسقطه رجل، فقال أصحاب الشافعي: لا ضمان على من حله سقط بفعل آدمي أو ربح وضمنوا من أسقطه غير قاصد إتلاف ما فيه، لأنه المباشر إتلافه، وفيه نظر، والأولى اشتراكهما في ضمانه إذا علم أنه لو سقط مربوطًا لم يذهب ما فيه، ولو بقي محلولًا لم يسقطه أحد لم يذهب ما فيه، لأن التلف إنما حصل بمجموع فعليهما، ول أنفرد أحدهما لم يحصل فهما كرجلين أخرجا شيئًا ثقيلًا من حرز، لو انفرد أحدهما به لم يقدر على إخراجه فإنهما يضمنانه معًا.
الصقلي: لابن حبيب عن الأخوين: من جلس على ثوب رجل في الصلاة فقام ربه، وهو تحت الجالس فتقطع لا ضمان على الجالس، لا يجد الناس من هذا بدا في صلاتهم.
قُلتُ: وأخذ من قولها ضمان موت فرس أحد المصطدمين في مال الآخر، وحده ضمان الجالس على الثوب وحده، وقاله بعض الموثقين من عند نفسه لا بالأخذ منهما.
قُلتُ: والأظهر كونه منهما كمحرم حبس صيدًا لمحرم قتله.
وفي لقطتها: من فتح باب قفص فيه طير فذهب الطير ضمن، ومن حل عبدًا من قيد قيد به خوف إباقه فذهب العبد ضمن، ومن حل دواب من مرابطها فذهبت ضمنها كالسارق يدع باب الحانوت مفتوحًا، وليس فيه ربه فيذهب ما في الحانوت فالسارق يضمنه.
ومن فتح باب دار فيها دواب فذهبت، فإن كانت الدار مسكونة فيها أهلها لم يضمن، وإن لم يكن فيها أربابها ضمن، ولو كان ربها فيها نائمًا لم يضمن، وكذا السارق يدع الباب مفتوحا، أهل الدار فيها نيام لا يضمن ما ذهب بعد ذلك.
وسمع ابن القاسم في السرقة: من سرق ركاب دابة واقفة بباب المسجد عليها صبي قطع إن كان منتبهًا، وأن كان نائمًا فلا، كدابة ليس معها أحد.
فعارض ابن رُشْد جعله الصبي بنومه كالعدم بجعله في كتاب اللقطة رب الدار فيها نائمًا ككونه مستيقظًا في طرح الضمان عن تارك باب داره محلولًا.
وأجاب بأن ذلك جعله في مسألة القطع لدرء الحد بالشبهة، فلا يتخرج قولها في مسألة اللقطه لذلك، وأخذ من قولها ضمان موت أحد فرس المصطدمين في مال الآخر وحده ضمان الجالس على الثوب وحده، وقاله بعض الموثقين من عند نفسه لا بالأخذ منها ويشبه أن يتخرج قولها في مسألة اللقطة فيضمن تارك الباب مفتوحًا إن كان رب الدار نائمًا فيها، فجعله كالعدم كالصبي النائم على الدابة.
الصقلي عن أشهب: إن كان الدواب مسرحية في الدار ضمن، وإن كان أربابها بها، والقياس ضمانه، وإن كان أهلها فيها إن لم يعلموا بفتح الباب، وإنما أسقط ضمانه خوف أن يكون أربابها علموا فتحها.
وفي الموازية: من دفع عبده لرجل وقال له قيده فتركه لم يقيد ضمنه، ولو قال له صب لي هذا الزيت في هذه الخابية إن كانت صحيحة فصبه وهي مكسورة ناسيًا ضمن، ولو قال أجعل هذا الطير في القفص وأغلق عليه فترك بابه مفتوحًا نسيانًا لم يضمن.
الصقلي: هذا والأول سواء، وهو اختلاف قول كالقولين في ضمان من أذن له في المشي بموضوع فمشى على إناء كسره، وكذا مسألة الطير والصب في الجرة، وقد يفرق بأن الصب في الجرة شرطة كونها صحيحة، والفرق بين مسألة الطير والعبد، أن العبد دفعه له على أن يقيده، والطير لم يدفعه له، إنما قال أغلق عليه.
وفي حريم البئر منها: من أرسل في أرضه نارًا أو ماء فوصل لأرض جاره فأفسد
زرعه، فإن كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يصل ذلك إليها، فتحاملت النار بريح أو غيره فأحرقته فلا شيء عليه، وإن لم يؤمن ذلك لقربها فهو ضامن، وكذا الماء، وما قتلت النار من نفس فعلى عاقله مرسلها، ومثله للشيخ عن ابن القاسم في المجموعة.
المازري: وقولها من نصب شبكة لحرز غنمه من الذئب فمات بها إنسان ضمنه، معناه: أنه علم أنه لا يكاد يسلم من المرور عليها آدمي، وأجاب ابن رشد فيمن أسند جرة له بزيت لباب دار رجل ففتح رب الدار بابه فهلكت الجرة بذلك بقوله:(لا أذكر في ذلك نصًا لأحد)، ويجري فيها على أصولهم قولان: تضمين رب الدار وعدمه وبه كنت أقضي.
قُلتُ: ونقل ابن سهل في مسألة إحداث فرن قرب فرن عن ابن ابي زعبل ما نصه: روى عن مالك في رجل وضع جرة من زيت حذاء باب رجل ففتح الرجل بابه ولا علم له بالجرة، وقد كان مباحا له وغيره ممنوع أن يفتح بابه، ويتصرف فيه فانكسرت الجرة فضمنه.
مالك: ليس هو نفس مسألة ابن رُشْد، لأن قوله:(حذاء باب رجل) مع قوله أخيرًا: (أن يفتح بابه ويتصرف فيه) ظاهر في ان الجرة لم توضع على خشب الباب، بل بقربه، ولذا قال ابن رُشْد: لا أعرف فيها نصًا فتأمله.
وفرق بعض الشيوخ بين: فتحه الباب المعهود فتحه فلا يضمن، وبين فتحه المعهود عدم فتحه فيضمن.
قُلتُ: ولا يتخرج على موت الصيد من رؤية المحرم، لأنه حق لله.
الشعبي: من أفتى بغرم ما لايجب فقضى به غرمه، قاله أصبغ بن خليل.
ومن طارت حصاة تحت حافر دابة هو ركبها فكسرت آنية، ففي ضمانه ذلك قولا الإشبيلي وابن زَرْب.
قُلتُ: وقال بعضهم بالأول إن طارت بطرد حافرها، وبالثاني: إن طارت من تحته.
وقول ابن الحاجب: ومن أتلف مغصوبًا ضمن.
ندرج تحت أقوال أهل المذهب قديمًا وحديثًا الخطأ في أموال الناس كالعمد.
وفيها: من سرق من سارق ما سرقه قطعًا معًا.
قال مع ابن شاس: ولو قدمه الغاصب لضيفه فأكله غير عالم ضمن.
قُلتُ: طاهرة أنه مبدى في ضمانه عن الغاصب، ومقتضى المذهب انه كمن وهبه غاصب ما غصبه، ويأتي حكمه، ولا أعلم نفس هذه المسألة لغير ابن شاس من أهل المذهب.
قالا: ولو قدم الغاصب المغصوب للمغصوب منه فأكله برئ، وكذا لو أكرهه على أكله.
قُلتُ: أما أكله طوعًا فلا أعرفه لغيره، والجاري على المذهب أن لا يحاسب المغصوب من ذلك إلا بما يقضي به عليه، إن لو أطعمه من ماله مما ليس بسرف في حق الآكل، وأما أكله مكرهًا فهو كمن أكره رجلًا على إتلاف مال، وقد تقدم وما أدري من أين نقلا هذين الفرعين.
المازري: في ضمان المتسبب في إتلاف بقول كصيرفي يقول فيما علمه زائفًا طيب، وكمخير من أردا صب زيت في إناء علمه مكسورًا أنه صحيح، وكال ظالم على مال أخفاه ربه عنه عليه قولان، وعزاهما الشيخ للمتأخرين.
المازري: كقولي أشهب وابن القاسم في لزوم الجزاء على من يدل محرمًا على صيد فقتله بدلالته، ولو شكا رجل رجلا لظالم يعلم أنه يتجاوز الحق في المشكو ويغرمه مالًا، والمظلوم لا تباعة للشاكي عليه، في ضمان الشاكي ما غرمه المشكو قولان، وثالثها: لبعض أصحابنا لا ضمان عليه إن كان مظلومًا.
ابن رُشْد: ويجب على الغاصب رد المغصوب بعينه إن كان قائمّا، وإلا فمثله إن كان مثليًا.
قُلتُ: ظاهره ولو كان عينا رد وفي الجلاب: لو امتنع غاصب عين من ردها فرد مثلها، ففي جبر ربها على مثلها قولا ابن القاسم والأبهري قال: لا حتجاج ربها بسوء كسب الغاصب، وقول ابن القاسم: إنما أخذ له في البيع ولو خلط زيتا بمثله ففي جبر ربه الغاصب على إعطائه منه، وتخييره فيه، وفي مثله من غيره نقل المارزي عن أشهب
والشافعي.
قُلتُ: وهو الجاري على قولها في العين.
ابن رُشْد: والمثلي المكيل والموزون والمعدود الذي لا تختلف أعيان عدده كالجواز والبيض، وقيمته إن لم يكن مثليًا، وهو ما عداه.
قُلتُ: وحكى الباجي عن مالك قوله بأن جميع المثليات مثلية كقول أبي حنيفة والشافعي.
المازري: في كذا في نسخ من المنتقى وأراه وهمًا
قُلتُ: حكاه عن ابن زرقون ولم يتعقبه ولا نقل كلام المازري مع أنه نقل في كتابه عنه في غير موضوع.
قُلتُ: واللؤلؤ الصغير القدر جدًا الذي لا يباع إلا وزنًا مثلى، وما فوقه مما هو عندي من ذوات القيم قال، ولذا قال في المكاتب: لا تجوز الكتابة على اللؤلؤ غير موصوف لتفاوت الإحاطة بصفته، يريد: بصفة الوسط منه.
وفي الهبه للخمي: فيه كلام يذكر إن شاء الله تعالى.
اللخمي: غاصب الطعام يغرم مثله صفة وقدرًا إن لم يتغير سوقه، ويختلف إن غصبه في شدة ثم صار إلى رخاء هل يغرم مثله، أو قيمته على القول الذي يغرم أعلى القيم، وإن كان جزافًا جهل كيله غرم قيمته يوم غصبه، واختلف إن قال المغصوب منه: أغرمه من الكيل مالا يشك أنه كان فيه، وأن له ذلك أحق.
قُلتُ: وانظر لو قال الغاصب: أغرم ما لا شك أنه يفي بالقدر المغصوب هل يقبل منه اتفاقًا أو يختلف فيه بعدم جبر المغصوب منه على أكل أكثر من حقه ولو فقد المثل حين طلبه فقال ابن القاسنم: ليس عليه إلا مثله.
اللخمي: يريد أنه يصير حتى يوجد.
أشهب: يخير الطالب في الصبر أو القيمة.
الصقلي عن ابن عبدوس: اختلفا في هذا كما اختلفا في السلم، في الفاكهة يفرغ إبانها، فالصبر حتى يأتي بالطعام من بلد آخر كالصبر حتى يأتي إبان الثمرة.
قال ابن القاسم: بالصبر فيهما.
وقال أشهب: يرد رأس ماله في السلم، ولا يجوز أن يؤجره وحيزه في الطعام هو فسخ دين في دين على أصله، فلا يجوز أن يؤخره بالطعام إذا كان له أخذه بالقيمة، وإنما ينظر فإن كان قرب الموضع الذي يوجد فيه مثل الطعام على يومين أو ثلاثة فليس له إلا مثل الطعام، وإن بعد فما عليه في تأخيره ضرر، واستهلكه في لجج بحر أو فيافي بعيدة من العراق غرم قيمته يوم استهلكه مثل الطعام، وإن بعد مما عليه في تأخيره ضرر يأخذ بها حيث لقيه.
ويجاب عن مناقضة أشهب بأن المغصوب منه ظلم يتقدم غصبه، فلو جبر على التأخير عظم ضرره، والمسلم لم يتقدم ظلمه بحال، بل هو كالمختار، في تراخيه بطلبه.
ومن نقي من غضبه طعامًا بغير بلد غصبه والطعام معه، ففي كون الواجب مثله في بلد غصبه، وتخييره في أخذه أو مثله بالبد، ثالثها: إن لقيه ببلد بعيد عن بلد غصبه فالأول وإلا فالثاني لأبن رُشْد عن ابن القاسم مع سماعه وسماع أصبغ أشهب وقوله.
اللخمي: أرى له أخذ الطعام إن كان الغاصب مستغرق الذمة، أو لم يكن سعره في بلد الغصب أقل منه في بلد النقل، أو قال به: ادفع الاقل من نقله وزيادة سوقه.
قُلتُ: قال الشيخ عن أشهب في المجموعة ومحمد: يحال بين الغاصب، وبين ما نقل حتى يوفي المغصوب حقه.
قال سَحنون: لا أعرف قول أشهب هذا من قول الرواة أن يأخذ الطعام وإنما له أخذه بمثله في موضع غصبه، وكذا لأصبغ عن أشهب في العتبية، وذكر الصقلي قول أصبغ بلفظ: ويتوثق لرب الطعام، وعبر عنه ابن الحاجب بقوله: لا خلاف أن الغاصب يمنع منه حتى يتوثق منه.
قال ابن عبدالسلام: هذا صحيح في النظر، ولا يبعد وجود الخلاف فيه أو ما يدل عليه في فروعهم، وأظن أني وقفت على ما يقتضي ذلك.
قُلتُ: قوله: (وجود الخلاف فيه) يقتضي وجود القول عنده بأنه لا يحال بينه وبينه مع عدم التوثق منه، وهذا خلاف الاجماع على منع الحكام من الحكم بما يقتضي تضييع
الأموال على أربابها فتأمله.
الشَّيخ في الموازيَّة عن ابن القاسم: لو أتفقنا على أن يأخذ منه فيه ثمنًا نقًا جاز كبيع طعام القرض قبل قبضه، وقال أصبغ وروى ابن القاسم في المجموعة وفي العتبية: لا يجوز أخذه منه طعامًا يخالفه في جنس أو وصفه، لأنه طعام بطعام مؤخر.
الصقلي عن ابن القاسم: لو اتفقنا على أخذه بقيمته، أو مثله حيث نقله، أو يأخذ فيه ثمنًا جاز كبيع طعام القرض قبل قبضه، وقاله أصبغ.
قُلتُ: نحوه للشيخ، وزاد من ابتاع طعامًا في بيت أو مطمر ببلد فلا خير في أخذه مثله ببلد آخر، لأنه طعام بطعام مؤخر، ولو نقله البائع إلى بلد فتراضيا بأخذه بها جاز، وقد ضمنه بنقله، وقال غيره: لا بأس به في الوجهين، لأن الأول معروف.
قُلتُ: قوله: (ولو نقله
…
إلخ) مثله سمع سَحنون.
ابن رُشْد قوله: (وقال غيره: لا بأس به) هو عبدالعزيز ابن أبي سلمة، والأول أظهر، لأن الطعام إذا تلف انتقض البيع، ولو حمل البائع جميع الطعام الذي باع منه المائة إلى بلد جاز أخذ ما اشترى منه حيث نقله، وقيل: يخير في أخذه وفي أخذ ثمنه، وهو أظهر من قول ابن القاسم في المدونة، إذ لم ير له في ذلك خيارًا إذا استهلك البائع الطعام أو باعه، لأنه بيع الخيار في ذلك خوف أن يكون البائع غاب عن الطعام ولم يستهلكه، وهذه تيقن فيها حمل الطعام.
ولو لقى المغصول منه الغاصب بغير بلد الغصب، والطعام ببلد الغصب، فاللخمي عن ابن القاسم: يصبر لقدومه بلد الغصب ليغرم مثله، وعند أشهب: يغرمه مثله إن لم يكن سعره ببلد الغصب أكثر منه حيث لقيه، أو قيمته الأن ببلد الغصب إن بعد ما بين البلدين كقوله: إن كان معه ببلد الغصب وتعذر وجود المثل ورجي وجوده بعد، وأن يكون له ذلك في المسألتين معًا أحسن، لأنه لا ضرر فيه على الغاصب وللمغصوب منه حق في استعجال حقه.
وفي غير الطعام طريقان: ابن رُشْد: في كون نقله من بلد لآخر فوتًا فيخير ربه في أخذه واخذ قيمته يوم الغصب أو غير فوت فليس لربه إلا أخذه، ثالثها: هو في
العروض والرقيق فوت لا في الحيوان، غيره لأصبغ مع ظاهر سماع أشهب، وسَحنون وسماع ابن القاسم.
والباجي: روى ابن القاسم: ليس له إلا أخذ العبيد والدواب، وبخير في البز والعروض في أخذها بعينها وقيمتها يوم الغصب.
أشهب: يخير في الحيوان كالعروض.
سَحنون: البز والرقيق سواء ليس له إلا أخذه.
ابن زرقون: لابن القاسم في الموازية قول رابع هو أخذ القيمة الأن.
اللخمي: إن نقل العرض أو الحيوان ولقيه ربه ببلد نقله، ففي لزوم قيمته فلا يأخذه وتخييره فيه.
***** قولا ابن القاسم ومحمد: قائلًا: تفرقة البلدان البعيدة كتغير الابدان مع أشهب، وقال سَحنون: ليس له إلا عين شيئه في البز والرقيق، وروى ابن عبدوس: ليس له إلا عين شيئة في العبيد والدواب.
اللخمي: ما لا حمل له والطريق آمنة، القول فيه قول من دعا لأخذه، وإلا لم يجبر ربه على أخذه، وله أخذه دون غرم نقله على قول أشهب، وعلى قول ابن القاسم بعد غرمه أجر نقله.
ومعروف المذهب أن ليس لربه جبر الغاصب على رده لبلد الغصب، وللمغيرة: لمن نقلت خشبته من عدن إلى جدة اعديًا بمائة دينار، جبر ناقلها لمحلها.
قال: ولابن القاسم: إن أخطا مستأجر على حمل شيء لبلد يحمله غيره إليه، خير ربه في قيمته بالبد الذي نقل منه، واخذه بغرم كرائه.
أشهب: وأخذه دون غرم.
أصبغ: لربه جبره على رده لمأمنه أو أخذه مجانًا، إلا أن يعلم أن ربه كان راغبًا في وصوله فيلزمه كراء المثل.
وأجاب ابن رُشْد: فيمن أكرى ملاحًا على حمل تين من إشبيلية إلى سبته فحمله إلى
سلاح، يغرم الملاح مثل التين بإشبيلية وحمله إلى سبتة، فقيل له، أفتى غيرك بوجوب رده الملاح إلى سبتة وهو في ضمانه حتى يصل إليها، فقال: ذكر هذا ابن حبيب، وما قلته هو قول ابن القاسم.
ومن غصب حليا فاستهلكه ففي غرم وجوب غرم قيمته أو مثله قولها، ونقل الصقلي عن أشهب كقولي ابن القاسم وغيره في الغزل في تضمين الصناع منها بناء على اعتبار الصنعة أو الأصل، ولو كسرهما ففي وجوب ما نقصهما أو قيمتها، ثالثًا: قيمة الصياغة، ورابعًا: صوغها اللخمي عن ابن القاسم وعما رجع إليه، وعن قولها في كتاب الغصب ورواية أشهب.
قُلتُ: عزاه الشيخ لأشهب لا لروايته.
وفي كون الواجب في هدم البناء قيمته أو مثله قول استحقاقها، ونقل الشيخ مع الباجي: عن أشهب، وعلى الأول قال المازري: خير شيخنا رب البناء في أخذ قيمة الجدار قائمًا على بقاء النقض للهادم أو قيمة التلفيق وهو قيمة ما أتلف على بقاء النقض لرب البناء، وهذا على أصل ابن القاسم أن لمن ملك تضمين الغاصب قيمة جملة ما غصب لنقض حدث فيه انه إن اختار أخذ شيئه فله طلبه ما نقص على بقاء النقص البناء وهذا على أصل ابن القاسم طلب ما نقص.
اللخمي: في الموازية لو أعاد الغاصب الحلي بعد كسره على غير صفته فعليه قيمته، وعلى صفته يأخذه ربه مجانًا هذا قولها.
محمد: لاشيء له إلا قيمته ولو أعادهما بحاله، لأن الغاصب ضمن القيمة، ولو لم يكن غاصبًا إلا متعديًا لكان له أخذه إن صاغه على حاله مجانًا ولو أعاده بعد كسره من اشتراه من غاصب لم يأخذه ربه إلا بدفعه للمشتري في قيمة الصياغة إذ يتعد بالكسر.
قُلتُ: واختصر ابن الحاجب فقال: لو اشتراه غير عالم بغصبه فكسره، ورده على حاله لم يأخذه ربه، إلا بقيمة صياغته إذ لم يتعد.
قال ابن عبدالسلام: هذا المنصوص في الفرع بعينه وفي الدار يهدمها، بخلاف الشاة يذبحها، والثوب يقطعه، والعصا يكسرها، وشبهه وهو مشكل.
وأصل المذهب أن كل ما أتلفه المشتري متعمداً ضمنه سواء انتفع به أو لم ينتفع به، وما تلف بأمر الله لم يضمنه، وفيما أتلفه خطأ فولا أشهرهما ضمانه.
قلت: قوله: (وهو مشكل ..... إلخ) ظاهره أنه المبتدئ يذكر إشكاله، لم يذكر له جواباً.
ويرد بنقل الشيخ فى نوادره ما نصه: والجناية الكثيرة كذبح الشاة وكسر العصا وشق الثوب.
قال محمد: وكذا المشتري يقطع الثوب لمستحقه تضمينه جميع قيمته، وقاله مالك.
وفرق بينه وبين هدم الدار، وكسر الحلي، لأن هذا تمكن إعادته، ولا يمكن ذلك فى الثوب ونقله الصقلي، وزاد: وهذه مسائل أتبع فيها النص إذا لم أجد خلافه، ولو قال قائل: أن الهدم والذبح وكسر الحلي وركوب الدابة وبعث العبد سواء لم أعبه ولكان قياساً، لأنه مال تبين أن للغير، والخطأ والعمد في أموال الناس سواء، وهدم الدار أشد من الذبح، لا تعاد الدار لما كانت عليه، إلا بمثل قيمتها الصحيحة أو أكثر، وقد يشتري بثمن الشاة مذبوحة مثلها حية، وقوله:(هذه تعود وهذه لا تعود) ضعيف، ونحوه قول اللخمي: فرق محمد ضعيف، وعلله بمثل ما تقدم.
ابن الحارث: فيمن غصب قمحاً فطحنه أن لربه تضمينه مثله، ثم اختلف فقال ابن القاسم: إنما له المثل، وقال أِهب: له أخذ دقيقه مجاناً، لأن الذي صار للغاصب فيه لا يقدر على انتزاعه منه فهو كالتزين، ومثله قول المازري: إنما الخلاف فى تمكين رب القمح من أخذ عين الدقيق، ولو أراد تضمين الغاصب مكيلة القمح لم يضمن من ذلك عند ابن القاسم وأشهب.
المازري: وذكرنا اختلاف قول مالك: إذا غضبه قمحاً فطحنه.
الباجي: اتفق ابن القاسم وأشهب على أنه لو طحن الحنطة سويقاً ولته أن ليس لربه أخذها ذلك، ويباع السويق فى عدم الغاصب، ويشترى بثمنه مثل الحنطة وما فضل أو نقص للغاصب وعليه.
ابن زرقون: لو تراضيا فأخذه ملتوتا عن الحنطة جاز، لجواز بيع الحنطة بالسويق
متفاضلاً، ولو غصبه سويقاً فلته فإنما له مثله، لأنه لته لا يبيح التفاضل.
الباحى: لابن حبيب عن ابن الماجشون: لرب الحنطة أخذها إن طحنها سويقا أو يضمنه مثلها، ولا حجة للغاصب لما روي:"ليس لعرق ظالم حق".
ابن زرقون: يريد: طحنه سويقاً، ولم يلته وهو مثل قول أشهب.
قلت: طحنه سويقًا يبيح التفاضل بينه وبين القمح حسبما تقدم في البيوع، وهو نص سلمها الثالث، فلا فرق بين لته وعدمه، وقول أشهب في طحن القمح إنما قاله، لأن الدقيق والقمح جنس واحد فتأمله.
وفي التعقيب لعبد الحق: قال أبو سعيد: ومن سرق حنطة فطحنها سويقًا، ولتها ثم قطع ولا مال له غير ذلك، فأبي رب الحنطة أخذ السويق فهو مثل ما وصفنا، يباع السويق ويشترى له من ثمنه مثل حنطته.
قال عبدالحق: وقع في نقل أبي سعيد فأبي رب الحنطة أخذ السويق، فهذا يوهم أن له أخذها وليس له ذلك بالحكم وكذا قيمة اللتات أو لا، إلا أن يتفق هو والسارق على ذلك فيجوز.
وأما في لفظ الأمهات: وقال رب الحنطة أنا آخذ هذا السويق، هو مثل ما وصفت لك، يباع ويعطى حنطة مثل حنطته تشتري له من ثمن السويق.
ومن غصب غزلاً فنسجه ففي وجوب غرمه مثله، أو قيمته يوم استهلكه نقلا الباجي عن أشهب وابن القاسم في الموازية.
قلت: قما قولا المغيرة وابن القاسم في تضمين الصناع منها، كالقولين في هدم الحائط.