الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في عمل القراض]
العمل: التجر بالابتياع والبيع، ومئونتهما عادة فيها للعامل أن يؤاجر أجيرًا للأعمال التي لابد من ذلك فيها، ويكري البيوت والدور والدواب، وإن أمر من يقتضي دينه بغير إذن رب المال ضمن ما تلف بيد الوكيل مما قبض.
ابن فتوح: للعامل أن يستأجر من المال إذا كان كثيرًا لا يقوى عليه من يكفيه بعض مئونته، ومن الأعمال أعمال لا يعملها العامل، وليس مثله يعملها ويطلب كونه بفعل العامل لا من غيره، وشرط كونه من غيره في عقده يفسده وإباحته له بعده خفيف، وسمع ابن القاسم: من أخذ قراضًا على دفعه لغيره يعمل به كره، ثم قال: إن قال: أبعث به لمن يعمل به فخفيف وما هو من عمل الناس.
ابن رشد: معنى الأول أنه دفعه له على شرط ذلك فلا يجوز؛ لأنه إجارة بما فيه غرر لاحتمال دفعه بأكثر من جزءه فيربح أو بأقل فيخسر فله إجارة دفعه إن نزل والعامل على قراضه، ومعنى الثاني أنه على غير شرطه واذن له فيه بعد العقد، فإن كان قارض به بأكثر من جزئه الذي شرط فالزائد لرب المال، رواه محمد بخلاف المساقات؛ لأنها تلزم بالعقد فكان له الزائد والقراض لا يلزم به فلم يكن له، وإن قارض فيه بأقل
منه كأخذه على أن له النصف وإعطائه على أن له الثلث فرب المال أحق بنصفه ويتبع العامل الثاني الأول بمثل سدس ربحه، هذا إن لم يكن يعلم رب المال بقراض الأول الثاني على أن له الثلثين، ولو علم ورضي فليس له إلا ما رضي به، واختلف إن علم وحضر وسكت هل هو كالإذن أو كغير العالم؟ وفرق في الموازية فقال: إن قال: أبعثه مع مولاي لبلد آخر لمن يكفني أمره؛ لم يصلح.
إن قال: إلى قوم يشترون ويبيعون فأرجو خفته، ووجه تفرقته أن الأول معناه: ابعثه لمن يأخذه عل الجزء الذي أخذته فقد لا يجده؛ فلذا كرهه وقال: إنه لا يصلح، والثاني معناه: ابعثه لقوم يشترون ويبيعون على ما أعاملهم عليه من الربح على وجه القراض أو من الأجرة على وجه الإجارة الصحيحة، وهذا لا يبعد وجوده فأجازه، وإن كان ذلك شرطًا فقد مضى فساده.
الربح: يستحق بما شرطاه ويجب كون حظ العامل جزءًا من الربح معلوم النسبة منه.
وفي كونه علمًا لا يفتقر لكبير حساب نظر كنسبة الربح في المرابحة كدفعه على عشر سبع الثمن، أو ما ليس على جزءين مختلفين بشرط الخلط كمائة على الثلث وخمسين على السبع.
وفيها: إن شرط لربه درهمًا من الربح وما بقي بينهما فسد القراض، والربح والوضعية لربه وللعامل أجر مثله، ومثله في الموطأ.
الباجي: لا يجوز شرط أحدهما شيئًا من الربح إلا على الأجزاء، فلو شرط عددًا دون جزء أو عددًا مع جزء ولو درهمًا لم يجز إذ لعل ذلك العدد يستغرق الربح وتدخل الجهالة في الأجزاء المشترطة، فإن نزل ففي الموازية عن مالك وأصحابه: إن أسقطا الشرط قبل العمل جاز، وبعده روى يحيى عن ابن القاسم كذلك، وأنكره يحيى.
اللخمي: ما فسد لزيادة في كون حظ عامله أجر مثله أو قراض مثله، ثالثها: إن كانت الزيادة لذي المال فللعامل الأقل من المسمى أو قراض المثل، وإن كانت له فله
الأكثر منهما، وإن قال: خذه قراضًا ولم يزد أو على جزء من الربح لم يسمه فسد، وتقدم قول الباجي: يجوز شرط كل الربح للعامل أو لرب المال في المشهور.
وفيها: إن شرطا في معاملتهما ثلث الربح للمساكين جاز، ولا أحب لهما أن يرجعا فيه ولا يقضى بذلك عليهما.
ابن رشد: في آخر مسألة من رسم الشجرة من سماع ابن القاسم في كتاب الحبس إن كانت الصدقة أو الهبة لغير معين ففي لزومها والحكم عليه بها اختلاف، والقولان في المدونة على اختلاف الرواية فيها.
قُلتُ: استيفاؤه في الهبة، والمشهور عدم الحكم به وانتقالهما عن جزء أحدهما لأكبر منه قبل إشغاله أو بعد نضه دون ربح ولا وضع جائز.
اللخمي: اتفاقًا، وبعده والمال سلع في جوازه قولان لها ولابن حبيب بناءً على لغو التهمة على أن الزيادة لإبقائه عند التمكن من رده واعتبارها، وعلى الجواز إن كانت للعامل صحت لحوزه وإلا ففي بطلانها لعدم حوزه.
نقل اللخمي: وتخريجه على الهبة لا تبطل إن لم تكن تهمة؛ لأن التراخي لتأخر وقت المفاصلة وهو أحسن.
قُلتُ: هو نحو قولها: من اشترى لأهله هدية في سفره ثم مات قبل وصوله؛ فإن كان أشهد على ذلك تمت لهم، وكذلك لأجنبي ولم يحك الصقلي غير الأول معزوًا لبعض القرويين وهو التونسي، ورجح قول ابن حبيب قائلًا: لا تجوز هبة أحدهما الآخر.
قال: وأجاز محمد ترك العامل النفقة بعد الإشغال وهي هبة منه لا قبله.
قُلتُ: قولها هو مقتضى قول مالك في الموطأ: إن أبضع رجل المال مع العامل لبيع أو شراء أو استسلف العامل منه، فإن كان ذلك لإخاء بينهما ويعلم أنه لو لم يقارضه فعلا ذلك فلا بأس به، وإن كان ذلك بشرط وخيف أنه إنما فعل ذلك لإبقاء المال قراضًا لم يجز، أبو عمر: هذا صحيح.
الباجي: في العتبية لعيسى عن ابن القاسم في العامل يسافر: فيقول لذي المال: لا
أنفق من مالك إن كان عينًا لم يجز، وإن كان بعد الشراء والشخوص جاز.
قُلتُ: هو في العتبية تفسير من قول عيسى لقول ابن القاسم، قال ابن رشد: هو صحيح مبين لقول مالك، ويلزم العامل على ذلك على القول بلزوم العدة؛ لأنها عدة، وإن قال ذلك عند خروجه والمال بحاله فهو مكروه لا يلزم، ولا يفسخ به إلا أن يكون كالشرط.
وفي جواز شرط العامل عون غلام رب المال نقل الشيخ روايتي محمد مصوبًا الأول، وهي روايتها فيه وفي دابته.
وفيها قلت: إن أخذه على أن له شركًا في المال أيرد لقراض مثله؟ قال: نعم كما لو أخذه ولم يسم ماله من الربح.
قال غيره: إن قال: شركًا في المال فهو النصف.
الباجي: إن قال: على أن لك في الربح شركًا أو شركة جاز، فإذا قلنا بجوازه فقول ابن القاسم: إن عمل فله قراض مثله، وقال غيره: له النصف.
ابن زرقون: انظر كيف قال: إنه جائز وفيه قراض المثل هذا لا يلتئم، والصواب أن ابن القاسم يراه فاسدًا وغيره يراه جائزًا وهو ابن الماجشون، ونوقض قولها بقولها في السلم الثالث من قال لرجلين اشتريا عبدًا: أشركاني، فأشركاه العبد بينهم اثلاثًا؛ لأنهما أرادا أن يكونا فيه كأحدهما؛ لأن مدلول أشرك مطلق المصدر فهو كلفظ الشرك، وفرق بأن لفظ: أشركاني يقتضي التسوية، والشرط كلفظ النصيب، وظاهر لفظ ابن رشد في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة مثل قول الغير في القراض حسبما تقدم، ودفع مالين معًا لعامل بجزء واحد بشرط خلطهما أو مطلقًا جائز، وظاهر قول اللخمي أنه على الخلط حتى يشترط نفيه، فإن اشترط ففي جوازه ومنعه نقلًا التونسي مع الشيخ عن محمد، ورواية أبي زيد مع ابن حبيب قائلًا: إن نزل ففيه أجر مثله.
الصقلي: مقتضى أصله قراض مثله إذ ليس فيه اختصاص بزيادة، وقال: روى أبو زيد عن ابن القاسم وكذا لابن رشد عن محمد كالصقلي.
التونسي: ظاهر قولها: إن نض المال دون ربح ونقص جاز إعطاؤه آخر إن كان
بمثل جزء الأول كقول محمد؛ لأن شرطه مماثلة الجزء دليل على عدم الخلط، وقاله ابن رشد وعلى جزأين بشرط الخلط جائز وشرط نفيه لا يجوز، وخرجه اللخمي على الأول قائلًا: لأن المنع خوف أن يخسر في أحدهما ولا يجبر من الآخر، وهذا تماثل الجزء فيه واختلافه سواء.
قلت: في المختلف احتمال إيثاره الأكثر حظًا له باربح السلع.
قال: ويحمل المختلف في السكة عدم الخلط.
قُلتُ: ولا يتخرج من قول ابن حبيب بحمل العقد المحتمل للفساد على الصحة حمله على الخلط؛ لأن ذلك في عقد غير الرخصة ولأن ذكر اختلاف الجزء قرينة في عدم الخلط ودفع ثان قبل شغل الأول.
قال اللخمي: كأخذهما معًا وهو ظاهرها وبعد نض الأول بحاله فيها يجوز بمثل جزء الأول.
الصقلي: يريد: بشرط عدم خلطهما وشرط خلطهما جائز ولو بجزء مخالف للأول، وله مع الشيخ عن الموازية إن نض الأول بحاله جاز أخذه، الثاني: على قراض مختلف أو متفق إن كان على الخلط وإلا لم يجز.
قُلتُ: ظاهره وإن كان بمثل جزء الأول.
وقال الصقلي: يريد: على عدم الخلط ولو كان عليه جاز على كل حال وبعد نضه بربح أو وضيعة في منع ثان مطلقًا أو ما لم ينض بربح، والثاني مثل جزءه على عدم خلطه، ثالثها: هذا ما لم يعلم قصد العامل رده ليستعجل ربحه فيمنع أو تماديه فيجوز مطلقًا لابن القاسم وغيره فيها، واللخمي قائلًا: إن عمل على الفساد بشرط الخلط فض الربح على الحالين يوم خلطًا يجبر لمناب الأول، وله في الثاني قراض مثله ما لم يجاوز المسمى؛ لأنه رضيه على جبر خسارة الأول من ربحها.
قُلتُ: هذا إن كان في الأول يوم الخلط وضيعة وصور فساده أعم.
الصقلي: عن سحنون: إن دفعه وفي الأول ربح فربح فيهما قسم هذا الربح عليهما بحظ الأول على قراضه، وحظ الثاني لربه وللعامل أجر مثله، ولو خسر فضت الخسارة
عليهما، فمناب الأوليجبر بربحه، ومناب الثاني على رب المال وللعامل أجره، ولابن حبيب: هما في مناب الثاني على قراض المثل فيه دون شرط الخلط.
الصقلي: قد قال في شرط عدم خلط المالين إنه أجبر وفي هذه قراض مثله ولو عكس كان أولى على أصله، ولم يفسد القراض الأول ورواه باقيًا على شرطه حتى يقبض؛ لأنه يجبر بما ربح فيه آخر ما خسر في الأول، والقياس أنه أجير فيهما؛ لأنه كزيادة مشترطة للعامل إن كان في الأول وضيعة ولرب المال إن كان فيه ربح، ورده ابن عبد السلام بأنه باق على أصل صحة هقده حتى يقع الفصل فيه بالفعل هي على غير نقل المازري وغيره: من ملك أن يملك عدد مالكًا، ومن خير بين شيئين عد منتقلًا فيما يوجب فسادًا، وذكر ابن رشد قول ابن حبيب قال: وقال فضل: هو قول ابن القاسم في العتبية؛ لأنها زيادة داخلة في المال، ولا أعرف هذا في العتبية في روايتها، ورأيت لفضل أنه يرد في المال الثاني لإجارة مثله على قول ابن القاسم في المدونة؛ لأنه جعل شرط الخلط مثل شرط: إن وضعت في المال الثاني جبرته بالأول فصارت زيادة خارجة مع الغرر إذ قد يخسر أو لا يخسر.
قُلتُ: فما أخذ على خلطه بالأول بعد نضه غير باق على قدره إن نزل في كونه في الثاني على قراض مثله مطلقًا، أو ما لم يزد على المسمى إن كان في الأول نقص أو أجيرًا والأول على قراضه في الثلاثة، رابعها: أجير فيهما لابن حبيب مع فضل عن ابن القاسم في العتبية واللخمي عن المذهب، ونوازل سحنون مع فضل عن الجاري على قول ابن القاسم فيها، والصقلي: وبعد شغل الأول على خلطهما لا يجوز فيها ولو كانت قيم سلعه كرأس مالها؛ لأن الأسواق تحول ودون شرطه جائز مطلقًا.
محمد: روى أشهب: إن اختلف كره، ونقل اللخمي: لا يعجبني.
وفيها: لا يجوز شرط زكاة المال على العامل.
ابن رشد: اتفاقًا، وفي جواز شرط زكاة الربح على أحدهما، ثالثها: على العامل، ورابعها: عكسه لابن رشد عنها وعن الأسدية مع سماع أشهب وله عن سماع أشهب في المساقاة قائلًا: المساقاة والقراض سواء، ولتخريجه قال على ما بيناه من سقوط الغرر في
شرطها العامل على رب الحائط على أن الحائط إن لم تجب فيه زكاة لرجع جزء الزكاة لمن شرط عليه، وذكرها ابن زرقون كأنها من عند نفسه، وعزا عياض ما في الأسدية لرواية في المدونة بلفظ لا خير في شرط زكاة الربح لواحد منهما على صاحبه، وعزاها الصقلي ليزيد بن أيوب.
عبد الحق: ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم: يكره شرط العامل على رب المال زكاة ربح المال، وما ذكره عن ابن القاسم هو في الأسدية.
قُلتُ: إنما نقل غير واحد عن الأسدية منع شرطه مطلقًا لا للعامل فقط، وظاهر نقلهم عنها منع الحرمة لا الكراهة فنقل عبد الحق الكراهة، خامس: الباجي: انظر إن شرط زكاة العامل من الربح في الربح.
قُلتُ: هذا يرجع لعمله على جزء معلوم إلا أنه لا يدرك إلا بإعمال نظر زائد على إعماله في شرط زكاة كل الربح؛ ولذا جعله محل نظر، وقد تقدم إجزاء ما لا يدرك إلا بنظر حسابي على ما في إدراك قدر الربح والضيعة في المرابحة على ذلك، وقول ابن الحاجب: وتعقب إطلاقه؛ يعني: قولها: لأنه يرجع بجزء معلوم، والتعقب هو ما في رواية يزيد في المدونة من قوله؛ لأن المال قد لا تجب فيه زكاة، وقد تجب فيصير العمل على غير جزء مسمى، وقوله: وقيد بأن المراد نسبته وإلم تجب.
قُلتُ: هو مدلول قولها: لأن ذلك يصير جزء مسمى كأنه أخذه على أن له خمسة أجزاء من عشرة ولرب المال أربعة أجزاء والجزء الباقي للزكاة.
عبد الحق: هذا تقريب، وحقيقته أنه أخذه على أن له ربع عشر الربح كله ونصف ما بقي بعد ربع عشره وجواب بعضهم بأن الأمر محمول على أن المفاضلة لا تقع إلا بعد حول ويرجو أن فيما دون النصاب بلوغه إياه بأنه احتمال غير راجح فلا ينفي الغرر؛ ولذا قال ابن رشد في المساقاة: إن كان الحائط كبيرًا يعلم أنه تجب فيه الزكاة فقول المدونة أصح، وإلا فما في الأسدية أصح، وقول ابن عبد السلام: هذا الجواب وإن ضعف خير من الذي قبله لما يؤدي إليه الذي قبله من النزاع في قسمة الربح إن سقطت الزكاة عنه، يرد بأن النزاع عارض لهما على ال سوية فتأمله، وعلى الجواز لو
تفاصلا قبل وجوبها ففي كون جزءها لمشترطه على غيره أو له أو بينهما أنصافا، ثالثها: الربح بينهما على تسعة أجزاء خمسة لرب المال وأربعة للعامل.
الصقلي: عن رواية ابن وهب والمقدمات، وله عن سحنون وغيره قال: وهو أعدل، وقاله التونسي في شرط زكاة المساقات، وعزا الأخير لابن عبدوس، وعزو المقدمات للواضحة أنه لمشترطه قائلًا: إن شرط على العامل أخذ أربعة أعشار الربح وثلاثة أرباع عشره خلاف نقل الصقلي في الزكاة قبل ذكره الأقوال الثلاثة عن الواضحة يختص المشترط بربع عشر الربح، ويقسمان ما بقي وهو راجع للثلاث، وتوجيهه قول سحنون بهذا عنهما حظ الزكاة يقتضي كونه كذلك لو كان حظهما في الربح مختلفًا، ونعني بالثالث قسم الربح على ما يجب لكل منهما منه بعد طرح حظ الزكاة من حظ من شرطت عليه، ففي قراضها بالنصف على تسعة وثلاثين للمشترط منها عشرون، وعلى الثلث للعامل على مائة وسبعة عشر له منها سبعة وثلاثون.
وفيها: وجوب جبر نقص المال بخسارة أو عداء أو تلف، ولو قبل انتقاله بربحه قبله أو بعده، ولو شرط العامل بعد نقصه عدم جبره.
ابن حبيب: لو لقي العامل رب المال فأخبره بنقصه فقال: اعمل بما بقي فقد أسقطت عنك ما ذهب فهو قراض مؤتنف ولو لم يحضر المال، وفي الموازية: لو أخبر العامل بمائة رب المال بأخذ لص منها خمسين فدفع إليه خمسين فرأس المال مائة وخمسون إن فضل بعد الخمسين ومائة شيء اقتسماه على شرطهما.
التونسي: إنما يتم هذا إن صار المال مائتين لوجوب فض الربح على الخمسين الباقية من المائة والخمسين الثانية، فمناب الأولى لا قسم فيه لوجوب جبر نقص المائة، ومناب الثانية منه ربح يقسم.
قُلتُ: قوله: إنما يصح هذا إذا صار المال مائتين نص في مخالفة حكم ربح هذه المائة قبل بلوغها مائتين لحكمه حين بلوغها مائتين وليس كذلك؛ لأن حكم ربحها دائمًا وجوب جبر مناب الخمسين الباقية منه لما سرق، والزائد عليه ربح يقسم كمناب الخمسين الثانية، وبلوغ المال في ذلك مائتين وعدمه سواء، فإن قيل: مراده أنه لا يقسم
لربح الخمسين الباقية بحال قبل بلوغ المال مائتين.
قُلتُ: إن كان مراده هذا فالعبارة عنه إنما هي لفظ: إذا زاد المال على مائتين؛ فتأمله، وقوله: إنما يجري على متقدم قول ابن حبيب في رفع حكم القراض الأول بعد نضه بمجرد قولهما ذلك، والرواية على معروف المذهب مستقيمة فتعقبه تعقب عليه، ولو قسما ربح المال وقال: اعمل بما بقي قراضًا ففي كونه مؤتنفًا وبقائه على حكم الأول حتى يقبضه ربه قول ابن حبيب مع روايته عن مالك وأصحابه غير ابن القاسم وقولها مع محمد عن أصبغ بشرط قبضه على الصحة والبراءة ورواية أصحاب مالك.
الباجي: عن ابن مزين: إن أحضر المال وقبضه ربه على غير صحة، ثم رده في المجلس والفور قراضًا فهما على قراضهما يجبر الآخر بالأول إن كانت فيه وضيعة.
قال ابن عبد السلام: اختار غير واحد من المتقدمين والمتأخرين قول ابن حبيب وهو ظاهر الموطأ.
قُلتُ: انظر ما ذكره عن غير واحد: لا أعرفه، ومشاهير مؤلفي المذهب كالصقلي واللخمي والتونسي وابن رشد ونحوهم ليس لهم في ذلك شيء، وكذا نقله عن الموطأ؛ لأن لفظه ما نصه: قال مالك: لا يجوز للمتقارضين أن يتحاسبا ويتفاصلا والمال غائب عنهما حتى يحضر المال فيستوفي صاحب المال رأس ماله، ثم يقتسمان الربح على شرطهما.
ابن رشد: في رسم شك في طوافه: قال مالك في موطئه: لا أحب أخذ رب المال ربحه حتى يحضر المال كله ويحاسبه ويصير إليه، ثم إن شاء رده أو أمسكه، وظاهر الواضحة إن قسما الربح على غير محاسبة ولا اعتماد مفاصلة جاز؛ لأنه قال: إن فعلا ذلك وجاء في المال نقص جبر من الربح الذي قسماه.
قُلتُ: دلالة هذا اللفظ على المنع أقرب من دلالته على الجواز.
ابن حارث: اختلف إن دفع العامل لرب المال حظه ربحه من مال نفسه، ثم يستوفيه من مال القراض فسمع ابن القاسم: لا بأس به، وقال سحنون: لا يجوز إلا يدًا بيد وزنًا بوزن.
ابن رشد: عن بعض أهل النظر: قول سحنون جيد؛ لأن ربحه ليس في ذمة العامل إنما هو في المال بعينه فلا يجوز أن يعطيه من غيره إلا كما قال سحنون: وإلا كان ذهبًا بذهب غائبة، وهو تعليل حسن إن أعطاه الربح من ماله على وجه الاشتراء منه للربح الذي في يده، وقول مالك جيد إذا كان إنما أعطاه الربح من ماله على وجه السلف حتى يقبضه من الربح، فلو نص على أنه سلف جاز، والخلاف إنما هو فيما يحمل عليه الأمر عند الإطلاق، فحمله مالك على السلف فأجازه وسحنون على البيع فمنعه.
قُلتُ: قوله هو الجاري على المشهور في العقد المحتمل للصحة والفساد، وفي صرفها ولو ادعته مائتي درهم، ثم لقيته والدراهم في بيته فهضمت عنه مائة على أن أعطاك مائة من غير المائتين لم يجز، إنما يجوز أن تأخذ منه مائة وتدع له مائة، قال بعض الفاسيين قصد بيان الوجه المشكل: ولو أخذ منه مائتين كان أقوى في المنع؛ لأنها مناقلة فاسدة.
قُلتُ: الأظهر في أخذه منه مائتين أنه يجري على قول مالك، وسحنون في مسألة القراض، وسمع ابن القاسم: إن أذن رب المال للعامل في أخذ ربحه فلا يأخذ شيئًا حتى يقتسما.
ابن رشد: كرهه؛ لأنه راجع إلى إعطائه حظه قراضًا على خلطه بالأول، وقد يكون المال لم ينض فصار كإعطاء مال ثان بعد شغل الأول على خلطه به، أو نض بوضيعة فصار كإعطاء مال ثان بعد نضوض الأول بخسارة على خلطه به.
قال فضل: إن وقع فالأول على حاله وفي الثاني أجر مثله، ولو تحقق نضوض الأول دون نقص لجاز كدفع مال بعد مال، ولهذه العلة منع مالك في الموطأ قسم الربح دون حضور رأس المال ونضوضه، وسمع عيسى ابن القاسم: إن باع عامل بعشرة دنانير تنقص خروبة سلعة اشتراها بها بعشرة دنانير قائمة فأراد من له الدنانير أخذها، ويعطيه قدر منابه دنانير لم يصلح؛ لأنه ذهب بذهبٍ متفاضلًا.
ابن رشد: لأن ربحه لم يتعين في الدنانير القائمة ولا شرك له فيها مع رب المال إذ لا ربح له إلا بعد نضوض رأس المال دنانير ناقصة خروبة، ولا يحصل إلا بعد بيع
الدنانير القائمة بدراهم وبيعها بدنانير ناقصة خروبة ولا يدري إن فعل ذلك هل يكون ربح أم لا؟ ولا قدره؟ فدخله الغرر مع ما ذكره من الربا، ويظهر من تعليله أن ذلك يجوز في الورق ولا يجوز على ما بيناه من الغرر، ولو باع السلعة بدنانير من صفة رأس المال وصار له في ربحها بعض دينار جاز أن يعطيه في حظه منه تبراً مراطلةً بأن يزن جميع المثقال فيعطيه قدر الجزء الذي له فيه تبراً ذهباً أو مثقالاً بوزنه إذ لا يقسم المثقال على ما قالوا في الحلي بين الشريكين ولا خلاف في هذا، بخلاف النقرة بين الشريكين أجازه ابن القاسم، ورواه لما في قسمها من المدونة ومنعه في رواية أشهب، وناقض فضل قول ابن القاسم في هذه المسألة بمتقدم قول مالك: لا بأس أن يأخذ المقارض من شريكه ربحاً ذهباً من غير الذهب التي بينهما وليست بمناقضة صحيحة؛ لأن الربح في هذه لم يتعين بعد للعامل في الدنانير القائمة، وسمع ابن القاسم: من أخذ قراضاً فاشترى متاعاً وداين ثم دعا ربه لحسابه، فقال: عندي كذا فقال رب المال: أعطيك ربحك من النقد وأبرئك من الدين، وهو رأس مالي والعرض إن دخله نقص فهو علي، والعامل يعمل فيه كما هو لا خير فيه حتى يصل المال.
ابن رشد: قوله: إلا أن العامل يعمل فيه كما هو أي حتى ينض المال بقبض الدين وبيع العروض، وقبض أثمانها وكونه لا خير فيه؛ لأن السنة ألا يقسم الربح إلا بعد نض المال أو رضى رب المال أن يخرج في رأس ماله إلى دين أو يأخذ فيه عرضاً، وروى ابن حبيب إذا تفاصلا وقسما الربح فلا بأس أن يأخذ رب المال رأس ماله عيناً، ويقسمان ما بقي من السلع أو غيرها أو يأخذ رب المال رأس ماله سلعاً ويقسمان ما بقي من عين أو عرض، فإذا لم يكن للعامل أن يأخذ حظه من الربح حتى ينض رأس المال إلا برضى رب المال بالمفاضلة قبل النضوض؛ لأن رب المال إنما فاصله قبل نضوضه، وعجل له حظه من الربح قبل النض على أن يعمل في المال حتى ينض باطلاً بغير شيء يكون له فيدخله سلف جر نفعاً.
قلت: قال ابن حارث: اختلف إن تفاصلا فبقيت لهما سلع فأخذها العامل بكذا إلى أجل، فقال ابن حبيب: كان ابن القاسم يغمزه وأصحاب مالك يجيزونه؛ لأن
القراض انقطع، ولو ضاع المال بعد الشراء به قبل نقده ففي لزوم ربه خلفه وتخييره فيه نقل اللخمي عن المغيرة وقولها: بزيادة إن أخلفه لم يجبر بربحه الأول، وإن أبى فربح السلعة ونقصها للعامل، وعليه وعلى الأول قال اببن عبد السلام في جبر الأول بربح الثاني نظر.
قلت: الأظهر جبره به؛ لأن لزوم خلفه إنما هو بالعقد الأول فيجب إضافته له.
وفيها: إن ضاعت السلعة والمال قبل النقد فلا شيء على رب المال ويغرم العامل الثمن.
قلت: مقتضى قول المغيرة غرم رب المال الثمن وجبر ربح الأول.