المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب شروط الوديعة] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٧

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الشركة]

- ‌ باب صيغة الشركة [

- ‌ باب في محل الشركة [

- ‌[باب في شركة عنان]

- ‌[باب معنى الخلط في الشركة]

- ‌[باب في شروط شركة الأبدان]

- ‌[باب شركة الوجه]

- ‌[باب في شركه الذمم]

- ‌[كتاب الوكالة]

- ‌[كتاب الإقرار]

- ‌[باب المقر]

- ‌[باب المقر له]

- ‌[باب صيغة ما يصح الإقرار به]

- ‌[كتاب الاستلحاق]

- ‌[باب مبطل الاستلحاق]

- ‌[كتاب الوديعة]

- ‌[باب المودع]

- ‌[باب المودَع]

- ‌[باب شروط الوديعة]

- ‌[كتاب العارية]

- ‌[باب المستعير]

- ‌[باب المستعار]

- ‌[باب في صيغة العارية]

- ‌[باب المخدم]

- ‌[كتاب الغصب]

- ‌[كتاب التعدي]

- ‌[باب في المغصوب]

- ‌[كتاب الاستحقاق]

- ‌باب التعدي

- ‌[باب الفساد اليسير والكثير في التعدي]

- ‌[كتاب الشفعة]

- ‌[باب الأخذ بالشفعة]

- ‌[باب الموجب لاستحقاق الشفيع الأخذ بالشفعة]

- ‌[باب الشريك الأخص والأعم]

- ‌[باب المشفوع عليه]

- ‌[كتاب القسمة]

- ‌[باب قسمة المهانات]

- ‌[باب في قسمة التراضي]

- ‌[باب في قسمة القرعة]

- ‌[باب المقسوم له]

- ‌[باب ما يحكم فيه ببيع ما لا ينقسم]

- ‌[كتاب القراض]

- ‌[باب في عمل القراض]

الفصل: ‌[باب شروط الوديعة]

[باب المودَع]

والمودَع: من يظن حفظه.

[باب شروط الوديعة]

والأظهر أن شرطها باعتبار جواز فعلها وقبولها حاجة للفاعل، وظن صونها من القابل، فتجوز من الصبي الخائف عليها إن بقيت بيده، وكذا العبد المحجور عليه، ويجوز أن يودعا ما خيف تلفه بيد مودعها إن ظن صونه بيد أحدهما لاحترامهما وثقتهما كأولاد المحترمين وعبيدهم عند نزول بعض الظلمة ببعض البلاد أو لقاء الأعراب القوافل، والأصل في هذا النصوص الدالة على حفظ المال والنهي عن إضاعته.

قال اللخمي: في البخاري ومسلم قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله نهى عن إضاعة المال".

وشرطها باعتبار ضمان القابل عند موجب الضمان ونفيه عند نفيه عدم حجره وحجر الفاعل.

ويدخل في قولنا وظن صونها من القابل قول اللخمي لا تودع الحرم لغير

ص: 191

ذي محرم إلا أن يكون مأموناً لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ ليس بينه وبينها محرمٌ".

قلت: ظاهر الحديث الإطلاق في المأمون وغيره.

قال: وأجاز مالك لمن ادعى أمة وأقام شاهداً أو لطخا ووضع قيمتها أن يسافر بها إن كان مأموناً، ومنعه أصبغ وهو أصوب للحديث، والخوف عليها من مودعها أشد لزعمه أنها ملكه.

وفيها: من أودع صبياً صغيراً وديعة بإذن أهله أو بغير إذنهم فضاعت لم يضمنها، لقول مالك: من باع منه سلعة فأتلفتها فلا يتبعه بثمن ولا قيمة ولو ابتاع منه سلعة ودفع إليه ثمنها فأتلفه ضمن المبتاع السلعة، ولا شيء له من ثمنها؛ لأنه الذي سلط الصبي على ذلك وأتلف ماله فكذلك الوديعة.

قلت: الجواب في إتلافه صواب، والسؤال في ضياعها مشكل؛ لأنه كذلك في الرشيد.

الصقلي: واللخمي وغيرهما: وكذلك السفيه؛ لأن أصحاب ذلك سلطوا يده على إتلافه.

اللخمي: ولا تباعة عليهما إلا أن يثبتا أنهما أنفقا فيما لا غنى لهما عنه فيتبعان في المال الذي صوناه، فإن ذهب ذلك المال وأفاد غيره لم يتبعا فيه.

وفي استهلاكها العبد للخمي ثلاثة: ابن القاسم: كالحر إن كان مأذوناً وإلا فلسيده طرح ضمانه.

أشهب: كالحر إن كان فارهاً وإن لم يكن مأذوناً له، وإن كان وغداً بطلت عنه، ولو كان مأذوناً له إذا أتلفها؛ يريد: ما لم يل نفسه، وقال يحيى بن عمر: هي جناية في رقبته إن كان مأذوناً له.

ص: 192

قلت: قول اللخمي يريد: ما لم يل نفسه يقتضي أنه غير منصوص له، ونقله عنه الشيخ بلفظ: إن كان وغدا لا يستودع فلا شيء عليه في رقه، رد ذلك عنه سيده أو لم يرد حتى يلي نفسه بالعتق؛ يريد: فيتبع وأنكرها سحنون.

اللخمي: إن كانت الوديعة عيناً والعبد مؤسرٌ فهي في ذمته؛ لأن له أن يتسلفها على قول، وإن كان معسراً أو الوديعة عرضا حسن الاختلاف هل تكون في ذمته أو قبته، وسمع عبد الملك بن الحسن أشهب: من أتى رجلاً يستودعه مالاً، فقال له: ادفعه لعبدي هذا، فاستهلكه العبد هو في ذمته، ولو غره السيد منه.

ابن رُشْد: قول ابن عبد الحَكم: لا تكون في ذمة العبد إلا بينة لا بإقراره صحيح.

وقيل: السيد ضامن إن غره وهو على الخلاف المعلوم في الغرور بالقول، وعلى ضمانه ذلك يباع العبد فيها.

ابن حارث: اتفقوا على أن العبد المحجور عليه يستودع الوديعة فيستهلكها أن للسيد فسخها عليه، واختلف في المأذون فقال ابن القاسم: كالحر لا يفسخها مطلقاً، وقال أشهب: يفسخها إن كان مثله في لا يستودع.

وفي الزاهي: لا يؤتمن الكافر ولو كان ملياً.

قلت: الأظهر جوازه إن كان مأموناً.

[باب موجب ضمان الوديعة]

موجب ضمانه إياها: تصرفه فيما بغير إذنٍ عاديٍّ أو جحدها فما فوقها، فيها مع

ص: 193

غيرها إيداعه إياها لا لعذرٍ في غيبة ربها توجب ضمانه إياها، وسفره وخوف عورة منزله عذر.

اللخمي: الجار السوء كخوف عورة المنزل إن حدثا بعد الإيداع ولم تقدم الإيداع، والمودع عالم لم يكن له أن يودعها، فإن فعل ضمن، وإن كان صاحبها غير عالم ضمن، ضاعت عنده أو عند غيره إلا أن تضيع عنده؛ لا من السبب الذي يخاف منه كذا وقع في غير نسخة من اللخمي، وكذا نقله ابن عبد السلام وقبله، والصواب إن كانا عالمين بالخوف فهو لغو لدخولهما عليه، ومقابلة غرر عذر وإلا فالأظهر اعتبار حال الفاعل؛ لأنه مالك التصرف بالذات.

الصقلي: لأشهب من أودع وديعة وهو في خراب يخاف عليها فأودعها لغيره في أعمر من مكانه، فإن علم ربها بخراب مكانه وخوفه ولم يزد خرابه فالمودع ضامن، وإن زاد فلا ضمان عليه.

عبد الحق: إن علم المودع عورة رب المنزل منزل المودع فأودعه غيره ضمن إلا أن يزداد منزله اعوراراً.

وفيها: لا يصدق في إرادة السفر أو خوف عورة المنزل إلا ببينةٍ، وخرج اللخمي تصديقه من تصديق ابن القاسم، اكترى دابة فقدم دونها، وقال: أودعتها؛ لأنها وقفت علي.

قال: وهو في الوديعة أبين إذ لا يتهم أحد في إخراج الوديعة من يده إلا لعذر، ومحمل قول ابن القاسم في تصديقه في إيداعها إن ثبت الخوف والسفر على أن المودع الثاني مقر بالقبض مدع ضياعها، وإن كذبه في دفعها إليه لم يصدق على أصله فيمن أمر أن يدفع لغير اليد التي دفعت إليه.

وقال عبد الملك: يصدق وبه أرى القضاء اليوم؛ لا الشأن دفع الودائع بغير بينة، لو أراد ذو وديعة أو بضاعة أو قراض دفعه لمن يبلغه لربه بينة لم يقبله منه أحد.

قال ابن عبد السلام إثر كلام اللخمي: وفيما ألزممه ابن القاسم هنا نظر فتأمله.

قُلتُ: الأظهر أن الإلزام واضح أحروي؛ لأنه إنما أمر بالدفع نصا فأكذبه المدفوع

ص: 196

إليه أنه يضمن فأحرى في هذه التي دفعها فيها للغير إنما هو بالعرف لا بالنص ولا أنه خلاف نقل عبد الحق.

قال: حكي عن الشيخ أبي محمد فيمن أودع لخوف عورة منزله أو سفره وعلم ذلك منه أنه إأودع الوديعة بغير بينة لم يضمنها إن أنكرها من زعم أنه أودعها إياه، أو قال: أودعني وتلفت؛ لأنه لما خاف عورة منزله أو أراد السفر أبيح له أن يودع غيره فصدق وإن لم تقم له بينة.

الصقلي: كدفعه لزوجته أو خادمه، وينبغي على أصولهم إن لم تقم له بينة على إيداعه أن يضمن كمن دفع لغير من دفع إليه؛ لكنهم لم يضمنوه للعذر.

وفيها: إن أراد سفراً أو خاف عورة منزله وربها غائب فليودعها ثقة ظاهره ولو كان دونه في ثقته، ونحوه في شفعة الشفيع في شخص بيع بثمن إلي أجل، وفي سماع عيسى في رسم إن أمكتني.

قال ابن رُشْد: ظاهره إن كان مليا لم يلزمه حميل، وإن كان المشتري أملى منه، وقال أشهب: إن كان المشتري أملاً منه منه فعليه أن يأتي لحميل فعليه مثله في الملاء.

قُلتُ: ولا يلزم تخريج قوله في المودع؛ لأنه كمضطر والشفيع مختار، وفي رسم شك من سماع ابن القاسم من البضائع والوكالات الأول: من أبضع معه بضاعةً من مكه لمصر فمر بالمدينة وله بها إقامة، ووجد ثقةً يخرج لمصر، لا بأس به أن يبعث بها معه.

عيسى: سئل ابن القاسم عنه، فقال: لا شيء على المبضع معه ذهبت منه أو من الرسول.

ابن القاسم: إن لم يجد لها محملاً معه فأعطاها لبعض من يثق به لم يضمنها، ولو كان معه محمل فحملها غيره ضمنها.

ومثله الحاضر يستودع وديعةً فيودعها غيره، إن كان لخراب منزل أو عورة وليس معه من يحفظ منزله، أو أراد سفراً فأودعها من يثق به فضاعت لم يضمنها.

وفي سماع سَحنون: قال مالك: في مكي بعث مع رجل بضاعةً لمصر فعرضت له

ص: 197

حاجة بالمدينة فبعث بها مع من يثق به لمصر: لا يضمنها.

سَحنون: قُلتُ لابن القاسم: ما تقول فيها؟

قال: إن كانت إقامته بالمدينة الأيام اليسيرة فبعث بها ضمنها، وإن أراد إطالة الإقامة بالمدينة فأرى أن يبعث بها، واستحسن قول مالك؛ لأنه إن حبسها وأقام بالمدينة الإقامة الطويلة فتلفت رأيته ضامناً.

ابن رُشْد: قول مالك اولاً لا بأس أن يبعث بها مع ما حكى سَحنون عنه لا ضمان عليه دليل على أنه لا ضمان عليه إن أمسكها مع نفسه، وهو نص سماع عيسى ابن القاسم وإنما سقط عنه الضمان إن ادعى الرسول تلفها إن أشهد عليه بالدفع، وسماع عيسى ابن القاسم تفسير لقول مالك، وقول ابن القاسم في رواية سَحنون عنه في الإقامة اليسيرة والطويلة إلي آخر قول ابن القاسم، واستحسن قول مالك ظاهره أنه خلاف قول مالك، ولا ينبغي حمله عليه؛ لأنه لم يتكلم على إقامة الأيام اليسيرة ولا على الإقامة الطويلة، بل على ما بينهما، فإن كانت أياماً يسيرة نحو ما يشتغل المسافر في طريقه وجب ضمانه إن بعثها؛ لأن ربها علم أنه يقيم في طريقه قدر ما يحتاج إليه ودفعها إليه على ذلك، وإن كانت إقامة طويلة ضمن إن أمسكها وهو يجد ثقة يبعثها معه إن تلفت؛ لأن ربها لم يرد تركها بذلك البلد، إنما أراد إيطالها حيث بعث فهو متعد بإمساكها.

والطول سنة فصاعداً على ما في سماع محمد بن خالد، وإن كانت إقامته الشهرين ونحو ذلك لم يضمن أمسكها مع نفسه أو بعث بها مع ثقة على ما قاله مالك لا يخالفه في ذلك ابن القاسم، فلم يرد يقوله: وأنا أقول خلافاً بل بياناً، وتمثيل ابن القاسم المبضع معه لا يجد للبضاعة محملاً فيبضعها من يثق به بالحاضر المودع يخاف على الوديعة من عورة منزله أو عدم من يحفظها فيودعها غيره ليس يتمثيل صحيح، وهو خلاف روايته أول كتاب الوديعة من أنه لم ير السفر كالحضر؛ لأنه إنما دفعها إليه في السفر لتكون معه فالآتي على رواية المدونة ضمانه البضاعة إن دفعها لغيره، وإن لم يجد لها محملا إلا أن يعلم ربها أنه إن لم يجد لها محملا أعطاها من يحملها فلا يضمنها، وإن لم يعلم بذلك

ص: 198

ضمنها؛ إن قبضه إياها دليل على أنه يحملها، يؤيد هذا التأويل سماع يحيى: من بعث لرجل بنفقة يشتري له بها متاعا فدفعها المرسل إليه لمن يشتري له فتلفت أنه ضامن إلا أن يعلم رب النفقة أنه لا يلي اشتراه مثل هذا المتاع، وإنما تشبه مسألة الحاضر المودع يخرب منزله فيودع الوديعة غيره، ما قاله سَحنون آخر سماعه: من أبضع معه بمال فخرج عليه لصوص فلما قاربوه إلقاها في شجرة ليحرزها أو دفعها افارس ينجو بها أنه لا ضمان عليه.

وفيها: إن سافر فحمل معه الوديعة ضمنها كقول مالك: من ماتت بالإسكندرية فكتب وصيها لورثتها بالمدينة فلم يأته خير منهم فخرج بتركتهم إليهم فهلكت بالطريق ضمنها حين خرج بغير أمر منهم.

عياض: خرج بعض الشيوخ الخلاف في هذا الأصل من مسائل وقعت في الواضحة لاصبغ في توجيه القاضي مال اليتيم، ولمالك في الموازية في الأوصياء والمبضع معه تحدث له إقامة وشبهها من جواز السفر بالمال وتوجيهه لأربابه رفع الضمان في ذلك.

وخرج بعضهم هذا من قولها في كتاب الجهاد في المستأمن يموت عندنا ويترك مالاً: فليؤد ماله لورثته ببلده، وقال غيره: يدفع ماله لحكامهم.

وفيها: من أودع وديعة عند غيره، ثم استردها منه فضاعت لم يضمن لقول مالك إن أنفق منها ثم رد ما أنفق منها لم يضمن.

وفي النوادر: ومن كتاب آخر قال أشهب وعبد الملك: من أودع جرارً فيها إدام أو قوارير فيها دهنً فنقلها من موضع في بيته إلي موضع فانكسرت، في ذلك لم يضمنها ولو سقط عليه من يده شيء فانكسرت أو رمى في بيته بشيء؛ يريد: غيرها فأصابها فانكسرت ضمنها أشهب في كتابه، لو سقطت من يده فانكسرت لم يضمنها، وكذا نقلها ابن شاس ونقلها ابن الحاجب بنقلها نقل مثلها، وهى زيادة حسنة موافقة للأصول كالراعي يضرب الشاة ونحوها فتصيب إن ضربها ضرب مثلها لم يضمن.

ص: 199

وفيها لابن القاسم: من أودع وديعة فأودعها امرأته أو خادمة اللتان يرفعان له أن يرفعاها في بيته فلا ضمان عليه، وهذا لابد للرجل منه، وبلغني أن مالكاً قال: إن دفعها لامرأته ترفعها لم يضمن.

عبد الحق: لو لم يكن من ش؟ أنه أن يدفع لزوجته أو أمته لقرب تزويجه أو شرائه الأمة أو لعدم وثوقه بهما في ماله فانه يضمن، وليس له اختيارهم بمال غيره، وظاهر الكتاب بدل عليه.

عياض: حمل بعضهم قولي ابن القاسم ومالك على الخلاف، ابن القاسم شرط أن عادته معها كذلك، ومالك لم يشترطه، وحملها أكثرهم على الوفاق وهو ظاهر قياس ابن القاسم على قول مالك، وقوله بعد: والعبد والأجير على ما أخبرتك ظاهره أنهما كالمرأةوالخادم على ما تقدم من تفصيله وعادته معهما، وتأويله بعضهم فيما حكاه ابن سهل في بعض تعاليقه أنهما بخلاف الزوجة وضعفه، وحمل بعضهم قول أشهب في تضمينه بإيداعه الخدم عبداً كان أو أجيراً، وإن كان في عياله على الخلاف، وحمله آخرون على الوفاق وإن معناه ليس من عادته إيداع متاعه عنده.

قُلتُ: ظاهر لفظ عياض والصقلي واللخمي أن خلاف أشهب إنما هو في غير الزوجة، ولابن رُشْد في أول مسألة من كتاب الوديعة في العتبية نص المدونة: أنه لا ضمان عليه إذا وضع الوديعة عند امرأته أو خادمه خلاف قول أشهب أنه ضامن في ذلك، وقيل: قول أشهب وفاق لقول ابن القاسم وروايته، فقول أشهب: إن كانالعرف عدم رفعه ماله عند أهله وعدم ائتمانهم، فكل تكلم على مقتضى عرفه، فعلى هذا لا خلاف بينهم إن علم غرف البلد، ويختلفان إن جهل، أشهب يضمنه حتي تقوم البينة أن العرف ائتمان الناس أهليهم على أموالهم، وابن القاسم لا يضمنه حتي يثبت أن العرف أن الناس لا يأتمنون أهليهم، والأظهر أنه اختلاف قول إذ من حجة صاحبها أن يقول: إنما رضيت بأمانتك ولم نعلم أنك تأمن أهلك كما يفعل الناس، فعلى هذا يتحصل فيها ثلاثة أقوال:

****** لا ضمان عليه وإن كان الناس لا يأتمنون أهليهم، وهو ظاهر المدونة.

ص: 200

والثاني: ضمانه ولو كان الناس يأتمنون أهليهم، هو ظاهر قول أشهب.

والثالث: الفرق بين كون العرف الائتمان أو عدمه، ومن كان لا يأتمن أهله ضمنها بدفعها إليهم كيف ما كان عرف الناس قولاً واحداً.

ولم يعط في المدونة جواباً بيناً في العبد والأجير إن كانا في عياله فوضع عندهما ما بيده من وديعة، والآتي على قوله فيها لا ضمان عليه إن كان يأمنها على ماله ويسترفعهما إياه.

وفيها: ويصدق أنه دفعها إلي أهله أو أنه أودعها على هذه الوجوه التي ذكرنا أنه لا يضمن فيها.

عبد الحق: يصدق؛ لأن عرف الناس الدفع اليهم دون إشهادٍ والعرف كالشرط، كما في الرسول يشترط الدفع بغير بينه ويحلف أنه دفع لزوجه إن أنكرته إن كان متهماً وإلا فلا يمين عليه، فإن وجب حلفه لتهمته فنكل غرم وله أن يحلف زوجته، وإن نكل وهو معسرً كان لرب الوديعة تحليفها وإن لم تكن متهمة؛ لأنه يقوم مقام الزوج في طلبها باليمين كما يطلب غريم الغريم، وقاله بعض شيوخنا، ولما نقله الصقلي قال: ويظهر لي أن يحلف وإن كان غير متهم؛ لأن هنا من يكذبه كقوله رددت الوديعة إلي ربما فيكذبه فانه يحلف وإن لم يكن متهما.

وفيها: مع آخر قراضها، من هلك وقبلة قراض وودائع ولم توجد ولم يوص بمها فذلك في ماله ويحاص بذلك غرماؤه، ومثله سمع ابن القاسم في كتاب التفليس.

ابن رُشْد: هذا صحيح لا أعلم فيه خلافاً.

قُلتُ: قال اللخمي: من مات وقبله وديعة فلم يذكر شيئاً حتي مات، فاختلف هل تكون في ذمته، ثم قال: محملها في العين على أنه تسلفها، وكذا المكيل والموزون بالبادية إلا من علم أن شأنه لا يتسلف فيحمل على عادته إلا أن يعلم أنه نزل به ما يضطره للسلف، وفي العروض على التلف إلا من علم منه قلة الأمانة، وكذا المكيلى والموزون بالحاضرة والمخازن بالمكيل والموازون توضع بالحاضرة، الشأن عدم الإفتيات عليها، وشأن البادية إسراع أيديهم إليها، وإذا تعلقت بالذمة ضرب بها مع

ص: 201

الغرماء، وقال بعض أهل العلم: لا يضرب بها؛ لأن الضمان بغلبة الظن دون قطعٍ، ولابن القاسم نحوه.

قال في كتاب الشركة في متفاوضين أودع أحدهما وديعة فمات فهى في نصيبه دون شريكه لما أشكل أمرها هل ضاعت املا؟ ولو حمله على التصرف فيها كانت في كل المال؛ لأنه على أحد أمرين، إن كان تجر فيها فهي في جميع المال، وإن كان قد أنفقها فقد ترك عوضها في المال؛ لأنه لو لم ينفقها لأنفق من مال.

قُلتُ: في زاهي ابن شعبان من هلك وعنده وديعة لم تجد وعليه دين فماله بينهما بالحصص، قاله الشعبي وداود بن أبي هند، وعن النخعي فيها قولان، هذا والآخر أن الوديعة أولى، قال الحارث العكلي: الدين أولى، وقال ابن أبي ليلى: إن لم تعرف فليس لصاحبها شيء وبالأول أقول.

قال ابن الحاجب: ومتى مات ولم يوص بها ولم توجد ضمن، قال مالك: مالم تتقادم كعشر سنين، فقبله ابن هارون بإطلاقه، وكذا ابن عبد السلام وأتي بما يدل على إطلاق لفظه، فقال: استشكل ذلك بعضهم؛ لأن الأصل فيما قبض على الأمانة أنه باق على ذلك، وقصارى هذه القرينة أن توجب شكا، والذمم لا تعمر بالشك، وأجل هذا استثنى مالك بقوله ما لم تتقادم لضعف موجب الضمان في الأصل، ولو وجب محققاً ما سقط بهذا الطول، ورأى أن هذا الطول يدل على أن ربها أخذها أو ما يشبه هذا من الاحتمالات المنضمة إلي الأصل في إسقاط الضمان.

قُلتُ: وهذا لمن تأمله يدل على فهمه وحمله لفظ ابن الحاجب على الإطلاق سواءً كانت هذه الوديعة ثابتة بالبينة أو باعتراف البينة المودع، وليس الأمر كذلك، بل ظاهر

ص: 202

المدونة في كتاب الوديعة والقراض عكس ذلك، وهو ثبوت كونها في ذمته مطلقاً كانت بينة أو اعترافٍ، لكن هذا الإطلاق يقيده سماع ابن القاسم، سئل عن الوديعة يقر بها الذي هي عنده دون بينة عليه.

قال مالك: لهذه الأمور وجوه أرأيت لو مر عليها عشرون سنة ثم مات ربها فقام يطلبها ما رأيت له شيئاً، وكأني رأيته يرى إن كان قريباً أن ذلك له وهو رأى، ولو كان أنما لذلك السنة وشبهها ثم مات، ثم طلب الذي أقر له لرأيته في ماله.

ابن رُشْد: هذا كما قال: إن من أقر بوديعة دون أن يشهد بها عليه، ثم مات ولم توجد، أن لا شيء عليه إن طالت المدة؛ لأنه لو كان حياً وادعى كان القول قوله مع يمينه، فإن مات لزم الكبير من ورثته أن يحلف ما يعلم لها سبباً، ولم يحمل عليه مع الطول أنه تصرف فيها بما يعلقها بذمته؛ لأن الأصل براءة الذمة فلا تعمر إلا بيقين، ولأن ذلك كان يكون منه أو فعله عدة فعلى من ادعاه بيانه وهذا كان القياس لو لم تطل المدة، فتعريفه بين القرب والبعد استحسان ووجهه قوة الظن بالرد مع الطول، وقال الطول عشرون سنة، وكذا عشر سنين على ما قاله في موضع آخر.

وقال في السنة وشبهها أنه يسير، فقيل: ذلك خلاف قوله آخر الشركة منها في الشريكين يموت أحدهما فيقيم شريكه البينة أنه كانت عنده مائة دينار من الشركة فلم يوجد لها مسقط أنها تكون في ماله إلا أن تطول المدة، أرأيت لو كان ذلك مثل السنة أكان يؤخذ من ماله، وقيل: ليست بخلاف لها وهو الصحيح؛ لأنها مسألة أخرى.

والفرق أن للشريك التصرف في المال وليس للمودع التصرف في الوديعة.

قُلتُ: فنقل ابن الحاجب قول مالكٍ ما لم يتقادم دون تقييد ثبوت الوديعة بإقرار المودع غفلة أو غلطة والتعقب على شار حيه أشد.

وأخذ ابن سهل وغيره من قولها في الوديعة: أن من تصدق على ابنه الصغير بثياب وصفها وأراها الشهود وحازها لا بنه ثم مات ولم توجد في تركته أنه يقضى لابنه بقيمتها في تركته.

وقال ابن زرب: لا شيء له إلا أن تقوم بينة أنه باعها بعد سنة، وفرق بينها وبين

ص: 203

الوديعة باحتمال بيع الأب هذه العروض قبل السنة.

قال: وهذا الشك يمنع من تضمينه.

وسمع ابن سهل: هذا اعتلال ضعيف، والصواب أنها كالوديعة، وسمع أبو زيد ابن القاسم: من هلك وترك ودائع ولم يوص فتوجد صرر مكتوب وديعة فلانٍ ابن فلان، وفيها كذا وكذا ديناراً ولا بينه على أنه استودعها إياه إلا بقوله ووجدوها عند الهالك كما ادعى، لا شيء له منها، لعله دفع لأهل البيت دراهم حتي كتبوا فوق هذه الصرر ما يريد.

ابن رُشْد: لا يقضى بها لمن وجد عليها اسمه إن لم تكن بخطه ولا بخط المودع، وتقدم تحصيل ذلك في سماع عيسى في رسم أسلم.

قُلتُ: قال فيه: إن لم يعلم خط من كتب عليها إنها لفلان لم يقض له بها، وإن كانت بخط المتوفى الذي وجدت عنده فهى لمن وجد اسمه عليها اتفاقاً فيها إلا على قول من لا يرى الشهادة على الخط، وإن كان بخط مدعي الوديعة، فقال أَصْبَغ في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب المديان: أنه يقضى له بها مع كونها في حوز المستودع.

وقال ابن دحون: لا يقضى له بها لا حتمال أن يكون بعض الورثة أخرجها له فكتب عليها اسمه وأخذ منه على ذلك جعلاً.

الشيخ لأشهب في كتابه: من قال عند موته: قراض فلان ووديعة فلان في موضع كذا فلم يوجد حيث قال: فلا ضمان عليه، وذكره اللخمي غير مزو كأنه المذهب.

ومن بعث بمال بضاعة لرجل ببلد فمات ولم يوجد في تركته وأنكر المبعوث له قبضها، ففي ضمانها المبعوث معه مطلقاً، أو إن مات قبل وصوله البلد، ثالثها: العكس للصقلي عن محمد مع أشهب وسَحنون قائلاً في روايتها: هي رواية سوءٍ، ولها وللموازية وفيها: إن مات بعد وصوله حلف ورثته إن كان فيهم كبيرً ما نعلم له شيئاً.

اللخمي: يحسن تضمينه بموته بالطريق إن أقام بعد قبضها وهى عين، ومثله يتصرف في الوديعة.

ص: 204

عياض: حمل الأكثر قول أشهب على الخلاف، وتأول حمديسً قولها على أنه فيما تطاول، وإن الذي يجيء على أصله في القرب أن يضمن، وكذا ضمنه في الموازية.

قُلتُ: فعلى عد التأويل قولاً وهو فعل ابن رُشْد الأقوال خمسة الثلاثة واختيار اللخمي، وتأويل حمديس.

وفيها: من دفعت له مالا ليدفعه لرجل فقال: دفعته له فأكذبه، لم يبرأ إلا بينة، ولو قبضه بغير بينة، ولو شرط دفعة بغير بينة لم يضمن ولو لم تقم له بينة.

عبد الحق: ولو شرط أن لا يمين عليه لم ينفعه؛ لأن اليمين إنما ينظر فيها حين تعلقها فكأنه شرط إسقاط أمر لم يكن بعد بخلاف ترك الإشهاد.

قُلتُ: انظر هذا مع القول بالوفاء بشرط دعوى التصديق في دعوى عدم القضاء.

وفيها: أليس قد قال مالك: من بعث رجلاً بمال أمره بدفعه لفلان، فدفعه له غيره بينة وصدقة فلان أنه لا ضمان عليه، قال: نعم.

عياض: اختلف في تأويلها فقال ابن لبابة وغيره: معناه أنه يبرأ بتصديق المبعوث إليه قبضها من حق أو وديعة، وعليه اختصارها أكثرهم وهو بين في الواضحة بين.

وقال حمديس: إنما يجب أن يكون على أصله فيما أقر به المبعوث إليه من حقوقه أو وديعة قائمة بيده، وإن ادعى تلفها أو انكر قبضها، فلا يبرأ الرسول إلا ببينة على الدفع، وقاله جماعة من الأندلسين.

قُلتُ: وتقدم كلام ابن رُشْد في هذا في الوكالة فتذكره.

وخلط الوديعة بمثلها مكيلاً أو موزوناً أو بغيره متيسراً ميزه مغتفرً، وبغيرها يوجب ضمانه.

وفيها: من خلط وديعة حنطة بمثلها على وجه الأحراز والدفع فهلك الجميع لم يضمن، وإن كانت مختلفة ضمن.

ومن خلط دنانير وديعة عنده أو دراهم بمثلها فضاع بعضها لم يضمنه وما بقى بين مالكيها؛ لأن دراهم أحدهم لا تعرف من دراهم الآخر، ولو عرفت بعينها كانت دراهم كل واحد منهما منه؛ لأنها لا يغيرها الخلط.

ص: 205

اللخمي: إن خلط دنانير أو دراهم بغيرهما مما يتميز منها لم يضمن إن ضاعت، ولابن الماجشون: إن كانت الأولى كثيرة فخلطها بقليلة لم يضمن، وإن خلطها بمال عظيم حتى أشهرها ضمن، وهذا يحسن إن كانت حيث لا يظن ذلك فيه، ولو كانت فيه بتابوت أو صندوق لم يضمن.

وإن خلط شعيرا بمثله ففيها ليس متعديا، ولعبد الملك في ثمانية.

أبي زيد: هو ضامن، ورأى أنها تختلف فيها الأغراض، قد يظن المودع أنهما سواء، ويرى غيره أن الوديعة أفضل، ومنع ابن القاسم في الرهون الشريك من مقاسمة المرتهن في الطعام حتى يقاسمه السلطان، والصبرة الواحدة أخف في الاختلاف في الأغراض من خلط الطعامين.

قلت: إنما منعه؛ لأن المرتهن غير مأذون له في القسم على الغائب وتوقع الغبن في القدر، وقال: وإن ضاع بعض الدنانير والدراهم بعد الخلط كانا شريكين في الباقي بقدر ما لكل منهما، ويتفق فيه مالك وابن القاسم لشركته قبل الضياع بوجه جائز وتقدم هذا في تضمين الصناع.

قلت: في النوادر عن ابن الماجشون: من أودعه رجل ثلاثة دنانير وآخر دينارين وآحر ديناراً فخلطها فضاع منها دينار، فلرب الثلاثة ثلاثة إلا ربعا، ولرب الدينارين ديناران إلا ربعا، ولرب الدينار نصفه، يقال لرب الدينار: أنت لا تدعي من الباقي إلا دينارا فيعزل وتبقى أربعة، لا يدعي رب الدينارين منها إلا دينارين فتعزل ويبقى ديناران لا يدعيهما إلا رب الثلاثة فيأخذها، ثم الثلاثة المعزولة لا يدعي رب الدينار منها إلا دينارا لتقدم أخذه فيعزل، ويبقى اثنان لا يدعي رب الثلاثة منها إلا دينارا لتقدم أخذه ديناريم فيعزل، ويبقى دينار لا يدعيه إلا رب الاثنين فيأخذه، ثم يرجع إلى الدينارين المعزولين رب الدينار لا يدعي منهما إلا دينارا، فيبقى دينار فيقسم بين رب الثلاثة ورب الدينارين؛ لأن كل منهما يدعيه ويبقة دينار فيقسم بينهم، لرب الدينار نصفه؛ لأنه يدعيه جميعه، ولرب الثلاثة والدينارين نصفه بينهما؛ لأنهما يدعيانه كله، هذا قول ابن الماجشون وأبيه عبد العزيز وابن القاسم.

ص: 206

وقال مالك: الدينار التالف يقسم بينهم على الأجزاء، على رب الثلاثة ثلاثة أجزائه، وعلى رب الدينارين جزآن، وعلى رب الدينار جزء، وبه أخذ الليث بن سعد وابن كنانة وابن وهب ومطرف وأشهب وأصبغ وابن حبيب، ولو عرف التالف لمن هو كان منه وحده.

وفيها: إن خلط صبي وديعة قمح بأخرى شعير اتبع بمثلهما، وله ترك ضمانه بشركتهما بقيمتي طعامهما بعد معرفة كليهما.

قال بعض شيوخ عبد الحق، إنما تجوز شركتهما على الكيل لا القيمة؛ لأنها توجب تفاضل الطعامين، ويباع ويقسم صمنهما على قيمة كليهما.

قلت: قصره الشركة أولا على الكيل ينافي قسمه الثمن على قيمتهما، وجواب بعض الفاسيين بحمل الثاني على إرادتهما قسمه على القيم، يرد بأن شركتهما على الكيل يبعد معها رضى رب الشعير بالقسم على القيمة غالبا، وبقول عبد الحق: لا يجوز بيع أحدهما حظه شائعا؛ لأن المشتري لا يصل لأخذ ما اشتراه إذ الحكم بيعه وقسم ثمنه على قيمة طعام كل منهما، فيكون المشتري اشترى شيئا مجهولا.

قال: فإن كان الصبي عديماً قسم ثمن الطعام على قيمة ما لكل منهما يوم الحكم فيشتري له مثل طعامه وما نقصه تبع به الصبي، ولو تركا ضمانه قسم ثمنه على قيمتهما يوم الخلط، وجاز بيعه مخلوطاً؛ لأنه بغير فعلهما.

وفيها: لا يجوز إعطاء أحدهما الآخر مثل طعامه ليختص بالمخلوط.

ابن أخي هشام: لأن اختلاف قدر قيمة طعاميهما قبل خلطه يوجب اختلاف قدر حظيهما في المخلوط، فلو أعطاه مثل طعامه قبل خلطه دخله تفاضل الطعامين.

ولابن رشد في أجوبته: تحصيل اختلاف الروايات والتأويلات فيمن غصب قمح رجل وشعير آخر فخلطهما ان المذهب غرمه مثل ما لكل منهما، فإن أعدم بيع المخلوط واشترى بثمنه ذلك، فما نقص فعليه وما فضل له.

وفي شرط أخذهما المخلوط عما وجب لهما برضاه قولا أشهب وابن القاسم، وعليه إن أخذاه قسماه على قيمتي طعاميهما يوم الخلط، ودليل المدونة تقويم القمح غير

ص: 207

معيب، وقول سحنون يقوم معيبا ولا وجه لمن فسر قول ابن القاسم بقسم ثمنه ومنع قسمه على القيمة؛ لأنه تفاضل.

وقول سحنون: يقسمان ثمنه استحسان لا على الوجوب؛ لأن بيعه إنما هو على ملكهما، فلو حرم على رب القمح أخذ أكثر من قمحه لحرم عليه أخذ ثمنه، وقال صلى الله عليه وسلم:"لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فأكلوا أثمانها" ويؤيده سماع عيسى ابن القاسم إن فقد الغاضب لم أحب قسمهما الطعام على الكيل فمنعه؛ لأن الواجب قسمه على القيم؛ فلو قسماه على الكيل تفاضلا؛ ومعنى: لا أحب لا يحل؛ فإن الواجب لهما مثل طعامهما، فلو وجب قسمه فتركهما إياه على القيم كان كل منهما أخذ عن ماله عليه أكثر أو أقل وهو ربا.

أجيب بأن هذا أمر أوجبه الحكم وليس بيعا لعدم وقفه على رضى الغاصب، وعلى الأول إن أخذاه برضاه لم يقسماه إلا على كيل طعامهما لا على القيم، ويجوز إعطاء أحدهما الآخر برضاه مثل طعامه ليختص بالمخلوط، ولا يجوز قبل رفعهما عداء الغاضب إعطاء أحدهما الآخر عن الغاصب مثل طعامه؛ لأنه ابتاع المخلوط بما وجب له على الغاصب، وما أعطاه لصاحبه عنه فهو كمن باع مدي قمح بمدي طعام أحدهما أرفع منه والثاني أدنى منه، ولو أخذ أحدهما من الغاصب كيل طعامه لم يكن لصاحبه شركة الغاصب في المخلوط بكيل طعامه الذي وجب له عليه إلا برضاه.

وتكلم التونسي وغيره في كتاب الوديعة والغصب على المسألة فلم يحصلوا الروايات ولا جروا على أصل.

قلت: وقال اللخمي: إن خلط وديعة قمح بوديعة شعير مودعهما ضمن مثليهما.

وفي جواز رفعهما عداؤه بأحدهما كذلك قولا ابن القاسم مع أشهب وسحنون،

ص: 208

وعلى الأول قال ابن القاسم: شركتهما على القيم؛ يريد: والقمح معيب والشعير سليم، ومعنى قسمه على غير ذلك، ولأبي زيد عنه إنما يقتسمان ثمنه، وقال أشهب: يقتسمان على الكيل لا القيمة؛ لأنه بها تفاضل كمن قال: أخلط قمحي بشعيرك شركة على القيم لم يجز.

قلن: في كون شركتهما بقيمة ما لكل منهما غير مختلط أو مختلطا، ثالثها: قيمة القمح معيبا بالشعير، وقيمة الشعير خالصا لسحنون مرة وغيره وله أخرى.

اللخمي: لو أعطى أحدهما صاحبه مثل شيئه ليختص بجميعه ففيها: لم يجز، وأجازه أشهب بتراضيهما، ولو ضمن رب الشعير المتعدي جاز على قول أشهب بقاء الآخر على الشركة وكان شريكا بقمحه معيبا، ولو ضمنه رب القمح لم يكن لرب الشعير البقاء عليها مع التعدي إلا برضاه؛ لأنه يأخذ أفضل منه حقه، وعلى قول ابن القاسم يجوز أيهما ضمنه؛ لأن الشركة على القيم وعليهما يقتسمان الثمن، فهما على قوله برفعهما العداء كاختلاطهما بأمر سماوي وكأنهما ما اختارا تضمينه قط، ولا يجوز قسمه على القيم؛ لأنه ربا لو كان قيمة قفيز أحدهما القمح معيبا دينارين، وقيمة قفيز الآخر الشعير دينارا وقسماه على القيم، أحذ رب القمح قفيزا وثلثا، وأخذ الآخر ثلثي قفيز، فيكون نصف ما بيد رب القمح شعيرا وهو ثلثا قفيز أخذه عن ثلث قفيز قمح وذلك ربا، وإنما يجوز بقاؤه بينهما على أن لهذا قمحه ولهذا شعيره حتى يباع فيأخذ كل منهما ثمن شيئه.

ولو سقط ثوب قيمته ديناران في صبغ قيمته دينار فمالكهما بالخيار في كونهما شركة بينهما على الثلث والثلثين، أو بقاء كل منهما على ملك ربه، فإذا باعاه قسما ثمنه على قدر ما لكل منهما يوم البيع.

وقال أشهب: في الطعامين بناء على أنهما لما ملكا التضمين كان أخذهما ذلك عن الواجب في الذمة، فلا يجوز إلا على التساوي كما لو كان لهما ذلك في ذمته من غير بعد، فإن أراد قسمه جاز؛ لأن بيع نصف قفيز قمح بنصف قفيز شعير جائز ولم يجبر أحدهما على تسليم جميعه ويأخذ مثل حظه، فيكون قد بيع عليه ملكه بمثله جبرا.

ص: 209

ولسحنون في قوله ثلاثة أوجه: أحدها: أن ذلك صار كالفائت ومالهما سالم في ذمته فليس لهما جبره على أخذ هذا، كقول ابن القاسم في الموازية: من صبغ ثوبا تعديا ليس لربه إلا أخذ قيمته، أو لأنهما رفعا العداء للشركة ليتجرا بثمنه في المستقبل، وإن كانت الشركة في هذا على التساوي؛ لأنه يؤدي إلى التفاضل كمن أخرجا قفيز قمح وقفيز شعير ليتجرا بثمنه في المستقبل وإن كانت الشركة في هذا على التساوي فيفسد، وإن دخلا على المساواة لموضع التمادي، أو يكونا رفعا العداء ليقسماه على القيمة، ولو هلك ما لبسه المودع من ثوب أو ركبه من دابة ففي تصديقه مع يمينه انه هلك بعد رده إن ثبت بإقراره، وإن أنكر وقامت به بينه ضمن، وتضمينه مطلقا إلا بينة أنه نزل عنها وهي سليمة، ثالثها: يضمن حتى يردها، للصقلي عن محمد قائلا: هو قول أصحابنا وكتاب ابن سحنون والصقلي عن بعض أصحابنا.

وتسلف المودع الوديعة عينا:

اللخمي: إن كان فقيرا لم يجز، وإن كان موسر ففي كراهته وجوازه مع الإشهاد بها ثالثها: إن كانت مربوطة أو مختومة لم يجز، لسماع أشهب أولا مع لقطتها، وسماعه ثانيا وعبد الملك، وأرى إن علم كراهة المودع ذلك جاز، وإن علمت كراهته لم يجز، كما لو حجر عليه ذلك حين إيداعها، وإن أشكل أمر كره.

الباجي: وفي المعونة رواية الكراهة، وسمع أشهب تركه أحب إلي، واختاره بعض الناس فروجع، فقال: إن كان ذا مال فيه وفاء وأشهد فأرجو ان لا بأس به.

قلت: فالأقوال على أن نقيض المستحب غيره مكروه أربعة، سماع أشهب استحباب تركها، وروايتا كراهتها، وجوازها بشرط الإشهاد، وقول عبد الملك واختيار اللخمي الخامس.

اللخمي: وليس له تسلفها لمن كانت مما يقضي فيه بالقيمة، وكذا المكيل والموزون إن كثر اختلافه كالكتان.

وفي إالحاق القمح والشعير وشبهه بالعين اختلاف لقولها إن تسلفها، ثم رد مثلها لم يضمنها، وقول عبد الملك: إن خلطها بمثلها ضمن.

ص: 210

الباجي: حكى عبد الوهاب أن هذا في كل مكيل وموزون، وقول ابن عبد السلام: وجود الجواز في تسلفها عزيز، وكذا الكراهة.

يرد بقول ابن الجلاب في إنفاق الوديعة بغير إذن ربها روايتان بالكراهة والإجازة.

فإن قلت: لفظ الإنفاق يدل على أتها عين والكلام في الطعام ونحوه.

قلت: ليس كذلك لحمل الشيخ وابن رشد سماع أشهب من استنفق طعاما اودعه غرم مبلغه على ظاهره.

وفي براءة متسلف الوديعة العين بردها وعدمه مطلقا، نقل الشيخ عن محمد معها، وابن القاسم وأشهب، وابن عبد الحكم وأصبغ، ويحيى بن عمر عن رواية المدنيين مع قولهم ورواية المصريين دون قولهم، وثالثها: إن ردها بإشهاد برئ لرواية اخذها ابن وهب، ورابعها: لابن الماجشون: إن كانت منثورة وإن كانت مصرورة ضمنها ولو ردها، وكذا بمجرد حملها، وعلى براءته في تصديقه في ردها دون يمينه او بها، ثالثها: إن تسلفها بغير بينة صدق مع يمين وإلا لم يصدق إلا بينة لقول الشيخ: لم يذكر في المدونة يمينا مع قول الباجي ظاهرها نفيها، والشيخ عن محمد مع ابن الماجشون في المنثورة والموازية، وذكر اللخمي الثالث اختيارا له ولم يعزه، وقال: إلا أن يكون إشهاده لخوف موته حفظا لحق المودع فيبرأ وإن لم يشهد على ردها.

الشيخ في كتاب ابن شعبان: من أودع وديعة وقال: له تسلف منها إن شئت فتسلف لم يبرأ بردها إلا إلى ربها.

اللخمي: لا يختلف في هذا؛ لأن السلف من ربها.

قلت: ووجهه الباجي بهذا وقال: وعندي انه يبرأ بردها.

قال في الموازية: من صرف وديعة عنده لنفسه فليس لربها إلا ما كان له، وليس له أخذ ما صرفها به إلا بتراضيهما، ولو صرفها لربها لم يجز له أخذ ما صرفها به ولو رضيا؛ لأنه لما صرفها لربها كان ربها بالخيار فمنع ذلك صحة الصرف، فإن لم يقدر على نقضه صرفت هذه بمثل الوديعة، وربحها لربها ونقصها على المتعدي.

ابن زرقون: انظر قول محمد: لم يجز له أخذ ما صرفها به لربها وأجاز له أخذ

ص: 211

ربحها، واعتذر عنه بأن معناه: أنه أضمر في نفسه أنه يصرفها لربها، ولو عقد مع الصراف أنه لربها بغير إذنه لم يجز وفسخ على كل حال، وقول محمد هذا خلاف المدونة ومذهبها أنه إن صرفها لربها أنه مخير في أخذها أو تضمينه مثلها، قاله ابن أبي زمنين وغيره.

وفي السلم الثاني منها مسألتان تدلان على ذلك:

إحدهما: من وكل من يسلم له دنانير في طعام فصرفها بدراهم لغير نظر، ثم اسلمها وقبض الطعام للآمر أخه منه، وفي أخذه إجازة لما اعتاض من الدراهم.

الثانية: من أمر من يبيع له سلعة او طعاما فباعه بطعام أو غيره؛ جاز له أخذ العوض ولم يجعله طعاما بطعام فيه خيار كما قال محمد.

قلت: قد تقدم هذا في البيع والصرف، وللشيخ عن ابن عبد الحكم: من قال لمن اودعه وديعة: اجعلها في تابوتك ولم يقل غير ذلك لم يضمن إن قفل عليها، ولو قال: لا تقفل عليها فقفل عليها قفلين لم يضمن.

الصقلي: هو أطمع إذا كانت بقفلين؛ لأنه خلاف العادة فوجب الضمان.

اللخمي: السارق يقصد التابوت، ولو لم يكن عليه قفل؛ لأنه يرفع فيه، فلا وجه لزيادة الأطماع كما لم يكن إذا قفل بقفلين.

قلت: ففي تضمينه في لا تقفل فقفل، أو اقفل واحدا فقط فقفل أزيد، ثالثها في الأولى فقط للصقلي واللخمي وابن عبد الحكم، وللشيخ عنه لو قال: اجعلها في سطل فخار او قلة فخار فجعلها فيهما من نحاس ضمن.

وفي؟؟؟ العكس: اللخمي: لو قال اجعلها في هذا السطل فجعلها في مثله لم يضمن.

وفي الزاهي: لو جعل الوديعة في جيب قميصه ضمنها، وقيل: لا والأول احوط

ص: 212

للحديث: "فانجابت عن المدينة انجياب الثوب"؛ أي: خرجت عنها كما خرج الجيب عن الثوب، وما خرج عن الثوب فليس منه.

وفي نوازل ابن الحاج: أفتى ابن رشد بالضمان، وقال ابن عيشون: لا ضمان عليه يحلف ولا شيء عليه، واستدل بإسقاط الضمان وقال ابن عيشون: لا ضمان عليه في مسألة النعلين في العتبية.

قال ابن شعبان: ولو اودعها في الطريق فمضى في حاجته قبل إحرازها فضاعت ضمن، ولو جعلها في كلمة ملقاة لم يكن حزرا، ولو ربطها في داخل كلمة أو خارجه كان حرزا، ولو شدها في وسطه كان حرزا، ولو ثنى عليها بالسراويل بغير شدها لم يكن حرزا، ولو وضعها في يده كان حرزا.

الشيخ: لابن حبيب عن الأخوين: من عنده وديعة فأخذها يوما فجعلها في كمه فخرج بها يظنها دراهم ضمنها، وكذا إن نسيها بموضع دفعت له وقام، وليس كسقوطها من كمه او من يده دون نسيان لأخذها هذا لا يضمنها، وقاله أصبغ.

قلت: قوله في سقوطها من كمه خلاف ما تقدم في الزاهي، وبه يفسر قول ابن الحاجب، ولو نسيها بموضع إيداعها ضمنها، بخلاف إن نسيها في كمه فتقع.

اللخمي: لو لقيه في غير بيت، فقال: اجعلها في وسطك فجعلها في كمه او جيبه ضمن، ولو قال: في كمك فجعلها في وسطه أو عمامته لم يضمن، واجعلها في عمامتك فجعلها في وسطه لم يضمن، ولو لم يشترط حيث يجعلها فجعلها في كمه او عمامته لم يضمن.

وفي جعلها في الجيب نظر.

قلت: لا يختلف في عدم ضمانه اليوم في الجيب؛ لأنه الأغلب من حال الناس.

وسمع أصبغ ابن القاسم: من استودع وديعة وهو بالمسجد او بمجلس فجعلها

ص: 213

على نعليه فذهبت لم يضمنها ولو كان عليه رداء يمكن ربطها فيه.

ابن رشد: يريد: ونعلاه بين يديه؛ لأنه وجه حرزها بذلك الموضع عادة.

قلت: زاد اللخمي: إن جعلها هناك بحضرته أو بعد غيبته، والوديعة ثياب او دراهم كثيرة الشأن ان لا يجعلها في كمه إلا عند قيامه، وإن كانت صرة دنانير ضمن؛ لأنه فرط، ولو أخذ نعليه فنثرها ضمن ويختلف غن قام فنسيها، فقال ابن حبيب: يضمن، ويخرج فيها عدم ضمانه من مودع مائة ادعاها رجلان ونسي مودعها منهما، ومن يشتري ثوبين من رجلين بخيار لم يدر رب الجيد منهما.

قيل: لا ضمان عليه وأن يعذر بالنسيان أبين؛ لأنه لا يعد به مفرطا، ونحوه للصقلي عن بعض الفقهاء.

قال: وكذا إن نسي موضعها من بيته لا يضمن.

سحنون: من أودع وديعة فصرها في كمه مع نفقته، ثم دخل الحمام فضاعت ثيابه بما فيها ضمنها.

قال بعض الفقهاء: لعله بدخوله بها الحمام.

وقول ابن الحاجب وابن شاس: ولو سعى بها إلى مصادر ضمنها واضح لتسببه في تلفها؛ ولا اعلم نص المسألة إلا في وجيز الغزالي.

وإن أنزى مودع نعم عليها، ففي ضمانه هلاكها تحت الفحل او بالولادة قولا ابن القاسم فيها، وأشهب قائلا: إنزاؤه عليها أرجح؛ لأنها مصلحة.

وفيها: إن زوج الأمة مودعها بغير إذن ربها فماتت من الولادة؛ أيضمنها في قول مالك؟

قال: أراه ضامنا ويضمن نقص التزويج إلا أن يجبره الولد؛ لقول مالك: من ابتاع أمة فزوجها؛ ثم اطلع على عيب بها يجبر نقص تزويجها لولدها، وأرى لربها في الوديعة أخذها بولدها او قيمتها بالولد.

قلت: لا يلزم من الجبر في المشتري الجبر في المودع لعدائه بالتزويج في المودع دون المشتري.

ص: 214

عياض: قوله في المدونة: إن أحب اخذها وولدها او ضمنه إياه إذا نفست وأخذ قيمتها، اختلف في معنى هذا اللفظ.

قال ابن أبي زمنين: سقطت لفظة إذا في رواية إذا نفست، وتأول بعضهم ثبوتها على أن التخيير إنما يكون بعد مزايلة الولد عنها، إذ حينئذ يكون ولدا ويجبر به النقص، ويحتمل أن يريد بالنفاس الحمل، وسقوط اللفظ أصح.

اللخمي: إن أجاز نكاحها سقط حكم العداء فسخ أو أمضى على قول، وإن لم يجزه فسخ اتفاقا، ولربها طلب عيبي التزويج والولادة، فإن تعالت من نفاسها سقط عيب الولادة إلا أن تكون من العلي التي لا يزول عيب ولادتها بتعاليها من نفاسها، فتكون له المطالبة بذلك، وقد يسقط عيب عادة التزويج إن كانت من العلى؛ لأن الشأن أنها تكسب للوطء وليست كالوخش، ثم إن كان العيب يسيرا والولد يجبره فليس لربها غيرها، وإن كان العيب كثيرا والولد يجبر خير ربها في أخذها بولدها ولا شيء له من قيمة العيب أو أخذ قيمتها.

قلت: تفصيله بين اليسير والكثير خلاف إطلاق ابن القاسم في تخييره مطلقا، وليس كذلك إن اشتراها فزوجها، وفي الولد جبر العيب له ردها ولو كره البائع؛ لأنه زوجها بوجه جائز والمودع متعد، فلم يكن له ردها معيبة إن كثر عيبها إلا برضى ربها، وإن أتى المودع وهي حامل والعيب يسير أخذها وقيمة العيب، وإن كثر خير في قيمتها وأخذها مع ما نقصها العيب، وإن ماتت من الولادة، فقال مالك: لا يضمنها، وضمنه ابن القاسم وهو أصوب؛ لأن التسليط على الوطء تسليط على الولادة.

ويلزم على قول مالك إن لم تمت ووجدها حاملا أن يجبره على قبولها حاملا ولا شيء له سواها، وإن كانت وضعت وما قيل فيمن غر من أمته فزوجها وهو عالم ثم استحقت بعد ما ولدت أن الزوج يرجع بالمهر لا بما غرم في الولد؛ لأن الولد بقي له ولم يؤخذ منه.

قلت: نحو قوله عن مالك قول البراذعي ولم اجدها في المدونة.

وروى عن مالك في مرتهن الأمة يزوجها بغير إذن ربها فحملت فماتت من

ص: 215

النفاس أن ضمانها من ربها.

الشيخ: قال ابن حبيب عن ابن القاسم وأشهب والأخوين، من أودع وديعة ببينة ثم جحدها ثم أقام بردها بينة أنه ضامن؛ لأنه أكذب بينته بجحدها؛ يريد: إن قال: ما أو دعنى شيئاً، ولو قال: مالك عندي من هذه الوديعة شيء نفعته بينته، وسمع عيس: سئل ابن القاسم: عمن جحد قراضًا أدعى عليه به، ثم قال: تلف مني.

قال: قال مالك فيمن أنكر مالاً بعث به معه لرجل فقامت عليه به بينة، فقال: تلف يحلف لقد ضاع، ويبرأ فكذلك مسألتك.

وقال عيسى: إن جحدها فقامت عليه البينة لم يصدق في دعوى الضياع، وبلغنى عن مالك.

وقال ابن القاسم في مسألة القراض: إن لم يأت بالبينة على القضاء غرمه، وليس دعوى القضاء كدعوى الضياع.

وفي سماع ابن القاسم في رسم حديث طلق قال مالك: إنما عليه اليمين.

ابن رُشْد: في تصديقه مع يمينه بعد الإنكار في دعواه الرد أو الضياع وعدم تصديقه، ثالثهما: في دعواه الضياع لا في الرد، ومن هذا الأصل أن ينكر دعوى فلما قامت عليه البينة جاء بالمخرج منها ببينته على البراءة، أو الدعوى لو جاء بها قبل إنكاره قبلت وشبه ذلك، فقيل: لا يقبل منه؛ لأنه كذبه بجحوده، وقيل: يقبل منه، وقيل: لا يقبل منه إلا في اللعان إذا ادعى رؤية بعد إنكاره القذف وأراد أن يلاعن، وشبه اللعان من الحدود هو قول محمد، وقليل: لا يقبل إلا في الحدود والأصول لا في الحقوق، قاله ابن كنانة وابن القاسم في المدنية، فيتحصل في ذلك أربعة أقوال: التفرقة بين الحدود وما سواها، وبيني الحدود والأصول وما سواهما.

قُلتُ: تحقيقها أن من أنكر ما قامت عليه بينة بعد إنكاره في قبول ما يدفع عنه ما ادعى عليه به لو أتى به قبل إنكاره بعده مطلقًا مع يمينه ولغوه ولو كان ببينة، ثالثهما: تقبل ببينته لا قوله: مع يمينه في تلفٍ ولا قضاء، ورابعها: تقبل في التلف لا القضاء لسماع عيسي رواية ابن القاسم ومتقدم نقل ابن حبيب، وقول عيسى مع روايته ونقله.

ص: 216

عن ابن القاسم، وخامسها وسادسها: نقل ابن رشد تفريقتي محمد وابن كنانة مع ابن القاسم.

اللخمي: قبول بينته منه بعد الجحد أحسن؛ لأنه يقول: أردت أن أحلف ولا أتكلف بينة.

وإن قال: أودعتنى مائة درهم، ثم قال: لم أقبضها لم يصدق، ولو قال: اشتريت منك ثوبًا، ثم قال: لم أقبضه، قبل قوله مع يمينه؛ لأن أودعتني يدل على القبض والشراء يقع على العقد، وسماع أصْبَغ ابن القاسم: من اعتذر عن دفعه وديعة ًعنده لربها حصله ابن رُشْد بقوله: من سئل إعطاء وديعة أودعها فأبى لعذر ذكره، ثم طلب بها، فقال: تلفت قبل طلبها أولا ضمنها؛ لأن اعتذراه أو لا إقرار ببقائها، فقال لم أعلم بتلفها حين اعتذرت أو ما أدري متى تلفت حلف على ما قاله وبرئ، وإن قال: تلفت بعد ذلك ومنعه وإعطاءها عذر لم يضمنها وإلا ضمنها، وفى حملة على العذر حتى يثبت عداؤه، وعكسه قولا أَصْبَغ وغيره: لا خلاف في المسألة إلا فى هذا الوجه.

وفي النوادر لابن عبد الحكم: لا ضمان عليه تلفت قبل أو بعد وليس بخلاف لما تقدم؛ لأن معنى قوله: قبل إذا لم يعلم بذلك إلا بعد، ومعنى قوله: أو بعد إذا كان له في منعه عذر ولم يكن فيه متعديًا.

ابن عبد الحكم: ولو أبى من دفعها إلا بالسلطان فتلفت في خلال الدفع لم يضمنها لعذره بقوله خفت مشعبه وأذاه، وله في آخر سماع أبي زيد: ولو أبى من دفعها إلا بالسلطان فهلكت في تراضيهما، ففي ضمانه فيها، وفي الرهن: وإن كان قبضها ببينةٍ ونفيه وإن كان بغيرها، ثالثهما: إن كان بغير بينةٍ لابن دحونٍ وابن عبد الحكم وهذا السماع.

ابن حارث: اتفقوا إذا طلب وديعة عنده وهو بحيث يمد يده إليها بلا مؤنةٍ فامتنع من دفعها أنه يضمنها إن هلكت، واختلف إن كان الأمر فوق ذلك فقال ابن القاسم في العتبية: إن كان له عذر وعليه ضررٌ في رجوعه معه فلا ضمان، وإن لم يكن له عذر ضمنها.

ص: 217

وقال أَصْبَغ: قد يعوق الرجل العائق الذي لا يظهر وللناس أعذارٌ باطنةٌ، فلا ضمان عليه، ويحلف ويبرأ.

وسمع أَصْبَغ ابن القاسم: من طلب بوديعة فقال ضاعت منذ سنين وكنت أرجوها وأطلبها وشبهه، ولم يسمع ذلك منه وربها حاضرٌ لم يذكر له ذلك لم يضمنها، إلا أن يكون طلبه بها فأقر بها، ثم قال: ضاعت منذ سنين فيضمنها والقراض مثله.

أَصْبَغ: إن لم يعرف منه طلبٌ ولا ذكر لربها ولغيره ولا وجه مصيبة تطرق، ولا سماع سرق ولا غرق ولا غير ذلك، وحضور ربها أشد بإمساكه عنه وكل سواء فهو ضامنٌ إذا طال جدٌا وادعى أمًرا قريبًا لا ذكر له.

ابن رٌشْد: قول ابن القاسم أصوب؛ لأن الأصل براءة الذمة وهو قول محمد بن عبد الحكم، وقال أصحابنا: يقولون إن سمع ذلك منه قبل ذلك الوقت الذي طلبت فيه قبل منه، وإن لم يسمع منه إلا بذلك الوقت لم يقبل منه،

ودعوى المودع بغير بينة رد الوديعة لربها مقبول، وبها المعروف عدم قبوله ونقل ابن شاس، وقيل عن ابن القاسم: يقبل قوله في الرد، ولو قبضها ببينة لا أعرفه لابن القاسم نصٌا؛ بل حكاه عنه ابن رُشْد تخريحا.

قال: إن قبض الوديعة بإشهاد لم تقبل دعواه ردها، هذا قول مالك وجميع أصحابه.

ابن القاسم وغيره: حاشا رواية أَصْبَغ عنه في دعوى المستأجر رد ما استأجره من العروض أنه يصدق ولو قبضه ببينة، ولا فرق بينه وبين الوديعة، وتأول أَصْبَغ عنه أنه فرق بينهما.

وفي النوادر: لابن القاسم ما ظاهره مثل تأويل أَصْبَغ، والصحيح أن لا فرق بينهما بل هو في الوديعة؛ لأنه قبضها لمنفعة ربها خالصة والمستأجر قبضه لمنفعتهما، ثم قال: وقد كان يشبه بأن يفرق بأن المستأجر يحتمل أن يكون القصد من الإشهاد التوثق من الإجازة لا من عين الشيء.

ص: 218

قُلتُ: وهذا معنى مناسب يمنع من تمام التخريج، فعزو ابن شاس هذا القول لابن القاسم متعقب بهذا، والتعقب على ابن الحاجب أشد حيث جعل هذا القول هو الأصل في المذهب، أو مشهوره حيث عبر عن المذهب بلفظه القائل، وإذا ادعى الرد قبل مطلقًا، وقيل: ما لم تكن بينة مقصودة للتوثق.

وفيها قلت: لم قال مالك: إذا قبض وديعة أو قراضًا ببينة لا يبرأ بقوله: رددت ويصدق إذا قال: ضاع مني.

قال: لأنه حين دفع المال إليه استوثق منه الدافع فلا يبرأ حتى يستوثق هو أيضََا.

قُلتُ: فلهذا قيد اللخمي وعبد الحق والصقلي البينة بأنها قصد بها التوثق.

قال عبد الحق: من أخذ وديعة ًبحضرة قومٍ لم يقصد إشهادهم عليه فهو مصدقٌ في الرد، وليس كمن أخذها ببينةٍ، وكذا إن أقر المودع عند بينةٍ أنه قبض من فلانٍ وديعة ً، وإنما يكلف البينة من أخذ الوديعة ببينة؛ لأنه قصد بالبينة الإشهاد عليه ونحوه للخمي.

وفي طرر ابن عاتٍ ما نصه: ظاهرة يعني لفظ ابن فتوح أن الإشهاد الذي يسقط دعوى المودع أنه رد الوديعة هو الذي يقصده رب الوديعة لا ما ينفرد به المودع؛ لأن مفهوم قصد رب الوديعة بالإشهاد على المودع أنه لم يأتمنه إلا على حفظ الوديعة وهو خلاف ما عند ابن زَرْب.

قُلتُ: فقوله خلاف ما عند ابن زَرْب يقتضي أنه يقول مطلق البينة كيف ما كانت بمنع قبول دعوى المودع الرد، ولا أعرفه لغيره.

وفيها مع غيرها: دعوى قابضها بغير بينة ردها مقبولة مع يمينه.

اللخمي: يحلف ولو كان مأمونًا لدعوى ربها عليه، التحقيق أنه لم يردها إلا أن تطول المدة مما يعلم أن مثل المودع لا يستغني عنها فيه لما يعلم من قلة ذات يده، أو تمر عليه عسرة فتضعف اليمين إن كان المودع عدلَا.

ونقل ابن الحاجب عدم حلفه مطلقًا لا أعرفه، ولو صح كانت الأقوال ثلاثًة: هو،

ص: 219

واختيار اللخمي، ومنصوص المذهب.

ودعواه ضياعه فيها مع غيرها مقبولةٌ ولو قبضها ببينةٍ، وفي لزوم حلفه، ثالثهما: إن كان متهمًا.

الشيخ عن رواية ابن نافع، ونقل اللخمي والشيخ عن أصحاب مالك، وبه فرسها الصقلي ولفظها: صدق فقط.

وقول ابن الحاجب: المتهم يحلف باتفاق، خلاف نقل اللخمي: عدم حلفه مطلقًا.

قال: لأنها تهمة وهو أشبه، ولما حكى الأول قال: إلا أن يبين رجلٌ بالصلاح والخير، وعبر عن الثالث بقوله: وقيل: يحلف إلا أن يكون عدلا.

الشيخ عن ابن عبدالحكم: إن نكل صدق ولا ترد اليمين هنا على ربها، ولابن زرقونٍ في ترجمة ما جاء في اليمين على المنبر: اختلف في تعلق اليمين بمجرد التهمة، ففي تضمين الصناع والشركة تعلقها، وهو قول ابن القاسم في غيرها.

أشهب: لاتتعلق.

قُلتُ: في آخر كلام ابن رُشْد في أجوبته: الأظهر أن تلحق إن قويت التهمة، وتسقط إذا ضعفت، وأن لا ترجع إذا لحقت.

وله في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من جامع البيوع: مثل هذا في سماع عيسى من كتاب الشركة: أن اليمين ترد في التهمة، والخلاف في: وجوب ردها، وفي لحوقها ابتداءً مشهور.

قال ابن الحاجب: وفي يمينه ثالثهما: المشهور يحلف في الرد، فإن نكل فثالثهما: المشهور: يحلف المودع.

قُلتُ: قرره ابن عبد السلام وغيره، بأن الأول: أنه لا يحلف ولا يغرم، والثاني: أنه يغرم بنكوله دون حلف رب الوديعة، والثالث: أنه لايغرم حتى يحلف رب الوديعة.

قُلتُ: وجود الأقوال الثلاثة في دعوى التلف واضحة ٌٌ، الأول: بناء على توجيه يمين التهمة، والثانى: على توجهها وعدم انقلابها، والثالث: على انقلابها

ص: 220

وأما في دعوى الرد فقد تقدم تحقيق المذهب في ذلك، وحيث يقبل قوله: إنه لا خلاف أن بيمين، ولا في انقلابها إن نكل، وظاهر كلام ابن الحاجب أن في حلفه في دعوى الرد قوليه مشهورهما حلفه، وأنه إن نكل ففي غرمه دون حلف رب الوديعة قولان: المشهور حلفه، ومن تأمل روايات المذهب علم بطلان ذلك كله، وقول ابن عبد السلام إثر تقرير الأقوال التي ذكرها ابن الحاجب، وهذا الخلاف موجود في يمين التهمة، ظاهره قبولها، وقول ابن هارون في نقل ابن الحاجب هذا الخلاف في دعوى الرد مما انفرد به أصوب، ولاشتمال كتابه على مثل هذا كان محققوا شُيوخنا ينكرون كتاب ابن الحاجب الفقهي، والله أعلم.

وفي نوازل أصبغ: لو قال لمودعها: ما أدري رددتها إليك أو تلفت لم يضمنها، إلا أن يكون إنما أودعه إياها ببينة فلا يبرأ إلا بها.

ابن رُشْد: ويحلف ما هي عنده ولقد ردها إليه أو تلفت، ولو دفعها إليه ببينة فقال المودع: إن كنت دفعت إلى شيئاً فقد ضاع لبرئ بيمينه، قاله عبد الله بن عبد الحَكم وهو على قياس قول أصبغ هذا.

الشيخ عن الموازيَّة: إن قال المودع أو العامل: رددنا المال لوصي الوارث لموت رب المال لم يصدقا إلا بينة أو إقرار الوصي، ولو كان قبضهما بغير بينة؛ لأنهما لغير من قبضاها منه.

وفي كتاب الدعوى سمع عيسى ابن القاسم: من بيده مائة دينار وادعاها رجلان كل منهما لنفسه، وقال: ما أدري من أودعنيها منكما قسمت بينهما بعد حلفها، ومن نكل عنها اختص بها الحالف، ولو قال ذلك، وهي دين عليه لأحدهما، وجهل عينه حلفا، وغرم لكل منهما مائة.

ابن رُشْد: في كون الدين كالوديعة وعكسه، ثالثها: الفرق التفرقة المذكور للآتي على أحد التأويلين في مسألة رسم البيوع من سماع عيسى من كتاب المديان، والآتي على سماع عيسى ابن القاسم في رسم القطعان من كتاب القراض من هذا السماع.

ص: 221

قلت: وللشيخ إثرها في النوادر، وقال محمد: لو قال: دفعتها إلى أحدكما وجهلته، وأنكرا قبضها حلفا وأخذا منه مائةً مائةً، ومن نكل لا شيء له، فإن نكلا معاً لم يكن على المقر إلا مائةٌ يقسمانها دون يمينٍ عليه؛ لأنه هو أبى اليمين، وردها بعد أن ردت عليه.

محمد: فإن رجع المودع وقال: أحلف لهذا فله ذلك، فإن رجع وقال: أحلف أنها ليست لواحدٍ منهما فلابد من غرمه مائةً يقسمانها، وكذا لو كانت المائة عليه ديناً فيما ذكرنا.

ولسَحنون: من مات عن وديعة بيده فادعاها رجلان كل واحد لنفسه ولا بينة لهما، وقال ابن الميت: لا أدري إلا أني أذكر أنها وديعة فإنها توقف أبداً حتى تستحق بالبينة.

وله أيضاً من أودعه رجل مائةً وآخر خمسين فنسي رب المائة منهما، وادعاها كل منهما تحالفا على المائة وقسماها مع الخمسين.

وقال بعض أصحابنا: يغرم لكل منهما مائة بعد حلفهما.

محمد: من قال: دفع إلى فلان مائة لأتصدق بها وفعلت، ثم قال: بل دفعها إلي لذلك فلان وفعلت، وادعى كل منهما أنه الآمر، فقال أشهب: لا شيء لواحد منهما، وقال محمد: يغرم لكل منهما مائة.

وفي الزاهي: من قبل الوديعة ثم طلب الأجر عليها فلا عوض له، وإن كان لها موضع تشغله من دار القابل، وطلب مثل أجر الموضع المشغول وجب له ذلك.

وأجر الحمل في الإيداع والإقلاع على ربها، وإن احتاجت إلى غلقٍ أو قفلٍ فعلى ربها، وقيد ابن عبد السلام وجوب أجرة الحمل بكون طالبها ممن تقتضي حاله ذلك، وعدم أجرة حفظها بقبضه.

واحتج بقولها: من ركب دابة رجلٍ إلى بلدٍ، وقال: إنه أعاره إياها، وقال ربها: بل بكراءٍ قبل قوله: إلا أن يكون ليس مثله يكري الدواب لشرفه وقدره.

قلتك الأظهر نفي الأجر بينهما لاقتضاء لفظ الإيداع نفيه عرفاً، ودفعها دون لفظ

ص: 222

الإيداع، الأظهر فيه ما ذكره ابن شعبان.

وقول ابن عبد السلام: بإثبات أجر الحفظ، يرد بأن أجر موضعها مع كونها بدار المودع أو منزله يستلزم أجر حفظها أو يغني عنه، ومن ظفر بمال لمن جحده مثله فيه اضطراب.

ابن رُشْد في سماع ابن القاسم من المديان: قوله: في هذا السماع لا يجوز له اقتطاعه كقولها في كتاب الوديعة، وقال أشهب وابن وَهْب: يجوز له، وقيل: يكره، وقيل: يستحب، وقيل: جائز إن لم يكن عليه دين، فإن كان له جاز ما يجب له في الحصاص، وقيل: يجوز فيما دفع دفع بغير أمانة لا فيما دفع له بغير بينة لا فيما دفع له بها.

قلت في النوادر: روى ابن وَهْب إن كان عليه دين اقتطع قدر منابه في المحاصة، ورواه ابن وَهْب وزاد: وأمن أن يحلف كاذباً.

وقال محمد بن عبد الحَكم: يقتطعه ولو كان عليه دينٌ ما لم يفلس.

ابن المواز: لمن غصب شيئاً خفي له أخذه بعينه أخذه، وإن لم يظفر إلا بغيره، فكذلك إن لم يكن عليه دين.

وقال مالك: من أوصى لصغير بدنانير لم يشهد عليها إلا الوصي إن خفي له دفعها له حتى لا يتبع بها فله دفعها دون السلطان، وكذا الوديعة فلم يقبل شهادة.

مالك: من غصب شيئاً وخفي له أخذه أخذه بخلاف من جحدك لما جاء فيه.

اللخمي: إن كانت الوديعة عرضاً جاز بيعها وأخذ الثمن مما له، واختلف هل يجحدها إن كان يخدمه وفي صفة بيمينه، فقال مالك: إنما يجوز جحده إن أمن أن بحلفه كاذباً؛ يريد: أن المودع يقول: احلف أني ما أودعتك، وقيل: يحلف ما أودعتني شيئاً ناوياً يلزمني رده، وقيل: ينوي الأولى مثله، والصواب أن له جحد ما أودعه مكان حقه لقول تعالى:{فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، ونحوه قول الباجي: الأظهر الإباحة لحديث هند، وتعقبه ابن عبد السلام بأن النفقة التي تأخذها هند من مال أبي سفيان هي عين ما وجب لها ولولدها لا مثل ما وجب لها ولهم، والنزاع إنما وقع في أخذ المثل لا في أخذ العين، إذ لا

ص: 223

خلاف في جواز أخذ العين.

يرد بأنه إن أراد بقوله أن ما تأخذ هند من مال أبي سفيان هو عين ما وجب لها باعتبار شخصه كمن غصب ثوباً يقدر على أخذه فليس كذلك ضرورة أن حقها في ماله إنما هو باعتبار صفة لا تخص جزئياً من ماله بل هي عامة في كل ماله كتعلق دين بذمته، وإن أراد به أنه عينه نوعه فهو نفس محل النزاع حسبما اعترف به.

ص: 224