الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس عشر
سويسرا
تعود الصلات بين سويسرا وبين الشرق إلى عبادة آلهة قدماء المصريين في بعض مناطقها أيام الرومان. وإلى أسطورة الفيلق الطبي الذي أرسله الرومان إليها، ثم أمره الإمبراطور مكسميان هرقل بقتل النصارى ولما لم يذعن الفيلق لأمره، لأن أفراده كانوا أيضاً نصارى من مصر، أمر الإمبراطور بقتلهم جميعا في أجونا (285، ثم 305).
ثم غزت جماعة من العرب بعض مناطق سويسرا (1) وأجليت عنها (888 - 975) وقد خلفت فيها ما دل على مرورها بها: كالنقش اللاتيني على مدخل كنيسة سان بيير مونجو في وادي أنترمون، وأسماء عربية في وادي الساس، وعلى بعض الأماكن: كقلعة العرب، ووهدة العرب، وطريق العرب، وجسر العرب وهي في أقاليم متفرقة منها. ثم بلغت سويسرا الشرق بحجاجها إلى الأراضي المقدسة وتعريجهم على دير سانت كاترين في جبل سينا، ولطالما زاره نبلاؤها ورسموا فرسانا عليه، كما نقش فون ديسباخ قاضي قضاة برن اسمه على إحدى قاعات الطعام فيه. وكذلك بلغت سويسرا الشرق باشتراكها في الحملات الصليبية.
وكانت بال من أسبق المدن إلى نشر ترجمات أمهات الكتب العربية باللاتينية كالقرآن الكريم، في ثلاثة أجزاء (1543) وقبة الفلك لبطلي موس، بترجمة مسلمه المجريطي (1569) وكتاب البصريات للخازن المزني (1572) الخ كما نزل العالم العربي أبو زيد بجنيف فأطلقت إسمه على أحد شوارعها، وتردد عليه كبار المفكرين، وفي طليعتهم فولتير.
وفي حملة نابليون على مصر (1798) اشتركت سويسرا فيها ببعض قوادها
(1) الفصل الثالث: فتوح الإسلام، ص 57، ودي فيشير: في سبيل معرفة الصلات السويسرية المصرية، من نحو 100 سنة ميلادية إلى عام 1949 (لشبونة 1956).
وجنودها. ومن أبرزهم المشير برتيه رئيس أركان نابليون طوال حملته على مصر، وجان لويس رينيه- منافس اللواء مينو على القيادة بعد مصرع اللواء كليبر- واللواء موريس ماير. ومن العلماء الذين ضمتهم الحملة بواسيبه من جنيف، فأسهم في مصنف: وضف مصر، الذي وضعته لجنة العلماء، بسلسلة من اللوحات رسم فيها نباتات مصرية.
واشترك بعض القواد والجنود السويسريون من فرق رول، ورانفيل، ومينورقه، مع الإنجليز في محاربة الحملة الفرنسية على مصر، فانتصروا عليها وأجلوها عنها (1801) ثم جلوا عنها (1803) كما اشتركوا مع الإنجليز في محاربة محمد على (1807) فتغلب عليهم وأرغمهم على التسليم وترك مصر نهائياً، ولم يبق من السويسريين إلا نفر أرسل إلى القاهرة أسيراً، وقد مات بعضهم في الطريق، وأودع الأقوياء السجن، ونقل الجرحى والمرضى إلى منازل قناصل النمسا والسويد وفرنسا، حتى افتدوا فعادوا إلى بلادهم.
وطبع منتصف القرن التاسع عشر الصلات السويسرية المصرية بطابع الاقتصاد والإدارة والثقافة والحركة الوطنية، فاكتتب مارتن ايشر- هس بخمسين وأربعمائة سهم في شركة قناة السويس، واشترك مهندسون سويسريون في وضع رسومها، واستمرت طائفة منهم بعد حفرها فاستدعت بعض مواطنيها للانضمام اليها، مما كون نواة الحالية السويسرية في بورسعيد.
وأنزلت مصر السويسريين منزلة محترمة: قضاة في المحاكم المختلطة، وضباطاً وشرطة، ومفتشين للمدارس الأميرية، وأساتذة في مدرسة الأنجال. وتلتي المصريون العلم في مدارس سويسرا، ثم في جامعاتها. وأنشئت البعثة المدرسية فيها (1913) وكان أول المشرفين عليها جول جانيو (المتوفي 1933) الأستاذ السابق في مدرسة الحقوق بالقاهرة، وهحمبر دينيس بارودي (1878 - 1953) وكان قد أقام بمصر (1897 - 1914) وشغل فيها عدة مناصب منها: مراقب التعليم الزراعي، ومفتش عام في وزارة المعارف.
واحتفت سويسرا بالحركة الوطنية المصرية فأقام فيها مصطى كامل. وأنشأ الشبان المصريون في جنيف اللجنة الدائمة للشبيبة المصرية (1908) وعقدوا