الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني والعشرون
تشيكوسلوفاكيا
حال وقوع تشيكوسلوفاكيا في وسط أوربا بينها وبين الاتصال بالشرق اتصالاً مباشراً دائماً، إلا أن الثقافة العربية التي بهرت أوربا وبنت عليها نهضتها بلغت تشيكوسلوفاكيا عن طرق عدة، كان أولها مباشراً. ففي أعرق الآثار الأدبية التشيكية المكتوبة بالسلافية القديمة، في أواخر القرن التاسع، قصة نزول القديس كيرلس Cyril بالشرق العربي حوالي عام 851 ومجادلته علماء المسلمين وإكباره لهم وثنائه على علمهم مع ترجمته لبعض آيات من القرآن الكريم، لعلها من أولى ترجماته إلى اللغة اللاتينية. ثم تناول المؤرخون، باللغتين التشيكية حيناً واللاتينية أحياناً، ذكر الأراضي المقدسة في فلسطين وحجيج مواطنيهم إليها، فوضع المؤرخ كوزماس Cosmas في كتابه: تاريخ بوهيميا، مسرداً وطولاً بأسماء الحجّاج إلى بيت المقدس منذ القرن الحادي عشر إلى مطلع القرن الثالث عشر. ولم تنقطع وفودهم بوفاة المؤرخ، بمن فيهم العامة والأشراف والعلماء، فصنّف بعضهم كتباً في وصف رحلاتهم كشفوا بها للقارئ التشيكي عن تلك الحالة من الأسرار التي كانت تحيط ببلدان الشرق العربي يومئذ. وفي طليعتهم: مارتن كريفوستي M. Krivousty الذي وصف رحلته من بوهيميا إلى ده شت فبيت المقدس (1477) وعودته منها وصفاً رائعاً، وقد كتبها باللاتينية ثم ترجمت إلى التشيكية، ولكنها لم تنل شهرة وصف رحلة التاجر مارتن كا با تنيك M. Kabatnik الذي دفعه اهتمامه با ادمين إلى الطواف، في عامي 1491، 1492 بسوريا ولبنان وفلسطين ومصر، وفي رحلته المكتوبة بلغة بسيطة وصف دقيق للحياة اليومية في البلدان العربية ولا سيما مصر.
وممن حجوا إلى بيت المقدس: هاشيستنسكي J. Hasistejnsky (1493) وبريفات V. Prefat وقد أقام بها (1592) والنبيل هارانت K. Harant الذي قضى سنة 1598 متنقلاً بين فلسطين وسيناء ومصر، ووصف ما شاهدهه فيها وصفاً علمياً أميناً.
وقدر العلماء التشيكيون، منذ القرن الرابع عشر الثقافة العربية حق قدرها ولاسيما الطب وعلم الفلك والفلسفة، فشرح جنيك فاكلافوف Jenek Vaclavuv أستاذ الفلسفة بجامعة تشارلس ببراغ كتاب الروح لأرسطو بتعليق ابن رشد. وتأثر الفيلسوف جان شليختا Jan Slechta بالفلسفة العربية، وذكر ابن رشد في كتاب مناقشة بين الروح والجسد، من القرن الرابع عشر. كما ذكر مع سائر فلاسفة العرب في مصنفات عدة، ولا سيما الفلاسفة الذين اشتهروا بالطب كابن سينا فنزل خير منزلة من المصنفات الطبية التشيكية بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر. واحتفظت المكتبات بترجمات مصنفاته إلى اللاتينية، وبزه الرازي بعد صيت، فشرح مصنفاته وعلق عليها الطبيب التشيكي جان سيرني Jan Cerny. ولقيت مصنفات علماء الفلك، وعلى رأسهم الفرغاني، والكيديا التي رعاها جابر بن حيان، من العناية بتفسيرها والتعليق عليها مالقيته كتب الطب والفلسفة، وما زالت ترجمات حنين بن اسحق في المكتبات العامة حتى يومنا هذا.
ولم يقف اتصال تشيكوسلوفاكيا بالشرق عند علمائها المنقبين عن الثقافة العربية بل تعداه إلى جمهرة القراء، على يد الكتاب التشيكيين الذين صنفوا في تاريخ البلدان العربية وجغرافيتها وعاداتها وعقائدها، كدليل الحج (1486) لدى برايندنباخ B. de Breidenbach (1) وسيرة النبي محمد (1498) فلما توترت العلاقات بين تركيا وتشيكوسلوفاكيا، وانتقلت الخصومة من الميدان السياسي إلى الجدل الديني، غلب على أدب بوهيميا طابع الدفاع عن عقيدتها، ويمثله كتاب لبيدوفيات Budovec V. وقد صنفه بعد عودته من القسطنطينية التي قضى فيها سنوات أتقن خلالها اللغتين التركية والعربية، وجادل فقهاء المسلمين جدالاً طويلاً أثبته في كتابه، وبموته المفاجئ بعد إخماد ثورة النبلاء على أسرة هابسبورج في واقعة الجبل الأبيض (1621) ختم على المرحلة الأولى من تطور الاتصال بين تشيكوسلوفاكيا وبين الشرق.
ونالت واقعة الجبل الأبيض من تشيكوسلوفاكيا في استقلالها ودينها واقتصادها وأدبها فهجرها بعض أبنائها وفيهم العلماء الذين لم يقطعوا صلتهم بالشرق. وعلى
(1) الفصل الخاص، النهضة الأوربية، ص 114.