الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع والعشرون
الخاتمة
مر بنا فيما أوردنا من تراجم المستشرقين وآثارهم، ما بذلوه من علم وجهد ووقت يستوي فيه بذل المال من قبل الأفراد: كما كميلان، وكايتاني، ودى خويه، وجيب. والمؤسسات: كفورد، وكارنيجي، وركفلر. والدول: في ميزانيات التعليم والثقافة والبعثات، في سبيل إقامة كراسي اللغات الشرقية، وتنظيم مكتباتها ومتاحفها، وإنشاء مطابعها ومجلاتها، وتأليف مجموعاتها، وعقد المؤتمرات لها، وإيفاد البعثات الأثرية إلى مواطنها، ثم تحقيق جماع تراثها وترجمته بشتى اللغات والتصنيف فيه، ونشره بين الناس، في الشرق والغرب، منذ مئات السنين.
فهل يتساوي نشاطهم له وتضافرهم فيه مع الذي قاموا به في متعدد أوجهه، مقداراً ومدى؟
1 - كراسى اللغات الشرقية:
لقد أنشئت في الغرب، منذ العصر الوسيط، مئات المدارس والمعاهد وكراسي اللغات الشرقية (1) ثم تضاعف عددها منذ القرن السابع عشر، عندما بدأت تقوم مثيلاتها على غرارها في الشرق. ووضعت اللغات الشرقية، ولا سيما العربية، في مصاف اليونانية واللاتينية، وأصبح لها من الشأن في الجامعات باللغات الأخرى: أساتذة ومناهج وشهادات. وعلمت معاهد الإرساليات كاثوليكية كانت أو أرثوذكسية أو بروتستايتية أو علمانية، في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، ما علمت أبناء قومها ومللها ونحلها في الغرب.
وكان المستشرقون، وما زالوا، يدرسون العربية في علومها وآدابها وفنونها، وصلاتها بغيرها من اللغات السامية، وتأثرها بالتراث الإنساني وأثرها فيه، على المنهج العلمي الذي يطبقه زملاؤهم على لغاتهم. وفتحت جامعات الغرب والشرق
(1) الفصل الخامس، النهضة الأوربية، ص 115.
أبوابها لطلاب العلم من جميع البلدان فألفوا ميادينه فسيحة ومصادره متوفرة وأساليبه حديثة، وأتاحت لهم لقاء أساتذتهم فيها وكبار المستشرقين الوافدين عليها للمباحثة والمناقشة. وقصد بعض طلاب العلم من الشرقيين، ولاسيما العرب، تلك الجامعات وتخرجوا على أساتذتها بالعربية، فلم يكونوا بأقل علماً من تخرجوا على أساتذتنا في معاهدنا بل إن بعضهم استحدث مذاهب تركت في حياتنا الفكرية أثراً عميقاً بعيداً.
وعرفت الجامعة المصرية قدر المستشرقين، فاستدعتهم، من مختلف بلدانهم، أساتذة في كلياتها. وفي ذلك يقول الدكتور طه حسين: "إنه كان لسنة 1915 في مصر مذهبان في درس الأدب: أحدهما مذهب القدماء، والآخر مذهب الأوربيين استحدثته الجامعة المصرية بفضل الأستاذ نللينو ومن زامله وخلفه من المستشرقين مثل جوبدي وفييت، وقد عهدت إليهم يدرس تاريخ الأدب فدرسوه بمناهجهم الحديثة فعلموا الطلاب كيف يبحثون
…
وعلمت الجامعة في الحرب الكبرى وعجزت عن دعوة المستشرقين، وأضافت درس تاريخ الأدب فلم توفق
…
وكيف تتصور أستاذاً للأدب العربي لا يلتم ولا ينتظر أن يلم بما انتهى إليه الفرنج من النتائج العلمية المختلفة حين درسوا تاريخ الشرق، وأدبه، ولغاته المختلفة. وإنما يلتمس العلم الآن عند هؤلاء الناس، ولابد من التماسه عندهم حتى يتاح لنا نحن أن ننهض على أقدامنا ونطير بأجنحتنا ونسترد ما غلبنا عليه هؤلاء الناس من علومنا وتاريخنا وآدابنا" (1).
ومن زاملوا نللينو أو خلفوه: دي جالارثا، وجاك بيرين، وارمان آبل، وسانتيلانا، وماسينيون، وشاده، وشاخت، وبرجشراسر، وتوماس أرنولد، وكازانوفا، وار بري، وكراوس، وفارمر، وكرزويل، وجروهمان، وليمان، فحاضروا بالعربية الفصحى وبغيرها من اللغات - في الأدب العربي، وفقه اللغة العربية، والجغرافيا، والفلاك، والتاريخ الإسلامي، وتاريخ الفلسفة، والتصوف، والوثائق، والفن، والعمارة، والموسيقى العربية، وفي غيرها.
(1) في الأدب الجاهلي، ص 9 - 11.