الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: عروض الإطلاق والتقييد للأفعال والأسماء الشخصية
.
الإطلاق والتقييد وصفان للفظ باعتبار المعنى، ومن هنا يقول بعض الأصوليين إنهما اسمان للفظ دون المعنى1، ولا شك أن الألفاظ المفردة يجري فيها الإطلاق والتقييد، وتوصف بهما فيقال: لفظ مطلق ولفظ مقيد، وقد مثل الأصوليون للمطلق بالنكرة في سياق الإثبات نحو قولك: أكرم رجلاً: وللمقيد بقولهم: "أعتق رقبة مؤمنة"، واكتب بقلم أزرق، وطائر أبيض على الشجرة2 لكن هل الإطلاق والتقييد خاصان بالألفاظ المفردة كما يظهر من كلام الأصوليين، أو أن الأفعال والأسماء الشخصية يصح أن توصف بالإطلاق والتقييد.
الظاهر أن الإطلاق والتقييد يصح أن يوصف بهما الأفعال والأسماء الشخصية، كما توصف بهما الألفاظ المفردة، يقول ابن قدامة3 المقدسي:
1 تنقيح الفصول للقرافي ص: 269.
أي: أن الذي يوصف بالإطلاق والتقييد حقيقة هو اللفظ، كما مرت الأقوال في وصف العموم ص: 33، 34.
2 أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف ص: 192.
3 هو: موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، ثم الدمشقي ولد سنة 541هـ وهو فقية من أكابر الحنابلة، له عدة مؤلفات منها كتابة القيم المغني في الفقه، وروضة الناظر وجنة المناظر في الأصول، والبرهان في مسائل القرآن، توفي سنة 620هـ. راجع: البداية والنهاية 13/99، وذيل طبقات الحنابلة ص:133.
"يسمى الفعل مطلقاً نظراً إلى ما هو من ضرورته من الزمان والمكان والمصدر والمفعول له، والآلة فيما يفتقر إلى الآلة والمحل للأفعال المتعدية وقد يقيد بأحد دون بقيتها"1.
وقد زاد هذا المبحث إيضاحاً المظفر في أصوله:2
حيث يقول: "الإطلاق لا يختص بالمفردات كما يظهر من كلام الأصوليين، بل يكون في الجمل أيضاً، فإن إطلاق صيغة "افعل" الذي يقتضي استفادة الوجوب إنما هو من قبيل إطلاق الجملة، وكذلك إطلاق الجملة الشرطية في استفادة الانحصار في الشرط، من قبيل إطلاق الجمل ولكن محل بحث الأصوليين في هذا الباب إنما هو خصوص الألفاظ، ولعل عدم شمول البحث عندهم للجمل باعتبار أنه ليس هناك ضابط كلي لمطلقاتها، وإن كان الأصح أن بحث شروط إمكان الإطلاق يشملها"3، كذلك عندما نعرف العلم الشخصي والمعرف بلام العهد لا يسميان مطلقين باعتبار معناهما، لأنه لا شيوع ولا إرسال في شخص معين.
1 روضة الناظر لابن قدامة ص: 136.
2 هو: محمد رضا المظفر من علماء الشيعة، (في القرن الرابع عشر) .
3 أصول الفقه للشيخ المظفر ص: 172.
لكن لا ينبغي أن نظن أنه لا يجوز أن يسمى العلم الشخصي مطلقاً، لأنه إذا قال الآمر:"اكرم محمداً" وعلمنا أن لمحمد أحوالاً مختلفة ولم يقيد الحكم بحال منها نستطيع أن نقول: إن لفظ محمد أو هذا الكلام بمجموعه يصح أن يوصف بالإطلاق والتقييد، إذا لوحظت فيه الأحوال المختلفة، وإن لم يكن له شيوع باعتبار معناه الموضوع له، وبناء على ذلك فللأعلام الشخصية والأفعال إطلاق فلا يختص المطلق بما له معنى شائع في جنسه، كما هو اصطلاح أكثر الأصوليين1
2 -
ولكن يرى بعض الأصوليين أن الفعل لا يكون مطلقاً ولا مقيداً، لأن المطلق لفظ مُنَكّرٌ2، وليس الفعل كذلك، وهذا الفريق نظر إلى صيغة الفعل: ولا شك أن الفعل من جهة الصيغة لا يوصف بالإطلاق أو التقييد، لأن المطلق نكرة في سياق الإثبات، ولا يوصف الفعل من حيث صيغته بأنه نكرة، لكن يتأتى إمكان وصفه بالإطلاق أو التقييد باعتبار مصدره إذا كان في سياق الإثبات كقولك:"قم" فإنه يقتضي مصدراً أي قم قياماً، فيكون الثابت بمقتضى هذه الصيغة ما هو نكرة في سياق الإثبات، وهو:"قياماً" وعندئذ يصح أن يوصف بالإطلاق بهذا
1 أصول الفقه للمظفر الشيعي ص: 172.
2 حاشية البناني على جمع الجوامع 2/48.
الاعتبار1، أما إذا كان الفعل في سياق النفي فإن مصدره يكون عاماً، لأن النكرة المنفية من ألفاظ العموم، وفي شرح الروضة للطوفي2:
"يقال: فعل مقيد أو مطلق باعتبار اختصاصه ببعض مفاعيله من ظرف أو مكان أو نحوهما من المفاعيل، فقولك: "اضرب" مثلاً مطلق بالنسبة إلى الزمان والمكان والآلة، لا دلالة له على شيء منها بعينه، وقد يقيد ببعض مفاعيله دون يعض فيكون مقيداً بالإضافة، كقولك "صم يوم الاثنين" الصوم مقيد من جهة ظرف الزمان، ومطلق من جهة ظرف المكان، ولو قيل: "صم في مكة يومين" لكان على العكس من ذلك3.
والذي يجمع بين هذه الآراء أن المطلق له معنيان عام وخاص،
1 أصول السرخسي 1/21.
2 الطوفي هو: سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي الصرصري، ثم البغدادي، فقيه أصولي حنبلي، له دراية بفنون العلوم وكنيته أبو الربيع، ولد سنة 673هـ بقرية طوفى من أعمال صرصر ثم دخل بغداد وتلقى العلوم عن علمائها، ثم سافر إلى دمشق سنة 704هـ ثم إلى مصر سنة 705هـ ثم عرج على الحج سنة 714هـ، ثم نزل الشام وتوفي ببلدة الخليل في رجب سنة 716هـ له عدة مؤلفات منها: الروضة وشرحها في الأصول، وشرح الأربعين النووية، والأكسير في قواعد التفسير.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/366 - 369، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، والأعلام 3/189، والفتح 2/120.
3 شرح مختصر الروضة للطوفي 2/256، مخطوط بمكتبة الحرم المكي الشريف.
فالمطلق بمعناه الخاص: اللفظ الدال على شائع في جنسه، أو هو اللفظ الدال على الماهية بدون قيد من قيودها، وهذا اصطلاح الأصوليين.
والمطلق بالمعنى العام: اللفظ المجرد عن القيود سواء أكان له معنى شائع أم لم يكن له ذلك، وعلى هذا الاصطلاح ليس هناك واسطة بين المطلق والمقيد، بل اللفظ إما أن يكون مطلقاً أو مقيداً1.
1 مختصر ابن الحاجب مع حاشية السعد 2/155، ومسلم الثبوت 1/362.