الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني في مسائل متعلقة بالحدود والكفارات:
1 -
التغريب على الزاني البكر:
اتفق المسلمون على أن الزاني البكر والزانية البكر يجلدان مائة جلدة لقوله - تعالى -: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 1.
واختلف الفقهاء: في ضم التغريب إلى الجلد في حق الزاني البكر أيعتبر جزءاً من الحد أم لا يعتبر جزءاً منه؟
أ - فذهب الحنفية إلى أن الحد هو الجلد مائة فقط، وليس التغريب جزءاً منه، بل هو من باب التعزير الموكول إلى نظر الإمام إن رأى مصلحة غرب تعزيراً لا حداً2.
ب - وذهب الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة إلى أن التغريب جزء من الحد3.
وكان من الأسباب التي أدت إلى هذا الخلاف ورود الجلد مطلقاً
1 سورة النور آية: 2.
2 المبسوط للسرخسي 9/36، وفتح القدير مع الهداية وشرح العناية 4/134 - 137.
3 المغني لابن قدامة 8/166 - 169، والأم 6/134، والقوانين الفقهية لابن جزئ الغرناطي ص: 384، وبداية المجتهد 2/436.
عن قيد التغريب في القرآن، وورود التغريب في السنة الأحادية1.
فالحنفية بناء على قاعدتهم في أن الزيادة على النص نسخ له قالوا: بعدم التغريب؛ لأن هذه الزيادة لم تثبت بطريق صالحة لنسخ مطلق الكتاب.
وأما الجمهور؛ فلأن الزيادة عندهم بيان قالوا: بوجوب التغريب ولو كان طريق ثبوته بأخبار الآحاد؛ لأن البيان لا يشترط فيه مساواة المبين للمبين.
وقد مال إلى مذهب الحنفية في هذه المسألة الدكتور مصطفى الزلمي في رسالته أسباب اختلاف الفقهاء، معللاً ذلك بأن قوله - تعالى -:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} ، نص قطعي الدلالة والثبوت، والمراد منه بين في نفسه، فلا إجمال فيه حتى يبينه الحديث.
1 نشير إلى حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي قال فيه: "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم".
أخرج هذا الحديث مسلم 3/1316، رقم الحديث 1690 باب حد الزني، وأبو داود 4/114 رقم الحديث 4415، والترمذي.
وانظر: أحكام الإحكام لابن دقيق العيد 4/110 - 111، والبيهقي في السنن الكبرى 8/210 - 222.
ثم قال: إن التغريب عقوبة تبعية، وليست من أصل الحد، غير أن تعليل الحنفية ذلك بأنه زيادة على النص وهي نسخ؛ فلا تجوز بخبر الواحد تعليل غير سليم بالإضافة إلى أنه منقوص بكثير من تطبيقاتهم الفقهية المبنية على الزيادة على النص، كنقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة1 وغيرها.
وهذا التعليل مدفوع: بأن الجمهور لا يقولون: إن الحديث بَيَّن المراد من الآية، بل هو بيان أن الحد مجموع الأمرين، والآية لم تتعرض له، وإنما ذكرت أن الزاني يجلد مائة جلدة، وهذا مسلم به.
قال الشوكاني: "إن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبيِّن لمراد الله تعالى، وقد أقسم في الحديث الذي وردت فيه الزيادة على أن الجمع بين الجلد والتغريب قضاء2 بكتاب الله، ثم خطب بذلك عمر رضي الله عنه على رؤوس
1 أسباب اختلاف الفقهاء للدكتور مصطفى الزلمي ص: 71.
2 يشير بذلك إلى حديث العسيف الذي رواه البخاري ومسلم، وفيه:"أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله، وقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه -: نعم، فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل: فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن علي ابني الرجم فافتدين منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأغدوا يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا فإذا اعترفت فارجمها، قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها الرسول فرجمت".
أخرجه البخاري في كتاب الحدود باب الاعتراف بالزنا وفي كتاب الصلح. ومسلم في كتاب الحدود برقم 1697، وأبو داود برقم 4445.
المنابر وعمل به الخلفاء الراشدون، ولم ينكره أحد فكان إجماعاً"، وبالنسبة1 لقوة الحديث، يقول الشوكاني في هذا الصدد: "إن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة عند الحنفية، فيما ورد من السنن زائداً على القرآن، فليس لهم معذرة عنها بذلك، وقد عملوا بما هو دونها بمراحل مع أنه زيادة على ما في القرآن، وأيضاً فليست هذه الزيادة مما يخرج بها المزيد عليه عن أن يكون مجزئاًَ حتى تتجه دعوى النسخ"2.
1 نيل الأوطار 7/100، وأثر القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء للدكتور مصطفى الخن ص:825.
2 المرجع السابق 7/89.
2 -
اشتراط الإيمان في كفارة الظهار:
1 -
ذهب الحنفية ومن وافقهم إلى أن الإيمان في كفارة الظهار ليس شرطاً وأن الرقبة الكافرة تجزئ1.
واستدلوا على ذلك فقالوا: إن المنصوص في آية الظهار هو اسم الرقبة وليس فيها ما ينبئ عن صفة الإيمان أو الكفر، فالتقييد بصفة الإيمان مثلاً: يكون زيادة على النص القرآني وهي لا تثبت بخبر الآحاد أو القياس.
2 -
وذهب الجمهور إلى اشتراط الإيمان، وقالوا: إن غير المؤمنة لا تجزئ لقوله - تعالى -: {وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} 2، ولا خبث أشد من الكفر، وبما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه:"أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم برقبة سوداء، وقال: علي رقبة أفتجزئ عني، فامتحنها الرسول بالإيمان فوجدها مؤمنة فقال له: أعتقها فإنها مؤمنة"؛ فامتحانه إياها بالإيمان دليل على أن الواجب لا يتأدي بغير المؤمنة؛ ولأن ذلك تحرير في تكفير، فلا يجزئ فيه غير المؤمنة كما في كفارة القتل الخطأ3.
1 المبسوط 7/2.
2 سورة البقرة آية: 267.
3 المرجع الأول الجزء والصفحة، وقد سبقت أدلة المسألة في باب حمل المطلق على المقيد.
3 -
قطع يد السارق من المفصل:
يطلق القطع على الإبانة، وعلى الجرح - أي شق العضو من غير إبانة له بالكلية - ولما كان الأصل في الإطلاق الحقيقة فيكون مشتركاً لفظياً بينهما. ولا قرينة ترجح أحدهما على الآخر فيكون مجملاً. والمجمل لا يُعمل به إلا بعد البيان، وقد بيّنت السنة الفعلية بأن القطع من مفصل الكوع، فكان ذلك تفصيلاً للمعنى الإجمالي للآية؛ إذ روي عن عمرو بن شعيب أنه قال:"أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسارق فقطع يده من مفصل الكف".1
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كانت السنة في القطع الكفين".2
فمن يرى أن الأمر بالقطع من الخاص الذي لا يحتمل البيان يشترط في السنة أن تكون متواترة أو مشهورة حتى تقوى على بيان قطعي الكتاب.
1 رواه الدارقطني في سننه - كتاب الحدود: 3/204 - 205 حديث (363) .
وفيه راوٍ ضعيف؛ ولكن له شواهد يرتقي بها إلى الحسن. انظر: التعليق المغني على الدارقطني للعظيم آبادي.
2 أخرجه الترمذي 1/272 حديث (145)، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
ومن لا يرى ذلك ويجوز بيان الكتاب بالسنة ولو كانت أحادية، يجوز عنده بيان قطعي الكتاب بظني السنة؛ لأنه لا يشترط في المبيِّن مساواته للمبيَّن.1
1 منزلة السنة من الكتاب ص:395 - 397.