الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث تعريف المقيد اصطلاحا
المطلق والمقيد متقابلان، ولما وجد لعلماء الأصول في تعريف المطلق اتجاهان كان من البداهة أن يوجد هذان الاتجهان في تعريف المقيد نظراً للتقابل الحاصل بين المطلق والمقيد.
1 -
فمن يرى من الأصوليين أن المطلق اللفظ الدال على شائع في جنسه1 يعرف المقيد: بأنه اللفظ الذي يدل لا على شائع في جنسه 2.
فيدخل في تعريف المقيد عند هذا الفريق المعارف وجميع العمومات لدلالتها على غير شائع في جنسها، ولكن إطلاق المقيد على ما يشمل المعارف والعمومات ليس بالاصطلاح الشائع، وإنما هو للتقابل بين المطلق والمقيد.
2 -
ومن يرى أن المطلق هو: اللفظ الدال على الماهية بلا قيد3.
يعرف المقيد: بأنه اللفظ الدال على الماهية مع قيد من قيودها 4.
1 الأحكام للآمدي 2/162، ومختصر ابن الحاجب مع حاشية السعد 2/155، وإرشاد الفحول ص:164.
2 الأحكام للآمدي 2/162، ومختصر ابن الحاجب مع حاشية السعد 2/155، وإرشاد الفحول ص:164.
3 المراجع السابقة، نفس الجزء والصفحة.
4 المراجع السابقة، نفس الجزء والصفحة.
أو هو اللفظ الدالة على مدلول المطلق مع صفة زائدة1: مثل: قولنا: رجل كريم؛ فإنه يدل على ماهية الرجل وهي: (الإنسان الذكر) مع قيد زائد عليها وهو (الكرم) ؛ لأنها لا تتضمنه في أصل الوضع.
والواقع أن المقيد على هذا التعريف ما هو إلا مطلق لحقه قيد فأخرجه عن الإطلاق إلى التقييد، وبناء على ذلك فالمطلق الذي له أوصاف، أو قيود كثيرة إذا وصف، أو قيد بواحد منها كان مقيداً بالنسبة إلى ذلك الوصف أو القيد، أما بالنسبة إلى ما عدا ذلك من الأوصاف فيبقى على إطلاقه، فمثلاً قولنا:(رقبة) مطلق، وقولنا:(رقبة مؤمنة) قُيّد فيه المطلق بقيد الإيمان، فهذا التقييد لا يمنع من بقاء المطلق على إطلاقه بالنسبة لأوصافه الأخرى ككونها عربية أو غير عربية، سليمة أو معيبة.
وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف المقيد:
بأنه: (اللفظ المطلق الذي اقترن به ما يقلل من شيوعه وانتشاره)2.
1 أصول البزدوي مع كشف الأسرار 2/286.
2 مسلم الثبوت 1/360، وأصول الفقه لبدران أبو العينين بدران ص: 351، وأصول الأحكام للشيخ منصور ص: 250، مطبعة كلية أصول الدين بالجمهورية العربية الليبية، (أو القواعد الأصولية لغير السادة الحنفية) .
شرح التعريف:
1 -
اللفظ المطلق: سبق شرحه.
2 -
الذي اقترن به ما يقلل من شيوعه: يقصد بالاقتران - هنا - ما هو أعم من التقييد اللفظي، فيشمل التقييد باللفظ وغيره كالتقييد بالنية والعادة مثلاً، فمثال التقييد باللفظ. قولنا:(رجل صالح)، ومثال التقييد بالنية قولك:(لله علي أن أحج)، وأردت هذا العام مثلاً: ومثال التقييد بالعادة قول السيد لعبده: اشتر لنا لحماً، ومن عادتهم شراء لحم الضأن؛ فإنه يتقيد بما هو متعارف بين السيد وعبده، وفي قولنا: ما يقلل من شيوعه: إشارة إلى أنه يكفي في تقييد المطلق خروجه من الشيوع بأي وجه كان، وليس شرطاً في التقييد أن لا يبقى للمطلق صفة الإطلاق أصلاً، بل قد يكون مطلقاً من وجه ومقيداً من وجه آخر.
والمراد بالشيوع: الشيوع البدلي كما سبق إيضاح ذلك، فقول الله تعالى:{فَكُّ رَقَبَةٍ} 1، مطلق يتناول الرقاب الموجودة في الدنيا - سواء أكانت مؤمنة أم كافرة - وللمكلف أن يعتق واحدة منها، وبذلك يخرج من عهدة التكليف.
1 سورة البلد آية: 13.
لكن في قوله - تعالى -: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} 1، قد جاء المطلق مقترناً بما يقلل من ذلك الشيوع؛ لأن المأمور به تحرير رقبة مؤمنة لا يجدي تحرير غيرها للخروج من عهدة التكليف، بينما كان المطلق قبل التقييد مجزئاً بإعتاق أي رقبة.
وهكذا نرى أن قيد الإيمان قد جاء مقللاً من شيوع المطلق وقاصراً له على بعض الأفراد التي كان يتناولها قبل التقييد، لكنه مع ذلاك بقيت الرقبة مطلقة بالنسبة لما عدا الإيمان من الأوصاف، ككونها عربية أو فارسية سليمة أو معيبة، إذ لم يتعرض التقييد في هذا النص لغير وصف الإيمان وبذلك يتحقق ما سبق أن الإطلاق والتقييد من الأمور النسبية فرب مطلق مقيد ورب مقيد مطلق2، ولا تناف في ذلك بعد ما تبين لنا المراد من المطلق والمقيد.
1 سورة النساء آية: 92.
2 تنقيح الفصول للقرافي ص: 266.