المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: في تعريف المقيدات المنفصلة وتقسيماتها - المطلق والمقيد

[حمد بن حمدي الصاعدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: في التعريف بالمطلق والمقيد ودلالتهما

- ‌الفصل الأول: التعريف بحقيقة المطلق والمقيد

- ‌المبحث الأول: في تعريف المطلق والمقيد في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف المطلق في الاصطلاح

- ‌المبحث الثالث تعريف المقيد اصطلاحا

- ‌الفصل الثاني: في دلالة المطلق والمقيد

- ‌المبحث الأول: في الفرق بين المطلق والنكرة

- ‌المبحث الثالث المعهود الذهني بين الإطلاق والتقييد

- ‌المبحث الرابع: عروض الإطلاق والتقييد للأفعال والأسماء الشخصية

- ‌المبحث الخامس في حكم المطلق والمقيد

- ‌الباب الثاني: في حمل المطلق على المقيد

- ‌الفصل الأول: في حكم حمل المطلق على المقيد

- ‌المبحث الأول: في المقصود بحمل المطلق على المقيد وبيان سبب الحمل

- ‌المبحث الثاني في شروط حمل المطلق على المقيد

- ‌المبحث الثالث: في أحوال المطلق والمقيد وحكم الحمل في كل منها

- ‌المطلب الأول: في محل الإتفاق

- ‌المطلب الثاني: في محل الاختلاف

- ‌المطلب الثالث: في حكم الحمل إذا تعدد القيد

- ‌الفصل الثاني: في تحرير محل النزاع في حمل المطلق على المقيد وأسبابه

- ‌المبحث الأول: في تحرير الصور المختلف فيها

- ‌المبحث الثاني: أسباب اختلاف العلماء في حمل المطلق على المقيد

- ‌المطلب الأول: اختلاف العلماء في دلالة مفهوم المخالفة

- ‌المطلب الثاني: في اختلاف العلماء في الزيادة على النص

- ‌الفصل الثالث: في أثر الخلاف في حمل المطلق على المقيد

- ‌المبحث الأول: في مسائل متعلقة بالصلاة والطهارة والطواف

- ‌المبحث الثاني في مسائل متعلقة بالحدود والكفارات:

- ‌المبحث الثالث: في مسائل متفرقة

- ‌الباب الثالث: في مقيدات المطلق

- ‌الفصل الأول: في تقسيم المقيدات وحكم المتصل منها

- ‌الفصل الثاني: في المقيدات المنفصلة

- ‌المبحث الأول: في تعريف المقيدات المنفصلة وتقسيماتها

- ‌المبحث الثاني: في المقيدات المنفصلة التي هي موضع خلاف

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الأول: في تعريف المقيدات المنفصلة وتقسيماتها

‌الفصل الثاني: في المقيدات المنفصلة

‌المبحث الأول: في تعريف المقيدات المنفصلة وتقسيماتها

المبحث الأول: في تعريف المقيدات المنفصلة وتقسيماتها:

1 -

تعريفها:

هي ما يستقل بنفسه عن لفظ المطلق بتمام الفائدة، وتنقسم باعتبار ورودها إلى قسمين:

الأول:

ما يقارن المطلق حين نزوله وهذا النوع اتفق العلماء على جواز تقييد المطلق به، إذا تساوى معه من حيث القطعية والظنية، كما اتفقوا على أن تقييد المطلق بهذا النوع:"المستقل المقارن" يكون بياناً لا نسخاً لما يلي:

1 -

أن المعية قرينة البيان.

2 -

أن من شرط الناسخ التأخر عن المنسوخ، وهذا النوع لم يتأخر عن المطلق.

وإنما قيدنا الاتفاق بتساوي الدليلين بناء على اشتراط المعارضة عند الحنفية بين المطلق والمقيد، وهي لا تحقق إلا بتساوي الدليلين، وقد سبق أن ذلك ليس شرطاً، لوجود التعارض بين النصوص الشرعية؛ وإنما هو شرط في بقاء المعارضة وعدم رفعها والتوفيق بين المتعارضين.

القسم الثاني:

ما يتأخر عن المطلق مدة يمكن نسخ الحكم فيها، وفي هذا النوع

ص: 471

جرى الخلاف بين الجمهور والحنفية.

1 -

حيث يرى الحنفية أن الدليل "المستقل" الذي يتأخر عن المطلق مدة يمكن النسخ فيها يكون ناسخاً لا مقيداً؛ لأنه لا معنى لتأخره عندهم إلا أن يكون ناسخاً، ولكنهم لا يحكمون بالنسخ حتى يتساوى مع المطلق في القوة.

2 -

ويرى جمهور الأصوليين أن تأخر الدليل لا يكفي للقول بالنسخ، ما لم يتأخر عن وقت العمل، كما أنهم لا يشترطون في التقييد المساواة بين المطلق والمقيد؛ لأن تقييد المطلق من قبيل البيان، والبيان لا يشترط فيه مساواة الدليلين على الراجح.

وبناء على اشتراط المساواة وعدم اشتراطها وشروط المخصص اختلفت المذاهب في عدد المقيدات المنفصلة، وحكم التقييد بها فذكر القرافي في تنقيح الفصول أن مخصصات العام عند مالك خمسة عشرة1،

1 هذه المقيدات الخمسة عشر، عند المالكية هي: 1 - العقل، 2 - الإجماع، 3 - الكتاب بالكتاب، 4 - وبالقياس الجلي، 5 - والخفى لو كان قرآنا أو سنة متواترة، 6 - والسنة المتواترة بمثلها، 7 - والكتاب بالسنة المتواترة، 8 - والكتاب بخبر الواحد، 9 - العادات، 10 - الشرط، 11 - الاستثناء، 12 - الصفة، 13 - الغاية، 14 - الحس، 15 - مفهوم المخالفة.

تنقيح الفصول ص: 202، ومالك لأبي زهرة ص:244.

ص: 472

وذكر الغزالي أن المخصصات عشرة1.

وعدها محب الدين بن عبد الشكور في مسلم الثبوت خمسة عشرة نوعاً2، إلا أنه ناقشها تبعاً لمذهب الحنفية فقبل بعضاً، ورد بعضاً.

وحيث إن كل ما يخصص به العام يقيد به المطلق إلا ما أخرجه الدليل تكون هذه المخصصات هي مقيدات للمطلق، وبالتالي يجري فيها

1 هذه العشرة هي: 1 - الحس، 2 - العقل، 3 - الإجماع، 4 - النص الخاص، 5 - المفهوم بالفحوى، 6 - فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، 7 - وتقريره، 8 - وعادة المخاطبين، 9 - ومذهب الصحابي، 10 - ومجيء العام على سبب خاص عند قوم وهو غير مرضي وقد ناقشه العزالي ورده ص:106.

2 الخمسة عشر التي ذكرها صاحب مسلم الثبوت هي:

العرف العملي عند الأحناف - ولا خلاف في العرف القولي عند الحنفية والشافعية - والكتاب بالكتاب - والسنة بالسنة - والسنة المتواترة بالكتاب - والكتاب بالسنة المتواترة - والكتاب بخير الواحد وكذا السنة المتواترة بخبر الواحد - وقدرد الحنفية هذين ما لم يخصص العام قبلهما بقطعي. والإجماع - ومفهوم الموافقة، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابي - ومفهوم المخالفة عند القائلين به - وإفراد فرد من العام بحكم العام إذا كان له مفهوم مخالف - ورجوع الضمير إلى بعض أفراد العام عند بعض، والقياس عند المالكية والشافعية والحنابلة مطلقاً، أما عند الحنفية فيشترط في التخصيص به أن يكون العام قد خص قبله بقطعي.

تنقيح الفصول ص: 202، مالك لأبي زهرة ص: 244، والمدخل إلى علم أصول الفقه لمعروف الدواليبي ص:223.

ص: 473

الخلاف الحاصل في باب التخصيص، لكنها في الجملة تنقسم إلى قسمين:

أ - مقيدات موضع اتفاق في الجملة.

ب - ومقيدات موضع خلاف.

وسيكون كلامنا عنها حسب الترتيب التالي:

ما كان منها موضع خلاف فسوف نبحثه بالتفصيل.

فالمبحث الأول: المقيدات التي هي موضع اتفاق في الجملة، وهي أربعة:

أولها: تقييد الكتاب بالكتاب، اتفق العلماء على جواز تقييد الكتاب بالكتاب، كل حسب شروطه1 التي اشترطها في المقيد، ومثال ذلك قوله - تعالى -:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} 2 مع قوله - تعالى -: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} 3.

حيث ورد الدم مطلقاً في الآية الأولى، ومقيداً بكونه مسفوحاً في الآية الثانية.

1 الأحكام للآمدي 2/10.

2 سورة المائدة آية: 3.

3 سورة الأنعام آية: 145.

ص: 474

وقد اتفق الفقهاء في جميع المذاهب على حمل المطلق على المقيد ههنا1، فلا يحرم إلا ما كان مسفوحاً، دون ما بقي في العروق واللحم من الدم الذي لا يمكن التحرز عنه.

ونسب إلى بعض الطوائف الخلاف في جواز تقييد الكتاب بالكتاب2، مستدلين على ذلك بقوله - تعالى -:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 3، حيث فوض سبحانه وتعالى بيان ما أنزل إلى رسوله، فيجب أن لا يحصل البيان إلا بقوله صلى الله عليه وسلم4.

ورد هذا الدليل من وجهين:

الأول: أن إضافة البيان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليس فيه ما يمنع من كونه مبيناً للكتاب بالكتاب، إذ الكل وارد على لسانه، فذكر الآية المقيدة بيان منه ويجب حمل وصفه بالبيان على أن البيان وارد على لسانه سواء كان الوارد على لسانه متلوا وهو الكتاب أو غير متلو وهو السنة، فالكل وحي من عند الله تعالى5.

1 أصول التشريع الإسلامي للأستاذ حسب الله ص: 182.

2 بعض الظاهرية الأحكام 2/318، وإرشاد الفحول ص:157.

3 سورة النحل آية: 44.

4 شرح تنقيح الفصول ص: 202، وشح الكوكب المنير ص: 205، وإرشاد الفحول ص:157.

5 المعتمد لأبي الحسين 1/274، والأحكام للآمدي 2/319، والأحكام لابن حزم 1/73.

ص: 475

الوجه الثاني:

أن هذا القول معارض بما هو أوضح منه دلالة على هذه المسألة، وهو قوله - تعالى -:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} 1، والقرآن شيء فيكون مبيناً لنفسه، وهذا هو المطلوب، وعليه فليس هناك تعارض بين هذه الآية، وآية:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 2.

2 -

تقييد الكتاب بالسنة المتواترة:

اتفق العلماء على جواز تقييد الكتاب بالسنة المتواترة3، لأن السنة المتواترة في منزلة الكتاب من حيث القوة وتقدم أن تقييد الكتاب بالكتاب جائز بالاتفاق مع إطراح قول المخالف لضعفه.

قال الآمدي في تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة: "لا أعرف فيه خلافاً" 4، وحكى ابن الحاجب الاتفاق على ذلك أيضاً5.

1 سورة النحل آية: 89.

2 مسلم الثبوت 1/345، والأحكام للآمدي 2/102، والمدخل إلى علم أصول الفقه لمعروف الدواليبي ص:224.

3 الأحكام للآمدي 2/102، والمدخل إلى علم أصول الفقه ص:224.

4 الأحكام للآمدي 2/102.

5 المختصر لابن الحاجب 2/149.

ص: 476

وقال الشوكاني: "يجوز تخصيص الكتاب بالسنة، المتواترة إجماعاً"1 والتقييد يجري مجرى التخصيص.

وفي حكم السنة المتواترة السنة المشهورة عند الحنفية، فيجوز تقييد مطلق الكتاب والسنة المتواترة بها عند الأحناف2، وتقدم ما يصلح مثالاً لذلك في كفارة اليمين حيث وردت مطلقة في قراءة الجمهور {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} ، ومقيدة بالتتابع في قراءة ابن مسعود:{فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتابِعات} ، هذا الكلام في السنة القولية، وأما الفعلية فسيأتي الكلام عليها.

3 -

تقييد السنة بالسنة المتواترة:

يجوز تقييد السنة بالسنة المتواترة حكاه الشوكاني إجماعاً3، لأن التقييد ما هو إلا بيان المراد بالمطلق، وما دامت النصوص في منزلة واحدة من الصحة والثبوت، فإن بعضها يصح أن يكون مبيناً للآخر، وحكي عن داود الظاهري4 وطائفة أن السنة لا تقيد

1 إرشاد الفحول ص: 157.

2 تيسير التحرير 3/13.

3 إرشاد الفحول ص: 158.

4 داود الظاهري هو: داود بن علي بن خلف الأصبهاني أبو سليمان ولد بالكوفة سنة 202هـ، ورحل إلى نيسابور في طلب العلم فأخذ عن إسحاق بن راهويه وأبي ثور وسليمان بن حرب كان أول أمره على مذهب الشافعي ثم أسس المذهب الظاهري القائم على الأخذ بظواهر نصوص الكتاب والسنة، ورفض التأويل والقياس والرأي، له عدم مؤلفات منها: كتاب إبطال القياس، وكتاب خبر الواحد، وكتاب الخصوص والعموم. توفي رحمه الله في بغداد سنة 270.

طبقات الأصوليين 1/159 - 161، والإعلام 3/8.

ص: 477

السنة1، لأن السنة إنما تكون مبينة لا محتاجة إلى البيان لقوله - تعالى -:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 2، وترد هذه الحجة بأن كون الرسول مبيناً للكتاب بالسنة لا يمنع من أن يبين سنته، فلا وجه للخلاف3.

4 -

تقييد السنة بالكتاب:

وذلك بأن يأتي لفظ مطلق في حديث، ويأتي مقيداً في آية من كتاب الله فهل يقيد الإطلاق الوارد في الحديث بالقيد الوارد في الآية الكريمة؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين:

1 -

ذهب أكثر العلماء إلى أن تقييد السنة بالكتاب جائز4 وسواء

1 شرح الكوكب المنير ص: 206، وإرشاد الفحول ص: 158، والمعتمد ص: 275، والأحكام للآمدي ص:321.

2 سورة النحل آية: 44.

3 المرجعين الآخرين.

4 الأحكام للآمدي 2/321، وإرشاد الفحول ص:157.

ص: 478

في ذلك السنة المتواترة وغيرها.

2 -

وذهبت طائفة إلى عدم جواز تقييد السنة بالكتاب، وهم بعض الشافعية وبعض المتكلمين1 ورواية لأحمد2.

وحجة هذه الطائفة ما تقدم في الآية السابقة من قوله - تعالى -: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} .

ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أضاف البيان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت السنة مبينة للقرآن، فلو جعل القرآن مبيناً لها لتنافى ذلك مع كونها مبينة، ولأن المبين تابع للمبين، فلو قيدنا السنة بالكتاب صار تابعاً لها3، ورد الجمهور على ذلك، بما تقدم من أن إضافة البيان إلى الرسول لا يلزم امتناع كونه مبيناً للسنة بما يرد على لسانه من القرآن؛ إذ تلاوته للآية المقيدة بيان منه، والقرآن والسنة كل منهما وحي من عند الله سبحانه كما قال - تعالى -:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} 4، غير أن الوحي منه ما يتلى فيسمى قرآناً، ومنه ما ليس كذلك فيسمى سنة.

1 إرشاد الفحول 157، حكاية عن ابن برهان.

2 روضة الناظر ص: 128، والمحصول للرازي - مخطوط، وإرشاد الفحول ص:157.

3 روضة الناظر ص: 128، والأحكام 2/321، وجمع الجوامع بحاشية العطار 2/62، وإرشاد الفحول ص:157.

4 سورة النجم آية: 3 - 4.

ص: 479

وبيان أحد الوحيين بالآخر غير ممتنع، ثم إن قولهم: هذا معارض بما وصف الله به كتابه في قوله - تعالى -: {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} ، والسنة شيء فتكون داخلة في هذا العموم، ويكون الكتاب مبيناً لها1.

قال الآمدي: "وما ذكروه من المعنى فغير صحيح؛ فإن القرآن لا بد أن يكون مبيناً لشيء ضرورة قوله - تعالى -: {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} ، وأي شيء قدر كون القرآن مبيناً له، فليس القرآن تابعاً له ولا ذلك الشيء متبوعاً، وأيضاً فإن الدليل القطعي قد يبين مراد الدليل الظني، وليس القرآن منحطاً عن رتبة الظن، فيكون القرآن مبيناً للسنة لتساويه معها في قوة الدلالة على أقل التقادير.

وعلى ذلك يكون القول بمنع بيان الكتاب للسنة غير واضح.

5 -

التقييد بالإجماع:

التقييد بالإجماع موضع اتفاق وسواء كان المقيد به كتاباً أو سنة، قال الآمدي في تخصيص الكتاب والسنة بالإجماع:"لا أعرف فيه خلافاً"2.

1 الأحكام للآمدي 2/321، وجمع الجوامع مع شرحه للمحلى وحاشية العطار 2/ 62، وإرشاد الفحول ص:157.

2 الأحكام للآمدي 2/327.

ص: 480

وحكى الشوكاني الإجماع على جواز التخصيص به1.

والتقييد له حكم التخصيص.

والحجة في ذلك أن الإجماع دليل قاطع، فإذا وردت آية مطلقة أو حديث، ورأينا أهل الإجماع قاضين بما يخالف النص المطلق في بعض صوره علمنا أنهم ما قضوا بذلك إلا وقد اطلعوا على دليل مقيد2، وإنما الخلاف جار بين العلماء في أن الإجماع هل هو مقيد أو معرف بوجود دليل التقييد؟

والتحقيق أن الإجماع ليس بمقيد بذاته، وإنما هو معرف بوجود دليل التقييد، ويمكن أن نمثل للتقييد بالإجماع بما لو انعقد إجماع على أنه لا يجزئ في الكفارات إلا عتق رقبة مؤمنة، فإن هذا الإجماع يكون مقيداً للإطلاق الوارد في قوله تعالى في كفارة الظهار:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 3.

1 إرشاد الفحول ص: 160.

2 مالك لأبي زهرة ص: 145، والمدخل إلى علم أصول الفقه لمعروف الدواليبي ص:225.

3 مسلم الثبوت 1/352، والمعتمد لأبي الحسين 1/276، الأحكام للآمدي 2/327، شرح الكوكب المنير للفتوحي ص: 207، إرشاد الفحول ص: 160، التمهيد لأبي الخطاب لوحة: 72، وشرح الطوفي لمختصر الروضة 1/238 مخطوط.

ص: 481