المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثالث والعشرون: السبئيون ‌ ‌مدخل … الفصل الثالث والعشرون: السبئيون لورود اسم سبأ في - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٣

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌الفصل السابع عشر: العرب واليونان

- ‌الفصل الثامن عشر: العرب والرومان

- ‌الفصل التاسع عشر: الدولة المعينية

- ‌مدخل

- ‌ملوك معين:

- ‌حكومات عدن:

- ‌مملكة كمنه:

- ‌حكومة معين:

- ‌نقود معينية:

- ‌الحياة الدينية:

- ‌مدن معين:

- ‌قوائم بأسماء حكام معين:

- ‌قائمة "البرايت

- ‌قائمة "ريكمنس

- ‌الفصل العشرون: مملكة حضر موت

- ‌مدخل

- ‌قبائل حضرمية:

- ‌مدن ومواقع حضرمية:

- ‌قائمة هومل:

- ‌قائمة "فلبي

- ‌قائمة "البرايت

- ‌الفصل الحادي والعشرون: حكومة قتبان

- ‌مدخل

- ‌حكام قتبان:

- ‌كتابات وحوادث قتبانية:

- ‌قبائل وأسر قتبانية:

- ‌مدن قتبان:

- ‌قوائم بأسماء حكام قتبان

- ‌مدخل

- ‌قائمة "كليمانت هوار

- ‌قائمة "فلبي

- ‌قائمة "ألبرايت

- ‌الفصل الثاني والعشرون: مملكتا ديدان ولحيان

- ‌الفصل الثالث والعشرون: السبئيون

- ‌مدخل

- ‌المكربون

- ‌مدخل

- ‌مدن سبأ:

- ‌قوائم بأسماء المكربين

- ‌مدخل

- ‌قائمة "هومل

- ‌قائمة "رودو كناكس

- ‌قائمة "فلبي

- ‌قائمة ريمكنس

- ‌الفصل الرابع والعشرون: ملوك سبأ

- ‌مدخل

- ‌قوائم بأسماء ملوك سبأ:

- ‌قائمة "هومل

- ‌قائمة "كليمان هوار

- ‌قائمة "فلبي

- ‌قائمة "ريكمنس

- ‌فهرس: الجزء الثالث:

الفصل: ‌ ‌الفصل الثالث والعشرون: السبئيون ‌ ‌مدخل … الفصل الثالث والعشرون: السبئيون لورود اسم سبأ في

‌الفصل الثالث والعشرون: السبئيون

‌مدخل

الفصل الثالث والعشرون: السبئيون

لورود اسم سبأ في القرآن الكريم فضل ولا شك في جميع أهل الأخبار ما بقي في أذهان المسنين عن سبأ والسبئيين، فقد اضطر المفسرون إلى التقاط ما كان ورد عنهم من قصص وحكايات. وما كان القرآن ليشير إلى سبأ، لو لم تكن لهم قصة عند الجاهليين1.

وسبأ عند الأخباريين اسم جد، أولد أولادًا نسلوا، وكانت من ذرياتهم شعوب، ووالده هو "يشجب بن يعرب بن قحطان"، ومن أولاده قبائل كثيرة انتشرت في كل مكان من جزيرة العرب، قبل الإسلام وبعده، وإليه نسب نسله السبئيون، وقد زعموا أن اسمه الحقيقي هو "عبد شمس"، وأما سبأ فلقب لقب به؛ لأنه أول من سبأ، أي سن السبي، من ملوك العرب وأدخل اليمن السبايا، وذكر بعضهم أنه بنى مدينة "سبأ" وسد مأرب وغزا الأقطار وبنى مدينة "عين شمس" بإقليم مصر، وولى عليها ابنه "بابلون""بابليون"، وقالوا أشياء أخرى من هذا القبيل2.

1 سورة النمل: الرقم 27 الآية22 سورة سبأ، الرقم 34 الآية 15.

2 المحبر "ص 364" الطبري "1/ 225" ورووا شعرًا على لسان علقمة بن ذي جدن في هذا المعنى:

ومنها الذي لم يسب قبل سبائه

سباء ومن دان الملوك مرارا

منتخبات "ص 47" تاج العروس "10 / 169"، ابن خلدون "2/47".

ص: 258

وليس في النصوص العربية الجنوبية شيء عن نسب سبأ وعن هويته، وليس فيها شيء عن اسمه أو عن لقبه المزعوم، وكل ما ورد فيها أن سبأ اسم شعب، كون له مملكة، وترك عددًا كبيرًا من الكتابات، وكان يتعبد لآلهة خاصة به، وله حكام حاربوا غيرهم، إلى غير ذلك من أمور سوف يأتي الكلام عليها نعم، نشرت في كتاب "REP EPIG صورة كتابة، ذكر أنها حفرت على نحاس، وهي في مجموعة p LAMARA جاء فيها، "عبد شمس، سبأ بن يشجب، يعرب بن قحطان"1.

ولم تنشر الصورة "الفوتوغرافية" لأصل الكتابة وإنما نشرت كتابتها بالأحرف اللاتينية والعبرانية، ولم يبد المتخصصون رأيًا في هذا اللوح وفي نوع كتابته وزمان الكتابة، لذلك لا أستطيع أن أبدي رأيًا فيها، ما لم أقف على ذلك اللوح.

وأما حظ سبأ في الموارد التأريخية، فإنه لا بأس به بالقياس إلى حظ الشعوب العربية الجاهلية الأخرى، فقد ورد ذكر السبئيين في التوراة وفي الكتب اليونانية واللاتينية وفي الكتابات الآشورية، ويظن أن كلمة A – Ba A- A = S الواردة في نص سومري يعود إلى Aradnannar "باتيسي""لجش" Lagash "تلو" معاصر آخر ملوك "أور"، أي من رجال النصف الثاني من الألف الثالثة قبل المسيح، تعني أرض سبأ2. ويرى "هومل" أن كلمة Sabum Sa- bu- um التي وردت عند ملوك "أور" في حوالي سنة "2500 ق. م." إنما تعني Seba الواردة في العهد العتيق3. وإذا صح أن Saba و Sabum سبأ والسبئيين، صارت هذه النصوص السومرية أقدم نصوص تأريخية تصل إلينا وفيها ذكر "سبأ"، ويكون السبئيون أول شعب عربي جنوبي يصل خبره إلينا، ونكون بذلك قد ارتقينا بسلالم تأريخها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد4.

وقد ذهب "مونتكومري" Montgomery إلى أن السبئيين المذكورين في

1 REP، EPIG. 4304، VHI، IX، P. 184

2 Ency.، Vol.، 4. P. 3، O'Leary، P. 87، Rawllnson، Cuneif

Inscr. W - Asia.، II، 53، 67، III، 10، No. 2، 38

3 Hommel، in: Hilprecht's Explorations in Bible Land، Philadelphia، 1903،

P. 739، Ency.، 4، P. 3، Arabien، S.، 24

4 Arablen، S.، 24

ص: 259

النصوص السومرية كانوا من سكان "العربية الصحراوية"، أي البادية، وهذه البادية هي مواطنهم الأصلية الأولى، ومنها ارتحلوا إلى اليمن، أما متى ارتحلوا عنها، فليس لدى هذا المستشرق علم بذلك، ويرى بعض الباحثين أن مجيء السبئيين إلى ديارهم التي عرفت باسمهم، إنما كان في ابتداء العصر الحديدي، أي في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وذلك بعد مئات من السنين، من هجرة المعينيين والقتبانيين إلى اليمن1.

ورأى بعض آخر احتمال هجرة السبئيين إلى اليمن في حوالي السنة "1200" قبل الميلاد، أما هجرة المعينيين، والقتبانيين وأهل حضرموت، فقد كانت في حوالي السنة "1500 ق. م.". وقد مارس السبئيون الزراعة والتجارة، فكانت قوافلهم التجارية تصل إلى بلاد الشأم، وذلك في حوالي السنة "922 ق. م." على ما يستنبط من التوراة2.

وذهب "هومل" إلى أن السبئيين هم من أهل العربية الشمالية في الأصل، غير أنهم تركوا مواطنهم هذه، وارتحلوا في القرن الثامن، قبل الميلاد إلى جنوب جزيرة العرب، حيث استقروا في منطقة "صرواح" و"مأرب" وفي الأماكن السبئية الأخرى، كانوا يقيمون على رأيه في المواضع التي عرفت بـ "أريبي""عريبي""أريبو" في الكتابات الآشورية وبـ "يارب"jareb = jarb في التوراة 3.

ومن "يرب""يارب" على رأيه "جاء اسم "مأرب" عاصمة "سبأ"4. ويؤيد رأيه بما جاء في النص: Glaser 1155 الذي سبق أن تحدثت عنه من تعرض السبئيين لقافلة معينية في موضع يقع بين "معان" و "رجمت" الواقع على مقربة من "نجران"5، وعنده أن هذا النص يشير إلى أن السبئيين كانوا يقيمون في أيام ازدهار حكومة معين في أرضين شمالية بالنسبة إلى اليمن، ثم

1 Arabien، S.، 24، Burton، Royal Inscriptions of Sumer and Akkad، 1929، P. 115، Montgomery، P. 50، Otto Etsfeiat — Festschrift، Wiesbaden،

1959، S.، 153

2 الملوك الأول، الإصحاح التاسع، الآية 11،Arabien، S.، 24

3 Hommel. Geographle und Geschichte des Alten Orients، I،

S.، 142، Aufsatz und Abhande، S.، 230، 281، 302، 313

4 المصدر نفسه

5 Glaser 1155 = Halevy 535

ص: 260

انتقلوا إلى اليمن. ويرى في اختلاف لهجتهم عن لهجة بقية شعوب العربية الجنوبية دليلًا، آخر على أن السبئيين كانوا في الأصل سكان المواطن الشمالية من جزيرة العرب، ثم هاجروا إلى الجنوب1.

وقد ذكر العهد العتيق "شبا""سبا" تارة في الحاميين، وذكرهم تارة أخرى في الساميين، ففي الآية السابعة من الإصحاح العاشر من التكوين، وفي الآية التاسعة من الإصحاح الأول من أخبار الأيام الأول: أن "شبا" من "كوش بن حام" فهم من الكوشيين، أي من الحاميين، على حين أننا نرى في الآية الثامنة والعشرين من الإصحاح العاشر من التكوين أنهم من الساميين، وبين الحاميين والساميين، فرق كبير كما هو معلوم، ثم إننا نرى أن التوراة قد جعلت "شبا" من ولد "يقطان" في موضع2. وجعلته من ولد "يقشان" في موضع آخر3. ويقطان هو ولد من ولد "عابر" Eber أما "يقشان" فهو ولد من أولاد "إبراهيم" من زوجه "قطورة"4. وفرق بين الاثنين.

ويرى علماء التوراة أن ذكر "شبا" و "سبا" تارة في الكوشيين، أي الحاميين، وتارة أخرى في اليقطانيين، أو في "اليقشانيين"، هو تعبير وكناية عن انتشار السبئيين، ونزوح قسم منهم إلى السواحل الإفريقية المقابلة، حيث سكنوا فيها، وكونوا مستوطنات بها في "الأريتريا" وفي الحبشة وفي أماكن أخرى. ولهذا ميزتهم التوراة عن بقية السبئيين المقيمين في العربية الجنوبية بجعلهم من أبناء "كوش"، وميزت السبئيين المختلطين بقبائل "يقشان" برجع نسبهم إلى "يقشان"، وبذلك صار السبئيون ثلاث فرق بحسب رواية التوراة، لانتشارهم وإقامة جماعات منهم في مواضع غريبة عن مواضعهم، وذلك قبل الميلاد بالطبع بمئات من السنين5.

وقد وصفت أرض "شبا" في التوراة بأنها كانت تصدر "اللبان"6، وكانت

1 Hommel Geogr I s 143

2 التكوين: الإصحاح العاشر الآية 28

3 التكوين: الإصحاح الخامس والعشرون، الآية 3

4 التكوين: الإصحاح الخامس والعشرون، الآية 2

5 Hastings p 490 862 Encyci Bncl P 2564

6 ارميا: الإصحاح السادس الآية 20.

ص: 261

ذات تجارة، وأن تجارها كانوا يتاجرون مع العبرانيين:"تجار شبا ورعمة هم تجارك، بأفخر أنواع الطيب، وبكل حجر كريم والذهب أقاموا أسواقك، حران وكنة وعدن تجار شبا وأشور وكلمد تجارك"1. واشتهرت قوافلها التجارية التي كانت ترد محملة بالأشياء النفيسة2، وعرفت بثروتها وبوجود الذهب فيها3.

وقد قيل لذهبها "ذهب شبا"4. ويتبين من المواضع التي ورد فيها ذكر السبئيين في التوراة أن معارف العبرانيين عنهم قد حصلوا عليها من اتصالهم التجاري بهم، وهي محصورة في هذه الناحية فقط، فلا نجد في التوراة عن السبئيين غير هذه الأمور.

وقصة زيارة "ملكة سبأ" لسلمان، المدونة في التوراة، هي تعبير عن علم العبرانيين بالسبئيين، وعن الصلات التجارية التي كانت بينهم وبين شعب سبأ. ولم تذكر التوراة اسم هذه الملكة، ولا اسم العاصمة أو الأرض التي كانت تقيم بها5. وقد ذهب بعض نقدة التوراة إلى أن هذه القصة هي أسطورة دونها كتبة التوراة، الغرض منها بيان عظمة ثروة سليمان وحكمته وملكه6. ورأى آخرون أن هذه الملكة لم تكن ملكة على مملكة سبأ الشهيرة التي هي في اليمن، وإنما كانت ملكة على مملكة عربية صغيرة في أعالي جزيرة العرب، كان سكانها من السبئيين القاطنين في الشمال. ويستدلون على ذلك بعثور المنقبين على أسماء ملكات عربيات، وعلى اسم ملك عربي، هو "يثع أمر" السبئي في النصوص الآشورية، في حين أن العلماء لم يعثروا حتى الآن على اسم ملكة في الكتابات العربية الجنوبية، ثم صعوبة تصور زيادة ملكة عربية من الجنوب إلى سليمان وتعجبها من بلاطه وحاشيتة وعظمة ملكه، مع أن بلاط "أورشليم" يجب ألا يكون شيئًا بالقياس إلى بلاط ملوك سبأ، ولهذا لا يمكن أن تكون هذه المملكة في نظر هذه الجماعة

1 حزقيال: الإصحاح السابع والعشرون، الآية 22 وما بعدها، الإصحاح الثامن والثلاثون الآية 13.

2 أيوب: الإصحاح السادس، الآية 19.

3 Hastings p 842

4 المزامير: المزمور الثاني والسبعون الآية "15".

5 "فأتت إلى أورشليم بموكب عظيم جدًّا بجمال حاملة أطيابًا وذهبًا كثيرًا جدا وحجارة كريمة" الملوك الإصحاح العاشر، الآية 2.

6 Hastings p 843

ص: 262

من علماء التوراة، إلا ملكة مملكة عربية صغيرة لم تكن بعيدة عن عاصمة ملك سليمان، قد تكون في جبل شمر أو في نجد أو في نجد أو الحجاز1.

وذهب بعض العلماء أيضًا إلى أن الغرض من هذه الزيارة لم يكن مجرد البحث عن الحكمة وامتحان سليمان، وإنما كان لسبب آخر على جانب كبير من الأهمية بالقياس إلى الطرفين، هو توثيق العلاقات التجارية وتسهيل التعامل التجاري بينهما2.

وقد ذهب المؤرخ اليهودي "يوسفوس" إلى أن هذه الملكة كانت ملكة "أثيوبية" الحبشة ومصر. زاعمًا أن Saba اسم عاصمة الأحباش3، وأن اسم هذه الملكة: 4Naukalis.

ونجد زعم "يوسفوس" هذا شائعًا فاشيًا بين أهل الحبشة، فهم يذهبون حتى اليوم إلى أن أسرتهم المالكة هي من سلالة سليمان وزوجه ملكة "شبا" ويدعونها "ماقدة" 5Makeba. ولا أظن أن "يوسفوس" قد اخترع نفسه تلك القصة، بل لا بد أن يكون قد أخذها من أفواه قومه العبرانيين.

وقد وصف هذا المؤرخ زيارتها لقصر سليمان في "أورشليم"، وذكر أنها عادت إلى مملكتها بعد أن استمعت إلى حكم هذا الملك النبي6. وهو يردد بذلك صدى ما جاء في التوراة من أن زيارة تلك الملكة إنما كانت لالتماس الحكمة منه.

ومهما قيل في أصل هذه القصة، وفي خبر المؤرخ "يوسفوس" عن الملكة، فإننا نستطيع أن نقول أنها ترجمة وتعبير عن الصلات التأريخية القديمة الاقتصادية والسياسية التي كانت بين سبأ والحبشة، وعن أثر السبئيين في الأحباش من جهة وبين هذا الفرق والعبرانيين من جهة أخرى، رمز إليها بهذه القصة التي قد تكون

1 Montgomery، P. 181، Dhorme، Revue Biblique، P. 105، Glaser، Sktzze،

II، S.، 387، Dussaud، Les Arabes en Syrie، P. 10، Hastings، P. 843

2 Hastings، P. 843. Kittel، Die Biicher der Kbnige، S.، 89

3 Encycl.، Vol.، I، P. 720

4 Ency.، Vol.، I، P. 720

5 ويدعى الأحباش أن "منليك" وهو جد الأسرة المالكة، هو ابن سليمان من زوجه "ماقدة" ملكة "شبا"،

Encycl.، Vol. I، P. 720، J. B. Coneibeaux، Histoire de L'Abyssinie،

I، P. 108

6 Josephus، Jewish Antiquities، Vol.، V.، P. 661

ص: 263

زيارة فعلية حقًّا، أدهشت العبرانيين، أدهشتهم من ناحية ما شاهدوه من ثراء الملكة، وثروتها، حتى أدخلوها في التوراة للإشادة بعظمة سليمان وما بلغه من مكانة وثراء وسلطان.

لقد أدهشت هذه الملكة السبئية "سليمان" حين جاءت مع قافلة كبيرة من الجمال تحمل هدايا وألطافًا من أثمن المواد الثمينة بالقياس إلى ذلك العهد، وإذا كانت هذه الزيارة قد تمت من العربية الجنوبية حقًّا، فلا بد أنها تكون قد قطعت مسافة طويلة حتى بلغت مقر "سليمان" في حوالي السنة "950 ق. م."1.

وإذا أخذنا بحديث التوراة عن تجار "شبا""سبأ" وعن قوافل السبئيين التي كانت تأتي بالذهب وباللبان وبأفخر أنواع الطيب إلى فلسطين، وذلك في أيام "سليمان" وقبل أيامه أيضًا، وجب رجع زمان هذه القوافل إذن إلى الألف الثانية قبل الميلاد، وذلك؛ لأن زيارة الملكة: ملكة سبأ لسليمان، كانت في حوالي السنة "950 ق. م."2. ومعنى هذا أن السبئيين كانوا إذ ذاك من الشعوب العربية الجنوبية النشيطة في ذلك العهد، وقد كانوا أصحاب تجارة وقوافل وأموال لا يبالون ببعد الشقة وطول المسافة، فوصلوا بتجارتهم في ذلك الزمان إلى بلاد الشأم.

وقد قص القرآن الكريم قصة زيارة ملكة "سبأ" لسليمان دون أن يذكر اسم الملكة3. غير أن المفسرين والمؤرخين وأهل الأخبار ذكروا أنها "بلقيس" وأنها من بنات التبابعة4، وقد صيرها بعضهم "بلقيس بنت ايليشرح"5، أو "بلقمة ابنة اليشرح"، أو "بلقيس بنت ذي شرح بن ذي جدن بن ايلي شرح بن الحارث بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان"6، وهي "بلقيس ابنة الهدهاد بن شرحبيل"7 إلى غير ذلك من أقوال 8 وأرى أن

1 Discoveries، P. 35، Hastings، P. 868

2 Discoveries، P. 35

3 سورة النمل: رقم 27 الآية 21 وما بعدها.

4 Encycl.، vol.، ll، p. 720

5 الطبري: "1/ 576" وما بعدها، 638، 908".

6 الطبري "1/ 254""طبعة المطبعة الحسينية".

7 اليعقوبي "1/ 158""طبعة النجف".

8 كتاب النيجان "ص 151" ومروج الذهب "2/ 4".

ص: 264

الذين جعلوا اسم والدها الهدهاد، إنما أخذوا ذلك من "الهدهد" الطير الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، والذي نقل نبأ ملكة سبأ إلى سليمان1. وقد كان الهدهاد على زعمهم في عداد ملوك اليمن، وجعلوا سليمان ملكًا على اليمن كذلك، جعلوا ملكه على اليمن ثلاثمائة وعشرين سنة، وجعلوا ملك "بلقيس" وحدها مائة وعشرين سنة2. إلى ذلك من أقوال.

وقد صير "ابن دريد" اسم بلقيس "يلقمه" وأوجد تعليلًا لهذه التسمية فقال: إنها من "اليلمق"، واليلمق القباء المحشو، ويقال إنه فارسي معرب3.

وذكر بعض أهل الأخبار أن "بلقيس" لم تكن متزوجة حين قدمت على سليمان، فقال لها "سليمان": لا تصلح امرأة بلا زوج، فزوجها من "سدد بن زرعة"4. وهكذا صيروا أمر ملكة سبأ كله بيد سليمان، حتى أمر اختيار زوج لها.

ويرى بعض الباحثين أن ما جاء في التوراة عن السبئيين، لا يعتمد على موراد أصلية ومنابع موثوقة، بل أخذ من موارد ثانوية، ولهذا فإن في الذي جاء فيها عنهم يحملنا على اعتباره مادة كدرة، ليس فيها صفاء5.

وقد ذكر السبئيون في المؤلفات اليونانية واللاتينية، وأقدم من ذكرهم من اليونان "ثيوفراستس"6. والمعلومات التي أوردها وعن جزيرة العرب وإن كانت ساذجة ذات طابع خرافي في بعض الأحيان، إلا أن بعضًا منها صحيح، وقد أخذ من أقوال التجار، ولا سيما تجار الإسكندرية، الذين كانوا يستقبلون السلع من العربية الجنوبية وإفريقيا، ومن قصص النوتيين الذين كانوا يسلكون البحر الأحمر، ويصلون إلى العربية الجنوبية وسواحل إفريقيا والهند للاتجار، وهي قصص سطحية تميل إلى المبالغات، غير أن هذه المعلومات، على الرغم من هذة النقائص وأمثالها مما تتصف به، هي ذات فائدة كبيرة لمن يريد الوقوف على

1 سورة النمل، رقم 27، الآية 20.

2 اليعقوبي "1/ 158".

3 الاشتقاق "2/ 311".

4 الاشتقاق "2/ 311".

5 The Bibie and Ancient Near East P.300

6 Encyl voi lv p 5

ص: 265

حالة جزيرة العرب في ذلك العهد، وقد تحسنت الأخبار اليونانية واللاتينية منذ الميلاد فما بعد تحسنًا عظيمًا، ومرد ذلك إلى الاتصال المباشر الذي تم منذ ذلك العهد وما بعده بين اليونان واللاتين والعرب، وإلى الأطماع السياسية التي أظهروها تجاه جزيرة العرب، تلك الأطماع التي جعلتهم يسلكون مختلف الطرق للحصول على معلومات عن بلاد العرب، وحالة سكانها، ومواطن الضعف التي لديهم للولوج منها في بلادهم، ولتحقيق مطامع استعمارية رمت ابتلاع جزيرة العرب. ولذلك اعتبروا ما يحصلون عليه من أخبار عن هذه البلاد من أسرار الدولة التي لا يجوز إفشاؤها ولا عرضه للناس، وهي قد جمعت أضابير وخزنت في الإسكندرية لم يسمح إلا لبعض الخاصة من العلماء الثقات الاستفادة منها.

ويعود غالب علمنا بأحوال السبئيين إلى الكتابات السبئية التي عثر عليها في مواضع متعددة من العربية الجنوبية، ولا سيما في الجوف مقر السبئيين، وهي أكثر عددًا من الكتابات المعينية والقتبانية والحضرمية وغيرها، وهي تشاركها في قلة عدد المؤرخ منها. وقد أرخ قسم من النصوص المؤرخة بأيام حكم سبأ أو بأيام أصحاب الجاه والنفوذ ولذلك صعب على الباحثين تثبيت تواريخها حسب التقاويم الحالية المستعملة عندنا، لعدم علمهم بأيام حكمهم، وبشخصياتهم، وصار تقديرهم لها تقديرًا غير مؤكد ولا مضبوط، بتقويم حمير الذي يبدأ، عادة بحوالي السنة "115" قبل الميلاد، أو السنة "109" قبل الميلاد، على بعض الآراء، فإن من السهل علينا تثبيت زمنها بالنسبة لسني الميلاد، وذلك بطرح الرقم "115" أو "109" من التقويم الحميري، فيكون الناتج من السنين التأريخ حسب التقويم الميلادي بصورة تقريبية.

ومبدأ تقويم حمير هو السنة التي تلقب بها ملوك سبأ بلقب جديد، هو لقب "ملك سبأ وذو ريدان" وهو لقب يشير إلى حدوث تطور خطير، في حكم ملوك سبأ، إذ يعني أن ملوك سبأ أضافوا إلى ملك سبأ ملكًا جديدًا، هو أرض "ذو ريدان" أرض الريدانيين، وهو الحميريين، فتوسع بذلك ملكهم، وزاد عدد نفوسهم، فأرخوا بسنة التوسع هذه، واعتبروها مبدأ لتقويم، والعلماء الباحثون في تأريخ سبأ، هم الذين استنبطوا أن هذا المبدأ هو من حوالي السنة "115" أو "109" قبل الميلاد.

ويلاحظ أن السبئيين لم يهملوا بعد أخذهم بمبدأ التقويم الحميري التوريخ

ص: 266

بالطريقة القديمة المألوفة وأعني بها التأريخ بالأشخاص وبالحوادث الجسام بالنسبة لأيامهم، حتى الملوك أرخوا بعض كتاباتهم على وفق هذه الطريقة، وأرخوا البعض الآخر وفقًا للتقويم الحميري الجديد. مما يدل على أنهم لم يتمكنوا من إهمال الطريقة القديمة لشيوعها بين الناس، ولدينا أسماء عدد من الأسر والأشخاص أرخت بهما الكتابات السبئية المؤرخة، مثل:"آل حزفر""حزفرم" و"آل يهسحم""يهسحم" و "سالم بن يهنعم" و"آل خليل" وغيرهم1.آوهي تواريخ محلية، لذلك تنوعت وتعددت، ويؤيد ذلك أنا نجد الملك يؤرخ بجملة أشخاص. ولما كان من الصعب الاستمرار بالتأريخ على وفق هذه الطريقة، إذ الحوادث الجديدة تطمس ذكر الحوادث القديمة، كانت التواريخ تتبدل بهذا التبدل، فينسى الناس القديم ويؤرخون بالجديد، وهكذا، وقد حرمنا هذا التغير الفائدة المرجوة من تأريخ الحوادث.

وقد تبين من الكتابات السبئية أن لقب حكام سبأ، لم يكن لقبًا ثابتًا مسقرًّا بل تبدل مرارًا، وأن كل تبدل هو لتبدل الحكم في سبأ ودخوله في عهد يختلف عنوانه عن العهد القديم، ولذلك صار الحكم أدوارًا، واضطر المؤرخون المحدثون إلى التأريخ بموجبها، فدور أول، وهو أقدم أدوار الحكم لقب حكامه فيه:"مكرب سبأ"، ثم دور تال له صار اللقب فيه:"ملك سبأ"، ثم دور آخر تغير فيه عنوان الملك فصار:"ملك سبأ وذو ريدان" وقد وقع في حوالي السنة "115" أو "109" قبل الميلاد. جاء بعده دور جديد صار اللقب الرسمي فيه على هذا النحو: "ملك سبأ وذو ريدان وحضوموت واليمن وأعرابها في المرتفعات وفي التهائم"، وهو آخر دور من أدوار الحكم في سبأ وخاتمة الأدوار.

وبفضل الكتابات السبئية حصلنا على شيء من العلم بأصول الحكم في سبأ وبما سأكتبه وبما كتبه غيري عنهم، وبفضل البقية الباقية من آثار خرائب مدنهم وقراهم ومستوطناتهم استطعنا تكوين إلمامة عن فنهم وعن العمران عنهم، وعن نظم الري والزراعة لديهم وغير ذلك مما سأتحدث عنه، ولولا تلك الكتابات ولولا هذه البقية من الآثار لما صار في إمكاننا الكلام عنهم إلا بإيجاز مخل وكلنا أمل

1 Sab. Inschr.، S.، 3

ص: 267