المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الرابع والعشرون: ملوك سبأ ‌ ‌مدخل … الفصل الرابع والعشرون: ملوك سبأ وبتلقب "كرب - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٣

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌الفصل السابع عشر: العرب واليونان

- ‌الفصل الثامن عشر: العرب والرومان

- ‌الفصل التاسع عشر: الدولة المعينية

- ‌مدخل

- ‌ملوك معين:

- ‌حكومات عدن:

- ‌مملكة كمنه:

- ‌حكومة معين:

- ‌نقود معينية:

- ‌الحياة الدينية:

- ‌مدن معين:

- ‌قوائم بأسماء حكام معين:

- ‌قائمة "البرايت

- ‌قائمة "ريكمنس

- ‌الفصل العشرون: مملكة حضر موت

- ‌مدخل

- ‌قبائل حضرمية:

- ‌مدن ومواقع حضرمية:

- ‌قائمة هومل:

- ‌قائمة "فلبي

- ‌قائمة "البرايت

- ‌الفصل الحادي والعشرون: حكومة قتبان

- ‌مدخل

- ‌حكام قتبان:

- ‌كتابات وحوادث قتبانية:

- ‌قبائل وأسر قتبانية:

- ‌مدن قتبان:

- ‌قوائم بأسماء حكام قتبان

- ‌مدخل

- ‌قائمة "كليمانت هوار

- ‌قائمة "فلبي

- ‌قائمة "ألبرايت

- ‌الفصل الثاني والعشرون: مملكتا ديدان ولحيان

- ‌الفصل الثالث والعشرون: السبئيون

- ‌مدخل

- ‌المكربون

- ‌مدخل

- ‌مدن سبأ:

- ‌قوائم بأسماء المكربين

- ‌مدخل

- ‌قائمة "هومل

- ‌قائمة "رودو كناكس

- ‌قائمة "فلبي

- ‌قائمة ريمكنس

- ‌الفصل الرابع والعشرون: ملوك سبأ

- ‌مدخل

- ‌قوائم بأسماء ملوك سبأ:

- ‌قائمة "هومل

- ‌قائمة "كليمان هوار

- ‌قائمة "فلبي

- ‌قائمة "ريكمنس

- ‌فهرس: الجزء الثالث:

الفصل: ‌ ‌الفصل الرابع والعشرون: ملوك سبأ ‌ ‌مدخل … الفصل الرابع والعشرون: ملوك سبأ وبتلقب "كرب

‌الفصل الرابع والعشرون: ملوك سبأ

‌مدخل

الفصل الرابع والعشرون: ملوك سبأ

وبتلقب "كرب ايل وتر" بلقب ملك، وباستمرار ما جاء بعده من الحكام على التلقب به، ندخل في عهد جديد من الحكم في سبأ، سماه علماء العربيات الجنوبية عهد "ملوك سبأ"، تمييزًا له عن العقد السابق الذي هو في نظرهم العهد الأول من عهود الحكم في سبأ، وهو عهد المكربين، وتمييزًا له عن العهد التالي له الذي سمي عهد "ملوك سبأ وذي ريدان".

ويبدأ عهد "ملوك سبأ" بسنة "650 ق. م." على تقدير "هومل" ومن شايعه عليه من الباحثين في العربيات الجنوبية1. ويمتد إلى سنة "115ق. م." على رأي غالبية علماء العربيات الجنوبية2، أو سنة "109 ق. م." على رأي "ركمنس" الذي توصل إليه من عهد غير بعيد، وعندئذ يبدأ عهد جديد في تأريخ سبأ، هو عهد "ملوك سبأ وذي ريدان".

أما "ألبرايت"، فيرى أن حكم هذا المكرب الملك في حوالي السنة "450ق. م."، أي بعد قرنين من تقدير "هومل"3. وبناء على ذلك يكون عهد الملوك –على رأيه- قد بدأ منذ هذا العهد4.

1 Handbucb، I، 8.، 86

2 Handbuch، I، S-، 86

3 Discoveries، P. 222، BOASO0K، NUM. 137، 1955، P. 38، JAOS، 73، 1953، P. 40

4 W. F. Albright، in Journal of the American Oriental Society، 73، I، 1953، P.40

ص: 315

وقد قدر بعض الباحثين زمان حكم المكرب والملك "كرب ايل وتر" في القرن الخامس قبل الميلاد1، وقد كان يعاصره في رأي "ألبرايت""وروايل" ملك أو مكرب قتبان، الذي حكم بحسب رأيه أيضًا في حوالي سنة "450ق. م."، وكان خاضعًا لـ"كرب ايل وتر"2، و "يدع ايل" ملك حضرموت3.

ويمتاز هذا العهد عن العهد السابق له، وأعني به عهد حكومة المكربين، بانتقال الحكومة فيه من "صرواح" العاصمة الأولى القديمة، إلى "مأرب" العاصمة الجديدة، حيث استقر الملوك فيها متخذين القصر الشهير الذي صار رمز "سبأ"، وهو قصر "سلحن""سلحين" مقامًا ومستقرًّا لهم، منه تصدر أوامرهم إلى أجزاء المملكة في إدارة الأمور.

و"كرب آل وتر""كرب ايل وتر"، وهو أول ملك من ملوك سبأ افتتح هذا العهد، لقد تحدثت عنه في الفصل السابق، حديثًا أعتقد أنه واف، ولم يبق لدي شيء جديد أقوله عنه. وليس لي هنا أن أنتقل إلى الحديث عن الملك الثاني الذي حكم بعده، ثم عن بقية من جاء بعده من ملوك.

أما الملك الثاني الذي وضعه علماء العربيات على رأس قائمة "ملوك سبأ" بعد "كرب ايل وتر"، فهو الملك "سمه علي ذرح"4، وقد ذهب "فلبي" إلى احتمال أن يكون ابن الملك "كرب ايل وتر". وقد كان حكمه على حسب تقديره في حوالي السنة "600ق. م."5.

وقد وقفنا من النص الموسوم بـCIH 374 على اسمي ولدين من أولاد "سمه علي ذرح"، هما "الشرح""اليشرح"، و"كرب ايل". وقد ورد فيه: أن "الشرح" أقام جدار معبد "المقه" من موضع الكتابة إلى أعلاها، ورمم أبراج هذا المعبد، وحفر الخنادق، ووفى بجميع نذره الذي نذره لإلهه "المقه" على الوفاء به أن أجاب دعاءه، وقد استجاب إلهه لسؤاله، فيسر أمره وأعطاه كل ما أراد، فشكرًا له على آلائه ونعمائه، وشكرًا لبقية آلهة سبأ،

1 Beltrage، S.، 9

2 The Chronology، P. 8

3 The Chronology، P. 10

4 Handbuch، I، S.، 86، Le Mus6on، LXII، 3-4، 1949، P. 249

5 Background، P. 142

ص: 316

وهي: "عثتر"، و"هبس""هوبس" و"ذات حمم""ذات حميم" و"ذت بعدن""ذات بعدان"، وتمجيدًا لاسم والده "سمه علي ذرح" أن أمر بتدوين هذه الكتابة ليطلع عليها الناس1. وقد سجل فيها مع اسم شقيقه "كرب آل" "كرب ايل".

أما "كرب ال""كرب ايل" أحد أولاد "سمه علي ذرح" فلا نعرف شيئًا من أمره، وقد صيره "هومل" خليفة والده، وجاراه "فلبي" في ذلك، وقدر زمان حكمه بحوالي السنة "580 ق. م."2.

ووضع "هومل" اسم "الشرح""اليشرح"، وهو ولد من أولاد "سمه علي ذرح" بعد اسم شقيقه "كرب ايل وتر"3. وجاراه "فلبي" في هذا الترتيب4، ولا نعلم شيئًا عنه يستحق الذكر.

وانتقل عرش سبأ إلى ملك آخر، هو "يدع آل بين""يدع ايل بين" وهو ابن "كرب آل وتر""كرب ايل وتر". وقد ورد اسمه في النص الموسوم بـ "Glaser 105" ودونه رجل اسمه "تيم". وقد حمد فيه الإله "المقه" بعل "أوم""أوام"؛ لأنه ساعده وأجاب طلبه، وتيمن بهذه المناسبة بتدوين اسم الملك، كما ذكر فيه اسم "فيشن" أي "فيشان"، وهي الأسرة السبئية الحاكمة التي منها المكربون وهؤلاء الملوك، كما ذكر اسم "بكيل شبام"5.

وقد ورد في الكتابة المذكورة اسم حصن "الو"، وهو حصن ذكر في كتابات أخرى، ويرى بعض الباحثين أن هذه الكتابات هي من ابتداء القرن الرابع قبل الميلاد، أي أن حكم "يدع آل بين"، كان في هذا العهد6.

والنص Glaser 529 من النصوص التي تعود إلى أيام "يدع آل بين"

1 Glaser 485، Fresnel 55، CIH 374، IV، II، I، P. 23، Discoveries، P. 222، Jamme 551

2 Background، P. 142

3 Handbuch، I، S-، 87

4 Background، P. 142

5 CIH 126، IV، I، m، P. 194

6 BeitrSge، 8.، 19

ص: 317

"يدع ايل بين" كذلك. وقد ورد فيه اسم عشيرته: "فيشن""فيشان"1.

وانتقل عرش سبأ إلى "يكرب ملك وتر" من بعد "يدع آل بين" على رأي "هومل"، وهو ابنه. وقد ذكر اسمه في الكتابة الموسومة بـ2Halevy 51، وهي عبارة عن تأييد هذا الملك لقانون كان في صدر في أيام حكم أبيه لشعب سبأ ولقبيلة "يهبلح" في كيفية استغلال الأرض واستثمارها في مقابل ضرائب معينة تدفع إلى الدولة، وفي الواجبات المترتبة على سبأ وعلى "يهبلح" في موضوع الخدمات العسكرية، وتقديم الجنود لخدمة الدولة في السلم وفي الحرب، وقد وردت في هذا النص أسماء قبائل أخرى لها علاقة بالقانون، منها قبيلة "أربعن""أربعان"، وكانت تتمتع باستقلالها، يحكمها رؤساء منها، يلقب الواحد منهم بلقب "ملك".

وقد شهد على صحة هذا القانون، وأيد صدق صدوره من الملك، ووافق عليه جماعة من الأشراف وسادات القبائل، قبائل سبأ وغيرها، ذكرت أسماؤهم في النص بعد جملة:"سمعم ذت علم"، أي "سمع هذا الأعلام" أي شهد على صحة هذا البيان، وأيده، ووافق على ما جاء فيه، وهم:"يكرب ملك"، و "عم أمر" ابنا "بهلم"، و"سمه كرب بن كريم""سمه كرب بن كرب"، و "هلك أمر بن حزفرم"، و "عم أمر بن حزفرم"، و"أبكرب بن مقرم"، و"سمه أمر بن هلكم" و"معد كرب ذ خلفن""معد كرب ذ خلفن"، و"سمه كرب ذ ثورنهن" و"نبط آل" ملك قبيلة "أربعين"3.

وقد أعلن هذا القانون وأثبت "مثبتم" في السنة الثامنة "ثمنيم" من سني "ذ نيلم""ذي نيل" من سني تقويم "نشأ كرب بن كبر خلل"، وهو من

1 CIH 562، IV، n، IV، P. 338، Lupar 4540، Hommel، Sud-Arabische Chresto-raathie، S.، B.، 52، O. Weber، Studen zur sudarablschen AltertumsKnnde، II، S.، 18

2 Glaser 904، Halevy 51، 638، 650، CIH IV، III، I، P. 2، Halevy، Rapport، in JoJurnal Aslat.، 1872، P. 137، Glaser، Altjemenizische Nachrichten، S.، 71، 160، CIH 601، REP. EPIG. 2726، V، n، P. 68

3 CIH، IV، 1H، I، P. 12

ص: 318

سادات قبيلة "خلل" أي "خليل"1. وذكر قبل هذا تأريخ آخر. هو "ذا بهي ذخرف بعثتر بن حذمت"2. أي "في شهر ذي أبهي من سنة عثتر بن حذمة" وقد صدر لقبائل سبأ، و "يهبلح" وكل ساكن في منطقة مدينة "صرواح" "وبكل بهجر صروح"3.

والكتابة المرقمة بـCIH 390 هي من أيام "يكرب ملك"، وقد دونها رجل اسمه "عددال؟ ""وددال"، وذلك عند تقديمه "قيفا" إلى الإله "بعل اوم""بعل أوام" لسلامته ولخيره، ولم يلقب "يكرب ملك" فيها بلقب ملك4.

وولي حكم سبأ بعد "يكرب ملك وتر" ابنه الملك "يثع أمر بين"، وقد ورد اسمه في عدد من الكتابات: منها الكتابة المعروفة بـGlaser 5085، وهي ناقصة الآخر، جاء فيها: إن هذا الملك قدم نذرًا إلى الإله "عثتر" في معبده في "ذبيان""ذبين"، ولسقوط كلمات من النص وتلفها لا ندري ما النذر الذي قدمه الملك إلى ذلك المعبد6.

وورد اسم الملك "يثع أمر بين" في نص قصير، وسم بـREP. EPIG 3919 وذكر معه اسم أبيه "يكرب ملك"7.

وورد اسمه في كتابة أخرى، سجلها رجل اسمه "تبع كرب""تبعكرب" وكان كاهنًا "رشو" للإلهة "ذت غضرن""ذات غضران"، كما كان يتولى وظيفة إدارية كبيرة هي درجة "قين"، وذلك في عهد الملك "يدع ايل بين"، وفي عهد الملكين:"يكرب ملك"، و"يثع أمر بين"، وقد سجل تلك الكتابة عد بنائه هو وأبناؤه وسائر أسرته جدار معبد "المقه"، وقيامه معهم

1 السطر 18 وما بعده.

2 السطر العاشر وما بعده.

3 السطر الثالث عشر.

Rhodokanafcis، Der Grundsatz der OeffentUchkeit in den Sdarabischen Urfcunden، S.، 16

4 CIH، IV، n، I، P. 47، Halevy 44t Glaser 900

5 CH 966، IV، III II، P. 292

6 Rliodofeanakis، Stud. Lexi، II، S.، 17، Glaser، Sammlung، I، S.، 50

7 REP. EPIG.، VI، H، P. 385

ص: 319

بحفر خنادق وإنشاء بروج تعبيرًا عن شكرهم لآلهة سبأ "المقه" و "عثتر" و "هوبس" و "ذات حميم"، و"ذات بعدان"، و"ذات غضران"؛ لأنها أنعمت عليه إذ كان قائدًا عسكريًّا بالتوفيق في عقد صلح بين حكومة سبأ وحكومة قتبان، وقد وضع شروطًا للصلح بين الطرفين على الملك "يثع أمر بين" في مدينة "مأرب"، فوافق عليها، وذلك بعد حرب ضارية استمرت خمس سنوات، كانت قتبان هي التي أشعلت نارها بهجومها، على أرض سبأ وتعرضها لمدن سبأ بالشر، وقد عهد إلى هذا الكاهن و "القين" والقائد أمر محاربة القتبانيين والدفاع عن المملكة، فاستطاع على ما يتبين من النص وقف هجوم القتبانيين وصده، وإجلاء القتبانيين عن الأرضين التي استولوا عليها إلى المدينة "تهرجب""تهركب"1.

والكتابة المذكورة، هي من جملة الكتابات التي عثر عليها في معبد المقه المعروف عند السبئيين بـ"معبد أوام بيت المقه" في مدينة مأرب2. ويظهر من ذكرها أسماء الملوك الثلاثة أن "تبع كرب" "تبعكرب" الكاهن "رشو" والقائد، كان قد خدم هؤلاء الملوك، وكان من المقربين إليهم، وقد نجح في مهمته في عهد الملك "يثع أمر بين" في عقد الصلح بين سبأ وقتبان، وقدم شكره وحمده إلى الإله "المقه" إله سبأ الكبير، ببناء ذلك الجزء من جدار المعبد الذي نصبت الكتابة عليه، وقد ساعده في ذلك أهله وعشيرته، وذكر أسماء الملوك الثلاثة على الطريقة المتبعة في التيمن بذكر أسماء الآلهة وأسماء الحكام الذين في عهدهم تم العمل، وربما على سبيل توريخ الحادث أيضًا، ولما كان "تبعكرب" "تبع كرب" كاهنًا "رشو"، فلا أستبعد احتمال كونه كاهن معبد "أوام"؛ لأن كاهنًا عاديًا لا يمكن أن يقوم بمثل هذا العمل، وأن يتولى قيادة الجيش وإجراء المفاوضات.

وفي هذا النص إشارة إلى حرب وقعت بين القتبانيين والسبئيين، ظلت مستمرة

1 fresnel 56، Glaser 481، CIH 375، IV، n، I، P. 25، Halevy، in Journal Asiatique، 1874، n، P. 584.

2 Glaser 481، CIH 375، Jamme 550، CIH IV، n، I، P. 23، Discoveries، P. 222، Studi. Lexi.، 2، S.، 12، Halevy، in Etudes Sabeenes، Journal Asiatique، 1874، II، P. 581.

ص: 320

خمس سنين، وهي حرب من جملة حروب نشبت قبل هذه الحرب، ونشبت بعدها بين السبئيين والقتبانيين. وقد انتهت هذه الحرب المتقدمة بتمكين السبئيين من استعادة ما خسروه وبطرد القتبانيين من الأرضين التي استولوا عليها، ونجد في النص الموسوم بـGlaser 1693 خبر حرب وقعت أيضًا بين قتبان وسبأ في أيام الملك "يدع أب يجل بن ذمر علي" ملك قتبان، وقد دون هذا النص "يذمر ملك" سيد قبيلة "ذرن""ذران""ذرأن"، وقد قص فيه أعماله وغزواته وحروبه، فذكر أنه تغلب على قبيلة "ذبحن""ذبحان" صاحبة أرض "حمرر"1 وعلى قبائل وعشائر أخرى، منها:"ناس""نأس"، و"ذودن""ذودان" و"صبرم""صبر" و"سلمن""سلمان"، وعلى مدنها ومزارعها وأملاكها، وقد وهبها وحبسها على الإله "عم" إله قتبان الرئيس و"انبي"2.

وقد أشار "يذمر ملك" في نصه إلى حرب وقعت بين قتبان وسبأ، واستمرت في أيام "ملوك سبأ":"يدع ايل بين" و"سمه علي ينف" و"يثع أمر وتر"3 وحرب تجري في عهد ثلاثة ملوك لا بد أن تكون حربًا طويلة الأجل استمرت سنين، وكان فيها لصاحب النص شأن خطير فيها، فانتصر على قبائل سبئية عديدة، وانتزع منها أملاكها وسجلها باسم حكومة قتبان.

وحارب مع السبئيين "شعب رعنن" أي قبيلة "رعنن""رعين"، وكان حكامها يلقبون أنفسهم في هذا العهد بلقب "ملك"، كما جاء في نص "يذمر ملك".

وحكم بعد "يثع أمر بين" ابنه "كرب ايل وتر""كر آل وتر" وإليه تعود الكتابة الموسومة بـ Glaser 1571 وهي أمر ملكي أصدره هذا الملك إلى كبار الموظفين وسادات القبائل ومن كان قد خول حق جمع الضرائب، مثل رؤساء "نزحت" و "فيشان" و "أربعن" و"كبر" كبير "صرواح"

1 "شعبن ذبحن ذخمرر".

2 KTB II S 41

3 "بضرم تنشا يدع ال بين وسمه علي ينف ويثع أمر وتر، واملك سبا واشعبهمو واملك رعنن ورعنن بعلو يدع اب وقتبين وولدعم"، الفقرتان الثالثة والرابعة من النص

ص: 321

"يثع كرب بن ذرح علي" وأعيان صرواح، وقد صدر هذا الأمر الملكي في شهر "فرع ذنيلم" "فرع ذي نيل" من سنة "هلك أمر". وقد وقع عليه وشهد بصحته:"كرب ايل يهصدق" من قبيلة "ذي يفعان" و "أب أمر بن حزفرم" و "أب كرب" من قبيلة "نزحتن" و "عم يثع بن مونيان" و"لحي عث بن ملحان" من قبيلة "أربعنهان"، و "أسد ذخر بن قلزان" و "نشأكرب بن نزحتان"1.

وقد حكم الملك "سمه علي ينف""سمه علي ينوف" بعد "كرب ايل وتر" على رأي "هومل" و"فلبي"، وقد جعل "فلبي""كر ايل" أبًا له، غير أنه وضع أمام الاسم "كرب ايل" علامة استفهام دلالة على أنه غير متأكد من دعواه هذه كل التأكد2.

وقد ورد اسم "كرب ايل وتر" في الكتابة الموسومة بـ 3Berlin VA 5324 وصاحبها "بعثتر ذو وضأم"، وكان كبيرًا على كل قبيلة "أريم""أريام"، وقد سجلها لقيامه بأعمال زراعية، وبأمور تتعلق بالتروية، مثل حفر أنهار وأغيلة "غيلان""غيلن"، وبناء سدود لها بحجارة "البلق"، وقد ورد فيها أسماء الأماكن التي أجريت فيها هذه الأعمال، وهي:"أثبن""أثأبن""أثأبان" و"مطرن""مطران"، و"مأتمم" و"ذفنوتم""ذوفنوتم" و"سمطانهان"، وهي من مزارع الملك، وغوطة "ذو ضأم" في "سرر أمان"، وذكر آخر النص اسم "ذمر علي" وقد سقط لقبه فيه4.

وقد ورد اسم "كرب ايل" و"سمه علي" في النص المعروف بـ REP. EPIG 4226 وصاحبه رجل اسمه "عم أمر بن معد يكرب" وقد تيمن في نصه بذكر الآلهة: "المقه"، "عثتر" و "ذات حميم"، و "ذات بعدان"، و "ود"، وذكر بعد أسماء هذه الآلهة:"كرب ايل" و"سمه علي"، و "عم ريام""عم ريمم" و "يذرح ملك"5.

1 REP. EPIG. VII، I، P- 3، NUM. 3951، Glaser، 1571

2 Background، P. 142

3 REP. EPIG.، VII، I، P. 75

4 راجع النص:Berlin VA 5324

5 REP. EPIG. 4226، Marseille 5536، REP. EPIG.، VIIJI، P. 151

ص: 322

وكان "فلبي" وضع اسم "الشرح""اليشرح" في كتابه "سناد الإسلام" بعد اسم أبيه "سمه علي ينف"، وذكر أنه أصبح ملكًا بعده، وذلك على تقديره حوالي سنة "460 ق. م."، ثم ذكر بعده اسم "ذمر علي بين" شقيق "الشرح" الذي حكم على رأي "فلبي" أيضًا حوالي سنة "445 ق. م." ووضع بعده "يدع ايل وتر"، وهو ابن "ذمر علي بين" وقد تولى العرش على تقديره أيضًا حوالي عام "430 ق. م." ثم وضع بعده "ذمر علي بين" وهو –على رأيه- ابن "يدع ايل وتر"، وجعل حكمه في سنة "410" قبل الميلاد، ووضع بعده "كرب ايل وتر"، وكان حكمه في سنة "390" قبل الميلاد1.

أما قائمته التي نشرها في مجلة: Le Museon، فقد وضع فيها بعد "سمه علي ينف" اسم "يدع ايل بين"، وجعله ابن "سمه علي"، وجعل حكمه حوالي عام "470 ق. م."، ثم وضع بعده اسم شقيقه "ذمر علي"، ولم يجعل "الشرح" ملكًا في هذه القائمة2.

وقد ورد في الكتابة الموسومة بـ REP. EPIG 4198 اسم الملك "ذمر علي" ملك سبأ "ابن يدع ايل وتر" واسم ابن له بعده، غير أنه أصابه تلف مما أثره، وقد ذكرت فيها أسماء آلهة سبأ، كما ذكر اسم الإله "ود ذو ميفعان" و"دم ذ ميفعن" وهو إله معيني، كما ورد اسم الإله "ود ذو ميفعان" و "دم ذ ميفعن"، وهو إله معيني كما ورد اسم إلهة معينية هي "هرن""هران"3. وفي ذكر الآلهة السبئية والآلهة المعينية في هذه الكتابة، دلالة على اختلاط صاحبها بالمعينيين.

وصاحب الكتابة رجل من "ريمان"، وكان له بيت اسمه "نمرن" نمران و "ريمان" عشيرة من سبأ، ويظهر أن جماعة منها تزحت إلى أرض معين، فسكنت بالقرب من "نشق" في مدينة "نمران" التي تعرف اليوم بـ "بيت نمران"، ولذلك ذكر آلهة معين مع آلهة سبأ، لاختلاطه بالمعينيين، ويرى بعض الباحثين أن ملك سبأ كان قد أسكن هذه الجماعة من الريمانيين عند "نشق"

1 Background، P. 142

2 Le Museon، LXII، 3-4، 1949، P. 249

3 Le Museon، 1964، 3-4، P. 436

ص: 323

لحماية معين وللدفاع عنها بعد أن خضعت لحكم السبئيين1.

ولا يستبعد "فون وزمن"، كون الابن الذي عفي أثر اسمه من الكتابة المرقمة بـREP EPIG 4198، هو "سمه علي ينف""سمعهلي ينوف"، المقصود في الكتابة: REP EPIG 4085، وهي كتابة يرى "فون وزمن" أنها تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد. وإلى الأيام التي قام بها "أوليوس غالوس" بحملته على اليمن2.

ولدينا جمهرة أخرى من ملوك سبأ، تتألف من ملكين، هما:

"الكرب يهنعم"، و "كرب ايل وتر". وقد عدها "فلبي" السلالة الثالثة من سلالات الملوك3. أما "الكرب يهنعم" فقد ورد اسمه في الكتابة Glaser 291 وقد ذكر أنه كان ملكًا على سبأ، وأن اسم أبيه "هم تسع" وأما "كرب وتر"، فقد ورد اسمه في الكتابة المعروفة بـ Glaser 302 وهي من "حدقان" شمال "صنعاء"4، ويكون هذا الملك مع الملك "الكرب –على رأي "هومل"- جمهرة قائمة بذاتها من جمهرات الملوك5.

ووضع "فلبي" بعد "كرب ايل وتر" ملكًا اسمه "وهب ايل"، ولم يتأكد من اسم أبيه فوضعه بين قوسين، ووضع أمام اسم الأب علامة الاستفهام دلالة على عدم تأكده، ووضع بعد علامة الاستفهام "ابن سرو"، تعبيرًا عن عدم تأكده من صحة اسم هذا الأب، وجعل حكم هذا الملك في حوالي السنة "310 ق. م." ولم يعرف "فلبي" لقب "وهب ايل"6.

وتولى الحكم بعد "وهب ايل" ملك اسمه "انمر يهامن""أنمار يهأمن""انمر يهنعم""أنمار يهنعم" أما أبوه، فهو "وهب آل""وهب ايل" ولا نعرف لقبه الذي عرف به، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن أباه هو الملك المتقدم، ولذلك وضعوه بعده7. وقد اختلف الباحثون في كيفية كتابة لقب

1 Le MusSon، 1964، 3-4، P. 436

2 Le Mus6on، 1964، 3-4، P. 436

3 Background، P. 142

4 Handbuch، I، S.، 88

5 Handbuch، I، S.، 88

6 Background، P. 142

7 Background، P. 142

ص: 324

"أنمار"، فكتبه بعضهم "يهأمن" وكتبه بعض آخر "يهنعم"، ودونه بعض آخر على الشكل الأول في موضع، وعلى الشكل الثاني في موضع آخر1.

ولعدم وجود صور أصول الكتابات بـ "الفوتوغراف" في المطبوعات التي نشرت الكتابات التي تعود إلى أيامه؛ ولأنها أخذتها من استنساخ العلماء لها، أتوقف عن البت في تثبيت لقبه في هذا المكان حتى يتهيأ لي الظفر بصور "فوتوغرافية" لأصول تلك الكتابات، ولهذا السبب كتبت اللقب بالشكلين المذكورين.

وقد نبه مؤلفا كتاب "Sab lnschr" على ظفرهما بنعت والد "أنمار" من الكتابات: CIH I، و CIH 517 CIH 642 فجعلاه "يحز"2. وقد راجعت النص CIH I فلم أجد علاقة بين الملكين، فالملك في هذا النص هو الملك "كرب ايل وتر يهنعم" ملك سبأ، وأبوه هو "وهب ايل يحز".

وأما الملك الذي نتحدث عنه ونقصده هنا، فإنه "أنمار يهنعم" ووالده "وهب ايل" وراجعت النص CIH I 517 فوجدته كالنص السابق لا علاقة له بالملك "أنمار" ولا بأبيه، إذ كتب في زمان "كرب ايل وتر يهنعم بن وهب ايل يحز" أيضًا، ولا علاقة له مثل شقيقه بالملك "أنمار".

وقد ورد اسم الملك "أنمار يهأمن""يهنعم" في الكتابة الموسومة بـ3CIH I244 وقد سقط منها اسم صاحبها الذي تضرع إلى الآلهة بأن تمن عليه بالصحة، وأن تبارك له في نفسه وفي أمواله، وأن ترفعه من منزلته ومقامه ومقام ملكه في أيام الملك أنمار يهأمن "يهنعم" ملك سبأ، وقد وردت في آخر النص الحروف "ب ت ب"، "، وأكملها ناشره بإضافة حرف "اللام" إلى الحروف المكسورة فصارت "ب ت ل ب"، أي "بتالب" ومعناها "بالإله تالب" أو "بحق الإله تالب"، ولم يرد في النص بعد اسم الأب نعته، ولم يذكره ناشر النص في كتاب: CIH4 أما "ميتوخ" و "مورد تمن" فقد كتباه وجعلاه "يحز"5.

1 Handbuch، I، S.، 90، Sab. Inschr.، S.، 141، Glaser، 223، CIH 244، RW 149، MM 120، Beitrage، S.، 18

2 CIH I، Glaser 2، 3، 24، CIH، IV، I، I، P. 4، D. H. Muller، Sab. Inschr.، ZDMG، XXXVEC 1883، S.، 379

3 CIH 244، IV، I، III، P. 271، RW 149، Glaser 223، MM 120

4 CIH، IV، I، III، P. 271

5 Sab. Inschr.، S.، 141

ص: 325

وأما الكتابة الموسومة بـ CIH I 642، فلم يرد فيها اسم الملك "أنمار"، ولا اسم "كرب ايل وتر يهنعم"، فلا أدري لم أشار إليها مؤلفا كتاب: Sab. Lnschr على أنها من النصوص التي ورد فيها نعت "وهب ايل"، وصاحب هذه الكتابة "مرثد آل بن فسول""مرثد ايل بن فسول"، وكان "قول" أي قيلًا على عشيرة "سمعي"1.

ولدينا كتابة ناقصة، سقط من أولها اسم الآمر بتدوينها، خلاصتها أن صاحب هذه الكتابة قدم تمثالًا إلى الإله:"تالب ريم""تالب ريام""بعل شصرن"، "ش ص ر ن"، أي رب معبد الإله المذكور المقام في الموضع "شصرن"؛ لأنه من عليه فرده سالمًا من الحرب، وتيمن فيها أيضًا بذكر ملكه الملك "أنمار يهأمن" ملك سبأ، وقد سقطت كلمات من هذه الكتابة سببت تشويهها وغموضها، فلا ندري ما المقصود بهذه الحملة أو الحرب. أهي حملة قام بها الملك "أنمار يهأمن" أم حملة قام بها ملك آخر، وأعلنها على الملك "أنمار"؟ ويرى مؤلفا كتاب Sab، lnschr أن الذي قام بها رجل من "بتع" وقد أمده الملك بمساعدة عسكرية2.

وورد اسم الملك "أنمار يهأمن" واسم أبيه، في نص دونه أحد سادات "ذ مليحم""ذي مليحم""ذي مليح"، اسمه "وهب ذي سموي اليف""وهب ذو سموي أليف"، تقربًا إلى الإله:"تألب ريام بعل كبد"؛ لأنه أجاب دعاءه، فحفظه وساعده، وساعد ابنه وأتباعه، وذلك في أيام الملك المذكو3.

وقد جعل "فلبي" حكم "أنمار يهأمن" من حدود سنة "290"، حتى سنة "270ق. م."4، أما "فون وزمن"، فقد جعل حكمه في القرن الأخير قبل الميلاد، فذكر أنه كان يحكم في حوالي السنة "60ق. م."5.

وتولى عرش سبأ بعد "أنمار يهأمن" ابنه "ذمر علي ذرح"، وقد وصلت

1 CIH 642، IV، in، I، P- 76، Mordtmann، in ZDMG.، XXXII، (1878) ، S.، 679

2 RW 129، Sab. Inschr.، S.، 116، (86) ، CIH 195، IV، I، III، P. 242، Glaser 179

3 MM 26، 120، Sab. Inschr.، S.، 48، 141

4 Background، P. 88، 142

5 Beitrage، S.، 18

ص: 326

إلينا كتابة قصيرة أصيبت بكسور في مواضع منها، سقط منها اسم "أنمار"، وبقيت كلمة "يهأمن" وجاء بعدها اسم "ذمر علي ذرح" مسبوقًا بالواو حرف العطف، مما يدل على أنها كتبت في أيام أبيه "أنمار يهأمن"، وقد ورد فيها مضافًا إلى اسمي الملكين اسما "ودم""ود""وتزاد""تزأد"1 وقد قرأ بعض الباحثين اللقب الباقي من اسم "أنمار" على هذه الصورة "يهنعم"2.

وقد ذكرت أن مرد هذا الاختلاف إلى اختلاف النساخ.

وانتقل العرش إلى الملك "نشأكرب يهأمن" بعد وفاة "ذمر علي ذرح" والده، وقد جعل "هومل" نعته "يهنعم"3. وقد وصلت إلينا كتابة منه دونها عند تجديده وإصلاحه أصنام "أصلم" معبد "عثتر ذ ذب" "عثتر ذي ذب"4.

ويظهر أن أصنام هذا المعبد أصيبت بتلف، فأمر الملك بتحديدها وإصلاح مواضع التلف منها تقربًا إلى الإله "عثتر" الذي خصص به هذا المعبد.

ووصلت إلينا كتابة أخرى من أيام هذا الملك، جاء فيها: أن "نشأكرب يهأمن" قدم إلى "تنف بعلت ذ غضون"، أي إلى "تنف بعلة ذي غضرن""تنف ربة ذي غضران" أربعة وعشرين وثنًا، لسلامته ولسلامة بيته "سلحن""سلحين"، ولعافيته وعافية أهله، ولتبعد عند الشر وكل ضر يريده به الشانئون، وذلك بحق "عثتر" و "المقه" وبحق "شمسهو تنف بعلت ذ غضرن"5 فيظهر من ذلك أن هذ المعبد الذي قدم الملك الأصنام إليه، كان قد خصص بالآلهة "الشمس النائفة" وكلمة "تنف" نعت لها، وموضعه في مكان "ذي غضران".

وقد جاء اسم الملك "نشأكرب يهأمن" في نص دونه "بنو جرت""بنو كرت"، "أقول شعبن ذمري وشعبهمو سمهري"6 أي أقيال قبيلة

1 REP. EPIC، VII، I، P. 92، VA 5343، Handbuch، I، P. 90، VA 649

2 REP. EPIG.، VII، I، P. 92، VA 5343، Handbuch، I، 90، VA 649

3 Handbuch، I، S.، 90

4 Sab. Inschr.، S.، 201، REP. EPIG.، 644، II، I، P. 71، CIH، 433، Lupar A. O. 1535، CIH، IV، II، II، P. 123

5 CH 573، IV، II، IV، P. 365، OS 31،BR. MUS. 32،Osiander، in ZDMG.، XIX، 1865، II، 261، Mahram P. 270

6 Mahram P. 28، Jamme 559، MaMb 221

ص: 327

"ذمري" وقبيلتهم "سمهر"، دو نوه، تقربًا إلى الإله "المقه" "بعل اوم" أي: رب "أوام"، ووضعوه في معبده هذا، وهو "معبد أوام" حمدًا له وشكرًا له على نعمه وأفضاله؛ لأنه أي الإله "المقه" أسعد ومن بالشفاء ووفى لسيدهم "نشأكرب يهأمن ملك سبأ ابن ذمر علي ذرح". ووفقه وأنعم عليه بحاصل وافر وغلة جزيلة قدمت إلى قصره "سلحن""سلحين"، في أيام الضر، أي الحرب وفي أيام السلم، وقدموا من أجل ذلك تمثالين من البرونز، وضعوهما في معبده، "معبد أوام"، ودعوا "المقه" أن يبارك لسيدهم دومًا، وأن يمنحه العافية والصحة والقوة، وأن يسعد قصره قصر "سلحين" وكل أتباع "أدم" الملك، و"بني جرف" وأقيالهم، وذلك بحق الآلهة: عثتر شرقن، وعثتر ذ ذبن، وهوبس والمقه وذات حميم وذات بعدان ويشمس ملك تنف، وبعثتر عزيز، وذات ظهرن ربًّا "عركنن" وقدمًا نذرهما إلى عثتر شرقن والمقه رب أوام1.

وقد ورد اسم هذا الملك في نص دونه "غوث" و"اسلم" وابنه "ابكرب""أبو كرب" من "بين جميلن عرجن"، أي:"بني آل الجميل العرج"، وهم "كبراء" قبيلة "ميدعم""ميدع"، وذلك حمدًا للإله و"المقه تهوان بعل أوام"، الذي أجاب نداءهم وأغاثهم ومن عليهم وعلى بيتهم "سلحين""سلحن" في "جميلن""الجميل"، وحماهم في الغارة التي أمر بها الملك "نشأكرب يهأمن" على "أرض عربن"، أي أرض الأعراب لإنقاذ أصدقائهم ومواطنيهم من أهل مأرب، وكذلك الجنود والحيوانات التي كانت معهم وأعادتهم إلى مأرب، وأعادوا في نهاية النص حمدهم الإله "المقه" وذلك بحق بقية الآلهة: عثتر، وهوبس، وذات حميم، وذات بعدان، و"بشمس ملكن تنف"2.

ويظهر من هذا النص أن أعرابًا كانوا قد أغاروا على جماعة من السبئيين، أو أنهم هاجموا أرض سبأ، فأرسل الملك "نشأكرب يهأمن" قوة من الجيش ومن الأهلين للإغارة عليهم في أرضهم:"أرض العرب" ولاسترجاع ما أخذوه من غنائم وأسلاب وأسرى. وكان في جملة من اشترك في هذه الغارة "أبو كرب

1 Hahram، P. 28، 36

2 Mahram، P. 31، MaMb 222، Jamme 560، Le Mus6on، 1967، 1-2، P. 279، Pakhry 9، 28، Jamme 559، 560، 561، 883، Von issmann، Himyar، S.، 455، 458، Zur Geschlchte، S.، 324، 302

ص: 328

بن أسلم" فلما عاد رجالها إلى مأرب سالمين، قدم "أبو كرب" وأبوه أسلم وشخص آخر اسمه "غوث" إلى الإله "المقه ثهوان" تمثالين وضعوهما في معبده معبد "أوام"، تخليدًا لهذا الحادث، وتعبيرًا عن شكرهم له.

وهذا النص من أقدم نصوص المسند التي تشير إلى الأعراب وإلى غاراتهم على السبئيين أو على قوافلهم، ومن أقدم النصوص التي ورد فيها اسم "عربن" أي "الأعراب" و "أرض عربن" أي أرض الأعراب، ولم يعين النص موضع "أرض العرب"، فلا ندري أكان قصد أرضًا معينة، أم أراد البادية والبوادي هي في كل مكان، والأعراب هم في كل مكان من جزيرة العرب، وفي جملتها اليمن بالطبع، وسنرى بعد وفي أثناء كلامنا على أيام "يرم أيمن" وأخيه "برج يهرجب"، أخبار غارات وحملات عسكرية أرسلها الملك على الأعراب الساكنين في محاذاة أرض قبيلة "حاشد" وعلى أعراب آخرين "وثبوا على ساداتهم وأمرائهم ملوك سبأ".

وقد وردت في هذا النص جملة "أرضت عربن"1 فيظهر من ذلك أن اللغة السبئية كانت تعد لفظة "أرض" اسمًا مذكرًا، وإذا أرادت تأنيثه، قالت:"أرضت"، على حين أن "الأرض" في عربيتنا اسم مؤنث فقط، وقد عثر علىنص آخر، أمر الملك "نشأكرب يهأمن" بتدوينه عند تقديمه ستة تماثيل إلى الإله "المقه"، لسلامته وسلامة قصره "سلحين، وسلامة أمواله وأملاكه، وليمن عليه بالسعادة2. وعثر على اسمه في نصوص أخرى، كلها في مضمون هذا النص، إذ تخبر عن تقديم هذا الملك تماثيل إلى معابد آلهته، حمدًا لها وشكرًا، إذ منت عليه، ولتديم أغداق نعمها وألطافها وبركتها عليه3.

وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن الملك "نشأكرب يهأمن" هو من قبيلة "همدان"، ذلك؛ لأن اسمه من الأسماء الهمدانية المعروفة، وخالف غيرهم هذا الرأي، وقالوا إنه لم يكن من همدان، وإنما كان من "بني جرت"

1 Mahram، P. 37. MamB 204

2 Magram، P. 269

3 Magram، P. 269-272

ص: 329

من قبيلة "سمهر""سمهرام". وهم يبعدونه بذلك عن "همدان" ويعارضون في كونه آخر ملك من ملوك الأسرة السبئية الحاكمة، بل يشكون في كون أبيه كان ملكًا فعليًّا على سبأ1.

ويظهر من النصوص المتقدمة أن "نشأكرب يهأمن" كان يقيم في قصر "سلحين" بمأرب، وهو مقر ملوك سبأ ومركز حكمهم، وقد كان حكمه فيما بين سنة "175" والسنة "160" قبل الميلاد على رأي "جامه"2.

ويلاحظ أن الملك كان يتقرب إلى "شمس تنف بعلت غضرن"، أي إلى الآلهة الشمس تنف ربة موضع "غضرن"، تقرب إليها حتى في أثناء إقامته في عاصمته "مأرب" وفي بيت حكمه قصر "سلحين" ويدل هذا على أن الملك لم ينس آلهة قبيلته وعلى رأسها الآلهة "الشمس"، فقدمها على بقية الآلهة وذكرها مع الإله "المقه" إله سبأ الخاص والآلهة "شمس تنف"، هي إلهة "بني جرت" من قبيلة "سمهرم""سمهرام"3.

ولسنا على علم بمن حكم بعد "نشأكرب"، ولهذا ترك الباحثون بموضوع ترتيب ملوك سبأ فراغًا بعده، يشير إلى عدم معرفتهم باسم من حكم فيه، وقد تصور "فلبي" أنه دام ثلاثين عامًا، بدأ سنة "30" وانتهى في سنة "200" قبل الميلاد4. وقد وضع "هومل" اسم "نصرم يهأمن" على رأس جمهرة جديدة، رأى أنها حكمت "سبأ"، بعد هذه الفجوة التي لا نعلم من حكم فيها ولا مدتها، ووضع مقابله علامة استفهام للدلالة على أنه لا يقول ذلك على سبيل التأكيد، وإنما هو احتمال يراه ومجرد رأي هو نفسه غير واثق به5.

وقد وضع "فلبي""نصرم يهنعم""ناصر يهنعم" على رأس الجمهرة الجديدة التي حكمت سبأ في هذا العهد، وجعله رأسًا على الجمهرة الرابعة من جمهرات حكام السبئيين، وجعل حكمه في حوالي السنة "200 ق. م."، وجعل له شقيقًا هو "صدق يهب" وقد كتب "فلبي" النعت على هذه

1 Mahram، PP. 272

2 Mahram، PP. 390

3 Mahram، P. 279

4 Background، P. 142

5 Bandbuch I، S.، 90

ص: 330

الصورة: "يهنعم"1. أما "هومل" وغيره، فقد كتبوه على هذه الصورة "يهأمن"2.

واستند "هومل" في وضعه "نصرم يهأمن" هذا الموضع إلى النص الموسوم بـGlaser 265، وقد ورد فيه عدد من الأسماء كانوا مقربين عند "ناصر يهأمن" منهم "أوسلة بن أعين""أوسلت بن أعين" الذي هو في نظر بعض الباحثين "أوسلة رفشان" الهمداني، ولما كان "أوسلة" هذا يعاصر "وهب ايل يحز" وكان من جملة المقربين إلى "ناصر يهأمن"، رأى "هومل" أن مكان "ناصر يهأمن" يجب أن يكون إذن بعد الفجون المذكورة مباشرة وقبل اسم "وهب ايل يحز"، فوضعه في هذا المحل3.

والنص المذكور، مكتوب على صخرة ناتئة في وسط مرتفعات وعرة مسننة في "جبل ثنين"4 وذكر "خليل يحيى نامي" أنه رآه ونقشه في "هجر ثنين" وهي تبعد عن غربي "ناعط" زهاء ساعتين على البغال، وهي بين قبيلة "حاشد" و "أرحب"5. وقد كتب لمناسبة الانتهاء من إنشاء بناء، وقد تيمن فيه على العادة بذكر "ناصر يهأمن" وأخيه "صدق يهب"، وبذكر أسماء من ساعد في إتمام البناء، ومن قام بتسقيفه6، وهم من الأشراف وسادات القبائل، ويلاحظ أن النص قد أهمل لقب "ملك" الذي يكتب عادة بعد اسم كل ملك، فلم يذكر بعد اسم "ناصر يهأمن" ولا بعد اسم "صدق يهب".

وقد ورد اسم "ناصر يهأمن" في النص المنشور برقم "7" من كتاب: نشر نقوش سامية من جنوب بلاد العرب وشرحها7 وقد أخبر "ناصر يهأمن" فيه أنه قدم إلى حاميه "تالب ريم بعل حدثن": أي "تالب ريام" رب معبد "حدثان" صنمًا، ابتهاجًا بسلامته وعافيته، وفي النص المرقم برقم "21" المنشور في الكتاب نفسه8، وقد دونه جماعة من "همدان"،

1 Background، P. 142

2 J. Ryckmans، L'Institution، P. 337

3 Handbuch، I، S. 88

4 CIH، IV، I، III، P. 295

5 نشر ص72

6 Glaser 265، CIH 287

7 نشر "ص 11- 12"

8 نشر "ص 33 وما بعدها" REP. EPIG، 4994، 4995، VII، P. 471، 473

ص: 331

لمناسبة إنشائهم بيتًا اسمه "وترن""وترن""وتران"، وجعلوه في حماية حاميهم الإله "تألب ريام" وتيمنًا بهذه المناسبة دونوا اسم "ناصر يهأمن" و"صدق يهب"، وليزيد الإله "تالب ريام" من نفوذ قبيلة "همدان التي ينتسب إليها هؤلاء. ويلاحظ أن هذا النص وكذلك النص الآخر لم يذكر لقب "ملك" بعد اسم "ناصر يهأمن".

وأصحاب هذا النص، هم:"برج يحمد""بارج يحمد"، وبنوه "يرم نمرن""يريم نمران"، و"نشأكرب"، و"كربعثت" بنو "أنضر يهرجب" من "بني ددن""بني دادان"، وقد ورد اسم هذه الجماعة، وهم من أسرة واحدة، في نص آخر، ويظهر منه أنهم كانوا يقيمون في موضع "اكنط""أكنط"، المعروف في عهدنا باسم "كانط" وقد ذكر "الهمداني" بيتًا من بيوت "أكانط" سماه "زادان"، قد يكون اسم عشيرة هذه الأسرة المسماة "دادان"، حرف فصار "زادان"1.

ولم يلقب "ناصر يهأمن" ولا "صدق يهب" في نص آخر بلقب "ملك" وأصحاب هذا النص من "همدان" كذلك2. وقد دونوا فيه هذه الجملة: "وبمقم مرايهمو" قبل اسم "نصرم يهأمن"، أي "وبحق أميريهم"، أو "وبمقام أميريهم" أو "وبجلالة أو رئاسة أميريهم"3 ولم نجد في هذا النص أيضًا ما يشير إلى أنهما كانا ملكين، أو أن أحدهما كان ملكًا على سبأ أو همدان.

وأرى أن إهمال هذه النصوص للقب "ملك"، وفي عدم تدوينها له بعد اسم "نصر يهأمن""ناصر يهأمن"، دلالة قوية على أن "ناصر يهأمن" لم يكن ملكًا، وإنما كان أميرًا، يؤيدها ويؤكدها استعمال النصوص قبل الاسم لفظة "امراهمو""مرايهمو" التي تعني "أميريهم"4. ولو كان "ناصر" أو شقيقه "صدق يهب" ملكين لما نعتا في بعض هذه النصوص بـ "أميرين"، ولما أهملت النصوص لفظة "ملك" هذا الإهمال، ولا حجة لرأي من قال إنه

1 نشر "ص 34 وما بعدها".

2 نشر "ص 52".

3 غويدي: المختصر "ص 33".

4 نشر "ص 34، 52".

ص: 332

كان ملكًا؛ لأنه كان صاحب لقب، وهذا اللقب هو "يهأمن" وهو نعت خاص بالملوك1. ذلك؛ لأننا لا نملك دليلًا قاطعًا يثبت أن كل من كان ينعت نفسه بنعت كان ملكًا، وأن نوعًا خاصًّا من النعوت كان قد حرم على الناس؛ لأنه خصص بالملوك، وآية بطلان هذا الرأي أننا نجد كثيرًا من سادات القبائل وسائر الناس يحملون ألقابًا أيضًا من نوع ألقاب الملوك، فليس في الألقاب تخصيص وتنويع في نظري.

وبناء على ما تقدم، لا نستيطع إدخال "ناصر يهأمن" ولا أخيه "صدق يهب" في عداد ملوك سبأ، ونرى وجوب اعتدادهما سيدين كبيرين من سادات قبيلة "همدان"، كان لهما سلطان واسع على قبيلتهما وفي سبأ، ولذلك ذكر أشراف القبيلة اسميهما في كتاباتهم، ولقبوهم بلقب "أمرائهم" فالواحد منهم هو بمنزلة "أمير"، ومعنى ذلك أن "ناصر يهأمن" كان أميرًا على همدان، وكذلك كان أخوه2. والظاهر أن تقديم اسم "ناصر يهأمن" على اسم أخيه يشير إلى أن "ناصر يهأمن" كان أكبر سنًّا من شقيقه، لذلك كان هو المقدم عليه.

ويظهر من بعض النصوص التي ذكرت اسم "ناصر يهأمن" أنه كان قويًّا، وله قوة عسكرية ضاربة، وتحت إمرته عدد من القادة، بدليل ورود لفظة "مقتت"، جمع "مقتوي"، ومعناها "الضباط" و"القادة"، وقد اشتركت قواته في بعض المعارك، في عهد الملك "نشأكرب يهأمن"، وكان من المعاصرين له. والظاهر أنه بقي حيًّا إلي أيام "وهب ايل يحز" وبناء على هذا يكون قد عاش في حوالي السنة "175" والسنة "150" قبل الميلاد، وذلك على افتراض أن حكم "نشأكرب يهأمن" كان فيما بين السنة "175" والسنة "160" قبل الميلاد، وأن حكم "وهب ايل يحز" كان بين السنة "160" والسنة "145" قبل الميلاد، على حسب تقدير "جامه"3.

وليس في استطاعتنا تحديد العمل الذي قام به "صدق يهب" في همدان،

1 Handbuch، I، S.، 88

2 Mahram، P. 277، A. F. L. Beeston، Problems of Sabaean Chronology، in BOASOOR، 16، 1954، PP. 37-56

3 Maiiram، P. 277، 390

ص: 333

فليس في النصوص التي بين أيدينا ما يكشف الستار عن ذلك، ولا نعرف كذلك زمان وفاة "صدق يهب"، والظاهر أن وفاته كانت في أيام "وهب ايل يحز" إذ انقطعت أخباره منذ ذلك الحين1.

وليس بين الباحثين في العربيات الجنوبية أي خلاف في أصل "ناصر يهأمن" وأخيه، فقد اتفقوا جميعًا على أنه من قبيلة "همدان"، ذلك؛ لأنهما نصا صراحة في أحد النصوص المدونة باسمهما على أنهما من همدان2. ويظهر من ذلك أن قبيلة همدان كانت قد أخذت تؤثر في هذه الأيام تأثيرًا كبيرًا، حتى لقب ساداتها أنفسهم بلقب "ملك"، متحدين بذلك سلطة ملوك سبأ الشرعيين.

ووضع "هومل""وهب آل يحز""وهب ايل يحز"، بعد "ناصر يهأمن"، وسار "فلبي" على خطاه، وقد كان زمان حكمه في حدود سنة "180ق. م." على تقدير "فلبي"3 وكان يعاصره "أوسلت رفش""أوسلة رفشان"، أمير "همدان" وهو والد الأميرين "يرم أيمن" و "برج يهرحب""بارج يهرجب"4.

ويظهر من النص: Glaser 1228 أن "وهب ايل يحز" تحارب هو و"الريدانيون" ورئيسهم إذ ذاك "ذمر علي"5. وقد ساعد "وهب ايل يحز" في هذه الحرب "هوف عم" "هوفعم"، "مخطرن" "مخطران" وسخيم" و"ذو خولان" و"بنو بتع"، وانضم إلى جانب الريدانيين "سعد شمس" و"مرثد"6 وتشير هذه الكتابة وكتابات أخرى إلى مساع بذلها رؤساء "ريدان" في منافسة ملوك سبأ وانتزاع العرش منهم.

وقد ورد في النص المذكور: "سعد شمس ومرثدم" وقبيلته "ذو جرت" بمدينة "صنعو"، وهذه هي المرة الأولى التي يرد فيها اسم "صنعو""صنعاء"، وقد ورد اسمها بعد ذلك بقليل في الكتابتين: jamme 629 و jamme 644 ويظهر من ذلك أن "صنعو" كانت في ضمن أرض قبيلة "جرت"، غير

1 Mahram، P. 278

2 CIH 287، Mahram، 278

3 Background، P. 142

4 Glaser، Abessinier، S. 63

5 السطر الخامس عشر من النص:Glaser 1228

6 Glaser 1364، Abessinier، S. 67، Le Museon، 1967، 1-2، PP. 279

ص: 334

أنها كانت قريبة جدًّا من حدود أرض قبيلة "بتع". وأما "شعوب" التي لا تبعد سوى كيلومتر واحد أو كيلومترين عن الجهة الشمالية الغربية من "صنعاء"، فقد كانت في أرض قبيلة "بتع"1.

وقد أشير إلى حرب "وهب ايل يحز" مع الريدانيين، في النصوص الموسوم بـ jamme 561 Bis، وهو نص دونه "يرم أيمن""يريم أيمن"، وأخوه "برج يهرحب" وابنه "علهان" أبناء "أوسلت رفشان"، وهم من "همدان" أقيال "أقول" قبيلة "سمعي" ثلث "حاشد"، وذلك عند تقديمهم تمثالًا إلى الإله "المقه ثهون" بعل "أوام"؛ لأنه من عليهم وعلى عبيده "اد م هـ و" "ادمهو" أبناء همدان: وعلى قبيلتهم حاشد، وأغلق عليهم نعماءه وأعطاهم غنائم كثيرة في الحرب التي وقعت بين ملوك سبأ وبين "بني ذي ريدان" واشتركوا فيها، إذ ترأسوا بعض القوات، وكذلك في غاراتهم على أرض العرب المجاورين لقبيلة حاشد والنازلين على حدودها، أولئك العرب الذين أخطئوا خطأ تجاه أمرائهم وساداتهم ملوك سبأ "املك سبأ"، وتجاه بعض قبائل ملك سبأ؛ ولأن الإله "المقه"، أنعم عليهم بأن جعل الملك "وهب ايل يحز""ملك سبأ" راضيًا عنهم، مقربًا لهم؛ ولأنه أعطاهم ذرية ذكورًا وحصادًا جيدًا، ولكي يديم نعمه عليهم ويبارك فيهم ويعطيهم الصحة والقوة وذلك بحق عثتر و"المقه" وبحق حاميهم "شيمهم" وشفيعهم "تالب ريام"2.

ويتبين من هذا النص أن "يرم أيمن" وشقيقه كانا تابعين لملك سبأ، وأنهما كانا مع "علهان بن برج" من الأقيال على عشيرة "سمعي" التي تكون ثلث مجموع قبيلة "همدان" في هذا العهد، وأنهم كانوا في خدمة ملك سبأ، ويظهر أنهم إنما أشاروا إلى مهاجمتهم لأرض العرب، والعرب المخالفين لأمر ملك سبأ؛ لأن هؤلاء العرب كانوا على حدود أرض قبيلة همدان، وقد تعرضت أرض هذه القبيلة وأرض قبائل أخرى لغارات هؤلاء الأعراب، الذين كانوا ينتهزون الفرص لغزو الحضر كما هو شأنهم في كل زمان ومكان، وقد نجحوا في تأديب هؤلاء الأعراب، كما نجحوا في الاشتراك مع بقية قوات "وهب ايل يحز" في

1 Le Museon 1964، 3- 4 p 460

2 M ahram p 37 jamme Bis 561

ص: 335

تكبيد "بني ذي ريدان" خسائر فادحة في الحرب التي نشبت بينهم وبين هذا الملك، وقد كان الريدانيون أسلاف الحميريين من سكان اليمن البارزين في هذا العهد.

وقد ميز أهل اليمن وبقية العربية الجنوبية أنفسهم عن أهل الوبر، أي القبائل المتنقلة التي تعيش في الخيام، بأن دعوا قبائلهم بأسمائها، وهي قبائل مستقرة تسكن قرى ومدنًا ومستوطنات ثابتة وسموا القبائل البدوية المتنقلة، ولا سيما القبائل الساكنة في شمال العربية الجنوبية "عربن" أي أعراب، وسموا أرضهم "أرض عربن"، و"ارضت عربن"، أي أرض العرب.

ويظهر من ورود جملة "أملك سبأ"، أي "ملوك سبأ" الواردة في هذا النص وفي نصوص أخرى، وجود ملوك عدة كانوا يحكمون سبأ في زمان تدوين هذه النصوص، ولكننا نرى أن هؤلاء الملوك لم يكونوا ملوكًا فعليين، حكموا سبأ بالاشتراك مع ملك سبأ الحاكم، وإنما كانوا رؤساء وسادة قبائل خاضعين لحكم الملك، وقد كانوا أصحاب امتيازات، يحكمون أرضهم حكمًا مباشرًا مع اعترافهم بحكم ملك سبأ عليهم، ويجوز أنهم كانوا يلقبون أنفسهم بلقب ملك، على سبيل التعظيم والتفخيم ليس غير، فهم ملوك مقاطعات وأرضين، لا ملوك حكومات كبيرة كحكومة سبأ1.

وقد ورد اسم "وهب ايل يحز" في الكتابة الموسومة بـ:CIH 360 وصاحبها "سعد تألب يهثب" من موضع "سقهن"2 "سقرن""سقران"، ذكر فيها أنه قدم إلى الإله "تألب ريام" نذرًا: تمثالًا وضعه في معبد الإله في "رحين"3. في أيام سيده "مراسموا" الملك "وهب ايل ويحز"4. وقد ورد اسم صاحب هذه الكتابة في النص الموسوم بـ MM 33 +34، وقد دونه جماعة من "بني بتع" و "سخيم" و "ذي نعمان" تقربًا إلى الإله "عثتر شرقن"5؛ لأنه نجى "سعد تألب يهثب"، ومد في عمره في الحروب التي

1 Mahram، p ، 280

2 "سقهان". "2""رحبان""الرحاب"، Mahram، p، 280

3 CIH 360 IV. P، 445

4 Miles 6، Sab 4 lnschr S،5 Anm l

5 "عثتر شرقان"، "عثتر الشارق".

ص: 336

أشعلها في "ردمان" وفي أماكن أخرى1، ولا يعقل بداهة قيام مدوني النص، وهم سادات القبائل، ببناء "نطعت"2، وذلك تقربًا إلى الإله "عثتر شرقن" إذ من على "سعد تألب يهثب" بالحياة والنجاة في الحروب التي خاضها، لو لم يكن لهذا الرجل علاقة بهذه العشائر ولو لم يكن من أهل الجاه والمكانة والسلطان، ويتبين من كتابات أخرى أنه كان محاربًا اشترك في حروب عدة، فلعله كان من كبار قواد الجيش في أيام "وهب ايل يحز"، وقاد جملة قبائل في القتال منها هذه التي دونت تلك الكتابة.

وذكر اسم الملك "وهب ايل يحز" في كتابة ناقصة قصيرة، أشير فيها إلى "كبر خلل"، أي "كبير" قبيلة أو موضع "خليل" وإلى اسم الملك "وهب ايل يحز""ملك سبأ"، والظاهر أن صاحب تلك الكتابة أو أصحابها كانوا من أتباع "كبير خليل"3.

ولم نعثر حتى الآن على اسم والد "وهب ايل يحز"، ولم ترد في نصوص المسند إشارة ما إلى مكانته ومنزلته، لذلك رأى بعض الباحثين أن أباه هذا لم يكن من الملوك، بل ولا من الأقيال البارزين، وإلا أشير في النصوص إليه، إنما كان من سواد الناس، وأن ابنه "وهب ايل حز" هذا أخذ الحكم بالقوة، ثار على ملوك سبأ في زمن لا نعلمه، وانتزع الملك منهم، ولقب نفسه بلقب "ملك سبأ". أما ابنه الذي جاء من بعده، فقد لقب نفسه بلقب "ملك" كما لقب والده بلقب ملك، ولو كان والد "وهب ايل يحز" ملكًا، لذكر إذن في النصوص، ولأشير إلى لقبه4.

وقد جعل "جامه""وهب ايل يحز" بين السنة "160" والسنة "145" قبل الميلاد5.

وانتقل الحكم بعد وفاة "وهب ايل يحز" إلى ابنه "انمرم يهأمن""أنمار يهأمن"، على رأي "جامه" في حين أغفله أكثر من بحثوا في هذا الموضوع6.

1 Sab. Inschr، S. 74

2 "نطعة".

3 REP. EPIG. 4130، Glaser 456، Va 5315

4 Mahram، P. 280

5 Mahram، P. 390

6 Mahram، P. 281، Le Museon، 1967، 12، P. 280

ص: 337

وقرروا أن الحكم انتقل إلى "كرب ايل وتر يهنعم"، وهو ابن "وهل ايل" مباشرة بعد وفاة أبيه، ويرى "جامه" أن حكم "إنمار يهأمن" ابتدأ بسنة "145" قبل الميلاد، وهي سنة وفاة أبيه وانتهى بسنة "130" قبل الميلاد، حيث انتقل الحكم إلى شقيقه من بعده1.

وقد ورد اسم هذا الملك في النص الموسوم بـjamme 562 وقد دونه "سخمان يهصبح" من "بني بتع"، وكان "ابعل بيتن وكلم أقول شعبن سمعي"، أي "سيد بيت وكل"، وقيل عشيرته "سمعي" التي تكون ثلث قبيلة "حملان"، عند تقديمه "صلمن" تمثالًا إلى الإله "المقه رب أوام"، وضعه في معبده "معبد أوام"، لوفائه لكل ما طلبه منه، ولاستجابته لدعائه؛ ولأنه وفقه ووفق أهله وعشيرته في مرافقة الملك "أنمار يهأمن ملك سبأ" ابن "وهب ايل يحز ملك سبأ" في عودته من "بيت بني ذي غيمان" إلى قصره "سلحين" مقر ملكه بمدينة مأرب، ووفق مرافقيه وأقياله وجيشه في عودته هذه؛ ولأنه من على صاحب النص بأن منحه أثمارًا كثيرة وغلة وافرة وحصادًا جيدًا وليديم نعمه عليه، وذلك بحق الآلهة: عثتر، وهوبس، والمقه، وذات حميم، وذات بعدان، و "شمس ملكن تنف"، وبحاميه، وشفيعه تالب ريام بعل شصر. وقد وضع التمثال والكتابة المدونة تحت حماية "المقه" في معبده "أوام" ليحميها من كل من يحاول تغيير موضعهما أو أخذهما2.

وقد كان "سخمان يهصبح" من الأقيال الكبار في هذا العهد، كان قيلًا على "سمعي" كما كان سيدًا من سادات "بيت وكل". أي من أصحاب الرأي المطاعين في عشيرة "سمعي". والظاهر أنه كان في موضع "وكل" ناد، أي دار للرأي والاستشارة، يحضره كبار العشيرة ويتشاورون فيما يحدث من حادث لهذه العشيرة، فهو بمنزلة "دار الندوة" عند قريش.

ويظن أن الملك "أنمار" المذكور في النص:REP. EPIG 3992 والذي لم يذكر نعته، هو هذا الملك، وقد دون هذا النص رجل اسمه "وهب ذي سمي اكيف ذو مليح" "م ل ي ح": وذلك عند تقربة إلى الإله "تالب

Mahram p. 390 1

2 Maham p. 39 2 MaMb 279

ص: 338

ريام بعل كبدم"، بتقديمه تمثالًا إليه، تعبيرًا عن شكره وحمده له؛ لأنه من عليه وساعده وأجاب كل ما طلبه منه، ومكنه من خصم له خاصمه في عهد الملك "أنمار"1.

وانتقل الحكم بعد وفاة "أنمار يهأمن" إلى شقيقه "كرب ايل وتر يهنعم"، وقد ذكر اسمه في كتابات عديدة لا علاقة لها به، وإنما دونته فيها تيمنًا باسمه وتخليدًا لتأريخ الكتابة ليقف على زمانها الناس2. وأهم ما في هذه الكتابات من جديد، ورود اسم إله فيها لم يكن معروفًا قبل هذا العهد ولا مذكورًا بين الناس، هو الإله "ذ سموي"، أي "صاحب السماء" "صاحب السماوات" أو "رب السماء". وسأتحدث عنه وعن هذا التطور الجديد الذي حدث في ديانة العرب الجنوبيين فيما بعد.

وقد ذكر اسم الملك "كرب ايل وتر يهنعم" في النص الموسوم بـ jamme 563 وقد دونه أناس من "بني عثكلن""عثكلان"، حمدًا وشكرًا للإله "المقه ثهوان" الذي أنعم عليهم وحباهم بنعمه، وأعطاهم حصادًا جيدًا وغلة وافرة، وليزيد في توفيقه لهم ونعمه عليهم، وليبعد عنهم أذى الحساد وشر الشانئين، وقد كتب في عهد الملك "كرب ايل وتر يهنعم بن وهب ايل يحز" ليبارك الإله "المقه" فيه3.

كما جاء اسم هذا الملك في نص آخر دونه قيل من أقيال "غيمان" وسم jamme 564، دونه عند تقديمه "صلهن" تمثالًا إلى الإله "المقه" حمدًا به وشكرًا على إنعامه عليه وعلى جيش وأقيال الملك "كرب ايل وتر يهنعم"؛ ولأنه من عليه وأعطاه حاصلًا طيبًا وغلة وافرة، وأثمارًا كثيرة، وليمن عليه وعلى قومه في المستقبل أيضًا، وذلك بحق المقه وبحق الآلهة عثتر ذي ذبن، وبحر حطبم، وهوبس، وثور بعلم، وبالمقه بمسكت، ويثو برآن، وذات حميم، وذات بعدان، وبحاميهم وشفيعهم حجرم قمحمم بعل حصني "تنع"،

1 REP. EPIG. 3992، Mabram، P. 281

2 OS 32، BR. Mus. 30، CIH 517، IV، H، HI، P. 229، E. Osiander، Zur Hlmjarlschen Alterthuskunde، In ZDMG.f XIX، 1865، P. 269، Halevy، Etades Sab6en-nes، In Journal Asiatlque، 1874، n، P. 500، Glaser، 456، VA 5315، REP. EPIG.، 4130، VII، I، P. 91

3 Jamme 563، MAMB 269، Mahram، 42

ص: 339

ولمس بعل بيت نهد، وعثتر الشارق، والمقه بعل أوام1.

ويظهر من هذا النص أن صاحبه كان يتولى وظيفة مهمة من "مأرب"، وأنه كان مقدمًا في بيت الحكم قصر "سلحين"، وكان يساويه في هذه المنزلة رجل اسمه "رثدم""رثد" من "مأذن"، إذ كان يحكم مأربًا أيضًا، ويتمتع بمنزلة كبيرة في دار الحكم "قصر سلحين" وقد حكما مأربًا معًا بتفويض من الملك وبأمر منه، حكما من القصر نفسه، إذ كانت دائرة عملهما فيه، ويظهر منه أيضًا أن اضطرابًا وقع في مأرب في زمان حكمهما، دام خمسة أشهر كاملة أثر تأثيرًا كبيرًا في العاصمة، وقد سأل الحاكمان الملك أن يخولهما حق التدبير للقضاء على الفتنة، فأصدر الملك أمرًا أجابهما فيه إلى ما سألاه الحاكمين، غير أن نار الفتنة لم تخمد بل بقيت مشتعلة خمسة أشهر كاملة، كان الملك في خلالها يلح على الحاكمين بوجوب قمع الفتنة وإعادة الأمن، واستطاعا ذلك بعد مرور الأشهر المذكورة باشتراك الجيش في القضاء عليها2.

ولم يذكر النص الأسباب التي دعت أهل مأرب إلى العصيان، ولكن يظهر أن من جملة عواملها تعيين صاحب النص، واسمه "أنمار" وهو من "غيمان" حاكمًا على مأرب، وكان أهل العاصمة يكرهون أهل غيمان، وكانوا قد حاربوهم في عهد الملك "أنمار يهأمن" شقيق "كرب ايل وتر يهنعم"، فساءهم هذا التعيين ولم يرضوا به. ولما أبى الملك عزله، ثاروا وهاجوا مدة خمسة أشهر حتى تمكن الجيش من إخماد ثورتهم3.

وقد ذكر "كرب ايل وتر" في النص: jamme 565 بعد اسم "يرم أيمن"، وفيه نعته، وهو "يهنعم"، وعبر عنهما بلفظة "ملكي سبأ"، أي "ملكا سبأ"، واستعمل لفظة "واخيهو"، أي "وأخيه"، وقد ترجمها "جامه" بمعنى "حليفه"، فالتآخي في نظره بمعنى التحالف والحلف، وإذا أخذنا بهذا المعنى، فسنستنتج من ذلك أن العلاقات بين الملكين لم تكن سيئة، يوم كتب هذا النص وأن ادعى كل منهما أنه ملك سبأ، وإنما يظهر أنهما كانا يحكمان متعاونين، بدليل ما ورد في النص من أن "املك سبأ"

1 Jamme 564، MaMb 314، Magram، P. 44، CIGH 326، Le Museon، 1967، 1-2، P. 280.

2 Mahram، P. 282

3 Mahram، P. 282

ص: 340

أي ملوك سبأ كلفوا صاحبي النص أن يخوضا معارك أمروهما بخوضها، فخاضاها، ورجعا منها بحمد الإله "المقه" سالمين1.

ويرى "جامه" أن حكم الملك "كرب ايل وتر يهنعم" امتد من سنة "130" حتى السنة "115" قبل الميلاد، أو من سنة "115" حتى السنة "100" قبل الميلاد، وبذلك يكون حكم "وهب ايل يحز" وحكم ابنيه "أنمار يهأمن" و "كرب ايل وتر يهنعم" قد امتدا من سنة "160" حتى السنة "115" أو "100" قبل الميلاد2.

وليس لنا علم عن ذرية الملك "كرب ايل وتر يهنعم"، فليس في أيدينا نص ما يتحدث عن ذلك. وكل ما نعرفه أن الحكم انتقل بعد أسرة "وهب ايل يحز" إلى ملك آخر هو الملك "يرم أيمن"، وهو من "همدان"، وهمدان كما قلت فيما سلف من القبائل التي اكتسبت قوة وسلطانًا في هذا العهد، وقد سبق أن تحدثت عن "ناصر يهأمن" وعن شقيقه "صدق يهب" وقلت إنهما من همدان، وقد حان الوقت للكلام على هذه القبيلة التي ما تزال من قبائل اليمن المعروفة، ولها شأن خطير في المقدرات السياسية حتى الآن.

الآن وقد انتهيت من الكلام على آخر ملك من ملوك "سبأ" وختمت به عهدًا من عهود الحكم في سبأ، أرى لزامًا على أن أشير إلى ملك قرأت اسمه في نص قصير، نشر في كتاب CIH وكتاب REP EPIG يتألف من سطر واحد، هو:"وهب شمسم بن هلك أمر ملك سبأ"، ولم أجد اسمه فيما بين يدي من قوائم علماء العربيات الجنوبية لملوك "سبأ"، ولم أعثر على نصوص أخرى من عهده فتعسر علي تعيين مكانه بين الملوك3. وقد يعثر على نصوص جديدة تكشف عن شخصيته وهويته ومحله بين الملوك.

وأورد أيضًا أن أشير إلى ورود اسم ملك ذكر في النص: jamme 551 واسمه "الشرح بن سمه علي ذرح""الشرح بن سمهعلي ذرح"، وقد نعت

1 jamme 565، MaMb 266، Maliram، P. 47، Le Mus6on، 1967، 1-2، P. 280، REP.EPIG. 4190

2 Mahram، P. 390

3 CIH 833، IV، III، I، P. 199، Bardey 9، Luper 4104، REP. EPIG. 459،1، VI، P. 349، Lidzbarski، Ephemeris، 1908، II، R، 387

ص: 341

فيه بـ"ملك سبأ" وهو صاحب هذا النص والآمر بتدوينه، ذكر فيه أنه شيد ما تبقى من جدار المعبد من الحافة السفلى للكتابة المبنية في الجدار حتى أعلى المعبد، تنفيذًا لإرادة المقه التي ألقاها في قلبه، فحققها على وفق مشيئة ذلك الإله وإرادته، ليمنحه "المقه" ما أراد وطلب، وذلك بحق الآلهة:"عثتر" و"هوبس" و"المقه" وبحق "ذات حميم" و"ذات بعدان"، وبحق أبيه "سمه علي ذرح""ملك سبأ"، وبحق شقيقه "كرب ايل"1.

وورد اسم الملك "يدع ايل بن كرب ايل بين""ملك سبأ" في النص: jamme 558، الذي دونه قوم من عشيرة "عبلم""عبل""عبال" عند تقديمهم ثمانية "أمثلن""أمثلن"، أي تماثيل إلى معبد الإله "المقه""بعل" أوام ليحفظهم ويحفظ أولادهم وأطفالهم ويعطيهم ذرية، وليبارك في أموالهم، وليبعد عنهم كل بأس وسوء ونكاية، وحسد حاسد وأذى عدو.

وقد ذكر في النص بعد اسم الملك "كرب ايل بين" اسم "الشرح بن سمه علي ذرح"2.

هذا ولا بد لنا -وقد انتهينا من ذكر اسم آخر ملك من ملوك سبأ- من إبداء بعض الملاحظات على هذا العهد. ففيما كان الناس في عهد المكربين وفي عهد الملوك الأول إلى عهد "كرب ايل وتر بن يثع أمر بين" المعروف بـ"الثاني" في قائمة "هومل" لملوك سبأ3، وقد صرفوا تمجيدهم إلى إله سبأ، الخاص وهو "المقه" تليه بقية الآلهة، وجدنا الكتابات التي تلت هذا العهد، تمجيد معه أربابًا آخرين لم يكن لهم شأن في العهدين المذكورين، مثل الإله "تألب ريام"، وهو إله "همدان" خاصة، ومثل الإله "ذ سموي""ذو سماوي"، أي الإله "رب السماء""رب السماوات"4. وفي تمجيد بعض الناس لآلهة جديدة، دلالة صريحة على حدوث تطورات سياسية وفكرية في هذا العهد.

وتفسير ذلك أن بروز اسم إله جديد، معناه وجود عابدين له، متعلقين

1 Jamme 551، Magram، P. 15

2 Jamme 558، MaMb 201، Magram، PP. 24

3 Handbuch، I، s. 87

4 Handbcuh، I، S. 88

ص: 342

به، هو عندهم حاميهم والمدافع عنهم، ففي تدوين اسم "تالب ريام" بعد "المقه" أو قبله في الكتابات، دلالة على علو شأن عابديه، وهم "همدان"، ومنافستهم للسبئيين، وسنرى فيما بعد أنهم نافسوا السبئيين حقًّا على الملك، وانتزعوه حينًا منهم، وطبيعي إذن أن يقدم الهمدانيون إلى إلههم "تألب ريام" الحمد والثناء؛ لأنه هو إلههم الذي يحميهم ويقيهم من الأعداء، ويبارك فيهم في أموالهم، وكلما ازداد سلطان همدان، ازداد ذكره، وتعدد تدوين اسمه في الكتابات.

أما الناحية الفكرية، فإن في ظهور اسم الإله "ذ سموي"، دلالة على حدوث تطور في وجهة نظر بعض الناس بالنسبة إلى الألوهية وتقربهم من التوحيد وعلى ابتعاد عن فكرة الألوهية القديمة التي كانت عند آبائهم وأجدادهم وعن "المقه" إله شعب سبأ الخاص.

ويلاحظ أيضًا ظهور لقب "يهأمن" و "يهنعم" منذ هذا الزمن فما بعده عند ملوك سبأ. وقد رأينا أن ألقاب مكربي سبأ وملوك الصدر الأول من سبأ لم تكن على هذا الوزن": وزن "يهفعل"، وهو وزن عرفناه في ألقاب مكربي وملوك قتبان فقط، إذ رأينا الألقاب: "يهنعم" و"يهرجب" و"يهوضع" تقترن بأسماء الحكام. وفي تلقب ملوك سبأ دلالة على حدوث تطور في ذوق الملوك بالنسبة إلى التحلي بالألقاب.

ويتبين من دراسة الأوضاع في مملكة سبأ أن أسرًا أو قبائل كانت صاحبة سلطان، وكانت تتنافس فيما بينهما، وتتزاحم بعضها بعضًا، منها الأسرة القديمة الحاكمة في مأرب، ثم الأسرة الحاكمة في حمير، ثم "سمعي"، وهي قبيلة كبيرة صاحبة سلطان وقد كونت ممكلة مستقلة، منها "بنو بتع" وفي أرضهم وهي في الثلث الغربي من "سمعي" تقع أرض "حملان" وعاصمتها "حاز" و "مأذن". ثم الهمدانيون، ومركزهم في "ناعط"، ثم "مرثدم""مرثد" وهم من "بكلم""بكيل"، ومواطنهم في "شبام أقيان". ثم "كرت""جرت""جرة" ومنها "ذمر علي ذرح".

مأرب:

وإذا كانت صرواح عاصمة المكربين ومدينة سبأ الأولى، فإن "مرب""م رب"

ص: 343

"مريب"، أي مأرب هي عاصمة سبأ الأولى في أيام الملوك، ورمز الحكم في سبأ في هذا العهد، وهي وإن خربت وطمرت في الأتربة إلا أن اسمها لا يزال حيًّا معروفًا، ولا يزال موضعها مذكورًا، ويسكن الناس في "مأرب" و"مأرب" الحاضرة، هي غير مأرب القديمة، فقد أنشئت الحاضرة حديثًا على أنقاض المدينة الأولى، على مرتفع تحته جزء من أنقاض المدينة القديمة، وتقع في القسم الشرقي من مدينة "مأرب" الأولى.

وقد كانت مأرب كأكثر المدن اليمانية الكبيرة مسورة بسور قوي حصين له أبراج، يتحصن به المدافعون إذا هاجم المدينة مهاجم، وقد بنى السور بحجر "البلق" كما نص عليه في الكتابات1. وهو حجر صلد قد من الصخر أقيم على أساس قوي من الحجر ومن مادة جيرية تشد أزره، وفوقه صخور من الغرانيت2. ويحيط السور بالمدينة، بحيث لا يدخل أحد إليها إلا من بابين، فقد كانت مأرب مثل "صرواح" ذات بابين فقط في الأصل3.

وأعظم أبنية مأرب وأشهرها، قصر ملوكها ومعبدها، أما قصر ملوكها فهو القصر المعروف بقصر "سلحن""سلحين""سلحم" وقد ورد ذكره في الكتابات، وعمر ورمم مرارًا. وقد ورد في لقب النجاشي "ايزانا" Ezana ملك "أكسوم"، وذلك في حوالي السنة "350 م" ليدل بذلك على امتلاكه لأرض سبأ واليمن4. وقد عرف في الإسلام، وذكره "الهمداني" في جملة القصور الشهيرة الكبيرة في اليمن5.

ويقع مكانه في الخرائب الواسعة الواقعة غرب المدينة، وإلى الجنوب من خرائبه خرائب أخرى على شكل دائره، تحيط بها أعمدة، ويظهر أنها لم تكن مبنية في الأصل. وتشاهد أعمدة وأتربة متراكمة هي بقايا معبد "المقه" إله سبأ، المعروف بـ "المقه بعل برآن""المقه بعل بران" أي معبد "المقه""رب يرأن". وفي الناحية الشمالية والغربية من المدينة وفي خارج سورها،

1 Glaser 418، 419

2 Beitrage، S. 27

3 Beitrage، S. 27

4 Beitrage، S. 27

5 Beitrage، S. 27

ص: 344

تشاهد بقايا مقبرة جاهلية، يظهر أنها مقبرة مأرب قبل الإسلام. وتشاهد آثار قبورها، وقد تبين منها أن بعض الموتى وضعوا في قبرهم وضعًا، وبعضهم دفنوا وقوفًا، وقد حصل "كلاسر" وغيره من السياح والباحثين على أحجار مكتوبة، هي شواهد قبور1.

أعمدة من بقايا معبد "المقه" بمدينة مأرب. ويبلغ طول العمود الواحد حوالي ثلاثين قدمًا، من كتاب "Qataban and Sheba" الصفحة "225".

Beitage S، 28 1

ص: 345

وعلى مسافة خمسة كيلومترات تقريبًا من مأرب، تقع خرائب معبد شهير، كانت له شهرة كبيرة عند السبئيين، يعرف اليوم بـ "حرم بلقيس" وبـ "محرم بلقيس"، وهو معبد "المقه بعل أوم"، أي معبد الإله "المقه" رب "أوام"، ويرى بعض الباحثين أن هذا المعبد هو مثل معبد "المقه" في "صرواح" والمعبد المسمى اليوم بـ"المساجد" من المعابد التي بنيت في القرن الثامن قبل الميلاد. وقد بناها المكرب "يدع ايل ذرح". وقد يكون المعبد الخرب في "روديسيا" والمعبد الآخر في "اوكاندا""أوغاندا"، من المعابد المتأثرة

تمثال من البرنز عثر عليه في معبد أوام بمأرب.

من كتاب:Qataban and Sheba "الصفحة 276".

بطراز بناء معبد "حرم بلقيس"، فإن بينهما وبين هذا المعبد شبهًا كبيرًا في طراز البناء وفي المساحة والأبعاد1.

وعلى مسافة غير بعيدة من "حرم بلقيس"، خرائب تسمى "عمائد".

1 Beilraga، S، 28

ص: 346