الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويبسر.. وتصوير مشهد سقر، لا تبقي ولا تذر، لوّاحة للبشر.
مع آيات السورة
[الآيات 1- 7] : بدأت السورة بنداء النبي الكريم (ص) ليقوم بأمر جليل هو إنذار البشرية، وتخليصها من الشرّ في الدنيا، ومن النار في الاخرة.
ثم يوجه الله سبحانه رسوله الأكرم في خاصة نفسه، بأن يكبّر ربه وحده، فهو سبحانه الكبير المتعالي، وهو القوي المتين، وهو على كل شيء قدير. ويوجّهه إلى التطهير بأنواعه، ويشمل طهارة الثوب، وطهارة البدن، وطهارة القلب، ليكون أهلا للتلقي عن الملأ الأعلى، ويوجهه إلى هجران الشرك، وموجبات العذاب والتحرّز، والتطهر من مس هذا الدّنس.
ويوجهه إلى إنكار ذاته، وعدم المن بما يقدمه من الجهد أو استكثاره أو استعظامه، فكلّ ما يقدّمه الإنسان من خير هو بتوفيق الله وعونه، وذلك يستحق الشكر لله لا المنّ والاستكثار.
ويوجهه سبحانه أخيرا إلى الصبر على الطاعة، والصبر على الأذى والتكذيب، وعدم الجزع من أذى المخالفين.
[الآيات 8- 30] : حينما ينفخ إسرافيل في الصّور، يواجه الكافرين يوم عسير، لا يسر فيه ولا هوادة، بل يجدون الحساب السريع والجزاء العادل والعقاب الرادع.
وقد روى ابن جرير الطبري أنّ الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة، حينما فكّر في تهمة يلصقها بالنبي (ص) ثم ادّعى أن النبي (ص) ساحر وقد كان الوليد يسمّى الوحيد، لأنه وحيد في قومه، فماله كثير، فيه الزرع والضّرع والتجارة، وله عشرة أبناء يشهدون المحافل والمجامع، أسلم منهم ثلاثة:
خالد وهشام وعمارة، وقد بسط الله له الرزق، وطال عمره مع الجاه العريض والرياسة في قومه، وكان يسمّى ريحانة قريش.
ويتّجه السياق إلى تهديد هذا المشرك، فيقول تعالى ما معناه: خلّ بيني وبين هذا المشرك، الذي أخرجته من بطن أمه وحيدا، لا مال له ولا ولد، ثمّ بسطت له الرزق والجاه العريض، فكفر بأنعم الله عليه.
لقد أعطيته المال الكثير، ورزقته بنين
من حوله حاضرين شهودا، فهو منهم في أنس وعزوة، ومهّدت له الحياة ويسّرتها له تيسيرا ثمّ هو يطمع في مزيد من الثراء والجاه. كلا لن نزيده من نعمنا، بل سنذهب عنه كلّ ما أنعمنا به عليه، لأنّه كان معاندا ومعارضا لآيات القرآن الكريم سأكلّفه ما لا يطيق من كربة وضيق، كأنما يصعد في السماء، أو يصعد الجبال الوعرة الشاقة.
إنّه فكّر وتروّى: ماذا يقول في القرآن، وبماذا يصفه حينما سئل عن ذلك، ثمّ لعن كيف قدّر، ثم نظر إلى قومه في جدّ مصطنع، وقطّب وجهه عابسا، وقبض ملامح وجهه باسرا ليستجمع فكره، فقال: ما هذا القرآن إلّا سحر، ينقله محمّد عن السحرة، كمسيلمة وأهل بابل، وليس هذا من كلام الله، وإنّما هو من كلام البشر.
سأدخله سقر، وماذا تعلم عنها، إنّها شيء أعظم وأهول من الإدراك، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) فهي تكنس كنسا، وتبلغ بلعا وتمحو محوا، فلا يقف لها شيء، ولا يبقى وراءها شيء، ولا يفضل منها شيء، وهي لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) تلوّح الجلد فتحرقه وتغيّر لونه، على النار تسعة عشر، لا ندري:
أأفراد من الملائكة الغلاظ الشداد هم، أم صفوف، أم أنواع من الملائكة وصنوف.
[الآية 31] : ولم نجعل المدّبرين لأمر النار إلّا ملائكة، فمن يطيق الملائكة ومن يغلبهم.
وما جعلنا عددهم تسعة عشر إلّا امتحانا للذين كفروا، وليستيقن الذين أوتوا الكتاب بصحّة القرآن، لأنهم يرون أن ما يجيء فيه موافق لما في كتبهم. ويزداد الذين آمنوا ايمانا، وذلك بتصديق أهل الكتاب له.
وتستشعر قلوب المؤمنين بحكمة الله في هذا العدد، وتقديره الدقيق في الخلق. وتثبت هذه الحقيقة في قلوب أهل الكتاب، وقلوب المؤمنين، فلا يرتابون بعدها فيما يأتيهم من عند الله.
وليقول الذين في قلوبهم مرض النفاق، والكافرون: ماذا أراد الله بهذا العدد المستغرب استغراب المثل؟
كذلك يضلّ الله من يشاء من المنافقين والمشركين، لسوء استعدادهم، ويهدي من يشاء من المؤمنين، لتزكية نفوسهم، وتوجيه استعدادهم للخير، وما يعلم جموع
خلق الله إلّا هو. وإنّ خزنة النار، وإن كانوا تسعة عشر، فإن لهم من الأعوان والجنود من الملائكة، ما لا يعلمه إلّا الله سبحانه، وما هذه السورة إلّا تذكرة للبشر.
[الآيات 32- 38] : كلا وحقّ القمر، والليل إذا تولّى، والصبح إذا تجلّى، إنّ الاخرة وما فيها، أو سقر والجنود التي عليها، هي إحدى الأمور الكبيرة العجيبة، المنذرة للبشر، بما وراءهم من الخطر ولكلّ نفس أن تختار طريقها، وأن تتقدم في سبيل الخير أو تتخلّف عنه.
[الآيات 39- 48] : تعرض هذه الآيات مقام أصحاب اليمين، فهم في جنّات يسأل بعضهم بعضا عن المجرمين.
ويقال لهم: أيّها المجرمون ما الذي أدخلكم في جهنّم؟ فيعترفون اعترافا طويلا مفصّلا، يتناول الجرائر الكثيرة التي انتهت بالمجرمين إلى سقر.
قالوا دخلنا جهنّم، لأننا لم نك من المؤمنين، ولم نك نطعم المساكين، وكنّا نخوض في الباطل مع الخائضين، وكنّا نكذّب بيوم الجزاء والحساب، حتّى جاءنا الموت الذي يقطع كلّ شكّ، وينهي كلّ ريب، فما تنفعهم بعد ذلك شفاعة الشافعين، لأنه يكون قد انقضى وقت الإمهال.
[الآيات 49- 56] : فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) : إذا كان الحال في الاخرة سيكون كما وصفنا في الآيات السابقة، فما بالهم معرضين عن القرآن؟ كأنهم، في هربهم من سماع كلام الله ونفورهم منه، حمير نافرة، فرّت من أسد تطلب النجاة من بطشه.
تلك هيئتهم الظاهرة.
ثمّ يرسم القرآن نفوسهم من الداخل، وما يعتلج فيها من المشاعر فيبين أنّ الحسد هو الذي منعهم من الإيمان، بل يرغب كل منهم أن يكون في منزلة الرسول (ص) ، وأن يؤتى صحفا تنشر على الناس وتعلن، وإنّما حملهم على ذلك أنّهم لا يصدّقون بالآخرة، ولا يخافون أهوالها، وأن هذا القرآن تذكرة تنبّه وتذكّر، فمن أراد الانتفاع بالقرآن قرأه وانتفع به.
وما يهتدون إلّا بمشيئة الله، هو سبحانه أهل بأن يتّقى عذابه، وترجّى مغفرته، وهو سبحانه صاحب المغفرة يتفضّل بها على عباده وفق مشيئته.