الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول أهداف سورة «الحاقّة»
«1»
سورة الحاقّة سورة مكّيّة، آياتها 52 آية، نزلت بعد سورة الملك.
هي نموذج للسورة المكّيّة، التي تستولي على القلوب، بأهوالها ومشاهدها، وأفكارها المتتابعة، وفواصلها القصيرة.
في بداية السّورة نلحظ هذه الرهبة من اسمها، الحاقّة، لأنّ وقوعها حقّ يقينيّ ثمّ تصف مصارع المكذبين، من ثمود الى عاد الى فرعون ثمّ تنتقل الى مشاهد القيامة وأهوالها وصورها، وتنوّع الناس إلى فريقين، فريق يأخذ كتابه باليمين، وفريق يأخذ كتابه بالشّمال ويلقى كل فريق ما يستحق.
وفي المقطع الأخير من السورة، تؤكّد الآيات صدق رسول الله، وتنفي عنه تهم المشركين، وتثبت أنّ القرآن حقّ يقين، من عند رب العالمين.
مع آيات السورة
[الآيات 1- 3] : الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) .
القيامة ومشاهدها وأحداثها تشغل معظم هذه السورة، ومن ثمّ تبدأ السورة باسم من أسماء القيامة:
(الحاقّة) : أي الساعة الواجبة الوقوع، الثابتة المجيء، وهي آتية لا ريب فيها، من «حقّ يحق» ، بالكسر، أي «وجب» .
وهذا المطلع يوحي بقدرة القدير، وضعف الإنسان فهو لن يترك سدى، بل أمامه يوم كلّه حقّ وعدل.
(1) . انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984.
والألفاظ في السورة توحي بهذا المعنى وتؤكده:
الْحَاقَّةُ ثم يتبعها باستفهام حافل بالاستهوال والاستعظام مَا الْحَاقَّةُ ما هي؟ أيّ شيء هي؟ أي حقّها أن يستفهم عنها لعظمها، وهذا أسلوب من الكلام يفيد التفخيم والمبالغة في الغرض الذي يساق له.
وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) أيّ شيء أعلمك ما هي، فهي خارجة عن دائرة علم المخلوقات، لعظم شأنها، ومدى هولها وشدّتها ثم يسكت الأسلوب فلا يجيب عن هذا السؤال لتذهب النفس في هوله وشدته كل مذهب.
ومن أسماء القيامة الحاقة، والقارعة لأنّها تقرع القلوب بأهوالها.
[الآيتان 4- 5] : تصف ما أصاب ثمود من العذاب وثمود كانت تسكن الحجر في شمالي الحجاز، بين الحجاز والشام، وقد كذبوا نبيّهم، فأرسل الله عليهم صيحة أهلكتهم وسمّيت الصيحة هنا طاغية، لأنّها جاوزت الحدّ في الشّدّة وسمّيت، في سور أخرى، بالصاعقة وبالرجفة والزّلزلة وهي صفات للصيحة تبيّن أثرها فيمن نزلت بهم.
[الآيات 6- 8] : تصف قصّة هلاك عاد، وقد كذبوا رسولهم، فأرسل الله عليهم ريحا باردة عاتية، استمرّت سبع ليال وثمانية أيام، حُسُوماً متتابعة، حتى هلك القوم أجمعون وقد كانوا يسكنون بالأحقاف، في جنوب الجزيرة بين اليمن وحضرموت، وكانوا أشدّاء بطّاشين جبّارين وكان الجزاء من جنس العمل.
[الآيتان 9- 10] : تصفان مجيء فرعون ومن تقدّمه من الأمم التي كفرت بآيات الله، كقوم نوح وعاد وثمود، والقرى التي ائتفكت بأهلها، أي انقلبت بهم، وهي قرى قوم لوط.
فقد عصى هؤلاء رسل الله، الذين أرسلوا إليهم، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
[الآيتان 11- 12] : ترسمان مشهد الطوفان والسفينة الجارية، وتشيران بهذا المشهد إلى مصرع قوم نوح حينما كذّبوا، وتمتنّان على البشر بنجاة أصولهم التي انبثقوا منها. والمشهور أن الناس كلهم من سلائل نوح وذريته.
[الآيات 13- 18] : تصف أهوال القيامة وأحداثها، فإسرافيل ينفخ في الصور، وتسوّى الأرض والجبال،
وتدكّ كالكرة فيستوي عاليها بأسفلها عندئذ نزلت النازلة، وجاءت القيامة.
وقد انفرط عقد الكون المنظور، واختلّت روابطه وضوابطه التي تمسك به، فترى السماء مشقّقة واهية مسترخية، ساقطة القوة بعد ما كانت محكمة. والسماء مسكن الملائكة، فإذا انشقت تعلّق الملائكة بجوانبها وأطرافها، والعرش فوقهم يحمله ثمانية: ثمانية أملاك، أو ثمانية صفوف منهم، أو ثمانية أصناف، أو طبقات من طبقاتهم، أو ثمانية مما يعلم الله، ولا ندري نحن من هم ولا ما هم.
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18) فالكلّ مكشوف، مكشوف الجسد، مكشوف النفس، مكشوف الضمير، مكشوف المصير.
ألا إنه لأمر عصيب، وقوف الإنسان عريان الجسد، عريان النفس، عريان المشاعر، عريان التاريخ، عريان العمل، ما ظهر منه وما استتر، أمام تلك الحشود الهائلة من خلق الله من الإنس والجن والملائكة، وتحت جلال الله وعرشه المرفوع فوق الجميع.
[الآيات 19- 24] : تصف مشهد المؤمن الناجي، وهو ينطلق في فرحة غامرة بين الجموع الحاشدة، وتملأ الفرحة جوانحه فيهتف: اقرءوا كتابي فأنا من الناجين، لقد أيقنت بالجزاء والحساب. فيعيش حياة ناعمة، في جنّة عالية، ثمارها قريبة التناول، ويقول لهم ربّهم جل ثناؤه: كلوا وتمتّعوا جزاء عملكم السابق، وطاعتكم لربكم.
[الآيات 25- 29] : تصف حسرة المشرك، وبؤسه ويأسه، فهو يتمنّى أنّه لم يأت للموقف، ولم يؤت كتابه، ولم يدر ما حسابه، كما يتمنّى أن لو كانت هذه القارعة هي القاضية، التي تنهي وجوده أصلا، فلا يعود بعدها شيئا.
ثمّ يتحسّر أن لا شيء نافعه مما كان يعتز به أو يجمعه، فلا المال أغنى أو نفع، ولا السلطان بقي أو دفع، والرّنّة الحزينة الحسيرة المديدة في طرف الفاصلة الساكنة، وفي ياء العلة بعد المد بالألف، في تحزّن وتحسّر، تشعر بالحسرة والأسى والحزن العميق.
[في الآيات 30- 32] : يقال لملائكة العذاب خذوه إلى جهنّم، فيبتدره سبعون ألف ملك، كلّهم يبادر إلى جعل الغلّ في عنقه، ويتقدّم
ليصطلي نار الجحيم ويشوى بها، ويدخل في سلسلة طولها سبعون ذراعا تلفّ على جميع جسمه وذراع واحد من سلاسل النار تكفيه، ولكن الآية تكشف عن شدة العذاب وهوله، حفظنا الله من عذاب النار.
[الآيتان 33- 34] : تذكّران أسباب العذاب والسعير، فقد خلا قلب هذا الكافر من الإيمان بالله، كما خلا قلبه من الرحمة بالعباد، ومن العطف على المساكين، ومن الحثّ على إطعامهم والبرّ بهم.
[الآيات 35- 37] : تخبرنا أنّ الكافر لا يجد له صديقا ولا حميما يؤنسه، ولا يأكل الا غسالة أهل جهنم من القيح والصديد، وهو طعام لا يأكله إلّا المذنبون، المتصفون بالخطيئة، فليتّق الله كلّ غنيّ في ماله، وليعلم أنّ للمساكين والأرامل والشيوخ والأطفال حقا في هذا المال، وسيترك المال لورثته ويسأل هو عن زكاته.
[الآيات 38- 43] : تبيّن لنا أنّ الوجود أضخم بكثير ممّا يرى البشر، والكون مملوء بعقول فعّالة غير عقولنا.
والآيات تقسم بما تشاهدون من المخلوقات وبما غاب عنكم. وقال عطاء: ما تبصرون من آثار القدرة، وما لا تبصرون من أسرار القدرة.
إن القرآن كلام الله ومنهج الله وشريعة الله، وليس قول شاعر ولا قول كاهن انّما هو قول رسول أرسل به من عند الله، فحمله الى عباد الله بأمانة وإخلاص في تبليغ الرسالة.
في [الآيات 44- 46] : أن قدرة الله قدرة بالغة، ولو تقوّل محمّد بعض الأقاويل، لعاجلناه بالعقوبة، وأزهقنا روحه، فكان كمن قطع وتينه. وهذا تصوير للهلاك بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه، إذ يأخذه السيّاف بيمينه، ويكفحه بالسيف ويضرب عنقه.
(1) . أ. كريسى موريسون. رئيس أكاديمية العلوم في نيويورك. في كتابه المترجم. بعنوان «العلم يدعو الى الايمان» .