الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الحاقّة»
«1»
في قوله تعالى: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (6) استعارة.
والمراد بالصّرصر الباردة. وهو مأخوذ من الصّرّ. والعاتية: الشديدة الهبوب التي ترد بغير ترتيب، مشبّهة بالرجل العاتي، وهو المتمرّد الذي لا يبالي على ما أقدم، ولا في ما ولج ووقع.
وفي قوله سبحانه: فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10) استعارة: المراد بالرّابية هاهنا: العالية القاهرة. من قولهم: ربا الشيء إذا زاد. والرّبا مأخوذ من هذا.
فكأنّ تلك الأخذة كانت قاهرة لهم، وغالبة عليهم.
وفي قوله سبحانه: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (11) استعارة.
والمراد بها قريب من المراد بالاستعارتين الأوليين، وهو تشبيه للماء في طموّ أمواجه، وارتفاع أثباجه «2» بحال الرجل الطاغي، الذي علا متجبرا وشمخ متكبرا.
وقال بعضهم: معنى طغى الماء أي كثر على خزّانه، فلم يضبطوا مقدار ما خرج منه كثرة، لأن للماء خزنة، وللرياح خزنة من الملائكة عليهم السلام، يخرجون منهما على قدر ما يراه الله سبحانه من مصالح العباد، ومنافع البلاد، على ما وردت به الآثار.
وفي قوله تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) ، استعارة. وكان الوجه أن
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(2)
. الأثباج: جمع مفردة ثبج، وهو وسط الشيء الرّابي.
يقال في عيشة مرضيّة. ولكن المعنى خرج على مخرج قولهم: شعر شاعر، وليل ساهر. إذا شعر في ذلك الشعر وسهر في ذلك الليل، فكأنهما وصفا بما يكون فيهما، لا بما يكون منهما.
فبان أنّ تلك العيشة، لما كانت بحيث يرضي الإنسان فيها حاله جاز أن توصف هي بالرضا. فيقال راضية.
على المعنى الذي أشرنا إليه. وعلى ذلك قول أوس بن حجر: «2» جدلت على ليلة ساهرة بصحراء شرج إلى ناظره «3» وصف الليلة بصفة الساهر فيها، وظاهر الصفة أنها لها.
وقال بعضهم: إنّما قال تعالى:
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) لأنها في معنى ذات رضى، كما قيل: لابن وتامر. أي ذو لبن وتمر.
وكما قالوا لذي الدّرع: دارع، ولذي النّبل: نابل، ولصاحب الفرس: فارس. وإنما جاءوا به على النّسب، ولم يجيئوا به على الفعل. وعلى ذلك قول النابغة الذبياني «4» :
كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب أي: ذي نصب. قال فكأن العيشة أعطيت من النعيم حتّى رضيت، فحسن أن يقال: راضية، لأنّها بمنزلة الطالب للرضا، كما أنّ الشهوة بمنزلة الطالب المشتهى.
وفي قوله سبحانه: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) استعارة على أحد التأويلات، وهو أن يكون المراد باليمين هاهنا القوّة والقدرة. فيكون المعنى: أنه لو فعل ما نكره فعله لانتقمنا منه عن قدرة، وعاقبناه عن قوّة.
وقد يجوز أن تكون اليمين هاهنا
(2) . هو أوس بن حجر بن مالك التميمي، كان شاعر تميم في الجاهلية، وعمّر طويلا، ولم يدرك الإسلام وفي شعره رقة وحكمة. وهو صاحب الأبيات المشهورة التي أولها:
أيتها النفس أجملي جزعا
…
إن الذي تحذرين قد وقعا
(3)
. البيت في «الأغاني» ج 11 ص. 72 وفي مخطوطتنا هذه «حدلت» بالحاء المهملة، وفي أصول «الأغاني» خذلت بالخاء والذال المعجمتين. وجدلت: صرعت. وشرج، وناظرة: اسما مكان بأرض بني أسد.
(4)
. هو أشهر من أن نعرّف به هنا، وهو من شعراء الجاهلية المقدّمين، وأخباره مع النعمان بن المنذر واعتذاراته له معروفة متعالمة. [.....]
راجعة على النبي (ص) فيكون المعنى:
لو فعل ذلك لسلبناه قدرته، وانتزعنا منه قوّته. ويكون ذلك كقوله سبحانه:
تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون: 20] أي تنبت الدّهن على بعض التأويلات. وكقول الشاعر «5» :
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج أي نرجو الفرج.
(5) . هو النابغة الجعدي، كما في «معجم ياقوت» و «تاج العروس» وقد نقل ذلك عنهما محقق «معجم ما استعجم» للبكري ص 1029، والبيت كاملا هو:
نحن بنو جعدة أرباب الفلج
…
نضرب بالبيض ونرجو بالفرج
والفلج بفتحتين: اسم مكان لبني جعدة، من قيس، ببلاد نجد.