الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها القلوب وتارة يواجهها بالهول المرعب، والصرخة المفزعة، التي تفتح الأعين على الخطر الداهم القريب وتارة يواجهها بالحقيقة في بساطة ونصاعة وتارة يواجهها بالأمل والرجاء، الذي يهتف لها ويناجيها وتارة يتخيّل مساربها ودروبها ومنحنياتها، فيلقي عليها الأضواء الكاشفة.. ومئات اللمسات والمؤثّرات، يطلع عليها قارئ القرآن الكريم» «1» ، وهو يتابع تلك المعركة الطويلة، التي قادها القرآن على عادات الجاهلية وركامها حتى انتصر عليها.
وسورة المعارج لون من ألوان البيان القرآني، في تقرير حقيقة الاخرة، وما فيها من جزاء، وموازين هذا الجزاء، وإقرار هذه الحقيقة في النفوس. وتكاد تكون لونا من ألوان السياط اللاذعة، والأضواء الكاشفة، التي ساقها القرآن الكريم لتفتح عيون المشركين على ما هم فيه من ضلال، وما ينتظرهم من حساب وعقاب.
مع آيات السورة
[الآيات 1- 5] : يسأل المشركون «2» رسول الله (ص) سؤال استهزاء عن العذاب الذي يخوّفهم به ويجيب الله سبحانه، بأنه واقع لا شك في وقوعه، ولا يستطيع أحد دفعه وهذا العذاب من الله ذي الدرجات العلى. ويأمر الله تعالى نبيه (ص) بالصبر الجميل الهادئ.
[الآيات 6- 14] : كان الكفّار ينكرون حقيقة الاخرة، ويرونها بعيدة الوقوع، وقد لقيت منهم معارضة نفسية عميقة، وكانوا يتلقّونها ببالغ العجب والدهشة والاستغراب.
وقد بيّنت الآيات أن ذلك اليوم قريب الوقوع، وكل آت قريب، ثم رسمت مشاهد هذا اليوم، في مجال الكون وأغوار النفس، وهي مشاهد توحي بالهول الشديد، في الكون وفي النفس. وفي يوم القيامة تكون السماء (كالمهل) والمهل: ذوب المعادن الكدر، أي كدرديّ «3» الزيت. وتكون
(1) . في ظلال القرآن 29: 96 بتصرف.
(2)
. رواية عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن الذي سأل هو النضر بن الحارث، وفي رواية أخرى عنه قال: ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم.
(3)
. درديّ الزيت وغيره: ما يبقى في أسفله.
الجبال (كالعهن) : أي كالصوف الواهن المنتفش. ويتمنّى الكافر في ذلك اليوم لو يفتدى من العذاب ببنيه، وزوجته وأخيه، وقبيلته وجميع من في الأرض. وهي صورة للهول الشديد الذي يصيب الكافر فيتمنّى النجاة ولو قدّم أعز الناس إليه. ومن كان يفتديهم بنفسه في الحياة.
[الآيات 15- 18] : تردع هذه الآيات هذا الكافر، عن تلك الأماني المستحيلة، في الافتداء بالبنين والعشيرة. وتبيّن للكافر أنّ ما أمامه هو النار، تتلظّى وتتحرّق، وتنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا وهي غول مفزعة تنادي من أعرض عن الحق، وحرص على المال، وبخل به ليدخل فيها.
[الآيات 19- 21] : جبل الإنسان على الهلع فهو قليل الصبر، شديد الحرص، يجزع إذا نزل به الضرّ والألم، فلا يتصوّر أن هناك فرجا ومن ثم يأكله الجزع، ويمزّقه الهلع، كما يغلبه الحرص والبخل عند وجود المال والعافية.
[الآيات 22- 35] : تستثني هذه الآيات المصلّين، فإنّهم يحافظون على صلاتهم، فتمنحهم الصلاة الثبات والاستقرار، وتراهم صابرين في البأساء، شاكرين في النعماء، يخرجون زكاة أموالهم، ويتصدّقون على الفقراء، ويصدّقون بيوم الجزاء، ويخافون غضب الله وعقابه، ويتّسمون بالاستقامة والعفة، وحفظ الفروج عن الحرام، والتمتّع بالحلال من الزوجة وملك اليمين، وأداء الشهادة بالحق والعدل، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها، وأداء سننها وآدابها وخشوعها تلك الصفات هي صفات هذا الفريق المؤمن، الذي يستحق الجنّة والتكريم، ويتمتّع بالنعيم الحسّي، والنعيم الروحي: أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) .
[الآيتان 36- 37] : تعرض هاتان الآيتان مشهدا من مشاهد الدعوة في مكة، والمشركون يسرعون الخطى، الى المكان الذي يكون فيه الرسول (ص) يتلو القرآن الكريم ثم يتفرّقون حواليه جماعات وفئات، لا ليسمعوا ويهتدوا، ولكن ليستطلعوا ثم يتفرقوا، يدبرون الكيد والردّ على ما سمعوا.
[الآية 38] : أيطمعون في دخول