الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «التحريم»
«1»
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة التحريم بعد سورة الحجرات، ونزلت سورة الحجرات فيما بين صلح الحديبية وغزوة تبوك، فيكون نزول سورة التحريم في ذلك التاريخ أيضا.
وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم، لقوله تعالى في أولها: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [الآية 1] ، وتبلغ آياتها اثنتي عشرة آية.
الغرض منها وترتيبها
نزلت هذه السورة في ما كان من عائشة وحفصة حين شرب النبي (ص) عسلا عند زينب بنت جحش، فتواطأتا وقالتا له: إنّا نشمّ منك ريح المغافير.
وهو جمع مغفر، أو مغفر، أو مغفور، أو مغفار، أو مغفير، وهو شيء ينضحه الثّمام «2» يشبه العسل، وريحه كريهة منكرة. فلمّا سمع منهما ذلك حرّم العسل على نفسه، فنزلت هذه السورة لعتابه على تحريم ما أحلّ الله له، وتهديد نسائه بطلاقهنّ إن لم يتبن عن هذه الغيرة فيما بينهنّ والمناسبة بين هذه السورة وسورة الطلاق أنّها في شأن النساء أيضا.
قصة التحريم الآيات [1- 12]
قال الله تعالى:
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز- المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة، القاهرة، غير مؤرّخ.
(2)
. الثّمام: نبت عشبيّ برّيّ وزراعي. واحدته ثمامة.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) ، فعاتب النبي (ص) على تحريم العسل الذي أحلّه له ابتغاء مرضاة أزواجه، وذكر، سبحانه، أنه شرع لهم أن يتحلّلوا من أيمانهم بالكفّارة، ليتحلّل النبيّ (ص) من يمينه ويعود إلى شرب العسل وكان النبيّ (ص) قد أسرّ إلى حفصة بتحريمه لئلّا يحرّمه أصحابه على أنفسهم اقتداء به، فأخبرت به عائشة، وأطلعه الله على إفشائها سرّه ثم ذكر، جلّ وعلا، لهما أنهما إن يتوبا ممّا فعلا كان خيرا لهما لأنّ قلوبهما مالت عن الحق بما فعلا، وأنهما إن يستمرّا على تظاهرهما على النبي (ص) ، فإنه، جلّ شأنه، هو مولاه وجبريل والمؤمنون والملائكة، وعسى، إن طلقهنّ، أن يبدله أزواجا خيرا منهن ثم انتقل السياق منهنّ إلى المؤمنين عامّة، فأمرهم أن يقوا أنفسهم وأهليهم من مثل هذا نارا وقودها الناس والحجارة، وذكر سبحانه أنه يقال لوقودها من الكفّار: لا تعتذروا اليوم، إنما تجزون ما كنتم تعملون ثم أمرهم أن يتوبوا إليه تعالى توبة نصوحا ليكفّر عنهم سيئاتهم ويدخلهم جناته، ويجعل لهم نورا يسعى بين أيديهم وأيمانهم، فيقولوا ربّنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا، إنّك على كل شيء قدير.
ثم أمر النبي (ص) بمجاهدة الكفّار والمنافقين لئلّا تشغله تلك الأمور من نسائه عنها، وضرب مثلا لنسائه امرأة نوح وامرأة لوط حين خانتا زوجيهما، فلم يغنيا عنهما من الله شيئا، ليحذرن هذا المصير إذا اخترن أن يتظاهرن على النبي (ص) . وضرب لهنّ مثلا آخر في الترغيب بعد الترهيب، اثنتين من المؤمنات السابقات: إحداهما، امرأة فرعون حينما طلبت منه، جل جلاله، أن يبني لها بيتا في الجنّة وينجيها من فرعون وقومه والثانية، مريم ابنة عمران، وقد ختمت السورة بها فقال تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) .