الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «القلم»
«1»
في قوله سبحانه: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) استعارة. والمراد بها الكناية عن هول الأمر وشدّته، وعظم الخطب وفظاعته: لأنّ من عادة الناس أن يشمّروا عن سوقهم عند الأمور الصّعبة، التي يحتاج فيها إلى المعاركة، ويفزع عندها إلى الدّفاع والممانعة. فيكون تشمير الذيول عند ذلك أمكن للقراع، وأصدق للمصاع.
وقد جاء في أشعارهم ذكر ذلك في غير موضع. قال قيس «2» بن زهير بن جذيمة العبسي:
فإن شمّرت لك عن ساقها فويها ربيع فلا تسأم «3» وقال الاخر «4» :
قد شمّرت عن ساقها فشدّوا وجدّت الحرب بكم فجدّوا وفي قوله سبحانه:
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(2)
. قيس بن زهير هو صاحب الفرسين: داحس والغبراء بسببهما قامت الحرب بين عبس وذبيان ودامت أربعين سنة.
وتجد أخباره في «اللسان» و «أيام العرب» و «الشعر والشعراء» و «شعراء النصرانية» وغيرها.
(3)
. هكذا بالأصل. وفي «شعراء النصرانية» ص 927 يروى هكذا:
فإن شمرت لك عن ساقها
…
فويها ربيع ولم يسأموا
(4)
. هو رويشد بن رميض العنبري المعروف بشريح بن ضبيعة، كما في هامش «العقد الفريد» ج 4 ص 120 طبع لجنة التأليف والترجمة. وفي «شرح ديوان الحماسة» للمرزوقي، بتحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون أن اسمه رشيد بن رميض، لا رويشد. ويرجّح الأستاذ هارون أنه العنزي، لا العنبري، نسبة إلى بني عنزة، ص 354.
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) استعارة. ولها نظائر في القرآن.
منها قوله تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)[المزّمّل] وقوله سبحانه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11)[المدّثّر] . ومعنى ذلك أن الكلام خرج على مذهب للعرب معروف، وغرض مقصود. يقول قائلهم لمخاطبه إذا أراد تغليظ الوعيد لغيره: ذرني وفلانا فستعلم ما أنزله به. فالمراد إذن بهذا الخطاب النبي (ص) . فكأنه تعالى قال له: ذر عقابي وهؤلاء المكذّبين. أي اترك مسألتي في التخفيف عنهم، والإبقاء عليهم. لأنّ الله سبحانه لا يجوز عليه المنع، فيصحّ معنى قوله تعالى لنبيّه (ص) : ذرني وكذا، لأنه المالك لا ينازع، والقادر لا يدافع.
وفي قوله تعالى: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) استعارة. والمراد بالإزلاق هاهنا: إزلال القدم حتّى لا يستقر على الأرض. وذلك خارج على طريقة للعرب معروفة. يقول القائل منهم: نظر إليّ فلان نظرا يكاد يصرعني به. وذلك لا يكون إلا نظر المقت والإبغاض، وعند النزاع والخصام. وقال الشاعر:
يتقارضون إذا التقوا في موقف نظرا يزيل مواقف الأقدام وقد أنكر بعض العلماء أن يكون المراد بقوله تعالى: لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ [الآية 51] الإصابة بالعين، لأنّ هذا من نظر السخط والعداوة، وذلك من نظر الاستحسان والمحبّة.