الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «التحريم»
«1»
إن قيل: قوله تعالى: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ [الآية 4] ، إن كان المراد به الفرد فأيّ فرد هو، وأيضا فإنه لا يناسب مقابلة الملائكة الذين هم جمع وإن كان المراد به الجمع، فلماذا لم يكتب في المصحف بالواو؟
قلنا: هو فرد أريد به الجمع كقولك: لا يفعل هذا الفعل الصالح من الناس، تريد به الجنس كقولك: لا يفعله من صلح منهم، وقوله تعالى:
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)[المعارج]، وقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2)[العصر]، وقوله تعالى:
وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها [الحاقة: 17]، وقوله تعالى: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [غافر: 67] ونظائره كثيرة. الثاني أنه يجوز أن يكون جمعا، ولكنه كتب في المصحف بغير واو على اللفظ، كما جاءت ألفاظ كثيرة في المصحف على اللفظ دون اصطلاح الخط.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) ولم يقل ظهراء، وهو خبر عن الجمع، وهم الملائكة؟
قلنا: هو فرد وضع موضع الجمع كما سبق. الثاني: اسم على وزن المصدر كالزميل والدبيب والصليل، فيستوي فيه الإفراد والتثنية والجمع.
الثالث: أن فعيلا يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع، بدليل قوله تعالى:
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17)[ق] .
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.
فإن قيل: قوله تعالى بعد ذلك تعظيم للملائكة ومظاهرتهم، وقد تقدّمت نصرة الله تعالى وجبريل وصالح المؤمنين، ونصرة الله سبحانه أعظم؟
قلنا: مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله تعالى، فكأنّه فضل نصرته بهم على سائر وجوه نصرته لفضلهم وشرفهم، ولا شكّ أنّ نصرته بجميع الملائكة أعظم من نصرته بجبريل وحده، أو بصالح المؤمنين.
فإن قيل: كيف قال تعالى: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ [الآية 5] إلى آخر الآية، فأثبت الخيريّة لهنّ باتصافهنّ بهذه الصفات، وإنّما تثبت لهن الخيريّة بهذه الصفات لو لم تكن تلك الصفات ثابتة في نساء النبي (ص) وهي ثابتة فيهن؟
قلنا: المراد به «خيرا» منكن في حفظ قلبه ومتابعة رضاه، مع اتصافهن بهذه الصفات المشتركة بينكنّ، وبينهنّ.
فإن قيل: لم أخليت الصفات كلها عن الواو، وأثبتت بين الثيبات والأبكار؟
قلنا: لأنهما صفتان متضادتان لا تجتمعان فيهن اجتماع سائر الصفات، فلم يكن بد من الواو، ومن جعلها واو الثمانية فقد سها، لأن واو الثمانية لا يفسد الكلام بحذفها بخلاف هذه.
فإن قيل: هذه الصفات إنما ذكرت في معرض المدح، وأي مدح في كونهن ثيّبات؟
قلنا التثييب مدح من وجه، فإن الثّيب أقبل للميل بالنقل، وأكثر تجربة وعقلا، والبكارة مدح من وجه، فإنها أطهر وأطيب وأكثر مراغبة وملاعبة.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6)، بعد قوله سبحانه: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ؟
قلنا: قيل: المراد بالأمر الأول الأمر بالعبادات والطاعات، وبالأمر الثاني الأمر بتعذيب أهل النار، وقيل هو تأكيد.
فإن قيل: لم قال تعالى: تَوْبَةً نَصُوحاً [الآية 8] ولم يقل توبة نصوحة؟
قلنا: لأن «فعولا» من أوزان المبالغة الذي يستوي في لفظه الذكور والإناث كقولهم: امرأة صبور وشكور ونحوهما.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: مِنْ عِبادِنا [الآية 10] بعد قوله تعالى: كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ [الآية 10] .
قلنا: مدحهما والثناء عليهما بإضافتهما إليه إضافة التشريف والتخصيص، كما في قوله تعالى:
وَعِبادُ الرَّحْمنِ [الفرقان: 63] وقوله تعالى: فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29)[الفجر] وهو مبالغة في المعنى المقصود، وهو أن الإنسان لا ينفعه إلا صلاح نفسه لا صلاح غيره، وإن كان ذلك الغير في أعلى مراتب الصلاح والقرب من الله تعالى.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) ولم يقل سبحانه من القانتات؟
قلنا: معناه كانت من القوم القانتين:
أي المطيعين لله تعالى، يعني رهطها وأهلها، فكأنه تعالى قال: وكانت من بنات الصالحين. وقيل إن الله تعالى لمّا تقبلها في النذر وأعطاها مرتبة الذكور الذين كان لا يصلح النذر إلّا بهم، عاملها معاملة الذكور، في بعض الخطاب إشارة إلى ذلك، وقال تعالى:
وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)[آل عمران] وقال تعالى: وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) ، أو رعاية للفواصل.