الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأن يرسل إليهم جنودا لا قبل لهم بها، فلم تجد الملكة مفرّا من أن تذعن له، وتسافر إلى مقرّ ملكه فجمع قومه وأخبرهم بأنه يريد أن يحصل على عرشها قبل حضورها، فأخبره عفريت من الجن بأنه يستطيع أن يأتيه به قبل أن يقوم من مجلسه، وأخبره عالم من علماء قومه بأنه يستطيع أن يأتيه به قبل أن يرتدّ إليه طرفه، فشكر الله أن جعل في ملكه من يستطيع إحضار ذلك العرش في هذا الزمن، وقد أمرهم أن يغيّروا شيئا من شكله ليعرضه عليها، وينظر: أتعرف أنه عرشها أم لا تعرفه، ليختبر بذلك عقلها فلما جاءت عرض عليها وقيل لها: أهكذا عرشك؟ قالت كأنه هو، وذكرت أنها آمنت بالله وبقدرته من قبل هذه الآية ثم إنّ سليمان أمرها أن تدخل الصّرح، وكان قصرا من زجاج تحته ماء فلما رأته حسبته لجّة وكشفت عن ساقيها، فأخبرها بأنه صرح ممرّد من قوارير، فعجبت من ذلك، وآمنت بقدرة الله الذي أعطاه هذا الملك: الَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
(44)
.
ثم انتقل السّياق إلى قصة صالح وقومه ثمود، وقصة لوط وقومه، وهما هنا يخالفان ما سبق منهما في سياقهما وأسلوبهما، وفي ذكر بعض زيادات لم تسبق فيهما.
التنويه بهذه القصص وأصحابها الآيات [59- 93]
ثم قال تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) فأمر الله سبحانه، رسوله الأكرم (ص) أن يحمد الله على ما تلاه عليه من هذه القصص، وأن يسلم على من اصطفاه من أصحابها، وأن يسأل أولئك الذين لا يؤمنون بتنزيلها: آلله الذي ينزلها خير، أم آلهتهم التي لا تقدر على إنزال شيء منها؟ وقد ذكرت موازنات أخرى بعد هذه الموازنة، إلى أن أمروا، أمر تعجيز، بأن يأتوا ببرهان على أنها آلهة إن كانوا صادقين في زعمهم وذكر السياق أنه لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، جل جلاله، ومن عداه من آلهتهم وغير هم لا يشعرون أيّان يبعثون. ومع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة، ولكنهم شاكّون جاهلون، ومن أسباب ذلك فيهم أنهم يستبعدون أن يبعثوا بعد
أن يصيروا ترابا، ويزعمون أنهم قد وعدوا هذا هم وآباؤهم من قبلهم، فلم يحصل شيء منه، وقد أجاب تعالى عن هذا بأن أمرهم أن يسيروا في الأرض لينظروا كيف كان عاقبة المجرمين في الدنيا، فلا بدّ من أن يعاقبهم أيضا في الاخرة ثم ذكر استعجالهم ذلك على سبيل الاستهزاء، وأجاب عنه بأنه سيحصل لهم قريبا بعض منه في الدنيا، بتسليط المؤمنين عليهم، وأن رحمته هي التي اقتضت عدم تعجيله لهم، ولكنّ أكثر الناس لا يشكرون، ثم هدّدهم على ذلك، بأنه يعلم ما يخفون وما يعلنون وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (75) .
ثم أعاد التنويه بشأن تلك القصص، فذكر أن القرآن يقصّ منها على بني إسرائيل أكثر ما يختلفون فيه، فيهديهم إلى ما غاب عنهم من الصواب فيها، ثم أمر الرسول (ص) أن يتوكّل عليه ولا يلتفت إلى أعدائه لأنه على الحق المبين وذكر تعالى أن الرسول لا يؤثّر فيهم لأنهم موتى لا يسمعون، وعمي لا يبصرون، وإنما يسمع من يؤمن بآياته فهم مسلمون ثم ذكر تعالى ما يكون قبل يوم القيامة من خروج دابّة تخبر الناس بما كان من جحودهم بتلك الآيات، فتؤمن بما لم يؤمنوا به، وهي من العجماوات، ثم ذكر أنهم يحشرون إلى ربهم فيوبّخهم على تكذيبهم بآياته، وأنهم لا يجدون ما يعتذرون به، فلا يمكنهم أن ينطقوا بعذر، وذكر لهم آية واحدة تقطع عذرهم، وهي ما يرونه من أنه جعل لهم الليل ليسكنوا فيه، وجعل لهم النهار مبصرا وإنما آثر هذه الآية لأنهم يسكنون بالليل، ويبعثون بالنهار، كما يبعثون من الدنيا إلى الاخرة ثم ذكر ما يكون أيضا قبل يوم القيامة من النفخ في الصّور، وأنه يفزع به من في السماوات ومن في الأرض فيأتون صاغرين إليه، وأنه يجازيهم على أعمالهم، فيكون لمن جاء بالحسنة خير منها، ومن جاء بالسيّئة يكبّ في النار على وجهه.
ثم ختم السورة بأمر الرسول أن يخبرهم بأنه إنما أمر أن يعبد الله سبحانه، وحده وأن يتلو عليهم القرآن فمن اهتدى به، فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل، فليقل له إنما أنا من المنذرين وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) .