الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الحج»
«1»
إن قيل: قوله تعالى: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الآية 1] يدل على أن المعدوم شيء.
قلنا: لا نسلّم، ومستنده أن المراد أنها إذا وجدت كانت شيئا لا أنها شيء الآن، ويؤيد هذا قوله تعالى:
عَظِيمٌ مع أن المعدوم لا يوصف بالعظم.
فإن قيل: لم قال تعالى أوّلا: يَوْمَ تَرَوْنَها
[الآية 2] بلفظ الجمع، ثم أفرد فقال في الآية نفسها: وَتَرَى النَّاسَ
؟
قلنا: لأن الرؤية أولا علّقت بالزّلزلة، فجعل الناس كلهم رائين لها، وعلقت آخرا بكون الناس على هيئة السكارى، فلا بد من أن يجعل كل واحد منهم رائيا لسائرهم.
فإن قيل: لم قال تعالى في حق النضر بن الحارث: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ [الآية 3] إلى أن قال لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الآية 9] وهو ما كان غرضه في جداله الضلال عن سبيل الله، فكيف علل جداله به وما كان أيضا مهتديا حتى إذا جادل خرج بالجدال من الهدى إلى الضلال؟
قلنا: هذه لام العاقبة والصيرورة، وقد سبق ذكرها غير مرة، ولما كان الهدى معرضا له، فتركه وأعرض عنه وأقبل على الجدال بالباطل، جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال.
فإن قيل: النفع والضر منفيان عن
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.
الأصنام مثبتان لها في الآيتين، فكيف التوفيق بينهما؟
قلنا: معناه يعبد من دون الله ما لا يضره بنفسه إن لم يعبده، ولا ينفعه بنفسه إن عبده، ثم قال: يعبد من يضره الله بسبب عبادته، وإنما أضاف الضرر إليه لحصوله بسببه.
فإن قيل: قوله تعالى: أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ [الآية 13] يدل على أن في عبادة الصنم نفعا، وإن كان فيها ضرر؟
قلنا: معناه أقرب من النفع المنسوب إليه في زعمهم، وهو اعتقادهم أنه يشفع لهم.
فإن قيل: لم قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الآية 39] أي بسبب كونهم مظلومين، ولم يبين ما الشيء الذي أذن لهم فيه؟
قلنا: تقديره: أذن للذين يقاتلون في القتال، وإنما حذف لدلالة «يقاتلون» عليه ولدلالة الحال أيضا، فإن كفار مكة يؤذون المؤمنين بأنواع الأذى وهم يستأذنون النبي (ص) في قتالهم، فيقول:«لم يؤذن لي في ذلك» . حتى هاجر إلى المدينة فنزلت هذه الآية، وهي أول آية نزلت في الإذن في القتال، فنسخت سبعين آية ناهية عن القتال، كذا قال ابن عباس رضي الله عنهما، فكان المأذون فيه ظاهرا لكونه مترقّبا منتظرا.
فإن قيل: ما وجه الاستثناء في قوله تعالى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الآية 40] ؟
قلنا: هو استثناء منقطع تقديره: لكن أخرجوا بقولهم: ربنا الله. الثاني أنه بمنزلة قول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب تقديره: إن كان فيهم عيب فهو هذا، وليس بعيب فلا يكون فيهم عيب.
فإن قيل: أي منّة على المؤمنين في حفظ الصوامع والبيع والصلوات: أي الكنائس عن الهدم حتى امتن عليهم بذلك في قوله تعالى وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [الآية 40] ؟
قلنا: المنّة في ذلك أن الصوامع والبيع والكنائس في حرم المسلمين وحراستهم وحفظهم، لأن أهلها ذمة للمسلمين. الثاني أن المراد به لهدّمت صوامع وبيع في زمن عيسى (ع) ،
وصلوات: أي كنائس في زمن موسى (ع) ، ومساجد في زمن النبي (ص) ، فالامتنان على أهل الرسالات الثلاث.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَكُذِّبَ مُوسى [الآية 44] ولم يقل و «كذّب قوم موسى» ، كما قال الله تعالى فيما قبله؟
قلنا: لأن موسى (ع) ما كذّبه قومه بنو إسرائيل، وإنما كذبه غير قومه وهم القبط. الثاني: أن يكون التنكير والإبهام للتفخيم والتعظيم كأنه قال تعالى: بعد ما ذكر تكذيب كل قوم رسولهم: وكذّب موسى أيضا مع وضوح آياته وعظم معجزاته، فما ظنك بغيره.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) ؟
قلنا: الحكمة فيه المبالغة في التأكيد كما في قوله تعالى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الأنعام: 38] وقوله تعالى يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ [الفتح: 11] وما أشبه ذلك: أن القلب هنا يستعمل بمعنى العقل، ومنه قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: 37] أي عقل في أحد القولين، فكان التقييد احترازا على قول من زعم أن العقل في الرأس.
فإن قيل: المغفرة إنما تكون لمن يعمل السيئات، لا لمن يعمل الصالحات والحسنات، فلم قال تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ [الآية 50] ؟
قلنا: المراد بالعمل الصالح هنا الإخلاص في الإيمان فيصير المعنى:
فالذين آمنوا عن إخلاص نغفر لهم سيئاتهم.
فإن قيل: ما الفرق بين الرسول والنبي، مع أن كليهما مرسل بدليل قوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ [الآية 52] .
قلنا: الفرق بينهما أن الرسول من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من جمع له بين المعجزة وأنزل الكتاب عليه.
والنبي فقط: من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أمر أن يدعو أمته إلى شريعة من قبله. وقيل الرسول من كانت له معجزة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والنبي من لم تكن له منهم معجزة، وفي هذا نظر. وقيل الرسول من كان مبعوثا إلى أمّة، والنبي فقط من لم يكن مبعوثا إلى أحد مع كونه نبيّا، والجواب
عمّا في الآية من هذا القول أن فيه إضمارا تقديره: وما أرسلنا من رسول ولا نبأنا من نبيّ، أو ولا كان من نبيّ ويقول الشاعر:
ورأيت زوجك في الوغى متقلّدا سيفا ورمحا أي ومتعلقا رمحا أو حاملا رمحا.
فإن قيل: أين المثل المضروب في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الآية 73] والمذكور بعده، وهو قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الآية 73] إلى آخره ليس بمثل، بل هو كلام مبتدأ مستقل بنفسه؟
قلنا: الصفة والقصة الغريبة أو المستحسنة تسمى مثلا، ومنه قوله تعالى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [البقرة: 17] فالمعنى يثبت بصفة، وهي عجز الصنم عن خلق الذباب واستنقاذ ما يسلبه، وقيل هو إشارة إلى قوله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً [العنكبوت: 41] وإنما أبهم هنا.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الآية 78] مع أن قطع اليد بسبب سرقة عشرة دراهم حرج في الدين وكذا رجم المحصن بسبب الوطء مرة واحدة، ووجوب صوم شهرين متتابعين بسبب إفطار يوم واحد من رمضان بوطء، والمخاطرة بالنفس والمال في الحجّ والعمرة كل ذلك حرج بيّن؟
قلنا: المراد بالدين كلمة التوحيد، فإنها تكفّر شرك سبعين سنة، ولا يتوقف تأثيرها على الإيمان والإخلاص سبعين سنة، ولا على أن يكون الإثبات بها في بيت الله تعالى أو في زمان أو مكان معين. وقيل المراد به أن كل ما يقع فيه الإنسان من الذنوب والمعاصي يجد له مخرجا في الشرع بتوبة أو كفّارة أو رخصة. وقيل المراد به فتح باب التوبة للمذنبين، وفتح أبواب الرّخص للمعذورين، وشروع الكفارات والديات وقيل المراد به نفي الحرج الذي كان على بني إسرائيل من الإصر والتشديد.
فإن قيل: لم قال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ [الآية 78] وإبراهيم صلوات الله عليه لم يكن أبا للأمة كلها؟
قلنا: هو أبو رسول الله (ص) ، فكان
أبا لأمته، لأن أمّة الرسول بمنزلة أولاده من جهة العطف والشفقة، هذا إذا كان الخطاب لعامة المسلمين، وإن كان للعرب خاصة فإبراهيم أبو العرب قاطبة.
فإن قيل: متى سمّانا إبراهيم صلوات الله عليه المسلمين من قبل، كما ورد في قوله تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الآية 78] ؟
قلنا: وقت دعائه عند بناء الكعبة حيث قال، كما ورد في التنزيل رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: 128] فكل من أسلم من هذه الأمة فهو ببركة دعوة إبراهيم (ع) .