المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «القصص» - الموسوعة القرآنية خصائص السور - جـ ٦

[جعفر شرف الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السادس

- ‌سورة الحج

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «الحج»

- ‌سمات القوة

- ‌أقسام السورة وأفكارها

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌حكمة التسمية

- ‌مقصود السورة اجمالا

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الحج»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌بيان أهوال يوم القيامة الآيات [1- 24]

- ‌الإذن في القتال الآيات [25- 78]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الحج»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «الحج»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الحج»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الحج»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الحج»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الحج»

- ‌سورة المؤمنون 23

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «المؤمنون»

- ‌المؤمنون والايمان

- ‌الأقسام الرئيسية في السورة

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌مظاهر عامة للسورة

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «المؤمنون»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌بيان شروط فلاح المؤمنين الآيات [1- 22]

- ‌أخبار بعض الرسل الآيات [23- 118]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «المؤمنون»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «المؤمنون»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «المؤمنون»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «المؤمنون»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «المؤمنون»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «المؤمنون»

- ‌سورة النّور 24

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «النور»

- ‌روح السورة

- ‌فقرات السورة

- ‌الفقرة الأولى:

- ‌الفقرة الثانية:

- ‌الفقرة الثالثة:

- ‌الفقرة الرابعة:

- ‌الفقرة الخامسة:

- ‌أثر السورة في حفظ المجتمع

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «النور»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌حكم الزّنا الآيات [1- 3]

- ‌حكم القذف الآيات [4- 26]

- ‌حكم دخول البيوت الآيات [27- 29]

- ‌حكم النظر الآيتان [30- 31]

- ‌أحكام أخرى الآيات [32- 57]

- ‌حكم دخول البيوت للغلمان ونحوهم الآيات [58- 61]

- ‌حكم الاجتماع في بيوت الندوة الآيات [62- 64]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «النّور»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «النور»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «النور»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «النور»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «النور»

- ‌سورة الفرقان

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «الفرقان»

- ‌سورة تشد أزر الرسول

- ‌موضوعات السورة

- ‌الموضوع الأول:

- ‌الموضوع الثاني:

- ‌الموضوع الثالث:

- ‌الموضوع الرابع:

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الفرقان»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌تنزيل القرآن للإنذار الآيات [1- 40]

- ‌عماية الكفار عن الإنذار الآيات [41- 77]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الفرقان»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «الفرقان»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الفرقان»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الفرقان»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الفرقان»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الفرقان»

- ‌سورة الشعراء

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «الشعراء»

- ‌موضوع السورة

- ‌القصص في سورة الشعراء

- ‌قصة ابراهيم

- ‌قصة نوح

- ‌قصة هود

- ‌قصة ثمود

- ‌قصة لوط

- ‌أصحاب الأيكة

- ‌في أعقاب القصص

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الشعراء»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌التنويه بشأن القرآن الآيات [1- 191]

- ‌إثبات تنزيل القرآن الآيات [192- 227]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الشعراء»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «الشعراء»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الشعراء»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الشعراء»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الشعراء»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الشعراء»

- ‌سورة النّمل 27

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «النمل»

- ‌نظام السورة

- ‌ موضوع السورة

- ‌القصص في سورة النمل

- ‌قصة داود وبلقيس

- ‌قصة بلقيس

- ‌قصة صالح ولوط عليهما السلام

- ‌أدلة القرآن على وجود الله

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «النمل»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌التنويه بشأن القرآن الآيات [1- 6]

- ‌الترغيب والترهيب بقصص الأنبياء والصالحين الآيات [7- 58]

- ‌التنويه بهذه القصص وأصحابها الآيات [59- 93]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «النمل»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «النمل»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «النمل»

- ‌المبحث السادس المعاني الغوية في سورة «النمل»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «النمل»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «النمل»

- ‌سورة القصص

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «القصص»

- ‌قصة موسى

- ‌موسى في سنّ الرجولة

- ‌موسى مع فرعون

- ‌الحلقة الجديدة في القصة

- ‌قارون

- ‌أهداف السورة

- ‌ختام السورة

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «القصص»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌التنويه بشأن القرآن الآيات [1- 42]

- ‌إثبات تنزيل القرآن الآيات [43- 88]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «القصص»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «القصص»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «القصص»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «القصص»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «القصص»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «القصص»

- ‌سورة العنكبوت 29

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «العنكبوت»

- ‌ثلاثة فصول

- ‌القصص في سورة العنكبوت

- ‌الدرس الأخير في سورة العنكبوت

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «العنكبوت»

- ‌تاريخ نزولها، ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌الحكمة في فتنة المؤمنين في دينهم الآيات [1- 44]

- ‌ما يفعلونه في فتنتهم في دينهم الآيات [الآية 45- 69]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «العنكبوت»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «العنكبوت»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «العنكبوت»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «العنكبوت»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «العنكبوت»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «العنكبوت» »

- ‌الفهرس

الفصل: ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «القصص»

‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «القصص»

«1»

قوله تعالى: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [الآية 10] .

وقد تقدّم الإيماء إلى معنى ذلك، بذكر نظيره في السورة التي يذكر فيها إبراهيم (ع) ومعنى «فارغا» ، أي: قد خلا من صبر، وثبات، وتماسك، ووقار، لفرط الجزع، والأسف، وشدّة الارتماض «2» والقلق وحسن وصف القلب بالفراغ من الأشياء التي ذكرنا، وإن كان مملوءا بأضدادها، لأنّ تلك الأشياء من المحمودات، وأضدادها من المذمومات والممتلئ من الأشياء المذمومة كالفارغ، إذا كان امتلاؤه ممّا لا فائدة فيه، ولا عائدة له. وقوله تعالى: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ [الآية 32] .

وهذه استعارة، والجناح هاهنا عبارة عن اليد وقد أشرنا إلى الكلام على نظيره فيما تقدّم، وقيل معنى ذلك، أي: سكّن روعك، وخفّض جأشك من الرهب الذي أصابك، والرعب الذي داخلك، عند انقلاب العصا في هيئة الجان ولمّا كان من شأن الخائف القلق والانزعاج والتململ والاضطراب، صار ضمّ الجناح عبارة عن السكون بعد القلق، والأمان بعد الغرق فأما قوله تعالى في صدر هذه الآية: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ،

(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.

(2)

. من رمض: الرّمض: حرقة القيظ، ارتمض لفلان أي حزن له، الرّماضة: الحدّة وشدّة الوقع.

ص: 239

فيقرب من أن يكون استعارة، لأن «اسلك» ، ان كان بمعنى أدخل، فإن أصلها مأخوذ من إدخال السلك، وهو الخيط المستدقّ، في خروق الخرز المنظومة، فهو، إذا، يفيد إدخال الشيء في الشيء المتضايق، أو إدخاله على الوجه الشاقّ المستصعب، وعلى هذا قوله تعالى:

كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)[الشعراء] ، أي أدخلنا القرآن في قلوبهم، من جهة الأسماع على كره منها، إدخالا يشقّ وقد تقدم كلامنا على مثل هذا وكذلك قوله تعالى: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)[المدثر] ، أي ما أدخلكم فيها على كره منكم، ومشقّة عليكم، وعلى هذا قول الشاعر:

وقد سلكوك في يوم عصيب أي أدخلوك وأنت كاره له فيكون معنى قوله تعالى لموسى (ع) : اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ إن كنت على خوف وإشفاق عند مشاهدة ما قد راعك، من تلك الآيات القواهر، والأعلام البواهر.

وقوله تعالى: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ [الآية 35] .

وهذه استعارة والمراد بها تقويته على إنفاذ الأمر، وتأدية الوحي بأخيه لأنّ اشتداد العضد والساعد في القول، عبارة عن القوّة، والجلد، والقدرة على العمل ألا ترى إلى قول الشاعر:

أعلّمه الرّماية كلّ يوم فلما اشتدّ ساعده رماني ويروى، فلما «استدّ ساعده» بالسّين، والأوّل أقوى وأظهر، ولأنّ اشتداد العضد بمعنى القوة، تمكّن اليد من السطوة، وتعينها على البسطة وهذا من عجيب الكلام.

وقوله تعالى: قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا [الآية 48] .

على قراءة أهل الكوفة وهذه استعارة، لأنّ التظاهر الذي معناه المعاونة والمضافرة إنّما هو من صفات الأجسام، والسّحر عرض من الأعراض، والمراد بذلك حكاية ما قاله المشركون، في الكلام الذي جاء به نبينا (ص) ، بعد ما جاء به موسى (ع) ، من الآيات الباهرة والأعلام الظاهرة ومعنى تظاهرا أي تعاونا من طريق الاشتباه والتماثل، وكان الثاني مصدّقا للأوّل والمتأخّر مقوّيا للمتقدّم.

وقوله سبحانه: وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) .

ص: 240

وهذه استعارة، والمراد بتوصيل القول، والله أعلم، إرداف بعضه ببعض، وتكرير بعضه على أعقاب بعض، مظاهرة للحجّة على سامعيه، وإبعادا في منازع الاحتجاج على مخالفيه، ليتذكّروا بعد الغفلة، وينتبهوا من الرّقدة وذلك تشبيها بتوصيل الحبال بعضها ببعض، عند إدلاء الدلو إلى الطّويّ البعيدة، إلى أن يصل إلى الماء، ويفضي إلى الرواء، وهذا من دقيق المعاني.

وقوله تعالى: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الآية 54] .

وهذه استعارة لأنّ الحسنة والسّيئة ليستا بجسمين، يصح دفع أحدهما بالآخر وإنّما المراد، والله أعلم، أنهم يختارون الأفعال الحسنة على الأفعال القبيحة، فيكونون، بذلك الاختيار، كأنهم قد دفعوا السّيئات بالحسنات، عكسا لرقابها، وردّا على أعقابها وقد يجوز أن يكون أيضا معنى ذلك: أنهم يدفعون ضرر العقوبة بعاجلة التوبة، لأنّ التوبة حسنة، والعقوبة قد تسمّى سيّئة، لأنها جزاء على السيئة، ولأنها مضرّة وان لم تكن قبيحة.

وقوله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [الآية 58] . وهذه استعارة، والمراد بها أهل القرية والبطر سوء احتمال النعمة، حتى يستقلع مغارسها، ويستنزع ملابسها وقد مضت الإشارة الى نظير ذلك، فيما تقدّم.

وقوله سبحانه: وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا [الآية 59] .

وهذه استعارة، والمراد هاهنا بأمّ القرى مكّة على الأغلب وقال بعضهم المراد معظمها، والمنظور إليها منها، لأنّ ما هو دونها جار مجرى التّبع لها، ومثل ذلك قوله تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها [الأنعام: 92 والشورى:

7] ، يريد مكّة، وإنما سمّيت مكة أمّ القرى، لما ضمّته من بيت الله، وحرمه، ومهابط وحيه، ومدارج أقدام رسله (ع) فصارت من أجل ما ذكرناه، كأنها كبيرة القرى، وصارت القرى بالإضافة إليها صغارا، كصغر البنات إذا أضيفت إلى الأمهات.

وقوله تعالى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (66) .

وهذه استعارة والكلام وارد في وصف أحوال الاخرة، لأنه سبحانه يقول أمام هذه الآية:

ص: 241

وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)، ثم قال تعالى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ [الآية 66] والمعنى أنهم إذا سئلوا في الاخرة عمّا أجابوا به أنبياءهم في الدنيا، لجلجلوا «1» المقال، وأخطئوا الجواب، ولم يعلموا ما يقولون، ولا عمّا يخبرون فكأنّ الأنباء التي هي الأخبار عميت عليهم، فكانوا لا يوجّهون كلاما إلّا ضلّ عن طريق الحقّ، ولا يخبرون خبرا إلّا كان قاصرا عن غرض الصّدق، كالأعمى الذي لا يهتدي لقصد، ولا يقوم على نهج، وكأنهم حادوا عن الجواب لانسداد طرق الأنباء عليهم ولم يتساءلوا، فيستخبر بعضهم بعضا عن ذلك، علما منهم بقيام الحجّة عليهم، وعموم الحيرة لجميعهم وقد يجوز أن يكون لقوله تعالى فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ وجه آخر، هو أن يكون ذلك على معنى قول القائل: خرّبت عليّ داري، وموّتّ عليّ إبلي. أي خربت هذه، وموّتّ هذه، وجاءت لفظة عليّ هاهنا لاختصاص الضرر بصاحب الدار والإبل فيكون المعنى: أن الأخبار عميت في نفوسها، أي لم تهتد إلى صدق، ولم تنفذ في حقّ، وقيل عليهم لاختصاص ضرر ذلك بهم، لأنّ الحجّة لزمتهم، والاحتجاج قعد بهم.

ومثل ذلك قوله سبحانه في هذه السورة: وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ [الآية 75] ، لأنّ ضلال افترائهم في معنى عمى أنبائهم. ومن الكنايات العجيبة عن الدعاء على قوم بعمى العيون، قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، في كلام له يخاطب بعض أصحابه:«مالكم «2» لا سددتم لرشد، ولا هديتم لقصد» فكأنه (ع) ، قال لهم مالكم أعمى الله عيونكم، وقد ذكرنا هذا الكلام بتمامه، في كتابنا الموسوم (بنهج البلاغة) ، وهو المشتمل على المختار من كلام أمير المؤمنين (ع) ، في جميع أقسامه، ومرامي أغراضه.

وقوله تعالى: وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [الآية 76] .

وهذه الاستعارة على القلب، لأن

(1) . من لجلج: تردّد في الكلام.

(2)

. في النهج شرح الشيخ محمد عبده ج 1 ص 231 طبع مصر ما بالكم

إلخ.

ص: 242

المراد أنّ العصبة أولي القوة تنوء بتلك المفاتح، أي تنهض بها نهضا متثاقلا، لكثرة أعدادها، وثقل اعتمادها ولكن لما كانت هي السبب في نوء تلك العصبة بها، على التثاقل من نهضها، كانت كأنّها هي التي تنوء بالعصبة، أي تحوجها إلى النهوض، على تلك الحال من المشقّة.

وقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الآية 88] .

وهذه استعارة والوجه هاهنا عبارة عن ذات الشيء، ونفسه وعلى هذا قوله تعالى في السورة التي يذكر فيها الرحمن سبحانه: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27)[الرحمن]، أي ويبقى ذات ربك ومن الدليل على ذلك رفع «ذو» في قوله تعالى ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) : لأنه صفة للوجه، الذي هو الذات، ولو كان الوجه هاهنا بمعنى العضو المخصوص، على ما ظنّه الجهال، لكان وجه الكلام أن يكون:

«ويبقى وجه ربك «ذي» الجلال والإكرام» ، فيكون «ذي» صفة للجملة، لا صفة للوجه الذي هو التخاطيط المخصوصة كما يقول القائل:«رأيت وجه الأمير ذي الطّول والإنعام» ، ولا يقول ذا لأنّ الطّول والإنعام من صفات جملته، لا من صفات وجهه. ويوضح ذلك قوله تعالى في هذه السورة:

تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78)[الرحمن] ، لمّا كان الاسم غير المسمّى، وصف سبحانه المضاف إليه ولمّا كان الوجه في الآية المتقدّمة، هو النفس والذات، قال تعالى ذُو الْجَلالِ ولم يقل «ذي الجلال والإكرام» ويقولون عين الشيء ونفس الشيء على هذا النحو، وقد قيل في ذلك وجه آخر، وهو أن يراد بالوجه هاهنا، ما قصد به من العمل الصالح، والمتجر الرابح، على طريق القربة وطلب الزلفة «1» .

وعلى ذلك قول الشاعر:

أستغفر الله ذنبا لست محصيه ربّ العباد إليه الوجه والعمل أي اليه تعالى، قصد الفعل الذي يستنزل به فضله، ودرجات عفوه فأعلمنا سبحانه أنّ كل شيء هالك إلا وجه دينه، الذي يوصل إليه منه، ويستزلف عنده به، ويجعل وسيلة إلى رضوانه، وسببا لغفرانه.

(1) . من زلف: درجة، منزلة قربة.

ص: 243