الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «العنكبوت»
«1»
إن قيل: قال تعالى: وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ [الآية 12] ثم قال سبحانه: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [الآية 13] ؟
قلنا: معناه: وما الكافرون بحاملين شيئا من خطايا المؤمنين، التي ضمنوا حملها، وليحملنّ الكافرون أثقال أنفسهم، وهي ذنوب ضلالهم، وأثقالا مع أثقالهم، وهي ذنوب إضلالهم غير هم من الكفار، لا خطايا المؤمنين التي نفى سبحانه عنهم حملها وقد سبق نظير هذا في قوله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: 164] .
فإن قيل: ما الحكمة في العدول عن القول «تسعمائة وخمسين عاما» إلى قوله سبحانه أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً [الآية 14] مع أن عادة أهل الحساب هي اللفظ الأول؟
قلنا: لما كانت القصة مسوقة، لتسلية النبي (ص) بذكر ما ابتلي به نوح عليه السلام، من أمته، وكابده من طول مصابرتهم، كان ذكر أقصى العدد، الذي لا عقد أكثر منه في مراتب العدد، أفخم وأعظم إلى الغرض المقصود، وهو استطالة السامع مدة صبره. وفيه فائدة أخرى، وهي نفي وهم إرادة المجاز، بإطلاق لفظ التسعمائة والخمسين على أكثرها، فإنّ هذا الوهم هو مع ذكر الألف، والاستثناء منتف، أو هو أبعد.
فإن قيل: لم جاء المميّز أولا بلفظ «السنة» والثاني بلفظ «العام» ؟
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.
قلنا: لأن تكرار اللفظ الواحد، مجتنب في مذهب الفصحاء والبلغاء، إلّا أن يكون لغرض تفخيم، أو تهويل، أو تنويه، أو نحو ذلك.
فإن قيل: لم نكّر الرزق ثم عرّفه في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ [الآية 17] ؟
قلنا: لأنّه سبحانه أراد أنهم لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق، فابتغوا عند الله الرزق كلّه، فإنه هو الرازق وحده لا يرزق غيره.
فإن قيل: لم أضمر اسمه تعالى في قوله عز وجل قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [الآية 20] ، ثمّ أظهره في قوله تعالى ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ [الآية 20] ، وكان القياس «كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الاخرة» ؟
قلنا: إنّما عدل، سبحانه، إلى ما ذكر، لتأكيد الإخبار عن الإعادة التي كانت هي المنكرة عندهم، بالإفصاح باسمه تعالى في ذكرها، وجعله مبتدأ لزيادة الاهتمام بشأنها؟
فإن قيل: لم قال تعالى وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا [الآية 27] ، في معرض المدح أو في معرض الامتنان عليه، وأجر الدنيا فان منقطع، بخلاف أجر الاخرة فإنه النعيم المقيم الباقي، فكان الأولى بالذكر؟
قلنا: المراد به: وآتيناه أجره في الدنيا، مضموما إلى أجره في الاخرة، من غير أن ينقص من أجر الاخرة شيء. قال ابن جرير: وإليه الإشارة بقوله تعالى وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [الآية 27] ، يعني له في الاخرة جزاء الصالحين وافيا وكاملا، وأجره في الدنيا. قيل: هو الثناء الحسن من الناس، والمحبّة من أهل الأديان. وقيل: هي البركة التي بارك الله فيه، وفي ذرّيته.
فإن قيل: لم قال تعالى: إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ [الآية 31] ، يعني مدينة قوم لوط (ع) ، ولم يقل «تلك القرية» ، مع أن مدينة قوم لوط كانت بعيدة عن موضع إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، غائبة عند وقت هذا الخطاب؟
قلنا: إنّما قال سبحانه: هذِهِ الْقَرْيَةِ لأنها كانت قريبة حاضرة بالنسبة إليهم، وإن كانت بعيدة بالنسبة
إلى إبراهيم (ع) .
فإن قيل: لم قال تعالى: أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ [الآية 34] ولم يقل: أهل هذه القرى؟ مع أن مدائن قوم لوط كانت خمسا، فأهلكوا منها أربعا؟
قلنا: انّما اقتصر سبحانه في الذّكر على قرية واحدة، لأنها كانت أكبر وأقرب، وهي سدوم مدينة لوط (ع) ، فجعل ما وراءها تبعا لها في الذكر.
فإن قيل: لم قال الله تعالى: وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [الآية 38] ، أي ذوي بصائر؟
يقال: فلان مستبصر، إذا كان عاقلا لبيبا صحيح النظر. ولو كانوا كذلك، لما عدلوا عن طريق الهدى، إلى طريق الضلال؟
قلنا: معناه: وكانوا مستبصرين في أمور الدنيا، وقيل معناه: وكانوا عارفين الحق بوضوح الحجج والدلائل، ولكنهم كانوا ينكرونه متابعة للهوى، لقوله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [النمل: 14] . وقيل:
معناه: وكانوا مستبصرين لو نظروا نظر تدبّر وتفكّر.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [الآية 41] ، وكل أحد يعلم أن أضعف بيوت يتخذها الهوامّ بيت العنكبوت؟
قلنا: معناه لو كانوا يعلمون، أنّ اتخاذهم الأصنام أولياء من دون الله، مثل اتخاذ العنكبوت بيتا، لما اتّخذوها.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [الآية 46] ، وأهل الكتاب كلهم ظالمون لأنهم كافرون، ولا ظلم أشدّ من الكفر، ويؤيده قوله تعالى وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: 254] ؟
قلنا: أوّلا المراد بالظلم هنا الامتناع عن قبول عقد الذّمّة، وأداء الجزية، أو نقض العهد بعد قبوله. ثانيا: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: 29] .
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [الآية 48] ؟
قلنا: الحكمة فيه تأكيد لنفي، كما يقال في الإثبات للتأكيد: هذا الكتاب
ممّا كتبه فلان بيده وبيمينه، ورأيت فلانا بعيني، وسمعت هذا الحديث بأذني، ونحو ذلك.
فإن قيل: لم لم يؤكّد سبحانه وتعالى في التلاوة، ولم يقل:«وما كنت تتلو من قبله من كتاب بلسانك» ؟
قلنا: الأصل في الكلام عدم الزيادة، وكلّ ما جاء على الأصل لا يحتاج إلى العلّة، إنما يحتاج إلى العلة ما جاء على خلاف الأصل.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [الآية 69] ، ومعلوم أنّ المجاهدة في دين الله تعالى، أو في حقّ الله تعالى، مع النفس الأمّارة بالسوء، أو مع الشيطان أو مع أعداء الدين، ذلك كله إنّما يكون بعد تقدّم الهداية من الله تعالى، فلم جعلت الهداية من ثمرات المجاهدة؟
قلنا: معناه: والذين جاهدوا في طلب التعلّم، لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا، بمعرفة الأحكام وحقائقها. وقيل معناه: لنهدينّهم طريق الجنة. وقيل معناه: والذين جاهدوا لتحصيل درجة لنهدينّهم إلى درجة أخرى أعلى منها، وحاصله لنزيدنّهم هداية وتوفيقا للخيرات، كقوله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد: 17] وقوله تعالى:
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً [مريم: 76] . وقال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه: معناه: والذين جاهدوا فيما علموا، لنهدينّهم إلى ما لم يعلموا. وعن بعض الحكماء: من عمل بما علم، وفّق لما لا يعلم.
وقيل: إن الذي نرى من جهلنا بما لا نعلم، هو من تقصيرنا فيما نعلم..