الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوعد بفلاح المؤمنين على سبيل التحقيق والتأكيد، وذكر، من الصفات التي يتوقف عليها فلاحهم، أنهم في صلاتهم خاشعون، إلى غير هذا مما ذكره من صفاتهم ثم ذكر سبحانه أنهم، بهذه الصفات، إنما يرثون جنّة الفردوس التي أعدّت لهم، فيفوزون بها في الدنيا والاخرة ثم ذكر من أدلة ألوهيّته، عز وجل، ما يثبت قدرته على تحقيق وعده بذلك في الدنيا، وقدرته على بعثهم بعد موتهم ليحقّ لهم ما وعدهم به في الاخرة فذكر سبحانه أنه خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة فعلقة، فمضغة، إلى أن أنشأه خلقا آخر يتكلّم ويعقل ثم ذكر أنه خلق فوقنا سبع سماوات، وأنزل من السماء ماء بقدر، إلى أن ذكر خلق الأنعام وقال فيها:
عَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
(22)
.
أخبار بعض الرسل الآيات [23- 118]
ثم قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) ، فذكر، من أخبار بعض الرسل، ما يثبت أيضا وعده بفلاح المؤمنين، فذكر خبر نوح مع قومه، وأنهم كذّبوه، وقالوا مرّة كما ورد في التنزيل: ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ [الآية 24] . ومرة أخرى إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ [الآية 25] ، فطلب منه أن ينصره عليهم، فأمره أن يصنع فلكا، ويحمل فيها أهله إلّا من سبق عليه القول منهم، ونهاه أن يخاطبه فيمن سيغرقه بالطوفان من أعدائه ثم ذكر أن في ذلك لآيات على نصره للمؤمنين، وأن من شأنه أن يعاقب المكذّبين.
ثم ذكر سبحانه أنه أنشأ من بعد قوم نوح قرنا آخرين، قيل هم عاد قوم هود، وقيل هم ثمود قوم صالح وأنه أرسل فيهم رسولا، ليأمرهم بعبادته وحده، فكذّبوه لأنه بشر مثلهم، وأنكروا ما أخبرهم به من بعثهم بعد موتهم ثم ذكر أنه طلب منه أن ينصره عليهم، فأخذهم بالصيحة فأهلكهم.
ثم ذكر، جلّ شأنه، أنه أنشأ من بعدهم قرونا آخرين، وأنه أرسل رسله تترى، رسولا بعد رسول، فكذّبت كلّ أمة رسولها، فأهلكهم أمّة بعد أمة. ثم ذكر سبحانه أنه أرسل موسى وهارون (ع) إلى فرعون وقومه، وأنهم
كذّبوهما لأنهما بشر مثلهم، ومن قوم عابدين لهم، فأهلكهم كما أهلك من قبلهم من الأمم. ثم آتى موسى التوراة ليهتدي قومه بها، بعد أن نجّاهم من استعباد فرعون ثم ذكر أنه جعل منهم عيسى بن مريم وأمّه آية في ولادته منها بغير أب وأن آياته كانت خاتمة آياتهم.
ثم ذكر تعالى ما كان من أمر هؤلاء الرسل، بعد أن نصرهم على أعدائهم، وأنّه أمرهم أن يتمتعوا بما رزقهم من الطيبات في دنياهم، وأن يعملوا صالحا ينفعهم في آخرتهم، وأن يعبدوه وحده، لأنّ شرائعهم واحدة، قائمة على أساس التوحيد ثم ذكر أن أتباعهم لم يعملوا بهذا بعدهم، بل اختلفوا فيه اختلافا شديدا، واغتبط كلّ فريق منهم بما اتّخذه دينا له، وأمر النبيّ (ص) أن يتركهم في غفلتهم عما بعث به أولئك الرسل، إلى أن يحين عذابهم ثم ذكر أنهم إذا كانوا في نعم عظيمة، فإنها ليست ثوابا معجّلا لهم على أديانهم، وإنما هي استدراج لهم في المعاصي ليبلغوا ما يبلغون من زيادة الإثم ثم ذكر أنّ ما هم فيه من تلك النّعم والخيرات، ليس بخيرات على الحقيقة، وإنما الخيرات ما يسارع فيه المؤمنون من خشية ربّهم، إلى غير هذا مما ذكر من أعمالهم ثم ذكر سبحانه أنه لا يكلّف أحدا إلّا وسعه من تلك الأعمال، وأنّ لديه كتابا يسجّل تلك الأعمال، وينطق بالحق فيها، وأنّ المشركين في غفلة عنها، بما هم فيه من الكفر والضلال ثم ذكر أنه إذا أخذ أصحاب تلك النّعم منهم بالعذاب، جأروا من هوله، وأنه ينهاهم عن الجؤار، لأنّه أنذرهم بذلك، فيما يتلى عليهم من آياته، فكانوا ينكصون على أعقابهم، ويسمرون بالطّعن في القرآن الذي يتلو ذلك عليهم، ثم قطع عذرهم، بأنه قد مكّن لهم من التدبّر في القرآن، وما أنذرهم به فلم يتدبّروا، إلى غير ذلك مما ذكره في قطع عذرهم ثم ذكر أنه جاءهم بالحق، وأنه لا يحملهم على تكذيبه إلا كراهتهم له، وأنه لم يأت على أهوائهم، ولو اتّبع الحقّ أهواءهم، لفسدت السماوات والأرض ومن فيهما ثم ذكر أنه قد أتاهم من ذلك بما فيه ذكرهم وشرفهم، وأن النبي (ص) لا يسألهم عليه أجرا، وأنّه يدعوهم إلى صراط مستقيم، وأنهم عن ذلك الصراط ناكبون، وأنّه لو سمع لجؤارهم، وكشف ما بهم من ضرّ،
لاستمروا في طغيانهم. ولقد أخذهم بعذاب قبل هذا العذاب، ثم كشفه عنهم فما استكانوا له. فلما أخذهم بهذا العذاب يئسوا من كشفه عنهم ثم ذكر ما كان يكفي لصرفهم عن تلك المبالغة في الإعراض فذكر سبحانه أنه هو الذي أنشأ لهم السمع والأبصار والأفئدة، وأنه هو الذي جعلهم يتناسلون في الأرض، ثم يحشرهم إليه وحده، وأنه، جل جلاله، هو الذي يحيي ويميت، ويخالف بين الليل والنهار ثم ذكر أنهم مع هذا مضوا في إعراضهم، وتقليد آبائهم في إنكار بعثهم بعد موتهم، وزعمهم أنهم قد وعدوا بذلك هم وآباؤهم، فلم يحصل شيء منه ثم ردّ عليهم بأنهم لا يستطيعون أن ينكروا أن الله هو خالق الأرض ومن فيها، وهو ربّ السماوات السبع والعرش، وأنه سبحانه بيده ملكوت كل شيء، ومن يكون هذا شأنه يكون قادرا على بعثهم ثم ذكر أنه أتاهم بالحق حين أثبت لهم أنه هو الذي خلقهم وحده، وأنهم إليه يحشرون، لا إلى غيره من ولد أو شريك، لأنه لم يتّخذ له ولدا ولا شريكا، ولو كان معه إله غيره، لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض، سبحانه عما يصفون، وتعالى عما يشركون.
ثم أمر (ص) ، إذا أراه ما يوعدون من العذاب، أن يدعوه بأن ينجيه منه وذكر أنه قادر على أن يريه ما يعدهم من ذلك، ثم أمره أن يحتمل ما يكون منهم، قبل ذلك من ضروب الأذى، وأن يستعيذ به، مما يهمز به الشيطان، من دفعهم إلى إيذائه ثم ذكر تعالى أنه إذا جاء أحدهم الموت ندم على ذلك، وطلب من ربه أن يرجعه إلى الدنيا ليعمل صالحا، وأنه يجاب بزجره عن هذا الطلب، لأنه لا سبيل إلى رجوعه، إلى أن يبعث من قبره ثم ذكر أحوال يوم البعث وأنه ينفخ فيه في الصّور، فيبعثون من قبورهم، لا يعرف قريب قريبا، ولا يسأل شخص شخصا ثم يحاسبون، فمن ثقلت موازينه فهو من المفلحين، ومن خفّت موازينه فهو من الخالدين في جهنم. ثم ذكر أنهم ينادونه فيها، ويعتذرون بأن شقوتهم غلبت عليهم، ويطلبون أن يخرجهم منها، فإن عادوا إلى العصيان فهم ظالمون، فيأمرهم بأن يخسئوا فيها، ولا يكلّموه في الخروج منها، ويذكّرهم ما كان من سخريتهم بعباده
المؤمنين ويخبرهم بأنه جزاهم بصبرهم على سخريتهم، وجعلهم من الفائزين ثم يسألهم، على سبيل التوبيخ، عن عدد السنين التي لبثوها في الأرض، لأنهم كانوا يعتقدون أنه لا لبث إلّا في الدنيا، فيجيبون بأنّهم لم يلبثوا فيها إلّا يوما أو بعض يوم، فيقرّهم على استقصارهم لمدة لبثهم فيها، لأنّها قليلة بالنسبة لما يلبثونه في الاخرة ثم يوبّخهم على ظنّهم أنه خلقهم عبثا، وأنهم لا يرجعون إليه، لأنه سبحانه الملك الحقّ الذي يتعالى عن العبث.
ثم ختمت السورة بنفي الفلاح عن الكافرين، ليناسب ابتداءها بإثباته للمؤمنين وأمر النبي (ص) أن يتوجّه إليه بطلب المغفرة والرحمة، بعد تفصيل ذلك العذاب للكافرين، فقال سبحانه وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) .