الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الفرقان»
«1»
1-
وقال تعالى: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) .
وقوله تعالى: اكْتَتَبَها، أي:
كتبها لنفسه وأخذها كما تقول:
استكب الماء واصطبّه، إذا سكبه وصبّه لنفسه.
أقول: والاكتتاب في عصرنا شيء آخر، يقال: اكتتبوا في بناء مدرسة، أي: جمعوا الأموال تبرّعا وكتبوها مخصصة لبناء المدرسة.
2-
وقال تعالى: وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) .
البور: الهلاك يوصف به الواحد والجمع، ويجوز أن يكون جمع بائر كعائذ وعوذ، وحائل وحول، وهو مصدر كالبور بالفتح والبوار أيضا.
3-
وقال تعالى: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (33) .
أقول: وقوله تعالى: وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا، أي: بيّناه وحقّقناه، وأرسلنا بعضه إثر بعض.
وقالوا: الترتيل: هو الترسّل والتأنّي في القراءة، وإعطاء الأصوات حقها من البيان والصناعة.
ومن حديث عائشة رضي الله عنها في صفة قراءته (ص)«لا كسردكم هذا، لو أراد السامع أن يعدّ حروفه يعدّها» .
4-
وقال تعالى: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الآية 40] .
مما تجب ملاحظته أن مادة «مطر» ،
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ.
قد استعملت في آي القرآن فعلا فريدا «أمطر» في سبع آيات، كما استعملت اسما في ثماني آيات، وفي هذه الآيات جميعها كان «المطر» شرّا وعذابا وحجارة من سجيل.
فإذا أريد الرحمة والحياة، جاءت كلمة «الغيث» ، قال تعالى:
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ [الشورى: 28] .
5-
وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الآية 48] .
قرئ: الريح والرياح.
وقرئ: نشرا، أي: إحياء، ونشرا جمع نشور وهي المحيية. ونشرا تخفيف نشر.
و «بشرا» تخفيف بشر جمع بشور وبشرى.
وأرى أن «بشرى» تلائم بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، أي: أن الرياح قدام المطر الذي عبر عنه ب «الرحمة» .
6-
وقال تعالى: وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) .
أقول ويحسن بنا أن نعود قليلا لنرى مسألة قوله تعالى: حِجْراً مَحْجُوراً، في الآية الكريمة لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) .
ذكر سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها، نحو: معاذ الله، وقعدك الله، وعمرك الله. وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوّ موتور أو هجوم نازلة، أو نحو ذلك، يضعونها موضع الاستعاذة. قال سيبويه: أتفعل كذا وكذا، فيقول: حجرا، وهي من حجره إذا منعه، لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه فلا يلحقه، فكأن المعنى: أسأل الله أن يمنع ذلك منعا، ويحجره حجرا.
وقوله تعالى: مَحْجُوراً صفة لتأكيد الحجر، أي: المنع.
وأما في الآية: 53، فالمراد من قوله جلّ وعلا حِجْراً مَحْجُوراً، أي: أن كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه في قوله تعالى:
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) .
7-
وقال تعالى: وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (55) .
الظهير: بمعنى المظاهر، وهو من باب فعيل بمعنى مفاعل، كالعوين والمعاون، ويجوز أن يراد ب «ظهيرا» الجماعة، كقوله تعالى:
وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4)[التحريم] .
8-
وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) .
قوله تعالى: ساءَتْ فعل بمعنى أصبحت سيئة.
وقالوا: إنها في حكم «بئست» ، وفيها ضمير مبهم يفسره مُسْتَقَرًّا والمخصوص بالذم محذوف.
أقول: أرادوا أن يلحقوا هذا الفعل بما أسموه أفعال المدح والذم، فيكون إعرابها ما يقتضيه إعراب تلك الأفعال.
وأرى أنّ الفعل «ساء» ليس، مثل «نعم» و «بئس» ، وإن كان معناه الذم.
وقوله تعالى: ساءَتْ مُسْتَقَرًّا، أي ساءت جهنّم مستقرّا، كقولك:
حسن البيت مقاما، وذمّ السرداب سكنا، فهل نحمل هذين الفعلين على أفعال المدح والذم؟ والفاعل في الآية ساءَتْ مُسْتَقَرًّا يعود على «جهنّم» في الآية السابقة.