الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول أهداف سورة «الفرقان»
«1»
سورة الفرقان سورة مكية نزلت بعد سورة يس، ونزلت سورة يس بعد سورة الجن. وكان نزول سورة الجن عند رجوع النبي (ص) من الطائف، وكان قد ذهب إليها سنة عشر من بعثته، فيكون نزول سورة الفرقان في السنة العاشرة من البعثة، وتكون من السور التي نزلت بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء. وهي فترة تميزت بقسوة مشركي مكة وعنفهم ورغبتهم في القضاء على الدعوة بكل سبيل، ولذلك تبدو سورة الفرقان وكأنها إيناس لرسول الله (ص) ، وتسرية له وتطمين وهو يواجه مشركي قريش، وعنادهم وتعنّتهم معه، وجدالهم بالباطل، ووقوفهم في وجه الهدى، وصدّهم عنه.
سورة تشد أزر الرسول
تنوّعت جوانب هذه السورة وتعددت لكنها، في جملتها، كانت مؤازرة لرسول الله، تمنحه الثقة والاطمئنان، وتفضح شبهات المشركين، وتدافع عن الدعوة والداعية بالعديد من السبل.
فهي، في لمحة منها، تصور الإيناس اللطيف الذي يحيط به الله عبده ورسوله، وكأنّما يمسح على آلامه ومتاعبه مسحا رفيقا، ويفيض عليه بالرعاية واللطف والمودة.
(1) . انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984.
وهي، في لمحة، تصوّر المعركة العنيفة مع البشرية الضالّة الجاحدة، المشاقّة لله ورسوله، وتجادل في عنف، وتتعنت في عناد، وتجنح عن الهدى الواضح المبين.
إنها البشرية الضالّة التي تقول عن هذا القرآن العظيم، كما ورد في التنزيل:
إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ [الآية 4] .
أو تقول:
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) .
والتي تقول عن محمد رسول الله:
إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8) .
أو تقول باستهزاء:
أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) .
وهذا التكذيب كان سمة الناس من عهد نوح (ص) إلى عهد محمد (ص) .
لقد اعترض القوم على بشرية الرسول (ص) ، واعترضوا على حظه من المال، فقالوا، كما ورد في التنزيل:
أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها [الآية 8] .
واعترضوا على طريقة تنزيل القرآن، فقالوا، كما ورد في التنزيل:
لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الآية 32] .
وذلك فوق التكذيب والاستهزاء، والافتراء والإيذاء. وعند ما يئس النبي (ص) من أهل مكة توجه إلى الطائف وفيها قبائل ثقيف، وفيها نعمة وغنى وزراعة وأعناب حتى كان العرب يعتقدون أن طائفة من الجن نقلتها من اليمن السعيد إلى جنوب الحجاز.
ولمّا ذهب إلى الطائف، دعا أهلها للإسلام فردوه أسوأ رد، وأغروا به السفهاء والعبيد يرجمونه بالحجارة، حتى دميت قدماه الشريفتان وأغمي عليه، فلما أفاق مد يده لله داعيا متضرعا يقول:
«اللهم أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا ربّ العالمين أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أو بعيد ملّكته أمري؟ أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات
وصلح عليه أمر الدنيا والاخرة أن ينزل بي سخطك، أو يحلّ عليّ غضبك، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، عافيتك هي أوسع لي، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» .
وقد نزلت سورة الفرقان في أعقاب رحلة الطائف، فكانت حنانا ورحمة من الله لنبيه، تمسح آلامه وتسرّي عنه، وتهوّن عليه مشقة ما يلقى من عنت القوم، وسوء أدبهم وتطاولهم على من اختاره الله سبحانه، ليحمل رسالة الله إلى الناس وتعزّيه عن استهزائهم بتصوير المستوي الهابط الذي يتمرغون فيه:
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) .
ويتكفل القرآن بالعون والمساعدة في معركة الجدل والمحاجّة:
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) .
ثم تعرض السورة أهوال القيامة ومشاهد المجرمين تهديدا ووعيدا: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26) .
وتصف ندم هؤلاء الكفار يوم القيامة فتقول:
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) .
ثم تقدّم السورة مسيرة الأنبياء وجهادهم وبلاءهم، تسلية للرسول الأمين، ثم تحثّه على الصبر والمصابرة، وعلى جهاد الكفار بالحجة والبرهان:
فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (52) .
وهكذا تمضي السورة: في جانب منها إيناس وتسرية وعطف وإيواء من الله لرسوله، وفي جانب آخر مشاقّة وعنت من المشركين لرسول الله وتقدّم السورة جوانب القدرة الإلهية، وتصف عجائب صنع الله في مد الظلّ، وتسخير الشمس، وخلق الليل والنهار، والظلام والنور، وإنزال المطر وإنبات النبات، وخلق الإنسان والكواكب