الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي (ص) بالكذب والافتراء. ويرد عليهم سبحانه بأن الأمر أجلّ من مقولاتهم الهازلة، وادّعاءاتهم العابثة.
إذ هو أمر الله العليم الخبير، يشهد ويقضي، وفي شهادته وقضائه الكفاية:
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) .
ثم يبيّن أن محمدا (ص) ليس بدعا من الرسل فقد سبقه رسل كثيرون، فهو مبلغ عن الله سبحانه، وملتزم بوحي السماء. ويسوق حجة أخرى على صدق رسالته، تتمثل في موقف بعض من اهتدى للحق من بني إسرائيل، حينما رأى في القرآن مصداق ما يعرف من كتاب موسى (ع) . ويستطرد السياق في عرض تعلّاتهم ومعاذيرهم الواهية على هذا الإصرار، وهم يقولون عن المؤمنين، كما ورد في التنزيل: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ [الآية 11] .
ويشير إلى كتاب موسى (ع) من قبله، والى تصديق هذا القرآن له، والى وظيفته ومهمته: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) .
وفي نهاية المقطع الأول يصوّر لهم جزاء المحسنين، ويفسّر لهم هذه البشرى التي يحملها إليهم القرآن الكريم بشرطها، وهو الاعتراف بربوبيّة الله وحده، والاستقامة على هذا الاعتقاد ومقتضياته: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) ، فقد آمنوا بالله سبحانه، وأعلنوا ذلك، واستقاموا على منهج الايمان، فاستحقوا حياة كريمة في الدنيا ونعيما خالدا في الآخرة.
2- الفطرة السليمة والفطرة السقيمة
يحتوي المقطع الثاني على ست آيات هي الآيات [15- 20] ، وفيها حديث عن الفطرة في استقامتها وفي انحرافها، وفيما تنتهي إليه حين تستقيم، وما تنتهي إليه حين تنحرف.
يبدأ بالوصيّة بالوالدين، وكثيرا ما ترد الوصيّة بالوالدين لاحقة للكلام عن العقيدة، لبيان أهمية الأسرة والعمل على ترابطها، وتذكير الإنسان بأصل نعمته ورعايته.
وتذكّرنا الآيات بجهود الأم وفضلها في الحمل والولادة والرضاع.
«إنّ البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية، تسعى للالتصاق بجدار الرحم وهي مزوّدة بخاصّية تمزيق جدار الرحم الذي تلتصق به، فيتوارد دم الأم الى موضعها حيث تسبح هذه البويضة دائما في بركة من دم الأم الغني بكل ما في جسمها من خلاصات، وتمتصّه لتحيا به وتنمو وهي دائمة الأكل لجدار الرحم، دائمة الامتصاص لمادة الحياة، والأم المسكينة تأكل وتشرب، وتهضم وتمتص، لتصبّ هذا كلّه دما نقيا غنيا لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول.
وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير من دم الأم فتفتقر الى الجير، ذلك أنها تعطي محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الصغير، وهذا كله قليل من كثير.
ثم الوضع وهو عملية شاقة، ممزّقة، ولكن آلامها الهائلة كلّها لا تقف في وجه الفطرة، ولا تنسى الأم حلاوة الثمرة، ثمرة تلبية الفطرة، ومنح الحياة نبتة جديدة تفيض وتمتدّ، بينما هي تذوي وتموت.
ثم الرضاع والرعاية، حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية، وهي، مع هذا وذلك، فرحة سعيدة، رحيمة ودود. لا تملّ أبدا، ولا تراها كارهة لتعب هذا الوليد، وأكبر ما تتطلع إليه من جزاء: أن تراه يسلم وينمو، فهذا هو جزاؤها الحبيب الوحيد» «1» .
وقد تكررت وصية القرآن للأبناء ببرّ الآباء، لأنّ الوالدين قدّما كل شيء، كالنبتة التي ينمو بها النبات فإذا هي قشّة، وكالبيضة التي ينمو منها الكتكوت فإذا هي قشرة.
ومن الواجب رد الجميل والعرفان بالفضل لأهله، وأن يحسن الإنسان الى أصله وأن يدعو لهما، وهو نوع من تكافل الأجيال.
(1) . في ظلال القرآن 26/ 21. [.....]