الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «غافر»
«1»
قال تعالى: حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ فهذا على البدل.
وأما غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ فقد يكون معرفة لأنك تقول: «هذا ضارب زيد مقبلا» إذا لم ترد به التنوين. ثم قال سبحانه ذِي الطَّوْلِ [الآية 3] فيكون على البدل وعلى الصفة، ويجوز فيه الرفع على الابتداء والنصب على خبر المعرفة إلا في ذِي الطَّوْلِ فإنّه لا يكون فيه النصب على خبر المعرفة لأنه معرفة. و «التوب» هو جماعة التوبة ويقال «عومة» و «عوم» في «عوم السّفينة» . قال الشاعر:[من البسيط وهو الشاهد الخامس والستون بعد المائتين] .
عوم السّفين فلمّا حال دونهم فيد القريّات فالفتكان فالكرم قال تعالى: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ [الآية 5] بالجمع على «الكلّ» لأن الكلّ مذكّر معناه معنى الجماعة.
وقال سبحانه: وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) أي: لأنّهم أو بأنّهم وليس أَنَّهُمْ في موضع مفعول. ليس مثل قولك «أحقّت أنهم» .
وقال جلّ وعلا: وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً [الآية 7] فانتصابه كانتصاب: «لك مثله عبدا» بجعل وَسِعْتَ ل كُلَّ شَيْءٍ وهو مفعول به، والفاعل التاء، وجعل
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتب، بيروت، غير مؤرّخ.
(الرّحمة) و (العلم) تفسيرا قد شغل عنهما الفعل، كما شغل «المثل» بالهاء، فلذلك نصب تشبيها بالمفعول بعد الفاعل.
وقال تعالى: يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ [الآية 10] . فهذه اللام هي لام الابتداء: كأنه: يُنادَوْنَ فيقال لهم، لأنّ النداء قول. ومثله في الإعراب يقال:«لزيد أفضل من عمرو» .
وقال تعالى: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ [الآية 16] بإضافة المعنى، فلذلك لا ينون «اليوم» كما: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)[الذاريات] وهذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35)[المرسلات] . معناه: هذا يوم فتنتهم. ولكن لما ابتدأ الاسم وبقي عليه، صار الجرّ أولى. وكانت الإضافة في المعنى إلى الفتنة، وهذا إنّما يكون إذا كان «اليوم» في معنى «إذ» ، وإلّا فهو قبيح.
ألا ترى أنك تقول «لقيتك زمن زيد أمير» أي: إذ زيد أمير. ولو قلت:
«ألقاك زمن زيد أمير» ، لم يحسن.
وقال تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ [الآية 15] على الابتداء.
والنصب جائز لو كان في الكلام على المدح.
وقال سبحانه: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [الآية 16] . فهذا على ضمير «يقول» .
وقال تعالى: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ [الآية 18] . فانتصاب كاظِمِينَ على الحال، كأنّ المعنى:
«القلوب لدى الحناجر في هذه الحال» .
وقال تعالى: عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) . فمن نوّن جعل (المتكبّر الجبار) من صفته، ومن لم ينوّن أضاف (القلب) الى (المتكبر) .
وقال تعالى: يا هامانُ ابْنِ لِي [الآية 36] . بعضهم يضم النون كأنه أتبعها ضمة النون التي في (هامان) كما قالوا:
«منتن» فكسروا الميم للكسرة التي في التاء، وبينها حرف ساكن فلم يحل.
وكذلك لم تحل الباء في قوله تعالى:
ابْنِ لِي.
وقال تعالى: وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) النَّارُ [الآية 46] . فإن شئت جعلت النَّارُ بدلا من سُوءُ الْعَذابِ (45) ورفعتها على وَحاقَ، وإن شئت جعلتها تفسيرا ورفعتها على
الابتداء كأنك تقول: «هي النار» وإن شئت جررت على أن تجعل النَّارُ بدلا من الْعَذابِ كأنّ المراد: «سوء النار» .
وقال تعالى: غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46) وفيه ضمير «يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون» : غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ (46) فإنّما هو مصدر كما تقول: «آتيه ظلاما» تجعله ظرفا وهو مصدر جعل ظرفا، ولو قلت «موعدك غدرة» أو «موعدك ظلام» فرفعته كما تقول:«موعدك يوم الجمعة» ، لم يحسن لأنّ هذه المصادر وما أشبهها من نحو «سحر» لا تجعل إلا ظرفا، والظرف كلّه ليس بمتمكّن.
وقال تعالى: إِنَّا كُلٌّ فِيها [الآية 48] بجعل كُلٌّ اسما مبتدأ، كما تقول:«إنّا كلّنا فيها» .
وقال سبحانه: وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) و (تقوم)«1» كلّ جائز، وكذلك كل جماعة مذكّر أو مؤنّث من الإنس، فالتذكير والتأنيث في فعله جائز.
وقال تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) أي «في الإبكار» . وقد تقول «بالدار زيد» تريد «زيد في الدّار» .
وقال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [الآية 60] فقوله سبحانه: أَسْتَجِبْ إنّما هو «أفعل» [وما] هذه الألف سوى ألف الوصل. ألا ترى أنّك تقول:
«بعت» «تبيع» ثم تقول «أبيع» فتجيء فيها ألف ل «أفعل» فهي نظير الياء والتاء في «يفعل» و «تفعل» تقطع كل شيء كان على «أفعل» ، في وصل كان أو قطع.
وقال تعالى: كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً [الآية 47]«فالتبع» يكون واحدا وجماعة، ويجمع فيقال «أتباع» .
وقال تعالى: لِتَرْكَبُوا مِنْها [الآية 79] فكأن السياق أضمر «شيئا» .
وقال سبحانه: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46) وقال جلّ وعلا:
(1) . في الطبري 24/ 75 نسبت القراءة بالتاء على التأنيث إلى بعض أهل مكة، وبعض قراء البصرة وفي البحر 7/ 470 إلى ابن هرمز وإسماعيل والمنقري، عن أبي عمرو.
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145)[النساء] .
فيجوز أن يكون آل فرعون أدخلوا مع المنافقين في الدرك الأسفل، وهو أشدّ العذاب.
وأمّا قوله تعالى: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115)[المائدة] . فقوله جلّ شأنه: لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً من عالم أهل زمانه.