الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع المعاني المجازية في سورة «الشورى»
«1»
في قوله تعالى: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا [الآية 13] استعارة. والمراد بإقامة الدين إعلان شعاره، وإعلاء مناره، والدّوام على اعتقاده، والثبات على العمل بواجباته.
وقد مضى الكلام على نظائر هذه الاستعارة في ما تقدم.
وفي قوله سبحانه: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الآية 16] استعارة.
و «الدحض» : الزّلق. فكأنه تعالى قال:
حجّتهم ضعيفة غير ثابتة، وزالّة غير متماسكة، كالواطئ الذي تضعف قدمه، فيزلق عن مستوى الأرض، ولا يستمر على الوطء. وداحضة هاهنا بمعنى مدحوضة. وإذا نسب الفعل إليها في الدّحوض كان أبلغ في ضعف سنادها، ووهاء عمادها، فكأنها هي المبطلة لنفسها، من غير مبطل أبطلها، لظهور أعلام الكذب فيها، وقيام شواهد التهافت عليها. وأطلق تعالى اسم الحجّة عليها، وهي شبهة، لاعتقاد المدلي بها أنّها حجّة، وتسميته لها بذلك في حال النزاع والمناقلة.
وأيضا، فإنّ المتكلّم بها، لمّا أوردها مورد الحجة، وأسلكها طريقها، وأقامها مقامها، جاز أن يطلق عليها اسمها.
وفي قوله سبحانه: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) استعارة.
والمراد بحرث الآخرة والدنيا، كدح
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
الكادح لثواب الآجلة، وحطام العاجلة، فهذا من التشبيه العجيب، والتمثيل المصيب. لأنّ الحارث المزدرع، إنّما يتوقع عاقبة حرثه، فيجني ثمرة غراسه، ويفوز بعوائد ازدراعه.
وقيل معنى: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أي نعطيه بالحسنة عشرا، إلى ما شئنا من الزيادة على ذلك. ومن عمل للدنيا دون الآخرة، أعطيناه نصيبا من الدّنيا دون الآخرة.
وفي قوله سبحانه: وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) استعارة. وليس المراد أن هناك رحمة كانت مطويّة فنشرت، وخفيّة فأظهرت.
وإنما معنى الرحمة، هاهنا، الغيث المنزّل لإحياء الأرض، وإخراج النّبت. ونشره عبارة عن إظهار النفع به، وتعريف الخلق عواقب المصالح بموقعه.
وفي قوله تعالى: وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الآية 45] استعارة. وقد أشرنا إليها فيما تقدّم، لمعنى جرّ إلى ذكرها. والمراد بذلك، أنّ نظرهم نظر الخائف الذليل، والمرتاب الظّنين. فهو لا ينظر إلا مسترقا، ولا يغضي إلا مشفقا. وهذا معنى قولهم: فلان لا يملأ عينيه من فلان. إذا وصفوه بعظم الهيبة له، وشدّة المخافة منه. فكأنّهم لا ينظرون بمتّسعات عيونهم، وإنّما ينظرون بشفافاتها «1»
من ذلّهم ومخافتهم.
وقد يجوز أن يكون الطّرف، هاهنا، بمعنى العين نفسها. فكأنه تعالى وصفهم بالنظر من عين ضعيفة، على المعنى الذي أشرنا إليه، أو يكون الطرف مصدر قولك: طرفت، أطرف، طرفا. إذا لحظت. فيكون المعنى أنّ لحظهم خفيّ، لأنّ نظرهم استراق، كما قلنا أوّلا، من عظيم الخيفة وتوقّع العقوبة.
(1) . لعلها جمع شفافة، وهي بقيّة الشيء. [.....]