الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه إلا أن يبلغهم ما يوحى إليه من دعوتهم إلى وحدانية الله، وإنذارهم بالويل والهلاك إن لم يؤمنوا به، وتبشير المؤمنين بأن لهم أجرا غير ممنون. ثم أخذ السياق يبيّن لهم قبح كفرهم به، فذكر أنهم يكفرون بالذي خلق الأرض في يومين. ومضى هذا السياق في ترتيب أيام خلق الأرض والسماوات، ثم أنذرهم إن أعرضوا عن الإيمان بالله تعالى، بعد ذلك، بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. وأخذ في تفصيل ما حصل لهم من ذلك في دنياهم، ثم ذكر ما يحصل لهم بعد حشرهم من شهادة سمعهم وأبصارهم وجلودهم عليهم، إلى غير هذا ممّا ذكره من أمر آخرتهم، ثم عاد إلى ذكر إعراضهم عن إنذار القرآن لهم، فذكر أنهم قالوا: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) . ثم هدّدهم جل جلاله على ذلك بما أعده لهم من العذاب الشديد، وذكر ما أعدّه للمؤمنين من حسن لقاء الملائكة لهم، إلى قولهم في لقائهم لهم نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) .
شرف الغرض الذي تدعو إليه الآيات [33- 54]
ثم قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) فذكر شرف الغرض في الدعوة إلى الله، وأمر رسوله (ص) أن يقابل في دعوته إساءتهم بالحسنة، وأن يستعيذ بالله جلّ وعلا إذا نزغه من الشيطان نزغ من الغضب ثم ذكر سبحانه أن من آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ونهاهم جلّ شأنه أن يسجدوا للشمس والقمر، وأمرهم بالسجود له تعالى، فإن استكبروا فلا ينقص ذلك شيئا من سلطانه وتسبيح الملائكة له سبحانه لا ينقطع إقرارا وإذعانا. ثم ذكر السياق أن من آيات الله إحياء الأرض بالمطر، ليبيّن لهم أنّ الذي يحيي الأرض قادر على إحياء الموتى، وانتقل السياق من ذلك الى تهديدهم على إلحادهم في آياته بعد إحيائهم.
ثم عاد هذا السياق إلى تهوين أمر إساءتهم للرسول (ص) ليؤكّد ما أمره من مقابلتها بالحسنة، فذكر أنّه لا يقال له إلا ما قد قيل للرسل من قبله، فلا يصحّ أن يضيق صدره بما قالوه في أول
السورة من أن في قلوبهم أكنّة ممّا يدعوهم إليه، إلى غير هذا مما حكى عنهم، وعليه أن يشتغل بالتبليغ ويفوّض أمره إلى الله سبحانه فهو ذو مغفرة وذو عقاب أليم. ثم ذكر السياق أنه سبحانه لو جعله قرآنا أعجميّا، ولم يفصّل آياته بالعربية كما فصّله، لقالوا:
لولا فصّلت آياته، لأنهم متعنّتون لا يرضيهم شيء. وذكر أنه هدى وشفاء للمؤمنين، وأنّ غيرهم في آذانهم وقر وهو عليهم عمى، فلا عيب فيه وإنما العيب فيهم. ثمّ ذكر تعالى أنه آتى موسى التوراة قبله فاختلف فيها كما اختلف هؤلاء المشركون في القرآن بين مصدّق ومكذّب، وأنه لولا سبق حكمه بإمهالهم لعجّل بقضائه بينهم، فذكر أن من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها. وذكر أن موعد ذلك ممّا اختص هو جل جلاله بعلمه، فإذا أتى يومه ناداهم أين شركائي؟ فيتبرءون من إثبات الشركاء له. ثم بيّن أن إنكارهم لهم في الآخرة بعد إقرارهم بهم في الدنيا هو شأن الإنسان لا يثبت على حال، فإن أقبلت عليه الدنيا لا ينتهي إلى درجة إلّا ويطلب أزيد منها، وإن أدبرت عنه بالغ في اليأس والقنوط، وإن عاودته النعمة، اغترّ بها، وظنّ أنها حق له لا يزول عنه وأنه لا ساعة قائمة ولئن كان هناك ساعة ورجع إلى ربه ليحسننّ إليه. ثم يمضي في إعراضه وينأى بجانبه، فإذا مسّه الشر بعد ذلك عاد إلى الإكثار من دعائه.
ثم ختم بذكر ما يوجب عليهم أن يحتاطوا في أمرهم، فأخبرهم بأنه على تقدير أن يكون القرآن من عنده، يكون كفرهم به من أعظم موجبات العقاب.
ثم ذكر أنه سيريهم ما أوعدهم به في الآفاق وفي أنفسهم. ويراد بالآفاق، والله أعلم، فتح البلاد المحيطة بهم، وبأنفسهم فتح مكة، وبهذا يتبين لهم أنه الحق: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54) .