الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «غافر»
«1»
في قوله تعالى: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً [الآية 7] . استعارة:
لأن حقيقة السعة إنّما توصف بها الأوعية والظروف التي هي أجسام، ولها أقدار ومساحات، والله سبحانه يتعالى عن ذلك.
والمراد، والله أعلم، أنّ رحمتك وعلمك وسعا كلّ شيء، فنقل الفعل إلى الموصوف على جهة المبالغة كقولهم: طبت بهذا الأمر نفسا، وضقت به ذرعا. أي طابت نفسي، وضاق ذرعي. وجعل العلم موضع المعلوم كما جاء قوله سبحانه: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ [البقرة/ 255] أي بشيء من معلومه.
وفي قوله سبحانه: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) استعارتان. إحداهما قوله تعالى:
رَفِيعُ الدَّرَجاتِ والمعنى: أن منازل العز، ومراتب الفضل التي يخصّ بها عباده الصالحين، وأولياءه المخلصين رفيعة الأقدار، مشرفة المنار.
فالدرجات المذكورة هي التي يرفع عباده إليها، لا التي يرتفع هو بها، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه:
يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ والرّوح هاهنا كناية عن الوحي كقوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى/ 52]
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ. [.....]
وإنما سمّي روحا لأن الناس يحيون به من موت الضلالة، وينشرون من مدافن الغفلة.
وذلك أحسن تشبيه، وأوضح تمثيل.
وفي قوله سبحانه: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) استعارة. والمراد بخائنة الأعين، والله أعلم، الرّيب في كسر الجفون، ومرامز العيون.
وسمّى سبحانه ذلك خيانة، لأنه أمارة للرّيبة، ومجانب للعفّة.
وقد يجوز أن تكون خائنة الأعين هاهنا صفة لبعض الأعين بالمبالغة في الخيانة، على المعنى الذي أشرنا إليه.
كما يقال علّامة، ونسّابة.
وأنشدوا قول الشاعر في مثل ذلك:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن
…
للغدر خائنة مغلّ الإصبع
أي لم تكن موصوفا بالمبالغة في الخيانة. ومعنى مغلّ الإصبع: سارق مختلس.
وأضاف الأغلال إلى الإصبع، كما أضاف الآخر «1» الخيانة إلى اليد في قوله:
أولّيت العراق ورافديه
…
فزاريّا أحذّ يد القميص
أي خفيف اليد في السرقة والأحذّ الخفيف السريع. وعنى برافديه: دجلة والفرات.
وإنما ذكرت اليد والإصبع في هذين الموضعين، لأنّ فعل السارق والمختلس في الأكثر إنّما يكون باستعمال يده، واستخدام أصابعه.
(1) . هو الشاعر الفرزدق. والبيت من أبيات في ديوانه، وقد أشار إليه ابن قتيبة في مقدمته لكتابه «الشعر والشعراء» ص 34، وهو يتحدّث عن التكلّف وضرورات القافية. والفرزدق يخاطب الخليفة يزيد بن عبد الملك شاكيا عمر بن هبيرة.
وفي «أساس البلاغة» للزمخشري، روي هذا البيت هكذا:
بعثت على العراق ورافديه
…
فزاريّا أحذّ يد القميص