الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع المعاني المجازية في سورة «الزخرف»
«1»
في قوله سبحانه: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5) استعارة. ويقال:
ضربت عنه وأضربت عنه بمعنى واحد.
وسواء قولك ذهبت عنه صفحا، وأعرضت عنه صفحا، وضربت وأضربت عنه صفحا، ومعنى صفحا هاهنا أي أعرضت عنه بصفحة وجهي.
والمراد، والله اعلم، أفنعرض عنكم بالذّكر، فيكون الذّكر مرورا بصفحه عنكم، من أجل إسرافكم وبغيكم؟ أي لسنا نفعل ذلك، بل نوالي تذكيركم لتتذكّروا، ونتابع زجركم لتنزجروا.
ولمّا كان سبحانه يستحيل أن يصف نفسه بإعراض الصفحة، كان الكلام محمولا على وصف الذّكر بذلك، على طريق الاستعارة.
وفي قوله سبحانه: وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11) استعارة. وقد مضى مثلها في ما تقدم، إلا أن هاهنا إبدال لفظة مكان لفظة. لأن ما مضى من نظائر هذه الاستعارة، إنما يرد بلفظ إحياء الأرض بعد موتها. وورد ذلك هاهنا، بلفظ الإنشار بعد الموت وهو أبلغ. لأن الإنشار صفة تختصّ بها الإعادة بعد الموت، والإحياء قد يشترك فيه ما يعاد من الحيوان بعد موته، وما يعاد من النبات والأشجار بعد تلبّده وجفوفه. يقال: قد أحيا الله الشجر.
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
كما يقال: قد أحيا البشر. ولا يقال: أنشر الله النبات، كما يقال:
أنشر الأموات.
وفي قوله سبحانه: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) استعارة: لأنّ الكلام الذي هو الأصوات المقطّعة، والحروف المنظومة، لا يجوز عليه البقاء. إنما المراد، والله اعلم، أن إبراهيم (ع) جعل الكلمة التي قالها لأبيه وقومه وهي قوله تعالى: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) باقية في عقبه، بأن وصّى بها ولده، وأمرهم أن يتواصوا بها ما تناقلتهم الأصلاب، وتناسختهم الأدوار. وهذه الكلمة هي كلمة الإخلاص والتوحيد. والله اعلم.
وقوله سبحان: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) وهذا الكلام أيضا داخل في قبيل الاستعارة. لأن مسألة الرسل الذين درجت قرونهم، وخلت أزمانهم غير ممكنة. إنّما المراد، والله اعلم، واسأل أصحاب من أرسلنا من قبلك من رسلنا، أو استعلم ما في كتبهم، وتعرّف حقائق سننهم. وذلك على مثال: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (82)[يوسف/ 82] .
وقال بعضهم: مسألة الرسل هاهنا بمعنى المسألة عنهم، عليهم السلام، وعمّا أتوا به من شريعة، وأقاموه من عماد سنّة. وقد يأتي في كلامهم:
اسأل كذا، أي اطلبه، واسأل عنه.
قال سبحانه: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34)[الإسراء/ 34] أي مسؤولا عنه.
وقال تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) أي سئل عن قتلها، وطلب بدمها. فكأنه تعالى قال لنبيه (ع) : واسأل عن سنن الأنبياء قبلك، وشرائع الرسل الماضين أمامك، فإنك لا تجد فيها إطلاقا عبادة لمعبود إلا الله سبحانه. وقد استقصينا الكلام على ذلك في كتابنا الكبير.