الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «محمّد» (ص)
«1»
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة «محمد» (ص) بعد سورة «الحديد» ، ونزلت سورة «الحديد» بعد سورة «الزّلزلة» ، ونزلت سورة «الزلزلة» بعد سورة «النساء» ، وكان نزول سورة «النساء» بين صلح الحديبية وغزوة تبوك، فيكون نزول سورة «محمد» (ص) في هذا التاريخ أيضا.
وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم لقوله تعالى في الآية 2 منها وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ، وتبلغ آياتها ثمانيا وثلاثين آية.
الغرض منها وترتيبها
الغرض من هذه السورة تحريض المؤمنين على قتال الكافرين ووعدهم بالنصر عليهم، وهذا القتال هو عذاب الدنيا الذي أوعد الكفار به في السور السابقة ولهذا جاء ترتيبها في الذكر بعدها، لتدلّ على صدق ما أوعدهم الله به.
التحريض على القتال الآيات [1- 38]
قال الله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) فمهّد عز وجل للتحريض على القتال ببيان وجه استحقاق الكفّار له، وذكر أنّهم كفروا
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز- المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة، القاهرة، غير مؤرّخ.
وصدّوا عن سبيله فأضلّ أعمالهم، وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد (ص) غفر ما كان من شركهم وأصلح بالهم، لأنّ الكفار اتّبعوا الباطل والمؤمنين اتّبعوا الحق من ربّهم ثم أمر جلّ وعلا بقتال الكفّار حتّى يثخنوهم بالقتل والجراح، فإذا أثخنوهم شدّوا وثاقهم بالأسر، وهم مخيّرون بعد هذا في إطلاقهم بفداء أو من غير فداء ثم وعد الذين يقتلون منهم في سبيله حسن الأجر في الآخرة، والذين يبقون منهم بالنصر على أعدائهم وأوعد الكفّار بالهزيمة والهلاك وضياع الأعمال، ثم مضى السياق في هذا الترغيب والترهيب إلى أن انتقل منه إلى الحديث عن المنافقين فألحقهم بأولئك الكفّار، وذكر أنّ الله سبحانه طبع على قلوبهم فاتّبعوا أهواءهم ولم يجاوز إسلامهم حناجرهم، وأن الذين أخلصوا في إيمانهم زادهم الله هدى الى هداهم، وأن هؤلاء المنافقين لا يتوقع منهم الإيمان إلّا أن تأتيهم الساعة بغتة، وها هي ذي قد قربت وجاءت علاماتها، ولكنّ التوبة عندها لا تنفع صاحبها. ثم ذكر السياق، أن الله عز وجل أمر النبي (ص) أن يستمر هو والمؤمنون على الإخلاص في توحيده، لأنه يعلم متقلّبهم ومثواهم، حتّى لا يكونوا كهؤلاء المنافقين في مخالفة باطنهم لظاهرهم.
ثم أخذ السياق في ذم هؤلاء المنافقين على تقاعسهم عن القتال في سبيل الله جبنا وخوفا، وذكر أنهم إن تولّوا عن القتال في سبيله سبحانه فإنهم يعودون إلى ما كانوا عليه من الفساد في الأرض، فيغير بعضهم على بعض، ويقابل ذوو الأرحام بعضهم بعضا، كما كان بين الأوس والخزرج ثم ذكر تعالى أنّه أصمّهم وأعماهم فلا يتدبّرون ذلك، بل يتّبعون ما يسوّله الشيطان لهم، وما وعدوا به أهل مكة من الكفّ عن قتالهم ثم توعّدهم جل جلاله، بقوله وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30)[الآية 30] .
ثم ختمت السورة بمثل ما بدئت به من التحريض على القتال، فذكر تعالى أنه سيبلوهم به ليعلم المجاهدين والصابرين منهم، ووعدهم بأنه لن يمكّن أعداءهم من أن يضرّوهم ثمّ نهاهم أن يهنوا في القتال ويدعوا إلى السّلم وهم الأعلون، وقد وعدهم
بالنصر وحسن الأجر وهوّن عليهم أمر الدنيا التي يعوق حبّها عن القتال والإنفاق في سبيله سبحانه، إلى أن قال: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38) .