الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الجزء الحادى عشر]
بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابته والمسلمين.
[ما وقع من الحوادث سنة 762]
ذكر سلطنة الملك المنصور محمد على مصر
«1» السلطان الملك المنصور أبو المعالى ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المظفّر حاجىّ ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون المنصورى الحادى والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية. جلس على تخت الملك صبيحة قبض على عمّه الملك الناصر حسن وهو يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة وكان عمره يومئذ نحوا من أربع عشرة سنة، بعد أن اجتمع الخليفة المعتضد بالله والقضاة والأعيان. ثم فوّض عليه خلعة السلطنة وهو التشريف الخليفتى في يوم الخميس عاشر الشهر المذكور، ولقّبوه الملك المنصور وحلفت له الأمراء على العادة، وركب من باب الستارة «2» من قلعة الجبل إلى الإيوان «3» وعمره ستّ عشرة سنة. قاله العينى. «4» والأصحّ ما قلناه.
ثم خلع على الأمير يلبغا العمرىّ الناصرىّ الخاصّكى وصار مدبر مملكة، ويشاركه فى ذلك خشداشه الأمير طيبغا الطويل، على أن كلّا منهما لا يخالف الآخر في أمر من الأمور؛ ثم خلع على الأمير قطلوبغا الأحمدى واستقر رأس نوبة النّوب، وخلع على قشتمر المنصورى بنيابة السلطنة بالديار المصرية وناظر البيمارستان المنصورىّ عوضا عن الأمير آقتمر عبد الغنى، وخلع على الشريف عز الدين عجلان بإمرة مكة على عادته. ثم كتب بالإفراج عن جماعة من الأمراء من الحبوس «1» وهم الأمير حركتمر الماردينىّ وطشتمر القاسمى وقطلوبغا المنصورى وخلع على طشتمر القاسمى بنيابة الكرك من يومه وعلى ملكتمرا المحمدى بنيابة صفد، ونفى اطقتمر المؤمنى إلى أسوان وخلع على الأمير ألجاى اليوسفى حاجب الحجّاب واستقرّ أمير جاندار، وأفرج عن الأمير طاز اليوسفى الناصرى من اعتقاله بثغر الإسكندرية بعد أن حبس بها ثلاث سنين وزيادة، وكان السلطان الملك الناصر حسن قد أكحله وأفرج أيضا عن أخوىّ طاز: الأمير جنتمر وكلتاى؛ وقرابغا وحضروا الجمع إلى بين يدى السلطان، وحضر طاز وعلى عينيه شعرية «2» فأخلع عليه وسأل أن يقيم بالقدس فأجيب وسافر إلى القدس وأقام به إلى أن مات على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى.
ولمّا بلغ خبر قتل الملك الناصر حسن إلى الشأم عظم ذلك على بيدمر نائب الشأم وخرج عن الطاعة في شعبان من سنة اثنتين وستين وسبعمائة وعصى معه أسند مر الزينىّ ومنجك اليوسفى وحصّنوا قلعة دمشق، فلمّا بلغ ذلك يلبغا العمرى استشار الأمراء في أمرهم فاتّفقوا على خروج السلطان إلى البلاد الشامية وتجهّز يلبغا وجهّز
السلطان الملك المنصور إلى السفر وأنفق فى الأمراء والعساكر وخرج السلطان ويلبغا بالعساكر المصرية إلى الرّيدانية «1» فى أواخر شعبان.
ثم رحّل الأمير يلبغا جاليش العسكر في يوم الاثنين مستهلّ شهر رمضان ورحّل السلطان الملك المنصور في يوم الثلاثاء الثانى منه ببقية العساكر وساروا حتى وصلوا دمشق في السابع والعشرين من شهر رمضان المذكور، فتحصّن الأمراء المذكورون بمن معهم في قلعة دمشق، فلم يقاتلهم يلبغا وسيّر إليهم في الصلح وتردّدت الرسل إليهم، وكان الرسل قضاة الشام، حتى حلف لهم يلبغا أنه لا يؤذيهم وأمّنهم فنزلوا حينئذ إليه، فحال وقع بصره عليهم أمر بهم فقبضوا وقيّدوا وحملهم «2» إلى الإسكندرية الى الاعتقال بها وخلع يلبغا على أمير علىّ الماردينى بنيابة دمشق على عادته أوّلا، وهذه ولاية أمير علىّ الثالثة على دمشق وتولّى الأمير قطلوبغا الأحمدى رأس نوبة نيابة جلب عوضا عن الأمير شهاب الدين أحمد بن القشتمرى.
وأقام السلطان ويلبغا مدّة أيام، ومهّد يلبغا أمور البلاد الشامية حتى استوثق له الأمر. ثم عاد إلى جهة الديار المصرية وصحبته الملك المنصور والعساكر حتى وصل إليها في ذى القعدة من سنة اثنتين وستين وسبعمائة. وصار الأمر جميعه ليلبغا وأخذ يلبغا في عزل من اختار عزله وتولية من اختاره، فأخلع على الطواشى سابق الدين مثقال الآنوكى زمام الدار واستقرّ في تقدمة المماليك السلطانية عوضا عن الطواشى شرف الدين مخلص الموفّقى.
ثم في شهر رجب استقرّ الأمير طغيتمر النّظامى حاجب الحجاب بالديار المصرية، وكانت شاغرة منذ ولّى ألجاى اليوسفى الأمير جاندار، ثم في شعبان استقرّ الأمير قطلقتمر العلائى الجاشنكير أمير مائة ومقدّم ألف بديار مصر.
ثم في شوّال أخلع على الأمير إشقتمر «1» الماردينى أمير مجلس بنيابة طرابلس واستقر طغيتمر النظامى عوضه أمير مجلس، واستقر الأمير اسنبغا الأبوبكريّ حاجب الحجّاب عوضا عن طغيتمر النظامى. ثم أخلع على الأمير عزّ الدين أيدمر الشيخى بنيابة حماة. ثم استقرّ الأمير منكلى بغا الشمسى فى نيابة حلب عوضا عن قطلوبغا الأحمدى بحكم وفاته. ثم أمسك الأمير شرف الدين موسى بن الأزكشى الأستادار ونفى الى حماة واستقرّ عوضه في الأستادارية أروس المحمودى.
ثم تزوّج الأمير الكبير يلبغا بطولوبيه «2» زوجة أستاذه الملك الناصر حسن.
وفي هذه السنة بويع المتوكّل على الله أبو عبد الله محمد بالخلافة بعد وفاة أبيه المعتضد بالله أبى بكر بعهد من أبيه في يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة.
ثم أشيع في هذه السنة عن السلطان الملك المنصور محمد أمور شنعة نفّرت قلوب الأمراء منه واتّفقوا على خلعه من السلطنة، فخلع في يوم الثلاثاء خامس عشر شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة وتسلطن بعده ابن عمه الملك الأشرف شعبان بن حسين، وحسين المذكور لم يتسلطن غير أنه كان لقّب بالأمجد من غير سلطنة، وأخذوا الملك المنصور محمدا وحبسوه داخل الدور السلطانية بقلعة الجبل. وكانت مدّة سلطنته سنتين وثلاثة أشهر وستة «3» أيام، وليس له فيها من السلطنة إلا مجرّد الاسم فقط.
والأتابك يلبغا هو المتصرف في سائر أمور المملكة.
وسبب خلعه- والذي أشيع عنه- أنه بلغ الأتابك يلبغا أنه كان يدخل بين نساء الأمراء ويمزح معهن، وأنه كان يعمل مكاريّا للجوارى ويركبهنّ ويجرى هو وراء الحمار بالحوش السلطانى وأنه كان يأخذ زنبيلا فيه كعك ويدخل بين النساء ويبيع ذلك الكعك عليهن على سبيل المماجنة. وأنه يفسق في حريم الناس ويخلّ بالصلوات وأنه يجلس على كرسى الملك جنبا وأشياء غير ذلك، فاتّفق الأمراء عند ذلك على خلعه فخلعوه وهم يلبغا العمرى الخاصّكى وطيبغا الطويل وأرغون الإسعردى وأرغون الأشرفى وطيبغا العلائى وألجاى اليوسفى وأروس المحمودى وطيدمر البالسى وقطلوبغا المنصورى وغيرهم من المقدّمين والطبلخانات والعشروات.
واستمر الملك المنصور محبوسا بالدور السلطانية من القلعه إلى أن مات بها فى ليلة السبت تاسع المحرّم من سنة إحدى وثمانمائة. وزوّج الملك الظاهر برقوق الوالد «1» بابنته خوند فاطمة في حياة والدها الملك المنصور المذكور واستولدها الوالد عدّة أولاد وماتت تحته في سنة أربع وثمانمائة، ولما مات الملك المنصور صلّى عليه الملك الظاهر برقوق بالحوش «2» السلطانى من القلعة ودفن بتربة «3» جدّته أمّ أبيه بالروضة «4» خارج
باب «1» المحروق بالقرب من الصحراء، وكان محبّا للهو والطرب راضيا بما هو فيه من العيش الطيب، وكان له مغان عدّة، جوقة كاملة زيادة على عشر جوار يعرفن بمغانى المنصور استخدمهنّ الوالد بعد موته، وكانت العادة تلك الأيام، أنّ لكل سلطان أو ملك يكون له جوقة من المغانى عنده فى داره، ولم يخلّف الملك المنصور مالا له صورة وخلّف عدّة أولاد ذكور وإناث. رأيت أنا جماعة منهم. انتهى والله أعلم.
السنة الأولى وهي سنة اثنتين وستين وسبعمائة ومدبّر الممالك يلبغا العمرىّ على أن الملك الناصر حسنا حكم منها إلى تاسع جمادى الأولى ثم حكم في باقيها الملك المنصور هذا.
فيها كان خلع الملك الناصر حسن وقتله حسب ما تقدّم وسلطنة الملك المنصور هذا.
وفيها توفّى الأديب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علىّ بن محمد المعروف بابن أبى طرطور الشاعر المشهور وبحماة عن بضع وسبعين سنة. وكان رحمه الله شاعرا ماهرا حسن العشرة، مدح الأكابر والأعيان ورحل إلى الشام ثم استوطن حماة إلى أن مات. رحمه الله. ومن شعره في مليح اسمه يعقوب، وهو هذا. [الرمل]
يا مليحا حاز وجها حسنا
…
أورث الصّبّ البكا والحزنا
غلطوا في اسمك إذ نادوا به
…
يوسف أنت ويعقوب أنا
وتوفّى الحافظ المفتّن علاء الدين أبو عبد الله مغلطاى بن قليح «1» بن عبد الله البكجرىّ الحنفىّ الحافظ المصنف المحدّث المشهور في شعبان ومولده سنة تسعين وستمائة قاله ابن «2» رافع، وغيره في سنة تسع وثمانين وسمع من التاج أحمد «3» ابن دقيق العيد وابن الطبّاخ والحسن بن عمر الكردىّ وأكثر عن شيوخ عصره وتخرّج بالحافظ فتح الدين ابن سيد «4» الناس وغيره ورحل وكتب وصنّف «وشرح صحيح البخارىّ» ورتب «صحيح ابن حبّان» «وشرح [سنن] «5» أبى داود» ولم يكمّله وذيّل على «المشتبه لابن نقطة» وذيّل على «كتاب الضعفاء لابن الجوزىّ» وله عدّة مصنّفات أخر، وكان له اطلاع كبير وباع واسع في الحديث وعلومه وله مشاركة فى فنون عديدة. تغمّده الله برحمته.
وتوفّى الشيخ الإمام البارع المحدّث العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف [ابن محمد «1» ] الزّيلعىّ الحنفىّ في الحادى والعشرين من المحرّم. وكان- رحمه الله فاضلا بارعا في الفقه والأصول والحديث والنحو والعربية وغير ذلك، وصنّف وكتب وأفتى ودرّس وخرّج أحاديث الكشّاف في جزء وأحاديث الهداية [فى الفقه «2» على مذهب أبى حنيفة] فى أجزاء وأجاد، أظهر فيه على اطلاع كبير وباع واسع.
رحمه الله تعالى.
وتوفّى السيّد الشريف «3» شهاب الدين حسين بن محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن زيد الحسينىّ المصرىّ الشافعىّ الشهير بابن قاضى العسكر نقيب الأشراف بالديار المصرية عن أربع وستين سنة وكان كاتبا بارعا أديبا بليغا كتب الإنشاء بمصر وباشر كتابة السّر بحلب وله ديوان خطب وتعاليق ونظم ونثر، ومن شعره قوله.
[المتقارب]
تلقّ الأمور بصبر جميل
…
وصدر رحيب وخل الجرج
وسلّم إلى الله في حكمه
…
فإمّا الممات وإمّا الفرج
وتوفّى القاضى شهاب «4» الدين أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب بن خلف [ابن محمود بن على «5» ] بن بدر المعروف بابن بنت الأعز العلامىّ الفقيه الشافعى
فى يوم الخميس ثامن عشر شهر ربيع الآخر وكان فقيها بارعا فاضلا ولى نظر الأحباس بالقاهرة ووكالة بيت المال وعدّة وظائف دينيّة- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين بلبان بن عبد الله السّنانى الناصرى الأستادار وأحد أمراء المقدّمين بالقاهرة، وكان من أعيان أمراء الديار المصرية وفيه شجاعة ومروءة وكرم. تغمّده الله برحمته.
وتوفّى القاضى شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عيسى [بن عيسى «1» ] بن محمد ابن عبد الوهاب بن ذؤيب الآمدى الدمشقىّ الشافعىّ المعروف بابن قاضى شهبة- رحمه الله كان إماما بارعا أديبا ماهرا باشر الخطابة بمدينة غزّة سنين، ثم كتب الإنشاء بدمشق وكان له نظم ونثر وخطب.
وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن مجد الدين عيسى بن محمود [بن عبد «2» اللطيف البعلبكى] المعروف بابن المجد الموسوى في سلخ صغر، وكان فقيها فاضلا إلا أنه كان غلب عليه الوسواس، حتى إنه كان في بعض الأحيان يتوضّأ من فسقية الصالحية «3» بين القصرين فلا يزال به وسواسه حتى يلقى نفسه في الماء بثيابه.
وتوفّى الفقيه الكاتب المنشئ كمال الدين أبو عبد الله محمد بن شرف الدين أحمد ابن يعقوب بن فضل بن طرخان الزينبىّ الجعفرىّ العباسىّ الدمشقىّ الشافعىّ بضواحى القاهرة. كان معدودا من الرؤساء الفضلاء الأدباء.
وتوفّى الشيخ المعمّر المعتقد أبو العباس أحمد بن موسى الزرعىّ الحنبلىّ أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في المحرّم بمدينة حبراص «1» من الشأم وكان قويا فى ذات الله جريئا على الملوك والسلاطين. أبطل عدّة مكوس ومظالم كثيرة وقدم إلى القاهرة أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون وله معه أمور يطول شرحها وكان يخاطب الملوك كما يخاطب بعض الحرافيش وله على ذلك قوّة وشدّة بأس. رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين برناق بن عبد الله نائب قلعة دمشق بها في شعبان وكان مشكور السّيرة في ولايته.
وتوفّى قاضى الكرك «2» محيى الدين أبو زكريّا يحيى بن عمر بن الزكىّ الشافعى- رحمه الله فى أوائل ذى القعدة وهو معزول.
وتوفّى قتيلا صاحب فاس «3» من بلاد المغرب السلطان أبو سالم إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن على بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المرينىّ في ليلة الأربعاء ثامن عشر ذى القعدة- رحمه الله تعالى- وكان من أجلّ ملوك الغرب «4» .
وتوفّى الخواجا عزّ الدين حسين بن داود بن عبد السيّد بن علوان السّلامى التاجر فى شهر رجب بدمشق وقد حدّث وكان مثريا وخلّف مالا كبيرا.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع واثنتا عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وعشر أصابع. والله أعلم.