الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سلطنة الملك المنصور علىّ على مصر
السلطان الملك المنصور علاء الدين علىّ ابن السلطان الملك الأشرف زين الدّين شعبان ابن الأمير الملك الأمجد حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الألفىّ الصالحىّ وهو السلطان الثالث والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية، تسلطن في حياة والده حسب ما تقدّم ذكره أنّ الأمير قرطاى وطشتمر اللّفاف وأينبك البدرىّ لمّا ثاروا بمن معهم بالدّيار المصرية، وطلعوا إلى القلعة وأخذوا أمير علىّ هذا من الدور السلطانية وسلطنوه في حياة والده أرادوا بذلك انضمام الناس عليهم فإنهم كانوا أشاعوا موت الملك الأشرف شعبان فى العقبة حتى تمّ لهم ما أرادوه وسلطنوا أمير علىّ هذا من غير حضور الخليفة والقضاة فإنهم كانوا صحبة السلطان الملك الأشرف بالعقبة فلمّا زالت دولة الملك الأشرف وقبض عليه وقتل ثم حضر الخليفة المتوكّل على الله أبو عبد الله محمد من العقبة وكان القضاة بالقدس الشريف توجّهوا إليه من العقبة بعد واقعة الملك الأشرف وهروبه الى مصر.
فلما كان يوم الخميس ثامن «1» شهر ذى القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وذلك بعد قتل الملك الأشرف شعبان بثلاثة أيام، اجتمع الأمراء القائمون بهذا الأمر بالقلعة واستدعوا الخليفة ومن كان بمصر من القضاة ونوّاب من هو غائب من القضاة بالقدس وحضر الأمير آقتمر الصاحبىّ نائب السلطنة بالديار المصرية وقعدوا الجميع بباب الآدر الشريفة من قلعة الجبل «2» وجدّدوا البيعة بالسلطنة للملك المنصور علىّ هذا بعد وفاة أبيه الملك الأشرف وقبل له البيعة آقتمر الصاحبىّ المذكور
ولبسوه السواد خلعة السلطنة وكانت فرجيّة حرير بنفسجىّ بطرز ذهب وبدائرها تركيبة زركش بحاشية حرير أزرق خطائى وشاش أسود خليفتى وقبعا أسود بعذبة خليفتيّا زركش. وركب بأبّهة السلطنة وشعار الملك من باب الستارة «1» والأمراء مشاة بين يديه إلى أن وصل إلى الإيوان «2» وجلس على تخت الملك في يوم الخميس المذكور وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه وحلفوا له على العادة وأخلع على الخليفة وعلى الأمراء وعلى من له عادة بلبس الخلع ومدّ السّماط وكان عمر السلطان الملك المنصور يوم تسلطن نحو سبع سنين تخمينا.
ثم قام الملك المنصور من الإيوان ودخل إلى القصر وأخلع على الأمير طشتمر اللفّاف [المحمدى «3» ] باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية وأنعم عليه بكل مال أرغون شاه الأشرفىّ بعد قتله، وخلع على الأمير قرطاى الطازىّ واستقرّ رأس نوبة كبيرا وأطابكا «4» وأنعم عليه بكل مال صرغتمش الأشرفىّ بعد قتله أيضا، ورسم لهما أيضا أن يجلسا بالإيوان في الميمنة، وخلع على أسندمر الصّرغتمشىّ واستقرّ أمير سلاح ورسم له أن يجلس في الميسرة، وخلع على قطلوبغا البدرىّ واستقرّ أمير مجلس وخلع على طشتمر «5» العلائى الدوادار واستقرّ في نيابة دمشق ورسم له أن يخرج من يومه وخلع على إياس الصرغتمشىّ واستقرّ دويدارا كبيرا عوضا عن طشتمر العلائىّ بإمرة طبلخاناه. ثم أنعم على أينبك البدرىّ واستقر أمير آخور كبيرا وبلاط السيفىّ ألجاى الصغير ودمراش اليوسفىّ واستقرّ رأس نوبة ثانيا- وهذه الوظيفة هي الآن
وظيفة رأس نوبة النّوب في زماننا هذا- ويلبغا النظامىّ وألطنبغا السلطانىّ، وكان الجميع أجنادا ماعدا أينبك البدرىّ فإنه كان أمير طبلخاناه وطشتمر اللفّاف فإنه كان أمير عشرة فانتقل للأتابكيّة دفعة واحدة وأنعم على جماعة بإمرة طبلخاناه، وهم:
الأمير طغيتمر الناصرىّ وقطلوبغا البيسرىّ وبيخجا الكاملىّ وصربغا الناصرىّ وطولو الصّرغتمشىّ وأطلمش الأرغونىّ ومقبل الرومىّ وألجيبغا السيفىّ ألجاى وقطلوبغا النظامىّ وأحمد بن يحمر «1» التّركمانىّ وقطلوخجا أخو أينبك البدرىّ وتمربغا البدرىّ وألطنبغا المعلّم «2» وتلكتمر «3» بن عبد الله المنصورىّ وأسنبغا الصارمىّ وأطلمش الطازىّ وإبراهيم بن قطلقتمر العلائى وأرنبغا السيفىّ ألجيبغا وعلىّ بن آقتمر عبد الغنىّ وأسنبغا النظامىّ ومأمور القلمطاوىّ.
وأنعم على جماعة بإمرة عشرات وهم: تكا الشمسىّ ومحمد بن قرطاى الطازىّ وخضر بن ألطنبغا السلطانى ومحمد بن شعبان بن يلبغا العمرىّ وأسنبغا المحمودىّ وطبج المحمدىّ وألطنبغا شادى وسودون العثمانىّ شادّ السلاح خاناه وتلكتمر المنجكىّ وآقبغا السيفىّ ألجاى وجركس السّيفىّ ألجاى وطقتمش السيفىّ يلبغا وطوغان العمرىّ الظهيرىّ وبكلمش الإبراهيمىّ ويلبغا العلائى دوادار أمير علىّ النائب ويوسف بن شادى أخو حاج ملك وخضر الرسولىّ وأسندمر الشرفىّ ومغلطاى الشرفىّ وخليل بن أسندمر العلائىّ ورمضان بن صرغتمش وحسن أخو قطلوبغا حاجّى أمير علم ومنكلى الشمسىّ وألجيبغا السيفىّ جنقرا.
ثم رسم بالإفراج عن جماعة من السجن بقلعة الجبل في يوم السبت عاشر شهر ذى القعدة وهم: الأمير آقتمر عبد الغنى نائب السلطنة بديار مصر ونائب الشام كان
والأمير علم المحمدىّ وأيدمر الشمسىّ وسودون جركس المنجكىّ وطيبغا الصّفوىّ ألجاى «1» ومغلطاى البدرىّ الجمالىّ وصربغا السيفىّ وطشتمر الصالحىّ وبلاط الكبير السيفىّ ألجاى وحطط اليلبغاوىّ وإياس الماردينىّ وبلّوط الصرّغتمشىّ ويلبغا المنجكىّ وقرابغا أبو جركتمر «2» وحاجىّ خطاى والد غريب. ثم من الغد أمر بمسكهم ثانيا وتقييدهم وإرسالهم إلى سجن الإسكندرية فقبض عليهم وأرسلوا في تلك الليلة ما خلا آقتمر عبد الغنىّ وسودون المنجكىّ «3» .
ثم في يوم الأحد ثامن عشر ذى القعدة قبضوا على جماعة من مباشرى الدولة وطلعوا بهم إلى القلعة وهم: الصاحب الوزير شمس الدين المقسى وتاج الدين موسى ناظر الخواصّ الشريفة وأمين الدّين وعلاء الدّين بن السائس وشهاب الدين ابن الطّولونى وأدخلوا قاعة الصاحب «4» وصودروا حتى قرّر عليهم ما يقومون به من الأموال ثم أفرج عنهم.
ثم أحضر الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام من الإسكندرية وصودر وقرّر عليه ألف ألف درهم ثم خلع عليه باستقراره في نيابة الإسكندرية على عادته.
ثمّ مسكوا من الطواشية والخدّام جماعة كبيرة، وهم: مختصّ الأشرفىّ وجوهر الإسكندرىّ وسنبل رأس نوبة الجمدارية وأدخلوا قاعة الصاحب.
ثم أصبحوا من الغد قبضوا على جماعة أخروهم: دينار اللّالا وشاهين دست وسنبل اللّفاف أحد الجمدارية وأدخلوا أيضا إلى قاعة الصاحب. ثم أصبحوا من الغد ورسموا لمثقال الجمالىّ الزّمام بحمل ثلاثمائة ألف درهم، ثم استقرّت مائة ألف درهم.
ثم في يوم الاثنين تاسع عشر ذى القعدة خلع على الأمير آقتمر «1» الصاحبىّ واستقرّ على نيابة السلطنة بالدّيار المصرية، كما كان في أيام الملك الأشرف شعبان، وفوّض إليه أن يخرج الإقطاعات للأمراء والأجناد والنوّاب وألّا يكون لأحد معه تحكّم وذلك بعد أن رضيت الأمراء والخاصّكية والبرّانيّون بذلك.
ثم أخلع على الأمير أرغون الإسعردىّ بنيابة طرابلس عوضا عن الأمير منكلى «2» بغا الأحمدىّ البلدىّ. ثم أخلع على القاضى بدر الدين بن فضل الله كاتب السّر باستمراره على وظيفته.
ثم أخلع على الصاحب تاج الدين المكّىّ بإعادته إلى الوزارة ثانية وهي وزارته الرابعة وأخلع على القاضى كريم الدين بن الرّويهب باستقراره ناظر الدولة واستقرّ القاضى تقىّ الدين عبد الرحمن ابن القاضى محب الدين محمد في نظر الجيوش المنصورة عوضا عن والده محبّ الدين المذكور بحكم وفاته.
ثم شرع الأمراء في النفقة على المماليك السلطانية فأعطوا كلّ نفر عشرة آلاف درهم. وفي ثانى عشر شهر ذى الحجة قرئ تقليد السلطان الملك المنصور على بالإيوان من قلعة الجبل وعلّم عليه الخليفة المتوكّل على الله وشهدت عليه القضاة بتفويض السلطنة للملك المنصور وخلع على الخليفة وأنعم عليه بألف دينار وهي رسم المبايعة.
ثم بعد أيام دخل أسندمر الصرغتمشىّ ودمرداش اليوسفىّ إلى الدّور السلطانيّة وفرّقوا جوارى الملك الأشرف شعبان على الأمراء.
ثم استقرّ في خامس المحرّم من سنة تسع وسبعين وسبعمائة الأمير قرطاى الطازىّ أتابكا بعد موت طشتمر اللّفّاف وأخلع عليه بعد أيام بنظر البيمارستان «3»
المنصورىّ وأخلع على الأمير مبارك الطازىّ واستقرّ رأس نوبة كبيرا عوضا عن قرطاى المذكور. ثم بعد ذلك بمدّة يسيرة استقرّ الأمير أينبك البدرىّ الأمير آخور الكبير في نظر البيمارستان، عوضا عن قرطاى برغبة قرطاى عنه واستقرّ سودون جركس أستادارا.
ثم في العشرين من المحرّم خلع على الأمير سودون الفخرىّ الشّيخونىّ وبلّوط الصرغتمشىّ واستقرّا حاجبين بالديار المصريّة.
ثم في صفر حضر الأمير يلبغا الناصرىّ إلى القاهرة وكان قد نفى إلى بلاد الشام، بعد قتل السلطان الأشرف فأنعم عليه بإمرة طبلخاناه وكانوا أيضا قبل تاريخه قد عزلوا الأمير منكلى بغا الأحمدىّ عن نيابة طرابلس وتمرباى نائب صفد عن نيابة صفد فجاء الخبر بأنّ منكلى بغا حلّ سيفه وأطاع وأنّ تمرباى عصى وامتنع بصفد فخلع على الأمير أرغون الإسعردىّ ثانيا بنيابة طرابلس عوضا عن منكلى بغا المذكور وتولى نيابة حماة تمراز الطازىّ.
ثم في هذه الأيام بدت الوحشة بين قرطاى الطازىّ الأتابك وبين صهره أينبك البدرىّ الأمير آخور الكبير في الباطن، كلّ ذلك في هذه المدّة اليسيرة وصار كلّ واحد يدبّر على الآخر مع أصحابه وحواشيه، فلمّا كان يوم الأحد العشرون من صفر عمل الأمير الأتابك قرطاى وليمة فأهدى له أينبك مشروبا يقال له الشّشش «1» وعمل فيه بنجا، فلمّا شربه قرطاى تبنّج، وكان لأينبك عند قرطاى عيون فأخبروه أنّه تبنّج فركب أينبك من وقته بالسلاح ومعه جماعة كبيرة ملبسين وأنزل السلطان الملك المنصور عليّا إلى الإسطبل السلطانىّ ودقّت الكوسات فجاءت الأمراء إلى السلطان وأقام أينبك راكبا من عصر يوم الأحد إلى صبيحة يوم الاثنين، وسببه أنه كان
عند قرطاى في بيته جماعة من الأمراء من أصحابه: منهم سودون جركس وأسندمر الصرغتمشىّ وقطلوبغا البدرىّ وقطلوبغا جركس وأمير سلاح ومبارك الطازىّ رأس نوبة كبير وجماعة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات فركبوا الجميع ومنعوا أينبك من الوصول إلى قرطاى وحموه إلى أن استفاق قرطاى من بنجه وقد ضعف أمر أصحابه وقوى أمر أينبك، فبعث قرطاى يسأل أينبك أن ينعم عليه بنيابة حلب ويرسل إليه منديل الأمان، فأجابه أينبك إلى ذلك فخرج قرطاى من وقته إلى سرياقوس «1» وقبض أينبك على من كان عند قرطاى من الأمراء فإنّهم كانوا قاتلوه وأبادوه من أخذ قرطاى وقيّدهم وأرسلهم إلى الإسكندرية «2» فسجنوا بها. ورسم للأمير آقتمر الصاحبىّ نائب السلطنة بمصر بنيابة دمشق عوضا عن طشتمر العلائىّ الدوادار فلبس آقتمر الخلعة وخرج من وقته ونودى بالقاهرة ومصر في الوقت بالأمان ومن كان له ظلامة، فعليه بباب المقرّ الأشرف العزىّ الأتابك أينبك البدرىّ وسافر قرطاى، فلمّا وصل إلى غزّة نفى إلى طرابلس. ثم حمل منها إلى المرقب «3» فحبس به ثم خنق بعد مدّة يسيرة وصفا الوقت لأينبك فأخلع السلطان عليه خلعة سنيّة في خامس عشرين شهر صفر باستقراره أتابك العساكر ومدبّر الممالك وخلع على الأمير آقتمر عبد الغنى واستقرّ نائب السلطنة بالديار المصريّة عوضا عن الأمير آقتمر الصاحبىّ المنتقل إلى نيابة دمشق وكلاهما قديم هجرة من أكابر الأمراء المشايخ.
واستقرّ الأمير بهادر الجمالىّ أستادارا عوضا عن سودون جركس واستقرّ بلاط السيفى ألجاى أمير سلاح، عوضا عن قطلوبغا جركس واستقرّ ألطنبغا السلطانىّ أمير مجلس واستقرّ دمرداش اليوسفىّ رأس نوبة كبيرا.
وأنعم على يلبغا الناصرىّ بإمرة مائة وتقدمة ألف واستقرّ رأس نوبة ثانيا ويلبغا الناصرىّ هذا هو صاحب الوقعة المشهورة مع السلطان الملك الظاهر برقوق وإلى الآن برقوق لم يتأمّر عشرة.
ثم أنعم على أطلمش الأرغونىّ بإمرة طبلخاناه واستقرّ دوادار كبيرا عوضا عن إياس الصرغتمشىّ وأخلع على قطلوخجا واستقرّ أمير آخور كبيرا عوضا عن أخيه أينبك البدرىّ وصار الأمر في المملكة لأينبك البدرىّ وحده من غير منازع وأخذ أينبك في المملكة وأعطى وحكم بما اختاره وأراده، فمن ذلك أنه في رابع شهر ربيع الأوّل رسم بنفى الخليفة المتوكّل على الله تعالى إلى مدينة قوص فخرج المتوكل على الله ثم شفع فيه فعاد إلى بيته ومن الغد طلب أينبك نجم الدين زكريا بن إبراهيم ابن الخليفة الحاكم بأمر الله وخلع عليه واستقرّ به في الخلافة عوضا عن المتوكّل على الله من غير مبايعة ولا خلع المتوكل من الخلافة نفسه، ولقّب زكرياء المذكور بالمعتصم بالله. ثم في العشرين من شهر ربيع الأوّل المذكور تكلّم الأمراء مع أينبك فيما فعله مع الخليفة ورغّبوه في إعادته فطلبه وأخلع عليه على عادته بالخلافة وعزل زكرياء. ومن الناس من لم يثبت خلافة زكريا المذكور، فإنّه لم يخلع المتوكل نفسه من الخلافة حتى يبايع زكريا المذكور.
ثم بدا لأينبك أن يسكن جماعة من مماليكه بمدرسة السلطان «1» حسن وبمدرسة «2» الملك الأشرف شعبان ويجعل في كل مدرسة مائة مملوك. ثم أعطى أينبك لولديه تقدمتى ألف وهما الأمير أحمد وأبو بكر. ثم نفى أرغون العثمانىّ إلى الشام بطالا وخلع على مقبل الدوادار الطواشىّ الرومىّ واستقرّ زماما بالآدر الشريفة عوضا عن
مثقال الجمالىّ. ثم خلع على بهادر الجمالىّ الأستادار واستقرّ في نظر البيمارستان «1» المنصورىّ.
وبينما أينبك في أمره ونهيه ورد عليه الخبر بعصيان نوّاب الشام ففى الحال علّق أينبك جاليش «2» السفر في تاسع عشر شهر ربيع الأوّل المذكور ورسم للعساكر بالتجهيز إلى سفر الشام وأسرع بالنفقة على العساكر وتجهّز في أسرع وقت وخرج الجاليش من القاهرة إلى الريدانية «3» فى سادس عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور وهم خمسة من أمراء الألوف أوّلهم: قطلوخجا الأمير آخور الكبير أخو أينبك الأتابك وأحمد ولده ويلبغا الناصرىّ والأمير بلاط السيفىّ ألجاى وتمرباى الحسنىّ. ومن الطبلخانات بورى الأحمدىّ وآقبغا آص الشيخونىّ في آخرين ومائة مملوك من المماليك السلطانية ومائة مملوك من مماليك الأتابك أينبك.
وفي تاسع عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور من سنة تسع وسبعين وسبعمائة خرج طلب السلطان الملك المنصور وطلب الأتابك أينبك البدرىّ وأطلاب بقيّة العساكر من الأمراء وغيرهم إلى الرّيدانية فأقاموا بالريدانية إلى يوم السبت مستهلّ شهر ربيع الآخر استقلّوا بالمسير قاصدين البلاد الشامية، وساروا حتى وصلوا بلبيس «4» رجعوا على أعقابهم بالعساكر إلى جهة الديار المصرية.
وخبر ذلك أن قطلوخجا أخا أينبك مقدّم الجاليش بلغه أن الجماعة الذين معه مخامرون وأنهم أرادوا أن يكبسوا عليه فاستقصّ الخبر حتّى تحقّقه فركب من وقته وساعته وهرب في الحال وهو في ثلاثة أنفس عائدا إلى أخيه أينبك فاجتمع به وعرّفه
الخبر ففى الحال أخذ أينبك السلطان ورجع به إلى نحو القاهرة حتّى وصلها في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر وطلع به إلى قلعة الجبل وأنزل الأتابك أينبك السلطان الملك المنصور إلى الإسطبل السلطانىّ وجاءه بعض أمراء من أصحابه ثم أخذ أينبك فى إصلاح أمره وبينما هو في ذلك بلغه أن الأمير قطلقتمر العلائىّ الطويل والأمير ألطنبغا السلطانىّ وكانا رجعا معه من بلبيس، ركبا بجماعتهما في نصف الليل ومعهما عدّة من الأمراء وسائر المماليك السلطانية وخرج الجميع إلى قبّة النصر «1» موافقة لمن كان من الأمراء بالجاليش المقدّم ذكره، فجهز أينبك الأمير قطلوخجا في مائتى مملوك لقتال هؤلاء، فخرج بهم قطلوخجا إلى قبّة النصر، فتلقّاه القوم وحملوا عليه فآنكسر ومسك.
فلما بلغ أينبك ذلك جهّز الأمراء الذين كانوا بقلعة الجبل وأرسلهم إلى قبة النصر وهم: آقتمر من عبد الغنىّ نائب السلطنة وأيدمر الشمسىّ وبهادر الجمالىّ الأستادار ومبارك الطازىّ. هذا وقد ضعف أمر أينبك المذكور وخارت قواه، فإنّه بلغه أن جميع العساكر اتّفقت على مخالفته حتى إنه لم يعلم من هو القائم بهذا الأمر لكثرة من خرج عليه، فلمّا رأى أمره في إدبار ركب فرسه ونزل من الإسطبل السلطانىّ من غير قتال وهرب إلى ناحية كيمان مصر فتبعه أيدمر الخطائىّ وجماعة من العسكر فلم يقف له أحد على أثر، كلّ هذا وإلى الآن لم يجتمع من بالجاليش مع من هو بقبّة النصر من الأمراء، غير أنّ الفتنة قائمة على ساق والغوغاء ثائرة والسعد قد زال عنه من غير تدبير ولا عمل واختفى أينبك بتلك الجهة ثم وجدوا فرسه وقباءه ولبسه، ولمّا استولت الأمراء على القلعة على ما سنحكيه- إن شاء الله تعالى- بعد أن نذكر قتلة أينبك المذكور ألزموا والى القاهرة
ومصر بإحضاره فنودى عليه بالقاهرة ومصر وهدّد من أخفاه بانواع النّكال، فخاف كلّ أحد على نفسه من تقريبه، فلم يجد بدّا من طلب الأمان من الأمير يلبغا الناصرىّ الآتى ذكره، فأمّنه بعد مدّة فطلع أينبك اليه فحال وقع بصر القوم عليه قبضوه وأرسلوه مقيّدا إلى سجن الإسكندرية وكان ذلك آخر العهد به، كما سيأتى ذكره بعد استيلاء الأمراء على القلعة. قلت «وكما تدين تدان» . وما من طالم إلّا سيبلى بظالم.
وفي أينبك هذا يقول الأديب شهاب الدين بن العطّار: [المنسرح]
من بعد عزّ قد ذلّ أينبكا
…
وانحطّ بعد السّموّ من فتكا
وراح يبكى الدماء منفردا
…
والناس لا يعرفون أين بكى
وأمّا الأمراء فإنهم لمّا بلغهم هروب أينبك من قلعة الجبل ركبوا الجميع من قبّة النصر وطلعوا إلى الإسطبل «1» السلطانىّ من القلعة وصار المتحدّث فيهم قطلقتمر العلائى الطويل وضرب رنكه «2» على إسطبل شيخون «3» بالرمبلة تجاه باب السلسلة وأقام ذلك اليوم متحدثا، فأشار عليه من عنده من أصحابه أن يسلطن سلطانا كبيرا يرجع الناس إلى أمره ونهيه، فلم يفعله وقال: حتّى يأتى إخواننا، يعنى الأمراء الذين كانوا بالجاليش مع قطلوبغا وهم الذين ذكرناهم فيما تقدّم عند خروج الجاليش ومعهم من الأمراء الطبلخانات والعشرات جماعة: منهم برقوق العثمانىّ اليلبغاوىّ وبركة الجوبانىّ اليلبغاوىّ وكان أينبك قد أنعم على كل واحد منهما بإمرة طبلخاناه، بعد واقعة قرطاى دفعة واحدة من الجندية، قبل خروج السفر بأيام قليلة وهذا أوّل
ظهور برقوق وبركة في الدّول ثم حضرت الأمراء الذين كانوا بالجاليش إلى الإسطبل السلطانىّ وهم جمع كبير ممّن أنشأه أينبك وغيرهم وتكلّموا فيمن يكون إليه تدبير الملك واشتوروا في ذلك فاختلفوا. فى الكلام وظهر للقادمين الغدر ممّن كان بالإسطبل السلطانىّ ممّن ذكرناه، فقبضوا على جماعة منهم وهم: قطلقتمر العلائىّ الطويل المذكور الذي كان دبّر الأمر لنفسه وألطنبغا السلطانىّ ومبارك الطازىّ فى آخرين وقيّدوا الجميع وأرسلوا إلى الإسكندرية صحبة جمال الدين عبد الله بن بكتمر الحاجب واتّفقوا على أن يكون المتكلم في المملكة الأمير يلبغا الناصرىّ، فصار هو المتحدّث في أحوال الملك وسكن الإسطبل السلطانىّ وأرسل بإحضار الأمير طشتمر العلائىّ الدوادار نائب الشام.
ثم في يوم الأحد تاسع شهر ربيع الآخر لمّا تزايد الفحص على أينبك حضر أينبك بنفسه إلى عند الأمير بلاط فطلع به بلاط إلى يلبغا الناصرىّ بعد أن أخذ له منه الأمان حسب ما تقدّم ذكره، فلم تطل أيام يلبغا الناصرىّ في التحدث وظهر منه لين جنب، فاتّفق برقوق وبركة وهما حينذاك من أمراء الطبلخانات، لهم فيها دون الشهرين مع جماعة أخر وركبوا في سادس عشر شهر ربيع الآخر المذكور وركبت معهم خشداشيّتهم من المماليك اليلبغاوية ومسكوا دمرداش اليوسفىّ وتمرباى الحسنىّ وآقبغا آص الشيخونىّ وقطلوبغا الشعبانىّ ودمرداش التمان تمرىّ المعلّم وأسندمر العثمانىّ وأسنبغا تلكى وقيّدوا وأرسلوا إلى سجن الإسكندرية فسجنوا بها. وقد أضربنا عن أشياء كثيرة من وقائع هذه الأيام لاختلاف نقول الناس فيها، لأنّ غالب من وثب وأثار الفتنة من واقعة الملك الأشرف شعبان إلى هذه الأيام كان فيما قيل في العام الماضى إمّا جنديا وإمّا أمير
عشرة لا يعرف من أحواله إلا القليل وأيضا لم يكن في هذه الواقعة رجل عظيم له شأن قام بأمر وتبعته الناس، بل كل واقعة من هؤلاء تكون فيها جماعة كبيرة، كلّ منهم يقول: أنا ذاك ولهذا اختلفت النقول. وقد ذكرنا المقصود من ذلك كلّه وما فيه كفاية. إن شاء الله تعالى.
ولنشرع الآن في سياق ما وقع في أيام الملك المنصور- إلى أن يتوفّى إلى رحمة الله تعالى- فنقول:
ثم في النهار المذكور (أعنى اليوم الذي مسك فيه الأمراء) قبض أيضا على الطواشى مختار الحسامىّ مقدّم المماليك السلطانية وحبس بالبرج «1» من القلعة ثم أفرج عنه بعد أيام قلائل وأعيد إلى تقدمة المماليك على عادته. ثم بعد مدّة يسيرة استقرّ برقوق العثمانىّ اليلبغاوىّ أمير آخور كبيرا دفعة واحدة وسكن بالإسطبل السلطانىّ وأنزل معه الأمير يلبغا الناصرىّ واستقرّ الأمير زين الدين بركة الجوبانى اليلبغاوىّ أمير مجلس. ثم حضر الأمير طشتمر الدوادار نائب الشام إلى الديار المصرية بطلب من يلبغا الناصرىّ لما كان متحدّثا في أمور المملكة، فخرج السلطان الملك المنصور وسائر الأمراء لتلقيه إلى الرّيدانية «2» خارج القاهرة، فلمّا رأى السلطان نزل عن فرسه وقبّل الأرض بين يديه وبكى وطلع فى خدمة السلطان إلى القلعة وخلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية وحضر مع طشتمر من الشام الأمير تمرباى التمرتاشىّ والأمير تغرى برمش وسودون الشيخونىّ وكان أينبك قد نقله إلى الشأم والأمير طقطمش ونزل طشتمر إلى بيت شيخون بالرّميلة وسكن به ليحكم بين الناس.
فلمّا كان في ثالث جمادى الأولى أمر طشتمر أن ينادى بالقاهرة ومصر «من كان له ظلامة فعليه بباب المقرّ الأشرف طشتمر العلائىّ» .
ثم في خامس جمادى الأولى المذكور أخلع السلطان على تمرباى التمرداشىّ باستقراره رأس نوبة كبيرا عوضا عن دمرداش اليوسفىّ وخلع على برقوق العثمانىّ باستمراره على وظيفة الأمير آخورية وعلى بركة الجوبانىّ باستمراره في إمرة مجلس وأنعم على الأمير أطلمش الأرغونىّ بتقدمة ألف واستقرّ دوادارا كبيرا واستقرّ يلبغا المنجكىّ شادا لشراب خاناه ورسم للأمير بلاط أمير سلاح أن يجلس بالإيوان ثم استقرّ دينار الطواشى الناصرىّ لالا السلطان الملك المنصور عوضا عن مقبل الكلبكىّ بحكم نفيه.
وفي سلخ جمادى الآخرة عزل الأمير آقتمر عبد الغنىّ من نيابة السلطنة بديار مصر.
ثم استقرّ الأمير تغرى برمش حاجب الحجّاب بالقاهرة واستقرّ أمير علىّ ابن قشتمر حاجبا ثانيا بإمرة مائة وتقدمة ألف ويقال له: حاجب ميسرة.
ثم في يوم الأحد ثانى شهر رجب توجّه الأمير أيتمش البجاسىّ إلى الإسكندرية بالإفراج عن جميع من بها من الأمراء المسجونين خلا أربعة أنفس: أينبك وأخوه قطلوخجا وأسندمر الصّرغتمشى وقيل جركس الجاولى الرابع وأنّ أينبك كان قتل.
فلما أحضروا الأمراء من الإسكندرية أخرجوا إلى بلاد الشام. ثم ولى الأمير بيدمر الخوارزمىّ نيابة الشام بعد موت الأمير آقتمر الصاحبىّ الحنبلىّ وكان آقتمر أحد من نفى من أكابر الأمراء المشايخ.
وأخلع على مبارك شاه المشطوب بنيابة غزة.
وفي مستهلّ شعبان استقرّ قطلقتمر العلائىّ نائب ثغر الإسكندرية عوضا عن خليل بن عرّام ثم نفى بيبغا الطويل العلائىّ أحد أمراء الطبلخانات إلى الشام بطّالا. ثم نقل الأمير منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس عوضا عن أرغون الإسعردىّ ونقل أرغون الإسعردىّ إلى نيابة حماة عوضه لأمر اقتضى ذلك ونقل الأمير آقبغا الجوهرىّ حاجب حجّاب طرابلس إلى نيابة غزّة عوضا عن مبارك العلائىّ ونقل مبارك العلائىّ عوضه في حجوبيّة طرابلس. ثم أخلع على الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام المعزول عن نيابة إسكندرية باستقراره وزيرا بالديار المصرية عوضا عن القاضى كريم الدين بن الرّويهب. وقبض على ابن الرّويهب وصودر.
وفي شوّال توجّه بلاط أمير سلاح إلى خيله بالجيزة فأرسل إليه خلعة بنيابة طرابلس، فأجاب وخرج من القاهرة فرسم له بأن يتوّجه إلى القدس بطّالا واستقرّ عوضه يلبغا الناصرىّ أمير سلاح وأخلع على إينال اليوسفىّ اليلبغاوىّ واستقرّ رأس نوبة ثانيا بتقدمة ألف، عوضا عن يلبغا الناصرىّ المذكور. وأخلع على القاضى بدر الدين محمد ابن القاضى بهاء الدين أبى البقاء السبكىّ الشافعىّ قاضى قضاة الديار المصرية عوضا عن قاضى القضاة برهان الدين ابن جماعة بحكم توجّهه إلى القدس بحسب سؤاله على ذلك.
ولمّا صار الأمر للأتابك طشتمر العلائىّ الدوادار أخذ في تنفيد الأمور على القواعد فعظم ذلك على برقوق واتّفق مع بركة الجوبانىّ خجداشه ومع جماعة أخر على الركوب على طشتمر، فلما كان ليلة تاسع ذى الحجة من سنة تسع وسبعين المذكورة ركب برقوق العثمانىّ وخجداشه بركة الجوبانىّ بمن وافقهما من الأمراء وغيرهم وأنزلوا السلطان الملك المنصور بكرة النهار وهو يوم عرفة ودقت الكوسات،
وقصد برقوق مسك طشتمر الأتابك، فركبت مماليك طشتمر وخرجوا إليهم وتقاتلوا معهم قتالا عظيما، حتى تكاثر جمع برقوق وبركة وقوى أمرهم فحينئذ انكسرت مماليك طشتمر وأرسل طشتمر يطلب الأمان فأرسل السلطان إليه منديل الأمان، فطلع إلى القلعة فمسك في الحال هو والأمير أطلمش الأرغونىّ الدوادار وأمير حاج بن مغلطاى ودوادار الأمير طشتمر المذكور وأرسل الجميع إلى سجن الإسكندرية فاعتقلوا بها.
ثم في يوم الاثنين ثالث عشر ذى الحجّة استقرّ برقوق العثمانىّ أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن طشتمر العلائى المقدّم ذكره واستقرّ بركة الجوبانىّ رأس نوبة كبيرا أطابكا «1» - وهذه الوظيفة الآن مفقودة في زماننا- وسكن بركة «2» فى بيت قوصون تجاه باب (3) السلسلة واستقرّ الأمير أيتمش البجاسىّ أمير آخور كبيرا بتقدمة ألف عوضا عن برقوق واستقرّ برقوق بسكنه بالإسطبل السلطانىّ وصار هؤلاء الثلاثة هم: نظام الملك وإليهم العقد والحلّ وبرقوق كبيرهم الذي يرجع إليه والمعوّل على الاثنين: برقوق وبركة، حتى لهجت الناس بقولهم:(برقوق وبركة، نصبا على الدنيا شبكة) .
ثم بعد يومين مسك الأمير يلبغا الناصرىّ أمير سلاح وأرسل إلى سجن الإسكندريّة ومعه الأمير كشلى «3» أحد أمراء الطبلخانات. ثم أخرج يلبغا الناصرىّ بعد مدّة إلى نيابة طرابلس؛ ويلبغا الناصرىّ هذا هو صاحب الوقعة مع برقوق الآتى ذكرها في سلطنته إن شاء الله تعالى.
ثم في العشرين من ذى الحجّة خلع على الأمير إينال اليوسفىّ واستقرّ أمير سلاح عوضا عن يلبغا الناصرىّ.
ثم في مستهل شهر المحرّم سنة ثمانين وسبعمائة أنعم على آقتمر العثمانىّ بتقدمة ألف واستقرّ دوادارا كبيرا عوضا عن أطلمش الأرغونىّ. ثم بعد أيام قبض على صراى تمر نائب صفد وسجن بالكرك واستقرّ عوضه في نيابة صفد آقبغا الجوهرى نائب غزّة واستقرّ عوضه في نيابة غزّة مبارك شاه.
ثم في سادس صفر تولّى كريم الدين عبد الكريم بن مكانس الوزر والخاصّ معا ووكالة بيت المال ونظر الدواوين. ثم استقرّ برقوق بالأمير منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ نائب طرابلس في نيابة حلب عوضا عن إشقتمر الماردينىّ بحكم عزله بالقبض عليه بمدينة بلبيس وسجنه بالإسكندرية. وقد قدّمنا أنّ إشقتمر هذا كان ممن ولى الأعمال الجليلة من سلطنة السلطان حسن وبرقوق يوم ذاك من صغار مماليك يلبغا العمرىّ. انتهى.
ثمّ أخرج برقوق يلبغا الناصرىّ وولّاه نيابة طرابلس عوضا عن منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ المنتقل إلى نيابة حلب. ثمّ بعد مدّة يسيرة قبض على منكلى بغا المذكور واعتقل بقلعة حلب وتولّى حلب عوضه الأمير تمرباى الأفضلىّ التمرداشى.
ثمّ رسم بالإفراج عن إشقتمر الماردينىّ من سجن الإسكندرية وأن يتوجّه إلى القدس بطّالا.
ثم في هذه الأيام رسم بعزل الأمير بيدمر الخوارزمىّ عن نيابة الشام بالأمير «1» كمشبغا الحموىّ اليلبغاوىّ.
قلت: وبيدمر هذا أيضا ممّن ولى نيابة طرابلس في أيام يلبغا العمرىّ وغيرها من الأعمال وحضر بيدمر إلى القاهرة وقبض عليه واعتقل بسجن الإسكندرية.
ثمّ استقرّ الأمير قرادمرداش الأحمدىّ اليلبغاوىّ أمير مجلس واستقر ألطنبغا الجوبانىّ اليلبغاوىّ رأس نوبة ثانيا بتقدمة ألف وهذه الوظيفة هي الآن وظيفة رأس نوبة النوب واستقر الأمير بزلار العمرىّ الناصرىّ نائب إسكندرية عوضا عن الأمير قطلقتمر بتقدمة ألف واستقر منكلى بغا الطرخانىّ نائب الكرك، عوضا عن تمراز الطازىّ واستقرّ خليل بن عرّام المعزول عن نيابة إسكندرية وعن الوزر وهو يومئذ من جملة أمراء الألوف أستادار بركة الجوبانىّ وهذا شئ لم يسمع بمثله كون أمير مائة ومقدّم ألف يكون أستادارا عند بعض أعيان الأمراء، فهذا شئ عجيب.
ثم استقرّ الأمير بركة الجوبانىّ ناظر الأوقاف الحكمية «1» جميعها وجعل نائبه فى النظر جمال الدين محمود العجمىّ الحنفى.
ثمّ استعفى الأمير تغرى برمش من الإمرة والحجوبية الكبرى بديار مصر فأعفى، فاستقر عوضه الأمير مأمور القلمطاويّ اليلبغاوىّ أمير مائة ومقدّم ألف وحاجب الحجاب.
وفي هذه الأيام اتّفق جماعة على قتل الأتابك برقوق العثمانىّ، ففطن بهم فمسك منهم جماعة منهم طشبغا الخاصّكى وآقبغا بشمقدار ألجاى وآقبغا أمير آخور ألجاى في آخرين تقدير أربعين نفسا، فنفى برقوق بعضهم وحبس البعض، ثمّ مسك
برقوق ألطنبغا شادى وجماعة من مماليك ألجاى اليوسفىّ ثمّ أمسك بعد ذلك بمدّة سبعة عشر أميرا وقيّدهم وأرسلهم إلى الإسكندرية.
ثمّ في حادى عشرين شهر ربيع الأوّل سمّر برقوق آقبغا البشمقدار ومعه أحد عشر مملوكا من المماليك السلطانية، وعشرين من مماليك طشتمر الدوادار لكلام صدر منهم في حق برقوق.
وفي أوّل هذه السنة (أعنى سنة ثمانين) كان الحريق العظيم بديار مصر بظاهر باب زويلة «1» ، احترق فيه الفاكهيون «2» والنقليون والبراذعيون وعمل الحريق إلى سور القاهرة، فركب الأمير بركة والأمير أيتمش والأمير قرادمرداش الأحمدىّ وجماعة كبيرة من الأمراء والحكّام، حتى قدروا على طفيه بعد أيام واستمر مواضع الحريق خرابا من أوّل هذه السنة إلى آخرها.
ثمّ في سادس عشرين ذى القعدة اجتمع الأمراء والقضاة عند الأتابك برقوق وقالوا: إنّ العساكر قلت في الإسلام ونريد أن نحلّ الأوقاف المحدثة، بعد الملك الناصر محمد بن قلاوون، فمنعهم الشيخ سراج الدين البلقينىّ من ذلك، فلم يسمعوا له وحلّوا أوقاف الناس وجعلوها إقطاعات وفرّقوها.
وفي مستهل شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وثمانين وسبعمائة طلب اشقتمر الماردينىّ من القدس «1» الى القاهرة، فحضر في أوّل جمادى الأولى وتولّى نيابة حلب بعد عزل تمرباى الأفضلىّ التّمرداشىّ، ولمّا حضر اشقتمر إلى القاهرة تلقّاه الأتابك برقوق والأمير بركة الى الحوض «2» التحتانىّ من الريدانية وترجّلا له عن خيولهما، وأنزله برقوق عنده وخدمه أتمّ خدمة، ثمّ عزل الأمير كمشبغا الحموىّ اليلبغاوىّ عن نيابة دمشق، وتولّى عوضه بيدمر الخوارزمىّ على عادته، وكان بيدمر معتقلا بالإسكندرية.
ثمّ في أثناء هذه السنة كانت واقعة الأمير إينال اليوسفىّ اليلبغاوىّ مع الأتابك برقوق.
وخبر هذه الواقعة: أنه لمّا كان في يوم رابع عشرين شعبان ركب الأتابك برقوق من الإسطبل السلطانىّ في حواشيه ومماليكه للتسيير على عادته، وكان الأمير بركة الجوبانىّ مسافرا بالبحيرة «3» للصيد، فلما بلغ إينال اليوسفىّ أمير سلاح ركوب برقوق من الإسطبل السلطانىّ انتهز الفرصة لركوب برقوق وغيبة بركة، وركب بمماليكه وهجم الإسطبل السلطانىّ وملكه ومسك الأمير جركس الخليلىّ، وكان مع إينال المذكور جماعة من الأمراء: منهم سودون جركس المنجكىّ أمير آخور، والأمير صصلان الجمالىّ، وسودون النّوروزىّ، وجمق الناصرىّ، وقمارى،
وجماعة أخر، ولما طلع إينال الى باب «1» السلسلة وملكها أرسل الأمير قمارى لينزل بالسلطان الملك المنصور إلى الإسطبل، فأبى السلطان من نزوله ومنعه، ثمّ كبس إينال زردخاناه برقوق وأخرج منها اللّبوس وآلة الحرب، وأخذ مماليك برقوق الذين كانوا وافقوه وألبسهم السلاح وأوقفهم معه وأوعدهم بمال كبير وإمريات، وبلغ برقوقا الخبر فعاد مسرعا، وجاء الى بيت «2» الامير أيتمش البجاسىّ بالقرب من باب الوزير «3» وألبس مماليكه هناك، وجاءه جماعة من أصحابه، فطلع بالجميع الى تحت القلعة وواقعوا إينال اليوسفىّ، وأرسل برقوق الأمير قرط في جماعة الى باب السلسلة الذي من جهة باب المدرّج، فأحرقه، ثمّ تسلّق قرط المذكور من عند باب سرّ قلعة الجبل، ونزل ففتح لأصحابه الباب المتصل الى الإسطبل السلطانىّ، فدخلت أصحاب برقوق منه وقاتلت إينال، وصار برقوق بمن معه يقاتل من الرّميلة «4» فانكسر إينال ونزل الى بيته جريحا من سهم أصابه في رقبته من بعض مماليك برقوق، وطلع برقوق الى الإسطبل وملكه وأرسل الى إينال من أحضره، فلمّا حضر قبض عليه وحبسه بالزّردخاناه وقرّره بالليل فأقرّ: أنه ما كان قصده إلّا مسك بركة لا غير.
ثم إنّ برقوق مسك جماعة من الأمراء وغيرهم من أصحاب يتال اليوسفىّ ما خلا سودون النوروزىّ وجمق الناصرىّ وشخصا جنديّا يسمى أزبك وكان يدّعى أنه من أقارب برقوق. ثمّ حمل إينال في تلك الليلة إلى سجن الإسكندرية
ومعه سودون جركس. ثم أخذ برقوق في القبض على مماليك إينال اليوسفىّ، ونودى عليهم بالقاهرة ومصر؛ وفي هذه الواقعة يقول الأديب شهاب الدين أحمد ابن العطار:[الرجز]
ما بال إينال اتى
…
فى مثل هذى الحركه
مع علمه بأنها
…
خالية من بركه
وله أيضا- عفا الله عنه: [السريع]
قد ألبس الله برقوق المهابة فى
…
نهار الاثنين من نصر وتمكين
وراح إينال مع سودون وانكسرا
…
وكان يوما عسيرا يوم الاثنين
وله عفا الله عنه: [الوافر]
بغى إينال واعتقد الأمانى
…
تساعده فما نال المؤمّل
ومدّ لأخذ برقوق يديه
…
ولم يعلم بأن الخوخ أسفل
ثمّ في الثامن والعشرين من شعبان حضر الأمير بركة من السّرحة، فركب الأتابك برقوق وتلقّاه من السّحر وأعلمه بما وقع من إينال اليوسفىّ في حقّه. ثم اتّفقا على طلب الأمير يلبغا الناصرىّ من نيابة طرابلس فحضر وأنعم عليه باقطاع إينال اليوسفىّ ووظيفته إمرة سلاح وكانت وظيفة يلبغا قبل إينال. وتولّى مكانه فى نيابة طرابلس منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ ثم استقر بلّوط الصّرغتمش في نيابة الإسكندريّة، بعد عزل بزلار عنها ونفيه إلى الشام بطّالا.
ثمّ نقل حطط من نيابة أبلستين إلى نيابة حماة عوضا عن أرغون الإسعردىّ ثمّ استقر قرط فى نيابة الوجه القبلىّ مضافا إلى أسوان.
ثمّ أمسك برقوق مثقال الجمالىّ الزّمام وسأله عن ذخائر الملك الأشرف شعبان فأنكر ففرض عليه العقوبة فأقرّ بصندوق داخل الدار السلطانية فأرسله، ومعه خادمان فأتى بالصندوق وفيه ثلاثون ألف دينار. ثمّ قرّره فأخرج من قاعة المجدىّ ذخيرة فيها خمسة عشر ألف دينار وبرنيّة فيها فصوص، منها فصّ عين هرّ، زنته ستة عشر درهما.
ثمّ بعثه إلى الأمير بركة فعصره فلم يعترف بشىء ثمّ وجدوا عند دادة الملك الاشرف أوراقا فيها دفتر بخط الملك الأشرف: فيه كلّ شىء ادّخره مفصّلا، فوجدوا الذخائر كلّها قد أخذت ولم يتأخر إلا عند طشتمر الدوادار ذخيرة فيها خمسة عشر ألف دينار وعلبة فصوص وعلبة لؤلؤ، وما وجدوا في ذلك اسم مثقال المذكور فأفرج عنه.
وفي هذه السنة وجّه الأمير بركة دواداره سودون باشا إلى الحجاز الشريف لإجراء الماء الى عرفة، وكان في أوائل هذه السنة برز المرسوم الشريف بأن يعمل على قنطرة فم الخور «1» التى عند موردة الجبس سلسلة تمنع المراكب من الدخول إلى الخليج
وإلى بركة الرطلى «1» ، فعمل شعراء العصر في ذلك أبياتا، منها قول بدر الدين ابن الشاميّة أحد صوفية الخانقاة الرّكنية بيبرس:[البسيط]
يا سادة فعلهم جميل
…
وما لهم في الورى وحاشه
سلسلتم البحر لا لذنب
…
وارسلتموا للحجاز باشه
قلت: لم تصح التورية معه في قوله: باشه، لعدم معرفته باللغة التركية، لأن اسم باشا بالتفخيم والألف وباشه مرقّقة وفي آخرها هاء وبينهما بون في اللفظ، وكثير مثل هذا يقع للشعراء من أولاد العرب، فيأخذون المعانى الصالحة فيجعلونها هجوا مثل لفظة نكريش وغيرها، لأن نكريش باللغة العجمية معناه:«جيد اللحية» ، فاستعملوها الشعراء في باب الهجو وكثير مثل هذا. وقد أوضحنا ذلك في مصنف «1» بيّنا فيه تحاريف أولاد العرب في الأسماء التركية وغيرها. وقال الأديب عبد العال البغدادىّ في المعنى:[مخلّع البسيط]
أطلقت دمعى على خليج
…
مذ سلسلوه فصار يقفل
من رام من دهرنا عجيبا
…
فلينظر المطلق المسلسل
[مخلّع البسيط] وقال غيره:
قد أطلقوا البحر من فسوق
…
مذ سلسلوا منه خير جدول
ورق قلب الهوى عليه
…
فجذا نهره المسلسل
وفي هذه السنة كانت بالديار المصرية واقعة غريبة من كلام الحائط، وخبره:
أن في أوائل شهر رجب من هذه السنة ظهر كلام شخص من حائط في بيت العدل شهاب الدين [أحمد] الفيشىّ «2» الحنفىّ بالقرب من الجامع الأزهر، فصار كلّ من
يأتى الى الحائط المذكور ويسأله عن شىء يردّ عليه الجواب ويكلّمه بكلام فصيح، فجاءته الناس أفواجا وتردّدت الى الحائط المذكور أكابر الدولة وتكلّموا معه وافتتن الناس بذلك المكان وتركوا معايشهم وازدحموا على الدار المذكورة وأكثر أرباب العقول الفحص عن ذلك، فلم يقفوا له على خبر، وتحيّر الناس في هذا الأمر العجيب، إلى أن حضر الى البيت المذكور القاضى جمال الدين «1» محمود القيصرىّ العجمىّ محتسب القاهرة وفحص عن أمره بكلّ ما يمكن القدرة اليه، حتّى إنه أخرب بعض الحائط فلم يؤثّر ذلك شيئا واستمرّ الكلام في كلّ يوم الى ثالث شعبان، وقد كادت العامّة أن تتعبد بالمكان المذكور. وأكثروا من فولهم:«يا سلام سلّم، الحيطة بتتكلّم» وخاف أهل الدولة من إفساد الحال وقد أعياهم أمر ذلك، حتّى ظهر أنّ الذي كان يتكلّم هي زوجة صاحب المنزل، فأعلم بذلك الأتابك برقوق، فاستدعى بها مع زوجها فحضرا فأنكرت المرأة فضربها فأقرّت، فأمر بتسميرها وتسمير شخص آخر معها يسمى «عمر» وهو الذي كان يجمع الناس إليها، بعد أن ضرب برقوق الزوج وعمر المذكور بالمقارع وطيف بهما في مصر والقاهرة ثم أفرج عنهم، بعد أن حبسوا مدّة، وفي ذلك يقول الشيخ شهاب الدين بن العطار:
[البسيط]
يا ناطقا من جدار وهو ليس يرى
…
اظهر وإلّا فهذا الفعل فتّان
فما سمعنا وللحيطان «2» ألسنة
…
وإنّما قيل للحيطان آذان
وقال غيره: [البسيط]
قد حار في منزل الفيشى الورى عجبا
…
بناطق من جدار ظل مبديه
وكلّهم في حديد بارد ضربوا
…
وصاحب البيت أدرى بالذى فيه
وفي هذه السنة أمر الأمير بركة بنقل الكلاب وقرّر على كلّ أمير شيئا معيّنا وعلى أصحاب الدكاكين على كلّ صاحب دكّان كلبا، فتتّبع الناس الكلاب حتى أبيع كلّ كلب بدرهم فأخذ بركة جميع الكلاب ونفاها إلى برّ الجيزة.
وفي يوم الأربعاء سابع صفر من سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة كان ابتداء الفتنة بين الأتابك برقوق وبين خجداشه بركة الجوبانىّ وهو أن بركة أرسل يقول إلى برقوق في اليوم المذكور: إن أيتمش البجاسىّ لابس آلة الحرب هو ومماليكه بإسطبله فأرسل برقوق إلى أيتمش في الحال فلم يجد الأمر صحيحا. ثم طلع أيتمش إلى برقوق وأقام عنده وتردّدت الرسل بين برقوق وبركة، والذي كان الرسول بينهما العلّامة أكمل الدّين شيخ الشيوخ بالشيخونية، أراد بذلك إخماد الفتنة والشيخ أمين الدين الحلوانىّ ولا زالا بهما حتى أوقع الصلح بينهما ورضى بركة على أيتمش البجاسىّ وخلع عليه قباء «نخّ» عند نزوله إليه بأمر برقوق صحبة الشيخين المذكورين.
ثم فسد ما بينهما أيضا بعد اثنى عشر يوما في ليلة الجمعة تاسع عشر صفر وبات تلك الليلة كلّ أمير من أمراء مصر ملبسا بماليكه في إسطبله، وسببه: أن بركة أراد أن يمسك جماعة من الأمراء، ممّن هو من ألزام برقوق فأصبح نهار الجمعة والأمراء لابسون السلاح ولمّا وقع ذلك، طلب برقوق القضاة إلى القلعة ليرشّد السلطان الملك المنصور وقال لهم: نرشّد السلطان فيتكلم في أمور مملكته وأنكفّ أنا وغيرى من التّكلّم وأنا مملوك من جملة مماليك السلطان، فتكلّم القضاة بينه وبين
الأمير بركة وتردّدوا في الرّسلية غير مرّة إلى أن أذعن كلّ منهما إلى الصلح وتحالفا على ذلك واصطلحا وأصبحت الأمراء من الغد ركبوا إلى الميدان ولعبوا بالكرة وخلع بركة على أيتمش ثانيا. واستقرّ الصلح وخلع برقوق على القضاة الأربعة والتزم بركة أنه لا يتحدّث في شىء من أمور المملكة البتة.
واستمرّ الأمراء على ذلك إلى يوم الاثنين سابع شهر ربيع الأوّل ركبت الأمراء وسيّروا بناحية قبّة النصر ورجعوا وطلع برقوق إلى الإسطبل السلطانىّ، حيث سكنه، وذهب بركة إلى بيته وكان برقوق قد ولد له ولد ذكر وعمل سماطا للناس وطلع إليه الأمير صراى الرّجبىّ الطويل وكان من إخوة بركة وقال لبرقوق: إن بركة وحاشيته قد اتّفقوا على قتلك إذا دخلت يوم الجمعة إلى الصلاة هجموا عليك وقتلوك فبقى برقوق متفكّرا في ذلك متحيّرا لا يشكّ فيما أخبره صراى لصحبته مع بركة وبينما برقوق فى ذلك إذ طلع إليه الأمير قرادمرداش الأحمدىّ اليلبغاوىّ أمير مجلس وطبج المحمدىّ وآقتمر العثمانىّ الدّوادار الكبير. وهم من أعيان أصحاب بركة وهنّئوه بالولد وأكلوا السّماط، فلمّا فرغوا طلب برقوق الأمير جركس الخليلىّ ويونس الدّوادار وأمرهما بمسك هؤلاء الثلاثة ومن معهم، فمسكوا في الحال. ثم أمر برقوق حواشيه بلبس السلاح فلبسوا ونزل بزلار الناصرىّ من وقته غارة إلى مدرسة السلطان حسن مع مماليكه وطلع إليها وأغلق بابها وصعد إلى سطحها ومآذنها ورمى بالنّشّاب على بركة في إسطبله الملاصق للمدرسة المذكورة وهو بيت قوصون تجاه باب السلسلة، فلمّا رأى بركة ذلك أمر مماليكه وأصحابه بلبس السلاح، فلبسوا ونادى برقوق في الحال للعامّة تنهب بيت بركة، فتجمّعوا في الحال وأحرقوا بابه ولم يتمكن بركة من قتالهم من عظم الرمى عليه من أعلى سطوح المدرسة، فخرج من بابه الذي
بالشارع الأعظم المتّصل إلى صليبة «1» ابن طولون وخرج معه سائر أصحابه ومماليكه وترك ماله بالبيت ودخل من باب «2» زويلة وأخذ والى القاهرة معه إلى باب الفتوح «3» ، ففتحه له فإنه كان أغلق عند قيام الفتنة مع جملة أبواب القاهرة وسار بركة بمن معه من الأمراء والمماليك إلى قبّة النصر، خارج القاهرة فأقام بها ذلك اليوم في مخيّمه ثم أخرج طائفة من عساكره إلى جهة القلعة فتوجّهوا يريدون القلعة فندب برقوق لقتالهم جماعة من أصحابه، فنزلوا إليهم وقاتلوهم قتالا شديدا، قتل فيه من كلّ طائفة جماعة. ثم رجعت كلّ طائفة إلى أميرها وباتوا تلك الليلة.
فلمّا أصبح نهار الثلاثاء ثامن شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، ندب برقوق لقتال بركة الأمير علّان الشعبانىّ وأيتمش البجاسىّ وقرط الكاشف فى جماعة كبيرة من الأمراء والمماليك وتوجّهوا إلى قبّة النصر فبرز لهم من أصحاب بركة الأمير يلبغا الناصرىّ أمير سلاح بجماعة كبيرة والتقوا وتصادموا صدمة هائلة انكسر فيها يلبغا الناصرىّ بمن معه وانهزم إلى جهة قبة النصر، فلمّا رأى الأمير بركة انهزام عسكره ركب بنفسه وصدمهم صدمة صادقة وكان من الشّجعان كسرهم فيها أقبح كسرة وتتّبعهم إلى داخل التّرب، ثم عاد إلى مخيّمه وطلع أصحاب برقوق إلى باب السلسلة في حالة غير مرضية وباتوا تلك الليلة، فلمّا أصبح نهار الأربعاء تاسع شهر ربيع الأوّل المذكور، أنزل برقوق السلطان الملك المنصور إلى عنده بالإسطبل السلطانىّ، ونادى للماليك السلطانية بالحضور، فحضروا فأخرج جماعة كبيرة من الأمراء ومعهم المماليك السلطانية وندبهم لقتال بركة ودقّت الكوسات بقلعة الجبل
حربية، هذا وقد جهّز بركة أيضا جماعة كبيرة أيضا من أصحابه، لملتقى من ندبه برقوق لقتاله، وسار كلّ من الفريقين إلى الآخر حتّى تواجها على بعد، فلم يتقدّم أحد من العسكرين إلى غريمه، فلما كان بعد الظهر بعث الأمير بركة أمير آخر سيف الدين طغاى يقول لبرقوق: ما هذا العمل! هكذا كان الاتفاق بيننا؟ فقال برقوق: هكذا وقع، قل لأستاذك يتوجه نائبا في أىّ بلد شاء، فرجع أمير آخوره بركة له بهذا القول، فلم يوافق بركة على خروجه من مصر أصلا، فلما أيس منه أمير آخوره قال له: إن كان ولا بدّ فهذا الوقت وقت القيلولة والناس مقيّلة، فهذا وقتك، فركب بركة بأصحابه ومماليكه من وقته وساقوا فرقتين: فرقة من الطريق المعتادة، وفرقة من طريق الجبل. وكان بركة في الفرقة التي بطريق الجبل؛ وبلغ برقوقا ذلك فأرسل الأمراء والمماليك في الوقت لملتقاه، فلمّا أقبل بركة هرب أكثر عساكر برقوق ولم يثبت إلّا الأمير علّان الشعبانىّ في نحو مائة مملوك، والتي مع بركة. وكان يلبغا الناصرىّ بمن معه من أصحاب بركة توجّه من الطريق المعتادة، فآلتقاه أيتمش البجاسىّ بجماعة وكسره وضربه بالطّبر وأخذ جاليشه وطبلخاناته ورجع مكسورا بعد أن وقع بينهم وقعة هائلة جرح فيها من الطائفتين خلائق.
وأمّا بركة فإنه لما التقى مع علّان صدم علان صدمة تقنطر فيها عن فرسه وركب غيره، فلمّا تقنطر انهزم عنه أصحابه، فصار في قلّة فثبت ساعة جيّدة ثم انكسر وانهزم إلى جهة قبّة النصر، وأقام به إلى نصف الليل فلم يجسر أحد من البرقوقية على التوجّه إليه وأخذه.
فلمّا كانت نصف ليلة الخميس المذكورة رأى بركة أصحابه في قلّة وقد خلّ عنه أكثر مماليكه وحواشيه وهرب من قبّة النصر هو والأمير آقبغا صيوان إلى جامع
المقسىّ «1» خارج القاهرة فغمز عليه في مكانه فمسك هو وآقبغا المذكور من هناك وطلع بهما إلى برقوق وتتبّع برقوق أصحاب بركة ومماليكه فمسك منه جماعة كبيرة حسب ما يأتى ذكره مع من مسك مع بركة من الأمراء وبقيت القاهرة ثلاثة أيام مغلقة والناس في وجل بسبب الفتنة فنادى برقوق عند ذلك بالأمان والاطمئنان.
وفي واقعة بركة يقول طاهر بن حبيب: [الرجز]
يا لؤمها من حالة
…
وشؤمها من حركه
وقبحها من فتنة
…
فيها زوال بركه
وعظم كسرة بركة ومسكه على الناس، لأنه كان محبّبا للرعيّة وفيه كرم وحشمة وكان أكثر ميل الناس إليه.
ولمّا كان عشيّة ليلة الخميس المذكورة أخذ برقوق خجداشه بركة وقيّده وأرسله إلى سجن الإسكندرية فحبس به صحبة الأمير قردم الحسنىّ ومعه جماعة في القيود من أصحابه الأمراء وهم: الأمير قرادمرداش الأحمدىّ أمير مجلس المقبوض عليه قبل واقعة بركة وآقتمر العثمانىّ الدوادار وأمير آخر.
ثم أخذ برقوق في القبض على الأمراء من أصحاب بركة، فمسك جماعة كبيرة وهم: أيدمر الخطائىّ وخضر (بضم الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة وراء ساكنة) وقراكسك وأمير حاج بن مغلطاى وسودون باشا ويلبغا المنجكىّ وقرابلاط وقرابغا الأبوبكريّ وتمربغا السيفىّ تمرباى وإلياس الماجرىّ وتمربغا الشمسىّ ويوسف ابن شادى وقطلبك النظامىّ وآقبغا صيوان الصالحىّ وكزل القرمىّ وطولو تمر الأحمدىّ وطوجى الحسينىّ وتنكر العثمانى وقطلوبغا السيفىّ وغريب الأشرفىّ وكمجىّ «1» وألطنبغا الأرغونىّ ويلبغا الناصرىّ رفيق منطاش الآتى ذكرهما وأطلمش الطازىّ وتمرقيا.
فأرسل منهم برقوق في ليلة الأحد ثانى عشر ربيع الأوّل جماعة إلى الإسكندرية صحبة الأمير سودون الشيخونىّ وهم: يلبغا الناصرىّ وهو أكبر الجماعة
وطبج المحمدىّ ويلبغا المنجكىّ وأطلمش الطازىّ وقرابلاط وتمرقيا السيفىّ تمربغا وإلياس وقرابغا.
ثم عرض برقوق مماليك بركة فأخذ أكابرهم في خدمته، وكذلك فعل بمماليك يلبغا الناصرىّ، ثم أمسك أرسلان الأشرفىّ دوادار بركة. ثم أفرج برقوق عن ستة أمراء ممن أمسكهم.
ثم أنعم برقوق على جماعة من أصحابه بتقادم ألوف فأنعم على ولده محمد بن برقوق بإقطاع بركة بتمامه وكماله، ثم أنعم على أربعة أخر بتقادم ألوف وهم: جركس الخليلىّ وبزلار العمرىّ الناصرىّ وألطنبغا المعلّم وآلابغا العثمانىّ وأنعم على أطلمش الطازىّ أحد أصحاب بركة بإمرة طبلخاناة بالشام.
ثم في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأوّل المذكور أنعم على جماعة بإمرة طبلخانات، وهم: آقبغا الناصرىّ وتنكزبغا السيفىّ؟؟ وفارس الصرغتمشىّ وكمشبغا الأشرفىّ الخاصّكى وقطلوبغا السيفىّ كوكاى وتمربغا المنجكىّ وسودون باق السّيفىّ تمرباى وإياس الصرغتمشىّ وعلى جماعة بإمرة عشرات وهم: قوصون الأشرفىّ وبيبرس التمان تمرىّ وطغا الكريمىّ وبيرم العلائىّ وآقبغا اللّاجينىّ.
ثم في حادى عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور أخلع برقوق على جماعة من الأمراء بوظائف، فاستقرّ أيتمش البجاسىّ رأس نوبة كبيرا أطابكا عوضا عن بركة- وهذه الوظيفة بطلت من أيام الملك الناصر فرج- واستقرّ علّان الشعبانىّ أمير سلاح عوضا عن يلبغا الناصرىّ واستقرّ ألطنبغا الجوبانىّ أمير مجلس عوضا عن قرادمرداش الأحمدىّ واستقرّ آلابغا العثمانىّ دوادارا عوضا عن آقتمر العثمانىّ واستقرّ ألطنبغا المعلّم رأس نوبة ثانى بتقدمة ألف (أعنى رأس نوبة النّوب) واستقرّ جركس الخليلىّ أمير آخور كبيرا واستقرّ قرابغا الأبوبكري حاجبا واستقرّ
بجمان «1» المحمدىّ من جملة رءوس النوب واستقرّ كمشبغا الأشرفىّ الخاصّكى شادّ الشراب خاناه.
وفي ثانى عشرينه استقرّ الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام نائب إسكندرية عوضا عن بلّوط الصرغتمشىّ فتوجّه ابن عرّام إلى الإسكندرية ثم عاد إلى القاهرة، بعد مدّة يسيرة وشكا من الأمير بركة، فأوصاه برقوق به في الظاهر وسيّره إلى الإسكندرية ثانيا.
ثم أمسك برقوق الأمير بيدمر الخوارزمىّ نائب الشام وأمسك معه جماعة من أصحابه من الأمراء وكان بيدمر من حزب بركة وخرج عن طاعة برقوق فولّى برقوق عوضه الأمير اشقتمر الماردينىّ نائب حلب.
وتولّى نيابة حلب بعد اشقتمر منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ نائب طرابلس.
ثم في آخر جمادى الأولى أفرج برقوق عن جماعة الأمراء المسجونين بثغر الإسكندرية ما خلا أربعة أنفس، وهم: بركة ويلبغا الناصرىّ وقرادمرداش الأحمدىّ وبيدمر الخوارزمىّ نائب الشام وحضرت البقيّة إلى القاهرة فأخرج بعضهم إلى الشام ونفى بعضهم إلى قوص.
ثم في شعبان باست الأمراء الأرض للسلطان الملك المنصور علىّ وسألوه الإفراج عن المسجونين بالإسكندرية وذلك بتدبير برقوق فرسم السلطان بالإفراج عنهم وهم: بيدمر الخوارزمىّ ويلبغا الناصرىّ وقرادمرداش الأحمدىّ ولم يبق بسجن الإسكندرية ممّن مسك من الأعيان في واقعة بركة غير بركة المذكور ومات فى شهر رجب على ما يأتى ذكره، بعد أن نحكى قدوم آنص والد الأتابك برقوق من
بلاد الجركس ولمّا حضر الأمراء إلى مصر أخرج يلبغا الناصرىّ إلى دمشق على إمرة مائة وتقدمة ألف بها وقرّادمرداش إلى حلب على تقدمة ألف أيضا بها وتوجّه بيدمر الخوارزمىّ إلى ثغر دمياط بطّالا.
ثم رسم برقوق بالإفراج عن الأمير إينال اليوسفىّ صاحب الواقعة مع برقوق المقدّم ذكرها من سجن الإسكندرية واستقرّ في نيابة طرابلس. ثم استقرّ كمشبغا الحموىّ اليلبغاوى في نيابة صفد عوضا عن تمرباى الأفضلىّ التّمرداشىّ مدّة يسيرة ونقل إلى نيابة طرابلس بحكم انتقال إينال اليوسفىّ إلى نيابة حلب بعد وفاة منكلى بغا الأحمدىّ البلدىّ.
ثم في ذى الحجّة من السنة وصل الخبر بوصول الأمير آنص الجركسىّ والد الأمير الكبير برقوق العثمانىّ صحبة تاجر برقوق الخواجا عثمان بن مسافر، فخرج برقوق بجميع الأمراء إلى لقائه في يوم الثلاثاء ثامن ذى الحجة سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة المذكورة، فسافر برقوق إلى العكرشة «1» . قال قاضى القضاة بدر الدين محمود العينىّ الحنفىّ: وهو المكان الذي التقى به يوسف الصّدّيق أباه يعقوب عليهما السلام على ما قيل.
وكان قد هيّأ له ولده الأتابك برقوق الإقامات والخيم والأسمطة والتقى برقوق مع والده فحال وقع بصر آنص على ولده برقوق مدّ له يده فأخذها برقوق وقبلها ووضعها على رأسه ثم سلّم عليه أكابر أمراء مصر على مراتبهم وأقعد آنص والد برقوق في صدر المخيّم وقعد الأمير آقتمر عبد الغنىّ النائب من جانب والأمير أيدمر الشمسىّ من جانب آخر وجلس برقوق تحت أيدمر وهو يوم ذاك مرشّح للسلطنة، فانظر إلى تلك الآداب والقواعد السالفة. ولمّا استقرّ بهم الجلوس أخذ آنص يخاطب برقوقا ولده باسمه من غير تحشم، كما يخاطب الوالد ولده على قاعة الجراكسة، والقاعدة عندهم: أنّ الولد والخديم عندهم سواء، وكان الملتقى بالعكرشة والنزول بالمخيّم بالخانقاه، فإنهم لمّا تلاقوا ساروا على ظهر إلى خانقاه سرياقوس وحضر مع الأمير آنص جماعة كبيرة من أقاربه وأولاده إخوة الأتابك برقوق خوند الكبرى والصّغرى أمّ بيبرس الأتابك وغيرهما.
ثم مدّت الأسمطة من المآكل والمشارب والحلاوات وغيرها ودام برقوق والأمراء بخانقاة سرياقوس إلى ظهر اليوم المذكور ثم ركبوا الجميع وعادوا إلى جهة الديار المصريّة والموكب لآنص والد برقوق وأكابر الأمراء عن يمينه وشماله وتحته فرس بسرج ذهب وكنبوش زركش بذهب هائل قد تناهوا في عملهما وسار الجميع حتّى دخلوا إلى القاهرة واجتازوا بها وقد أوقدت لهم الشموع والقناديل فتحيّر والد برقوق ممّا رأى وكان جركسيّا جنسه «كسا» لا يعرف باللغة التركيّة شيئا، لأن الكسا بالبعد عن بلاد التّتار وطلع والد برقوق مع ابنه إلى القلعة وصار هو المشار إليه على ما سنذكره.
وأمّا أمر بركة فإنه لمّا كان شهر رجب من هذه السنة ورد الخبر من لأمه صلاح الدين خليل بن عرّام نائب الإسكندرية بموت الأمير زين الدين بركه
الجوبانىّ اليلبغاوىّ المقدّم ذكره بسجن الإسكندرية، فلمّا بلغ الأتابك برقوقا ذلك عظم عليه في الظاهر- والله سبحانه وتعالى متولى السرائر- وبعث بالأمير يونس النّوروزىّ الدّوادار بالإسكندرية لكشف خبر الأمير بركة وكيف كانت وفاته فتوجّه يونس إلى الإسكندرية، ثم عاد إلى مصر ومعه ابن عرّام المذكور نائب الإسكندرية وأخبر برقوقا بأنّ الأمر صحيح وأنه كشف عن موته وأخرجه من قبره فوجد به ضربات: إحداها في رأسه وأنه مدفون بثيابه من غير كفن وأنّ يونس أخرجه وغسّله وكفّنه ودفنه وصلّى عليه خارج باب رشيد «1» وبنى عليه تربة وأن الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام هو الذي قتله، فحبس برقوق ابن عرّام بخزانة «2» شمائل. ثم عصره وسأله عن فصوص خلّاها بركة عنده فأنكرها وأنكر أنه ما رآها.
فلمّا كان يوم الخميس خامس عشرين شهر رجب المذكور طلع الأمراء الخدمة على العادة وطلب ابن عرّام من خزانة شمائل فطلعوا به إلى القلعة على حمار فرسم برقوق بتسميره، فخرج الأمير مأمور القلمطاوى حاجب الحجّاب وجلس بباب القلّة «3» هو وأمير جاندار وطلب ابن عرّام بعد خدمة الإيوان فعرّى وضرب بالمقارع ستة وثمانين شيبا ثم سمّر على جمل بلعبة تسمير عطب وأنزل من القلعة إلى سوق الخيل بالرّميلة بعد نزول الأمراء وأوقفوه تجاه الإسطبل السلطانىّ ساعة فنزل إليه جماعة
من مماليك بركة وضربوه بالسيوف والدّبابيس حتى هبّروه وقطّعوه قطعا عديدة ثم إنّ بعضهم قطع أذنه وجعل يعضّها صفة الأكل وأخذ آخر رجله وآخر قطع رأسه وعلّقها بباب زويلة وبقيت قطع منه مرميّة بسوق الخيل، وذكر أن بعض مماليك بركة أخذ من لحمه قطعة شواها. والله أعلم بصحة ذلك.
ثم جمع ابن عرّام بعد ذلك ودفن بمدرسته «1» خارج القاهرة عند جامع أمير حسين بن جندر «2» بحكر جوهر النوبىّ وقد صار أمر ابن عرّام المذكور في أفواه
العامّة مثلا يقولون: خمول ابن عرام وكان ابن عرام المذكور أميرا جليلا فاضلا تنقّل في الولايات والوظائف وكان له يد طولى في التاريخ والأدب وله مصنفات مفيدة وتاريخ كبير فيه فوائد وملح وفي هذا المعنى يقول الأديب شهاب الدين أحمد ابن العطار: [البسيط]
أيا بن عرّام قد سمّرت مشتهرا
…
وصار ذلك مكتوبا ومحسوبا
ما زلت تجهد في التاريخ تكتبه
…
حتّى رأيناك في التاريخ مكتوبا
وفيه يقول أيضا: [الوافر]
بدت أجزا ابن عرّام خليل
…
مقطّعة من «1» الضرب الثقيل
وأبدت أبحر الشعر المراثى
…
محرّرة «2» بتقطيع الخليل
حدّثنى الزينى فيروز الطواشىّ الرومىّ العرّامىّ وكان ثقة صاحب فضل ومعرفة ودين أن أستاذه صلاح الدين خليل بن عرّام المذكور كان مليح الشكل فصيح العبارة بلغات عديدة مع فضيلة تامّة ومعرفة بالأمور وسياسة حسنة وتولّى نيابة ثغر الإسكندرية غير مرة سنين طويلة وتولّى الوزر بالديار المصرية وتنقّل في عدّة وظائف أخر، قال: وكان من رجال الدهر وكان محبّبا في الفقهاء والفقراء وأرباب الصلاح. انتهى.
وقال غيره: كان بشّره الشيخ يحيى الصنافيرىّ والشيخ المعتقد نهار «1» أنه يموت مقتولا بالسيف مسمّرا، وفي معنى ما قاله الشيخ نهار المذكور يقول الشيخ الشهاب ابن العطار المقدّم ذكره:[السريع]
وعد ابن عرّام قديم بما
…
قد نال من شيخ رفيع المنار
يا ليلة بالسّجن أبدت له
…
ما قاله الشيخ نهار جهار
وقال العينىّ- رحمه الله: وذكر القاضى تاج الدين بن المليجىّ شاهد الخاصّ الشريف أنّه طلع إلى القلعة وهم يسمّرون ابن عرّام فقعد إلى أن تخفّ الناس، فلمّا فرغوا من تسميره، جازوا به عليه فسمعه وهو يقول في تلك الحالة وينشد أبيات أبى بكر الشّبلىّ «2» وهي قوله:[الخفيف]
لك «3» قلبى تعلّه
…
فدمى لم؟؟
قال إن كنت قاهرا
…
فلى؟؟ كلّه
انتهى. وقد خرجنا عن المقصود وأطلنا الكلام في قصّة بركة وابن عرّام على سبيل الاستطراد ولنرجع لما كنّا فيه.