الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما برقوق فإنه استمرّ على حاله كما كان قبل مسك بركة وقتله وإليه حلّ المملكة وعقدها ولم يجسر على السلطنة، وبينما هو في ذلك مرض السلطان الملك المنصور علىّ ولزم الفراش، حتى مات بين الظهر والعصر من يوم الأحد ثالث عشرين صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة ودفن من ليلته بعد عشاء الآخرة في تربة «1» جدّته لأبيه خوند بركة بالقبّة التي بمدرستها بالتبانة. وكان الذي تولّى تجهيزه وتغسيله ودفنه الأمير قطلوبغا الكوكائىّ. وكانت مدّة سلطنته على ديار مصر خمس سنين وثلاثة أشهر وعشرين يوما. ومات وعمره اثنتا عشرة سنة ولم يكن له في سلطنته سوى مجرّد الاسم فقط. وإنما كان أمر المملكة في أيام سلطنته إلى قرطاى أوّلا ثم إلى برقوق آخرا، وهو كالآلة معهم لصغر سنه ولغلبتهم على الملك. وتسلطن من بعده أخوه أمير حاج ابن الملك الأشرف شعبان بن حسين ولم يقدر برقوق- مع ما كان عليه من العظمة- أن يتسلطن. وكان الملك المنصور علىّ مليح الشكل حسن الوجه، حشيما كثير الأدب واسع النفس كريما. رحمه الله تعالى.
[ما وقع من الحوادث سنة 779]
السنة الأولى من سلطنة الملك المنصور على ابن الملك الأشرف شعبان على مصر وهي سنة تسع وسبعين وسبعمائة، على أنه تسلطن في الثامن من ذى القعدة من السنة الخالية.
فيها. (أعنى سنة تسع وسبعين وسبعمائة) كانت واقعة قرطاى الطازىّ مع صهره أينبك البدرىّ وقتل قرطاى. ثم بعد مدّة قتل أينبك أيضا.
وفيها كان ظهور برقوق وبركة، وابتداء أمرهما حسب ما ذكرنا ذلك كلّه فى أصل ترجمة الملك المنصور هذا.
وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة شهاب الدين أبو جعفر أحمد «1» بن يوسف بن مالك الرّعينىّ الغرناطىّ المالكىّ بحلب عن سبعين سنة وكان إليه المنتهى في علم النحو والبديع والتصريف والعروض وله مشاركة في فنون كثيرة ومصنفات جيدة وكان له نظم ونثر. ومن شعره ما كتبه على ألفية الشيخ «2» يحيى: [البسيط]
يا طالب النحو ذا اجتهاد
…
تسمو به في الورى وتحيا
إن شئت نيل المراد فاقصد
…
أرجوزة للإمام يحيى
وتوفّى الشيخ الإمام بدر الدين حسن بن زين الدين عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبىّ الشافعى بحلب عن سبعين سنة وكان باشر كتابة الحكم وكتابة الإنشاء وغير ذلك من الوظائف الدّينية وكان إمام عصره في صناعتى الإنشاء والشروط وله تصانيف مفيدة منها: «تاريخ دولة الترك» أنهاه إلى سنة سبع وسبعين وسبعمائة وذيّل عليه ولده أبو العزّ طاهر وقال: [البسيط]
ما زلت تولع بالتاريخ تكتبه
…
حتّى رأيناك في التاريخ مكتوبا
قلت: وأكثر الناس من نظم هذا المعنى الركيك البارد في حقّ عدّة كثيرة من المؤرّخين، وتزاحموا على هذا المعنى المطروق. انتهى.
قلت: وكان له نظم كثير ونثر وتاريخه مرجّز وهو قليل الفائدة والضبط ولذلك لم أنقل عنه إلّا نادرا، فإنه كان إذا لم تعجبه القافية سكت عن المراد.
وليس هذا مذهبى في التاريخ. ومن شعر الشيخ بدر الدين حسن هذا- رحمه الله تعالى-: [السريع]
الورد والنّرجس مذ عاينا
…
نيلوفرا يلزم أنهاره
شمّر ذا للخوض عن ساقه
…
وفكّ ذا للعوم أزراره
وله في مليح يدعى موسى: [الرجز]
لما بدا كالبدر قال عاذلى
…
من ذا الذي قد فاق عن شمس الضّحا
فقلت موسى واستفق فإنه
…
أهون شىء عنده حلق اللّحى
وله عفا الله تعالى عنه: [الرجز]
يا أيها الساهون عن أخراكم
…
إنّ الهدايا فيكم لا تعرف
المال بالميزان يصرف عندكم
…
والعمر بينكم جزابا يصرف
وله قصيدة على روىّ قصيدة كمال الدين علىّ بن النّبيه، قد أثبتناها في ترجمته فى المنهل الصافى، أوّلها:[البسيط]
جوانجى للقا الأحباب قد جنحت
…
وعاديات غرامى نحوهم جنحت «1»
وتوفّى الأمير سيف الدين قطلقتمر بن عبد الله العلائىّ صاحب الواقعة مع الأمير أينبك البدرىّ وغيره وهو ممن قام على الملك الأشرف شعبان وأخذ تقدمة ألف بالديار المصرية دفعة فلم يتهنأ بها وعاجلته المنية ومات ولحقه من بقى من أصحابه بالسيف.
وتوفّى الأمير طشتمر اللّفاف المحمدىّ مقتولا في ثالث المحرّم وهو أيضا ممّن قام على الملك الأشرف وصار أميرا كبيرا أتابك العساكر دفعة واحدة من الجندية، وقد تقدّم ذكر هؤلاء الجميع في أواخر ترجمة الملك الأشرف شعبان وفي أوائل ترجمة ولده الملك المنصور علىّ هذا.
وتوفّى الأمير الكبير سيف الدين آقتمر الصاحبىّ المعروف بالحنبلىّ نائب السلطنة بديار مصر، ثم بدمشق بها في ليلة الحادى عشر من شهر رجب وكان من أجلّ الأمراء وأعظمهم، باشر نيابة دمشق مرتين وتولّى قبلها عدّة ولايات. ثم بعد النيابة الأولى لدمشق ولى نيابة السلطنة بالقاهرة وساس الناس أحسن سياسة وشكرت سيرته وكان وقورا في الدول مهابا وفيه عقل وحشمة وديانة وكان سمّى بالحنبلىّ لكثرة مبالغته في الطهارة والوضوء.
وتوفّى الأمير سيف الدين يلبغا بن عبد الله النظامىّ الناصرىّ، وكان أوّلا من خاصكية الملك الناصر حسن ثم ترقى إلى أن صار أمير مائة ومقدّم ألف بمصر، ثم ولى نيابة حلب وبها مات فيما أظنّ وكان شجاعا مقداما.
وتوفى الأمير سيف الدين قرطاى أتابك العساكر مخنوقا بطرابلس وقد تقدّم واقعته مع صهره أينبك البدرىّ وهو أحد رءوس الفتن وممن ولى أتابكيّة العساكر من إمرة عشرة، وكان قتله في شهر رمضان. وجميع هؤلاء من أصاغر الأمراء لم تسبق لهم رياسة ليعرف حالهم وإنما وثب كل واحد منهم على ما أراد فأخذه، فلم تطل مدّتهم وقتل بعضهم بعضا إلى أن تفانوا.
وتوفّى القاضى صلاح الدين صالح بن أحمد بن عمر بن السّفّاح الحلبى الشافعىّ وهو عائد من الحج بمدينة بصرى «1» وكنيته أبو النّسك؛ ومولده في سنة اثنتى عشرة وسبعمائة بحلب وبها نشأ وولى بها وكالة بيت المال ونظر الأوقاف وعدّة وظائف أخر. وهو والد شهاب الدين أحمد كاتب سر حلب ثم مصر وكان كاتبا حسن التصرف، ذكره [زين الدين] أبو العزّ طاهر بن حبيب في تاريخه وأورد له نظما من ذلك:[الدّوبيت]