الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اخْتَلَفَ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي اسْتِحْبَابِهَا فَمَنَعَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ، وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى " سَبِّحْ ": وَأَمَّا صَلَاةُ التَّسْبِيحِ الْمَعْرُوفَةُ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ التَّسْبِيحِ فِيهَا خِلَافَ الْعَادَةِ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ جَاءَ فِيهَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَهَا الْمَحَامِلِيُّ، وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهِيَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ انْتَهَى.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي صِيغَتِهِ وَحُكْمِ الْإِتْيَانِ بِهِ وَسَبَبِهِ
أَمَّا صِيغَتُهُ فَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ أَثْبَتَهُ أَنَّ لَفْظَهُ " اللَّهُ أَكْبَرُ "، وَلَكِنِ اخْتُلِفَ عَنِ الْبَزِّيِّ وَعَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ قُنْبُلٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا الْبَزِّيُّ، فَرَوَى الْجُمْهُورُ عَنْهُ هَذَا اللَّفْظَ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَلَا نَقْصٍ فَيَقُولُ (اللَّهُ أَكْبَرُ)(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَالضُّحَى، أَوْ أَلَمْ نَشْرَحْ وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْهَادِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَالْعُنْوَانِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَرَأَ بِهِ وَأَخَذَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَيْضًا فِي الْمُبْهِجِ، وَفِي التَّيْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْفَارِسِيِّ عَنْ قِرَاءَتِهِ بِذَلِكَ عَلَى النَّقَّاشِ عَنْهُ، وَعَلَى أَبِي الْحَسَنِ، وَعَلَى أَبِي الْفَتْحِ عَنْ قِرَاءَتِهِ بِذَلِكَ عَنِ السَّامَرِّيِّ فِي رِوَايَةِ الْبَزِّيِّ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ الْعِرَاقِيُّونَ قَاطِبَةً سِوَاهُ مِنْ طُرُقِ أَبِي رَبِيعَةَ كُلِّهَا سِوَى طَرِيقِ هِبَةِ اللَّهِ عَنْهُ، وَرَوَى الْآخَرُونَ عَنْهُ التَّهْلِيلَ مِنْ قَبْلِ التَّكْبِيرِ، وَلَفْظَةَ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ " وَهَذِهِ طَرِيقُ ابْنِ الْحُبَابِ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَهُوَ طَرِيقُ هِبَةِ اللَّهِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ وَابْنِ الْفَرَحِ أَيْضًا عَنِ الْبَزِّيِّ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ عَنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي، وَعَلَى أَبِي الْفَرَحِ النَّجَّارِ أَعْنِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْحُبَابِ، وَهُوَ وَجْهٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ عَنِ الْبَزِّيِّ بِالنَّصِّ كَمَا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التُّونِسِيُّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَنْسِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُرْسِيِّ. أَخْبَرَنَا وَالِدِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْحَافِظِ حَدَّثَنَا فَارِسُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ الْحَسَنِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَالِمٍ الْخُتُلِّيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَزِّيَّ عَنِ التَّكْبِيرِ كَيْفَ هُوَ فَقَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ)، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو: وَابْنُ الْحُبَابِ هَذَا مِنَ الْإِتْقَانِ وَالضَّبْطِ وَصِدْقِ اللَّهْجَةِ بِمَكَانٍ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ انْتَهَى. عَلَى أَنَّ ابْنَ الْحُبَابِ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ فَقَالَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ الْوَلِيُّ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ الْوَسِيطِ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ يَعْنِي ابْنَ الْحُبَابِ، بَلْ حَدَّثَنِيهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اللُّكِّيُّ عَنِ الشَّذَائِيِّ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ ابْنُ الشَّارِبِ عَنِ الزَّيْنَبِيِّ وَهِبَةِ اللَّهِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ وَابْنِ فَرَحٍ عَنِ الْبَزِّيِّ قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَشَايِخَ يُؤْثِرُونَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ السَّعِيدِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ الْبَزِّيُّ يَعْنِي مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ طَرِيقَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْخُزَاعِيِّ كِلَاهُمَا عَنْهُ. وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْأَغَرِّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَيْهِمَا أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ صَدَّقَهُ رَبُّهُ) ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ الْآخِذُونَ بِالتَّهْلِيلِ مَعَ التَّكْبِيرِ عَنِ ابْنِ الْحُبَابِ فَرَوَاهُ جُمْهُورُهُمْ كَذَلِكَ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَفْظَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَقَالُوا:(لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) ، ثُمَّ يُبَسْمِلُونَ وَهَذِهِ طَرِيقُ أَبِي طَاهِرِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ الْحُبَابِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَذْكُورِ عَنِ ابْنِ الْحُبَابِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ فَرَحٍ أَيْضًا عَنِ الْبَزِّيِّ. وَكَذَا رَوَاهُ الْغَضَائِرِيُّ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ عَنِ الْبَزِّيِّ وَابْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ قُنْبُلٍ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَسِيطِ، وَقَدْ حَكَى لَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ يَعْنِي الْأُسْتَاذَ أَبَا الْحَسَنِ الْحَمَّامِيَّ عَنْ زَيْدٍ، وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ عَنِ الْبَزِّيِّ التَّهْلِيلَ قَبْلَهَا وَالتَّحْمِيدَ بَعْدَهَا، بِلَفْظَةِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) بِمُقْتَضَى قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْخُزَاعِيُّ أَيْضًا، وَأَبُو الْكَرَمِ عَنِ
ابْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ قُنْبُلٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا الْخُزَاعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُنْتَهَى عَنِ ابْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنِ الْبَزِّيِّ.
(قُلْتُ) : يُشِيرُ الرَّازِيُّ إِلَى مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَبَلَغْتَ قِصَارَ الْمُفَصَّلِ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُ، وَأَمَّا قُنْبُلٌ فَقَطَعَ لَهُ جُمْهُورُ مَنْ رَوَى التَّكْبِيرَ عَنْهُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ بِالتَّكْبِيرِ فَقَطْ، وَهُوَ الَّذِي فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَتَلْخِيصِ أَبِي مَعْشَرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ، كَمَا قَدَّمْنَا، وَذَكَرَهُ فِي غَيْرِهِ، وَالْأَكْثَرُونَ مِنَ الْمَشَارِقَةِ عَلَى التَّهْلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ) حَتَّى قَطَعَ لَهُ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَقَطَعَ بِذَلِكَ لَهُ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ، وَفِي الْمُبْهِجِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ فَقَطْ. وَقَالَ ابْنُ سَوَّارٍ فِي الْمُسْتَنِيرِ قَرَأْتُ بِهِ لِقُنْبُلٍ قَرَأْتُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ لَهُ بِهِ أَيْضًا ابْنُ فَارِسٍ فِي جَامِعِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ شَنَبُوذَ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ قُنْبُلٍ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ خَاصَّةً بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ مِنْ فَاتِحَةِ " وَالضُّحَى " عَلَى اخْتِلَافِ شُيُوخِنَا الَّذِينَ قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَمَرَنِي بِذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَمَرَنِي مِنْ أَوَّلِ أَلَمْ نَشْرَحْ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ الَّذِي قَرَأَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْقَنْطَرِيِّ، وَقَالَ الدَّانِيُّ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَالْوَجْهَانِ يَعْنِي التَّهْلِيلَ مَعَ التَّكْبِيرِ وَالتَّكْبِيرَ وَحْدَهُ عَنِ الْبَزِّيِّ وَقُنْبُلٍ صَحِيحَانِ جَيِّدَانِ مَشْهُورَانِ مُسْتَعْمَلَانِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ، وَقَدْ حَكَى لَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ عَنِ الْبَزِّيِّ التَّهْلِيلَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدَ بَعْدَهُ بِمُقْتَضَى قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه الْمُتَقَدِّمِ إِلَّا أَنَّ أَبَا الْبَرَكَاتِ بْنَ الْوَكِيلِ رَوَى عَنْ رِجَالِهِ عَنِ ابْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ قُنْبُلٍ، وَعَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنِ الْبَزِّيِّ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) .
وَأَمَّا حُكْمُ الْإِتْيَانِ بِالتَّكْبِيرِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ بِآخِرِ السُّورَةِ وَالْقَطْعِ عَلَيْهِ، وَفِي الْقَطْعِ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ وَوَصْلِهِ بِمَا بَعْدَهُ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ لِآخِرِ السُّورَةِ، أَوْ لِأَوَّلِهَا وَيَتَأَتَّى عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فِي حَالَةِ وَصْلِ السُّورَةِ بِالسُّورَةِ الْأُخْرَى، ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ يَمْتَنِعُ مِنْهَا وَجْهٌ إِجْمَاعًا، وَهُوَ وَصْلُ التَّكْبِيرِ
بِآخِرِ السُّورَةِ وَبِالْبَسْمَلَةِ مَعَ الْقَطْعِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ مُنْفَصِلَةً عَنْهَا مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السُّورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الْوَجْهُ عَلَى تَقْدِيرٍ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَتَبْقَى سَبْعَةُ أَوْجُهٍ مُحْتَمَلَةَ الْجَوَازِ مَنْصُوصَةً لِمَنْ نَذْكُرُهَا لَهُ، مِنْهَا اثْنَانِ مُخْتَصَّانِ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ لِآخِرِ السُّورَةِ وَاثْنَانِ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ مُحْتَمَلَةٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
فَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ لِآخِرِ السُّورَةِ (فَالْأَوَّلُ مِنْهَا) وَصْلُ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّورَةِ وَالْقَطْعُ عَلَيْهِ وَوَصْلُ الْبَسْمَلَةِ بِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَهُوَ فَحَدِّثْ اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ، وَقَالَ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ الْجَيِّدُ، وَبِهِ قَرَأْتُ، وَبِهِ آخُذُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الدَّانِيُّ فِي التَّيْسِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي مُفْرَدَاتِهِ سِوَاهُ، وَهُوَ أَحَدُ اخْتِيَارَاتِهِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّجْرِيدِ أَيْضًا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا فِي الْكَافِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ وَأَبُو شَامَةَ وَسَائِرُ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ.
(وَالثَّانِي) وَصْلُ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّورَةِ، وَالْقَطْعُ عَلَيْهِ، وَالْقَطْعُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ فَحَدِّثْ اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو مَعْشَرٍ فِي تَلْخِيصِهِ، وَنَقَلَهُ عَنِ الْخُزَاعِيِّ عَنِ الْبَزِّيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفَاسِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجَعْبَرِيُّ فِي شَرْحَيْهِمَا، وَابْنُ مُؤْمِنٍ فِي كَنْزِهِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ جَارِيَانِ عَلَى قَوَاعِدِ مَنْ أَلْحَقَ التَّكْبِيرَ بِآخِرِ السُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُمَا نَصًّا إِلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَكِّيٍّ فِي تَبْصِرَتِهِ مَنْعُهُمَا مَعًا، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى التَّكْبِيرِ دُونَ أَنْ يَصِلَهُ بِالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ بِأَوَّلِ السُّورَةِ الْمُؤْتَنِفَةِ فَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مَنْعُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ حَيْثُ قَالَ: أَوَّلًا يُكَبِّرُ مِنْ خَاتِمَةِ " وَالضُّحَى " إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ مَعَ خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ، وَكَذَلِكَ إِذْ قَرَأَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ وَيُبَسْمِلُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ التَّكْبِيرَ لِآخِرِ السُّورَةِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ
أَثْبَتَهُ فِي آخِرِ (النَّاسِ) وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَائِلًا بِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ لَكَانَ مَنْعُهُ لَهُمَا ظَاهِرًا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ التَّكْبِيرِ لِأَوَّلِ السُّورَةِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا قَطْعُهُ عَنْ آخِرِ السُّورَةِ وَوَصْلُهُ بِالْبَسْمَلَةِ وَوَصْلُ الْبَسْمَلَةِ بِأَوَّلِ السُّورَةِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ فَحَدِّثْ اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَوَّارٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ وَابْنِ شَيْطَا وَالْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ مُؤْمِنٍ فِي الْكَنْزِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ مَنْ جَعَلَ التَّكْبِيرَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ التَّيْسِيرِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَقَالَ فِيهِ وَفِي جَامِعِ الْبَيَانِ: إِنَّهُ قَرَأَ بِهِ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْفَارِسِيِّ عَنِ النَّقَّاشِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنِ الْبَزِّيِّ، وَذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ أَيْضًا.
(قُلْتُ) : وَهَذَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عَنْ طُرُقِ التَّيْسِيرِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَحَكَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْكَافِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُبْهِجِ عَنِ الْبَزِّيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْخُزَاعِيِّ عَنْهُ، وَعَنْ قُنْبُلٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ خُشْنَامَ وَابْنِ الشَّارِبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِفَايَتِهِ سِوَاهُ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الرَّوْضَةِ اتَّفَقَ أَصْحَابُ ابْنِ كَثِيرٍ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مُنْفَصِلٌ مِنَ الْقُرْآنِ لَا يُخْلَطُ بِهِ، وَكَذَلِكَ حَكَى أَبُو الْعِزِّ فِي الْإِرْشَادِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْكِفَايَةِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الْفَحَّامِ وَالْمُطَّوِّعِيِّ فَإِنَّهُمَا قَالَا: إِنْ شِئْتَ وَقَفْتَ عَلَى التَّكْبِيرِ يَعْنِي بَعْدَ قَطْعِهِ عَنِ السُّورَةِ الْمَاضِيَةِ وَابْتَدَأْتَ بِالتَّسْمِيَةِ مَوْصُولَةً بِالسُّورَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَأْتِي فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ، وَهُوَ مِنَ الثَّانِي مِنْهَا، وَكَذَا ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ فِي الْغَايَةِ قَالَ: سِوَى الْفَحَّامِ ذَكَرَ لَهُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ هَذَا الْوَجْهِ وَبَيْنَ الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا قَالَ أَبُو الْعِزِّ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْهُمَا قَطْعُ التَّكْبِيرِ عَنْ آخِرِ السُّورَةِ وَوَصْلُهُ بِالْبَسْمَلَةِ وَالسَّكْتُ، ثُمَّ الِابْتِدَاءُ بِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَهُوَ فَحَدِّثْ
اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ مُؤْمِنٍ فِي الْكَنْزِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَمَنَعَهُ الْجَعْبَرِيُّ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ لِآخِرِ السُّورَةِ وَإِلَّا فَعَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَوَّلِهَا لَا يَظْهَرُ لِمَنْعِهِ وَجْهٌ إِذْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَالِاسْتِعَاذَةِ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ وَصْلِهَا بِالْبَسْمَلَةِ، وَقَطْعِ الْبَسْمَلَةِ عَنِ الْقِرَاءَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهَا، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَظْهَرَانِ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ السَّعِيدِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حُكْمِ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأَوْجُهِ الْبَاقِيَةِ الْجَائِزَةِ عَلَى كُلٍّ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ (فَالْأَوَّلُ مِنْهَا) وَصْلُ الْجَمِيعِ أَيَ وَصْلُ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّورَةِ وَالْبَسْمَلَةِ بِهِ وَبِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَهُوَ فَحَدِّثْ اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ نَصَّ عَلَيْهِ الدَّانِيُّ وَالشَّاطِبِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي التَّجْرِيدِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُبْهِجِ عَنِ الْبَزِّيِّ مِنْ طَرِيقِ الْخُزَاعِيِّ. (وَالثَّانِي) مِنْهَا قَطْعُ التَّكْبِيرِ عَنْ آخِرِ السُّورَةِ، وَعَنِ الْبَسْمَلَةِ وَوَصْلُ الْبَسْمَلَةِ بِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَهُوَ فَحَدِّثْ، اللَّهُ أَكْبَرُ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو مَعْشَرٍ فِي التَّلْخِيصِ، وَاخْتَارَهُ الْمَهْدَوِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا ابْنُ مُؤْمِنٍ، وَقَالَ: إِنَّهُ اخْتِيَارُ طَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ.
(قُلْتُ) : وَلَمْ أَرَهُ فِي التَّذْكِرَةِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَنَقَلَهُ فِيهِ أَيْضًا عَنْ شَيْخِهِ الْفَارِسِيِّ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْعِزِّ فِي الْكِفَايَةِ عَنِ الْفَحَّامِ وَالْمُطَّوِّعِيِّ كَمَا قَدَّمْنَا، وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ عَنِ الْفَحَّامِ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْفَاسِيُّ وَالْجَعْبَرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْحُلَيْمِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمِنْهَاجِ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ التَّكْبِيرَ مِنْ " وَالضُّحَى " إِلَى آخِرِ (النَّاسِ) : وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّهُ كُلَّمَا خَتَمَ سُورَةً وَقَفَ وَقْفَةً، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَوَقَفَ وَقْفَةً، ثُمَّ ابْتَدَأَ السُّورَةَ الَّتِي تَلِيهَا إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ كَبَّرَ
(وَالثَّالِثُ) مِنْهَا: قَطْعُ الْجَمِيعِ أَيْ قَطْعُ التَّكْبِيرِ عَنِ السُّورَةِ الْمَاضِيَةِ، وَعَنِ الْبَسْمَلَةِ، وَقَطْعُ الْبَسْمَلَةِ عَنِ السُّورَةِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ فَحَدِّثْ اللَّهُ أَكْبَرُ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ يَظْهَرُ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو فِي جَامِعِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تُوصَلْ - يَعْنِي التَّسْمِيَةَ بِالتَّكْبِيرِ - جَازَ الْقَطْعُ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ جَوَازَ الْقَطْعِ عَلَى التَّكْبِيرِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَطْعَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ فَكَانَ هَذَا الْوَجْهُ كَالنَّصِّ مِنْ كَلَامِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ مُؤْمِنٍ فِي الْكَنْزِ، وَكُلٌّ مِنَ الْفَاسِيِّ وَالْجَعْبَرِيِّ فِي الشَّرْحِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ وَلَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ مَكِّيٍّ الْمُتَقَدِّمِ مَنْعُهُ، بَلْ هُوَ صَرِيحُ نَصِّهِ فِي الْكَشْفِ حَيْثُ مَنَعَ فِي وَجْهِ الْبَسْمَلَةِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ قَطْعَهَا عَنِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَوْجُهَ السَّبْعَةَ جَائِزَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا، قَرَأَ بِهَا عَلَى كُلِّ مَنْ قَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّيُوخِ، وَبِهَا آخُذُ، وَنَصَّ عَلَيْهَا كُلِّهَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْوَاسِطِيُّ فِي كَنْزِهِ وَيَتَأَتَّى عَلَى كُلٍّ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ، وَهِيَ الْوَجْهَانِ الْمُخْتَصَّانِ بِأَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ، وَالثَّلَاثَةُ الْجَائِزَةُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
وَبَقِيَ هُنَا تَنْبِيهَاتٌ: (الْأَوَّلُ) : الْمُرَادُ بِالْقَطْعِ وَالسَّكْتِ فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا هُوَ الْوَقْفُ الْمَعْرُوفُ لَا الْقَطْعُ الَّذِي هُوَ الْإِعْرَابُ، وَلَا السَّكْتُ الَّذِي هُوَ دُونَ تَنَفُّسٍ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ. وَكَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ تَقِفَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ وَتَبْدَأَ بِالتَّكْبِيرِ، أَوْ تَقِفَ عَلَى التَّكْبِيرِ وَتَبْدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عَلَى الْبَسْمَلَةِ - وَمَكِّيٌّ فِي تَبْصِرَتِهِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى التَّكْبِيرِ دُونَ أَنْ تَصِلَهُ بِالْبَسْمَلَةِ - وَأَبُو الْعِزِّ بِقَوْلِهِ: وَاتَّفَقَ الْجَمَاعَةُ يَعْنِي رُوَاةَ التَّكْبِيرِ أَنَّهُمْ يَقِفُونَ فِي آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ وَيَبْتَدِئُونَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ بِقَوْلِهِ: وَكُلُّهُمْ يَسْكُتُ عَلَى خَوَاتِيمِ السُّوَرِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ غَيْرَ الْفَحَّامِ عَنْ رِجَالِهِ فَإِنَّهُ خَيَّرَ بَيْنَ الْوَقْفِ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ، ثُمَّ الِابْتِدَاءِ بِالتَّكْبِيرِ، وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالسَّكْتِ الْمُتَقَدِّمِ
الْوَقْفَ - وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ بِقَوْلِهِ: وَذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّكَ تَقِفُ فِي آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ وَتَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ مُنْفَصِلًا مِنَ التَّسْمِيَةِ - وَابْنُ سَوَّارٍ، بِقَوْلِهِ: وَصِفَتُهُ أَنْ يَقِفَ وَيَبْتَدِئَ اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا غَيْرُ وَاحِدٍ كَابْنِ شُرَيْحٍ وَسِبْطِ الْخَيَّاطِ وَالدَّانِيِّ وَالسَّخَاوِيِّ وَأَبِي شَامَةَ، وَغَيْرِهِمْ وَزَعَمَ الْجَعْبَرِيُّ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَطْعِ فِي قَوْلِهِمْ هُوَ السَّكْتُ الْمَعْرُوفُ كَمَا زَعَمَ ذَلِكَ فِي الْبَسْمَلَةِ، قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّاطِبِيِّ: فَإِنْ شِئْتَ فَاقْطَعْ دُونَهُ. مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ شِئْتَ فَاقْطَعْ أَيْ فَاسْكُتْ، وَلَوْ قَالَهَا لَأَحْسَنَ إِذِ الْقَطْعُ عَامٌّ فِيهِ وَالْوَقْفُ انْتَهَى. وَهُوَ شَيْءٌ انْفَرَدَ بِهِ لَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْأَدَاءِ كَمَكِّيٍّ وَالْحَافِظِ الدَّانِيِّ حَيْثُ عَبَّرَا بِالسَّكْتِ عَنِ الْوَقْفِ فَحَسِبَ أَنَّهُ السَّكْتُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْظُرْ آخِرَ كَلَامِهِمْ، وَلَا مَا صَرَّحُوا بِهِ عَقِيبَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا هَذَا عِنْدَ ذِكْرِ السَّكْتِ أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ إِذَا أَطْلَقُوا لَا يُرِيدُونَ بِهِ إِلَّا الْوَقْفَ، وَإِذَا أَرَادُوا بِهِ السَّكْتَ الْمَعْرُوفَ قَيَّدُوهُ بِمَا يَصْرِفُهُ إِلَيْهِ.
(الثَّانِي) : لَيْسَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ السَّبْعَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِهَا كُلِّهَا بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ يَكُنِ اخْتِلَالًا فِي الرِّوَايَةِ، بَلْ هُوَ مِنِ اخْتِلَافِ التَّخْيِيرِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْجَائِزَةِ ثَمَّ. نَعَمِ الْإِتْيَانُ بِوَجْهٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِكَوْنِ التَّكْبِيرِ لِآخِرِ السُّورَةِ وَبِوَجْهٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِكَوْنِهِ لِأَوَّلِهَا، أَوْ بِوَجْهٍ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا مُتَعَيِّنٌ إِذِ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ فَلَا بُدَّ مِنَ التِّلَاوَةِ بِهِ إِذَا قَصَدَ جَمْعَ تِلْكَ الطُّرُقِ. وَقَدْ كَانَ الْحَاذِقُونَ مِنْ شُيُوخِنَا يَأْمُرُونَنَا بِأَنْ نَأْتِيَ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ بِوَجْهٍ مِنَ الْخَمْسَةِ لِأَجْلِ حُصُولِ التِّلَاوَةِ بِجَمِيعِهَا، وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَا يَلْزَمُ، بَلِ التِّلَاوَةُ بِوَجْهٍ مِنْهَا إِذَا حَصَلَ مَعْرِفَتُهَا مِنَ الشَّيْخِ كَافٍ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
(الثَّالِثُ) : التَّهْلِيلُ مَعَ التَّكْبِيرِ مَعَ الْحَمْدَلَةِ عِنْدَ مَنْ رَوَاهُ، حُكْمُهُ حُكْمُ التَّكْبِيرِ لَا يَفْصِلُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، بَلْ يُوصَلُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، كَذَا وَرَدَتِ الرِّوَايَةُ، وَكَذَا
قَرَأْنَا، لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُهُ مَعَ آخِرِ السُّورَةِ وَالْبَسْمَلَةِ وَأَوَّلِ السُّورَةِ الْأُخْرَى حُكْمُ التَّكْبِيرِ، تَأْتِي مَعَهُ الْأَوْجُهُ السَّبْعَةُ كَمَا فَصَّلْنَا إِلَّا أَنِّي لَا أَعْلَمُنِي قَرَأْتُ بِالْحَمْدَلَةِ بَعْدَ سُورَةِ النَّاسِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مَعَ وَجْهِ الْحَمْدَلَةِ سِوَى الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الْجَائِزَةِ مَعَ تَقْدِيرِ كَوْنِ التَّكْبِيرِ لِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَعِبَارَةُ الْهُذَلِيِّ لَا تَمْنَعُ التَّقْدِيرَ الثَّانِيَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
نَعَمْ يَمْتَنِعُ وَجْهُ الْحَمْدَلَةِ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
(الرَّابِعُ) : تَرْتِيبُ التَّهْلِيلِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَالْبَسْمَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَازِمٌ لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ. كَذَلِكَ وَرَدَتِ الرِّوَايَةُ وَثَبَتَ الْأَدَاءُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْهُذَلِيُّ عَنْ قُنْبُلٍ مِنْ طَرِيقِ نَظِيفٍ فِي تَقْدِيمِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّ جَمِيعَ مَنْ ذَكَرَ طَرِيقَ نَظِيفٍ عَنْهُ سِوَى الْهُذَلِيِّ أَسْنَدَ هَذِهِ الطَّرِيقَ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ غَلْبُونَ عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ ابْنُ غَلْبُونَ فِي إِرْشَادِهِ، وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ رَوَى هَذِهِ الطَّرِيقَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ غَلْبُونَ الْمَذْكُورِ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
(الْخَامِسُ) : لَا يَجُوزُ التَّكْبِيرُ فِي رِوَايَةِ السُّوسِيِّ إِلَّا فِي وَجْهِ الْبَسْمَلَةِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ لِأَنَّ رَاوِيَ التَّكْبِيرِ لَا يُجِيزُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ سِوَى الْبَسْمَلَةِ وَيُحْتَمَلُ مَعَهُ كُلٌّ مِنَ الْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِلَّا أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى الْمَاضِيَةِ أَحْسَنُ عَلَى مَذْهَبِهِ لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ عِنْدَهُ لَيْسَتْ آيَةً بَيْنَ السُّورَتَيْنِ كَمَا هِيَ عِنْدَ ابْنِ كَثِيرٍ، بَلْ هِيَ عِنْدَهُ لِلتَّبَرُّكِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْبِيرُ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى لِأَنَّهُ خِلَافُ رِوَايَتِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
(السَّادِسُ) : لَا تَجُوزُ الْحَمْدَلَةُ مَعَ التَّكْبِيرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ التَّهْلِيلُ مَعَهُ، كَذَا وَرَدَتِ الرِّوَايَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَشْهَدَ لِذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ: كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَأْمُرُونَ مَنْ قَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) يُتْبِعُهَا بِـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) عَمَلًا بِقَوْلِهِ: فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْآيَةَ، ثُمَّ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ قَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) فَلْيَقُلْ
عَلَى أَثَرِهَا " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "، وَذَلِكَ قَوْلُهُ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
(السَّابِعُ) : قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي الْجَامِعِ: وَإِذَا وَصَلَ الْقَارِئُ أَوَاخِرَ السُّورَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَحْدَهُ كَسَرَ مَا كَانَ آخِرَهُنَّ، سَاكِنًا كَانَ أَوْ مُتَحَرِّكًا، قَدْ لَحِقَهُ التَّنْوِينُ فِي حَالِ نَصْبِهِ، أَوْ خَفْضِهِ، أَوْ رَفْعِهِ لِسُكُونِ ذَلِكَ وَسُكُونِ اللَّامِ مِنِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَالسَّاكِنُ نَحْوُ قَوْلِهِ فَحَدِّثْ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَفَارْغَبْ اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَهُ; وَالْمُتَحَرِّكُ الْمُنَوَّنُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: تَوَّابًا اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَخَبِيرٌ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَمِنْ مَسَدٍ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَإِنْ تَحَرَّكَ آخِرُ السُّورَةِ بِالْفَتْحِ، أَوِ الْخَفْضِ، أَوِ الرَّفْعِ، وَلَمْ يَلْحَقْ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثَ تَنْوِينٌ فُتِحَ الْمَفْتُوحُ مِنْ ذَلِكَ وَكُسِرَ الْمَكْسُورُ وَضُمَّ الْمَضْمُومُ، لَا غَيْرَ، فَالْمَفْتُوحُ نَحْوُ قَوْلِهِ الْحَاكِمِينَ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا حَسَدَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالْمَكْسُورُ نَحْوُ قَوْلِهِ عَنِ النَّعِيمِ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَمِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالْمَضْمُومُ نَحْوُ قَوْلِهِ: هُوَ الْأَبْتَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَإِنْ كَانَ آخِرُ السُّورَةِ هَاءَ ضَمِيرٍ مَوْصُولَةً بِوَاوٍ فِي اللَّفْظِ تُحْذَفُ صِلَتُهَا لِلسَّاكِنَيْنِ، سُكُونِهَا وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا، نَحْوَ قَوْلِهِ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَشَرًّا يَرَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ. وَأَلِفُ الْوَصْلِ الَّتِي فِي أَوَّلِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَاقِطَةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فِي حَالِ الدَّرْجِ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِمَا اتَّصَلَ مِنْ أَوَاخِرِ السُّوَرِ بِالسَّاكِنِ الَّذِي تُجْتَلَبُ لِأَجْلِهِ، وَاللَّامُ مَعَ الْكَسْرَةِ مُرَقَّقَةٌ، وَمَعَ الْفَتْحَةِ وَالضَّمَّةِ مُفَخَّمَةٌ، انْتَهَى. وَهُوَ مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْأَدَاءِ الذَّاهِبِينَ إِلَى وَصْلِ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّورَةِ، وَلَمْ يَخْتَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَوَاخِرِ السُّوَرِ مَا اخْتَارَ فِي الْأَرْبَعِ الزُّهْرِ عِنْدَ وَيْلٌ، وَلَا عِنْدَ الْأَبْتَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا عِنْدَ حَسَدَ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا فِي نَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لِأَنِّي رَأَيْتُ بَعْضَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِأُصُولِ الرِّوَايَاتِ يُنْكِرُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلِهَذَا تَعَرَّضْتُ لَهُ وَحَكَيْتُ نَصَّ الدَّانِيِّ وَتَمْثِيلَهُ بِهِ بِحُرُوفِهِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ.
(الثَّامِنُ) : إِذَا وَصَلَ الْقَارِئُ التَّهْلِيلَ بِآخِرِ السُّورَةِ أَبْقَى مَا كَانَ مِنْ أَوَاخِرِ
السُّوَرِ عَلَى حَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُتَحَرِّكًا أَوْ سَاكِنًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَنْوِينًا فَإِنَّهُ يُدْغَمُ نَحْوَ لَخَبِيرٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَعْتَبِرُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَوَاخِرِ السُّوَرِ عِنْدَ " لَا " مَا اعْتَبَرُوهُ مَعَهَا فِي وَجْهِ الْوَصْلِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ لَا أُقْسِمُ وَغَيْرِهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَيَجُوزُ إِجْرَاءُ وَجْهِ مَدِّ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " عِنْدَ مَنْ أَجْرَى الْمَدَّ لِلتَّعْظِيمِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَدِّ، بَلْ كَانَ بَعْضُ مَنْ أَخَذْنَا عَنْهُ مِنْ شُيُوخِنَا الْمُحَقِّقِينَ يَأْخُذُونَ بِالْمَدِّ فِيهِ مُطْلَقًا مَعَ كَوْنِهِمْ لَمْ يَأْخُذُوا بِالْمَدِّ لِلتَّعْظِيمِ فِي الْقُرْآنِ وَيَقُولُونَ إِنَّمَا قَصَرَ ابْنُ كَثِيرٍ الْمُنْفَصِلَ فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا الْمُرَادُ بِهِ هُنَا هُوَ الذِّكْرُ فَيَأْخَذُ بِمَا يَخْتَارُ فِي الذِّكْرِ، وَهُوَ الْمَدُّ لِلتَّعْظِيمِ فِي الذِّكْرِ مُبَالَغَةً لِلنَّفْيِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْنَا لَا يَأْخُذُ فِيهِ إِلَّا بِالْقَصْرِ مَشْيًا عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي الْمُنْفَصِلِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَرِيبٌ مَأْخُوذٌ بِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
(التَّاسِعُ) : إِذَا قُرِئَ بِرِوَايَةِ التَّكْبِيرِ وَإِرَادَةِ الْقَطْعِ عَلَى آخِرِ سُورَةٍ فَمَنْ قَالَ: إِنَّ التَّكْبِيرَ لِآخِرِ السُّورَةِ كَبَّرَ، وَقَطَعَ الْقِرَاءَةَ، وَإِذَا أَرَادَ الِابْتِدَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بَسْمَلَ لِلسُّورَةِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ التَّكْبِيرَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ، فَإِذَا ابْتَدَأَ بِالسُّورَةِ الَّتِي تَلِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ إِذْ لَا بُدَّ مِنَ التَّكْبِيرِ إِمَّا لِآخِرِ السُّورَةِ، أَوْ لِأَوَّلِهَا حَتَّى لَوْ سَجَدَ فِي آخِرِ الْعَلَقِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ أَوَّلًا لِآخِرِ السُّورَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلسَّجْدَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِلْآخِرِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلسَّجْدَةِ فَقَطْ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ لِسُورَةِ الْقَدْرِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِآخِرِ السُّورَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، أَوْ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِابْتِدَاءِ السُّورَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
(الْعَاشِرُ) : لَوْ قَرَأَ الْقَارِئُ بِالتَّكْبِيرِ لِحَمْزَةَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ مَنْ أَجَازَهُ لَهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْبَسْمَلَةِ مَعَهُ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَجُوزُ الْبَسْمَلَةُ لِحَمْزَةَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْقَارِئَ يَنْوِي الْوَقْفَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ فَيَصِيرُ مُبْتَدِئًا لِلسُّورَةِ