المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - باب: كيفية الصلاة - النكت العلمية على الروضة الندية

[عبد الله العبيلان]

الفصل: ‌4 - باب: كيفية الصلاة

126 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"ولا ثوب شهرة: لحديث: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلّة يوم القيامة" أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والنّسائي، بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر".

قال الفقير إلى عفو ربه: ولباس الشهرة هو ما قصد به العلو أو إظهار التواضع.

‌4 - باب: كيفية الصلاة

127 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"وهي -على ما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم وتوارثته الأمّة-: أن يتطهر ويستر عورته، ويقوم ويستقبل القبلة بوجهه، ويتوجه إلى الله -تعالى- بقلبه، ويخلص له العمل، ويقول: "الله أكبر"؛ بلسانه، ويقرأ فاتحة الكتاب، ويَضُمَّ معها -إلّا في ثالثة الفرض ورابعته- سورة من القرآن، ثم يركع وينحني بحيث يقتدر على أن يمسح ركبتيه برؤوس أصابعه".

قال الفقير إلى عفو ربه: لعلها: يمس.

128 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"وأركانها كلها مفترضة: لكونها ماهية الصلاة التي لا يسقط التكليف إلا بفعلها، وتُعْدَمُ الصورةُ المطلوبة بعدمها، وتكون ناقصة بنقصان بعضها، وهي: القيام، فالركوع، فالاعتدال، فالسجود، فالاعتدال، فالسجود فالقعود للتشهد.

(1)(1/ 257).

(2)

(1/ 260).

(3)

(1/ 263).

ص: 138

وقد بين الشارع صفاتها وهيئاتها، وكان يجعلها قريبًا من السواء، -كما ثبت في "الصحيح" عنه-.

أقول: وجملة القول في هذا الباب: إنه ينبغي لمن كان يقتدر على تطبيق الفروع على الأصول، وإرجاع فرع الشيء إلى أصله، أن يجعل هذه الفروض المذكورة في هذا الباب منقسمة إلى ثلاثة أقسام.

- واجباب: كالتكبير، والتسليم، والتشهد.

- وأركان: كالقيام، والركوع، والاعتدال، والسّجود، والاعتدال، والسجود، والقعود للتشهد.

- وشروط: كالنيّة، والقراءة.

أما النية: فلما قدَّمنا.

وأما القراءة: فلورود ما يدل على شرطيتها؛ كحديث: "لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب"، وحديث:"لا تجزئ صلاةٌ إلا بفاتحة الكتاب"، ونحوها، فإن النفي إذا توجه إلى الذَّات أو إلى صحتها؛ أفاد الشرطية؛ إذ هي تأثير عدم الشرط في عدم المشروط، وأصرح من مطلق النفي: النفي المتوجّه إلى الأجزاء.

والحاصل: أن شروط الشيء يقتضي عدمُها عدمَه، وأركانه كذلك؛ لأن عدم الركن يوجب عدم وجود الصورة المأمور بها على الصفة التي اعتبرها الشارع، وما كان كذلك لا يجزء؛ إلا أن يقوم دليل على أن مثل ذلك الركن لا يخرج الصورة المأمور بها عن كونها مجزئة، كما يقول بعض أهل العلم في الاعتدال وقعود التشهد، وإن كان الحق خلاف ما قال.

وأما الواجباب: فغاية ما يستفاد من دليلها -وهو مطلق الأمر-: أنّ تركها معصية، لا أن عدمها يستلزم عدم الصورة المأمور بها.

إذا تقرر هذا: لاح لك أن هذه الفروض المعدودة في هذا الباب

ص: 139

متوافقة في ذات بينها، والفرضُ والواجبُ مترادفان على ما ذهب إليه الجمهور، وهو الحق.

وحقيقة الواجب: ما يمدح فاعله ويذم تاركه، والمدح على الفعل، والذم على الترك: لا يستلزمان البطلان؛ بخلاف الشرط، فإن حقيقة ما يستلزم عدمه عدم المشروط كما عرفت.

فاحفظ هذا التحقيق؛ تنتفع به في مواطن وقع التفريع فيها مخالفًا للتأصيل، وهو كثير الوجود في مؤلفات الفقهاء من جميع المذاهب، وكثيرًا ما تجد العارف بالأصول، إذا تكلم في الفروع؛ ضاقت عليه المسالك، وطاحت عنه المعارف، وصار كأحد الجامدين على علم الفروع؛ إلا جماعة منهم، {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} ، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ".

قال الفقير إلى عفو ربه: الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "صلّوا كما رأيتموني أصلي". (1)

ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح ولا ضعيف أنه قال -في شيء من أفعال الصّلاة أو أقوالها-: أن هذا ركن وذاك شرط أو واجب، وإنما حدث ذلك بعد زمن الصحابة -رضوان الله عليهم-.

وليس لمؤمن أن يترك من أفعال الصلاة أو أقوالها شيئًا بحجة أنه واجب لا ركن، كما تقدم في مسألة إزالة النجاسة، أما كون بعض أفعالها أو أقوالها يسقط سهوًا، وبعضها لا بد من الإتيان به، فهذا إنَّما يؤخذ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة.

"فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سلم من اثنتين وكانت الصلاة ظهرًا أو عصرًا عاد وأتى بالركعتين الآخريين" متفق عليه. البخاري (2)، مسلم (3).

(1) البخاري (631).

(2)

(1227).

(3)

(1288).

ص: 140

"ولما أنه قام للتشهد الأول سجد للسهو قبل السلام، ولم يعده".

متفق عليه. البخاري (1)، مسلم (2).

وهكذا فما دلت الأدلة على أنّها تصح بغير الإتيان به كالزائد على قراءة الفاتحة، كما روى مسلم (3) عن أبي هريرة:"إن زدت عليها فهو خير، وإن انتهيت إليها أجزأت عنك".

129 -

قال الْمُصَنِّف (4):

"إلا قعود التشهد الأوسط: لكونه لم يأت في الأدلة ما يدل على وجوبه بخصوصه، كما ورد في قعود التشهد الأخير؛ فإنّ الأحاديث التي فيها الأوامر بالتشهد قد اقترنت بما يفيد أن المراد التشهد الأخير.

فإن قلت: قد ذكر التشهد الأوسط في حديث المسيء، كما في رواية لأبي داود من حديث رفاعة، ولم يذكر فيه التشهد الأخير.

لا تقوم الحجة بمثل ذلك، ولا يثبت به التّكليف العام، والتشهد الأخير وإن لم يثبت ذكره في حديث المسيء؛ فقد وردت به الأوامر، وصرح الصحابة بافتراضه، وقد أوضح ذلك شيخنا العلَّامة الشوكاني في "حاشية الشفاء" إيضاحًا حسنًا؛ فلتراجع".

قال الفقير إلى عفو ربه: يحتاج العالم في تقرير أي مسألة يريد إثباتها إلى أمور أربعة:

الأول: أن يعرف الحكم ويتصوره تصورًا صحيحًا.

الثاني: أن يعرف دليل الحكم.

الثالث: أن يعرف وجه الدلالة من هذا الدليل.

(1)(1224).

(2)

(1269).

(3)

(883).

(4)

(1/ 264).

ص: 141

الرابع: أن يعرف المعارض إن وجد وكيفية الرد عليه.

وتقريرات الشارح رحمه الله لا تخلوا من نقص من أحد هذه الوجوه، فإذا تقرر هذا فينبغي لمن ذهب إلى أن التشهد الأول سنة يجوز تركها: أن يجيب على دليل المعارض، وهو سجوده صلى الله عليه وسلم للسّهو جبرًا لنقص الصلاة عن التشهد.

فإن قيل: إن السجود للسهو يشرع لترك ما يستحب وما يجب؟

قيل: هذه دعوى لا دليل عليها، وإن قال بها كثير من الفقهاء، فأين مستندها من الحديث والأثر؟

ورضي الله عن عمر بن الخطاب حيث قال: "نهينا عن التكلف" رواه البخاري (1).

قال أبو بكر بن المنذر: "كل ما سها عنه المرء في صلاته سهوان: أحدهما: قول، والآخر: فعل؟

فالقول: فيما يجهر فيها يخافت فيه أو يخافت فيما يجهر فيه، أو يقول مكان سمع الله لمن حمده: الله أكبر، أو يتشهد وهو قائم، أو يقرأ في موضع التشهد ساهيًا فكل ما كان من هذا النوع فإنه يرجع إلى ما يجب عليه فيقوله، وليس عليه سجود سهو" (2).

130 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"ولاستراحة: لكونه لم يأت دليل يفيد وجوبها، وذكرها في حديث المسيء وَهْمٌ، كما صرح بذلك البخاري".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال الحافظ رحمه الله: "أشار البخاري

(1)(7293).

(2)

"الإقناع"(1/ 98).

(3)

(1/ 264).

ص: 142

إلى أن هذه اللفظة وهم، فإنه عقبه بأن قال:"قال أبو أسامة في الأخير: حتّى تستوي قائمًا" ويمكن أن يحمل إن كان محفوظًا على الجلوس للتشهد، ويقويه رواية إسحاق المذكور قريبًا، وكلام البخاري ظاهر في أن أبا أسامة خالف ابن نمير، لكن رواه إسحاق ابن راهويه في "مسنده" عن أبي أسامة كما قال ابن نمير" (1).

131 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"ولا يجب من أذكارها -أي الصلاة- إلا التكبير: لقوله -تعالى-: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء: "إذا قمت إلى الصلاة فكبّر"، ولما ورد من أن تحريم الصلاة التكبير.

أقول: تعيين التكبير للدخول في الصلاة؛ مُحْكَمٌ صَريحٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم، حتى يضع الوضوء مواضعه ، ثم يستقبل القبلة ويقول: الله أكبر"، وبما تقدم من النصوص، وهي نصوصٌ في غاية الصحة، فردت بالمتشابه من قوله -تعالى-:{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} ".

قال الفقير إلى عفو ربه: انظر "تهذيب السنن".

132 -

قال المصنف (3):

"ولو كان مؤتمًا: فوجوب الفاتحة في كل ركعة على المؤتم، لما ورد من الأدلة الدّالة على أن المؤتم يقرأها خلف الإمام، كحديث: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب "ونحوه".

قال الفقير إلى عفو ربه: الحديث رواه أهل "السنن" عن عبادة بن

(1)"فتح الباري"(2/ 326).

(2)

(1/ 265).

(3)

(1/ 267).

ص: 143

الصامت، وأبو يعلى الموصلي (1)، وابن حبان (2)، عن أنس، ولو كان صحيحًا لم يبق خلاف معتبر، ويكون الدليلان على استثناء الفاتحة في مثل هذه الصورة من عموم قول الله تبارك وتعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} إلا أن كِلا الحديثين لا يخلوان من علة قادحة.

وإليك تفصيل ذلك:

1 -

أما حديث عبادة: فقد رواه الشيخان البخاري (3)، مسلم (4) -من طريق: الزهري عن محمود بن الربيع، عن عبادة مرفوعًا:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكِتاب".

ورواه عن الزهري جمعٌ من الأثبات منهم: السفيانان، ومعمر، بهذا اللفظ، وخالفهم محمد بن إسحاق، فرواه عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة، قال:"كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: "لعلكم تقرؤون خلف إمامكم"، قلنا: نعم، هذا يا رسول الله، قال: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" وهذا لفظ أبي داود (5).

وعلله على وجه التفصيل:

أ - مخالفة ابن إسحاق لمن هو أوثق منه وأعلم منه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا يعد من قبيل الشاذ، وقيل: بل هو منكر.

ب- أن مكحول رواه عن الزهري بالعنعنة وهو مدلس.

ج- أن مخرج الحديث واحد، فما الذي جعل ابن إسحاق يتفرد بهذا المتن؟ وإلى هذا أشار الترمذي فإنه ذكر رواية ابن إسحاق، ثم

(1) في "مسنده"(5/ 188).

(2)

في "الصحيحة"(1835).

(3)

(756).

(4)

(874).

(5)

"السنن"(823).

ص: 144

الرواية الصحيحة، وقال:"وهذا أصح"(1)، يشير إلى تعليل رواية ابن إسحاق.

2 -

أمّا حديث أنس: فقد رواه عبيد الله بن عمرو الرقي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس.

وظاهر هذا الإسناد الصحة، ولكنه معلول:

أ- بالإرسال، فقد رواه ابن عليّة، وغيره، عن أيوب، عن أَبي قلابة مرسلًا، أخرجه الدارقطني (2)، والبيهقي (3).

ب- وبالاضطراب، فقد:

1 -

رواه سلام أبو المنذر، عن أيوب عن أبي قلابة، عن أبي هريرة.

2 -

ورواه الرّبيع بن بدر، عن أيوب، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

3 -

ورواه إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

4 -

ورواه خالدٌ الحذاءُ، عن أبي قلابة، عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ج- قال البيهقي: "وقد قيل عن أبي قلابة عن أنس بن مالك، وليس بمحفوظ"(4).

133 -

قال الْمُصَنِّف (5):

"وقال في "إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء": روى البيهقي عن يزيد

(1)"السنن"(311).

(2)

"السنن"(1/ 340).

(3)

"السنن الكبرى"(2/ 166).

(4)

"السنن الكبرى"(2/ 166).

(5)

(1/ 269).

ص: 145

بن شريك: أنه سأل عمر عن القراءة خلف الإمام. فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب: فقلت: وإن كُنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت؟ قال: وإن جهرت".

قال الفقير إلى عفو ربه: رواه البيهقي (1)، والدارقطني (2)، وقال:"هذا إسناد صحيح".

وفي قوله رحمه الله: "إسناد صحيح"؛ نظر لعدة أوجه؛ منها:

الأول: ضعف إسناده، فقد رواه الدّارقطني (1/ 317) فقال: حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا: ثنا أبو كريب: ثنا حفص بن غياث، عن الشيباني، عن جواب، عن يزيد بن شريط، قال:"سألت عمر عن القراءة خلف الإمام؟ فأمرني أن أقرأ، قال: قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت؟ قال: وإن جهرت".

وهذا إسناد رجاله ثقات سوى شيخ الدارقطني: محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي السوداني.

فقد ترجم له الحافظ الذهبي في "الميزان" فقال: "محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي الكوفي، عن علي بن المنذر الطريقي وجماعة تكلم فيه، وقيل: كان يؤمن بالرجعة، قاله أبو الحسن بن حماد الكوفي الحافظ وزاد فقال: ما روي له أصل، وقد حدث بكتاب "النهي" عن حسين بن نصر بن مزاحم ولم يكن له فيه سماع، قال: ومات سنة ست وعشرين وثلاثمائة، قلت: روى أيضًا عن أبي كريب، حدّث عنه الدارقطني ومحمد بن عبد الله القاضي الجحفي"(3).

وقال حمزة بن يوسف السهمي: "سألت أبا الحسن بن حماد الحافظ القرشي بالكوفة عن محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي؟ فقال: ليس

(1)"السنن الكبرى"(2/ 167).

(2)

"السنن"(1/ 317).

(3)

(6/ 305).

ص: 146

بشيء، وهو يعرف بالسوداني، وكان ابن عقدة يدخل عليه الحديث، وكان غاليا، وذكر أنه كان له ابن غالٍ، ما كان يخرج يده من كمه، ويقول: قد صافحت به الإمام، حتى نهاه عنه ابن عمر العلوي أمير الكوفة"، سؤالات حمزة بن يوسف السهمي للدارقطني وغيره من المشايخ (3 / - 69).

وترجم له الحافظ الذهبي في كتابه "المغني في الضعفاء" فقال: "محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، مشهور ضُغف، يقال: كان يؤمن بالرجعة، كذاب". (2/ 362).

ولا يعارض هذا التضعيف بما ترجم له الذهبي في "السير" بقوله: "الشيخ المحدث المعمر أبو عبد الله محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي الكوفي السوداني"(15/ 73)؛ لأن هذا لا يعد توثيقًا كما في سلم الجرح والتعديل، ثم إن الحافظ الذهبي قد ترجم لكثير من الضعفاء في "السير" ويصفهم بالشيخ والمحدث المعمر؛ مثل: أحمد بن عبد الجبار العطاردي، وهو ضعيف، بل اتُّهم بالكذب كما قال عنه مُطين، ومع هذا فقد ترجمه بقوله:"الشيخ المعمر المحدث أبو عمر أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عمير بن عطارد التميمي العطاردي الكوفي""السير"(13/ 55).

وأيضًا فإن الجرح المفسر مقدّم على التوثيق المجمل، كما تقرّر في علوم الحديث.

وقال العلّامة المعلمي اليماني: "ليس بثقة""الفوائد"(503).

وأيضًا؛ فإن حفص بن غياث أخطأ فيه وقد يكون دلسه كما عرف عنه، فقد رواه عن الشيباني عن جواب، عن يزيد، عن عمر.

-كما أخرجه الدارقطني هنا-، بينما في الطريق الآخر: رواه عن الشيباني عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر وجواب التيمي، عن الحارث بن سويد، عن يزيد، عن عمر، كما تراه في الوجه الثاني.

الثاني: شذوذ لفظة: "وإن جهرت" فقد رواها الدارقطني من طريق واهٍ كما سبق، ورواه -أيضًا- بإسناد أصلح من السابق فقال: "حدثنا أبو سعيد

ص: 147

الإصطخري الحسن بن أحمد من كتابه: ثنا محمد بن عبد الله بن نوفل: ثنا أبي: ثنا حفص بن غياث، عن أبي إسحاق الشيباني عن جواب التيمي وإبراهيم بن محمد بن المنتشر عن الحارث بن سويد عن يزيد بن شريك:"أنّه سأل عمر عن القراءة خلف الإمام؟ فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب، قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت؟ قال: وإن جهرت". رواته كلّهم ثقات". (1/ 316).

قلت: محمد بن عبد الله بن نوفل وأبيه، لم أجد لهما ترجمة، اللهم إلا قول الدارقطني:"رواته كلهم ثقات".

ورواه البيهقي (2/ 167)، والحاكم (1/ 365) قال: أنبأ أبو العباس محمد بن يعقوب: ثنا أحمد بن عبد الجبار: ثنا حفص بن غياث بمثله.

قلت: وأحمد بن عبد الجبار هو العطاردي، ضعيف كما في "التقريب".

وأفضل هذه الطرق: ما رواه البيهقي (2/ 167) من طريق الحاكم (1/ 365) قال: أنبأ أبو بكر بن إسحاق: أنبأ إبراهيم بن أبي طالب: ثنا أبو كريب: ثنا حفص بمثله.

وهذا الإسناد كما قال العلامة الألباني رحمه الله: "سنده صحيح""الضعيفة"(2/ 419)، لكنه شاذ:

فقد رواه البخاري في جزء "القراءة خلف الإمام"(16)، و"التاريخ الكبير" (8/ 340) قال:"وقال لنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن سليمان، عن جواب التيمي، عن يزيد بن شريك، قال: "سألت عمر بن الخطاب: أقرأ خلف الإمام؟ قال: نعم، قلت: وإن قرأت يا أمير المؤمنين؟ قال: وإن قرأت".

وقد تابع محمد بن يوسف عبد الرزاق في "مصنفه"(2/ 131) والحسين بن حفص عند البيهقي في "المعرفة"(3/ 85) و"القراءة خلف الإمام"(1/ 90).

ص: 148

ورواه ابن الجعد في "مسنده"(1/ 358) فقال: حدثنا عبد الله بن محمد: ثنا علي قال: أخبرنا هشيم عن الشيباني بمثله.

وهشيم هو ابن بشير المسلمي أبو معاوية، ثقة ثبت لكنّه كثير التدليس والإرسال الخفي، كما في "التقريب" لكنه قد صرح بالسماع من طريق سعيد بن منصور قال: ثنا هشيم قال: أنا أبو إسحاق الشيباني، أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 218)، وأيضًا من طريق ابن أبي شيبة (1/ 327) قال: نا هشيم قال: أخبرنا الشيباني.

فهذان إمامان حافظان، أوثق وأثبت من حفص بن غياث، قد خالفاه فلم يذكرا قوله:"وإن جهرت".

أحدهما: سفيان الثوري.

والآخر: هشيم بن بشير السلمي ثقة ثبت، كثير التدليس والإرسال الخفي.

أما حفص بن غياث النخعي، فثقة فقيه، تغير حفظه قليلًا في الآخر، كما في "التقريب" وعليه فهذه اللفظة شاذة، والصواب قوله:"وإن قرأت".

وليس الأمر كما قال الدارقطني: "رواه الشيباني عن جواب التيمي عن يزيد بن شريك، عن عمر، حدث به عن الشيباني جماعة منهم: سفيان الثوري، وخالد الواسطي، وهشيم، وشريك، وحفص بن غياث، فأما شريك وحفص؛ فزادا فيه زيادة حسنة، أغربا بها على أصحاب الشيباني وهي قوله: "وإن جهرت؟ قال: وإن جهرت" ولم يذكر الجهر غيرهما، وزيادتهما مقبولة لأنهما ثقتان""العلل"(2/ 225).

قلت: أمّا شريك: فهو أبو عبد الله القاضي؛ صدوق يخطئ كثيرًا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، كما في "التقريب" فهذه الزيادة في حال شريك تعد منكرة، لأن الراجح في حاله أنه: ضعيف.

أما في حال حفص فتعدُّ شاذة؛ لأنه قد خالف من هو أوثق منه -كما سبق-، ومما يدل على أن ذكرها وهم منه، ما ذكره البيهقي في "القراءة

ص: 149

خلف الإمام" (1/ 90) أن: "أبو بكر محمد بن إسحادق بن خزيمة رواه عن عبد الله بن سعيد الأشج عن حفص بإسناده: "أن عمر قال: اقرأ خلف الإمام وإن الرجعة، واقرأ فاتحة الكتاب وشيئًا، قلت: وإن كنت خلفك؟ قال: وإن كنت خلفي "، وهذا إسناد صحيح وفيه فائدتان:

الأولى: وهم حفص بن غياث في قوله: "وإن جهرت" -كما سبق بيانه-.

الثانية: أنّها في السرية دون الجهرية، بدليل قوله:"واقرأ فاتحة الكتاب وشيئًا"؛ وأيضًا؛ ما رواه ابن المنذر في "الأوسط"(3/ 109) قال: حدثنا يحيى بن محمد قال: ثنا الحجبي قال: ثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه، عن عباية بن رداد، قال:"كنّا نسير مع عمر بن الخطاب قال: لا تجوز صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها، قال: فقال رجل: يا أمير المؤمنين أرأيت إن كنت خلف إمام أو كان بين يدي إمام؟ قال. اقرأ في نفسك"؟

ورواه ابن سعد (6/ 147)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (1/ 91) من طريق شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، ورواه ابن المنذر (3/ 101)، وابن أبي شيبة (1/ 317) من طريق: الأعمش، عن خيثمة عن عباية بن ربعي بمثله ولفظ ابن أبي شيبة:"وآيتين فصاعدًا".

وهذا إسناد رجاله ثقات سوى عباية بن ربعي وعباية بن رداد، وهما شخص واحد.

قال الإمام أحمد، عن عباية بن رداد:"هو عباية بن ربعي"، "العلل ومعرفة الرجال"(2/ 170).

وقال البيهقي: "وعباية بن رداد وعباية بن ربعي واحد، إلّا أن محمد بن المنتشر يقول له: عباية بن رداد، وخيثمة بن عبد الرحمن وسلمة بن كهيل يقولان: عباية بن ربعي، قاله البخاري في "التاريخ" (1).

(1)"القراءة خلف الإمام"(1/ 92).

ص: 150

وعباية بن ربعي، قال أبو حاتم عنه:"شيخ" وهي عبارة تعديل لا جرح، قال أبو حاتم:"ووجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى: وإذا قيل للواحد: إنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه، وإذا قيل له: أنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية، وإذا قيل: شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية""الجرح والتعديل"(2/ 37).

وهذا القول من عمر: "لا تجوز صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها".

وفي لفظ ابن أبي شيبة: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فصاعدًا".

نظير قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدًا" مسلم (394).

فهذا يدل على أنّ المراد بالقراءة: هي قراءة الإمام والمنفرد والمأموم في السرية كما تقرر في كلام شيخ الإسلام؛ والله أعلم.

الثالث: ما ثبت عن عمر في النهي عن القراءة خلف الإمام.

وذلك بما رواه ابن أبي شيبة (1/ 330) قال: حدَّثنا ابن علية عن أيوب، عن نافع، وأنس بن سيرين.

قال: قال عمر بن الخطاب: "تكفيك قراءة الإمام".

وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع، فكلًا من نافع وأنس لم يدركا عمر رضي الله عنه.

ولكن بمتابعة أحدهما للآخر ما يدل على اشتهاره عنه رضي الله عنه ويشهد له: ما رواه عبد الرزاق (2/ 138): عن داود بن قيس، عن محمد بن عجلان قال:"قال علي: من قرأ مع الإمام فليس على الفطرة؛ قال: وقال ابن مسعود: ملئ فوه ترابًا؛ قال: وقال عمر بن الخطاب: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه حجر".

ص: 151

قال ابن عبد البر: وقال مالك: الأمر عندنا، أنّه لا يقرأ مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة، فهذا يدلك على أن هذا عمل موروث بالمدينة "التمهيد"(11/ 34).

وأما ما رواه البيهقي في "القراءة خلف الإمام"(1/ 91) من طريق عبد الرزاق (2/ 131): عن ابن التيمي، عن ليث، عن أشعث، عن أبي يزيد، عن الحارث بن سويد، ويزيد التيمي قالا:"أمرنا عمر بن الخطاب أن نقرأ خلف الإمام"؛ فضعيف جدًّا، في إسناده: أشعث بن سوار والليث بن أبي سليم، وكلاهما ضعيفان، هذا والله سبحانه وتعالى أعلم-.

134 -

قال الْمصَنِّف (1):

"وأما حديث جابر في هذا الباب: فهو من قوله، ولم يرفعه إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم -كما في "الترمذي"، و"الموطأ" وغيرهما-، وقول الصحابي لا تقوم به حجّة، فلم يبق هاهنا ما يدل غلى منع قراءة المؤتمّ خلف الإمام حال قراءته؛ إلا الآية الكريمة، وحديث: "إذا قرأ فأنصتوا"، وهما عامان كما عرفت".

قال الفقير إلى عفو ربه:

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وأيضًا فهذا عموم قد خص منه المسبوق، بحديث أبي بكرة، وخص منه الصلاة بإمامين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا صلى بالناس وقد سبقه أبو بكر ببعض الصلاة؛ قرأ من حيث انتهى أبو بكر، ولم يستأنف قراءة الفاتحة؛ لأنه بنى على صلاة أبي بكر، فإذا سقطت عنه الفاتحة في هذا الموضع؛ فعن المأموم أولى وخص منه حال العذر، وحال استماع الإمام حال عذر، فهو مخصوص، وأمر المأموم بالإنصات لقراءة الإمام لم يخص معه شيء -لا بنص خاص، ولا إجماع- وإذا تعارض عمومان: أحدهما محفوظ، والآخر مخصوص، وجب تقديم المحفوظ"(2).

(1)(1/ 270).

(2)

"مجموع الفتاوى"(23/ 290).

ص: 152

135 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي يفعلها المصلي في التشهد: فقد وردت بألفاظ، وكل ما صخ منه أجزأ، ومن أصح ما ورد؛ ما ثبت في "الصحيح" بلفظ: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد"؛ وزاد في "الحجة":"اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".

قال الفقير إلى عفو ربه: رواه الىشيخان، البخاري (6357)، مسلم (908).

136 -

قال الْمصَنِّف (2):

"قلت: عامة أهل العلم على أن الصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم مستحبة في التشهد الأخير غير واجبة، وإلى هذا يشير لفظ ابن عمرو وعائشة في باب التشهّد، وأن التشهد الأول ليس محلًا لها، وذهب الشافعي -وحده- إلى وجوبها في التشهد الأخير، فإن لم يصل لم تصح صلاته، وإلى استحبابها في التشهد الأول".

قال الفقير إلى عفو ربه: في مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول نظر لعدد من الأدلة:

الأول: قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، قال: حدثني أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط الصلاة وفي آخرها، عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي، عن أبيه، عن عبد الله بن

(1)(1/ 271).

(2)

(1/ 272).

ص: 153

مسعود، قال:"علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها، فكنا نحفظ عن عبد الله حين أخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه إياه. قال: "فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة، وفي آخرها على وركه اليسرى:

"التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيّها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".

قال: "ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها، دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلّم"(1).

وهذا إسناد حسن كما ترى، ومما يدل على أنّ ابن إسحاق جوده: ما يأتي من آثار من عمل الصحابة.

الثاني: ما رواه ابن أبي شيبة (2)، حدثنا جرير، عن منصور، عن تميم بن سلمة، قال:"كان أبو بكر إذا جلس في الركعتين كأنه على الرضف، يعني حتى يقوم" وهذا إسناد صحيح، وقد رواه الترمذي (3) وغيره مرفوعًا من حديث ابن مسعود، ولكنّه منقطع بين أبي عبيدة، وابن مسعود.

الثالث: ما رواه ابن أبي شيبة (4): حدثنا ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن عياض بن مسلم، عن ابن عمر أنّه كان يقول:"ما جعلت الراحة في الركعتين إلا للتشهد".

وأما ما استدلّ به أبو عبد الرحمن -الألباني رحمه الله (5)، من حديث عبد الله بن مسعود قال: "كّنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين، غير أن نسبح، ونكبر، ونحمد ربنا، وإن محمدًا صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وخواتمه، فقال:

(1)"المسند"(1/ 459).

(2)

"الترمذي"(1/ 263).

(3)

(366).

(4)

"المصنف"(1/ 330).

(5)

في "السلسلة الصحيحة"(2/ 878).

ص: 154

"إذا قعدْتُم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيُّها النبي ورحمه الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ووسوله، ثم ليتخيّر من الدعاء أعجبه إليه".

فقال رحمه الله: "وفي الحديث فائدة هامة: وهي مشروعية الدعاء في التشهد الأول، ولم أر من الأئمة من قال به غير ابن حزم، والصواب معه"(1).

ولا يخفى أن هذا الحديث فيه إجمال، فإن قوله:"ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه" يحتمل أن يعود على كلا التشهدين أو على التشهد الأخير.

وإذا كان الأمر كذلك فإن البيان والتّفصيل يطلب من أدلّة أخرى، وقد ثبت في مسلم (2) من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير؛ فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجّال".

ثم إن الرواية السابقة من حديث ابن مسعود المفضلة وهكذا عمل الصحابة: يدل على أن السنة هي الاقتصار على التشهد في الجلوس الأول، وقد قال بمشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول: أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن باز الإمام، فهو مما اتفق عليه الإمامان.

قال الفقير إلى عفو ربه: ومما يرجح ما ذكرته ويوضحه ما رواه أبو داود (3)، وأحمد (4) بإسناد جيد، عن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:

(1) المصدر السابق.

(2)

(1326).

(3)

"السنن"(1522).

(4)

"المسند"(5/ 245).

ص: 155

"أوصيك يا معاذ، لا تدعن دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك".

فهذا صريح في أن موطن الدعاء بعد التشهد الأخير. قال أهل العلم: "دبر الشيء، آخره".

وأما ما رواه مسلم (1) من حديث عائشة في وصفها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولها: "ويصلى تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلى التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا".

وجه الدلالة: أن المستدل جعل جلوسه في الثامنة بمنزلة التشهد الأول، وأنه كان يدعو فيه.

والجواب على هذا من وجهين:

الأول: أن هذا الحديث وارد في صلاة الليل، بل في صفة من صفاتها، ومن المجزوم به أنه ليس كل ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل يفعله في الفريضة أو في نافلة النهار، مما يدل على اختصاصه بصلاة الليل، وذلك مثل: طول القيام، والركوع، والسجود، والوصل بين الركعات أحيانًا، والفصل بينها، وقوله بعد الوتر: سبحان الملك القدّوس، ثلاثًا.

الثاني: أنا لا نسلم أن جلوسه في الثامنة بمنزلة التشهد الأول، فإن هذا من باب القياس، ولا قياس في العبادات.

137 -

قال المصنف (2):

"وهي الرفع في المواضع الأربعة: أي: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الاعتدال من الركوع، هذه الثلاثة المواضع في كل ركعة،

(1)(1739).

(2)

(1/ 277).

ص: 156

والموضع الرابع عند القيام إلى الركعة الثالثة، فقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.

أما عند التكبير فقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوُ خمسين رجلًا من الصحابة، منهم العشرة المبشرة بالجنة، ورواه كثير من الأئمة عن جميع الصحابة من غير استثناء.

وقال الشافعي: روى الرفعَ جمعٌ من الصحابة، لعلّه لم يرد قط حديث بعدد أكثر منهم.

وقال ابن المنذر: لم يختلف أهل العلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه.

وقال البخاري في "جزء رفع اليدين": روى الرفعَ تسعةَ عشرَ نفسًا من الصَحابة.

وسرد البيهقي في "السنن" وفي "الخلافيات" أسماء من روى الرّفع؛ نحوًا من ثلاثين صحابيًّا.

وقال الحسن، وحميد بن هلال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم، ولم يستثن أحدًا منهم، كذا في "التلخيص".

وقال النووي في "شرح مسلم": إنها أجمعت على ذلك عند تكبيرة الإحرام، وإنما اختلفوا فيما عدا ذلك، وقد ذهب إلى وجوبه داود الظاهري، وأبو الحسن أحمد بن سيار، والنيسابوري، والأوزاعي، والحميدي، وابن خزيمة.

وأما الرفع عند الركوع وعند الاعتدال منه: فقد رواه زيادةٌ على عشرين رجلًا من الصّحابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال محمد بن نصر المروزي: إنه أجمع علماء الأمصار على ذلك إلا أهل الكوفة.

ص: 157

وأما الرفع عند القيام إلى الركعة الثالثة: فهو ثابت في "الصحيح" من حديث ابن عمر، وأخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي -وصححه-، وصححه أيضًا أحمد بن حنبل من حديث علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي "حجّة الله البالغة": فإذا أراد أن يركع رفع يديه حذو منكبيه وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع، ولا يفعل ذلك في السجود، وهو من الهيئات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم مرة وتركها أخرى، والكل سُنة، وأخذ بكل واحد جماعة من الصحابة، والتابعين ومن بعدهم.

وهذا أحد المواضع التي اختلف فيها الفريقان: أهل المدينة، وأهل الكوفة، ولكل واحد أصل أصيل، والحق عندي في مثل ذلك أن الكل سُنة، ونظيره الوتر بركعة واحدة، أو بثلاث، والذي يرفع أحب إلي ممن لا يرفع؛ فإن أحاديث الرفع أكثر وأثبت، غير أنه لا ينبغي لإنسان في مثل هذه الصور، أن يثير على نفسه فتنة عوام بلده، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"لولا حِدثان قومك بالكفر لنقضت الكعبة"؛ ولا يبعد أن يكون ابن مسعود رضي الله عنه ظن أنّ السنة المتقرّرة آخرًا هو تركه لما تلقن من أن مبنى الصلاة على سكون الأطراف، ولم يظهر له أن الرفع فعل تعظيمي، ولذلك ابتُدئ به في الصلاة، أو لما تلقن من أنه فِعْل ينبئ عن الترك، فلا يناسِبُ كونه في أثناء الصلاة، ولم يظهر له أن تجديد التنبيه لترك ما سوى الله -تعالى- عند كل فعل أصْلِي من الصلاة مطلوب، والله -تعالى- أعلم.

قوله: لا يفعل ذلك في السجود، أقول: القَومَةُ شُرِعت فارقةَ بين الركوع والسجود، فالرفع معها رفع للسجود، فلا معنى للتكرار، انتهى بحروفه".

قال الفقير إلى عفو ربه: أما رفع اليدين مع الركوع والرفع منه والقيام من التشهد الأول فهي سنة دائمة.

رواه جمع من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما رفع اليدين في السجود

ص: 158

فقد نفاه ابن عمر كما في البخاري (1)، وورد في ثلاثة أحاديث عند أهل "السنن": عن أبي هريرة، ووائل بن حجر، وأنس.

والجمع بينها وبين نفي ابن عمر: أن يقال: إنها من السنن التي تفعل تارة وتترك تارة.

وأما كون ابن مسعود لا يرفع إلا مع تكبيرة الإحرام فلا يستغرب أن يخفى عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم في رفع يديه في المواضع الثلاثة الأخرى، كما خفي عليه سنة وضع اليدين على الركب، فإنه كان يطبق بعد النبي صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى ردنا عند التنازع إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

138 -

قال الْمصَنِّف (2):

"أقول: قد وقع الخلاف في البسملة من جهات:

الأولى: في كونها قرآنًا في كل سورة أم لا؟

الثانية: في قراءتها في الصلاة، أو سرًّا في السرية وجهرًا في الجهريّة؟

ولأهل العلم في كل طرف من هذه الأطراف خلاف طويل ومنازعات كثيرة والقراء منهم من يقرؤها في أول سورة، ومنهم من لا يقرأها".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال أبو العباس: "المداومة على الجهر بها بدعة مخالفة للسُّنة الصحيحة الصريحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف.

والأحاديث الصريحة في الجهر بها كلها موضوعة، وذكر الطحاوي أن ترك الجهر بالبسملة في الصلاة تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وذكر الشيخ أنه يستحب الجهر بها للتأليف، وأنه يستحب الجهر بها وبالتعوذ، والفاتحة في الجنازة ونحوها تعليمًا للسنة" (3).

(1)(735).

(2)

(1/ 292).

(3)

"الأحكام" للعلامة عبد الرحمن بن قاسم (1/ 211).

ص: 159

"وقال أيضًا: البسملة آية من كتاب الله في أول كل سورة سوى براءة وليست من السور علي المنصوص وهو أوسط الأقوال وأعدلها وبه تجتمع الأدلة"(1).

ولم ينفرد الشيخ بالحكم على المداومة بها بالبدعة، بل سبقه إلى ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن مغفل فقد روى الترمذي (2)، من طريق قيس بن عباية، عن ابن عبد الله بن مغفل، قال:"سمعني أبي وأنا في الصلاة أقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقال لي: أي بني محدَث، إيّاك والحدث، قال: ولم أر أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر، ومع عثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقولها، فلا تقلها، إذا أنت صليت فقل: الحمد لله رب العالمين".

قال الزيلعي: "وبالجملة فهذا حديث صريح -أيضًا- في عدم الجهر بالتسمية، وهو إن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن"(3).

وأما إعلاله بابن عبد الله بن مغفل، فليس بشيء، قال الحافظ:"وقع في رواية للطبراني عن يزيد بن عبد الله بن مغفل وهو كذلك في "مسند أبي حنيفة" (4) وهو أيضًا في "مسند الإمام أحمد" (5).

139 -

قال الْمُصَنِّف (6):

"أما التأمين: فقد ورد به نحو سبعة عشر حديثًا، وربما تفيد أحاديث الوجوب على المؤتم إذا أمن إمامه، كما في حديث أبي هريرة في

(1)"الأحكام" للعلَّامة عبد الرحمن بن قاسم (1/ 212).

(2)

"السنن"(244).

(3)

"نصب الراية"(1/ 333).

(4)

"الدراية"(1/ 132).

(5)

(4/ 85).

(6)

(1/ 295).

ص: 160

"الصحيحين" وغيرهما بلفظ: "إذا أمن الإمام فأمنوا"؛ فيكون ما في المتن مقيدًا بغير المؤتم إذا أمن إمامه.

وقد ذهب إلى مشروعيته جمهور أهل العلم.

ومما يؤكد مشروعيته: أن فيه إغاظة لليهود؛ لما أخرجه أحمد وابن ماجه، والطبراني من حديث عائشة مرفوعًا:"ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول: "آمين".

قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": "السنة المحكمة الصحيحة؛ الجهر بآمين في الصلاة؛ كقوله في "الصحيحين": "إذا أمَّن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِر له"، ولولا جهره بالتأمين؛ لما أمكن المأموم أن يؤمن معه ويوافقه في الأصل بالتأمين.

وأصرح من هذا؛ حديث سفيان الثوري، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن حُجر بن عَنْبَس، عن وائل بن حُجْر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: " {وَلَا الضَّالِّينَ} "؛ قال: "آمين"، ورفع بها صوته.

وفي لفظ: وطول بها؛ رواه الترمذي وغيره وإسناده صحيح.

وقد خالف شعبةُ سفيانَ في هذا الحديث، فقال: وخفض بها صوته.

وحكم أئمة الحديثِ، وحُفظُه في هذا لسفيان؛ فقال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث سفيان الثوري، عن سلمة بن كُهَيل في هذا الباب؛ أصح من حديث شعبة، وأخطأ شعبة في هذا الحديث في مواضع، فقال: عن حجر أبي العنبس! وإنما كنيته: أبو السكن، وزاد فيه: عن علقمة بن وائل! وإنما هو: حجر بن عنْبس، عن وائل بن حجْر؛ ليس فيه: علقمة، وقال: وخفض بها صوته، والصحيح: أنه جهر بها.

قال الترمذي: سألت أبا زرعة عن حديث سفيان وشعبة، إذا اختلفا؟ فقال: القول قول سفيان

، إلى قوله:

"فَرُدَّ هذا كله بقوله -تعالى-: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ، والذي نزلت عليه هذه الآية؛ هو الذي رفع صوته بالتأمين،

ص: 161

والذين أمروا بها؛ رفعوا به أصواتهم، ولا معارضة بين هذه الآية والسنة بوجه ما". اهـ.

ثم أطال ابن القيم في بيان أدلة ترجيح هذه السنة وتقريرها، تركنا ذكرها مخافة الإطالة.

وفي "تنوير العينين" يظهر -بعد التعمق في الروايات والتّحقيق- أن الجهر بالتأمين أولى من خفضه، لأن رواية جهره أكثر وأوضح من خفضه".

قال الفقير إلى عفو ربه: وأصرح من هذا ما ثبت عن ابن الزبير، فقد روى عبد الرزاق (1)، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: "كان ابن الزبير يقول: آمين، ومن خلفه حتى إن للمسجد للجة؟ قال: نعم".

140 -

قال الْمصَنِّف (2):

"وقراءة غير الفاتحة معها: لما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر؛ في الأوّليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الآخريين بفاتحة الكتاب.

وورد ما يُشعر بوجوب قرآن مع الفاتحة من غير تعيين، كحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج، فينادي:"لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد"، أخرجه أحمد، وأبو داود؛ وفي إسناده مقال!

ولكنه قد أخرج مسلم في "صحيحه" وغيره من حديث عبادة بن الصامت بلفظ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدًا"؛ وقد أعلها البخاري في "جزء القراءة".

وأخرج أبو داود من حديث أبي سعيد بلفظ: أُمِرْنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر.

(1)(2/ 96).

(2)

(1/ 296).

ص: 162

- قال ابن سيد النّاس: وإسناده صحيح ورجاله ثقات.

- وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح.

وأخرج ابن ماجه من حديث أبي سعيد بلفظ: "لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بـ {الحمد} وسورة "وهو حديث ضعيف".

قال الفقير إلى عفو ربه: وإعلال البخاري إنما هو لأجل تفرد معمر قال شيخ الإسلام: "قال البخاري: وقال معمر عن الزهري: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدًا" وعامة الثقات لم يتابع معمرًا في قوله: "فصاعدًا" مع أنه قد أثبت فاتحة الكتاب .... ولكن هب أنها ليست في حديث عبادة فهي في حديث أبي هريرة"(1).

قال الفقير إلى عفو ربه: قد فات هذين الإمامين متابعة سفيان بن عيينة لمعمر، قال أبو داود (2): حدثنا قتيبة بن سعيد، وابن السرح قالا: حدثنا سفيان، عن الزهري عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدًا".

قال سفيان: لمن يصلي وحده".

وثمرة هذه الزيادة الثابتة ما قرره أبو العباس حيث قال: "وهذا يدل على أنه ليس المراد به قراءة المأموم حال سماعه لجهر الإمام، فإن أحدًا لا يقول أن زيادته على الفاتحة، وترك إنصاته لقراءة الإمام في هذه الحال خير ولا أن المأموم مأمور حال الجهر بقراءة زائدة على الفاتحة، وكذلك عللها البخاري في حديث عبادة، فإنها تدل على أن المأموم مستمع لم يدخل في الحديث"(3).

141 -

قال الْمصنِّف (4):

"وهذه الأحاديث لا تقصر عن إفادة إيجاب قرآن مع الفاتحة من غير

(1)"مجموع الفتاوى"(23/ 288).

(2)

"السنن"(822).

(3)

"الفتاوى"(23/ 289).

(4)

(1/ 296).

ص: 163

تقييد، بل مجرد الآية الواحدة يكفي وأمَّا زيادة على ذلك -كقراءة سورة مع الفاتحة في كل ركعة من الأولتينِ-؛ فليس بواجب، فيكون ما في المتن مقيدًا بما فوق الآية".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: "قال مسدد: حدثنا يحيى عن عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة قال: "من قرأ في المكتوبة بفاتحة الكتاب أجزأ عنه، وإن زاد معها شيئًا فهو أحب إلي" (1) وتقدمت الإشارة إلى رواية البخاري.

142 -

قال الْمُصَنف (2):

"ويشكل على ذلك قول ابن مسعود: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد، الحديث فإن هذه العبارة تدل على أن التشهد من المفترضات ويمكن أن يقال: إن فهم ابن مسعود للفرضية لا يستلزم أن يكون الأمر كذلك؛ لأنه من مجالات الاجتهادات، واجتهاده ليس بحجة على أحد".

قال الفقير إلى عفو ربه:

في هذا الكلام نظر من وجهين:

الأول: أن قوله: "قبل أن يفرض علينا التشهد" صريح في رفعه إلى النبيَ صلى الله عليه وسلم فإن قول الراوي: "أمرنا، أو نهينا، أو كنا نفعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فرض علينا".

كله له حكم الرفع كما هو مقرّر في علوم الحديث وأُصول الفقه.

الثاني: هب أنَّ قوله: "قبل أن يفرض علينا التشهد" من فهم ابن

(1)"المطالب العالية"(1/ 108).

(2)

(1/ 298).

ص: 164

مسعود، فهل خالفه أحد من الصحابة في هذا الفهم؟ ثم إن كان العلم كله مبنيًّا على الفهم؛ فأيهما أولى به ابن مسعود وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم من جاء بعدهم؟ وقد قال -تعالى-:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} فمن جاء بعدهم فهو تابع لهم في فهم هذا الدين.

نعم قد يستفاد من أثر ابن مسعود رضي الله عنه عدم وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير.

143 -

قال الْمُصَنف (1):

"قال ابن عباس: "كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير".

قال الفقير إلى عفو ربه: في حديث ابن عباس لطيفة ينبغي الوقوف عندها، وهي: أن راويَه عن ابن عباس -مولاه أبا معبدٍ- أنكر روايته له بهذا اللفظ، فقد روى مسلم (2): حدثنا ابن أبي عمر: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد -مولى ابن عباس- أنه سمعه يخبر عن ابن عباس قال:"ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير".

قال عمرو: فذكرت ذلك لأبي معبد فأنكره، وقال: لم أحدثك بهذا، قال عمرو: وقد أخبرنيه قبل ذلك".

وهكذا رواه الإمام أحمد في "المسند"(3).

(1)(1/ 303).

(2)

(1317).

(3)

(3/ 193).

ص: 165

وممّا يدل على أن رفع الصوت بالتكبير أدبار الصلوات ليس بمشروع إلا في مواطن معلومه في الحج: حديث أبي هريرة الذي أخرجه الشيخان (1): "أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال: وما ذاك؟ قالوا: يصلّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ " قالوا: بلى، يا رسول الله! قال:"تسبحون وتكبرون وتحمدون في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة" قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".

فإنَّ فيه فائدتين:

الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع صوته بالتكبير لأنه لو كان يرفع صوته به لأخذه الأغنياء منه مباشرة لا من الفقراء.

الثانية: أنهم لو كانوا يجهرون به ما احتاجوا أن يخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأغنياء علموا.

وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة، وحمل بعضهم ما وود في حديث ابن عباس على التعليم.

ثم إن الأصل في الذكر والدعاء خفض الصّوت والإسرار، كما دل على ذلك بضعة عشر دليلًا ذكر جملة منها شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى"(2).

(1) البخاري (843)، مسلم (1347).

(2)

(15/ 16).

ص: 166

144 -

قال المصنف (1):

"ولا خلاف بين أهل العلم أن من تكلّم عامدًا عالمًا فسدت صلاته، وإنما الخلاف في كلام الساهي ومن لم يعلم بأنه ممنوع.

فأما من لم يعلم؛ فظاهر حديث معاوية بن الحكم السلَمي الثّابت في "الصحيح" أنه لا يعيد، وقد كان شأنه صلى الله عليه وسلم أن لا يُحَرج على الجاهل، ولا يأمره بالقضاء في غالب الأحوال، بل يقتصر على تعليمه وعلى إخباره بعدم جواز ما وقع منه، وقد يأمره بالإعادة كما في حديث المسيء.

وأما كلام الساهي والناسي، فالظاهر أنه لا فرق بينه وبين العامد العالم في إبطال الصلاة.

قال أبو حنيفة: كلام الناسي يبطل الصلاة، وحديث أبي هريرة كان قبل تحريم الكلام ثم نسخ.

وفيه بحث؛ لأن تحريم الكلام كان بمكّة، وهذه القصة بالمدينة.

وقال الشافعي: كلام الناسي لا يبطل الصلاة، وكلام العامد يبطلها ولو قل، وتأويل الحديث عنده: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ناسيًا، بانيًا كلامه على أن الصلاة تمت وهو نَسيان، وكلام ذي اليدين على توهم قَصْرِ الصلاةِ؛ فكان حكمه حكم النَّاسي، وكلام القوم كان جوابًا للرسول، وإجابة الرسول لا تُبْطل الصلاة.

وقال مالك: إن كان كلام العمدم يسيرًا لإصلاح الصلاة لا يبطل، مثل أن يقال: لم تكمل، فيقول: قد أكملت، وحديث: نُهينا عن الكلام، و:"لا تكلموا": خُصَّ منه هذا النوع من الكلام، كذا في "المسوى".

أقول: أما فساد صلاة من تكلَّم ساهيًا؛ فلا أعرف دليلًا يدل عليه؛ إلا عموم حديث النهي عن الكلام، وهو مخصص بمثل حديث تكلمه صلى الله عليه وسلم بعد أن سلم على ركعتين، كما في حديث ذي اليدين، فإنه تكلم في تلك

(1)(1/ 305).

ص: 167

الحال ساهيًا عن كونه مصليًا، وهو المراد بكلام الساهي؛ لأن المراد إصدار الكلام من غير قصد.

فإن قيل: إن ثم فرقًا بين من تكلم وهو داخل الصلاة لم يخرج منها، وبين من تكلم وقد خرج منها ساهيًا؛ فإن الأول أوقع الكلام حال الصلاة، والآخر أوقعه خارجها، واعتداده بما قد فعله قبل الخروج ساهيًا؛ لا يوجب كونه بعد الخروج قبل الرجوع في صلاة؛ وأدل دليل على ذلك: تكبيره للدخول بعد الخروج سهوًا.

فيقال: الأدلّة الواردة في رفع الخطاب عن الساهي مخصصة لذلك العموم، فاقتضى ذلك أن المُفْسِد هو كلام العامد لا كلام السّاهي.

أما عدم أمره لمعاوية بن الحكم بالإعادة -كما في الحديث-: فيمكن أن يكون لتنزيل كلام الجاهل بالتحريم منزلة كلام الساهي، ويمكن أن يكون الجهل عذرًا بمجرده".

قال الفقير إلى عفو ربه:

قال شيخ الإسلام: "والمقصود هنا: أنه إذا ثبت أن حديث ذي اليدين محكم: ثبت به أن مثل ذلك الكلام والفعال لا يبطل الصلاة، وهنا أقوال في مذهب أحمد وغيره، فعنه أن كلام الناسي والمخطئ لا يبطل، وهذا قول مالك والشافعي، وهو أقوى الأقوال، وممّا يؤيده حديث معاوية بن الحكم السلمي لما شمت العاطس في الصلاة، فلما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين" ولم يأمره بالإعادة، وهذا كان جاهلًا بتحريم الكلام، وفي الجاهل لأصحاب أحمد طريقان:

أحدهما: أنه كالناسي.

والثاني: أنه لا تبطل صلاته وإن بطلت صلاة الناسي، لأن النسخ لا يثبت حكمه إلا بعد العلم بالناسخ.

وهذا الفرق ضعيف هنا، لأن هذا إنما يكون فيمن تمسك بالمنسوخ

ص: 168

ولم يبلغه الناسخ كما كان أهل قباء، وأما هنا فلم يكن بلغه المنسوخ بحال.

فالنهي في حقه حكم مبتدأ، لكن هل يثبت الحكم في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب؟ فيه ثلاثة أقوال لأصحاب أحمد وغيرهم:

أحدها: أنه يثبت مطلقًا.

والثاني: لا يثبت مطلقًا.

والثالث: الفرق بين الحكم الناسخ والحكم المبتدأ.

وعلى هذا يقال: الجاهل لم يبلغه حكم الخطاب، وقد يفرق بين الناسي والجاهل: ألا ترى من نام عن صلاة أو نسيها؛ فإنه يعيدها باتّفاق المسلمين؟ وكذلك من ترك شيئًا من فروضها نسيانًا ثم ذكر قبل أن يذكر أنه صلى بلا وضوء، أو ترك القراءة أو الركوع ونحو ذلك فإنّه يعيد، وأما من نسي واجبًا كالتشهّد الأوّل فإنه يسجد قبل السلام، فإن تعمد تركه ففي بطلان صلاته، وجهان: أشهرهما تبطل، ولو نسيه مطلقًا لم تبطل صلاته، فهنا قد أثر النسيان في سقوط الواجب مطلقًا.

وأما الجاهل فلو صلى غير عالم بوجوب الوضوء من لحم الإبل أو صلى في مباركها غير عالم بالنهي ثم بلغه ففي الإعادة روايتان، لكن الأظهر في الحجّة أنه لا يعيد، كما قد بسطناه في غير هذا الموضع" (1).

145 -

قال الْمصَنف (2):

"وتسقط عمن عجز عن الإشارة: لأن إيجابها على المريض مع بلوغه إلى ذلك الحد؛ هو من تكليف ما لا يطاق، ولم يكلّف الله -تعالى- أحدًا فوق طاقته".

(1)"مجموع الفتاوى"(21/ 160).

(2)

(1/ 311).

ص: 169

قال الفقير إلى عفو ربه: وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، انظر "الاختيارات"(72).

146 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وإن أراد هذه الصفة هي إحدى صفات الوتر: فنحن نقول بموجب ذلك، فقد روى: الإيتار بثلاث كما أوضح ذلك الماتن رحمه الله في "شرح المنتقى"، فتعارضت رواية الثلاث ورواية النهي".

قال الفقير إلى عفو ربه: روى ابن أبي شيبة (2): ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سليمان بن حيان، عن أبي غالب قال:"كان أبو أمامة يوتر بثلاث ركعات".

وروى أيضًا (3) من طريق: سعيد بن عبيد السباق عن المسور بن مخرمة قال: "دفنا أبا بكر ليلًا، فقال عمر: إني لم أوتر، فقام وصففنا وراءه فصلى بنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن".

وروى ابن المنذر (4): حدَّثنا علي بن عبد العزيز: ثنا عارم: ثنا حماد بن زيد: ثنا أبو هارون الغنوي، سمعت حطان بن عبد الله الرقاشي، سمعت عليًّا قال:"الوتر ثلاثة"(5).

147 -

قال الْمُصَنِّف (6):

"وتحية المسجد: لحديث: "إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"؛ أخرجه الجماعة من حديث أبي قتادة، وفي ذلك أحاديث كثيرة.

(1)(1/ 321).

(2)

"المصنف"(2/ 293).

(3)

"المصنف"(2/ 293).

(4)

"الأوسط"(5/ 181).

(5)

وانظر لمزيد فائدة "مختصر قيام الليل" للمروزي (ص 294).

(6)

(1/ 321).

ص: 170

وقد وقع الاتفاق على مشروعية تحية المسجد، وذهب أهل الظاهر إلى أنهما واجبتان، وذلك غير بعيد".

قال الفقير إلى عفو ربه: وهو الصواب انظر "النكتة"(180).

148 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"لا يزيد على ذلك ولا ينقص: "أفلح -وأبيه- إن صدق".

قال الفقير إلى عفو ربه:

قال الألباني رحمه الله: "قوله: "وأبيه" شاذ -عندي- في هذا الحديث وغيره؛ كما حققته في "الأحاديث الضعيفة" (4992) فإن صح؛ فهو محمول على أنه كان قبل النهي عن الحلف بغير الله عز وجل"(2).

149 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"فمن أنواع الحرج: ليلة ذات برد ومطر، ويستحب عند ذلك قول المؤذن: ألا صلوا في الرحال".

قال الفقير إلى عفو ربه: ولي في هذا ورقات جمعت فيها أحاديث الأذان بالصّلاة في الرحال سمّيتها "الصلاة في الرحال عند تغير الأحوال".

150 -

قال الْمُصَنِّف (4):

وحديث: "لا تؤخّر الصلاة لطعام ولا غيره".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال المنذري: "في إسناده: محمد بن ميمون أبو النصر الكوفي الزعفراني المفلوج، قال أبو حاتم الرازي: لا بأس به، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال الدارقطني: ليس به بأس، وقال البخاري:

(1)(1/ 325).

(2)

"مختصر صحيح مسلم"(21).

(3)

(1/ 326).

(4)

(1/ 326).

ص: 171

منكر الحديث، وقال أبو زرعة الرازي: كوفي لين، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًّا، لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات بالأشياء المستقيمة، فكيف إذا انفرد بأوابده" (1).

151 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"وبين ما حكم به جمهور الصحابة من منعهن".

قال الفقير إلى عفو ربه: هذه دعوى لا دليل عليها، فلم ينقل عن صحابي واحد منع النساء من الصلاة في المسجد، وإنما نقل ذلك عن بلال بن عبد الله بن عمر، وأنكره عليه أبوه بشدة (3).

152 -

قال الْمصَنِّف (4):

"والأولى أن يكون الإمام من الخيار: لحديث ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا أئمتكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم"، رواه الدارقطني".

قال الفقير إلى عفو ربه: والبيهقي (5) من طريق: حسين بن نصر، ثنا: سلام بن سليمان: ثنا عمر بن عبد الرحمن بن يزيد، عن محمد بن واسع، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر به، وقال:"إسناده ضعيف".

وقال ابن القطان: "وحسين بن نصر لا يعرف"(6)، وقال ابن عدي عن عمر بن عبد الرحمن المدائني:"منكر الحديث"(7)، وقال الحافظ:"ضعيف".

(1)"مختصر السنن"(5/ 296).

(2)

(1/ 327).

(3)

"مسلم"(989).

(4)

(1/ 329).

(5)

"السنن الكبرى"(3/ 90).

(6)

"التعليق المغني على الدارقطني" لأبي الطيب العظيم آبادي (2/ 88).

(7)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(5/ 1687).

ص: 172

تنبيه:

وهم المؤلف في جعله هذا الحديث من "مسند ابن عباس" -عند الدارقطني-، والصواب: أنه من "مسند ابن عمر".

153 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "صلوا خلف كل بر وفاجر".

قال الفقير إلى عفو ربه: رواه الدارقطني (2) من طريق: معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن أبي هريرة به.

وقال: "مكحول لم يسمع من أبي هريرة ومن دونه ثقات".

ويغني عنه: "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن اخطأوا فلكم وعليهم"(3).

154 -

قال الْمُصَنف (4):

"مثل حديث: "يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فعلى أنفسهم" أو كما قال -وهو حديث صحيح".

قال الفقير إلى عفو ربه: رواه البخاري (694).

155 -

قال الْمُصَنِّف (5):

"فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد أبي بكر، وعتاب بن أسيد، وهما بالنسبة إليه لا يعدّان شيئًا".

(1)(1/ 330).

(2)

"السنن"(2/ 57).

(3)

رواه البخاري (694).

(4)

(1/ 330).

(5)

(1/ 331).

ص: 173

قال الفقير إلى عفو ربه: ينبغي التأدب مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالألفاظ التي تليق بهم.

156 -

قال الْمُصَنف (1):

"وقد أخرج الإسماعيلي، عن عائشة، أنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد صلى بنا".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال: "حدثنا محمد بن إسحاق العامري، حدثنا عبيد الله عن أبي الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة به (2) ".

فيه: المغيرة بن مقسم الضبي، قال الحافظ:"ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس، ولا سيما عن إبراهيم"(3).

قال ابن فضيل: "كان يدلس، وكنا لا نكتب عنه إلا ما قال، حدثنا إبراهيم"(4).

قلت: أخرج له البخاري ومسلم روايته عن إبراهيم من غير تصريح بالسماع في عدة مواضع من صحيحيهما. وقد رد القول بأنه مدلس كل من ابن المديني وأبي داود. وقد انفرد ابن الفضيل -فيما رأيت- بوصفه بالتدليس، والله أعلم.

157 -

قال الْمُصَنف (5):

"وإنما الخلاف في صلاة الرجل بالنساء فقط، ومن زعم أن ذلك لا يصح فعليه الدليل".

قال الفقير إلى عفو ربه: ثبت عن عمر أنه: "أمر سليمان بن أبي حثمة أن يصلي بالنساء" رواه عبد الرزاق (6)، من طريق سفيان الثوري، عن

(1)(1/ 332).

(2)

(2/ 555).

(3)

"التقريب"(6851).

(4)

"التهذيب"(10/ 269).

(5)

(1/ 332).

(6)

"المصنف"(3/ 151).

ص: 174

هشام بن عروة، أن عمر بن الخطاب به، وهذا منقطع.

ولكن رواه ابن أبي شيبة (1) قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا هشام، عن أبيه قال:"جعل عمر بن الخطاب للناس قارئين في رمضان، فكان أبي يصلي بالناس، وابن أبي حثمة يصلي بالنساء". وهذا إسناد صحيح.

158 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"وأما الجواب بأن فعل آحاد الصحابة لا يكون حجة، فكلام صحيح، ولكن الحجة ليست فعل معاذ، بل تقريره، صلى الله عليه وسلم كما عرفت".

قال الفقير إلى عفو ربه: هذا الاعتقاد حرم المصنف رحمه الله من علم كثير مبارك يفهم من خلاله الكتاب والسنة.

159 -

قال الْمُصنِّف (3):

"وقوله: "إذا صلى جالسًا، فصلوا جلوسًا" "منسوخ".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال شيخ الإسلام: "وقيل: بل ذلك محكم، وقد فعله غير واحد من الصّحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، كأسيد بن حضير وغيره، وهذا مذهب حماد بن زيد، وأحمد بن حنبل وغيرهما"(4).

160 -

قال الْمُصَنِّف (5):

"وقد كان هذا فعله وفعل أصحابه في الجماعة، يقف الواحد عن يمين الإمام، والإثنان فيما زاد خلفه، وقد ذهب الجمهور إلى وجوب ذلك، وقال سعيد بن السيب: إنه مندوب فقط".

(1)"المصنف"(2/ 126).

(2)

(1/ 333).

(3)

(1/ 334).

(4)

"الفتاوى الكبرى"(2/ 332).

(5)

(1/ 341).

ص: 175

قال الفقير إلى عفو ربه: واستدل له بما ثبت في "صحيح مسلم"(1)

من فعل ابن مسعود، من طريق: الأسود وعلقمة قالا: "وذهبنا لنقوم خلفه، فأخذ بأيدينا، فجعل أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله".

161 -

قال المصنف (2):

"وإمامة النساء وسط الصف: لما روي من فعل عائشة: أنّها أمّت النساء فقامت وسط الصف؛ أخرجه عبد الرزاق، والدّارقطني، والبيهقي، وابن أبي شيبة، والحاكم.

وروي مثل ذلك عن أم سلمة؛ أخرجه الشّافعي، وابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، والدارقطني".

قال الفقير إلى عفو ربه:

قال الألباني رحمه الله: "وابن سعد (8/ 355)، عن سفيان عن ميسرة عن ريطة الحنفية قالت: "أمتنا عائشة في الصّلاة فقامت وسطنا" ثم روى (8/ 356)، نحوه عن عمار الدهني، عن حجيرة، عن أم سلمة"(3).

162 -

قال الْمصَنِّف (4):

"وأما الاعتداد بالرّكعة التي لحق الإمام فيها راكعًا: ففيه خلاف لجماعة من الأئمة، والحق عدم الاعتداد بها بمجرد إدراك ركوعها من دون قراءة الفاتحة، ومن أراد الوقوف على الحقيقة فليرجع إلى: "شرح المنتقى"، و"طيب النشر"، و"السيل الجرار"، و"حاشية الشفاء"، و"الفتح الرباني"، و"دليل الطالب"، فالمسألة من المعارك".

(1)(1191).

(2)

(1/ 341).

(3)

"التعليقات الرضيّة"(1/ 341).

(4)

(1/ 345).

ص: 176

قال الفقير إلى عفو ربه: السنة الصحيحة وعمل السلف يدل على صحة صلاة من أدرك الإمام وهو راكع وركع معه قبل الدخول في الصف:

1 -

فقد روى البخاري (1) عن أبي بكرة: "أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "زادك الله حرصًا ولا تعد".

2 -

وروى عبد الرزاق (2)، عن ابن جريج: أخبرني نافع، عن ابن عمر، قال:"إذا أدركت الإمام راكعًا، فركعت قبل أن يرفع فقد أدركت، وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك".

3 -

وروى ابن المنذر (3): حدثنا يحيى بن محمد: ثنا مسدد: حدثني بشر بن المفضل، عن خالد الحذاء، عن علي بن الأقمر، قال أبو الأحوص؛ يحدّث عن ابن مسعود؛ قال:"من أدرك الركوع؛ فقد أدرك الركعة".

4 -

وروى مالك (4)، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال:"دخل زيد بن ثابت المسجد، فوجد الناس ركوعًا فركع ثم دب حتى وصل الصف".

5 -

وروى ابن أبي شيبة (5)، قال: نا أبو الأحوص، عن منصور، عن زيد بن وهب، قال:"خرجت مع عبد الله من داره إلى المسجد، فلمّا توسطنا المسجد ركع الإمام، فكبر عبد الله ثم ركع وركعت معه، ثم مشينا راكعين حتى انتهينا إلى الصف، حتى رفع القوم رؤوسهم، قال: فلما قضى الإمام الصلاة، قمت أنا -وأنا أرى لم أدرك- فأخذ بيدي عبد الله فأجلسني وقال: إنك قد أدركت".

(1)(783).

(2)

"المصنف"(2/ 279).

(3)

"الأوسط"(4/ 196).

(4)

"الموطأ"(1/ 165).

(5)

"المصنف"(1/ 229).

ص: 177

6 -

وروى البيهقي (1)، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أخبرني أبو الحسين -عبيد الله بن محمد البلخي التاجر ببغداد-: ثنا محمد بن إسماعيل السلمي: ثنا سعيد بن الحكم بن أبي صريم: أخبرني عبد الله بن وهب: أخبرني ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع عبد الله بن الزبير على المنبر يقول للناس:"إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع، فليركع حين يدخل ثم ليدب راكعًا حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السُّنة". قال عطاء: وقد رأيته هو يفعل ذلك".

فإن قيل: قد روى ابن أبي شيبة (2) قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن عجلان، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال:"إذا ركعت والإمام راكع فلا تركع حتى تأخذ مقامك من الصف"؟

قيل: الجواب عليه من وجوه:

الأول: محمد بن عجلان المدني، قال الحافظ:"صدوق إلا أنَّه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة".

الثاني: الاضطراب في متنه، فقد رواه ابن أبي شيبة (3) من طريق: ابن عجلان بلفظ: "لا تكبر حتى تأخذ مقامك من الصف"، ورواه أيضًا (4) من طريق ابن عجلان بلفظ:"فلا تركع حتى تأخذ مقامك من الصف". والفرق بين اللفظين واضح.

الثالث: أنه قد خالفه ابن إسحاق، فقد أخرج البخاري في كتاب "القراءة" (5) من طريق ابن إسحاق: أخبرني الأعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول: "لا يجزئك إلا أن تدرك الإمام قائمًا قبل أن تركع".

(1)"السنن الكبرى"(3/ 106).

(2)

"المصنف"(1/ 230).

(3)

"المصنف"(1/ 230)

(4)

"المصنف"(1/ 230).

(5)

(57).

ص: 178

الرابع: أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه لم يعلم بهذه السنة، يدل على ذلك ويوضحه ما رواه علي بن حجر السعدي (1)، قال حدثنا حميد عن القاسم بن ربيعة، عن أبي بكرة:"أنه كان يخرج من بيته فيجد الناس قد ركعوا، فيركع معهم، ثم يدرج راكعًا حتى يدخل في الصف ثم يعتد بها".

فهذا صريح في أنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تعد"، ليس الركوع دون الصف، وإنما هو الاستعجال وإحداث الجلبة.

163 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"وقد أمكن الجمع، بحمل معنى القضاء على التمام؛ لانه أحد معانيه".

قال الفقير إلى عفو ربه: القضاء يأتي بمعنى الإتمام كما في قوله تبارك وتعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} (3).

وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} (4).

164 -

قال الْمُصَنِّف (5):

"وإذ ذاك يقول: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني"، وقال: "إنما أنْسَى -أو أنسَّى- لأَسُن".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال العراقي: "ذكره مالك في "الموطأ" بلاغًا بغير إسناد، وقال ابن عبد البر: "لا يوجد في "الموطأ" إلا مرسلًا لا إسناد له"، وكذا قال حمزة الكناني إنه لم يرد من غير طريق مالك، وقال أبو طاهر الأنماطي: "وقد طال بحثي عنه وسؤالي عنه للأئمة والحفاظ فلم أظفر

(1) في "حديثه"(123).

(2)

(1/ 346).

(3)

[فصلت:12].

(4)

[الجمعة: 10].

(5)

(1/ 347).

ص: 179

به ولا سمعت عن أحد أنه ظفر به، قال:"وادعى بعض طلبة الحديث أنه وقع له مسندًا"(1).

165 -

قال الْمُصنِّف (2):

"وأما التشهد: فلحديث عمران بن حصين: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم، فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم"، أخرجه أبو داود، والترمذي -وحسنه-، وابن حبان، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين".

قال الفقير إلى عفو ربه: بل هو حديث شاذ، وذلك لمخالفة أشعث بن عبد الملك لغيره من الحفاظ، عن ابن سيرين ليس فيه ذكر التشهد.

قال البيهقي: "تفرد به أشعث الحمراني، وقد رواه شعبة، ووهيب، وابن علية، والثقفي، وهشيم، وحماد بن زيد ويزيد بن زريع، وغيرهم، عن خالد الحذاء، لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث، عن محمد عنه، ورواه أيوب عن محمد، قال: أخبرت عن عمران، فذكر؛ السلام دون التشهد، وفي رواية هشيم ذكر التشهد قبل السجدتين، وذلك يدل على خطأ أشعث فيما رواه"(3).

وقال الحافظ: "فقد رواه أبو داود والترمذي، وابن حبان، والحاكم، من طريق أشعث بن عبد الملك، عن محمد بن سيرين، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم"، قال الترمذي: حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشّيخين، وقال ابن حبان: ما روى ابن سيرين عن خالد غير هذا الحديث، انتهى، وهو من رواية الأكابر،

(1)"المغني عن حمل الأسفار"(2/ 3639).

(2)

(1/ 351).

(3)

"السنن الكبرى"(2/ 355).

ص: 180

عن الأصاغر، وضعفه البيهقي، وابن عبد البر وغيرهما، ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحقاظ عن ابن سيرين، فإن المحفوظ، عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد.

وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة أيضًا في هذه القصة "قلت لابن سيرين: فالتشهد؟ قال: لم أسمع في التشهد شيئًا" وقد تقدم في "باب: تشبيك الأصابع" من طريق ابن عون، عن ابن سيرين، قال:"نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم"، وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم، فصارت زيادة أشعث شاذة، ولهذا قال ابن المنذر: لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت" (1).

أما ما ذكر من قول ابن مسعود: "يتشهد فيهما"، رواه ابن أبي شيبة (2). حدثنا عباد بن العوام عن حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله، به، فمنقطع.

قال أبو حاتم: "لم يلق أحدًا من الصحابة إلا عائشة، ولم يسمع منها وأدرك أنسًا، ولم يسمع منه"(3).

166 -

قال الْمصَنِّف (4):

ولحديث: "لكل سهو سجدتان".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال الألباني رحمه الله: "أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، عن ثوبان، قال البيهقي في "المعرفة": انفرد به إسماعيل بن عياش، وليس بقوي". وقال الذهبي: "قال الأثرم: "هذا منسوخ". وقال ابن عبد الهادي -كابن الجوزي- بعد ما عزياه لأحمد:

(1)"الفتح"(3/ 119).

(2)

"المصنف"(1/ 388).

(3)

" التهذيب"(1/ 161).

(4)

(1/ 351).

ص: 181

"إسماعيل بن عيّاش مقدوح فيه، فلا حجة فيه"، وقال ابن حجر:"في سنده اختلاف". كذا في الفيض، ثم قالط:"فرمز المؤلف لحسنه غير حسن"(1).

167 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"وغاية ما هناك: أن المسنون هو المندوب المؤكد، وصدق اسم السهو على ترك المندوب، كصدقة على ترك المسنون، فيندرج تحت حديث: "لكل سهو سجدتان" وتحقق هذه الزيادة، والنقص حاصل لكل واحد منهما، فمدعي التفرقة بينهما مطالب بالدليل".

قال الفقير إلى عفو ربه: بل المطالب بالدليل هو الذي يرى مشروعية سجود السهو لترك المسنون، فإنّ الأصل في العبادات النقل، ولا قياس فيها، بإجماع أهل التحقيق.

168 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"وعند الشافعية: في أية حالة ذكر أنها خامسة، قعد وألغى الزائد، وراعى ترتيب الصلاة مما قبل الزائد، ثم سجد للسهو، وفي معنى الركعة عنده الركوع والسجود".

قال الفقير إلى عفو ربه: وهذا الموافق لهديه صلى الله عليه وسلم.

169 -

قال الْمصَنِّف (4):

"وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام الإمام من الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائمًا فليجلس، وإن استوى قائمًا، فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو".

(1)"التعليقات الرضية"(1/ 351).

(2)

(1/ 352).

(3)

(1/ 353).

(4)

(1/ 354).

ص: 182

قال الفقير إلى عفو ربه: رواه أبو داود (1)، وابن ماجه (2)، والدارقطني (3)، وأحمد (4)، والبيهقي (5).

قال الحافظ: "ومداره على جابر الجعفي، وهو ضعيف جدًّا"(6)، كذا قال، ثم إن محقق العصر استدرك على الحافظ فقال: "وقد وجدت لجابر الجعفي متابعين، لم أر من نبه عليهما ممن خرج الحديث من المتأخرين، بل أعلوه جميعًا به

ولذلك رأيت لزامًا علي ذكرهما حتى لا يظن ظان أن الحديث ضعيف لرواية جابر له:

الأول: قيس بن الرّبيع عن المغيرة بن شبيل عن قيس ....

والآخر: إبراهيم بن طهمان عن المغيرة بن شبيل به نحوه ..... أخرجه عنهما الطّحاوي (1/ 355) " (7).

وقد وافق الشيخَ ناصرًا شيخُنا عبدُ الله الدويش -رحم الله الجميع-.

وفي الحديث فائدة: وهي أنه لا يوجد في السنة ما يسمى بسجود السهو "عن التحري" فهذه اللفظة وردت في حديث ابن مسعود حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر خمسًا فقال صلى الله عليه وسلم: "وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم ثم يسلم ثم يسجد". ومعناه: فإن تبين له أنه زاد ركعة فما فوقهما كما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يتم صلاته ويسجد للسهو بعد السلام، ويدل على ذلك أمران:

الأول: حديث المغيرة حيث قال: "إذا قام الإمام من الركعتين، فإن

(1)"السنن"(1036).

(2)

"السنن"(1208).

(3)

"السنن"(1/ 387).

(4)

"المسند"(4/ 253).

(5)

"السنن الكبرى"(2/ 343).

(6)

"التلخيص"(2/ 8).

(7)

"السلسلة الصحيحة"(1/ 321).

ص: 183

ذكر قبل أن يستوي قائمًا فليجلس، وإن استوى قائمًا فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو

ولا سهو عليه".

ففي الحديت زيادة: وهي نهوضه ثم عوده، ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم:"ولا سهو عليه".

الثاني: أن هذا الفهم للفظة: "التحري" في حديث ابن مسعود، لم يعرف عن أحد من الصّحابة.

فيكون سجود السّهو الوارد في السنة على أنحاء ثلاثة:

1 -

إما أن يكون عن زيادة.

2 -

أو يكون عن نقص.

3 -

أو شك.

170 -

قال الْمصَنِّف (1):

"وقال أحمد: يطرح الشك، إما بأخذ الأقل، وإما بالتحري، فإن اختار الأول سجد قبل السلام، وإن اختار الثاني سجد بعده".

قال الفقير إلى عفو ربه: وبيان هذا على ما تقدم في النكتة السابقة.

171 -

قال الْمصَنِّف (2):

"وذهب داود الظاهري وابن حزم وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه لا قضاء على العامد غير المعذور، بل قد باء بإثم ما تركه من الصلاة، وإليه ذهب شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية".

قال الفقير إلى عفو ربه: انظر النكتة (102) في المواقيت.

(1)(1/ 355).

(2)

(1/ 356).

ص: 184