الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأَحمد (1) من دلك النّعلين، وذيل المرأَة؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم:"يطهرُه ما بعدَه"(2).
الثاني: أَن إزالة النّجاسة من باب التُروك؛ أَي: أَنّ الشَّارع يريد من المُكَلَّف التخلُّص منها، ولا غرض له في كيفيّة ذلك؛ فالنّبي صلى الله عليه وسلم جعل التراب يطَهِّر أَسفل النَّعل وأَسفل الذيل، وسماه طَهورًا، فلأن يطهر نفسَه بطريق الأَولى والأَحرى، فالنّجاسة إذا استحالت في التُّراب فصارت ترابًا لن تبقى نجاسة.
ثمّ إن أهل العلم متفقون على أنَّه لو عُلق ثوبٌ متنجس على حبل، فنزل مطر؛ فطهَّره؛ أنَّه يطْهُر، وهذا يدلّ على عدم اشتراط النية في تطهير النجاسات، ومن ثَمَّ عدمُ اشتراط كيفية تطهِيرِها.
* * *
ثالثًا: باب قضاء الحاجة
29 -
قال الْمُصَنف (3):
"ولا يرفع ثوبَه حتى يدنُوَ من الأَرض عند قضاء الحاجة، ويستتر بمثل حائش نخل ممّا يواري أَسفلَ بدنه"،
…
فمَن لم يجد إلا أَن يَجْمَعَ كَثِيبًا من رمل؛ فليستدبره؛ فإنّ الشيطانَ يلعب بمقاعد بني آدم".
قال الفقير إلى عفو ربه: هذا الحديث- "ولا يرفع ثوبَه حتى يدنوَ من الأَرض"-: رواه أَبو داود (4)، والتّرمذي (5)، من طريق: الأعَمش عن أَنس،
(1)"المسند"(3/ 20).
(2)
أخرجه أبو داود (383)، والتّرمذي (143)، وابن ماجه (531).
(3)
(1/ 128).
(4)
"السنن"(14).
(5)
"السنن"(14).
ولم يَسمع منه، ولا من أَحد من الصّحابة؛ ولكن رواه البيهقيّ (1) من طريق الأَعمش، عن قاسم بن محمد، عن ابن عُمَر؛ فصحّ بذلك.
30 -
قال الْمَصنِّف (2):
"
…
فَلِحديث: "لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشِفَيْن عورتَهما يتحدثان؛ فإن الله يَمْقت على ذلك".
قال الفقير إلى عفو ربه: هو ضعيف؛ وفيه ثلاثُ عِلل:
الأُولى: أنّه من رواية عكرمة بن عمّار عن يحيى بن كثير؛ وهي مضطربة.
الثانية: أَنّ في سنده هلالَ بنَ عياض -ويقال: عياض بن هلال-؛ وهو مجهول.
الثالثة: الاضطراب؛ حيث إنه مرّة: يرويه عن أبي سعيد، ومرّة: يرويه عن جابر (3).
31 -
قال الْمصَنِّف (4):
"ولم يأْت مَن ضعّفَه بما تقوم به الحجّة في التضعيف".
قال الفقير إلى عفو ربه: بل هو معلول، فقد قال أَبو داود:"هذا حديث منكر، وإنما يعرف: عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهريّ، عن أَنس: "أَنّ النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتَمًا من وَرِق ثمّ أَلقاه"، والوهم فيه من همّام، ولم يروِه إلَّا همام"(5).
(1)"السنن الكبرى"(1/ 96).
(2)
(1/ 129).
(3)
ثمَّ إن الشيخ ناصرًا صحَّح الحديث في "الصحيحة"(رقم: 3120) لشاهد وجده، فلينظر.
(4)
(1/ 130).
(5)
"السنن"(19).
قال ابن القيمِ: "قيل: هذه الرّوايات -كلُّها- تدل على غلط همام؛ فإنّها مُجمِعة على أن الحديث إنما هو في اتخاذ الخاتَم ولُبسِه، وليس في شيء منها: نزَعه إذا دخل الخلاء؛ فهذا هو الذي حَكَم لأَجلِه هؤلاءِ الحفّاظُ بنكارة الحديث وشذوذه، والمصحّح له لمّا لم يُمكنْهُ دفعُ هذه العلةِ؛ حكَم بغرابته لأَجلها، فلو لم يكن مخالفًا لرواية من ذكر فما وجه غرابته؟ ولعلّ الترمذيَ موافق للجماعة؛ فإنّه صحّحه من جهة السند لثقة الرّواة، واستغربه لهذه العلَّة، وهي التي منعت أَبا داوادَ من تصحيح متنه، فلا يكون بينهما اختلاف؛ لكنه معلول، والله أَعلم"(1).
32 -
قال الْمصَنِّف (2):
"وقد أُعل بأَنه من رواية أَبي سعيد الحِميَريّ عن معاذ -ولم يسمع منه-".
قال الفقير إلى عفو ربه: قال الحافظ: "وصحَّحه ابن السكن والحاكم، وفيه نظر؛ لأَنّ أَبا سعيد لم يسمع من معاذ، ولا يعرف هذا الحديثُ بغير هذا الإسناد؛ قاله ابن القطان"(3).
وقال -أَيضًا-: "مجهول، من الثالثة، وروايتُه عن معاذ بن جبل مرسلة"(4).
33 -
قال المصَنِّف (5):
"وقد أُعلّ بأَنه من رواية قَتادَةَ عنه -ولم يسمع منه-؛ ولكنّه قد صحّح سماعه منه عليّ بن المديني، وصحح الحديث ابن خزيمة وابن السّكن".
قال الفقير إلى عفو ربه:
هذا الحديث أُعلَّ بعلْتين:
(1)"تهذيب السنن"(1/ 26 - 31).
(2)
(1/ 131).
(3)
"التلخيص"(1/ 184).
(4)
"تقريب التهذيب"(رقم: 8128).
(5)
(1/ 131).
الأُولى: أنَّه من رواية قتادةَ عن عبد الله بن سرجس، ولم يسمع منه؛ كما قال الإمام أَحمد وغيره.
الثانية: على فرَض سماعه؛ فإنّ قتادة مدلّس وقد رواه بالعنعنة.
وفي نظري؛ أَن كلا العلتين مردودة:
أمّا الأُولى: فقد أَثبت عدد من الحفّاظ المتقنين سماعَ قتادة من ابن سرجس -ومنهم ابن المديني-.
وأَمّا الثانية: فطريقتنا؛ أَنّنا لا نُعل الحديث بعنعنة مدلّس، إلَّا إذا كان في المتن نكارة، أَو كان التّدليس -عنده- شديدًا، أَو مضعّفًا من جهة أُخرى، ولو تأَملنا "الصحيحين" لوجدنا أَن فيها أَحاديثَ كثيرة؛ رواها قتادةُ بالعنعنة؛ ولذا فإنّ الأَظهرَ اتصالُ سنده، والله أَعلم.
34 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"ومنها: ما أَخرجه أَحمد -رحمه الله تعالى-، وأَهل السنن من حديث عبد الله بن مُغفل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبولَن أَحدُكم في مستحَمِّه، ثمّ يتوضأْ فيه؛ فإنّ عامّة الوسواس منه".
قال الفقير إلى عفو ربه: ورواه ابن الجارود (2): حدثنا محمد بن يحيى، وأَحمد بن يوسف، قالا: ثنا عبد الرَّزاق، قال: ثنا معمر، عن أَشعث، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل؛ الحديث؛ وهذا الحديث إسناده صحيح، وله شاهد عند أَبي داود (3): حدَّثنا أَحمد بن يونس: ثنا زُهير، عن داود بن عبد الله، عن حميدِ الحميريّ -وهو ابن عبد الرحمن-، قال: لقيت رجلًا صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة، قال:
(1)(1/ 131).
(2)
في "المنتقى"(35).
(3)
"السنن"(28).
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن يمتشط أَحدُنا كلَّ يوم، أَو يبول في مغتسله.
وأُعلّ حديثُ ابن مغفل؛ بأَنه من رواية الحسن عن عبد الله بن مغفّل، والحسن مدلّس، وقد رواه بالعنعنة، وَرُدّت هذه العلّةُ: بأَنّه قد ثبت سماع الحسن من عبد الله من مغفل، وما نخشاه من تدليس الحسن قد أَمنّاه في ذلك الشّاهد؛ الذي رواه أَبو داود عن بعض أَصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وسنده صحيح.
35 -
قال الْمصَنِّف (1):
"ومن جملة ما استدلّوا به: حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - عند أَحمد -رحمه الله تعالى-، وأَبي داودَ -رحمه الله تعالى-، والترمذي -رحمه الله تعالى؛ وحسنه-، وابن ماجه -رحمه الله تعالى-، والبزار- رحمه الله تعالى-، وابن الجارود -رحمه الله تعالى-، وابن خزيمة- رحمه الله تعالى-، وابن حِبان -رحمه الله تعالى-، والحاكم -رحمه الله تعالى-، والدّارقطني -رحمه الله تعالى-، قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أَن نستقبلَ القِبلة ببول، فرأَيتُه قبل أَن يُقبَض بعام يستقبلها"، قد نقَل الترمذي عن البخاري رحمه الله تصحيحَه، وصحَّحه -أَيضًا- ابنُ السكن، وحسّنه- أَيضًا - البزار".
قال الفقير إلى عفو ربه: وقد قيل: بأَنه لا يصحُّ، وأُجيب عنه بأَجوبة:
الأَوّل: ما قاله ابن عبد البَر وابن حزم؛ أَنّ في سنده أبان بن صالح؛ وهو مجهول، وأُجيب عن هذا: بأَنه ليس مجهولًا؛ بل هو معروف.
الثّاني: أَن في سنده محمَّد بن إسحاق؛ وهو مدلّس، وقد عنعن في هذا الحديث.
(1)(1/ 133).
وأُجيب عن هذا: بأَنّه صرّح بالتّحديث في رواية أَحمد (1)، وأَبي داود (2)، وابن الجارود (3).
الثالث: أَن محمد بن إسحاق قد خالف في هذا الحديث مَن هو أَوثقُ منه؛ فالحديث شاذ، والشاذ من أَقسام الضعيف، ومن تأَمّل ترجمة ابن إسحاق وجَدَ الذهبي يقول عنه:"له شذوذات"، وهذا من شذوذاته، ومنها: أنّ النَّاس يقولون: "إن يد السّارق تقطع في ثلاثة دراهمَ"، وهذا ثابت في "الصحيحين" من حديث ابن عمر، وعائشة، وغيرهما، ثم جاء ابن إسحاق وقال:"تقطع في عشرة دراهمَ".
ومن شذوذاتِه: "أَن المحرِم إذا لم يَطُف قبل مغيب الشّمس عاد كهيئته حرمًا".
فهذا الحديث ضعيف -وإن صحّحه البخاري-؛ لمخالفتِه أَحاديثَ الثقات الأَعلام.
36 -
قال الْمُصَنّف (4):
"ولا يخفى أنَّه قد تقرّر في الأُصول: أَن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاصّ بالأُمّة، فما وقع منه صلى الله عليه وسلم لا يعارض النهي عن الاستقبال والاستدبار للقِبلة".
قال الفقير إلى عفو ربه: والحق أَنْ لا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله، وقد أُمرنا بالأَخذ بكلّ منهما، وما ظُنّ فيه التعارض؛ فيجب أَن يحمل على العموم والخصوص، والإطلاق والتقييد؛ هذا إذا أَمكن الجمع، أما إذا لم يُمْكِنِ الجمع بأيّ وجه من وجوه التوفيق؛ فإن القول يُقدَّم على الفعل؛ لأَنه مُحكَم، والفعل محتمل؛ ولأَنه ناقل عن الأَصل، والفعلُ على الأَصل،
(1)"المسند"(3/ 360).
(2)
"السنن"(13).
(3)
"المنتقى"(31).
(4)
(1/ 133).
وإنما يؤخذ بالأَحدث من الأَحكام، وهذا ما يُعرف بالنّسخ، وإنما يمكِنُ للباحث معرفة ذلك من خلال النظر في آثار الصحابة؛ فهمًا وعملًا.
37 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"فإن قلتَ: حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - عند أحمد- رحمه الله تعالى-، وابن ماجه -رحمه الله تعالى- قالت: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسًا يكرهون أن يستقبلوا القِبلة بفروجهم؟ فقال: "أَوَ قد فعلوها؟! حولوا مِقعدتي قِبَل القبلة" قلتُ: لو صحَّ هذا لكان صالحًا للنسخ؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم فعله لقصد التشريع للأُمّة؛ ولمخالفة من كان يكره الاستقبال.
ولكنه لم يصح؛ فإنّ في إسناده خالدَ بنَ أَبي الصّلت، قال ابن حزم:"هو مجهول"، وقال الذهبي في "الميزان"- في ترجمة خالد بن أَبي الصّلت-:"إن هذا الحديث منكر".
قال الفقير إلى عفو ربه:
قال ابن القيم رحمه الله: "هذا حديث لا يصحُّ، وإنما هو موقوف على عائشة؛ حكاه التّرمذي في كتاب "العلل" عن البخاري، وقال بعض الحفاظ: هذا حديث لا يصح، وله علّة لا يدركها إلا المعتنون بالصّناعة، المعانون عليها؛ وذلك أَن خالد بن أَبي الصلت، لم يَحفظ متْنَه، ولا أَقام إسناده؛ خالف فيه الثقةَ المثبت صاحبَ عراك بن مالك -المختصّ به الضّابط لحديثه -جعفر بن ربيعة الفقيه، فرواه عن عراك، عن عروة، عن عائشة: أنها كانت تنكر ذلك.
فبين أَن الحديث لعراك عن عروة ولم يرفعه، ولا يجاوز به عائشة، وجعفر بن ربيعة هو الحجة في عراك بن مالك؛ مع صحة الأَحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهرتِها بخلاف ذلك.
(1)(1/ 134).
وقال عبد الرحمن بن أَبي حاتم في كتاب "المراسيل" عن الأَثرم، قال: سمعت أَبا عبد الله -وذكر حديث خالد بن أَبي الصّلت-، عن عراك بن مالك، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث؛ فقال: مرسل، فقلت له: عراك بن مالك قال: سمعت عائشة؟! فأَنكره، وقال: عراك بن مالك من أَين سمع من عائشة؟! ما لَهُ ولعائشة؟!! إنما يرويه عن عروة؛ هذا خطأٌ، قال لي: من روى هذا؟ قلت: حمّاد بن سلمة، عن خالد الحذاء؟ قال: رواه غير واحد عن خالد الحذاء، وليس فيه: سمعتُ، وقال غير واحد -أَيضا عن حماد بن سلمة-: ليس فيه: سمعتُ.
فإن قيل: قد روى مسلم في "صحيحه" حديثًا عن عراك عن عائشة؟ قيل: الجواب: إن أَحمد وغيرَه خالفه في ذلك، وبَينوا أنّه لم يسمع منها" (1).
38 -
قال الْمُصَنِّف (2):
وقد استَدلّ من خصّص المنع من الاستقبال والاستدبار للقبلة بالفضاء بما أَخرجه أبو داود -رحمه الله تعالى-، والحاكم -رحمه الله تعالى-، عن مروانَ الأَصفر رضي الله عنه، قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته؛ مستقبلَ القبلة يبول إليها، فقلت: يا أَبا عبد الرحمن! أليس قد نُهي عن ذلك؟! فقال: بلى، إنما نُهي عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يستبرك؛ فلا بأُس.
"وقد حسّن الحافظ في "الفتح" إسنادَه".
قال الفقير إلى عفو ربه: هذا الأَثر ضعيف (3)، ولا يصحُّ؛ فإن في
(1)"تهذيب السُّنن"(1/ 21 - 23).
(2)
(1/ 134).
(3)
الأثر أخرجه: أبو داود (11) والدارقطني في "السنن"(1/ 58) وابن خزيمة (1/ 35 / 60) والبيهقيُّ (1/ 92) والحاكم (1/ 154) والحازمي في "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" ص 40 - ط حمص) أو (رقم: 17 - ط ابن حزم).
إسناده الحسنَ بنَ ذكوان، وهو مطعون في عدالته، ويدلس تدليسًا شديدًا، ضعَّفه أَحمد، وابنُ المديني، والنَّسائيّ، وابنُ عدي.
قال الذَّهبيُّ: "قال ابن عديّ: يروي أَحاديثَ لا يروِيها غيرُه، وقال ابن معين: كان صاحبَ أَوابد"(1).
فهو - إذن- ضعيفٌ، وإن أَخرج له البخاريّ في "صحيحه"؛ لأنّ البُخاريّ ينتقي من أَحاديث الرجل، ولا يأْخذُ إلَّا الصَّحيح.
والمقصود: أَنّ الحديث إسنادُه ضعيف؛ لِعِلَّتين:
الأُولى: ضعف الحسن بن ذكوان.
الثَّانية: تدليسه الشَّديد وقد عنعنه، وما رأَيتُ أَحدًا مِنَ المُتقدِّمين وثَّقه.
39 -
قال الْمُصَنِّف (2):
"وروي عن عمر عند التِّرمذيُّ: "أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهاه أَنْ يبولَ قائمًا".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: قال أَبو عيسى التِّرمذيُّ: "وإنَّما رَفع هذا الحديثَ عبد الكريم بن أَبي المخارق، وهو ضعيف عند أَهل الحديث، ضعَّفه أَيّوب السختياني، وتكلّم فيه، وروى عبيد الله، عن نافِع، عن ابن عمر، قال: قال عمر رضي الله عنه: ما بُلْتُ قائمًا منذ أسلمت"(*)، وهذا أَصحُّ من حديث عبد الكريم" (3).
(1)"الميزان"(1/ 489).
(2)
(1/ 135).
(*) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1/ 124) والنجاد في "مسند عمر"(23) والبزار (1/ 244 - كشف). بإسناد صحيح -كما قال الشَّيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة"(2/ 338).
(3)
"السُّنن"(12)، وانظر "الضعيفة" رقم (934).
40 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"وروى الحاكم: أَنّ بوله صلى الله عليه وسلم قائمًا كان لمرض"؛ لكن ضعَّفه الدّارقطنيُّ والبيهقيّ، فلم يكن صالحًا لحمل بوله على حال الضّرورة".
قال الفقير إلى عفو ربّه: بل الزِّيادةُ الأَخيرةُ هي الّتي لا تصحُّ؛ لأَنّ في سندها حمّادَ بنَ غسان؛ فقد ضعَّفه البيهقيُّ والدَّارقطنيُّ، وأَقرّهما الحافظ ابن حجرٍ (2).
41 -
قال الْمُصَنِّف (3):
"ولا ريب أَن البول من قيام: مِنَ الجفاء، والغِلظة، والمخالفة للهيئة المستَحسَنة، مع كونه مَظِنَّةً لانتضاح البول وترشرشه على البائل وثيابه، فأَقلُّ أَحواله النّهيُ مع هذه الأُمور: أَنْ يكون البول من قيام مكروهًا.
وهذا على فرَضِ أَن فعلَه صلى الله عليه وسلم لِقصد التّشريع حتَّى يكون لبيان الجواز، ويكون صارفًا للنّهي، فإنَّ لم يكن كذلك؛ فالنَّهي باقٍ على حقيقته، والبول من قيام مِن خصائصه، ولكن بعد ثبوت النَّهي من طريق صحيحة أَو حسنة!! ".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: والأَظهر في هذا أَن يقال: إنَّ السُّنَّة البولُ قاعدًا؛ لحديث عائشةَ رضي الله عنها.
وأَمَّا البولُ قائمًا؛ فجائزٌ؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه؛ ولكن بشرطَين:
الأَوّل: أَنْ يأْمَنَ مِنْ أَن يرى أَحدٌ عورتَه.
(1)(1/ 136).
(2)
في "الفتح"(1/ 394).
(3)
(1/ 136).
الثَّاني: أَنْ يأمَنَ من عود رشاش البول إليه (*).
42 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"وعليه: الاستجمار بثلاثة أَحجار طاهرة؛ أَي: مَسَحَات؛ لأَنَّها لا تُنَقي- غالبًا- بأَقَلَّ من ثلاثة أَحجار؛ لما في "صحيح مسلم" وغيره من حديث سلمانَ: أَن النّبي صلى الله عليه وسلم نهى عنِ الاستجمار بأَقَلَّ من ثلاثة أَحجار، وعن الاستنجاء برجيع أَو عظم.
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وقدِ استدل مَن رأَى جواز الاقتصار على حجرَين بحديث ابن مسعود: أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمرَه أَن يَأتيَ بأحجارٍ، قال: فأَتيته بحجرين ورَوثَة، فأَلقى الرّوثةَ وقال:"إنّها رِكس".
ووجه الدِّلالة في الحديث: أَنه اكتفى صلى الله عليه وسلم بحجرين، ولم يأْمرْه أَنْ يأْتيَ بثالثٍ.
والجواب: أَنّه أَمرَه صلى الله عليه وسلم؛ كما عند أَحمدَ (2)، والدَّارقطنيُّ (3) قال:"ائتني بغيرها".
وصحّحَ الزيادةَ الحافظُ وغيرُه.
واستدلّوا -أَيضًا- بحديث أَبي هريرة رضي الله عنه: "مَنِ استجْمَر؛ فليوترْ، ومن فعل؛ فقد أَحْسنَ، ومَن لا؛ فلا حرَجَ".
والجواب عنه من وَجهينِ:
الأَوَّل: أَن في إسنادِه الحصين الحبراني، يرويه عن أَبي سعيد الحمراني؛ وهما مجهولان، والحديث ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به.
الثَّاني: أَنّه على فرض تحسينه -كما ذهب إلى ذلك الحافظ-؛ فإنَّه محمول على ما فوق الثلاث؛ جمعًا بين النّصوص.
(*) وانظر "فتح الباري" لابن حجر (1/ 283).
(1)
(1/ 136 - 137).
(2)
"المسند"(6/ 146).
(3)
"السنن"(1/ 55).
43 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"وورد كيفية استعمال الثلاث في حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما: "حجران للصّفحتين، وحجر للمسرَبَة"- بسين مُهملة، وراءٍ مضمومة -أَو مفتوحة-: مجرى للحدث من الدُّبر".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: الحديث أَخرجه الدّارقطنيُّ (2)، والبيهقِيُّ (3) من طريق: أُبيِّ بن العبَّاس بن سهلِ السّاعدِيّ، عن أَبيه، عن سهل بن سعدِ السّاعديّ.
وفيه: أُبَيُّ بن العباس، قال الحافظ:"قال الحازميُّ: لا يُروى إلَّا من هذا الوجه. وقال العُقَيلِيُّ: لا يُتابَعُ على شيءٍ من أَحاديثِه -يعني: أُبَيًّا-، وقد ضعَّفه ابنُ معين، وأحمدُ، وغيرُهما، وأُخرج له البخاريُّ حديثًا واحدًا في غير حُكم"(4).
فالحديث من رواية سهل بن سعدِ السّاعدِيّ، وليس من حديث ابن عبَّاس كما قال الْمُصَنِّف؛ وهو وهم؛ فتُصحِّف عليه (أُبي بن العباس) إلى (ابن عبَّاس).
44 -
قال الْمُصَنِّف (5):
"والحاصل: أنه لا نزاع في كون الماء أَفضلَ؛ إنَّما النزاع في أَنَّه يتعين ولا يجزيء غيرهُ، وهذا كلّه على فرض ثبوت قوله في حديث أَهل قُبَا: "ذَلِكُمُوه؛ فَعَلَيكُمُوه"، ولكنَّه لم يثبت في شيء من كتب الحديث؛ بل الَّذي في "الجامع" عن أَنسٍ: أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأَهل قُبَا: "إن اللهَ قد أَحسنَ الثّناء عليكم؛ فما ذاك؟ "، قالوا: نجمع في الاستجمار بين الأَحجار
(1)(1/ 138).
(2)
"السنن"(1/ 56).
(3)
"السنن الكبرى"(1/ 114).
(4)
"التلخيص"(1/ 41).
(5)
(1/ 140).
والماء".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: هذا الحديث في سندِه: عتبة بن أَبي حكيم، وهو مختلف في توثيقه؛ إلَّا أَن الحديث له شواهدُ:
منها: ما أخرجه أَحمدُ (1) وغيرُه من حديث عويم بن ساعدة الأَنصاريِّ: أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَتاهم في مسجد قُباء، فقال:"إن الله -تعالى- قد أَحسنَ الثّناء عليكم في الطهور في قصَّة مسجدكم؛ فما هذا الطهورُ الّذي تَطَهَّرونَ به؟ "، قالوا: والله - يا رسول الله! - ما نعلمُ شيئًا؛ إلَّا أَنَّه كان لنا جيرانٌ من اليهود، فكانوا يَغْسلون أَدبارَهم من الغائط، فغَسَلنا كما غَسَلوا.
ومنها: ما أخرجه أَبو داود (2)، والتِّرمذيُّ (3)، وابن ماجه (4) من حديث أَبي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"نزلت هذه الآية في أَهل قُباء: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} .. -قال-: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية"، وفي إسناده إبراهيم بن أَبي ميمونة وهو مجهول.
فهذه الأَحاديث الثلاثة: يقوي بعضَها بعضًا، وفي الباب غيرُها، إلَّا أَن البزّار (5) انفرد برواية عن ابن عبَّاس:"إنّا نُتبعُ الحجارةَ الماء"، وهذه الرّواية نصَّ أَكثرُ أَهل العلم على ضعفِها.
45 -
قال الْمُصَنِّف (6):
"إذا تقرّر هذا: علمت أَنّه شرع الاستجمار لمن بال، كما شرع لمن
(1)"المسند"(3/ 422).
(2)
"السنن"(44).
(3)
"السنن"(3100).
(4)
"السنن"(357).
(5)
"زوائد البزار"(1/ 55).
(6)
(1/ 142).
تغوّط، وأَن يكون بثلاثة أَحجار، ولم يرد ما يخالف هذا من شرع، ولا لغة، ولا اشتقاق".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وما رأَيت أَحدًا فرَّق بين البول والغائط، فجوّز الاكتفاء بأَقل من ثلاثة أَحجار بالبول دونَ الغائط إلَّا الصّنعانيَّ (1).
46 -
قال الْمُصَنِّف (2):
"وتندبُ الاستعاذة عند الشُّروع؛ أَي: الدّخول؛ لأَن الحشوش محتضرة؛ يحضُرها الشياطين؛ لأَنهم يحبّون النّجاسة، ووجهه: ما أخرجه لجماعة من حديث أَنس رضي الله عنه، قال: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "اللَّهمَّ! إنّي أَعوذ بك من الخبث والخبائث".
وقد روى سعيد بنُ منصور في "سُننه": أَنّه كان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهمّ! إنِّي أَعوذ بك من الخبث والخبائث"، وإسنادُه على شرط مسلم".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: قال الحافظ: "وقد روى العمريّ هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار، عن عبد العزيز بن صهيب، بلفظ الأَمر، قال: "إذا دخلتمُ الخلاء؛ فقولوا: بسم الله، أَعوذ بالله من الخبث والخبائث"، وإسناده على شرط مسلم"(3).
وكذا زاد سعيد بن منصورٍ البسملةَ، لكنْ مِن فعلِه عليه الصلاة والسلام.
وروى التّرمذيُّ (4) - بسندٍ؛ لعلَّه يتقوّى بشواهدِه (5) -من حديث عليٍّ-
(1) كما في "سبل السَّلام"(1/ 403).
(2)
(1/ 144).
(3)
"الفتح"(1/ 294).
(4)
"السنن"(606).
(5)
نعم؛ وانظر "إرواء الغليل"(1/ 87 - 90).