الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنه -، أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ستر ما بين الجِنّ وعورات بني آدم -إذا دخل الخلاءَ- أَنْ يقولَ: بسم الله".
وهذا من المواضع الّتي تتقدّم فيها البسملة على الاستعاذة.
47 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"وأَخرج نحوَه النَّسائِيّ، وابن السَّني من حديث أَبي ذرّ، ورمز السُّيوطِيُّ لصحّته".
قال الفقير إلى عفو ربّه: والصَّحيح أَنَّه موقوفٌ على أَبي ذرّ رضي الله عنه من قوله: أَفادَه الحافظُ (2).
48 -
قال الْمُصَنِّف (3):
"وصحّحه ابن حبَّان، وابن خُزيمةَ، والحاكم -رحمه الله تعالى-".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وكذلك أَبو حاتم في "العلل"(1/ 43).
* * *
رابعًا: باب الوضوء
49 -
قال الْمُصَنِّف (4):
"يجب على كلِّ مكلّف لمن أَراد الصَّلاة وهو مُحدِثٌ أَوْ جُنُبٌ (أَنْ يُسَمِّيَ)؛ وجه وجوب التسمية: ما ورد من حديث أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنّه قال:
(1)(1/ 145).
(2)
"نتائج الأَفكار"(1/ 216).
(3)
(1/ 145).
(4)
(1/ 146 - 147).
"لا صلاةَ لمَنْ لا وضوءَ له، ولا وضوء لِمَن لم يذْكُرِ اسمَ الله عليه"؛ أَخرجه أَحمد -رحمه الله تعالى-، وأَبو داود -رحمه الله تعالى-، وابن ماجه -رحمه الله تعالى-، والترمذيُّ -رحمه الله تعالى- في "العلل"، والدَّارقطنيُّ -رحمه الله تعالى-، وابنُ السَّكن -رحمه الله تعالى-، والحاكم -رحمه الله تعالى-، والبيهقي -رحمه الله تعالى-، وليس في إسناده ما يُسقطُه عن درجة الاعتبار.
وله طرق أخرى من حديثه عند الدَّارقطنيّ -رحمه الله تعالى- والبيهقي رحمه الله.
وأَخرج نحوَه أَحمد -رحمه الله تعالى-، وابن ماجه -رحمه الله تعالى - من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه، ومن حديث أَبي سعيد.
وأَخرج آخرون نحوَه من حديث عائشة رضي الله عنها، وسهل بن سعد رضي الله عنه، وأبي سبرة رضي الله عنه، وأم سبْرة رضي الله عنها، وعلي رضي الله عنه، وأنس رضي الله عنه.
ولا شك ولا ريب أَنَّها جميعًا تنتهض للاحتجاج بها، بل مجرّد الحديث الأَوّل ينتهض للاحتجاج لأَنَّه حسن، فكيف إذا اعتضد بهذه الأَحاديث الواردة في معناه؟!
ولا حاجة للتَّطويل في تخريجها؛ فالكلام عليها معروف، وقد صرّح الحديثُ بنفي وضوءِ مَن لم يذْكُرِ اسمَ الله، وذلك يفيد الشّرطيّة التي يستلزم عدَمُها العدَمَ، فضلًا عن الوجوب؛ فإنَّه أَقلُّ ما يستفاد منه".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: قد تقرَّر عند أَهل العلم بصناعة الحديث: أَن كثرة طرق الحديث وشواهدِه؛ لا يلزم منها تحسينُه؛ فضلًا عن صحّته.
فحديث: "يس قلبُ القرآن" له أَكثرُ من اثني عشَر طريقًا، ولا ينهض للاحتجاج.
وحديث: "من حج فلم يزُرْني؛ فقد جفاني" له أَكثرُ من أَربعةَ عشَرَ طريقًا، وهو حديث موضوع.
فإذا تُفُطِّن لهذا؛ عُلم أَنّ كثرةَ طرق حديث: "لا وضوء لمَن لم يَذْكُرِ اسمَ الله عليه" لم تخْفَ على الأَئمّة الكِبَار: كأَحمد، والبخاريُّ، وغيرِهما، حتَّى قال أَحمدُ:"لا أَعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد".
فإنَّ قيل: أَهل العلم يختلفون في اجتهادهم في تحسين الأَحاديث؛ فإنّه باب واسع.
قال الفقير إلى عفو ربِّه: هذا حقٌّ؛ ولكنْ مثلُ هذا يحتاج لاعتضادِه والحكم بظاهره إلى عمل الأَولين من الصحابة وفَهْمِهِم؛ فإنَّ وُجد أَنَّهم أَمروا بذلك على سبيل الاشتراط أَوِ الوجوب؛ قيل به، وإلَّا فإنَّ تركَهم له مِمَّا يدلُّنا على ضعفْه.
ومع ذلك؛ فإنَّ عامة مَنْ ذَهبوا إلى الحديث لم يأْخُذوا بظاهرِه؛ بل فرَّقوا بين المتعمِّد والنّاسي -إلَّا ما نقل عن إسحاق بن راهويه-، وهذا يدلُّ على عدم وجود المتمَسّك به من عمل الصحابة وفَهمِهم؛ إلَّا ما ثبت عند ابن أَبي شَيْبَة عن عمَر رضي الله عنه أَنَّه سمّى قبل اغتِسالِه، وهذا يدلُّ على الاستحباب.
50 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"إذا ذَكَر تقييدَ الوجوب بالذكْرِ؛ للجمع بين هذه الأَحاديث وبين حديث: "مَن توضأَ وذَكَر اسم الله عليه؛ كان طهورًا لجميع بدنه، ومن توضأَ ولم يذكُرِ اسم الله عليه؛ كان طهورًا لأَعضاء وضوئه"؛ أَخرجه الدّارقطنيّ -رحمه الله تعالى-، والبيهقيّ -رحمه الله تعالى- من حديث ابن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده متروك".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وفيه عبد الله بن حكيمِ أَبو بكر الدّاهريُّ، كذابٌ؛ يروي الموضوعات.
(1)(1/ 148).
51 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"ورواه الدّارقطنيّ والبيهقيّ من حديث ابن مسعود، وفي إسناده -أيضًا- متروك".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: فيه يَحْيَى بن هاشم السّمسار وهو كذاب.
52 -
قال الْمُصَنِّف (2):
"ورواه أَيضًا الدّارقطنيّ البيهقيّ من حديث أَبي هريرة، وفيه ضعيفان".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: أَمَّا الدّارقطنيُّ؛ ففي إسناده: مرداس بن محمّد بن عبد الله بن أَبي بردة، قال الذهبي:"لا أَعرفه، وخبره منكر في التّسمية على الوضوء"(3).
وأمَّا البيهقيُّ؛ ففي إسناده: سلمة الليثيُّ، قال البُخاريّ:"لا يعرف لسلمة سماع عن أبي هريرة، ولا ليعقوب عن أَبيه"(4).
53 -
قال الْمُصَنِّف (5):
"وهذه الأَحاديث لا تنتهض للاستدلال بها، وليس فيها أيضًا دلالة على المطلوب من أنّ الوجوب ليس إلَّا على الذكر، ولكنَّه دل على ذلك أحاديث عدم المؤاخذة على السّهو والنسيان، وما يفيد ذلك من الكتاب العزيز، فقد اندرجت تلك الأحاديث الضعيفة تحت هذه الأدلّة الكلية، ولا يلزم مثل ذلك في الأعضاء القطعيّة، وبعد هذا كلّه: ففي التّقييد بالذِّكْر إشكال".
(1)(1/ 148).
(2)
(1/ 148).
(3)
"الميزان"(6/ 394).
(4)
"السنن الكبرى"(1/ 44).
(5)
(1/ 148).
قال الفقير إلى عفو ربِّه: لو كان الحديث ثابتًا وعليه عمل الصّحابة؛ لقيل ببطلان وضوء مَن لم يسمِّ ناسيًا؛ كما قيل ببطلان صلاة من صَلَّى بلا وضوء ناسيًا؛ فتنبَّه!!
54 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"نعمْ؛ التّسمية أَدَبٌ كسائر الآداب العامَّة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ أَمر ذي بال لم يبدأ باسمِ الله؛ فهو أَبتر".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وهو حديث ضعيف: أَخرجه أَحمد (2)، وأَبو داود (3)، وابن ماجه (4)، والنَّسائيُّ (5)، والدَّارقطنيُّ (6)، والبيهقيّ (7) من طرق: عن الأَوزاعيّ، عن قرّة، عن الزُّهْريّ، عن أَبي سلمة، عن أَبي هريرة.
قال الدّارقطنيّ: "وأَرسله غيره عن الزُّهريّ، عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقرّة ليس بقويِّ في الحديث"(*).
55 -
قال الْمُصَنِّف (8):
"وأَقوله: قد تقرّر: أَن النَّفي في مثل قوله: "لا وضوء
…
" يتوجّه إلى الذّات إن أمكن فإن لم يمكن؛ توجّه إلى الأقرب إليها -وهو نفي الصِّحة-؟ فإنَّه أقرب المجَازينِ، لا إلى الأبعد-وهو نفي الكمال-، وإذا توجّه إلى الذات -أي: لا ذات وضوء شرعية أو إلى الصِّحة-: دلّ على
(1)(1/ 149).
(2)
"المسند"(2/ 359).
(3)
"السنن"(4840).
(4)
"السنن"(610).
(5)
في "السنن الكبرى"(10328).
(6)
"السنن"(1/ 229).
(7)
"السنن الكبرى"(3/ 209).
(*) وانظر "الإرواء"(1/ 29) و "الضعيفة"(رقم: 902).
(8)
(1/ 149).
وجوب التّسمية؛ لأنَّ انتفاء التّسمية قد استلزم انتفاء الذّات الشرعيّة، أو انتفاء صحّتها؛ فكان تحصيل ما يُحَصِّل الذّات الشرعيّة، أو صحتها واجبًا، لا يتوجه إلى نفي الكمال إلَّا لقرينة؛ لأنّ الواجب الحمل على الحقيقة، ثم على أقرب المجازات إليها إن تعذر الحمل على الذّات، ثمّ لا يحمل على أَبعد المجازات إلَّا لقرينة".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وهذا حقٌّ لو كان الحديث ثابتًا.
56 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"وَرُدَّ بأنَّه لم يرو بلفظ: "عشر من السنن"، بل بلفظ: "عشر من الفطرة
…
"، وعلي فرض وروده بذلك اللّفظ: فالمراد بالسُّنَّةِ الطريقةُ، وهي تعمُّ الواجب، لا ما وقع في اصطلاحِ أهل الأُصول؛ فإنَّ ذلك اصطلاحٌ حادث، وعُرف متجدِّد؛ لا تحملُ عليه أقوال الشارع".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وما أكثرَ المُخْطِئِينَ في فَهْم الكتَاب والسُنّة؛ بسبب المصطلحاتِ الحادثةِ في (علم أُصول الفقه)؛ المبَنيِّ-جُلُّه- على علم الكلام والمنطق؛ الّذي بسببه هجِرت آثار الصّحابة وعلومهم رضي الله عنهم والله المستعان!!
57 -
قال الْمُصَنِّف (2):
"وهذه هي الهيئة الّتي استمرّ عليها صلى الله عليه وسلم، فاقتضى هذا أَفضليةَ الهيئة التي كان صلى الله عليه وسلم يداوم عليها؛ وهي: مسح الرّأس مُقبلًا ومدبرًا، وإجزاء غيرها في بعض الأَحوال".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: والأَمر كما قال رحمه الله؛ فقد ثبت عن عدد من الصّحابة الاقتصارُ على مسح بعض الرأْس؛ منهم:
(1)(1/ 152).
(2)
(1/ 155).
1 -
ابن عمر رضي الله عنهما، فقد روى ابن أَبي شيبة (1)، وعبد الرّزاق (2) من طرق عن أَيّوب، عن نافعٌ، قال:"كان ابن عمر رضي الله عنهما يمسح رأْسه مرَّةً واحدة، ويضع يده على وسط رأسه، ثمّ يمسح إلى مقدَّم رأْسه".
2 -
سلمة بن الأكَوع رضي الله عنه، فقد روى ابن أَبي شيبة (3): ثنا حمّاد بن مسعدة، عن يزيد، قال:"كان سلمة يمسح مقدَّم رأسه".
58 -
قال المُصَنِّف (4):
"مع أُذُنَيْهِ: وجهُهُ ما ثَبت في الأَحاديث الصَّحيحة؛ أَنَّه صلى الله عليه وسلم مسحَهُما مع مسح رأسه، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ: "الأُذُنان من الرأس"؛ من طرق يقوّي بعضُها بعضًا".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: الحديث له أَكثر من ثَمانِيَةِ طرُقٍ؛ يغلب على ظَنّ مَنْ وقف عليها صحّتُه، وعملُ الصّحابة دليل عليه:
الأَوّل: عن أَبي أُمامة، أَخرج حديثه: أَبو داود (5)، والتّرمذيُّ (6)، وابن ماجه (7) من طريق سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن أَبي أُمامة.
قال ابن دقيقِ العيدُ في "الإمام": "وهذا الحديث معلول بوجهين:
(أَحدهما): الكلام في شهر بن حوشب، و (الثَّاني): الشَّكّ في رفعه".
الثَّاني: عبد الله بن زيد، أَخرج حديثه ابن ماجه (8) مرفوعًا؛ وهو أَقوى حديث في الباب؛ لاتصاله وثقة رِواته.
(1)(1/ 16).
(2)
(1/ 6).
(3)
(1/ 34).
(4)
(1/ 156).
(5)
"السنن"(134).
(6)
"السنن"(37).
(7)
"السنن"(444).
(8)
"السنن"(443).
قال الحافظ: "حديث عبد الله بن زيد قوّاه المُنذريّ، وابن دقيق العيد، وقد بينتُ أَنّه مدرج"(1).
الثالث: ابن عبَّاس، أَخرج حديثه: الدّارقطنيّ (2)، وابن عديّ (3) عن أَبي كاملِ الجحدريّ، وأَعلَّه بالاضطراب في إسناده، وقال: إنّ إسناده وهم، وإنّما هو مرسل عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
الرَّابع: أَبو هريرة، أَخرج حديثه: ابن ماجه (4) بسند فيه عمرُو بن الحصين، ومحمّد بن عبد الله بن علاثة، وأَخرجه الدّارقطنيّ (5) من هذا الطريق مرفوعًا، ثمّ قال:"عمرو بن الحصين وابن علاثة ضعيفان"، وأَخرجه (6) عن البختري بن عبيد، عن أَبيه، عن أَبي هريرة مرفوعًا، ثمّ قال:"والبختريّ ضعيف، وأَبوه مجهول"، وأَخرجه (7) عن عليّ بن هاشم، عن إسماعيل بن مسلم المكيِّ، عن عطاء، عن أَبي هريرة، وقال:"وإسماعيل بن مسلم ضعيف".
الخامس: أَبو موسى الأشَعريّ، روى حديثه الدّارقطنيّ (8) من طريق أَشعث بن سوار، عن الحسن، عن أَبي موسى مرفوعًا، وقال:"والصواب موقوف، والحسن لم يسمع من أَبي موسى"، ثمّ أَخرجه موقوفًا.
السّادس: عائشة، أَخرج حديثها: الدَّارقطنيّ (9) عن محمد بن الأَزهر الجوزجاني: نا الفضل بن موسى السيناني، عن ابن جريج عن سليمان بن موسى، عن الزُّهريّ، عن عروة عنها، وقال "كذا قال، والمرسل أَصحّ".
(1)"التلخيص الحبير"(1/ 160).
(2)
"السنن"(1/ 11 - 12).
(3)
"الكامل في ضعفاء الرجال"(4/ 1513).
(4)
"السنن"(445).
(5)
"السنن"(1/ 32).
(6)
"السنن"(1/ 34).
(7)
"السنن"(1/ 27).
(8)
في "السنن"(1/ 35).
(9)
"السنن"(1/ 20).
وقال الحافظ عن محمّد بن الأَزهر: "كذَّبه أَحمد"(1).
السّابع: أَنس، أَخرج حديثه: الدّارقطنيّ (2)، وابن عديّ (3)، من طرق، عن عبد الحكم، عنه.
قال الحافظ: "حديث أَنس أَخرجه الدّارقطنيّ من طريق عبد الحكم، عن أَنس؛ وهو ضعيف"(4).
الثامن: ابن عمر، أَخرج حديثه: الدّارقطنيّ (5) من طريق الجراح بن مخلد: نا يَحْيَى بن العريان الهروي: "نا" حاتم بن إسماعيل، عن أُسامة بن زيد، عنه، وقال:"كذا قال، وهو وهم، والصّواب عن أُسامة بن زيد عن هلال بن أُسامة الفهري عن ابن عمر موقوفًا"(*).
59 -
قال الْمُصَنِّف (6):
"وقالت الإمامية: الواجب مسحُهُما".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: الإمامية: "همُ القائلون بإمامة عليٍّ رضي الله عنه بعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نصًّا ظاهرًا، وتعيينًا صادقًا، من غير تعريض بالوصف؛ بل إشارةٍ إليه بالعين، قالوا: وما كان في الذين والإسلام أَمر أَهمّ من تعيين الإمام، حتَّى تكون مفارقتُه الدُّنيا على فراغ القلب من أَمر الأُمّة؛ فإنَّه إنَّما بعث لرفع الخلاف وتقرير الوفاق
…
، ثمّ إن الإماميّةَ تخطَت عن هذه الدّرجة إلى الوقيعة في كبار الصّحابة؛ طعنًا وتكفيرًا، وأَقله: ظُلمًا وعُدوانًا" (7).
(1)"التلخيص"(1/ 92).
(2)
"السنن"(1/ 45).
(3)
"الكامل في ضعفاء الرجال"(2/ 450).
(4)
"التلخيص"(1/ 92).
(5)
"السنن"(1/ 97).
(*) وروي من حديث سمرة بن جندب: أخرجه البيهقي في "الخلافيات"(رقم: 240) وفيه الحجاج بن يوسُف الثقفي! لا يحتج بحديثه كما قال البيهقي. وروي من حديث عبد الله بن أبي أوفى، أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/ 2284) وقال:"حديث باطل بهذا الإسناد". وانظر باقي طرقه ومروياته في "الخلافيات" للبيهقي بتحقيق الشَّيخ مشهور بن حسن وفقه الله.
(6)
(1/ 159).
(7)
"الملل والنّحل" للشهرستاني (1/ 162).
60 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"والحاصل: أَنّ الحقَّ ما ذهب إليه الجمهور، من وجوب الغُسْل، وعدم إجزاء المسح".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: قال الإمام البخاريّ رحمه الله في "الصَّحيح": "30 - باب غَسْل الرِّجلين في النّعلين، ولا يمسح على النّعلين".
قال الحافظ: "أَي: لا يكتفي بالمسح عليهما كما في الخفّين، وأَشار بذلك إلى ما روي عن على وغيره من الصّحابة: أَنّهم مسحوا على نعالَهم في الوضوء، ثمّ صلُّوا، وروي في ذلك حديثٌ مرفوع أَخرجه أَبو داود وغيرُه من حديث المغيرة بن شعبة، لكن ضعَّفه عبد الرَّحمن بن مهديّ وغيرُه من الأَئِمّة، واستدل الطحَاويّ على عدم الإجزاء بالإجماع على أَنّ الخُفّين إذا تخرَّقا حتّى تبدُوَ القدمان، أَن المسح لا يجزئُ عليهما، قال: فكذلك النّعلان؛ لأَنَّهما لا يُفيدان القدَمَين"(2).
قال ابن القيِّمْ "هذا الحديث من الأَحاديث المُشكِلَة جدًّا، وقد اختلف مسالك النَّاس في دفع إشكاله:
1 -
فطائفة ضعّفته؛ منهم: البُخاريّ والشّافعيّ، قال: والذي خالفه أَكثر وأَثبت منه.
المسلك الثَّاني: أَن هذا كان في أَوَّل الإسلام، ثمّ نُسخ بأَحاديث الغُسْل، وكان ابن عبَّاس يذهب إليه أَوّلًا، ففي الدّارقطنيّ: عن عبيد الله بن عقيل، "أَنّ عليَّ بن الحسن أَرسله إلى الرّبيع بنت معّوذ؛ يسأَلها عن وضوء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فذكرتِ الحديثَ وقالت: ثمّ غَسل رجليه، قالت: وقد أَتاني ابن عمِّ لك -تعني: ابن عباس- فأَخبرته، فقال: ما أجد في الكتاب إلَّا غُسلين ومسحين"، ثمّ رجع ابن عباس عن هذا، لمَّا بلغه غَسْلُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رجليْه،
(1)(1/ 161).
(2)
"الفتح"(1/ 267).
وأَوجب الغُسْل، فلعلَّ حديث على وابن عباس كان في أَوَّل الأَمر ثمّ نُسخ.
المسلك الثالث: أَن الرّواية عن عليٍّ وابن عبَّاس مختلفة؛ فرُويَ عنهما هذا، وروي عنهما الغُسل؛ كما رواه البخاريّ في "الصَّحيح" عن عطاءِ بن يسار، عن ابن عبَّاس؛ فذكر الحديث، وقال في آخره: "
…
أَخذ غَرْفَةَ من ماء فرشَّ بها على رجله اليمنى، حتَّى غَسَلها، ثمّ أَخذ غَرْفَة أُخرى فَغَسَل بها رجلَه اليسرى"، فهذا صريح في الغُسل، ثمّ ذَكَر أَحاديثَ كثيرَةً صريحةً في غَسل الرِّجلين، ثمّ قال: قالوا: والّذي رَوى أَنَّه رشَّ عليهما في النَّعل هو هشام بن سعدٍ، وليس بالحافظ، فرواية الجماعة أَولَى من روايته، على أَن الثوريّ وهشامًا روَيا ما يوافق الجماعةَ: عن عطاء بن يسارٍ، عن ابن عبَّاس، قال: "أَلا أُريك وُضوءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتوضأَ مرَّة مرَّة، ثمّ غَسل رجليه وعليه نعليه".
وأَمَّا حديث عليٍّ؛ فقال البيهقي: "رَوَينا من أَوجهٍ كثيرةٍ عن عليٍّ أَنَّه غَسَل رجليه في الوضوء"، ثمّ ساق منها حديثَ عبد خير، وحديث زِرّ بن حُبيش، وحديث أَبي حيّة -إلى أَن قال:- قالوا: وإذا اختلفتِ الرِّوايات عن عليٍّ وابن عبَّاس وكان مع أَحدِهما رواية الجماعة؛ فهي أَولى.
المسلك الرَّابع: أَن أَحاديث الرّشّ والمسح إنَّما هي وضوء تجديد للطّاهر، لا طهارةٍ رفع حدث، بدليل ما رواه شعبة: حدَّثنا عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت النزال بن سبرة يحدّث عن عليٍّ: "أَنَّه صَلَّى الظّهر، ثمّ قعد في حوائج النَّاس في رحبة الكوفة، حتَّى حضَرَت صلاة العصر، ثمْ أَتى بكوزٍ من ماء، فأَخذ منه بحفنة واحدة؛ فمسح بها وجهه، ويديه، ورأْسَه، ورِجليه، ثمّ قام فشرب فَضْلَه وهو قائم، ثمّ قال: وإنّ ناسًا يكرهون الشُّرب قائمًا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت، وقال: "هذا وضوء مَنْ لم يُحْدِث"، رواه البُخاريّ بمعناه.
قال البيهقي: "في هذا الحديث الثابت دلالة على أَن الحديث الَّذي رُوي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في المسح على الرِّجلين -إنْ صحَّ- " فإنّما عنى به وهو طاهر غير محدث.
وعن عبدِ خيرٍ، عن عليٍّ، "أَنَّه دعا بكوز من ماء، ثمّ توضأ وضوءًا خفيفًا، ومسح على نعليه، ثمّ قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما لم يحْدث" وفي رواية: "للطّاهر ما لم يُحْدث"، وفي هذا دلالة على أَن ما روى عن عليّ في المسح على النّعلين؛ إنّما هو في وضوءٍ مُتَطَوَّعٍ به، لا في وضوءٍ واجبٍ عليه حق حدث يوجب الوضوء.
المسلك الخامس: أَن مَسْحَه رِجْلَيه وَرَشَّه عليهما؛ لأنَّهما كانا مستورَين بالجَورَبَين في النّعلين.
المسلك السّادس: أَن الرجل لها ثلاثة أَحوال:
حالةٌ: تكون في الخُفّ؛ فيجب مسحُ ساترها.
وحالةٌ: تكون حافيةً؛ فيجب غَسلُها.
وحالةٌ: تكون في النّعل، وهي حالة متوسِّطة بين كشفها، وبين سَترها بالخُفِّ، فأُعطيت حالةً متوسِّطة من الطّهارة -وهي الرّشّ-؛ فإنَّه بيَّن الغُسْل والمسح، وحيث أُطلق لفظ المسح عليها في هذه الحالة؛ فالمراد به الرّشّ؛ لأَنه جاء مفسّرًا في الرّواية الأُخرى.
المسلك السّابع: أَنّه دليل على أَنّ فرض الرَّجلين المسحُ، وحكي عن داود الجوارى وابن عباس، وحكي عن ابن جرير أَنَّه مخير بين الأَمرين، فأَمَّا حكايتُه عن ابن عبَّاس؛ فقد تقدَّمت، وأَمَّا حكايته عن ابن جرير؛ فغلط بيِّن، وهذه كتُبُه، وهذا وتفسيرُه؛ كلُّها تكذِّب هذا النّقلَ عنه، وإنَّما دخلتِ الشُّبهة؛ لأَن ابن جرير -القائل بهذه المقالة- رجل آخرُ من الشِّيعة؛ يوافقُه في اسمه واسم أَبيه.
وبالجملة؛ فالّذين رَوَوا وضوءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ مثلُ عثمانَ، وأَبي هريرة، وعبد الله بن زيد، وكثيرين؛ لم يذكر أَحدٌ منهم ما ذُكر في حديث عليٍّ، وابن عبَّاس، مع الاختلاف المذكور عليهما" (1).
(1)"المنهل العذب المورود"(2/ 38 - 39).
61 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"ومَسْحُ أَعلى الخُفِّ فرض، ومسح أَسفله سنةٌ؛ عند الشَّافعيّ".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: لعلّه اعتمد في هذا على حديث المُغيرة: "أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مسح أَعلى الخفِّ وأَسفلَه"؛ إلَّا أنَّه حديث معلول بأَربع علل:
"الأوُلىْ أَنّ ثور بن يزيد لم يسمعه من رجاء بن حيوة؛ بل قال: حُدِّثت عن رجاء، قال عبد الله بن أَحمد في كتاب "العلل": حدَّثنا أَبي، قال: وقال عبد الرَّحمن بن مهديّ، عن عبد الله بن المبارك، عن ثور بن يزيد، قال: حُدِّثت عن رجاء بن حيوة.
الثَّانية: أَنه مرسل، قال التِّرمذيُّ: سأَلت أَبا زُرعة ومحمَّدًا عن هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح؛ لأنّ ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء، قال: حُدِّثت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: أَن الوليد بن مسلم لم يصرِّح فيه بالسّماع من ثور بن يزيد، بل قال فيه: عن ثور، والوليد مدلس، فلا يحتجُّ بعنعنته ما لم يصرِّح بالسّماع.
الرّابعة: أَن كاتب المغيرة لم يُسَمَّ فيه، فهو مجهول، ذكر أَبو محمّدٍ ابن حزم هذه العلّة" (2).
والثّابت عن المغيرة وعليٍّ رضي الله عنهما؛ مرفوعًا: "مسح أَعلى الخفّ".
62 -
قال الْمُصَنِّف (3):
"وبالجملة: فمشروعيّة المسح على الخُفّين أَظهرُ من أَنْ يطولَ الكلامُ عليها؛ ولكنَّه لمّا أكثر الخلاف فيها وطال النّزاع؛ اشتغل النَّاس بها، حتَّى جعلها بعض أهل العلم من مسائل الاعتقاد".
(1)(1/ 162).
(2)
"تهذيب السنن"(1/ 124).
(3)
(1/ 164).
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وذلك حقٌّ؛ لأنَّ مسح القدمين العاريتين صار من شعار الرّافضة، فوجب على أَهل السُّنة تحذيرُ الأمّة -في كتب عقائدهم- من هذه الطائفة؛ التي من شعارها:"مسح القدمين دون الغَسْل".
63 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"في غير الرأس؛ لأنّ الأَحاديثَ الواردةَ بتثليث سائر الأَعضاء؛ وقع التصريح فيها بإفراد مسح الرأس، ولا تقوم الحجّةُ بما ورد في تثليثه".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وَرَد عن أَبي داود (2) في إحدى طرق حديث عثمانَ؛ في صفة وضوئِه صلى الله عليه وسلم قال: "ومسح رأْسه ثلاثًا"؛ ولكنّها شاذةٌ؛ لتفرُّد عبد الرَّحمن بن وردانَ بها، ومخالفته لمن هو أَوثق منه.
64 -
قال الْمُصَنِّف (3):
"وأَمَّا التَّرتيب؛ فمن جملة ما استدل به القائل بوجوب التَّرتيب: أَنَّ الآية مجملة باعتبار أنّ (الواو) أطلق الجمع على أيّ صفة كان؛ فبيّن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للأمّة أنّ الواجد من ذلك هيئة مخصوصة هي المروية عنه، وهي مرتّبة.
وأيضًا؛ الوضوء الَّذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "لَا يقبل الله الصَّلاة إلّا به" كان مرتبًا؛ والحديث المذكور -وإن كان في جميع طرقه مقال-؛ لكنّها يقوي بعضها بعضًا؛ ويؤيّده ما أخرجه أحمد، وأبو دواد، وابن ماجه، وغيرهم مرفوعًا عن أبي هريرة:"إذا توضأتم فابدؤا بميامنكم":
قال ابن دقيق العيد: هو خليقٌ بأنَّ يصح.
وقد حقق الكلامَ على هذا شيخُنا العلامة الشوكانيُّ في "شرح المُنتقى".
(1)(1/ 167).
(2)
"السنن"(107).
(3)
(1/ 167).
قال الفقير إلى عفو ربِّه: واستدل بعضُ مَن يرى عدمَ وجوب التَّرتيب بحديث المقدام بن معدي كرب، وفيه:"أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق بعد غَسل يديه"، رواه أَحمد (1)، وأَبو داود (2).
والحقُّ: أَن هذا الحديثَ لا دليل فيه على عدم وجوب التَّرتيب بين فروض الوضوء؛ وذلك أَنّ المضمضة والاستنشاق تابعان للوجه، وليسا عضوا مستقلًا، نعمْ؛ يصحُّ الاستدلال لو جاء في الحديث أَنَّه:"غَسل وجهه بعد يديه" إلَّا أَن ذلك لم ينقلْ في حديثٌ صحيحٌ ولا ضعيف.
ولو أَنّه اسْتُدلَّ به على جواز تأْخير المضمضة والاستنشاق بعد غَسْل اليدين؛ لكان مقبولًا.
(تنبيه): ثبت عن الصّحابة رضي الله عنهم القولُ بعدم وجوب التَّرتيب بين عضويِ الفرض الواحد؛ منهم:
أَوّلًا: فعن عليٍّ رضي الله عنه، أَنَّه قال:"ما أُبالي لو بدأْتُ بالشِّمال قبل اليمين في الوضوء": أَخرجه ابن أَبي شَيبة (3): ثنا حفصٌ، عن إسماعيل بن أَبي خالد، عن زياد، عن عليٍّ به.
ثانيًا: وعنِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، أَنه سُئل عن رجلٍ توضأَ فبدأَ بمياسرِه؟ فقال:"لا بأس": أَخرجه الدَّارقطنيّ (4): ثنا هُشيم، قال: أَخبرنا المسعوديُّ، عن سلمة بن كهيل، عن أَبي العبيدين، عن ابن مسعود؛ مثلُه، وقال:"صحيح"، ولعلّه يقصر إلى الحسن؛ للكلام المعروف في المسعودي.
(1)"المسند"(4/ 132).
(2)
"السنن"(121).
(3)
"المصنف"(1/ 421).
(4)
"السنن"(1/ 89).
65 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"وإطالة الغُرّة والتحجيل: لثبوته في الأحاديث الصَّحيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أمَّتي يُدْعَوْن يوم القيامة غُرًّا مُحَجَّلين من آثار الوضوء"، فمَنِ استطاع منكم أَن يطيل غرّته؛ فليفعل".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: قوله: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرّته؛ فليفعل"؛ هذا من كلام أَبي هريرة رضي الله عنه، والوهم فيه: من نعيم بن حمَّاد، انظر "الفتح" عند شرحه للحديث رقم (136).
66 -
قال الْمُصَنِّف (2):
"وتقديم السّواك استحبابًا: وجهه الأحاديث المتواترة من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله، وليس في ذلك خلاف.
قال في "الحجّة": قوله صلى الله عليه وسلم "لولا أَنْ أَشقَّ على أُمَّتي لأَمرتُهم بالسّواك عند كلِّ صلاة".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: رواية: "مع كلِّ وضوء" معلولة، قال البيهقي: "رواه أَبو عبد الله الصفار عن إسماعيل موقوفًا، وهو المحفوظ عن القعنّبي؛ موقوف
…
، ورواه محمد بن إسحاق بن خزيمة، عن عليّ بن معبد عن روح بن عبادة، عن مالك كذلك مرفوعًا، ثمّ قال: هذا الخبر في "الموطأ غير مرفوع"
…
وقال محمد بن إسحاق في غير هذه الرّواية: يشبه أَن يكون مالك قد كان يحدث به مرفوعًا، ثمّ يشكّ في رفعه؛ يعني: فيقِفُه؛ كما قال الشَّافعيّ: كان مالك إذا شكّ في شيء انخفض، والنّاس إذا شَكُّوا في الشّيء ارتفعوا" (3).
(1)(1/ 167).
(2)
(1/ 168).
(3)
"معرفة السنن والآثار"(1/ 258).
67 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"ونوم المضطجع؛ وجهه: أَن الأَحاديث الواردةَ بانتقاض الوضوء بالنَّوم -كحديث: "مَن نام؛ فليتوضأْ"- مقيّدة بما ورد أَن النّوم الَّذي ينتقض به الوضوء هو نوم المضطجع.
وقد روي من طرق متعدّدة، والمقال الَّذي فيها ينجبر بكثرة طرقها، وبذلك يكون الجمع بين الأَدلّة المختلفة".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: قال أَبو عبد الرَّحمن (*) -محقّق الزّمان-: "هذه الدّعوى باطلة؛ فإنَّ شرط انجبار الحديث بكثرة الطّرق: أَنْ لا يكون فيها متَّهم، أَو متروك؛ كما بينه النّووي وغيره في مصطلح الحديث.
ويدلّك على ذلك: أَنَّه كم من حديث له من الطّرق أَكثرُ من هذا بكثير، ومع ذلك؛ فقد ظَلُّوا يحكمون عليها بالضّعف؟!! وهذا الحديث لا يوجد فيه هذا الشّرطُ، على قلّتها -أَعني: طرقَه-؛ وهي ثلاثة:
الأوّل: حديث ابن عبَّاس، وله أَربع -بل خمس- علل؛ بيّنّاها في "الأحَاديث الضَّعيفة" التي جرّدناها من "سنن أَبي داود" رقم (26).
الثَّاني: حديث عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جدّه، قال الشوكاني في "النيل" (1/ 170):"وفيه مهدي بن هلال، وهو متّهم بوضع الحديث، ومن رواية عمر بن هارون البلخي، وهو متروك، ومن رواية مقاتل بن سليمان، وهو متّهم".
الثالث: حديث حذيفة: أَخرجه البيهقي (1/ 120)، وقال:"ينفرد به بحر بن كنيزٍ السقاء، وهو ضعيف لا يحتجّ بروايته".
فمثل هذه الطرق لا ينجبر بها الحديث؛ بل تزيده وهنًا على وهن" (2).
(1)(1/ 170).
(*) الشَّيخ الألباني.
(2)
"التعليقات الرّضيّة على الرّوضة النّدية"(1/ 170).
68 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"وفي ذلك ثمانية مذاهبَ استوفيناها في "مِسك الختام شرح بلوغ المرام"، واستوفاها الماتن في "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار"، وذكر الأحاديث المختلفة وتخريجها، وترجيح ما هو الرّاجح.
قال الشَّافعي رحمه الله: النّوم يَنقض الوضوءَ إلَّا نومُ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَتَهُ.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: لو نام قائمًا أو قاعدًا أو ساجدًا؛ لا وضوء عليه حتَّى ينام مضطجعًا أو متكئًا.
كذا في "المُسَوّى"".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: والقول الصَّحيح؛ الَّذي تجتمع عليه النُّصوص: هو الفرق بين النَّوم العميق، والنّوم الخفيف.
فتحمل الأَحاديث الّتي دلّت على النَّقض -كحديث صفوانَ بن عسّال- على النّوم العميق.
وحديث أَنس: "أَنَّهم كانوا ينامون حتَّى يُسمعَ لأَحدهم غطيط، ثمّ يقومون فيصلُّون ولا يتوضّأون"؛ على النّوم الخفيف؛ فإنَّ الإنسان قد يسمع له غطيط حالَ إغفائه؛ وهو يشعر بنفسْه إذا أحدث، وبمن حولَه إذا تحدّثوا.
وحديث عليٍّ ومعاوية -مرفوعًا-:
"العَيْنُ وكاءُ السَّهِ؛ فإذا نامَتِ العَيْنان اسْتَطلَقَ الوكاءُ"، حسنَّه ابن المُنذر؛ فهذا يدلُّ على أَن النّوم مِظَنَّةٌ للنَّقض، وليس ناقضًا بنفسِه، وأَمَّا التّفريقُ في الحكم بناءً على هيئة النَّائم -مضطجعًا، أَو راكعًا، أَو ساجدًا، أَو قائمًا، أَو قاعدًا؛ فلا يوجد له مستند صحيح في السنّة، ومما يدل على أَن النّوم يكون خفيفًا وثقيلً؛ قول الله تبارك وتعالى:{لا تأخذه سنة ولا نومٌ} .
(1)(1/ 170).
69 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"وأَكل لحم الإبل: وجهه قوله صلى الله عليه وسلم لمَّا قيل له: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ - قال: "نعم"، وهو في "الصحيح" من حديث جابر بن سَمُرة رضي الله عنه.
وقد رُوي -أيضًا- من طريق غيره.
وذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء، واستدلّوا بالأحاديث الّتي نَسَخت الأحاديث الواردة في الوضوء ممّا مسّت النَّار.
ولا يخفى أنّه لم يصرَّح في شيء منها بلحوم الإبل حتَّى يكون الوضوء منها منسوخًا.
وقد ذهب إلى انتقاض الوضوء بأكل لحوم الإبل أحمد بن حنبل رحمه الله، وإسحاق ابن راهويه رحمه الله، ويحيى بن يَحْيَى رحمه الله، وابن المنذر رحمه الله، وابن خزيمة رحمه الله، والبيهقيّ رحمه الله، وحُكي عن أصحاب الحديث رحمهم الله، وحُكي عن جماعة من الصّحابة رضي الله عنهم كما قال النووي رحمه الله.
قال البيهقي رحمه الله: حُكي عن بعض أصحابنا، عن الشَّافعي رحمه الله، أنّه قال: إن صحّ الحديث في لحوم الإبل قلت به، قال البيهقي رحمه الله: قد صحّ فيه حديثان: حديث جابر بن سَمُرة رضي الله عنه، وحديث البراء رضي الله عنه.
قال في "الحجَّة": "وأمّا لحم الإبل فالأمر فيه أشدُّ، لم يقل به أحد من فقهاء الصّحابة رضي الله عنهم والتابعين رضي الله عنهم ولا سبيل إلى الحكم بنسخه، فلذلك لم يقل به من يغلب عليه التخريج، وقال به أحمد رحمه الله، وإسحاق رحمه الله؛ وعندي أنَّه ينبغي أن يحتاط فيه الإنسان والله أَعلم".
(1)(1/ 171).
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وقدِ اشتهر في كثير من كتب الفقه بما يتعلَّق بهذه المسأَلة: أَمران؛ هما من قبيل الخطأ:
الأَوّل: قولهُم: بأَن حديث جابر -"كان آخر الأمَرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم تركُ الوضوء ممَّا مسّتِ النَّار"، رواه أَبو داود (1) وغيرُه- ناسخٌ لحديث جابر بن سمرة: أَنَتوضأُ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم"؛ وهذا خطأ؛ لأنّ جابرًا سأَله عن أَمرين: "أَنتوضأُ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت"، قال: أَنتوضأُ من لحوم الإبل؟ قال: "نعمْ"، أَخرجه مسلم (2).
فهذا تفريق منه صلى الله عليه وسلم بين لحوم الإبل وغيرهما، وظاهر هذا أَنَّه كان بعد النّسخ، يدل على ذلك حديث البراء:"توضّؤا من لحوم الإبل، ولا توضّؤا من لحوم الغنم"، أَخرجه أَبو داود (3)، وغيره.
الثَّاني: قولهم: إنه ثبت عن الخلفاء الأَربعة ترك الوضوء من لحوم الإبل.
وهذا لا أَساس له من الصّحّة، بل لا يعرف أَنّ أَحدًا من الصّحابة صرّح بترك الوضوء من لحوم الإبل.
ثمّ إنِّي وقفت على أَثر رواه ابن أَبي شيبة (4) من طريق ابن عليّة، عن حميد، عن أَبي العالية:"أَنَّ أَبا موسى نحر جَزورًا، فأَطعم أَصحابَه، ثمّ قاموا يصلّون بغير طُهور، فنهاهم عن ذلك، وقال: ما أُبالي مشيت في فرثها ودمها ولم أَتوضّأ، أَو أَكلت من لحمها ولم أَتوضّأْ"، وإسناده صحيح.
فهذا يدلّ على أنّ الصّحابة كانوا يفتون بمقتضى الحديث.
(1)"السنن"(1/ 192).
(2)
(1/ 275).
(3)
"السنن"(1/ 184).
(4)
"المصنف"(1/ 515).
70 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"منها: حديث عائشة رضي الله عنها، عنه صلى الله عليه وسلم: "من أَصابه قيءٌ، أَو رعافٌ، أَو قلس، أَو مذيٌ؛ فلينصرِف فليتوضّأ"، وفي إسناده: إسماعيل بن عياش، وفيه مقال".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: وفيه علّة أُخرى: وهي الإرسال: بين عبد العزيز بن جريج وعائشة.
71 -
قال الْمُصَنِّف (2):
"وفي الباب عن جماعة من الصّحابة رضي الله عنهم، والمجموع ينتهض للاستدلال به".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: عن ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا رعف الرَّجل أَو ذرَعه القيءُ أَو وجد مَذيًا؛ فإنّه ينصرف فيتوضّأ، ثمّ يرجع فيبني على ما مضى؛ إن لم يتكلم"(3)، قال: حدَّثنا إسحاق عن عبد الرّزاق عن معمر، عن الزُّهريّ، عن سالم، عن ابن عمر به، وإسناده صحيح.
72 -
قال الْمُصَنِّف (4):
"في "المسوّى": قال الشَّافعي رحمه الله: الرّعاف والحجامة لا ينقضان الوضوء.
وقال أَبو حنيفة رحمه الله ينقضان إذا كان الدم سائلًا.
(1)(1/ 173).
(2)
(1/ 173).
(3)
"الأَوسط" لابن المنذر (1/ 184).
(4)
(1/ 176).
وقال مالك رحمه الله: الأَمر عندنا أَنّه لا يتوضّأ من رعاف، ولا دمِ، ولا من قيح يسيل من الجسد، ولا يتوضّأ إلَّا من حدث يخرج من ذَكَر، أو دبر، أَو نوم".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: تقدَّم أَن الدّم الكثير الّذي يفحش في النّفس؛ ينقض الوضوء، على ما جاءت به الآثار، وهكذا الرّعاف ينقض بالشّرط المتقدِّم، وبهذا جاءت الآثار.
73 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"ومع هذا؛ فقد كان الصّحابة رضي الله عنهم يباشرون مع معارك القتال ومُجَاوَلة الأبطال في كثير من الأحوال ما هو من الشّهرة بمكانِ أوضحَ من الشّمس، فلو كان خروج الدّم ناقضًا: لما ترك صلى الله عليه وسلم بيانَ ذلك مع شدّة الاحتياج إليه، وكثرة الحامل عليه".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: انظر ما تقدَّم آنفًا في الفقرة (16).
74 -
قال الْمُصَنِّف (2):
"وفي الباب أَحاديث عن جماعة من الصّحابة رضي الله عنهم؛ منهم: جابر رضي الله عنه، وأبو هريرة رضي الله عنه، وأم حبيبة رضي الله عنها، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، يزيد بن خالد رضي الله عنه، وسعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها، وابن عباس رضي الله عنهما، وابن عمرو رضي الله عنهما، والنعمان بن بشير رضي الله عنه، وأنس رضي الله عنه، وأُبَيّ بن كعب، ومعاوية بن حيدة رضي الله عنه، وقبِيصة رضي الله عنه، وأَروى بنت أَنيس".
(1)(1/ 176).
(2)
(1/ 177).
قال الفقير إلى عفو ربِّه: جل هذه الأَحاديث لا تخلوا من ضعف وعلّة، ولا يكاد يثبت منها، إلَّا حديث بسرة، وأَبي هريرة، وعمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جدّه.
وحديث طلق في نفي الوجوب صحيح لا غبار عليه، وهو أَقوى سندًا من حديث بسرة، وأَبي هريرة، وعمرو بن شعيب، بالنَّظر إلى كل حديث بمفرده.
75 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"قد ذهب إلى انتقاض الوضوء بمسّ الذّكر جماعةٌ من الصّحابة والتّابعين رضي الله عنهم، والأئمّة رحمهم الله، ومالوا إلى العمل بحديث بُسرة لتأخر إسلامها.
وذهب إلى خلاف ذلك جماعة كذلك.
والحقُّ الانتقاض".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: لا يصار إلى التّرجيح إلَّا عند تعذر الجمع بين النّصوص، والجمع ممكن؛ بأنْ يقال: إنّ الأمر بالوضوء من مسّه محمول على الاستحباب، وأَن النفي في حديث طلق محمول على الوجوب، وأَمَّا الصّحابة؛ فنقل عنهم هذا وذاك.
قال ابن عبَّاس رضي الله عنه: "ما أُبالي مسَسْتُ ذَكَري، أَوْ أُذُني، أَو أَنفي "، رواه ابن أَبي شَيبة (2): حدَّثنا ابن فضيل، عن الأَعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس به.
وعن سعد: ما رواه مالك (3)، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن مصعب، بن سعد بن أَبي وقاص، قال: "كنت أَمسك المصحف على أَبي
(1)(1/ 178).
(2)
"المصنف"(1/ 163).
(3)
"الموطأ"(1/ 50).
فاحتككت، فقال:"لعلّك مسَسْت ذَكَرك، قلت: نعمْ، قال: قم فتوضأْ، فقمت فتوضأت، ثمّ رجعت".
وأَمَّا مسُّه بيده من غير قصد؛ فلا يظهر لي فيه استحباب.
76 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"ولمس المرأَة، قال به عمر، وابن مسعود".
قال الفقير إلى عفو ربِّه: أَمَّا أَثر عمر؛ فقد أَخرجه: الدّارقطنيّ (2)، والبيهقي (3)، من طريق عبد العزيز بن محمد الدّارورديّ، عن محمد بن عمرو بن وقّاصٍ اللَيثيّ، عن الزُّهريّ، عن سالم، عن أَبيه، عن ابن عمر.
وهو لا يصحُّ عنه لوجهين:
الأوّل: الاضطراب في إسناده، قال ابن عبد البَرّ:"هو عندهم خطأٌ؛ لأَن الحفَّاظ -أَصحاب ابن شهاب- يجعلونه عن ابن عمر؛ لا عن عمر"(4).
الثَّاني: ما صحّ عنه في عدم النَّقض، رواه عبد الرّزاق (5) عن ابن عُيَينة، عن يَحْيَى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمّد بن عمرِو بن حزم، عن عبد الله بن عمر:"أَن عاتكة بنتَ زيدِ قَبّلت عمر بن الخطاب وهو صائم؛ فلم يَنْهَها، قال: وهو يريد الصَّلاة، ثمّ مضى فصلَّى ولم يتوضّأْ".
وكذا صحّ عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال:"لا وضوءَ في القُبلَة"، أَخرجه الدّارقطنيّ (6)، من طريق حبيب بن أَبي ثابت، عن ابن جبير، عن ابن عباس به.
(1)(1/ 181).
(2)
"السنن"(1/ 14).
(3)
"السنن الكبرى"(1/ 124).
(4)
"الاستذكار"(1/ 319).
(5)
"المصنف"(1/ 135).
(6)
"السنن"(1/ 143).
نعمْ؛ ثبت عن ابن عمر أَنّه قال: "قُبلَةُ الرجل امرأَتَه وجَسُّها بيده ملامسةَ، فمَنْ قَبَّل امرأَتَه أَو جَسّها بيده؛ فعليه الوضوء".
أَخرجه مالك (1) عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أَبيه به.
وأَيضًا صحَّ عن ابن مسعود أَنّه قال: "المُلامسة ما دون الجمَاع، إنْ مسَّ الرَّجلُ جسدَ امرأَتِه بشهوة؛ ففيه الوضوء"، أَخرجه الطبرانيّ (2): حدَّثنا عليّ بن عبد العزيز: حدَّثنا حجّاج بن منهال: حدَّثنا حمَّاد بن سلمة، عن حمّاد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود به.
ولكن خالفهما -كما علمتَ- عمر وابنُ عبَّاس رضي الله عنهم، والحجّة معَهما؛ لأَوجهٍ ثلاثة:
الوجه الأوّل: ما ثبت في "الصَّحيحين" عن عائشة، قالت:"كان إذا سجد غمَزَني فقَبَضْتُ رِجْلِي"، ولمسلم: "
…
وضعتُ يدي على بطن قدميه وهما منصوبتان"، وهذان الحديثان يدلَّان على أَن اللّمس غير موجب للنّقض.
الوجه الثَّاني: قاعدة بقاء الأصل: "لا خلاف أَنَّه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أَنّه توضأَ من الْمسّ، ولا أَمر بذلك، مع أَن النَّاس لا يزال أحدُهم يَلْمِس امرأَتَه بشهوة وبغير شهوة، ولم ينقل عنه مسلم أَنَّه، صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من ذلك، والقرآن لا يدل على ذلك؛ بل المراد بالملامسة الجماع، وهو مقتضى أُسلوب الآية، وبه فسّرها النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ حبر الأُمّة؛ لكن الاستحباب متوجّهٌ ظاهر، فيستحبّ أَن يتوضأَ من مسّ النِّساء بشهوة"(3).
الوجه الثالث: ما روته أُمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "أَن
(1)"الموطأ"(1/ 50).
(2)
في "المعجم الكبير"(9/ 9229).
(3)
"الإحكام"(1/ 76) للعلّامة عبد الرَّحمن بن قاسم. نقلًا عن الشَّيخ.
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كان يقَبِّلها ويخرج إلى الصَّلاة ولا يتوضّأُ"، وكان حقُّ هذا الحديث أَنْ يجعلَ في الوجه الأَوّل؛ لولا الخلاف في ثبوته؛ مع أَن الرّاجح: تحسينُه -كما سيأْتي-.
77 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"بل يشهد حديث عائشة بخلافه: لكن فيه نظر؛ لأَن في إسناده انقطاعًا".
قال الفقير لعفو ربِّه: لكن الحديث له شواهدُ؛ منها:
الأوَّلُ: ما أخرجه مسلم (2)، والتّرمذيُّ (3) -وصحّحه-، عن عائشة، قالت: فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً من الفراش، فالتَمسْتُه، فوضعت يدي على باطن قدميه -وهو في المسجد- وهما منصوبتان؛ وهو يقول:"اللَّهمّ إنّي أَعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأَعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أَنت كما أثنيت على نفْسِك".
الثاني: ما أخرجه الشيخان (4) من حديث أَبي سلمة، عن عائشة، قالت:"كنت أَنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورِجلاي في قِبْلَتِه، فإذا سجد غَمَزَني؛ فقبضت رِجلِي، فإذا قام بسطتُهما؛ والبيوت -يومئذٍ- ليس فيها مصابيح"، وفي لفظ:"فإذا أراد أَن يسجد غَمَزَ رِجْلِي فَضَمَمْتُها إليَّ ثمّ سجد".
الثّالثُ: ما أخرجه النسائيّ (5) عن عائشة، قالت:"إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُصلِّي، هاني لَمُغتَرِضَةٌ بين يدَيه اعتِراضَ الجِنازة، حتَّى إذا أَراد أَنْ يُوتِر مَسَّني برِجله"، وهو من طريق محمّد بن عبد الله بن الحكم،
(1)(1/ 181).
(2)
(1090).
(3)
"السنن"(3493).
(4)
البُخاريّ (382)، ومسلم (1145).
(5)
"السنن"(166).
عن شعيب، عن اللّيث، قال: أَنبأَنا ابن الهاد، عن عبد الرَّحمن بن القاسم، عن القاسم، عن عائشة، به.
قال الحافظ: "إسناده صحيح"(1).
1 -
ما أخرجه ابن ماجه (2)، عن زينبَ السّهميّة، عن عائشة:"أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضّأُ، ثُمَّ يُقَبِّل ويصلّي ولا يتوضّأ، وربَّما فعله بي"، وهو من طريق: أَبو بكر بن أَبي شَيبة: حدَّثنا محمد بن فضيل، عن حجّاج، عن عمرو بن شعيب، عن زينب السّهميّة، عن عائشة، به، قال الزّيلعي:"وهذا سند جيد"(3).
2 -
ما أخرجه أَبو داود (4)، عن عائشة:"أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ امرأَةَ من نسائه، ثمّ خرج إلى الصَّلاة، ولم يتوضّأْ، قال عروة: فقلت لها: مَنْ هي إلَّا أَنْتِ فضحِكَتْ! "، وهو من طريق: عثمان بن أَبي شيبة: ثنا وكيع: ثنا الأَعمش، عن حبيب، عن عروة، عن عائشة به.
3 -
"ما أخرجه البزّار في "مسنده" عن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّه صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِّل بعضَ نسائه ولا يتوضّأُ"، "قال: حدَّثنا إسماعيل بن يعقوب بن صبيح: حدَّثنا محمّد بن موسى بن أَعين: حدَّثنا أَبي، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عطاءٍ، عن عائشة، به: قال عبد الحق بعد ذكر هذا الحديث: "لا أَعلم له علَّة توجبُ تركَه"(5).
4 -
ما أخرجه الدّارقطنيّ (6) عن عائشة، قالت:"لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلني إذا خرج إلى الصَّلاة ولا يتوضّأُ"، وهو من طريق:
(1)"التلخيص الحبير"(1/ 133).
(2)
"السنن"(503).
(3)
"نصب الراية"(1/ 70).
(4)
بِرَقمِ (179).
(5)
"المنهل العذب""المورود"(2/ 190).
(6)
"السنن"(1/ 135).
سعيد بن بشير، قال: حدّثني منصور بن زاذان، عن الزُّهْري، عن أَبي سلمة، عن عائشة، به.
وقال -أَي: الدّارقطنيّ-: تفرّد به سعيد بن بشير، عن منصور، ولم يتابع عليه، وليس بقويّ.
5 -
ما أخرجه الدّارقطنيّ (1)، عن عائشة قالت:"لا تُعادُ الصلاةُ مِنَ القُبلَة، كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل بعض نسائه، ويصلِّي ولا يتوضأُ"، وهو من طريق: ابن أَخي الزُّهريّ، عن عروة، عن عائشة، به.
6 -
ما أخرجه الدّارقطنيّ (2)، عن عائشة، قالت:"قَبَّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضَ نسائه، ثمّ صَلَّى ولم يتوضّأ -ثمّ ضحكَتْ-"، وهو من طريق: أَبي بكرٍ النّيسابوريّ، عن حاجب بن سليمان، عن وكيع، عن هشام بن عروة، عن أَبيه، عن عائشة، به.
وقال تفرّد به حاجبٌ، عن وكيعٍ ووهم فيه.
7 -
ما أخرجه الدّارقطنيّ (3)، عن عائشة:"أَنّه بَلَغَها قوله ابن عمر في القُبْلَة الوضوءُ، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل وهو صائم، ثمّ لا يتوضأُ"، وهو من طريق: عليّ بن عبد العزيز الورَّاق، عن عاصم بن عليّ عن أَبي أُويس: حدّثني هشام بن عروة، عن أَبيه، عن عائشة، به.
وقال: لا أَعلم حدّثَ به عن عاصم بن عليّ هكذا؛ غيرَ عليّ بن عبد العزيز.
8 -
ما أخرجه إسحاق بن راهُويه (4) عن عائشة: أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبَّلها وهو صائم، وقال:"إنّ القُبلة لا تُنْقِضُ الوضوءَ، ولا تُفَطِّر الصَّائم -وقال-: يا حُمَيْراءُ! إنَّ في دِينِنا لَسَعَةً"، وهو من طريق: بقيّة بن الوليد:
(1)"السنن"(1/ 135).
(2)
"السنن"(1/ 136).
(3)
"السنن"(1/ 136).
(4)
في "مسنده"(2/ 130).