المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - أحكام المحتضر - النكت العلمية على الروضة الندية

[عبد الله العبيلان]

الفصل: ‌1 - أحكام المحتضر

‌الجنائز

‌1 - أحكام المحتضر

201 -

قال الْمصَنِّف (1):

"وتوجيهه: إلى القبلة لحديث عبيد بن عمير عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وقد سأَله رجل عن الكبائر؟ - فقال: "هُن تِسع: الشرك، والسحر، وقتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين، واستحلال البيت الحرام: قبلتكم أحياءً وأمواتًا"؛ أخرجه أبو داود، والنسائي، والحاكم".

قال الفقير إلى عفو ربه: وهو حديث حسن.

202 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"وقد استدل بهذا على مشروعية توجيه المريض إلى القبلة ليموت إليها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "قبلتكم أحياءَ وأمواتًا"، وفيه نظر؛ لأن المراد بقوله: "أحياءً" عند الصلاة، وبقوله: "أمواتًا" في اللّحد، والمحتضر حيٌّ غير

(1)(1/ 422).

(2)

(1/ 423).

ص: 211

مصل، فلا يتناوله الحديث، وإلا لزم وجوب التوجه إلى القبلة على كل حي، وعدم اختصاصه بحال الصلاة! وهذا خلاف الإجماع".

قال الفقير إلى عفو ربه: روى ابن أبي شيبة (1): حدثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال:"كانوا يستحبون أنه يوجه الميت إلى القِبلة إذا حضر".

وقال: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن أشعث، عن الحسن، قال:"كان يُحَبُّ أن يستقبل بالميت القبلة إذا كان في الموت".

وقال: حدثنا عمرو بن هارون، عن ابن جريج، عن عطاء، قال:"كان يستحب أن يوجه الميت عند نزعه إلى القبلة؛ قال: نعم".

203 -

قال الْمصَنِّف (2):

"والأولى الاستدلال بما رواه الحاكم والبيهقي، عن أبي قتادة: أن البراء بن معزوز أوصى أن يوجَّه إلى القبلة إذا احتضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصاب الفطرة".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: وهو حديث ضعيف؛ ففي إسناده نعيم بن حماد، وهو ضعيف، وأما قول الحاكم (3):"هذا حديث صحيح؛ فقد احتج البخاري بنعيم بن حماد"؛ فقول غير صحيح، وإنما أخرج البخاري له مقرونًا بغيره؛ كما قال الذهبي (4).

وقد أخرج هذا الحديث -أيضًا- ابن سعد (5) وفيه الواقدي، وهو متروك.

(1)"المصنف"(2/ 447).

(2)

(1/ 423).

(3)

(1/ 505).

(4)

في "الميزان"(7/ 41).

(5)

في "الطبقات"(3/ 147).

ص: 212

204 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"ومن ذلك فعل البتول رضي الله عنها ".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح، في إسناده ابن إسحاق، وعلي بن عاصم، وقد سبق جرحهما.

وقد رواه نوح بن يزيد، عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد، ورواه الحكم بن أسلم، عن إبراهيم أيضًا، ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أن فاطمة اغتسلت؛ هكذا ذكره مرسلًا، ونوح والحكم كلاهما مجروح، وابن عقيل ضعيف وحديثه مرسل، والتخليط فيه من بعض الرواة، وكيف يكون صحيحًا والغسل إنّما شرع لحدث الموت وكيف يقع قبله؟ وحاشى علي وفاطمة أن يخفى عليهما مثل هذا" (2).

قال ابن عبد الهادي: "هذا الحديث منكر جدًّا؛ أنكره الإمام أحمد وغيره، وإن كان قد رواه في "مسنده" عن أبي النضر، عن إبراهيم بن سعد، قال حنبل: وسمعت أبا عبد الله أنكر حديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق أن فاطمة غسلت نفسها وكفّنتها"(3).

205 -

قال الْمصَنِّف (4):

"وقراءة يس عليه: لحديث: "اقرأوا على موتاكم {يس (1)} "؛ أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن حبان -وصححه- من حديث معقل بن يسار مرفوعًا؛ وقد أعل".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال الحافظ: "وأعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف، وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه، ونقل أبو بكر بن العربي عن

(1)(1/ 424).

(2)

"التحقيق"(2/ 6).

(3)

"تنقيح التحقيق"(2/ 126). [وانظر -إن شئت- للاستزادة "قصص لا تثبت" (ج 3 / ص 43 - وما بعدها)].

(4)

(1/ 425).

ص: 213

الدارقطني أنه قال: "هذا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث"(1).

وقال: "هذا حديث غريب"(2).

وقال النووي: "إسناده ضعيف، فيه مجهولان، لكن لم يضغفه أبو داود"(3).

206 -

قال الْمُصَنف (4):

"والمبادرة بتجهيزه إلا لتجويز حياته: لما أخرجه أبو داود من حديث الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض، فأتاه صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: "إني لا أرى طلحة إلا قد حدث به الموت، فآذنوني به وأعجلوا؛ فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله" (5) ".

قال الفقير إلى عفو ربه: وهو ضعيف؛ لجهالة عروة -ويقال: عزرة بن سعيد-؛ كما قال ابن حجر في "التقريب".

207 -

قال الْمُصَنف (6):

"وأخرج أحمد والترمذي من حديث علي مرفوعًا بلفظ: "ثلاث لا يؤخرن: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفأ".

قال الفقير إلى عفو ربه: في إسناده سعيد بن عبد الله الجهني، وثقه العجلي وابن حبَّان، وقال الحافظ في "التقريب":"مقبول" ولم يعرف بجرح؛ لذا قال الترمذي: "حديث غريب"، ولم أجد أحدًا من الأئفة المتقدّمين غير الترمذي نص على تضعيف الحديث.

(1)"التلخيص"(2/ 212).

(2)

"الفتوحات الربانية"(4/ 118).

(3)

"الأذكار"(132).

(4)

(1/ 425).

(5)

(1/ 425).

(6)

(1/ 426).

ص: 214

208 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وعن ابن عباس، عن أبي داود،، وابن ماجه قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلى أُحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم؛ وفي إسناده علي بن عاصم الواسطي، وقد تكلم فيه جماعة، وفيه أيضًا عطاء بن السَّائب؛ وفيه مقال" (2).

قال الفقير إلى عفو ربه: ففي إسناده عطاء بن السائب؛ قال الحافظ: "صدوق اختلط"(3).

وعلي بن عاصم بن صهيب الواسطي؛ قال الحافظ: "صدوق يخطئ ويصر ورمي بالتشيع"(4).

209 -

قال الْمُصَنِّف (5):

"ولا بأس بالزيادة مع التمكن من غير مغالاة: لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في كفن ابنته فإنه كان يناول النساء ثوبًا ثوبًا؛ وهو عند الباب، فناولهن الحَقْو، ثم الدرع، ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر؛ أخرجه أحمد، وأبو داود من حديث ليلى بنت قائف الثقفية".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: وهو لا يصح.

210 -

قال الْمُصَنِّف (6):

"وأخرج أبو داود من حديث علي: "لا تغالوا في الكفن، فإنه يسلب سريعًا".

(1)(1/ 433).

(2)

"التقريب"(4592).

(3)

"التقريب"(4758).

(4)

بل هو ضعيف؛ ضعفه البخاري وابن معين وأبو زرعة والنسائي وغيرهم. وقال ابن المديني: كان كثير الغلط، وكان إذا غلط فرُد عليه لم يرجع.

(5)

(1/ 435).

(6)

(1/ 435).

ص: 215

قال الفقير إلى عفو ربه: إسناده ضعيف، فيه عمرو بن هشام -أبو مالك الجنبي-، قال الحافظ:"لين الحديث؛ أفرط فيه ابن حبان".

211 -

قال الْمصَنِّف (1):

"والحاصل: أنه لا ريب في مشروعية الكفن للميت، ولا شكّ في عدم وجوب زيادة على الواحد ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم كون الكفن على صفة من الصفات، أو عدد من الأعداد؛ إلا ما كان منه صلى الله عليه وسلم في تكفين ابنته أم كلثوم.

وهذا الحديث- "لا تُغالوا في الكفن" -وإن كان فيه مقال- لكنه لا يَخْرُجُ به عن حد الاعتبار.

فغاية ما يقال: إنّه يستحب أن يكون كفن المرأة على هذه الصفة".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال الألباني رحمه الله: "فيه: أن الاستحباب حكم شرعي، وهو لا يثبت بمثل هذا الحديث الضعيف؛ فتأمّل؛ لا سيما وهو بظاهره أقرب إلى المغالاة منه إلى العدل"(2).

212 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"ورحم الله أبا بكر الصّديق حيث قال: "إنّ الحي أحق بالجديد". لما قيل له عند تعيينه لثوب من أثوابه في كفنه: "إن هذا خلق".

قال الفقير إلى عفو ربه:

قال الألباني: "أخرجه البيهقي (4)، عن عائشة: "لما اشتد مرض أبي بكر بكيت

فأفاق .... ثم قال: أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت:

(1)(1/ 436).

(2)

"التعليقات الرضية"(1/ 436).

(3)

(1/ 436).

(4)

(3/ 399).

ص: 216

فقلت: يوم الاثنين، فقال: فأي يوم هذا؟ قلت: يوم الاثنين .... قالت: وقال: في كم كفنتم رسول الله؟ قال -كذا-: كنا كفناه في ثلاثة أثواب سحولية بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وبه درع زعفران أو مشق، واجعلوا معه ثوبين جديدين، فقالت عائشة: فقلت: إنه خَلَق! فقال لها: الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمهلة". وإسناده صحيح"(1).

213 -

قال الْمصنف (2):

"إلا أن يصح ما رواه ابن عبد البر في "الاستذكار" من طريق أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن أبيه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على الجنائز أربعًا وخمسًا وسبعًا، وثمانيًا، حتى جاء موت النجاشي، فخرج فكبر أربعًا، ثم ثبت النبي صلى الله عليه وسلم على أربع حتى توفاه الله".

قال الفقير إلى عفو ربه: وهو مرسل ضعيف، قال ابن عبد البر:"وقد قال الحافظ: لا يثبت حديث في هذا الباب -أعني: نسخ الزيادة على الأربع- (3) ".

214 -

قال الْمصَنِّف (4):

"ولا يصلي على الغال: لامتناعه صلى الله عليه وسلم في غزاة خيبر من الصلاة على الغال، أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال الألباني رحمه الله: "في "المسند" (5)، وهو في "السنن" في الجهاد، إلا "النسائي"؛ ففي الجنائز (6)،

(1)"التعليقات الرضية"(1/ 436).

(2)

(1/ 442).

(3)

"الاستذكار"(8/ 239).

(4)

(1/ 447).

(5)

(4/ 114) و (5/ 192).

(6)

(1/ 278).

ص: 217

ومالك أيضًا في الجهاد (1) بإسناد صحيح: "أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي في خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "صلوا علي صاحبكم"، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: "إن صاحبكم غل في سبيل الله"، فَفَتَشنا متاعه، فوجدنا خرزًا من خرز اليهود لا يساوي درهمين"، قلت: وإذا كان هذا لفظ الحديث، وفيه أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالصلاة على الغال ، فالاستدلال به حينئذٍ على ترك الصلاة ليس بالصواب، بل الحديث يدل على عكس ما ذهب إليه المصنف رحمه الله فالحق: قوله في "نيل الأوطار"(2) تحت هذا الحديث: "فيه جواز الصلاة على العصاة، وأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه؛ فلعلّه للزجر عن الغلول، كما امتنع من الصلاة على المديون، وأمرهم بالصلاة عليه"(3) ".

215 -

قال الْمُصَنِّف (4):

"وقاتل نفسه: لحديث جابر بن سمرة عند مسلم، وأهل السنن: "أن رجلًا قتل نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم".

قال الفقير إلى عفو ربه: روى عبد الرزاق (5)، عن الثوري، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال:"لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة".

وروى ابن جريج، عن عطاء:"قال سألت عطاء -وفيه قال-: "لا أدع الصلاة على من قال: لا إله إلا الله"، قال: قلت: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}؟ قال: فمن يعلم أن هؤلاء من أصحاب الجحيم؟! "قال ابن جريج: وسألت عمرو بن دينار؟ فقال مثل قول عطاء".

(1)(2/ 14).

(2)

(4/ 40).

(3)

"التعليقات الرضية"(1/ 447).

(4)

(1/ 448).

(5)

"المصنف"(3/ 534).

ص: 218

قلت: والمعروف عند أهل التحقيق: إن ترك أئمة الدين الصّلاة عليه زجرًا فهو أولى؛ جمعًا بين النص وآثار السلف وإلا فيصلى عليه.

216 -

قال الْمُصَنف (1):

"والشهيد: وقد اختلفت الروايات في ذلك، وقد ثبت في "صحيح البخاري" من حديث جابر: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد.

وأخرجه أيضًا أهل "السنن".

وأخرج أحمد، وأبو داود، والترمذي، والحاكم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم.

أقول: لا يشُك من له أدنى إلمام بفن الحديث؛ أن أحاديث التَّرْك أصح إسنادًا وأقوى متنًا، حتى قال بعض الأئمة: إنه كان ينبغي لمن عارض أحاديث النَّفي بأحاديث الإثبات أن يستحي على نفسه، لكن الجهة الّتي جعلها المجوِّزون وجه ترجيح وهي الإثبات؛ لا يريب أنَّها من المرجحات الأصولية؛ إنما الشأن في صلاحية أحاديث الإثبات لمعارضة أحاديث النفي؛ لأن الترجيح فرع المعارضة.

والحاصل: أن أحاديث الإثبات مروية من طرقٍ متعددة؛ لكنها جميعًا متكلم عليها.

وقد أطال الماتن الكلام على هذا في "شرح المنتقى"، وسرد الروايات المختلفة واختلاف أهل العلم في ذلك؛ فليرجع إليه؛ فإن هذا المقام من المعارك".

قال الفقير إلى عفو ربه:

جاء في الإثبات أحاديث منها:

1 -

حديث أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة"، رواه أبو داود (2).

(1)(1/ 448).

(2)

"السنن"(3137).

ص: 219

2 -

وحديث أبي مالك الغفاري قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد".

3 -

وحديث ابن عباس عند ابن ماجه (1)، والبيهقي (2):"أنه صلى عليهم".

4 -

وروى عبد الرزاق (3)، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن نافع، قال:"كان عمر خير الشهداء، فغسل وصلي عليه وكُفِّن؛ لأنه عاش بعد طعنه".

5 -

وروى عبد الرزاق (4)، عن ابن جريج، قال: سألنا سليمان بن موسى: كيف الصلاة على الشهيد عندهم؛ فقال: كهيئتها على غيره، قال: وسألناه عن دفن الشهيد؟ فقال: أما إذا كان في المعركة؛ فإنا ندفنه كما هو ولا نغسله، ولا نكفنه، ولا نحنطه، وأما إذا انقلبنا به وبه رمق؛ فإنا نغسله، ونكفنه، ونحنطه، وجدنا الناس على ذلك وكان عليه من مضى قبلنا من الناس".

6 -

وروى عبد الرزاق (5)، عن الثوري، عن الزبير بن عدي، عن عطاء بن أبي رباح، قال:"صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى بدر".

قال ابن القيم: "والذي يظهر من أمر شهداء أُحد: أنه لم يصل عليهم عند الدفن، وقد قتل معه بأُحد سبعون نفسًا، فلا يجوز أن تخفى الصلاة عليهم"(6).

(1)"السنن"(1513).

(2)

"السنن الكبرى"(4/ 13).

(3)

"المصنف"(3/ 544).

(4)

"المصنف"(3/ 544).

(5)

"المصنف"(3/ 542).

(6)

"تهذيب السنن"(4/ 295).

ص: 220

أما الأحاديث المرفوعة:

1 -

فحديث أنس؛ قال الترمذي عنه: "حديث أنس حديث حسن غريب؛ لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه، وقد خولف أسامة بن زيد في رواية هذا الحديث؛ فرى الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله بن زيد، وروى معمر عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة، عن جابر، ولا نعلم أحدًا ذكره عن الزهري عن أنس إلا أسامة بن زيد، وسألت محمدًا عن هذا الحديث؛ فقال: حديث الليث عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر أصح"(1).

وهكذا قال الدارقطني: "تفرد به أسامة بن زيد عن الزهري، عن أنس بهذه الألفاظ، ورواه عثمان بن عمر، عن أسامة عن الزهري، عن أنس، وزاد فيه حرفًا فلم يأت به غيره فقال: "ولم يصل على أحد من الشهداء غيره" (2).

2 -

وأما حديث أبي مالك؛ فهو مرسل، قال البيهقي:"هو أَصح ما في الباب".

3 -

وأما حديث ابن عباس؛ ففي إسناده أبو بكر بن عياش ويزيد بن أبي زياد، وهما ضعيفان.

وأما متابعة ابن إسحاق لهما فلا يعتضد بها؛ فإن في الإسناد رجلًا مجهولًا وقد رواه ابن إسحاق بالعنعنة.

وممن ذهب من السلف إلى أنه يصلي عليهم: الحسن البصري وسعيد بن المسيب.

قال ابن القيم: "والصواب في المسألة: أنه مخير بين الصلاة عليهم

(1)"السنن"(1016).

(2)

(4/ 116).

ص: 221

وتركها، لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين، وهذا إحدى الروايات عن الإمام أحمد؛ وهي الأليق بأصوله ومذهبه" (1).

217 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"ويصلي على القبر وعلى الغائب".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال شيخ الإسلام: "الصواب: أن الغائب إذا مات ببلد لم يصل عليه فيه؛ صُلي عليه صلاة الغائب، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي؛ لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه، وإن صلى عليه حيث مات، ولم يصل عليه صلاة الغائب، لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه، وفعله وتركه سُنة، وهذا له موضع، وهذا له موضع، والله أعلم"(3).

وعمدة الذين ذهبوا إلى جواز الصلاة عليه: قول الإمام أحمد: "إذا مات رجل صالح صلى عليه، واحتج بقصة النجاشي"(4).

فالإمام أحمد رحمه الله لحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي لصلاحه؛ لا لأنه لم يصل عليه، وهذه إحدى الروايات عنه.

قال ابن حزم: "لم يأت عن أحد من الصحابة منعه"(5).

قلت: ولم يأت عنهم ما يدل على الفعل مما يرجح أن ذلك كان خاصًّا بالنجاشي.

قال ابن رشد: "والجمهور على أن ذلك خاص بالنجاشي -وحده-"(6).

(1)"تهذيب السنن"(4/ 295).

(2)

(1/ 449).

(3)

"زاد المعاد"(1/ 519).

(4)

"الاختيارات الفقهية" لابن تيمية (87).

(5)

"الفتح"(3/ 224).

(6)

"بداية المجتهد"(1/ 176).

ص: 222

218 -

قال الْمصَنِّف (1):

"وأما المانعون من الصلاة على القبر مطلقًا: فأشفُّ ما استدلوا به؛ ما روي عنه صلى الله عليه وسلم في حديث السواد المذكور، أنه قال: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم".

قالوا: فهذا يدل على اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك.

وتُعُقِّبَ بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على من صلى معه على القبور، ولو كان خاصًّا به لأنكر عليهم.

وأجيب عن هذا التعقب، بأن الذي يقع بالتبعية لا يصلح للاستدلال به على الفعل أصالة".

قال الفقير إلى عفو ربه: وعمل الصحابة -رضوان الله عليهم- يدل على أنهم لم يفهموا أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وإنّما له ولأمته:

1 -

قال عبد الرزاق (2): عن معمر، عن أيوب، عن نافع:"أن ابن عمر قدم بعدما توفي عاصم أخوه فسأل عنه؛ فقال: أين قبر أخي؟ فدلوه عليه، فأتاه فدعا له"، وفي رواية:"بعد ثلاثة أيّام".

2 -

قال عبد الرزاق (3): عن معمر، عن أيوب، عن ابن أبي مُليكة، قال:"توفي عبد الرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكة، فحملناه حتى جئنا به إلى مكة فدفنّاه، فقدمت علينا عائشة بعد ذلك؛ فعابت ذلك علينا، ثم قالت: أين قبر أخي؟ فدللتها عليه فوضعت في هودجها عند قبره، فصلت عليه".

3 -

قال ابن عبد البر (4): "قال الأثرم: حدثنا أحمد: ثنا ابن مهدي، عن حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك: "أنه أتى جنازة وقد صلي عليها، فصلى عليها".

(1)(1/ 450).

(2)

(3/ 519).

(3)

(3/ 518).

(4)

(6/ 274).

ص: 223

219 -

قال الْمصَنِّف (1):

"وأحسن ما يجاب به عن هذه الزيادة، بأنها مدرجة في هذا الحديث، كما بين ذلك جماعة من أصحاب حماد بن زيد".

على أنه يمكن الجواب بأنَّ كون الله ينور القبور بصلاة رسوله (عليها لا ينفي مشروعيّة الصلاة من غيره تأسيًا به، لا سيما بعد قوله: ("صلّوا كما رأيتموني أصلي".

قال الفقير إلى عفو ربه: والأمر كما قال (2).

220 -

قال الْمصَنِّف (3):

"وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ المستحبَ التوسط لحديث أبي موسى قال: "مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة تمخض مخض الزق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عليكم بالقصد" أخرجه أحمد وابن ماجه، والبيهقي؛ وفي إسناده ضعف".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال البوصيري: "هذا إسناد ضعيف، رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن شعبة به، وعن زائدة عن ليث وزاد: "تمخّض تمخض الزق " الحديث وليث بن أبي سليم: تركه يحيى القطان، وابن معين، وابن مهدي، وغيرهم، ومع ضعفه فقد ورد في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أبي هريرة ما يخالفه: "أسرعوا بالجنازة" الحديث.

ورواه الإمام أحمد في "مسنده" من طريق ابن ماجه (4)، على هذا يكون الحديث منكرًا.

(1)(1/ 451).

(2)

انظر "الفتح"(1/ 553).

(3)

(1/ 453 - 454).

(4)

"مصباح الزجاجة"(1/ 1479).

ص: 224

221 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"والحمل لها سنة: لحديث ابن مسعود قال: "من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها، فإنه من السُّنّة، ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع".

أخرجه ابن ماجه، وأبو داود، والطيالسي، والبيهقي، من رواية أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود عنه".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال البوصيري: "هذا إسناد موقوف؛ رجاله ثقات، وحكمه الرفع؛ إلا أنه منقطع، فإن أبا عبيدة -واسمه عامر، وقيل: اسمه كنيته- لم يسمع من أبيه شيئًا، قاله أبو حاتم، وأبو زرعة، وعمرو بن مرّة، وغيرهم، رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"، عن شعبة، عن منصور، بإسناده ومتنه"(2).

222 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"وفي الباب عن جماعة من الصحابة".

قال الفقير إلى عفو ربه: منهم ابن عمر، فقد روى عبد الرزاق (4)، عن هشيم، قال: حدثني يعلى بن عطاء، عن الأزدي، قال:"رأيت ابن عمر في جنازة حمل بجوانب السرير الأربع؛ قال: بدأ بميامنها، ثم تنحى عنها، فكان منها بمنزلة مزجر الكلب".

223 -

قال الْمُصَنِّف (5):

"أقول: فإذا لم يكن المشي أمام الجنازة أفضل: فأقل الأحوال أن يكون مساويًا للمشي خلفها في الفضيلة، ولم يأت حديث صحيح ولا

(1)(1/ 455).

(2)

"مصباح الزجاجة"(1/ 1478).

(3)

(1/ 456).

(4)

"المصنف"(3/ 513).

(5)

(1/ 457).

ص: 225

حسن؛ أن المشي خلف الجنازة أفضل، وأقوال الصحابة مختلفة، فالحق أن ذلك سواء".

قال الفقير إلى عفو ربه: انظر "طرح التثريب"(1).

224 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"ويكره الركوب: لحديث ثوبان قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى ناسًا ركبانًا، فقال: ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله على أقدامهم، وأنتم على ظهور الدواب"، أخرجه ابن ماجه، والترمذي".

قال الفقير إلى عفو ربه: والصواب وقْفه، قال البيهقي:"ورواه ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد؛ موقوفًا، عن ثوبان، وفي ذلك دلالة على أن الموقوف أصح، وكذا قاله البخاري"(3).

225 -

قال الْمُصَنِّف (4):

"ويحرم النعي: لحديث حذيفة عن أحمد، وابن ماجه، والترمذي، -وصححه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي.

وحديث ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إياكم والنعي؛ فإن النعي عمل الجاهلية"؛ أخرجه الترمذي؛ وفي إسناده أبو حمزة ميمون الأعور، وليس بالقوي.

وفي الباب أحاديث.

والذي في "الصحاح"، و"القاموس"، و"النهاية" وغيرها من كتب اللغة:

(1)"طرح التثريب" للعراقي (3/ 281 - 287).

(2)

(1/ 457).

(3)

"السنن الكبرى"(4/ 23).

(4)

(1/ 459).

ص: 226

أن النعي: الإخبار بموت الميت، فظاهره تحريم ذلك، وإن لم يصحبه ما يُستَنْكرُ كما كانت تفعله الجاهلية من إرسال من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق.

ولكئه قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي للناس في اليوم الَّذي مات فيه؛ أي: أخبرهم، وأخبر بقتلى مؤتة، وقال في السوداء التي كانت تقم المسجد:"ألا أخبرتموني بموتها؟! "؛ فدلت هذه الأحاديث على جواز الإعلام بمجرّد الموت؛ لمن يحضر الغسل والتكفين والصلاة، والمنع منه لغير ذلك".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: وهذه الطريقة التي سلكها رحمه الله في التوفيق بين ما يظن من التعارض بين النصوص متينة ولا غبار عليها، ففيها الجمع بين الأمرين: تحقيق المصلحة ودرء المفسدة.

بقي أن أقول: إن الإعلان في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة إذا لم يكن القصد منه هذا الذي ذكره المصنف، وإلا فهو من النعي الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

226 -

قال الْمُصَنف (1):

"والنياحة: لحديث: "من نيح عليه يعذب بما نيح عليه"، وهو في "الصحيحين" وغيرهما من حديث المغيرة".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال الشيخ الألباني رحمه الله: "أي: يتألم ويتوجّع، قال شيخ الإسلام في تفسير حديث أبي ذر -بعد أن قرر أن ليس على أحد من وزر غيره شيء، وأنه لا يستحق إلا ما سعاه- قال (2): "وإن ظن بعض الناس أن تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ينافي الأول؛ فليس كذلك! إذ ذلك النائح يعذب بنوحه، لا يحمل الميت وزره، ولكن الميت

(1)(1/ 460).

(2)

(2/ 209) من "المجموعة المنيرية".

ص: 227

يناله ألم من فعل هذا كما يتألم الإنسان من أُمور خارجة عن كسبه، وإن لم يكن جزاء الكسب والعذاب أَعم من العقاب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"السفر قطعة من العذاب".

وانظر تفصيل هذا البحث في "تهذيب السنن" لابن القيم (1) وقد صرح فيه بخطأ تفسير هذا الحديث على هذا الوجه.

فراجعه؛ فإنه مفيد (2).

227 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"واتباعها بنار، وشق الجيب، والدعاء بالويل والثبور: لحديث أبي بريدة قال: "أوصى أبو موسى حين حضره الموت، فقال: لا تتبعوني بمجمر، قالوا: أوسمعت فيه شيئًا؟ قال: نعم، من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أخرجه ابن ماجه، وفي إسناده مجهول".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال البوصيري: "هذا إسناد حسن، أبو حريز: اسمه عيد الله بن حسين مختلَف فيه، وله شاهد من حديث أبي هريرة، رواه مالك في "الموطأ"، وأبو داود في "سننه" (4).

228 -

قال الْمُصَنِّف (5):

"أن القيام لها إذا مرت منسوخ: أما قيام الماشي خلفها حتى توضع على الأرض: فمحكم لم ينسخ".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال الشيخ الألباني رحمه الله: "قلت: بل هو منسوخ أيضًا، بما أخرجه الطحاوي من طريق إسماعيل بن

(1)(4/ 290).

(2)

"التعليقات الرضية"(1/ 460).

(3)

(1/ 461).

(4)

"مصباح الزجاجة"(1/ 1487).

(5)

(1/ 463).

ص: 228

مسعود بن الحكم الزرقي، عن أبيه قال:"شهدت جنازة بالعراق، فرأيت رجالًا قيامًا ينتظرون أن توضع، ورأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يشير إليهم، أن اجلسوا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالجلوس بعد القيام" وسنده حسن (1).

وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأصحابه، كما ذكره النووي، ونقلت كلامه هناك فراجعه" (2).

229 -

قال الْمصنِّف (3):

"أقول: وهذا الحديث بلفظ: "ثم قعد" لا يصلح لنسخ الأحاديث الصحيحة المصرحة بأمره صلى الله عليه وسلم لنا بالقيام، وعلل ذلك بأن الموت فَزَعٌ، وقام لجنازة، فقيل: إنها جنازة يهودي! فقال: "أليست نفسًا؟ "؛ فغاية ما يدلّ عليه قعوده -من بعد- هو أن القيام ليس بواجب عليه، وقد تقرر في الأصول أنه إذا فعل فعلًا -لم يظهر منه التأسي به فيه، وكان ذلك مخالفًا لما قد أمَر به الأُمة أو نهاها عنه-؛ فإنه يكون مختصًّا به، ويبقى حكم الأمر أو النهي للأمة على حاله".

قال الفقير إلى عفو ربه: يراجع ما سبق.

230 -

قال الْمُصَنِّف (4):

"وأما أولوية اللَّحد: فلحديث ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللحد لنا والشَّق لغيرنا"؛ أخرجه أحمد، وأهل "السنن"، وقد حسنه الترمذي، وصححه ابن السكن؛ مع أن في إسناده عبد الأعلى بن عامر؛ وهو ضعيف".

قال الفقير إلى عفو ربه: وقد حسنه شيخنا عبد الله الدويش رحمه الله.

(1) كما ذكرت في "التعليقات الجياد"(3/ 30 - 31).

(2)

"التعليقات الرضية"(1/ 463).

(3)

(1/ 463).

(4)

(1/ 466).

ص: 229

231 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وقد روى الشافعي من حديث ابن عباس، وأبو بكر النجار من حديث ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلًا".

قال الفقير إلى عفو ربه: في "مسنده"(1/ 597): عن الثقة، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، وهذا فيه إبهام، لكن قال الحافظ:"وقيل: إن الثقة هنا هو مسلم بن خالد (2) "، ومسلم بن خالد الزنجي، ضعيف وقد وثق.

232 -

قال الْمصَنِّف (3):

"ولا يعارض السُّنَّة ما وقع من بعض الصحابة عند دفنه صلى الله عليه وسلم".

قال الفقير إلى عفو ربه: هذا في حال ثبوتها، أما وقد ضعفت أسانيدها؛ فلا تعارض، أما ما رواه البيهقي (4)، عن الشافعي، قال:"أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمر: ثنا أبو العباس: أنبأ الربيع: أنبأ الشافعي: أنبأ بعض أصحابنا عن أبي الزناد، وربيعة، وأبي النضر لا اختلاف بينهم في ذلك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" سل من قبل رأسه وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما "، قال البيهقي:"هذا هو المشهور فيما بين أهل الحجاز".

وهذا غريب، وهذا النقل عن الشافعي فيه غرابة؛ وذلك أنَّه قال (5):"أخبرني الثقات من أصحابنا أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمين الداخل من البيت لاصق بالجدار، والجدار الّذي للحد لجنبه قبلة البيت، وأن لحده تحت الجدار، فكيف يدخل معترضًا واللحد لاصق بالجدار لا يقف عليه شيء، ولا يمكن إلا أن يسل سلًا أو يُدخل من خلاف القبلة؟! "، فتفطن.

(1)(1/ 467).

(2)

"التلخيص"(2/ 258).

(3)

(1/ 467).

(4)

"السنن الكبرى"(4/ 54).

(5)

في "الأم"(1/ 273).

ص: 230

233 -

قال الْمصَنِّف (1):

"ويستحب حثو التراب من كل من حضر ثلاث حثيات: لحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازه، ثم أتى قبر الميت، فحثى عليه من قِبلِ رأسه ثلاثًا؛ أخرجه ابن ماجه، وأبو داود؛ وإسناده صحيح، لا كما قال أبو حاتم".

قال الفقير إلى عفو ربه: وحسنة شيخنا عبد الله الدويش رحمه الله، وعليه جرى عمل الصحابة.

234 -

قال الْمُصَنف (2):

"وأخرج البزار والدارقطني من حديث عامر بن ربيعة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم حثى على قبر عثمان بن مظعون ثلاثًا".

قال الفقير إلى عفو ربه: إسناده ضعيف، فيه عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي، قال الحافظ:"ضعيف"(3).

235 -

قال الْمُصَنف (4):

"ولا يرفع القبر زيادة على شبر: لحديث علي عند مسلم، وأحمد، وأهل "السنن": أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يدع تمثالًا إلا طمسه، ولا قبرًا مُشْرِفًا إلا سوَّاه.

وفي مسلم -أيضًا- وغيره من حديث جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبر".

قال الفقير إلى عفو ربه: وفي مسلم (5) عن ثمامة: "كنا مع فضالة في

(1)(1/ 468).

(2)

(1/ 468).

(3)

"التقريب".

(4)

(1/ 468).

(5)

(4079).

ص: 231

أرض الروم برودس، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها".

236 -

قال الْمصَنِّف (1):

"وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي من حديث جعفر بن محمد عن أبيه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر ابنه إبراهيم، ووضع عليه حصباء، ورفعه شبرًا".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال ابن القيم: "عن أبي الهياج الأسدي، قال: بعثني علي قال: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:ألا أدع قبرًا مشرقًا إلا سؤيته ولا تمثالًا إلا طمسته"، وأخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي".

وهذه الآثار لا تضاد بينها، والأمر بتسوية القبور إنّما هو تسويتها بالأرض، وألّا ترفع مشرفة عالية، وهذا لا يناقض تسنيمها شيئًا يسيرًا عن الأرض" (2).

237 -

قال المصنف (3):

"ومثل هذا التسويغ: الكتب على القبور بعد ورود صريح النهي عن ذلك في الأحاديث الصحيحة".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: أما قول الحاكم: "وليس العمل عليه؛ فإن أئمّة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على قبورهم، وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف"(4).

فقد رده الذهبي بقوله: "ما قلت طائلًا! ولا نعلم صحابيًّا فعل ذلك،

(1)(1/ 468 - 469).

(2)

"تهذيب السنن"(4/ 338).

(3)

(1/ 470).

(4)

(1/ 370).

ص: 232

إنما هو شيء أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم ولم يبلغهم النهي" (1).

238 -

قال الْمصَنِّف (2):

"والزيارة للموتى مشروعة: أي: زيارة القبور؛ لحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أُذن لمحمدٍ في زيارة قبر أمه؛ فزوروها فإنها تذكر الآخرة"، أخرجه الترمذي -وصححه-؛ وهو في "صحيح مسلم".

وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة بنحو ذلك.

وفي الباب أحاديث.

وقد قيل باختصاص ذلك بالرجال؛ لحديث أبي هريرة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور؛ أخرجه أحمد، وابن ماجه، والترمذي -وصححه-، وابن حبان في "صحيحه".

وفي الباب عن حسَّان بن ثابت عند أحمد، وابن ماجه، والحاكم.

وعن ابن عباس عند أحمد، وأهل "السنن"، والحاكم، والبزار؛ بإسناد فيه صالح -مولى التوأمة-؛ وهو ضعيف.

وقد وردت أحاديث في نهي النساء عن اتباع الجنائز، وهي تقوي المنع من الزيارة.

وروى الأثرم في "سننه"، والحاكم من حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن في زيارة القبور.

وأخرج ابن ماجه عنها مختصرًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور.

فيمكن أنها أرادت الترخيص الواقع في قوله صلى الله عليه وسلم: "فزوروها"؛ كما سبق، فلا يكون في ذلك حجة؛ لأنّ الترخيص العام لا يعارض النهي الخاص.

(1)"تلخيص المستدرك"(1/ 370).

(2)

(1/ 471).

ص: 233

لكنه يؤيد ما روته عائشة: ما في "صحيح مسلم" عنها، أنها قالت: يا رسول الله! كيف أقول إذا زرت القبور؟ قال: "قولي: السلام على أهل الدّيار من المؤمنين

" الحديث.

وروى الحاكم: أن فاطمة رضي الله عنها كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة.

ويُجمع بين الأدلة: بأن المنع لمن كانت تفعل في الزّيارة ما لا يجوز من نَوْحٍ ونحوه، والإذن لمن لم تفعل ذلك.

أقول: استدلوا للجواز بأحاديث الإذن العام بالزيارة، وغيرُ خافٍ على عارف بالأصول؛ أن الأحاديث الواردة في النهي للنساء عن الزيارة، والتشديد في ذلك، حتى صلى الله عليه وسلم من فعلت ذلك؛ بل وردت أحاديث صحيحة في نهيهن عن اتباع الجنائز، فزيارة القبور ممنوعة منهن بالأَوْلى، وشدد في ذلك حتى قال لِلبَتول رضي الله عنها:"لو بَلَغْتِ معهم -يعني: أهل الميّت- الكُدى؛ ما رأيت الجنّة حتّى يراها جدّ أبيك"؛ فهذه الأحاديث مخصّصة لأحاديث الإذن العام بالزيارة" (1).

قال الفقير إلى عفو ربِّه: هذه إحدى المسائل الشائكة لعدم توفر الآثار الثابتة عن الصحابة الّتي تقضي وتفصل بين أقوال المختلفين فيها من أهل العلم، وسبب اختلافهم: ما يظن من تعارض الأحاديث المرفوعة.

فمنهم: من ذهب إلى المنع مطلقًا؛ مستدلًا بما رواه أحمد (2)، والترمذي (3)، وابن ماجه (4)، عن أبي هريرة رضي الله عنه:"أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور".

(1)(1/ 471).

(2)

"المسند"(1/ 229).

(3)

"السنن"(1056).

(4)

"السنن"(1576).

ص: 234

وبما رواه أحمد (1)، وأبو داود (2)، والترمذي (3)، والنسائي (4)، وابن ماجه (5)، عن ابن عباس:"أن رسول اله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور".

قال شيخ الإسلام: "فإن قيل: الحديث الأول رواه عمر بن أبي سلمة، وقد قال فيه علي بن المديني: "تركه شعبة، وليس بذاك"، وقال ابن سعد: "كان كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه"، وقال السعدي والنسائي: "ليس بقوي الحديث".

والثاني: فيه أبو صالح باذام مولى أم هانئ، وقد ضعفوه، قال أحمد:"كان ابن مهدي ترك حديث أبي صالح"، وكان أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن عدي:"عامة ما يرويه تفسير، وما أقل ما له في المسند، ولم أعلم أحدًا من المتقدمين رضيه".

قلت: الجواب على هذا من وجوه:

أحدها: أن يقال: كل من الرجلين قد عدله طائفة من العلماء كما جرحه آخرون.

أما عمر؛ فقد قال فيه أحمد بن عبد الله العجلي: "ليس به بأس"، وكذلك قال يحيى بن معين:"ليس به بأس"، وابن معين وأبو حاتم من أصعب الناس تزكية.

وأمّا قول من قال: "تركه شعبة" فمعناه: أنه لم يرو عنه، كما قال أحمد بن حنبل:"لم يسمع شعبة من عمر بن أبي سلمة شيئًا"، وشعبة، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ومالك، ونحوهم، قد كانوا يتركون الحديث عن أناس لنوع شبهة بلغتهم، لا توجب رد أخبارهم، فهم

(1)"المسند"(2/ 337).

(2)

"السنن"(3236).

(3)

"السنن"(320).

(4)

"السنن"(2043).

(5)

"السنن"(1575).

ص: 235

إذا رووا عن شخص كانت روايتهم تعديلًا له، وأما ترك الرواية فقد يكون لشبهة لا توجب الجرح، وهذا معروف في غير واحد قد خرج له في الصحيح.

وكذلك قول من قال: "ليس بقوي في الحديث"، عبارة لينة؛ تقتضي أنه ربما كان في حفظه بعض التغير، ومثل هذه العبارة لا تقتضي عندهم تعقد الكذب، ولا مبالغة في الغلط.

أما أبو صالح: فقد قال يحيى بن سعيد القطان: "لم أر أحدًا من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أم هانئ، وما سمعت أحدًا من الناس يقول فيه شيئًا، ولم يتركه شعبة ولا زائدة"، فهذه رواية شعبة عنه تعديل له -كما عرف من عادة شعبة-، وترك ابن مهدي له لا يعارض ذلك، فإن يحيى بن سعيد أعلم بالعلل والرجال من ابن مهدي، فإن أهل الحديث متفقون على أن شعبة ويحيى بن سعيد أعلم بالرجال من ابن مهدي وأمثاله.

أما قول أبي حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به"؛ فأبو حاتم يقول مثل هذا في كثير من رجال "الصحيحين" وذلك أن شرطه في التعديل صعب، والحجة في اصطلاحه ليس هو الحجة في جمهور أهل العلم.

وهذا كقول من قال: "لا أعلم أنّهم رضوه"، وهذا يقتضي أنه ليس عندهم من الطبقة العليا، ولهذا لم يخرج البخاري ومسلم له ولأمثاله، لكن مجرد عدم تخريجهما للشخص لا يوجب رد حديثه، وإذا كان كذلك فيقال:"إذا كان الجارح والمعدل من الأئمة لم يقبل الجرح إلا مفسرًا، فيكون التعديل مقدمًا على الجرح المطلق".

الوجه الثاني: أن حديث مثل هؤلاء يدخل في الحسن الذي يحتج به جمهور العلماء، فإذا صححه من صححه -كالترمذي وغيره- ولم يكن فيه من الجرح إلا ما ذكر؛ كان أقل أحواله أن يكون من الحسن.

الوجه الثالث: أن يقال: قد روي من وجهين مختلفين:

أحدهما: عن ابن عباس.

والآخر: عن أبي هريرة.

ص: 236

ورجال هذا ليس رجال هذا فلم يأخذه أحدهما عن الآخر، وليس في الإسنادين من يتهم بالكذب، وإنما التضعيف من جهة سوء الحفظ.

ومثل هذا حجة بلا ريب، وهذا من أجود الحسن الذي شرطه الترمذي؛ فإنه جعل الحسن ما تعددت طرقه ولم يكن فيها متهم، ولا خالفه أحد من الثقات، وذلك أن الحديث إنما يخاف فيه من شيئين: إما تعمد الكذب، وإما خطأ الراوي.

فإذا كان من وجهين لم يأخذه أحدهما عن الآخر وليس مما جرت العادة بأن يتّفق تساوي الكذب فيه: علم أنه ليس بكذب، ولا سيما إذا كان الرواة ليسوا من أهل الكذب، وأما الخطأ فإنه مع التّعدد يضعف" (1). وهذا كلام علمي رصين لا يصدر إلا عن إمام.

وفاته رحمه الله الإشارة إلى حديث حوإن بن ثابت، أخرجه ابن أبي شيبة (2)، وابن ماجه (3)، والحاكم (4)، وأحمد (5)؛ كلهم من طريق عبد الرحمن بن بهمان عن عبد الرحمن بن ثابت، عن أبيه به.

وابن بهمان وثقه ابن حبان والعجلي، وقال الحافظ:"مقبول"(6).

ولم أجد من جرحه، لذا قال البوصيري في "الزوائد":"إسناده صحيح رجاله ثقات"، فهو شاهد جيد لحديث أبي هريرة وابن عباس، في كلام أبي العباس المتقدم.

قال ابن القيم: "قالوا: وأما حديث عائشة؛ فالمحفوظ فيه حديث الترمذي -مع ما فيه-، وعائشة إنما قدمت مكة للحج، فمرت على قبر أخيها في طريقها فوقفت عليه، وهذا لا بأس به، إنما الكلام في قصدهن الخروج لزيارة القبور".

(1)"الفتاوى الكبرى"(3/ 52 - 54).

(2)

"المصنف"(4/ 41).

(3)

"السنن"(1/ 478).

(4)

(1/ 374).

(5)

"المسند"(3/ 248).

(6)

"التقريب".

ص: 237

ولو قدر أنها عدلت إليه وقصدت زيارته؛ فهي قد قالت: "لو شهدتك لما زرتك"، وهذا يدل على أنه من المستقر المعلوم عندها: أن النساء لا يشرع لهن زيارة القبور، وإلا لم يكن في قولها ذلك معنى.

وأما رواية البيهقي وقولها: "نهى عنها، ثم أمر بزيارتها"؛ فهي من رواية: بسطام بن مسلم.

ولو صح فهي تأولت ما تأول غيرها من دخول النساء، والحجة في قول المعصوم، لا في تأويل الراوي، وتأويله إنّما يكون مقبولًا حيث لا يعارضه ما هو أقوى منه، وهذا قد عارضه أحاديث المنع" (1).

قال الألباني رحمه الله: "قلت: وقد أعله ابن القيم بشيء عجيب والأحرى بلا شيء، فقال: "وأما رواية البيهقي فهي من رواية بسطام بن مسلم، ولو صح فعائشة تأوّلت ما تأول غيرها من دخول النساء" (2).

قلت: وبسطام ثقة بدون خلاف أعلمه، فلا وجه لغمز ابن القيم له، والإسناد صحيح لا شبهة فيه، وقد احتج به أحمد فيما رواه ابن عبد البر (3)، عن أبي بكر الأثرم، قال:"سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن المرأة تزور القبر؟ فقال: أرجو -إن شاء الله- أن لا يكون به بأس، عائشة زارت قبر أخيها".

وقد تابعه عبد الجبار بن الورد، قال:"سمعت ابن أبي مليكة يقول: ركبت عائشة، فخرج إلينا غلامها، فقلت: أين ذهبت أم المؤمنين؟ قال: ذهبت إلى قبر أخيها عبد الرحمن تسقم عليه"، أخرجه ابن عبد البر، وسنده حسن، ولا يعله ما أخرجه الترمذي (4) من طريق ابن جريج عن عبد الله ابن أبي مليكة، قال:"توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بحبشي" مكان بينه وبين

(1)"تهذيب السنن"(4/ 347).

(2)

"تهذيب السنن"(4/ 350).

(3)

في "التمهيد"(3/ 234).

(4)

(2/ 157).

ص: 238

مكة اثنا عشر ميلًا فحمل إلى مكة فدفن فيها، فلمّا قدمت عائشة أتت قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقالت:

وكنا كندماني جذيمة حقبة

من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا

فلما تفرَّقنا كأني ومالكًا لطولِ

اجتماع لم نبت ليلة معا

ثم قالت: "والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك".

أخرجه ابن أبي شيبة (1)، واستدركه الهيثمي فأورده في "المجمع"(2)، وقال:"ورواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح"، فوهم في الاستدارك لإخراج الترمذي له، ورجاله رجال الشيخين، لكن ابن جريج مدلس وقد عنعنه، فهو علة الحديث.

ومع ذلك فقد ادعى ابن القيم (3) أنه: "المحفوظ مع ما فيه"، كذا قال؛ بل هو منكر لما ذكرنا؛ ولأنه مخالف لرواية يزيد بن حميد -وهو ثقة ثبت- عن أبي مليكة، ووجه المخالفة ظاهرة من قولها:"ولو شهدتك ما زرتك"؛ فإنه صريح في أن سبب الزيارة إنما هو عدم شهودها وفاته، فلو شهدت ما زارت، بينما حديث ابن حميد صريح في أنها زارت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور، فحديثه هو المحفوظ، خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله، وأما ما ذكره من تأول عائشة فهو محتمل، ولكن الاحتمال الآخر وهو أنها زارت بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم أقوى بشهادة حديثها الثاني (4) ".

ثم قال رحمه الله: "فقد تبين من تخريج الحديث أن المحفوظ فيه إنما هو بلفظ: "زوارات"؛ لاتفاق حديث أبي هريرة وحسان عليه، وكذا

(1) في "المصنّف"(4/ 410).

(2)

(3/ 60).

(3)

"التهذيب"(4/ 349).

(4)

"أحكام الجنائز"(233).

ص: 239

حديث ابن عباس في رواية الأكثرين على ما فيه من ضعف، فهي إن لم تصلح للشهادة فلا تضر، كما لا يضر في الاتفاق المذكور الرواية الأخرى من حديث ابن عباس؛ كما هو ظاهر، وإذا كان الأمر كذلك فهذا اللفظ:"زوارات" إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة بخلاف غيرهن، فلا يشملهن اللعن، فلا يجوز حينئذٍ أن يعارض بهذا الحديث ما سبق من الأحاديث الدالة على استحباب الزيارة للنساء؛ لأنه خاص وتلك عامة، يعمل بكل منهما في محله، فهذا الجمع أولى من دعوى النسخ، وإلى نحو ما ذكرنا ذهب جماعة من العلماء، فقال القرطبي: "اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة؛ لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك؛ من تضييع حق الزوج، والتبرج وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك، وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك؛ فلا مانع من الإذن لهن؛ لأن تذكّر الموت يحتاج إليه الرّجال والنساء.

قال الشوكاني (1): "وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الطاهر"(2).

قال شيخ الإسلام: "فإن قيل: فهب أنه صحيح؛ لكنه منسوخ؛ فإن الأول ينسخه، ويدلّ على ذلك ما رواه الأثرم -واحتج به أحمد في روايته- ورواه إبراهيم بن الحارث، عن عبد الله بن أبي مليكة: "أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين! أليس كذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور؟ قالت: نعم كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها".

قيل: الجواب عن هذا من عدة وجوه:

أحدها: أنه قد تقدم الخطاب؛ بأن الإذن لم يتناول النّساء؛ فلا يدخلن في الحكم الناسخ.

(1) في "نيل الأوطار"(4/ 95).

(2)

"أحكام الجنائز"(236).

ص: 240

الثاني: خاص في النساء، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"لعن الله زوارات القبور -أو زائرات القبور-"، وقوله:"فزوروها" بطريق التّبع، فيدخلن بعموم ضعيف، إما أن يكون مختصًّا بالرجال، وإما أن يكون متناولًا للنساء، والعام إذا عرف أنه بعد الخاص لم يكن ناسخًا له عند جمهور العلماء، وهو مذهب الشافعي، وأحمد، في أشهر الروايتين عنه، وهو المعروف عند أصحابه، فكيف إذا لم يعلم أنّ هذا العام بعد الخاص؟! إذ قد يكون قوله:"لعن الله زوارات القبور" بعد إذنه للرجال في الزيارة، ويدل على ذلك: أنه قرنه بالمتخذين عليها المساجد والسرج، وذكر هذا بصيغة التذكير التي تتناول الرجال، ولعن الزائرات جعله مختصًا بالنساء، ومعلوم أن اتخاذ المساجد والسروج باق محكم، كما دلت عليها الأحاديث الصحيحة، فكذلك الآخر.

وأما ما ذكر عن عائشة رضي الله عنها، فأحمد احتج به في إحدى الروايتين عنه لما أداه اجتهاده إلى ذلك، والرواية الأخرى عنه تناقض ذلك، وهي اختيار الخرقي وغيره من قدماء أصحابه. ولا حجة في حديث عائشة، فإنّ المحتج عليها احتج بالنهي العام، فدفعت ذلك بأن النهي منسوخ وهو كما قالت رضي الله عنها، ولم يذكر لها المحتج النهي المختص بالنساء الذي فيه لعنهن على الزيارة؛ يبين ذلك قولها:"قد أمر بزيارتها"، فهذا يبين أنه أمر يقتضي الاستحباب، والاستحباب إنّما هو ثابت للرجال خاضة، ولكن عائشة بيّنت أن أمره الثاني نسخ نهيه الأول، فلم يصلح أن يحتج به وهو: النساء على أصل الإباحة، ولو كانت عائشة تعتقد أن النساء مأمورات بزيارة القبور لكانت تفعل ذلك كما يفعله الرجال ولم تقل لأخيها:"لما زرتك".

الجواب الثالث: جواب من يقول بالكراهة من أصحاب أحمد والشافعي؛ وهو أنهم قالوا: حديث اللعن يدل على التحريم، وحديث الإذن يرفع التحريم، وبقي أصل الكراهة؛ يؤيد هذا قول أم عطية:"نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا"، والزيارة من جنس الاتّباع فيكون كلاهما مكروهًا غير محرم.

ص: 241

الجواب الرابع: جواب طائفة منهم -كإسحاق بن راهويه-؛ فإنهم يقولون: اللعن قد جاء بلفظ: "الزوارات"، وهن المكثرات للزيارة، فالمرة الواحدة في الدّهر لا تتناول ذلك، ولا تكن المرأة زائرة، ويقولون: عائشة زارت مرة واحدة ولم تكن زوارة.

وأما القائلون بالتحريم؛ فيقولون: قد جاء بلفظ: "الزوارات"، ولفظ:"الزوارات" قد يكون لتعددهن، كما يقال: فتحت الأبواب؛ إذ لكل باب فتح يخصه، ومنه قوله -تعالى-:{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} ومعلوم أن لكل باب فتحًا واحدًا، قالوا: ولأنه لا ضابط في ذلك بين ما يحرم وما لا يحرم، واللعن صريح في التّحريم.

ومن هؤلاء من يقول: "التشييع كذلك"، ويحتج بما روى في التّشييع من التغليظ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:"ارجعن مأزورات غير مأجورات، فإنّكن تفتن الحي وتؤذين الميت"، وقوله لفاطمة رضي الله عنها "أما إنّك لو بلغت معهم الكُدَى لم تدخلي الجنة حتى يكون كذا وكذا"، وهذان يؤيدهما ما ثبت في "الصحيحين" من أنه:"نهى النساء عن اتباع الجنائز".

وأما قول أم عطية: "ولم يعزم علينا"؛ فقد يكون مرادها لم يؤكد النهي، وهذا لا ينفي التحريم، وقد تكون هي ظنت أنه ليس بنهي تحريم، والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا في ظن غيره (1).

الجواب الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم علل الإذن بالرجال بأن يذكر بالموت ويرقق القلب ويدمع العين؛ هكذا في "مسند أحمد"، ومعلوم أن المرأة إذا فتح لها هذا الباب أخرجها إلى الجزع والندب، والنياحة، لما فيها من الضعف وكثرة الجزع وقلّة الصبر.

وأيضًا: فإن ذلك سبب لتأذي الميت ببكائها، ولافتتان الرِّجال بصوتهما وصورتها، كما جاء في حديث آخر:"فإنكنّ تفتن الحي وتؤذين الميت"، وإذا كانت زيارة النساء مظنّة وسببًا للأمور المحرمة في حقّهن وحق الرجال.

(1) في هذا الكلام نظر فهي أولى بفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت ما يخالف هذا الفهم عن الصحابة رضي الله عنهم.

ص: 242

والحكمة هنا غير مضبوطة؛ فإنه لا يمكن أن يحد المقدار الذي لا يفضي إلى ذلك ولا التمييز بين نوع ونوع.

ومن أصول الشريعة: أن الحكمة إذا كانت خفية -أو غير منتشرة- علق الحكم بمظنتها، فيحرم هذا الباب سدًّا للذريعة، كما حرم النظر إلى الزينة الباطنة لما في ذلك من الفتنة، وكما حزم الخلوة الأجنبية وغير ذلك من النظر، وليس في ذلك من المصلحة ما يعارض هذه المفسدة؛ فإنّه ليس في ذلك إلا دعاؤها للميّت وذلك ممكن في بيتها.

ولهذا قال الفقهاء: إذا علمت المرأة من نفسها أنّها زارت المقبرة بدا منها ما لا يجوز، من قول أو عمل، لم تجز الزيارة بلا نزاع" (1).

قال الفقير إلى عفو ربه: والذي يظهر لي؛ أن الواجب علينا في مثل هذه المسألة أمران:

الأول: الأخذ بكل ما ثبت عن النّبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يعرف "بالجمع بين النصوص"، وعدم إهمال أي منها.

فيحتج لمن ذهب إلى جواز زيارة المرأة للقبور بما ثبت في مسلم (2) من حديث عائشة -مختصرًا- أنَّها قالت: "يا رسول الله! كيف أقول إذا زرت القبور؟ قال: "قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين

"؛ الحديث.

ولمن منع بحديث: "لعن الله زوّارات القبور" بمجموع طرقه.

الثاني: لزوم فهم الصحابة رضي الله عنهم لهذه النصوص.

فبعد البحث لم نجد إلا أثر لعائشة بروايتين:

الأولى: قالت فيه: "لو شهدتك لما زرتك".

الثانية: قالت فيه لَمّا سُئِلت: "نعم؛ كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها".

وعند التأمل والنظر في المرفوع والموقوف: يتبين لنا أنه لا يوجد

(1)"الفتاوى الكبرى"(3/ 54 - 57).

(2)

(974).

ص: 243

حديث يمنع المرأة من زيارة القبور مطلقًا، كما لا يوجد ما يدل على الإذن لها مطلقًا؛ ولهذا اختلفت الرواية عن الإمام أحمد حيث أذن، ومنع.

وعليه: فإنه يعمل بالمنع في حال، وبالإذن في حال؛ وذلك بشرطين:

الأول: أن لا تكون زيارة المرأة للقبور عادة، فقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لعن الله زوارت القبور"؛ نظير قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبر عيدًا".

الثاني: ألا يصاحب زيارة المرأة للقبور ما يخالف السُّنة، والله أعلم.

239 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"ويقف الزائر مستقبلًا للقبلة: لحديث: "أنه جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، لما خرج إلى المقبرة" أخرجه أبو داود من حديث البراء".

قال الفقير إلى عفو ربه: وإسناده صحيح.

قال ابن القيم: "أخرجه الإمام أحمد والحاكم وصحّحه، وقد أعلّه أبو حاتم ابن حبان بأن قال: "زاذان لم يسمع من البراء"، قال: "ولذلك لم أخرجه"، وهذه العلة فاسدة؛ فإن زاذان قال: سمعت البراء بن عازب يقول؛ فذكره، ذكره أبو عوانه الإسفرايني في "صحيحه"، وأعله ابن حزم -أيضًا -بضعف المنهال بن عمرو، وهي علّة فاسدة؛ فإن المنهال ثقة صدوق، وقد صححه أبو نعيم وغيره"(2).

240 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"وقال في الحجة: وفي رواية: "السلام عليكم يا أهل القبور! يغفر لنا ولكم، وأنتم سلفنا ونحن بالأثر".

(1)(1/ 474).

(2)

"تهذيب السنن"(4/ 337).

(3)

(1/ 474).

ص: 244

قال الفقير إلى عفو ربه: أخرجها الترمذي (1)، وفي إسنادها: قابوس بن أبي ظبيان، قال الحافظ:"فيه لين"(2).

241 -

قال الْمُصنِّف (3):

"وفي مسلم: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها، ولا عليها".

قال الفقير إلى عفو ربِّه:

قال الألباني رحمه الله: "هذه الزيادة (ولا عليها) ليست في "صحيح مسلم" (3/ 62)، ولا عند غيره -كأصحاب السنن الثلاثة وغيرهم- وقد خرجت الحديث في "السترة" من كتاب "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم"، وقد تبين لي سبب وهم المؤلف، وبيان ذلك لا يتسع له المقام"(4).

242 -

قال الْمُصَنِّف (5):

"وقد أخرج أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن ابن عباس: "لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زائراتِ القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج".

قال الفقير إلى عفو ربه: انظر النكتة رقم (238).

243 -

قال الْمُصَنِّف (6):

"وزخرفتها: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أُمرت بتشييد المساجد"، أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان".

قال الفقير إلى عفو ربه: وإسناده صحيح.

(1)"السنن"(1053).

(2)

"التقريب"(5445).

(3)

(1/ 475).

(4)

"التعليقات الرضية"(1/ 475).

(5)

(1/ 476).

(6)

(1/ 476).

ص: 245

244 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"قال ابن عباس: "لتزخرفتها كما زخرفت اليهود والنصارى".

قال الفقير إلى عفو ربه: في "سنن أبي داود"(2) بسند صحيح.

245 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"طوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس".

قال الفقير إلى عفو ربه:

قال ابن الجوزي: "هذا ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حبان: "سمعه أبان من الحسن فجعله عن أنس وهو يعلم، قال يحيى: أبان ليس بشيء، وقال شعبة:"يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أزني أحب إلي من أن أحدث عنه"(4).

246 -

قال الْمُصنِّف (5):

"والتعزية مشروعة: لحديث: "من عزّى مصابًا فله مثل أجره"، أخرجه ابن ماجه، والترمذي، والحاكم، من حديث ابن مسعود، وقد أنكر هذا الحديث على علي بن عاصم".

قال الفقير إلى عفو ربه:

قال الحافظ: "ويحكى عن أبي داود أنه قال: عاتب يحيى بن سعيد القطان، علي بن عاصم في وصل هذا الحديث، وإنما هو عندهم منقطع، وقال له: إن أصحابك الذين سمعوه معك لا يسندونه، فأبى أن يرجع، قلت: ورواية

(1)(1/ 476).

(2)

(448).

(3)

(1/ 480).

(4)

"العلل المتناهية"(2/ 1385).

(5)

(1/ 480).

ص: 246

الثوري مدارها على حماد بن الوليد وهو ضعيف جدًّا، وكل المتابعين لعلي بن عاصم أضعف منه بكثير، وليس فيها رواية يمكن التعلق بها إلا طريق إسرائيل، فقد ذكرها صاحب "الكمال" من طريق وكيع عنه، ولم أقف على إسنادها بعد، وله شاهد أضعف منه طريق محمد بن عبيد الله العزرمي، عن أبي الزبير، عن جابر؛ ساقها ابن الجوزي أيضًا في "الموضوعات"(1) ".

247 -

قال الْمصَنِّف (2):

"وأخرج ابن ماجه من حديث عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة "ورجال إسناده ثقات".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال البوصيري: "هذا إسناد فيه مقال، قيس بن عمارة: ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الذهبي في "الكاشف": ثقة، وقال البخاري: فيه نظر.

قلت: وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم، رواه ابن أبي شيبة في "مسنده" هكذا، ورواه البيهقي في "سننه الكبرى" من طريق: إسماعيل ابن أبي أويس، عن قيس بن أبي عمارة، ورواه عبد بن حميد، حدثنا خالد بن مخلد؛ فذكره بالإسناد والمتن، وله شاهد من حديث ابن مسعود: رواه الترمذي، وابن ماجه، وروى الترمذي نحوه من حديث أبي برزة" (3).

248 -

قال الْمصَنِّف:

"فينبغي التعزية بهذه الألفاظ الثابتة في "الصحيح"، ولا يعدل عنها إلى غيرها"(4).

(1)"التلخيص الحبير"(2/ 275).

(2)

(1/ 481).

(3)

"مصباح الزجاجة"(1/ 1601).

(4)

(1/ 481 - 482).

ص: 247

قال الفقير إلى عفو ربِّه: قال أحمد شاكر: "لماذا لا يعدل عنها إلى غيرها؟! هل ورد الأمر بها والنهي عما عداها؟! نعم؛ إن اتباع الوارد أفضل ولكن هذا لا يمنع إباحة التعزية بكل ما يراه الإنسان نافعًا لتخفيف المصاب، على أن لا يقول ما يغضب الرب، ولا يخالف المشروع"(1).

(1)"التعليقات الرضية"(1/ 482).

ص: 248