المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا: باب الغسل - النكت العلمية على الروضة الندية

[عبد الله العبيلان]

الفصل: ‌خامسا: باب الغسل

حدّثني عبد الملك بن محمّد، عن هشام بن عروة، عن أَبيه، عن عائشة، به.

والّذي يظهَر بعد سَوْقِ هذه الطرق وتصحيح مَن صحّحها؛ أَن حديث القبلة لا ينزل عن رتبة الحديث الحسن؛ لتعدّد طرقه، ولا يوجد فيها كذّاب، أَو متّهم، أَو متروك، وممَّن صحّحه -أَيضًا- ابن عبد البَرّ والأَلباني.

* * *

*

‌خامسًا: بابُ الغُسْل

78 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"يجب بخروج المَنِيِّ بشهوة، ولو بتفكُّر وقد دلّت على ذلك الأدلّة الصّحيحة كأحاديث: "الماء من الماء"، وأحاديث: "في المني الغُسل"، وصدْق اسم الجنابة على من كان كذلك؛ وقد قال الله -تعالى-: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}، والاطِّهار استيعاب جميع البدن بالغُسلِ، كذا في "المُسوّى".

ولا أَعلم في ذلك خلافًا، وإنَّما وقع الخلاف المشهور بين الصّحابة -رضي الله تعالى عنهم-، وكذلك بين من بعدهم: هل يجب الغُسل بالتقاء الْخِتَانَيْن من دون خروج مَنيٍّ، أَمْ لا يجِبُ إلَّا بخروج الْمَنِيّ؟ ".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: استقرّ الإجماع على وجوب الغُسل مِنِ التقاء الخِتَانَين؛ في زمَن الصّحابة، ومن نُقل عنه عدمُ الوجوب رجع إلى القول بالوجوب.

(1)(1/ 183).

ص: 85

79 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وجلستُ عند محتضر، فرأَيتُ أَن الملائكَةَ الْمُوكَلَة بالقبض؛ لها نِكَايَةٌ عجيبةٌ في المحتضرين، ففهمت أَنَّه لا بدّ من تغيير الحالة لِتَنَبُّه النَّفْس لمخالفِها".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: ما كان ينبغي للمؤَلف رحمه الله نقلُ مثلِ هذا الكلام أَوْ ذِكْرُه؛ فإنَّ طريقتَه أَخذُ العلم بدليله، وهذا الكلام ضَرْبٌ من الدّعاوى بالظَّن والْخَرْص!!

80 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"وبالإسلام" وجهه: ما أخرجه أَحمدُ، والتِّرمذيُّ، والنّسائيُّ، وأَبو داود، وابنُ حِبّانَ، وابنُ خُزَيمةَ رحمهم الله، عن قَيس بن عاصم رضي الله عنه: أَنَّه أَسْلَمَ؛ فأَمّرَه النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يغتَسل بماءٍ وَسِدْر.

وصحّحه ابن السكن رحمه الله.

وأخرج أحمد، وعبد الرَّزاق، والبيهقيّ، وابن خزيمة، وابن حبّان رحمهم الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ ثمامة - رضي الله تعالى عنه - أسلم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اذهبوا به إلى حائط بني فلانٍ، فَمُرُوهُ أن يغتسل".

وأصله في "الصحيحين"، وليس فيهما الأمر بالاغتسال، بل فيهما أنّه اغتسل.

قال في "الحجَّة": قال لآخر: "ألق عنك شعر الكفر"؛ وسرّه أن يتمثل عنده الخروج من شيء، أصرح ما يكون، والله تعالى أعلم. انتهى.

وقد ذهب إلى الوجوب أحمد بن حنبل وأتباعه رحمهم الله.

(1)(1/ 188).

(2)

(1/ 188).

ص: 86

وذهب الشَّافعي رحمه الله إلى عدم الوجوب.

والحقُّ الأَوَّلُ".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: والّذي يَظهر لي -مع عدم وجود آثار عن الصّحابة فيما أعلم- ترجيح القولِ الثَّاني؛ لأَوجهٍ:

الأوّل: أَن أَمرَه صلى الله عليه وسلم لقيس بن عاصم للاستحباب، لا للوجوب، بدليل أَنه صلى الله عليه وسلم قَرَنَ السِّدر معَ الماء، وهو لا يجب بالاتفاق، ولا يقال: إنّ هذه دلالة اقتران، فلا تصرَّف عن الوجوب؛ لأَنّ دلالة الاقتران إنَّما تكون في أَمرين منفصلين؛ قد عُطف أَحدُهما على الآخر، وأَمّا في مسأَلتنا هذه؛ فلا يُتَصوّر أَن يغتسل بالسّدر وحده، بل لا بدّ من أَن يَخلطَه بالماء.

الثَّاني: أَمَّا حديث ثُمامَة الحنفيِّ؛ فاللفظ الثابت في "الصَّحيحين": "أَنّه ذهب بنفْسه واغتسل"، ثمّ أَشهر إسلامَه، وليس فيه:"أنّه أُمرَ بالغُسْل"، فزيادة أَمرِه بالغُسْل شاذّة.

الثالث: إنّ الّذين أَسلموا في عهده صلى الله عليه وسلم أَفواج، ولو أَنّ كلّ واحد منهم أُمر بأَنْ يغْتَسِل لَنُقِل إلَينا نقلًا بَيّنًا يرفع الخلاف.

فإنَّ قيل: فما الجواب على حديث: الْمُحرِمُ الّذي وَقَصَتْه راحلتُه، فأَمَره صلى الله عليه وسلم أَنْ يُغَسل بماء وسِدر، وقوله صلى الله عليه وسلم للاتي يَغْسِلنَ ابْنَتَه:"اغْسِلْنَها بماء وسدر"؟

قيل: الجواب من وجهين:

أَمَّا الوجْه الأوَّل: أَن أَمرَه صلى الله عليه وسلم بِغُسل المَيّت؛ واجب بالإجماع.

وأَمَّا الوجه الثَّاني: فإنَّه لا يُعرف أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم -أَو واحدًا من الصّحابة- اغتسل بماء وسدر -لا في غُسل واجب، ولا مستحبّ-؛ فدلّ هذا على أَنّ أَمرَه قيسَ بنَ عاصم:"أَن يغْتَسل بماء وسدر" للنّظافة على وجه الاستحباب، والله أَعلم.

ص: 87

81 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"مع المضمضة والاستنشاق: فقد ثبتا في الغُسل من فعله صلى الله عليه وسلم.

قال الفقير إلى عفو ربِّه: وذلك بما أخرجه البُخاريّ (2)، ومسلم (3) من حديث ميمونة قالت:"صبَبت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم غسلًا، فأَفرغ بيمينه على يساره فغسلهما، ثمّ غَسَل فرجَه، ثمّ قال بيده الأرَضَ فمسَحها بالتراب، ثُمَّ غَسّلها، ثمّ تمضمض واستنشق، ثمّ غسَل وجه، وأَفاض على رأسه، ثمّ تنحّى، فغَسَل قدميه، ثمّ أَتى بمنديل فلم ينفض بها".

82 -

قال الْمُصَنِّف (4):

"ووجه الوجوب: ما قدّمْناه في الوضوء".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: لا يوجد دليل على وجوب المضمضة والاستنشاق في الغُسْل؛ لأَنّ فرضَه المجزئ هو إفاضةُ الماء على الرأْس والبَدَن، والوضوء قَبله لا يجب، وهما جزء منه.

83 -

قال الْمُصَنِّف (5):

"وقد روى ابن أَبي شَيبة رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا أَنَّه قال -لما سُئل عن الوضوء بعد الغُسْل-: "وأَيّ وُضوء أَعمُ من الغُسْل؟! ".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: وأَيضًا رواه عبد الرّزاق (6): أَخبرنا معمر عن الزُّهْري عن سالم به، وإسناده صحيح.

(1)(1/ 189).

(2)

(259).

(3)

(317).

(4)

(1/ 189).

(5)

(1/ 191).

(6)

"المصنف"(1/ 270).

ص: 88

84 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وروى عن حذيفة رضي الله عنه أَنّه قال: "أَمَا يكفي أَحدُكم أَن يغتسل من قرْنِه إلى قدمِه حتَّى يتوضأَ".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: أَخرجه ابن أَبي شيبة (2): حدَّثنا عباد بن العوام، عن حجّاج، عن طلحةَ، عن إبراهيم، عن حذيفة، وهذا إسنادٌ ضعيف، فيه علّتان:

الأُولى: الانقطاع بين إبراهيم النّخعي وحذيفة، فإبراهيم لم يسمَعْ شيئًا

من الصّحابة.

الثَّانية: ضعف حجّاج بن أَرطأَةَ.

85 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"ويُشْرَعُ -أَي: الغُسْلُ- لصلاة الجُمُعَة لحديث: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل"، وهو في "الصَّحيحين"، وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

وقد تلقت الأمّة هذا الحديث بالقبول، ورواه عن نافعٌ رحمه الله نحو ثلاث مئة نفس.

ورواه من الصّحابة غير ابن عمر؛ رضي الله عنه نحو أربعة وعشرين صحابيًّا.

وقد ذهب إلى وجوبه جماعة.

قال النووي رحمه الله: حُكي وجوبُه عن طائفة من السّلف رحمهم الله، حَكُوه عن بعض الصّحابة رضي الله عنهم، وبه قال

(1)(1/ 191).

(2)

"المصنف"(1/ 135).

(3)

(1/ 192).

ص: 89

أهل الظّاهر، وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمّار رضي الله عنه، ومالك، وحكاه الخطابي، عن الحسن البصري، وحكاه ابن حزم عن جمع من الصّحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم.

وذهب الجمهور إلى أنّه مستحب، واستدلُّوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم بلفظ:"من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت؛ غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيَّامٍ" وبحديث سَمُرة رضي الله عنه، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

"من توضأ للجمعة؛ فيها ونِعمت، ومن اغتسل فذلك أفضل": أخرجه أحمد، وأبو داود، والنَّسائيُّ، والترمذي رحمهم الله.

وفيه مقال مشهور، وهو عدم سماع الحسن رحمه الله من سمرة رحمه الله؛ وغير ذلك من الأحاديث، قالوا: وهي صارفة للأمر إلى الندب.

ولكنّه إذا كان ما ذكره صالحًا لصرف الأمر؛ فهو لا يصلح لِصرفِ مثل قوله صلى الله عليه وسلم:

"حقّ على كلّ مسلم أن يغتسل في كلّ سبعة أيامٍ يومًا؛ يغسل فيه رأسه وجسده"؛ وهو في "الصَّحيحين" وغيرهما من حديث أَبي هريرة رضي الله عنه ".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: المتأَمّل للنُّصوص يرَى أَن سبب أَمره صلى الله عليه وسلم بالغُسل ليوم الجُمُعة: ما رواه البُخاريّ (1) عن عائشة، قالت:"كان النّاس ينتابون الجُمُعةَ من منازلِهم والعَوَالي، فيأْتُون في الغُبَار، فيصيبُهُمُ الغُبَارُ والعَرَق، فيخرجُ منْهُمُ العَرق، فأَتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لو أَنّكم تَطَهَّرتم ليومِكم هذا"، وفي رواية: "لَوِ اغْتَسَلْتُم".

(1)(902).

ص: 90

ثمّ إنَّه صلى الله عليه وسلم عَزَمَ عليهم، فقال -فيما رواه الشيخان- (1):

"غُسْل الجُمُعَةِ واجب على كلِّ مُحتَلِم".

فكان لأَهل العلم -نحوَ هذه النُّصوص- ثلاثة مسالك:

المسلك الأَوّل: الوجوب مطلَقًا؛ أَخذًا بظاهر حديث أَبي سعيد وابن عبَّاس.

المسلك الثَّاني: الاستحباب مطلَقًا؛ أَخذًا بظاهر حديث عائشة، وحديث الحسن، عن سمُرة.

المسلك الثالث: التفصيلُ في ذلك، وهذا الّذي أَفتى به ابنُ عبَّاس، فقد روى أَبو داود (2) عنه -بسند حسن-، عن عكرمة: "أَن أُناسًا من أَهل العراق جاؤوا، فقالوا: يا ابن عبَّاس! أَترى الغُسلَ يومَ الجُمُعةِ واجبًا؟ قال: لا؛ ولكنّه أَطهرُ وخيرٌ لِمَنِ اغْتَسل، ومَن لم يغتسل؛ فليس عليه بواجب، وسأَخبرُكُم كيف بَدْءُ الغُسْل:

كان النَّاس مجهودين؛ يلبسون الصّوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضَيِّقًا مقارب السّقف، إنّما هو عِرّيش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حارٍّ، وعرِق النّاسُ في ذلك الصوف حتَّى ثارت منهم رياحٌ؛ آذى بذلك بعضهم بعضًا، فلمَّا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرِّيحَ؛ قال:"أَيها النَّاس! إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، ولْيَمَسَّ أَحدُكم أَفضلَ ما يجد من دُهنه وطيبِه"، قال ابن عبَّاس، ثمّ جاء الله بالخير، ولبسوا غيرَ الصّوف، وَكُفُوا العَملَ، ووسِّع مسجدُهم، وذهب بعضُ الّذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العَرَق".

وروى مسلم (3) من قصَّة معاتبة عُمَرَ لِعُثمانَ رضي الله عنهما وقولِه

(1) البخاري (879)، مسلم (846).

(2)

(353).

(3)

(845).

ص: 91

له: "والوضوء أَيضًا، وقد علمت أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمُر بالغُسل".

قال الإمام الشَّافعي -فيما نقله عنه الترمذيّ: "ومِمّا يدل على أَن أَمرَ النّبي صلى الله عليه وسلم بالغُسل يوم الجُمُعَة؛ أَنه على الاختيار لا على الوجوب: حديث عمر؛ حيث قال لعثمان: "والوضوء أَيضًا وقد علمت أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بالغُسل يومَ الجُمُعة"، فلو علما أَنَّ أَمرَه على الوجوب، لا على الاختيار؛ لم يتْرُك عمر عُثمانَ حتَّى يردَّه ويقول له: ارجعْ فاغتَسل، ولمَّا خفي على عثمان ذلك مع علمه، ولكن دل في هذا الحديث أَن الغُسل يوم الجمُعُة فيه فضل من غير وجوب يجب على المرء في ذلك"(1).

وفيه نُكتة عزيزة: وهو أَنَّ غُسلَ يومِ الجُمُعة مستحبٌّ بإجماع الصّحابة -بقَيْدِه-، وهذا هو اختيار أَبي العباس؛ حيث أَفتى بالاستحباب ما لم يكن به عَرَق، أَو ريحٌ تؤذي غيرَه فيجب، وفي هذا جمع بين النُّصوص، وأَخذٌ بفقه السَّلف.

وأَمَّا ما رواه مسلم (2) عن أَبي هريرة مرفوعًا: "حقٌّ لله على كلِّ مسلم أَن يغتسل في كل سبعة أَيّام، يَغسل رأسَه وجسده".

فقد قال أَبو العبّاس: "وهذا في أَحدِ قولَي العُلماء هو غُسلٌ راتب مسنون، للنّظافة في كل أُسبوع، وإنْ لم يشهدِ الجُمُعةَ؛ بحيث يفعَلُه مَن لا جمُعَة عليه"(3).

86 -

قال الْمُصَنِّف (4):

"وللعيدَين: فقد روى من فعله صلى الله عليه وسلم من حديث الفاكه بن سعد رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم النّحر؛ أخرجه أحمد، وابن ماجه، والبزّار، والبغوي رحمه الله.

(1)"السنن"(497).

(2)

(1963).

(3)

"الفتاوى"(21/ 307).

(4)

(1/ 194).

ص: 92

وأخرج نحوه ابن ماجه رحمه الله من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

وأخرجه البزّار رحمه الله من حديث أبي رافع رضي الله عنه.

وفي أسانيدها ضعف، ولكنّه يقوّي بعضها بعضًا، ويقوي ذلك آثار عنْ الصّحابة رضي الله عنهم جيدة".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: صحّ عن ابن عمر أَنَّه: "كان يغتسل يوم الفطر قبل أَنْ يغدوَ إلى المُصلّى"، رواه مالك (1) عن نافع، عن ابن عمر.

وكذا صحّ عن عليّ: أَنّه سأَلَه رجل عن الغُسل؟ فقال: اغتسل كلِّ يوم إنْ شئت، فقال: لا؛ الغُسل الّذي هو الغُسل؟ قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النّحر، ويوم الفطر" (2).

87 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"ولِمَنْ غَسّل ميتًا؛ وجهه: ما أخرجه أحمد، وأهل "السنن" رحمهم الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "من غسَّل ميتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ"، وقد روي من طرف، وأُعِلَّ بالوقف، وبأن في إسناده صالحًا -مولى التوأمة رحمه الله.

ولكنه قد حسّنه التِّرمذيُّ رحمه الله، وصحّحه ابن القطان رحمه الله، وابن حزم.

وقد رُوي من غير طريق.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: هو -لكثرة طرقه- أسوأ أحواله أن يكون حسنًا فإنكار النووي رحمه الله على التِّرمذيِّ رحمه الله تحسينَهُ مُعْتَرضٌ.

(1)"الموطأ"(1/ 177).

(2)

"السنن الكبرى" للبيهقي (3/ 278)، والشّافعيّ في "المسند" (1/ 118) وفي "الأم" (1/ 385) وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 256 / 2112). من طريق: شعبة، عن عمرو بن مرَّة، سمعتُ زاذان يقول: عن عليّ .. فذكره. وإسناده حسن.

(3)

(1/ 196).

ص: 93

وقال الذهبي رحمه الله: هو أقوى من عدّة أحاديث احتجّ بها الفقهاء رحمهم الله.

وذكر الماوردي رحمه الله أن بعض أصحاب الحديث رحمهم الله خرَّج لهذا الحديث مئة وعشرين طريقًا.

وقد روي نحوه عن عليّ رضي الله عنه عند أحمد، وأبي داود، والنَّسائي، وابن أبي شيبة، وأبي يعلى، والبزَّار، والبيهقيّ رحمهم الله، وعن حذيفة رضي الله عنه عند البيهقي رحمه الله.

قال ابن أبي حاتم -والدَّارقطنيُّ، رحمهما الله-: لا يثبت.

وعن عائشة رضي الله عنها من فعله صلى الله عليه وسلم عند أحمد، وأبي داود، -رحمهما الله-.

وقد ذهب إلى الوجوب: عليّ، وأَبو هريرة رضي الله عنهما والإمامية".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: أَمَّا أَثر عليّ؛ فقد رواه البيهقي (1): أَخبرنا أَبو عبد الله الحافظُ، وأَبو بكرٍ بن الحسن القاضي، قالا: ثنا أَبو العبّاس محمد بن يعقوب: ثنا محمّد بن إسحاق: ثنا عليّ بن معبد: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد، عن جابر، عن الشعبي، عن الحارث، عن عليّ أَنه قال:"مَن غَسّل ميتًا؛ فليغتَسلْ"، قال البيهقيّ: وروي عن عليّ من قوله وليس بالقوي.

وأَمَّا أَثر أَبو هريرة؛ فقد رواه البيهقي (2)، وفي "المعرفة"(3) من طرق، عن إسحاقَ مولى زائدَةَ، عن أَبي هريرة:

"مَنْ غَسّل ميتًا؛ فليغتسل، ومن حَمَلَه فليتوضأْ".

(1)"السنن الكبرى"(1/ 305).

(2)

"السنن الكبرى"(1/ 301).

(3)

"معرفة السنن والآثار"(2/ 134).

ص: 94

قال البيهقي: "وقال في غير هذه الرّواية: وإنَّما لم يَقْوَ عندي أن يرويَ عن سهيل، عن أَبي صالح، عن أَبي هريرة، ويُدخل بعضُ الحفَّاظ بين أَبي صالح وبين أَبي هريرة إسحاقَ مولى زائدة، فدل أَن أَبا صالح لم يسْمَعْه من أَبي هريرة، وليست معرفتي بإسحاق مولى زائدة مثل معرفتي بأبي صالح، ولعلّه أَنْ يكون ثقة

، قال أَبو داود: سمعت أَحمد بن حنبل وسئل عن الغُسل مِن غَسْل المَيت؟ فقال: يجزئُه الوضوء، أَدخل أَبو صالح بينه وبين أَبي هريرة في هذا -يعني: إسحاق مولى زائدة-، قال: وحديث مصعب ضعيف، وهو مع جهالته مختلف في إسناده، فقيل عنه هكذا،

وقيل: عنه، عن أَبي سعيد.

وقيل: عن يَحْيَى بن أَبي كثير، عن إسحاق، عن أبي هريرة.

وقيل: عن يَحْيَى بن أَبي إسحاق، عن أَبي هريرة.

وقيل: عن يَحْيَى، عن رجل من بني ليث، عن أَبي إسحاق، عن أَبي هريرة.

وقيل: عن معمر عن أَبي إسحاق، عن أَبيه، عن حذيفة.

وكل ذلك ضعيف.

وروي عن محمد بن عمر، وعن أَبي سلمة، عن أَبي هريرة مرفوعًا، وروي عنه بإسناده موقوفًا، والموقوف أصحُّ.

ورواه زُهير بن محمد، وليس بالقوي عن العلاء، عن أَبي هريرة مرفوعًا.

ورواه عمرو بن عمير، عن أَبي هريرة مرفوعًا، وعمرو بن عمير غير مشهور.

ورواه صالح مولى التوأَمة، عن أَبي هريرة مرفوعًا، وصالح مولى التوأَمة اختلط في آخر عمُرِه، وسقط عن حدّ الاحتجاج بروايته، وإنَّما يصحُّ هذا الحديث عن أَبي هريرة موقوفًا" (1).

(1)"معرفة السنن والآثار"(2/ 133 - 135).

ص: 95

وقد روي عن ابن عباس في غَسْل الميت، قال:"يكفي منه الوضوء"، أَخرجه مُسدد (1): حدَّثنا يَحْيَى عن ابن جريج، عن عطاءٍ، عن ابن عبَّاس به.

وكذلك عن ابن عمر، قال:"كنَّا نَغسل الميت، فمنّا مَن يغتسلُ، ومنّا من لا يغتسل"(2)، قال: حدَّثنا ابن صاعد: ثنا محمّد بن عبد الله المخرميّ: ثنا أَبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي: ثنا وهيب: ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر به.

- قال الحافظ: "إسناده صحيح"(3).

أَمَّا استحباب الوضوء من غَسْل الميت؛ فمتوَجِّه؛ لثُبوت الأَثر عن ابن عبَّاس.

88 -

قال الْمُصَنِّف (4):

"وللإحرام؛ لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنّه رأى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم تجرَّد لإهلاله واغتسل؛ أخرجه التِّرمذيُّ، والدَّارقطنيُّ، والبيهقيّ، والطبرانيّ، -وحسّنه التِّرمذيُّ-، وضعَّفه العُقيلي رحمهم الله.

ولعل وجه التضعيف كونُ عبد الله بن يعقوب المدني في إسناده.

قال ابن الملقن في "شرح المنهاج": لعلّ التِّرمذيَّ رحمه الله حسَّنه لأنَّه عرف عبد الله بن يعقوب؛ أي: عرف حاله.

وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها عند أحمد رحمه الله، وعن أسماء رضي الله عنها، عند مسلم رحمه الله.

وقد ذهب إلى استحباب غُسل الإحرام الجمهور".

(1)"المطالب العالية" لابن حجر (1/ 319). [وإسناده ضعيف].

(2)

أَخرجه الدّارقطنيّ في (2/ 72).

(3)

"التلخيص"(1/ 239).

(4)

(1/ 197).

ص: 96