الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الفقير إلى عفو ربه، وصورتها: أَنْ يستيقظَ قبل طلوع الشمس بقليل وهو جنب، فإنِ اغتسلَ خرج الوقت، وإنْ تيمم أَدركه، فعلى قول المصنف يغتسل وإن فات الوقت، وهو الصواب؛ لأَن وقت الصلاة بالنسبة إليه وقت استيقاظِه؛ قال صلى الله عليه وسلم:"من نام عن صلاة أَو نسيها؛ فليصلها إذا ذَكَرَها؛ لا كفارة لها إلا ذلك"، وفي رواية:"وإنه لَوَقْتها"، وفيها نظر، وإذا كان الأَمر كذلك؛ فإنه مأْمُور بالقيام إلى الصلاة بشروطهما.
* * *
سابعًا: باب الحيْض والنفاس
97 -
قال الْمُصَنِّف (1):
"لم يأْت في تقدير أَقله وأَكثره ما تقوم به الحجة، وكذلك الطهر؛ لأَن ما ورد في تقدير أقل الحيض والطهر وأكثرهما، فهو إما موقوف ولا تقوم به الحجة، أو مرفوع ولا يصح، فلا تعويل على ذلك ولا رجوع إليه، بل المعتبر لذات العادةِ المتقررةِ هو العادةُ، وغير المعتادة تعمل بالقرائن المستفادة من الدم".
قال الفقير إلى عفو ربه: "فالأَصل في ذلك عدمُ التقدير من الشارع؛ فإنه لم يقدر ذلك بقدر، بل وَكَلَه إلى ما تعرفُه من عادَتها، ومذهب مالك: ولو دفعة فقط".
وقال أَبو العباس: "ولو ساعة، ولا حدَّ لأَكثره ما لم تصر مستحاضة، وهو مذهب جمهور السلف".
قال: "والمرجع في ذلك إلى العادة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن
(1)(1/ 212).
أَصحابه في ذلك شيء، وما أَطلَقه الشارع عمل بمقتضى مسماه ووجوده، ولم يجز تقديره وتحديده" (1).
وبما قرره الشّيخُ أَبو العباس أَفتى به ابن عباس، فقد روى الدارمي (2)، قال: أَخبرنا محمد بن عيسى: حدثنا ابن علية: أَنبأَنا خالد، عن أنس بن سيرين، قال:"اسْتُحِيضَتِ امرأَةٌ من آل أَنس، فأَمروني، فسأَلت ابن عباس، فقال: أما ما رأَتِ الدم البحراني؛ فلا تصلي، فإذا رأَتِ الطّهر ولو ساعةَ من نهار؛ فلتَغتَسل ولتصل"، وهذا إسناد صحيح.
98 -
قال الْمُصنِّف (3):
"ولا يعارض هذا ما أَخرجه في "الموطأ" -وعلّقه البخاري-: "أَن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الصفرةُ والكُدرة من دم الحيض لِيسألْنها عن الصلاة؟ فتقول لهن: لا تعجلْن حتى ترين القصَّة البيضاء؛ فإن هذا -مع كونه رأيًا منها- ليس بمخالف لما تقدم؛ لأنها لم تخبرهن بأن الصفرة والكُدرة حيض، إنما أمرَتهن بالانتظار إلى حصول دليل يَدُلُّ على أنه قد انقضى الحيض، وهو خروج القَصة، فمتى خرجت لم يخرج بعدها دم حيض، ولم تأْمُرْهن بالانتظار ما دامتِ الصفرة والكدرة".
قال الفقير إلى عفو ربه: قال العلامة الألَباني رحمه الله: "لكن يشهد له مفهوم حديث أم عطية، قالت: "كتا لا نَعذ الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا"، أخرجه أَبو داود وغيره بسند صحيح -كما بينتُه في "صحيح أَبي داود" رقم (325) -، فهو يدل بمفهومه على أنهن كن يَعْدُدن ذلك قبل الطهر -أَي: في الحيض- حيضًا.
وتأْويل المصنف حديث عائشة بعيد جدًّا عن الحقيقة، بل هو صريح
(1)"الإحكام" للعلامة عبد الرحمن بن قاسم (1/ 118).
(2)
"السنن"(1/ 827).
(3)
(1/ 215).
على أَنها كانت ترى أَن الحائض لا تطهُر بانقطاع الدم الأَسودِ عنها، بل لا بد منِ انقطاع الصفرة والكُدرة، وإلا لَما جاز أَن تأمر بالانتظار الذي يقضي بتضييع بعض الصلوات، لو كان الحيض هو الدمَ الأَسود فقط، فتأَمل" (1).
99 -
قال الْمصَنِّف (2):
"ومستحاضة: وهي التي يستمر خروج الدم منها.
إذا رأت غيره: تعمل على العادة المتقررة، فتكون فيها حائضًا تَثبت لها فيه أحكام الحائض، وفي غير أيّام العادة تكون طاهرًا لها حكم الطاهر.
تُعامَل المستحاضة كالطاهرة:
وهي كالطاهرة كما أفادت ذلك الأحاديث الصحيحة الواردة من غير وجه؛ فإذا لم تكن لها عادة متقررة كالمُبْتَدأة والمُلْتَبِسة عليها عادتُها؛ فإنها ترجع إلى التمييز، فإن دم الحيض أسود يُعرَف -كما قال- صلى الله عليه وسلم، فتكون إذا رأت دمًا كذلك: حائضًا، وإذا رأت دمًا ليس كذلك: طاهرًا.
وقد أَطال الناس الكلام في هذا الباب في غير طائل، وكثرت فيه التفريعات، والتدقيقات، والأمر أَيسر من ذلك".
قال الفقير إلى عقو ربه: "الدَّمُ باعتبار حكْمِه لا يخرج عن خمسة أَحكام:
أولًا: مقطوع بأَنه حيض؛ كالدم المعتاد الذي لا استحاضة معَه.
ثانيًا: دمٌ مقطوع بأَنه استحاضةٌ كدَمِ صفرة.
ثالثًا: دَمٌ يحتمل الأَمرَين؛ لكِنِ الأَظهرُ أَنه حيض، وهو دَمُ المعتادة، والْمُمَيزة، ونحوهما من المستحاضات؛ الذي يحكم بأَنه حيض.
(1)"التعليقات الرضية"(1/ 215).
(2)
(1/ 215 - 216).
رابعًا: ودَم يحتمل الأمَرَين، والأَظهر أنه دَم فساد، وهو الدم الّذي يحكم بأَنه استحاضة من دماء هؤلاء.
خامسًا: ودَمٌ مشكوك فيه، لا يترجح فيه أَحدُ الأَمرين، ويقول به طائفة من أَصحاب الشافعي، وأَحمد، وغيرهما؛ فيوجبون عليها: أَن تصوم وتصلي، ثم تقضي الضوم.
والصواب: أَن هذا القول باطل؛ لوجوه:
منها: أَن الله بيّن لنا ما نتقيه، فكيف يقال: إن الشريعة فيها شك؟! ولا يقولون -أَي: الموجبون-: نحن شكَكْنا؛ فإن الشاك لا علم عنده؛ فلا يجزم، وهؤلاء يجزمون بوجوب الصيام وإعادَته لشَكهم.
ومنها: أَن الشريعة ليس فيها إيجاب الصلاة، ولا الصيام مرتين، إلا بتفريط، والصواب: ما عليه جمهور المسلمين: أَن من فعل عبادة كما أَمر بحسب وَسِعَه؛ فلا إعادة عليه" (1).
والحاصل: أَن المعتادة ترد إلى عادتها؛ لحديث فاطمة بنت أَبي حُبَيشٍ، والمميزة تعمل بالتمييز، على حديث فاطمة عند أَبي داود (2)، والفاقدة لهما تحيض ستًّا أَو سبعًا، على حديث حِمنة، ثم إنه تبين لي أَن حديث فاطمة عند أَبي داود، وهي قوله:"إن دَمَ الحيض أَسودُ يعرف" لا يصح.
قال ابن أَبي حاتم: "سأَلت أَبي عن حديث رواه محمّد بن أَبي عدي، عن محمد بن عمرِو، عن ابن شهاب الزُّهْرِي، عن عروة، عن فاطمة: أَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها: "إذا رأَيتِ الدّمَ الأَسودَ؛ فأَمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر؛ فتوضئي وصلي؛ فإنما هو عرق"، قال أَبي: لم يتابع محمد بن عمرو على هذه الرواية وهو منكر". (3)
(1)"الإحكام" للعلّامة عبد الرحمن بن قاسم (1/ 121).
(2)
"السنن"(286).
(3)
"العلل"(1/ 549).
قال عبد الله ابنُ الإمام أَحمدَ: سمعت أَبي يقول: "كان ابن أَبي عدي حدثنا به عن عائشة، ثم تركَه (1) ".
ساقه البيهقي بعد حديث فاطمة، والذي يظهر لي أَن الخطأَ فيه إنّما هو من ابن أبي عدي.
قال أَبو داود: "وقال ابن المثتى: حدثنا به ابن أَبي عدي من كتِابِه هكذا، ثم حدثنا به -بَعْدُ- حِفظًا، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن الزهْري، عن عروة، عن عائشة: أَن فاطمة كانت تستحاض؛ فذكَر معناه (2) ".
وجملة القول في هذا الحديث: أنه معلول كما قال أَبو حاتم وأَحمد؛ لعدة أَوجه:
الأوَّل: أَن الحديث رواه البخاري (3)، ومسلم (4) من طرق: عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة، قالت: إن فاطمة بنتَ أبي حُبَيْش جاءت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني امرأَةٌ أُستحاض فلا أَطهر؛ أَفأَدع الصلاة؟ قال: "إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أَقبلت حيضتُك؛ فدَعي الصّلاة، وإذا أَدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي"، فأَنت ترى أَن رواية "الصحيحين" ليس فيها ذِكْرٌ لهذا الحرف.
الثاني: أَن ابن أَبي عدي راويه عن محمد بن عمرو: مرة يجعلُه من مسند فاطمة، ومرة يجعلُه من مسند عائشة، فهو كما أنه اضطرب في متْنِه؛ فكذلك في سنده.
الثالث: أَن ابن القطان أَعله بالانقطاع.
رابعًا: لم نر أَحدًا مِنَ المتقدمين أَثبت الحديث، أَو صححه بهذا اللفظ؛ بَلِ اسْتَنْكَروه.
(1)"السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 325).
(2)
"السنن"(1/ 55).
(3)
(228).
(4)
(755).
فالعمدة في رَد المستحاضة إلى التّمييز: إنما هو حديث فاطمة بنتِ أَبي حُبيش؛ الذي رواه البخاري ومسلم؛ فإن قولَه صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك عرق، وليس بالحيض، فإذا أَقبلَت حيضتك؛ فدَعِي الصلاة"؛ رد لها إلى التمييز.
(فائدة):
في قوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: "فتحيضي ستة أَيام، أَو سبعةَ أَيام -في علم الله-، ثم اغتسلي، حتى إذا رأَيتِ أَنكِ قد طَهُرت واستنقأْت؛ فصلي ثلاثًا وعشرين ليلة، أَو أَربعًا وعشرين ليلةَ وأَيامَها، وصومي؛ فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي في كل شهبر كما تحيض النساء"، أَخرجه أَبو داود (1) وغيره، فيه دليل: على أَن أَكثر الحيض سبعة أَيام، فإذا كانت المرأَةُ تحيض خمسة أَو ستة أَو سبعةَ أَيام، ثمّ طرأَ عليها ما جعل أَيام حيضها تزيد على السبعة، مثل: أَنْ تتناوَلَ عَقارًا يكون سببًا في زيادة تدفق دَمِها؛ فإنها تؤمر بأَنْ تغتسل بعد السابع، وتصلي وتصوم، ولا يقال لها: انتظري إلى أَنْ يبلغ خمسةَ عشَر يومًا، فهذا مع أنه مخالف لهذا الحديث؛ فإنّ معناه أَنْ لا فرقَ بين الحائض والنفَسَاء، وهذا أَمْر يصادم الواقع ولا يتفق مَعَه، على أَن الطب الحديثَ يقررُ أَن أَكثر زَمَنٍ تحيضُ فيه المرأَةُ هو سبعَة أَيام، فإذا زاد:
فإما أَنْ يكون بسبب اظطرابِ ما يُعرفُ بـ (الهُرمونات) عند المرأَة، ومعنى هذا: أنه مَرَضٌ.
وإما أَن تكون نُفَساءَ غاب عنها الدَّمُ تسْعة شُهور، وبهذا نكون قد ضَبَطْنا الفتوى في هذا، وأَرَحنا النساءَ من إشكالاتٍ كثيرةِ؛ تُسَبِّب لهُن الحَيْرَةَ والقَلَق.
100 -
قال الْمُصَنِّف (2):
"والنفَاسُ أَكثرُه أَربعونَ يومًا؛ لحديث أُم سلمة، قالت: "كانتِ النفساءُ
(1)"السنن"(287).
(2)
(1/ 219).
تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أَربعين يومًا". أَخرجه أَحمد، وأَبو داود، والترمذي، والدارقطني، والحاكم، وللحديث طرق يقوي بعضها بعضًا، وإلى ذلك ذهب الجمهور".
قال الفقير إلى عفو ربه: وبهذا جاءَتِ الآثار عن الصحابة:
1 -
فَعنِ ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"تَنْتَظِرُ النفَسَاءُ أَربعِينَ يومًا أَوْ نَحْوها"، أَخرجه الدارميُّ (1): أَخبرنا أَبو الوليد الطيالِسي: حدثنا أَبو عَوانَة، عن أَبي بشرٍ، عن يوسُفَ بن مبارك، عن ابن عبّاس به.
2 -
وعن عثمان بنِ أَبي العاص الثَّقفِي، فقد روى عبدُ الرزاق (2)، عن الثوري، عن يونس، عن الحسن، عن عثمان بن أَبي العاص:"أَنه كان لا يَقْرَبُ نساءَه -إذا تنَفسَتْ إحدَاهُن- أَربعين ليلة".
(1)"السنن"(1/ 994).
(2)
"المصنف"(1 / رقم: 313).