المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الزكاة 249 - قال الْمُصَنِّف (1): "وأما ما روي عن بعض الصحابة: - النكت العلمية على الروضة الندية

[عبد الله العبيلان]

الفصل: ‌ ‌الزكاة 249 - قال الْمُصَنِّف (1): "وأما ما روي عن بعض الصحابة:

‌الزكاة

249 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وأما ما روي عن بعض الصحابة: فلا حجة فيه أيضًا، وقد عُورِض بمثله؛ كما روى البيهقي، عن ابن مسعود قال: من ولي مال يتيم، فليُحْصِ عليه السنين، فإذا رفع إليه ماله؛ أخبره بما فيه من الزكاة؛ فإن شاء زكى، وإن شاء ترك".

قال الفقير إلى عفو ربِّه: بل هم متفقون، ولم يثبت عن واحد منهم التصريح بأن "الزكاة لا تجب في مال غير المكلف".

1 -

فقد روى الدارقطني (2) من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن ابن المسيب، عن عمر، قال:"ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة"، ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (3) من طريق الزهري ومكحول عن عمر.

قال البيهقي: "هذا إسناد صحيح، وله شواهد عن عمر"(4)، وهو كما قال؛ فإن الأئمة المحققين يحملون رواية سعيد عن عمر على الوصل وإن لم يسمع منه (5)؛ فتنبه.

(1)(1/ 487).

(2)

"السنن"(2/ 110).

(3)

"المصنف"(4/ 25).

(4)

"السنن الكبرى"(4/ 107).

(5)

صحَّ سماعه منه لبعض الأحاديث والخطب كما صرَّح هو بذلك، وانظر "تهذيب الهذيب".

ص: 249

2 -

وما رواه مالك (1) عن عبد الرحمن بن قاسم، عن أبيه، أنه قال:"كانت عائشة تليني أنا وأخًا لي يتيمين حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة".

3 -

وبما رواه البيهقي (2) من طريق: أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه كان يكون عنده مال ليتيم فيزكّيه".

4 -

وما رواه عبد الرزاق (3)، وابن حزم (4) من طريق: حبيب بن أبي ثابت، عن عبيد الله بن أبي رافع، قال:"باع لنا علي بن أبي طالب أرضًا بثمانين ألفٍ فأعطاناها، فإذا هي تنقص؛ فقال: إني كنت أزكيها"(5).

5 -

وما رواه ابن أبي شيبة (6)، وأبو عبيد (7) من طريقين عن جابر:"في الرجل يلي مال اليتيم؟ قال: يعطي زكاته".

وأما ما أشار إليه الشارح رحمه الله عن ابن مسعود عند البيهقي (8) من طريق الليث بن أبي سليم عن مجاهد، عن ابن مسعود.

فإن فيه علتين:

الأولى: ضعف الليث بن أبي سليم.

الثانية: الانقطاع بين مجاهد وابن مسعود.

ولذا قال البيهقي: "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب: أنبأ الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي في مناظرة جرت بينه وبين من خالفه: وجوابه عن هذا الأثر -مع أنك تزعم ان هذا الأثر ليس بثابت عن ابن مسعود- من وجهين:

(1)"الموطأ"(1/ 251).

(2)

"السنن الكبرى"(4/ 108).

(3)

"المصنف"(4/ 67).

(4)

"المحلى"(5/ 208).

(5)

حبيب بن أبي ثابت مدلس، وقد عنعن.

(6)

"المصنف"(4/ 26).

(7)

"الأموال"(549).

(8)

"السنن الكبرى"(4/ 108).

ص: 250

أحدهما: أنه منقطع، وأن الذي رواه ليس بحافظ"، ثم قال: "وجهة انقطاعه: أن مجاهدًا لم يدرك ابن مسعود، وراويه الذي ليس بحافظ هو ليث بن أبي سليم وقد ضعفه أهل العلم بالحديث" (1).

قال الشافعي: "ولو كان ابن مسعود لا يرى زكاة؛ لم يأمره بالإحصاء؛ لأن من لم تجب عليه زكاة لا يؤمر بإحصاء السنين كما لم يأمر الصّبي بإحصاء سنه في صغره للصلاة، ولكن ابن مسعود كان يرى عليه الزّكاة، وكان لا يرى أن يزكيها الولي، وهم يقولون: "ليس في مال الصّبي زكاة" (2).

ولو صح أثر ابن مسعود، وابن عباس -الآتي بعد هذا- لقلنا أن للصحابة قولين في وجوب الزّكاة على غير المكلف؛ ولكن كما ترى لم يختلف قولهم في وجوب الزّكاة عليه، فالخلاف حدث فيمن بعدهم:

قال شيخ الإسلام: "وتجب الزّكاة في مال اليتامى؛ عند مالك، والليث، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وهو مروي عن عمر، وعائشة، وعلي، وابن عمر، وجابر رضي الله عنهم.

قال عمر: "اتّجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزّكاة"، وقالته عائشة أيضًا، وروى ذلك عن الحسن بن علي، وهو قول عطاء، وجابر بن زيد، ومجاهد، وابن سيرين" (3).

250 -

قال الْمُصَنِّف (4):

"وروي نحو ذلك عن ابن عباس".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال البيهقي: "وروي عن ابن عباس؛ إلا أنه يتفرّد بإسناده ابن لهيعة، وابن لهيعة لا يُحتج به، والله أعلم"(5).

(1)"السنن الكبرى"(4/ 108).

(2)

"المعرفة"(6/ 70).

(3)

"مجموع الفتاوى"(25/ 17).

(4)

(1/ 487).

(5)

"السنن الكبرى"(4/ 108).

ص: 251

251 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وإن قال قائل: إن الخطاب في الزكاة عام كقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، ونحوه: فذلك ممنوعٌ، وليس الخطاب في ذلك إلا لمن يصلح له الخطاب، وهم المكلفون، وأيضًا؛ بقية الأركان -بل وسائر التكاليف التي وقع الاتفاق على عدم وجوبها على من ليس بمكلف-: الخطابات بها عامّة للناس، والصبي من جملة الناس، لو كان عموم الخطاب في الزكاة مُسَوغًا لإيجابها على غير المكلفين؛ لكان العموم في غيرها كذلك، وأنه باطل بالإجماع، وما استلزم الباطل باطل".

قال الفقير إلى عفو ربه: لا ريب أنّ الاستدلال بالعموم من غير نظر إلى المخصصات من الكتاب والسنة والآثار؛ ليس منهجًا علميًّا سليمًا.

252 -

قال الْمصَنِّف (2):

"ولم يوجب الله -تعالى- على ولي اليتيم والمجنون أن يخرج الزّكاة من مالهما، ولا أمره بذلك، ولا سوغه له، بل وردت في أموال اليتامى تلك القوارع التي تتصدع لها القلوب، وترجف لها الأفئدة".

قال الفقير إلى عفو ربه: هذا لو لم يرد عن الخليفة الرّاشد عمر وغيره من الصحابة؛ القول بوجوب الزكاة في أموال اليتامى، أمَّا وقد ثبت عنهم -كما عرفت-؛ فإن الواجب على من بعدهم من أهل العلم لزوم سبيلهم كما أمر الله عز وجل بذلك، حيث قال:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} (3)، وقد عصمهم الله من الاتفاق على الخطأ فضلًا عن الضلال.

(1)(1/ 487).

(2)

(1/ 488).

(3)

[النساء:115].

ص: 252

253 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وأما اشتراط الحرية: فلا ريب أن هذا الاشتراط، إنما يتم على قول من قال: إن العبد لا يملك، وهي مسألة قد تعارضت فيها الأدلة بما لا يتسع المقام لبسطه".

قال الفقير إلى عفو ربه: ثبت في "الصحيحين" ما يدل على أن العبد ليس ملكه تامًّا، فقد روى البخاري (2)، ومسلم (3)، من حديث ابن عمر مرفوعًا:"من ابتاع عبدًا فماله للّذي باعه، إلَّا أن يشترط المبتاع".

وبعين المسألة أفتى ابن عمر وجابر رضي الله عنهم، أما أثر ابن عمر؛ فقد رواه البيهقي (4) من طريق ابن نمير وأبي معاوية كلاهما عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال:"ليس في مال العبد زكاة حتى يعتق".

وأمّا أثر جابر، فرواه عبد الرّزاق (5) عن ابن جريج، قال: أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "لا صدقة في مال العبد ولا المكاتب حتى يُعتقا"، وكلا الأثرين إسنادهما صحيح.

وأما ما رواه البيهقي (6) من طريق ابن سيرين، عن جابر الحذّاء، قال: سألت ابن عمر: هل في مال المملوك زكاة؟ قال: "في مال كل مسلم زكاة في مائتين خمسة فما زاد فبالحساب".

فجابر الحذاء لم أجد من ترجم له، غير أنّ ابن حبان ذكره في "الثقات"(7)، وقال:"لم يَرْوِ عنه سوى ابن سيرين"، ومن كانت هذه حاله؛

(1)(1/ 488).

(2)

(2379).

(3)

(3905).

(4)

"السنن الكبرى"(4/ 108).

(5)

"المصنف"(4/ 71).

(6)

"السنن الكبرى"(4/ 109).

(7)

(4/ 103).

ص: 253

فلا ينبغي أن تعارض روايته رواية الثقات المتفق على عدالتهم -كما عرفت من رواية عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر-، فهي المحفوظة الموافقة للحديث والأثر.

تنبيه:

وقع عند عبد الرّزاق (1) في أثر ابن عمر -الذي يرويه عنه جابر الحذاء- تصحيف جابر إلى خالد؛ وذلك أن خالدًا الحذاء روايته عن ابن عمر منقطعة؛ فلا يصح أن يقول: "سألت ابن عمر".

254 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"وبالجملة: فالأصل في أموال العباد الحُرمة: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}، "لا يحلّ مال امريء مسلم إلا بطِيبةٍ من نفسه"، ولا سيّما أموال اليتامى؛ فإن القوارع القرآنية، والزواجر الحديثيّة -فيها- أظهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، فلا يأمن ولي اليتيم -إذا أخذ الزكاة من ماله- من التَّبِعَة؛ لأنّه أخذ شيئًا لم يوجبه الله على المالك، ولا على الولي، ولا على المال".

قال الفقير لعفو ربه: يبدو أن الشارح رحمه الله صاحب قلم سيّال؛ لذا خرج عن التحقيق العلمي واسترسل في الوعظ، وقد تقدم الجواب على ما ذكره.

255 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"فصل: نصاب البقر، ويجب في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي أربعين مسنة ثم كذلك".

(1)"المصنف"(4/ 72).

(2)

(1/ 489).

(3)

(1/ 494).

ص: 254

قال الفقير إلى عفو ربه: قال الشيخ الألباني رحمه الله معلّقًا: "وهذا الحكم في البقر، وكذا الإبل إذا كانت سائمة تتخذ للنسل والنماء، وأما إذا كانت للتجارة؛ فالحكم فيها كسائر أموال التّجارة، وأما إذا كانت عوامل، فلا صدقة فيها، كما فضله أبو عبيد، ونقلناه في "التعليقات" (3/ 93) "(1).

فكلامه رحمه الله يحتمل أمورًا ثلاثة:

الأول: أنّه رجع عن قوله بعدم وجوب الزكاة في عروض التّجارة.

الثاني: أنّه يستثني بهيمة الأنعام في وجوب الزكاة إذا اتخذت للتجارة.

الثالث: أنّه نسي أن الراجح لديه عدم وجوب الزّكاة في عروض التّجارة؛ كما قرر ذلك في "تمام المئة"(363).

256 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"ولا شيء فيما دون ذلك: قال في الحجّة: "وهل في الحلي زكاة؟ الأحاديث فيه متعارضة، وإطلاق الكنز عليه بعيد، ومعنى الكنز حاصل، والخروج من الاختلاف أحول".

وفي "الموطأ": كانت عائشة تلي بنات أخيها، يتامى في حِجرها، لهن الحُلِي؛ فلا تخرج من حُلِيهن الزكاة.

قال مالك: من كان عنده تِبْرٌ أو حُلِي -من ذهبٍ أو فضة- لا ينتفع به لِلبْسٍ؛ فإن عليه فيه الزكاة في كل عام، يوزن فيؤخذ ربع عُشْرِهِ؛ إلَّا أن ينقص من وزن عشرين دينارًا عينًا، أو مئتي درهم، فإن نقص من ذلك؛ فليس فيه زكاة.

وإنما تكون الزكاة إذا كان إنما يُمسِكُه لغير اللبس، فأما التبر والحلي

(1)"التعليقات الرضية"(1/ 494).

(2)

(1/ 501).

ص: 255

المكسور، الذي يريد أهله صلاحه ولبسه؛ فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله، فليس على أهله فيه زكاة.

قال مالك: ليس في اللؤلؤ، ولا في المسك، ولا في العنبر زكاة.

قلت: قال به الشافعي في أظهر قوليه، وخصه بالمباح.

وأما المحظور -كالأواني وكالسوار والخلخال للرِّجْل-: فتجب فيه الزكاة بكل حال.

وعند الحنفية: تجب في الحلي إذا كان من ذهب أو فضة، دون اللؤلؤ ونحوه".

قال الفقير إلى عفو ربه: هذه إحدى المسائل الكبار في كتاب الزكاة، ولا بد من أن أسوق الأدلة المرفوعة والموقوفة، لكل فريق من أهل العلم قبل ترجيح الراجح من القولين.

أ- الأحاديث المرفوعة:

قال الدارقطني (1):

1 -

"حدَّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز: ثنا محمد بن هارون أبو نشيط: ثنا عمرو بن الربيع بن طارق: ثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن جعفر، أن محمد بن عطاء أخبره عن عبيد الله بن شداد بن الهاد، أنّه قال: "دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من وَرِق، فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك فيهن يا رسول الله! فقال: "أتؤدين زكاتهن؟ "، فقلت: لا -أو ما شاء الله- من ذلك، فقال:"هن حسْبُكِ من النار"، محمد بن عطاء هذا مجهول" (2).

قال البيهقي -معقبًا على الدارقطني-: "قال أحمد: هو محمد بن

(1) في "السنن"(2/ 105 - 107).

(2)

(2/ 105).

ص: 256

عمرو بن عطاء فيما رواه أبو حاتم، ومحمد بن عمرو بن عطاء معروف" (1).

قال الذهبي: "محمد بن عطاء، عن عبد الله بن شداد، قال الدارقطني: مجهول، قلت: إئما هو محمد بن عمرو بن عطاء أحد الأثبات، روى عنه عبيد الله بن أبي جعفر، فجاء في حديث عائشة في زكاة الحلي في رواية الدارقطني منسوبًا إلى جدّه، فما عرفه، فقال فيه: مجهول"(2).

والأمر كما قال البيهقي والذهبي؛ لكن الحديث فيه علّة أُخرى، وهي يحيى بن أيوب الغافقي المصري:

"قال أحمد: سيئ الحفظ، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال النسائي. ليس بالقوي"(3)، وقال ابن معين:"يكتب حديثه ولا يحتج به".

قال الدارقطني:

2 -

"حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد: ثنا يعقوب بن يوسف بن زياد: ثنا نصر بن مزاحم: ثنا أبو بكر الهذلي. ح. وحدثنا أحمد بن محمد بن يوسف بن مسعدة الفراري: ثنا أسيد بن عاصم: ثنا محمد بن المغيرة: ثنا النعمان بن عبد السلام عن أبي بكر: ثنا شعيب بن الحبحاب، عن الشعبي، قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطوق فيه سبعون مثقالًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله! خذ منه الفريضة فأخذ منه مثقالًا وثلاثة أرباع مثقال"، أبو بكر الهذلي متروك، ولم يأت به غيره" (4).

3 -

"حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد: ثنا يعقوب بن يوسف بن زياد: ثنا نصر بن مزاحم: ثنا أبو بكر الهذلي، عن شعيب الحبحاب بهذا

(1)"معرفة السنن والآثار"(6/ 144).

(2)

"الميزان"(3/ 648).

(3)

"الميزان"(4/ 362).

(4)

"السنن" للدارقطني (2/ 106).

ص: 257

مثله، وزاد:"قلت: يا رسول الله! في المال حق سوى الزكاة؟ قال: "نعم؛ ثم قرأ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} " (1).

4 -

"حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد الختلي: ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن غالب الزعفراني: ثنا أبي، عن صالح بن عمرو، عن أبي حمزة ميمون، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الحلي زكاة"، وعن أبي حمزة عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال:"ليس في الحلي زكاة". أبو حمزة هذا ميمون، ضعيف الحديث" (2).

5 -

"حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد: ثنا أحمد بن محمد بن مقاتل الرازي: ثنا محمد بن الأزهر: ثنا قبيصة عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن لي حليّا وإن زوجي خفيف ذات يد، وإن لي بني أخ، أفيجزئ عني أن أجعل زكاة الحلي فيهم؛ قال:"نعم"؛ هذا وهم، والصواب: عن إبراهيم، عن عبد الله؛ مرسل موقوف" (3).

6 -

وروى أحمد (4): حدثنا علي بن عاصم، عن عبيد الله بن عثمان بن خيثم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، قالت:"دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أسورة من ذهب، فقال: "أتعطيان زكاته؟ " فقلنا: لا، قال: "أما تخافان أن يسؤركما الله أسورة من نار؟! أديا زكاته".

قال الزيلعي: "وقال ابن الجوزي: وعلي بن عاصم رماه يزيد بن هارون بالكذب، وعبد الله بن خيثم، قال ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية، وشهر بن حوشب قال ابن عدي: لا يحتج بحديثه، وقال ابن حبان: كان يروي عن الثقات المعضلات"(5).

(1)"السنن" للدارقطني (2/ 106).

(2)

"السنن" للدارقطني (2/ 107).

(3)

"السنن" للدارقطني (2/ 108).

(4)

"المسند"(6/ 461).

(5)

"نصب الراية"(3/ 372).

ص: 258

7 -

وروى أبو داود (1)، عن عتاب بن بشير، عن ثابت بن عجلان، عن عطاء، عن أم سلمة، قالت:"كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله! أكنز هو؟ فقال: "ما بلغ أن تؤدّي زكاته فزكي؛ فليس بكنز"، قال البيهقي: "وهذا يتفرد به ثابت بن عجلان، والله أعلم" (2).

يشير إلى تضعيفه وهو كما قال.

8 -

روى أبو داود (3)، والنسائي (4)، من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه:"أن امرأة أتت رسول الله، صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: "أتعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسؤرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟! "، قال: "فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله"، قال البيهقي: "وهذا يتفرّد به عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده" (5).

9 -

وروى أحمد (6): حدثنا إبراهيم بن أبي الليث: حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن عمرو بن يعلى بن مرة الثقفي، عن أبيه، عن جده، قال:"أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل عليه خاتم من الذهب عظيم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أتزكي هذا؟ "، فقال: يا رسول الله! فما زكاة هذا؟ فلما أدبر الرجل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جمرة عظيمة عليه! ".

ب- الآثار الموقوفة:

1 -

عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: "أن عائشة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن

(1)"السنن"(1564).

(2)

"السنن الكبرى"(4/ 140).

(3)

"السنن"(1563).

(4)

"السنن"(2479).

(5)

"السنن الكبرى"(4/ 140).

(6)

"المسند"(4/ 171).

ص: 259

الزكاة" (1)، وعن عبد الرزاق (2): "بالذهب واللؤلؤ؛ فلا تزكيه، وكان حليهم يومئذ! يسيرًا".

2 -

عن نافع: "أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة"(3).

3 -

عن الثوري ومعمر، عن عمرو بن دينار، قال:"سألت جابر بن عبد الله عن الحلي: هل فيه زكاة؟ قال: لا؛ قلت: إن كان ألف دينار؟ قال: الألف كثير" عبد الرزاق (4).

4 -

عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال:"ليس في الحلي زكاة"، عبد الرزاق (5).

5 -

عن ابن جريج، قال: أخبرني يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن:"أنها سألت عائشة عن حلى لها: هل عليها فيه صدقة؟ قالت: لا". عبد الرزاق (6).

6 -

عن الثوري، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، قال:"قالت امرأة عبد الله: إن لي حليًّا فأزكيه؟ قال: إذا بلغ مئتي درهم فزكيه، قالت: في حجري بني أخ لي يتامى أفأضعه فيهم؟ قال: نعم". عبد الرزاق (7).

7 -

عن الثوري، عن أبي موسى، عن عمرو بن شعيب، عن عبد الله بن عمرو:"أنه كان يحلي بناته بالذهب -ذكر أكثر من مئتي درهم- أراه ذكر الألف أو أكثر- كان يزكيه". عبد الرزاق (8).

(1)"الموطأ"(1/ 250).

(2)

"المصنف"(4/ 83 / 7052).

(3)

"الموطأ"(1/ 250).

(4)

"المصنف"(4 / رقم:7046).

(5)

"المصنف"(4 / رقم:7047).

(6)

"المصنف"(4 / رقم:7051).

(7)

"المصنف"(4 / رقم:7056).

(8)

"المصنف"(4 / رقم:7057).

ص: 260

8 -

حدثنا ابن أبي عدي، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت:"لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته". أبو عبيد (1).

9 -

حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه كان يزوج المرأة من بناته على عشرة آلاف، فيجعل حليها من ذلك أربعة آلاف، قال: فكانوا لا يعطونه عنه -يعني: الزكاة- "أبو عبيد (2).

10 -

حدثنا خالد بن عمر القرشي الكوفي، عن شريك، عن علي بن سليم، قال:"سألت أنس بن مالك عن سيف عليه الفضة الكثيرة، أعليه الزكاة؟ قال: لا". أبو عبيد (3).

11 -

حدثنا عبد الرحيم ووكيع، عن مساور الوراق، عن شعيب، قال:"كتب عمر إلى أبي موسى أن آمر من قبلك من نساء المسلمين أن يتصدقن من حليهن، ولا يجعلن الهدية والزيادة تعارضًا بينهن". ابن أبي شيبة (4).

قال البيهقي: "وهذا مرسل، شعيب بن يسار لم يدرك عمر"(5).

12 -

حدثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال:"يزكي مرة". ابن أبي شيبة (6).

13 -

حدثنا وكيع، عن جرير بن حازم، عن عمرو بن شعيب، عن عبد الله بن عمرو:"أنه كان يأمر نساءه أن يزكين حليهن". ابن أبي شيبة (7).

(1) في "الأموال"(1265).

(2)

في "الأموال"(1286).

(3)

في "الأموال"(1277).

(4)

"المصنف"(10160).

(5)

"السنن الكبرى"(4/ 139).

(6)

"المصنف"(10161).

(7)

"المصنف"(10165).

ص: 261

14 -

حدثنا عبده بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء:"أنها كانت لا تزكي الحلي" ابن أبي شيبة (1).

15 -

حدثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن فاطمة، عن أسماء:"أنها كانت تحلي ثيابها الذهب ولا تزكيه" ابن أبي شيبة (2).

16 -

حدثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الألهاني، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: "حلية السيف من الكنوز". ابن أبي شيبة (3).

17 -

ثنا النضر قال: أخبرنا صخر بن جويرية، عن نافع، قال: قال ابن عمر في الحلي إذا وضع كنزًا، قال:"كل مال يوضع كنزًا ففيه الزكاة حتى تلبسه المرأة، فليس فيه زكاة". ابن زنجويه (4).

18 -

حدثنا يزيد بن هارون: أخبرنا يحيى بن سعيد: أنا إبراهيم بن أبي المغيرة: أخبره أنه سأل القاسم بن محمد عن صدقة الحلي؟ فقال القاسم: "ما رأيت عائشة أمرت به نساءها ولا بنات أخيها". ابن زنجويه (5).

19 -

أنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل عن علي بن سليم: "أنه سأل أنس بن مالك عن سيف كثير الفضة" أفيه زكاة؟ قال: لا". ابن زنجويه (6).

20 -

أنا محاضر، عن هشام بن عروة، عن فاطمة -ابنة المنذر-، عن أسماء:"أنها كانت لا تزكي الحلي، وقد كان حلي بناتها قدر خمسين ألفًا". ابن زنجويه (7).

(1)"المصنف"(1078).

(2)

"المصنف"(10179).

(3)

"المصنف"(10545).

(4)

في "الأموال"(1780).

(5)

في "الأموال"(1783).

(6)

في "الأموال"(1786).

(7)

في "الأموال"(1788).

ص: 262

21 -

أنا علي بن الحسن، عن ابن المبارك، عن المثنى بن الصباح، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، قال:"زكاة الحلي لبوسِه أو عاريته، إذا زكاه مرة"، ابن زنجويه (1).

22 -

أنا علي بن الحسن، عن ابن المبارك، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال:"إذا كان حلي يعار ويلبس زكي مزة واحدة"، ابن زنجويه (2).

23 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: ثنا أبو العباس الأصم: ثنا يحيى بن أبي طالب: أنبأ عبد الوهاب: أنبأ أسامة بن زيد، عن نافع قال:"كان ابن عمر يحلي بناته بأربع مئة دينار؛ فلا يخرج زكاته". البيهقي (3).

يتبين بعد سوق الأحاديث والآثار على اختلافها ما يلي:

أولا: أن الوارد في المسألة تسعة أحاديث؛ لم يثبت منها سوى حديث عبد الله بن عمرو.

ثانيا: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عدم وجوب الزكاة في الحلي -مطلقًا-.

ثالثًا: أنه ثبت عن ثلاثة من الصحابة القول بوجوب الزكاة في الحلي؛ وهم: ابن مسعود، وعبد الله بن عمرو -راوي الحديث-، وعائشة رضي الله عنهم، وهذا مما يزيد الحديث قوة إلى قوته.

رابعا: أنه ثبت عن خمسة من الصحابة القول بعدم وجوب الزكاه في الحلي.

(1) في "الأموال"(1795).

(2)

في "الأموال"(1796).

(3)

"السنن الكبرى"(4/ 138).

ص: 263

"قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: خمسة من الصحابة؛ كانوا لا يرون في الحلي زكاة: أنس بن مالك، وجابر، وابن عمر، وعائشة، وأسماء"(1).

خامسًا: أن من القائلين بعدم الوجوب، ثبت عنه القول بالوجوب -وهي عائشة-، ومن المعلوم أن الأصل براءة الذمة؛ فتفطن.

سادسًا: أن من القائلين بعدم الوجوب من تردد ولم يجزم؛ إذا كان الحلي كثيرًا -وهو جابر بن عبد الله؛ كما تقدم- برقم (3).

سابعًا: أن من القائلين بالوجوب -وهو ابن مسعود- بين أن نصاب زكاة الحلي هو نفسه نصاب زكاة الذهب، وهذا إنّما يقال؛ إذا كان عنده توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم لا بالرأي؛ لأن هناك فارقًا بين الذهب -وهو النقد- وبين الحلي كما لا يخفى.

ثامنا: أن من القواعد المتفق عليها بين أهل السنة وجوب رد النزاع إلى الكتاب والسنة؛ كما قال -تعالى-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2).

وبما أن للصحابة -رضوان الله عليهم- قولين:

أحدهما: يوافق قول الرسول صلى الله عليه وسلم.

والآخر: لا يوافقه؛ فإن الواجب حينئذٍ الأخذ بما وافق قول النبي صلى الله عليه وسلم وترك ما سوى ذلك.

وعليه؛ فإن الواجب على المرأة إذا بلغ حليها قدر النصاب -وهو تسعون غرامًا تقريبًا بوزن الوقت-؛ وجب عليها إخراج زكاته وهو ربع العشر في كل حول.

(1)"نصب الراية"(3/ 375).

(2)

[النساء:59].

ص: 264

257 -

قال الْمُصنِّف (1):

"وأما ما أخرجه أبو داود، والدارقطني، والبزار من حديث جابر بن سمرة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بأن نخرج الزكاة فيما نعد"؛ فقال ابن حجر في "التلخيص": "إن في إسناده جهالة".

قال الفقير إلى عفو ربه: رواه أبو داود (2)، والدارقطني (3)، والبيهقي (4)، والطبراني (5)؛ كلهم من طريق جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، عن خبيب بن سليمان بن جندب، عن أبيه، عن سمرة بن جندب به.

"قال ابن حزم: رواته -يعني: من جعفر بن سعد إلى سمرة- مجهولون، وتبعه ابن القطان، فقال: ما من هؤلاء من يعرف حاله، وقد جهد المحدثون فيهم جهدهم، وهو إسناد يروى به جملة أحاديث، قد ذكر البزار منها نحو المائة، وقال عبد الحق الأزدي: خبيب ضعيف، وليس جعفر ممن يعتمد عليه.

وقال الذهبي في "الميزان": "وبكل حال هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم"، وقال الشيخ عبد الغني الزبيدي: وجعفر بن سعيد وخبيب ووالده سليمان، ذكرهم ابن حبان "في"ثقاته" (6).

قال ابن عبد البر: "رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن"(7).

وقال عبد الغني المقدسي: "وهو إسناد حسن غريب"(8).

(1)(1/ 504).

(2)

"السنن"(1562).

(3)

"السنن"(2/ 127).

(4)

"السنن الكبرى"(4/ 146).

(5)

"المعجم الكبير"(7/ 7029).

(6)

"التعليق المغني"(1/ 128).

(7)

"نصب الراية"(1/ 260).

(8)

"السنن"(2/ 133).

ص: 265

وقال الحافظ: "أخرجه أبو داود والدارقطني، والطبراني، وفيه ضعف"(1)؛ وهو الأظهر.

258 -

قال الْمصَنِّف (2):

"وأما ما رواه الحاكم، والدارقطني، عن عمران -مرفوعًا- بلفظ: "في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البزّ صدقتها -بالزاي المعجمة-، فقد ضعف الحافظ في "الفتح" جميع طرقه، وقال في واحدة منها: هذا إسناد لا بأس به".

قال الفقير إلى عفو ربه: أخرجه أحمد (3)، والترمذي (4)، والدارقطني (5)، والحاكم (6)، والبيهقي (7) من طريق محمد بن بكر: أخبرنا ابن جريج، عن عمران بن أبي أنس، بلغه عنه عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري، عن أبي ذربة.

وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع؛ فإن ابن جريج لم يسمع من عمران بن أبي أنس.

قال البخاري: "ابن جريج لم يسمع من عمران بن أبي أنس؛ يقول: حدثت عن عمران بن أبي أنس"(8).

وقال الحافظ: "وهذا إسناد حسن"(9).

(1)"الدراية"(1/ 260).

(2)

(1/ 504).

(3)

"المسند"(3/ 257).

(4)

في "العلل"(1/ 307).

(5)

"السنن"(2/ 102).

(6)

(1/ 388).

(7)

"السنن الكبرى"(4/ 147).

(8)

"العلل" للترمذي (1/ 307).

(9)

"الدراية"(1/ 260).

ص: 266

وأخرجه ابن أبي شيبة (1)، والدارقطني (2)، والبيهقي (3)، والبزار (4) من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن الحدثان، عن أبي ذر به، وهذا إسناد رجاله ثقات سوى موسى بن عبيدة الربذي، فهو ضعيف.

قال الحافظ: "قال أحمد: لا تحل الرواية عنه، وقال أبو زرعة: ليس بقوي الأحاديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن عدي: والضعف على رواياته بيّن (5) ".

قال الحافظ: "ومدار الحديث عليه"(6).

وقد اختلف في متنه؛ فقيل: "وفي البر" -بالراء المهملة-، وجاء بلفظ:"البز"؛ كما عند أحمد (7)، والدارقطني (8)، والبيهقي (9)؛ وهي الأرجح -كما سيتبين لك-.

والذي يظهر لي مما تقدم: أن الحديث يرتقي إلى درجة الحسن بمتابعة موسى بن عبيدة لابن جريج -كما قال الحافظ-، ويقوي هذا: أن فتوى الصحابة والتابعين على مقتضى هذا الحديث.

أ- آثار الصَّحابة:

1 -

عن ابن عمر قال: "ليس في العروض زكاة إلا في عرض في

(1)"المصنف"(3/ 213).

(2)

"السنن"(2/ 100).

(3)

"السنن الكبرى"(4/ 147).

(4)

"المسند"(3895 - 3896).

(5)

"التهذيب"(10/ 320).

(6)

"إتحاف المهرة"(14/ 182).

(7)

"المسند"(3/ 257).

(8)

"السنن"(2/ 102).

(9)

"السنن الكبرى"(4/ 147).

ص: 267

تجارة؛ فإن فيه زكاة"، رواه ابن أبي شيبة (1): حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر به.

ورواه الشافعي (2)، وعبد الرزاق (3)، وأبو عبيد (4)، وابن زنجويه (5) بلفظ:"ما كان من مال في رقيق، أو في دواب، أو في بز للتجارة؛ فإن فيه الزكاة في كل عام".

قال ابن عبد البر: "ما كان ابن عمر ليقول مثل هذا من رأيه؛ لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي، والله أعلم، ولولا أن ذلك عنده سُنة مسنونة ما قاله، وبالله التوفيق"(6).

2 -

عن عمر، رواه ابن أبي شيبة (7): حدثنا ابن نمير، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن أبي سلمة، أن أبا عمرو بن حماس أخبره:"أن أباه حماس كان يبيع الآدم والجعاب، وأن عمر قال له: يا حماس! أدّ زكاة مالك، فقال: والله مالي مال، إنما أبيع الآدم والجعاب، فقال: قوّمه وأد زكاته"، ومن هذا الطريق: أخرجه الدارقطني (8)، والبيهقي (9)، وأبو عبيد (10).

وهذا إسناد رجاله ثقات سوى أبي عمرو بن حماس، قال الذهبي:"مجهول"(11).

(1)"المصنف"(3/ 10459).

(2)

"المسند"(97).

(3)

"المصنف"(4/ 7103).

(4)

في "الأموال"(1181).

(5)

في "الأموال"(1690).

(6)

"الاستذكار"(9/ 118).

(7)

"المصنف"(3/ 10456).

(8)

"السنن"(2/ 213).

(9)

"السنن الكبرى"(4/ 147).

(10)

في "الأموال"(425).

(11)

"الميزان"(4/ 557).

ص: 268

وجهالة مثله لا تضر حيث لا يوجد من جرحه، أو طعن فيما ساقه من متن؛ على أن ابن حبان قد ذكره في "الثقات"، والله أعلم.

وأمّا أبوه حماس؛ فقد قال الحافظ: "هو مخضرم، كان رجلًا كبيرًا في عهد عمر وذكره ابن حبان في "الثقات" (1) ".

قال ابن تيمية: "واشتهرت القصة بلا منكر؛ فهي إجماع"(2).

قال ابن كثير: "رواه الشافعي وسعيد بن منصور بإسناد جيد"(3).

وقد أخرجه ابن أبي شيبة (4): حدثنا عبد الأعلى، عن أبي إسحاق، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ -وكان على بيت المال في زمن عمر- مع عبيد الله بن الأرقم-:"فإذا خرج العطاء؛ جمع عمر أموال التجارة، فحسب عاجلها وآجلها، ثم يأخذ الزكاة من الشاهد والغائب".

وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد (5)، وابن زنجويه (6)، وهذا إسناد رجاله ثقات سوى ابن إسحاق، فإنه مدلس؛ وهي علة عليلة لا يلجأ إليها إلا حينما يكون هناك مغمز في المتن، ولا يوجد، وهو شاهد قوي لما تقدم في قصة حماس.

3 -

عن ابن عباس، قال:"لا زكاة في العرض"، فهو ضعيف لوجهين:

1 -

قال البيهقي: "وهذا قول عامّة أهل العلم، فائذي روى عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: "لا زكاة في العرض"، فقد قال

(1)"تعجيل المنفعة"(1/ 466).

(2)

"الفتاوى"(25/ 15).

(3)

"إرشاد الفقيه"(1/ 259).

(4)

"المصنف"(3/ 10466).

(5)

في "الأموال"(1178).

(6)

في "الأموال"(1686).

ص: 269

الشافعي في كتاب "الأُم" في القديم: إسناد الحديث عن ابن عباس ضعيف، فكان اتباع حديث ابن عمر لصحته، والاحتياط في الزكاة أحب إلي والله أعلم" (1).

2 -

وقد ورد عنه خلاف ذلك؛ قال البيهقي: "وقد حكى ابن المنذر عن عائشة، وابن عباس مثل ما رويناه عن ابن عمر، ولم يحك خلافهم عن أحد، فيحتمل أن يكون معنى قوله -إن صح-: "لا زكاة في العرض"؛ أي: إذا لم يرد به التجارة"(2).

وقال ابن عبد البر: "ولهذا ومثله قلنا: إن الذي روى عن عائشة، وابن عباس في أن لا زكاة في العروض، إنما ذلك إذا لم يرد بها التجارة"(3).

هذا لو كان لها أسانيد معتبرة أو مقاربه؛ فكيف وحالها كما عرفت؟!

ب- آثار التّابعين:

1 -

عمر بن عبد العزيز، قال مالك (4)، عن يحيى بن سعيد، عن زريق بن حيان -وكان زريق على جواز مصر في زمان الوليد وعمر بن عبد العزيز- فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه:"أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات، من كل أربعين دينارٍ دينارًا، فما نقص؛ فبحساب ذلك، حتى يبلغ عشرين دينارًا، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا".

2 -

عطاء، قال عبد الرزاق (5)، عن ابن جريج، قال: قال عطاء في البز: "إن كان يدار كهيئة الرقيق زكى ثمنه".

(1)"السنن الكبرى"(4/ 147).

(2)

"السنن الكبرى"(4/ 147).

(3)

"التمهيد"(17/ 29).

(4)

في "الموطأ"(1/ 230).

(5)

"المصنف"(4/ 7100).

ص: 270

ومن هذا الطريق قال: "كان عطاء يقول: "لا زكاة في عرض لا يدار إلا الذهب والفضة؛ فإنه إذا كان تبرًا موضوعًا، وإن كان لا يدار زكى".

وقال أبو عبيد (1): حدثنا هشيم، عن حجاج، عن عطاء، أنّه قال:"ليس في الجواهر، واللؤلؤ، وأشباه ذلك زكاة، إلا أن يكون اشتري للتجارة".

3 -

عروة بن الزبير، قال عبد الرزاق (2)، عن ابن جريج، قال: حدثت عن عمرو بن مسلم، وأبي النضر، عن ابن المسيب؛ وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه؛ وعن أبي الزناد عن عروة بن الزبير؛ أنهم قالوا في العروض:"تُدار الزكاة كل عام، لا يؤخذ منها الزكاة حتى يأتي ذلك الشهر من عام قابل".

4 -

جابر بن زيد، قال أبو عبيد (3): وحدثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، أنه قال في مثل ذلك:"قومه بنحو من ثمنه يوم حلّت فيه الزكاة، ثم أخرج زكاته".

5 -

ميمون بن مهران، قال أبو عبيد (4): حدثنا كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال:"إذا حلّت عليك الزكاة؛ فانظر ما كان عندك من نقد أو عرض للبيع، فقومه قيمة النقد، وما كان من دين في ملاءة فاحبسه، ثم اطرح منه ما كان عليك من الدّين ثم زك ما بقي".

6 -

الحسن البصري، قال أبو عبيد (5): حدثنا يزيد عن هشام، عن الحسن، قال:"إذا حضر الشهر الذي وقت الرجل أن يؤدي فيه زكاته أدى كل مال له، وكل ما ابتاع من التجارة، وكل دين إلَّا ما كان منه ضمارًا لا يرجوه".

(1) في "الأموال"(1187).

(2)

"المصنف"(4/ 7104).

(3)

في "الأموال"(1183).

(4)

في "الأموال"(1184).

(5)

في "الأموال"(1185).

ص: 271

7 -

إبراهيم النخعي، قال أبو عبيد (1): وحدثنا هشيم، قال: أخبرنا المغيرة عن إبراهيم، قال:"يقوم الرجل متاعه إذا كان للتجارة إذا حلت عليه الزكاة فيزكيه مع ماله".

وعن ابن أبي شيبة (2): "كل شيء أريد به التجارة ففيه الزكاة، وإن كان لبنًا أو طينًا".

8 -

مجاهد، قال أبو عبيد (3): وحدثنا مروان الشجاع، عن خصيف، عن مجاهد، قال:"ليس في الجوهر واللؤلؤ وأشباه ذلك زكاة إلّا أن يكون اشتري للتجارة".

9 -

سالم وسعيد بن جبير، قال أبو عبيد (4): وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم وسالم، عن سعيد بن جبير، أنهما قالا مثل ذلك.

10 -

محمد بن سيرين، قال ابن أبي شيبة (5): حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي هلال، عن ابن سيرين، قال في المتاع:"يقوم ثم تؤدى زكاته".

11 -

طاووس بن كيسان، قال ابن زنجويه (6): حدثنا محمد بن يوسف: أنا سفيان عن عبد الكريم، عن طاووس، قال:"كل دين يرجى أو عرض أو نقد ففيه الزكاة".

12 -

عكرمة، قال ابن زنجويه (7): ثنا يحيى بن عبد الحميد: انا شريك عن خصيف عن عكرمة: "ليس في الجوهر زكاة إلّا أن يكون للتجارة".

(1) في "الأموال"(1186).

(2)

"المصنف"(3/ 215).

(3)

في "الأموال"(1187).

(4)

في "الأموال"(1188).

(5)

"المصنف"(3/ 215).

(6)

في "الأموال"(1691).

(7)

في "الأموال"(1696).

ص: 272

13 -

سعيد بن المسبب، قال ابن زنجويه (1): ثنا يحيى بن عبد الحميد: ثنا شريك عن سالم عن سعيد قال: "ليس في الخرز واللؤلؤ زكاة إلّا أن يكون للتجارة".

ج- الإجماع: فقد حكى الإجماع على وجوب زكاة عروض التجارة غير واحد من أهل العلم؛ منهم:

1 -

ابن المنذر، قال البيهقي:"وقد حكى ابن المنذر عن عائشة، وابن عباس مثل ما رويناه، عن ابن عمر، ولم يحك خلافهم عن أحد"(2).

2 -

الطحاوي، قال:"قد ثبت عن عمر وابن عمر زكاة عروض التجارة، ولا مخالف لهما من الصحابة- رضوان الله عليهم-"(3).

3 -

البيهقي، قال:"وهو قول عامة أهل العلم"(4).

4 -

أبو عبيد القاسم بن سلام، قال:"فعلى هذا أموال التجارة عندنا -وعليه أجمع المسلمون-: أن الزكاة فرض واجب فيها، وأما القول الآخر؛ فليس من مذاهب أهل العلم عندنا"(5).

5 -

ابن عبد البر، قال:"فإن أريد بشيء من ذلك التجارة؛ فالزّكاة واجبة فيه عند أكثر العلماء، وممن رأى الزكاة في الخيل والرقيق وسائر العروض كلها إذا أريد بها التجارة: عمر وابن عمر ولا مخالف لهما من الصّحابة، وهو قول جمهور التابعين بالمدينة والبصرة والكوفة، وعلى ذلك فقهاء الأمصار بالحجاز، والعراق، والشام، وهو قول جماعة أهل الحديث"(6).

(1) في "الأموال"(1695).

(2)

"السنن الكبرى"(4/ 147).

(3)

"الاستذكار"(9/ 117).

(4)

"السنن الكبرى"(4/ 147).

(5)

"الأموال"(1192).

(6)

"التمهيد"(17/ 25).

ص: 273

6 -

ابن تيمية، قال: "وأما العروض التي للتجارة ففيها الزكاة، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة؛ إذا حال عليها الحول؛ روى ذلك عن عمر، وابنه، وابن عباس، وبه قال الفقهاء السبعة، والحسن، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، وطاووس، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد.

وحكى عن مالك وداود: لا زكاة فيها.

وفي "سنن أبي داود" عن سمرة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع"، وروى عن حماس قال:"مر بي عمر فقال: أد زكاة مالك، فقلت: ما لي إلا جعاب وآدم، فقال: قومها ثم أد زكاتها"، واشتهرت القصة بلا منكر؛ فهي إجماع" (1).

قال الألباني رحمه الله: "ومثل هذه القاعدة ليس من السهل نقضها أو على الأقل تخصيصها ببعض الآثار ولو صحت؛ كقول عبد الله بن عمر: "ليس في العروض زكاة إلَّا ما كان للتجارة"؛ أخرجه الإمام الشافعي في "الأم" بسند صحيح، ومع كونه موقوفًا غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه ليس فيه بيان نصاب زكاتها، ولا ما يجب إخراجه منها، فيمكن حمله على زكاة مطلقة غير مقيده بزمن أو كمية، وإنما بما تطيب به نفس صاحبها فيدخل حينئذ في عموم النصوص الآمرة بالإتفاق؛ كقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}، وقوله -جل وعلا-: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم اعط ممسكًا تلفًا" (2).

قال الفقير إلى عفو ربه: ليس الأمر كما قال أبو عبد الرحمن رحمه الله؛ فإن ابن عمر رضي الله عنه بين -كما عرفت- أن الزكاة

(1)"مجموع الفتاوى"(25/ 15).

(2)

"تمام المنّة"(364).

ص: 274

فيها كل عام، وهذا يدل على أنه جعلها مثل النقدين، ولا يعرف في الشرع زكاة لم يحدد الشارع نصابها، حتى زكاة الفطر.

أما قوله رحمه الله: "ومع كونه موقوفًا غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالجواب عليه أنه اجتمع فيه أمران:

الأول: اشتهاره، حتى إن من بعد الصّحابة لم يعرفوا سواه.

الثاني: عدم وجود المخالف من الصحابة.

فهو بهذين القيدين حجة حتى على طريقة الشيخ رحمه الله كما حدثني بذلك، حيث إنه جعل ضابط كون الموقوف حجة: هو اشتهاره وعدم وجود المخالف.

قال الألباني رحمه الله: "وقد صح شيء مما ذكرته عن بعض السلف، فقال ابن جريج: قال لي عطاء: "لا صدقة في اللؤلؤ، ولا زبرجد، ولا ياقوت، ولا فصوص، ولا عرض، ولا شيء يدار -أي: لا يتاجر به-، وإن كان شيئًا من ذلك؛ ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع"، أخرجه عبد الرزاق (1)، وابن أبي شيبة (2) وسنده صحيح جدًّا.

والشاهد من قوله: "ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع"؛ فإنه لم يذكر تقويمًا ولا نصابًا ولا حولًا، ففيه إبطال لادعاء البغوي (3)، الإجماع على وجوب الزكاة في قيمة عروض التجارة؛ إذا كانت نصابًا عند تمام الحول؛ كما زعم أنه لم يخالف في ذلك إلا داود الظاهري".

قال الفقير إلى عفو ربه: فقوله رحمه الله: "ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع"، لا يخلو إما أنه أراد الصدقة الواجبة -والتي بين الشارع نصابها- أو أراد الصدقة المستحبة -غير واجبة-، والظّاهر هو الأول؛ لأنه اشترط التجارة، ومن المتفق عليه أن الشارع لا يمكن أن يوجب أمرًا غير معلوم

(1)"المصنف"(4/ 84).

(2)

"المصنف"(3/ 144).

(3)

في "شرح السنة"(6/ 53).

ص: 275

الصفة والمقدار، وقد كان من عادته صلى الله عليه وسلم يقدر المقدرات بأوعيتها؛ كما قال:"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة".

والوسق: حمل الجمل، فعلم بهذا أنه لا بد أن يقال: إن في العروض زكاة معلومة النصاب، وقد جاءت السنة والآثار عن عمر وغيره أنها تقوم ويخرج منها ربع العشر كحال النقدين.

259 -

قال الْمُصَنِّف (1):

"وأخرج الطبراني عن عمر قال: "إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة

فذكرها".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال أبو زرعة: "موسى بن طلحة بن عبيد الله، عن عمر؛ مرسلًا"(2).

260 -

قال الْمُصَنِّف (3):

"وأخرج البيهقي من طريق مجاهد قال: "لم تكن الصدقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا في خمسة

فذكرها".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال أبو عبد الرَّحمن رحمه الله: "قلت: هو مع إرساله لا يصح؛ لأنه من رواية عتاب الجزري -صدوق يخطئ- عن خصيف-وهو سيء الحفظ خلط بآخره؛ كما في "التقريب" (4).

261 -

قال الْمُصَنِّف (5):

"وأخرج أيضًا من طريق الحسن، فقال: "لم يفرض الصدقة النبي صلى الله عليه وسلم

(1)(1/ 508).

(2)

"المراسيل" لابن أبي حاتم (379).

(3)

(1/ 509).

(4)

"التعليقات الرضية"(1/ 509).

(5)

(1/ 509).

ص: 276

إلا في عشرة .... فذكر الخمسة المذكورة، والإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والفضة".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال الألباني رحمه الله: "وفي الطريق التي بعدها عن الحسن: عمرو بن عبيد؛ وهو متروك، على أن رواية عنه -وهو ابن عيينة- شك، فقال: أراه قال: "والذرة"؛ لكنه في رواية أخرى عنه قال: "السلت"، ولم يذكر الذرة، والسلت: ضرب من الشعير، كما في "النهاية"، فذكر "الذرة" منكر لضعف أسانيدها ومخالفتها لحديث أبي موسى الصريح في أنها أربع وبالذرة تصير خمسًا"(1).

قال الحافظ: "أما الذرة؛ فقد تقدم أن إسنادها ضعيف جدًّا، وأما غيرها فوقع في رواية الحسن المرسلة وهي من طريق عمرو بن عبيد وهو ضعيف جدًّا؛ فكيف يؤخذ بهذه الزيادة الواهية"(2).

ومما يدل على ضعف ونكارة رواية: "الذرة": ما أخرجه يحيى بن آدم في الخراج (3): حدثنا وكيع، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، عن موسى بن طلحة:"أن معاذًا أتى اليمن، فلم يأخذ الصدقة؛ إلّا من الحنطة، والشّعير، والتمر، والزبيب" وإسناده صحيح.

وبما رواه أيضًا (4) قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا طلحة بن يحيى، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري:"أنه لما أتى اليمن لم يأخذ الصدقة؛ إلا من الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب"، وإسناده صحيح.

وبما رواه أيضًا (5)، قال: قال شريك: "وكان موسى بن طلحة يذكر أن في الكتاب إلى عمرو بن حزم: أن الصدقة في هذه الأربعة الأشياء: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب"، قال يحيى: قال شريك: فصدّقه

(1)"التعليقات الرضية"(1/ 509).

(2)

"التلخيص"(2/ 323).

(3)

(509).

(4)

(538).

(5)

(501).

ص: 277

الحجاج وعامل الناس بذلك"، وإسناده صحيح.

وبما رواه أيضًا (1) قال: حدثنا زهير بن معاوية، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يقول -في صدقة الثمار والزرع-:"ما كان من نخل، أو كرم، أو زرع، أو حنطة، أو شعير، أو سلت؛ ففيه العشر، أو نصف العشر"، وإسناده صحيح.

262 -

قال الْمصَنِّف (2):

"ومن جملة سبيل الله: الصرف في العلماء الذين يقومون بمصالح المسلمين الدينية؛ فإنّ لهم في مال الله نصيبًا، سواء كانوا أغنياء أو فقراء؛ بل الصرف في هذه الجهة من أهم الأمور؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين؛ وبهم تحفظ بيضة الإسلام، وشريعة سيد الأنام، وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما يقوم بما يحتاجون إليه من زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من يرد عليهم من الفقراء وغيرهم، والأمر في ذلك مشهور، ومنهم من كان يأخذ زيادة على مئة ألف درهم".

قال الفقير إلى عفو ربه: مراده -والله أعلم- أن يوكل العلماء بصرف الزكاة على أهلها؛ وذلك لأمانتهم، وعلمهم بالمستحق، لا أنهم يأخذون لحظ أنفسهم وهذا لا دليل عليه؛ لا من الكتاب، ولا السنة، ولا الأثر.

263 -

قال الْمصَنِّف (3):

"قال ابن قدامة: لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة.

وكذا حكى الإجماعَ [أبو طالب -من أهلِ البيت-؛ كما حكى ذلك عنه في "البحر، وكذا حكاه]" ابنُ رسلان".

(1)(535).

(2)

(1/ 533).

(3)

(1/ 539).

ص: 278

قال الفقير إلى عفو ربه: "وحكي الاتفاق على أنهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ وهم: آل علي، آل عباس، آل جعفر، آل عقيل، آل الحارث"(1).

264 -

قال المصَنِّف (2):

"قال في الحجة البالغة: "وجاء في تقدير الغُنْية المانعة من السؤال، أنها أوقية أو خمسون درهمًا، وجاء أيضًا أنها ما يغذّيه أو يعيشه، وهذه الأحاديث ليست متخالفة عندنا؛ لأن الناس على منازل شتى، ولكل واحد كسب لا يمكن أن يتحول عنه، فمن كان كاسبًا بالحرفة؛ فهو معذور؛ حتى يجد آلات الحرفة، ومن كان زارعًا حتى يجد آلات الزرع، ومن كان تاجرًا حتى يجد البضاعة، ومن كان على جهاد مسترزقًا بما يروح ويغدو من الغنائم، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالضابط فيه، أوقية، أو خمسون درهمًا، ومن كان كاسبًا بحمل الأثقال في الأسواق، أو احتطاب الحطب وبيعه وأمثال ذلك؛ فالضابط فيه: ما يغذيه ويعشيه".

قال الفقير إلى عفو ربّه: قال شيخ الإسلام: والضابط في ذلك -والله أعلم- هو العرف "ومن ملك ولو أثمانًا لا تقوم بكفايتة أعطي تمام كفايته؛ فإن الغني الذي لا يجوز إعطاؤه منها؛ هو ما يعده الناس غنيًّا، ويحصل به الكفاية على الدوام إما من إجارة أرض أو عقار، أو غير ذلك، فمن كان محتاجًا حلت له وإن ملك نصابًا، قال الشافعي وغيره؛ قد يكون الرجل بالدرهم غنيًّا مع كسبه ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله، وقال أحمد وغيره: إذا كان له عقار وضيعة يستغلها عشرة آلاف -مثلًا- أو أكثر ولا تكفيه يأخذ من الزّكاة، ويكون له الزرع القائم وليس له ما يحصده يأخذ منها.

وقال الشيخ: وفي معناه ما يحتاج إليه لإقامة مؤنة، وإن لم ينفقه بعينه فيها، وكذا من له كتب يحتاج للحفظ والمطالعة، أو لها حلي للبس، أو

(1)"الإحكام" للعلَّامة عبد الرحمن بن قاسم (2/ 222).

(2)

(1/ 540).

ص: 279

كراء تحتاج إليه؛ لا يمنع ذلك الأخذ من الزكاة" (1).

265 -

قال الْمُصَنِّف (2):

"ثم اعلم أنّ الأدلة طافحة بأن الصرف في ذوي الأرحام أفضل؛ من غير فرق بين الصدقة الواجبة والمندوبة، كما يدل على ذلك ترك الاستفصال في مقام الاحتمال، فإنّه ينزل منزلة العموم.

على أنه قد ورد التصريح في حديث أبي سعيد عند البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة:"زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم".

وثبت عند البخاري، وأحمد عن مَعْن بن يزيد، قال: أخرج أبي دنانير يتصدّق بها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لك ما نويت يا يزيد! ولك ما أخذت يا معن! ".

وهذه الأدلة إنّما هي تبرع من القائل بالجواز والإجزاء، وإلّا فهو قائم مقام المنع من كون القرابة أو وجوب النفقة مانِعينِ، ولم يأت القائل بذلك بدليل يَنْفُقُ في محل النزاع، على فرض أنه لم يكن بيد القائل بالجواز إلا التمسك بالأصل، فكيف والأدلة عمومًا وخصوصًا ناطقة بما ذهبوا إليه".

قال الفقير إلى عفو ربه: "قال شيخ الإسلام في دفع الزكاة إلى الوالدين إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن الإنفاق عليهم يجوز دفعها إليهم؛ وهو أحد القولين في مذهب أحمد، ويشهد له العمومات، وقال: الأقوى دفعها إليهم في هذه الحال؛ لأن المقتضي موجود، والمانع مفقود؛ فوجب العمل بالمقتضى السالم من المعارض المقاوم.

(1)"الإحكام"(2/ 182).

(2)

(1/ 542).

ص: 280

وقال: إذا كان محتاجًا إلى النَّفقة وليس لأبيه ما يُنفق عليه؛ ففيه نزاع، والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه.

وأمّا إذا كان مستغنيًا بنفقة أبيه، فلا حاجة به إلى زكاته، وفي "الصحيح" في الذي وضع صدقته عند رجل فجاء ولد المصدق فأخذها ممّن هي عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمتصذق:"لك ما نويت"، وقال للآخذ:"لك ما أخذت".

قال ابن رجب: إنما يمنع من دفع زكاته إلى ولده خشية أن تكون محاباة، وإذا وصلت إليه من حيث لا يشعر كانت المحاباة منحفية؛ وهو من أهل الاستحقاق".

وقال الشيخ: وإذا كانت الأم فقيرة ولها أولاد صغار لهم مال، ونفقتها تضرّ بهم، أعطيت من زكاتهم.

وإذا كان على الولد دين لا وفاء له جاز أن يأخذ النفقة من زكاة أبيه في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره" (1).

* * *

(1)"الإحكام"(2/ 199).

ص: 281